|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَالْعَقِيقَةِ يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: [أَفْضَلُهَا إِبِلٌ ثُمَّ بَقَرٌ ثُمَّ غَنَمٌ وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا جِذْعَ ضَأْنٍ وَثَنِيِّ سِواهُ، فَالْإِبِلُ خَمْسُ سِنِينَ وَالْبَقَرُ سَنَتَانِ وَالْمَعِزُ سَنَةٌ وَالضَّأْنُ نِصْفُهَا. وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَلَا تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ وَالْعَجْفَاءُ وَالعَرْجَاءُ وَالْهَتْمَاءُ وَالْجَدَّاءُ وَالْمَرِيضَةُ وَالْعَضْبَاءُ بَلِ الْبَتْرَاءُ خِلْقَةً وَالْجَمَّاءُ وَالْخَصِيُّ غَيْرُ الْمَجْبُوبِ، وَمَا بِأُذْنِهِ أَوْ قَرْنِهِ قَطْعٌ أَقَلُّ مِنَ النِّصْفِ]. بَعْدَ أَنِ انْتَهَى الْمُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- مِنَ الْكَلَامِ عَنْ أَحْكَامِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ بَدَأَ بِأَحْكَامِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَالْعَقِيقَةِ. الْكَلَامُ هُنَا فِي فُرُوعٍ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: تَعْرِيفُ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ وَالْعَقِيقَةِ لُغَةً وَشَرْعًا. وَفِيهِ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَعْرِيفُ الْهَدْيِ لُغَةً وَشَرْعًا. الْهَدْيُ لُغَةً: مَا أُهْدِيَ إِلَى الْبَيْتِ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: هَدْيٌ بِإِسْكَانِ الدَّالِ، وَهَدِيٌّ بِكَسْرِهَا وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَيُقَالُ: الْهَدْيُ بِالتَّخْفِيفِ: لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْهَدِيُّ بِالتَّشْدِيدِ: لُغَةُ بني تَمِيم، وَقَدْ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: ﴿ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه ﴾ [البقرة: 196]، وَ(الهَدِيُّ)، وَسُمِّيَ هَدْيًا: لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى[1]. وَالْهَدْيُ شَرْعًا: مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا؛ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَمَا وجَبَ بِسَبَبِ تَمَتُّعٍ، أَوْ قِرَانٍ، أَوْ إِحْصَارٍ[2]. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَعْرِيفُ الْأُضْحِيَّةِ لُغَةً وَشَرْعًا. الْأُضْحِيَّةُ لُغَةً: الشَّاةُ الَّتِي يُضَحَّى بِهَا، وفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ؛ يُقَالُ: أُضْحِيَّةٌ وَإِضْحِيَّةٌ، وَجَمعُهَا: أَضَاحِيُّ، وَضَحِيَّةٌ، وَجَمعُهَا: ضَحَايَا، وأَضْحَاةٌ، وَجَمْعُهَا: أَضْحَى. قَالَ وَبِهِ سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي وَقْتِ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ[3]. وَالْأُضْحِيَةُ شَرْعًا: مَا يُذْبَحُ فِي أَيَّامِ الْأَضْحَى مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى[4]. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَعْرِيفُ الْعَقِيقَةِ لُغَةً وَشَرْعًا. الْعَقِيقَةُ لُغَةً: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَأَصْلُهَا: الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رَأْسِ الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ، وَسُمِّيَ الشَّعْرُ الْمَذْكُورُ عَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُحْلَقُ وَيُقْطَعُ، وَقِيلَ لِلذَّبِيحَةِ: عَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ؛ أَيْ: يُشَقُّ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا وَوَدَجَاهَا[5]. وَالْعَقِيقَةُ شَرْعًا: مَا يُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ شُكْرًا للهِ عَلَى نِعْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ[6]. أَوْ هِيَ: مَا تُقُرِّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ جَذَعِ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيِّ سَائِرِ النَّعَمِ سَالِمَيْنِ مِنْ بَيِّنِ عَيْبٍ مَشْرُوطٍ بِكَوْنِهِ فِي سَابِعِ وِلَادَةِ آدَمِيٍّ حَيٍّ عَنْه[7]. فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ يُذْبَحُ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَشُكْرًا لَهُ عَلَى نِعَمِهِ. فَـــــــائِدَةٌ: الْهَدْيُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: هَدْيُ التَّطَوُّعِ. وَهُوَ غَيْرُ الْوَاجِبِ، وَهُوَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. الْقِسْمُ الثَّانِي: هَدْيُ الْمُحْصَرِ. وَهُوَ الْهَدْيُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى مَنْ أُحْصِرَ[8]؛ فَهَذَا إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ مِنْ قَبْلُ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ وَيُوَزِّعُهُ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ: هَدْيُ الْوَاجِبِ. وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: هَدْيُ الشُّكْرِ. وَهُوَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ، فَهَذَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَيُهْدِي وَيَتَصَدَّقُ، وَوَقْتُ ذَبْحِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَمَكَانُ ذَبْحِهِ الْحَرَمُ. الثَّانِي: هَدْيُ الْجُبْرانِ. وَهُوَ الْهَدْيُ الْوَاجِبُ بِسَبَبِ تَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا لَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ شَيْئًا؛ بَلْ يُوَزِّعُهُ عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، وَيَذْبَحُهُ فِي مَكَانِ فِعْلِ الْمَحْظُورِ. وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ -هَدْيُ التَّطَوُّعِ- يَكُونُ بِأَيِّ شَيْءٍ؛ فَلَا يَخْتَصُّ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ؛ بَلْ كُلُّ مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ فَهُوَ هَدْيٌ، فَلَوْ أَهْدَى حَمَامًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَيَّ شَيْءٍ فَهُوَ هَدْيٌ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّاِني وَالثَّالِثُ -هَدْيُ الْمُحْصَرِ، وَهَدْيُ الْوَاجِبِ- فَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. فـَــــائِدَةٌ: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا، أَوْ قَلَّدْتُهَا، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى البَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ؛ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ»[9]. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغَنَمِ، فَيَبْعَثُ بِهِ، ثُمَّ يُقِيمُ فِينَا حَلَالًا»[10]. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ، حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْيُ، وَقَدْ بَعَثْتُ بِهَدْيِي، فَاكْتُبِي إِلَيَّ بِأَمْرِكِ، قَالَتْ عَمْرَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ، حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ»[11]. فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: مَشْرُوعِيَّةُ أَنْ يَسُوقَ الْإِنْسَانُ الْهَدْيَ إِلَى مَكَّةَ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي بَلَدِهِ، كَمَا هُوَ هَدْيُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَيَبْعَثُهَا مَعَ أَحَدٍ إِلَى الْحَرَمِ، أَوْ يَتَوَاصَلُ مَعَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَيُحَوِّلُ لَهُ مَبْلَغًا مِنَ الْمَالِ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ شَاةً وَيُوَزِّعَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْهَدْيِ إِلَى الْحَرَمِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَيْهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَعْثُهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَاسْتِحْبَابُ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِشْعَارِ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ وَحْدَهُ. وَفِيهِ: اسْتِحْبَابُ فَتْلِ الْقَلَائِدِ. وَفِيهِ: أَنَّ مَنْ بَعَثَ هَدْيَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً؛ إِلَّا حِكَايَةً رُوِيَتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَحَكَاهَا الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا فَعَلَهُ لَزِمَهُ اجْتِنَابُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِحْرَامِ، وَالصَّحِيحُ: مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ"[12]. الْفَرْعُ الثَّانِي: بَيَانُ أَفْضَلِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَةِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَفْضَلُهَا: إِبِلٌ ثُمَّ بَقَرٌ ثُمَّ غَنَمٌ). أَيْ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَة: إِبِلٌ ثُمَّ بَقَرٌ ثُّمَ غَنَمٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ثَمَنًا وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ، لَكِنْ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِنْ أَهْدَى أَوْ ضَحَّى بِبَعِيرٍ كَامِلٍ، أَوْ بَقَرَةٍ كَامِلَةٍ، وَإِلَّا فَإِنَّ سَبْعَ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعِ بَقَرَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا التَّفْضِيلِ: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ»[13]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَعْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»[14]. الْفَرْعُ الثَّالِثُ: السِّنُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا فِي الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِي. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إِلَّا جِذْعَ ضَأْنٍ وَثَنِيُّ سِواهُ؛ فَالْإِبِلُ خَمْسٌ، وَالْبَقَرُ سَنَتَانِ، وَالْغَنَمُ سَنَةٌ، وَالضَّأْنُ نِصْفُهَا). هَذَا أَحَدُ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرةِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ الْمُعْتَبَرَ شَرْعًا، وَالسِّنُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا هُوَ: جِذْعُ الضَّأْنِ: وَهُوَ مَا كَمُلَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَالثَّنِيُّ مِنَ الْمَعْزِ: مَا كَمُلَ لَهُ سَنَةٌ. وَالثَّنِيُّ مِنَ الْبَقَرِ: مَا كَمُلَ لَهُ سَنَتَانِ، وَالثَّنِيُّ مِنَ الْإِبِلِ: مَا كَمُلَ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ[15]. فَإِنْ كَانَتْ دُونَ هَذَا السِّنِّ فَلَا تُجْزِئُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ»[16]. فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ: عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَةِ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ إِلَّا الْمُسِنَّةُ، وَالْمَقْصُودُ بِالْمُسِنَّةِ: الثَنِيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ الضَّأْنِ، وَسَبَقَ أَنَّهَا: مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ مِنَ الْمَعْزِ، وَمَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ مِنَ الْبَقَرِ، وَمَا تَمَّ لَهُ خَمْسُ سِنِينَ مِنَ الْإِبِلِ. كَمَا أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْجَذَعَةَ مِنَ الضَّأْنِ لَا تُجْزِئُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الْمُسِنَّةِ؛ لَكِنْ هَذَا الظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ بَلْ يَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِالْجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ سَوَاءٌ وُجِدَتِ الْمُسِنَّةُ أَمْ لَا؛ وَذَلِكَ لِوُجُودِ أَحَادِيثَ أُخْرَى صَحِيحَةٍ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ بِالْجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ بِإِطْلَاقٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ: حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَذَعٍ مِنَ الضَّأْنِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَوَّى إِسْنَادَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ[17]. مَسـْـأَلَةٌ: لَا تُجْزِئُ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ هَدْيُ النَّبِّي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَلَمْ يُعْرَفْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ ضَحُّوا بِغَيْرِهَا. الْفَرْعُ الرَّابِعُ: الاِشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِي. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ). وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولُى: تُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ). وَهَذَا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْم[18]، فَلَا يَجُوزُ الاِشْتِرَاكُ فِي الْمِلْكِ، أَمَّا الاِشْتِرَاكُ فِي الثَّوَابِ فَلَا حَدَّ لَهُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- «أنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، يَطَأُ في سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ في سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ في سَوَادٍ؛ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ. ثُمَّ قَالَ: اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ: ثمَّ أخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَه، ثُمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ تَقبَّلْ مِن مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ»[19]، فَيَجُوزُ لِلْمُضَحِّي أَنْ يُضَحِّيَ وَيُشْرِكَ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ أَهْلَ بَيْتِهِ وَعِيَالَهُ وَمَنْ يُرِيدُ. وَقَدْ قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: «كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَتْ كَمَا تَرَى» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ[20]. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ). وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ[21]؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»[22]. وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»[23]. قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ: "وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهِمْ: يَرَوْنَ الْجَزُورَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ"[24]. الْفَرْعُ الْخَامِسُ: الْعُيُوبُ الَّتِي تَمْنَعُ إِجْزَاءَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ). مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ: أَنْ تَكُونَ سَالِمَةً مِنَ الْعُيُوبِ، وَالْعُيُوبُ الَّتِي لَا تُجْزِئُ هِيَ: الْعْيَبُ الْأَوَّلُ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ). وَهِيَ الَّتَي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ، فَلَوْ لَمْ تَذْهَبِ الْعَيْنُ أَجْزَأَتْ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ يَمْنَعُ الْإِبْصَارَ[25]، وَلاَ تُجْزِئُ الْعَمْيَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْعَوْرَاءِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْعَمْيَاءِ، أَمَّا الْعَوْرَاءُ الَّتِي لَيْسَ عَوَرُهَا بَيِّنًا فَتُجْزِئُ. الْعَيْبُ الثَّانِي: الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَجْفَاءُ). وَالْعَجْفَاءُ هِيَ: الْمَهْزُولَةُ الَّتِي ذَهَبَ نَقِيُّهَا، وَهُوَ الْمُخُّ الَّذِي فِي الْعِظَامِ[26]، فَإنَّهَا لَا تُجْزِئُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْخِلْقَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، فَإِذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ كَانَ تَقْصِيرًا. وَهَذِهِ لَا تُجْزِئُ بِالْإِجْمَاعِ[27]. الْعَيْبُ الثَّالِثُ: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَرْجَاءُ). وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنْ لَا تَقْدِرَ عَلَى الْمَشْيِ مَعَ الْغَنَمِ[28]، أَمَّا إِذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَهِذِهِ عَرَجُهَا لَيْسَ بَيِّنًا. الْعَيْبُ الرَّابِعُ: الْهَتْمَاءُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْهَتْمَاءُ). وَالْهَتْمَاءُ هِيَ: الَّتِي سَقَطَتْ بَعْضُ أَسْنَانِهَا[29]، فَهَذِهِ لَا تُجْزِئُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. يتبع
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 15-06-2024 الساعة 09:54 AM. |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |