|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] الكتاب : المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد الناشر : دار الفكر - بيروت من صــ3 الى صــ10 (1) بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام الصيام في اللغة الإمساك : صام النهار إذا وقف سير الشمس قال الله تعالى إخبارا عن مريم : { إني نذرت للرحمن صوما } أي صمتا لأنه إمسك عن الكلام وقال الشاعر : ( خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما ) يعني بالصائمة الممسكة عن الصهيل والصوم في الشرع عبارة عن الإمساك عن أشياء مخصوص في وقت مخصوص يأتي بيانه إن شاء الله تعالى وصوم رمضان واجب والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ بني الإسلام على خمس ] ذكر منكم صوم رمضان وعن طلحة بن عبيد الله [ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم ثائر الرأس فقال : يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام ؟ قال : شهر رمضان قال هل علي غيره ؟ قال : لا إلا أن تطوع شيئا قال : فأخبرني ماذا فرض الله علي من الزكاة ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم بشرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال النبي صلى الله عليه و سلم أفلح أن صدق أو دخل الجنة إن صدق ] متفق عليهما وأجمع على وجوب صيام شهر رمضان حكم صوم رمضان ومشروعيته فصل [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ] متفق عليه وروي عن أبي هريرة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تقولوا جاء رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ] فيتعين حمل هذا على أنه لا يقال ذلك غير مقترن بما يدل على إرادة الشهر لئلا يخالف الأحاديث الصحيحة والمستحب مع ذلك أن يقول شهر رمضان كما قال الله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } واختلف في المعنى الذي لأجله سمي رمضان فروي أنس [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : إنما سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب ] فيحتمل أنه أراد أنه شرع صومه دون غيره ليوافق اسمه معناه وقيل هذا اسم موضوع لغير معنى كسائر الشهور وقيل غير ذلك فصل : والصوم المشروع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس وروي معنى ذلك عن عمر وابن عباس وبه قال عطاء وعوام أهل العلم وروي عن علي رضي الله عنه أنه لما صلى الفجر قال : الآن حين تبين الخيط البيض من الخيط الأسود وعن ابن مسعود نحوه وقال مسروق لم يعدون الفجر فجركم إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق وهذا قول الأعمش ولنا قول الله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } يعني بياض النهار من سواد الليل وهذا يحصل بطلوع الفجر قال ابن عبد البر في قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ] دليل على أن الخيط الأبيض هو الصباح وأن السحور لا يكون إلا قبل الفجر وهذا إجماع لم يخالف فيه الأعمش وحده فشذ ولم يعرج أحد على قوله والنهار الذي يجب صيامه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس قال : هذا قول جماعة علماء المسلمين يوم الشك مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله وإذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما طلبوا الهلال فإن كانت السماء مصحية لم يصوموا ذلك اليوم وجملة ذلك أنه يستحب للناس ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وتطلبه ليحتاطوا بذلك لصيامهم ويسلموا من الاختلاف وقد روي الترمذي عن أبي هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : احصوا الهلال شعبان لرمضان ] فإذا رأوه وجب عليهم الصيام اجماعا وإن لم يروه وكانت السماء مصحية لم يكن لهم صيام ذلك اليوم إلا أن يوافق صوما كانوا يصومونه مثل من عادته صوم يوم وإفطار يوم أو صوم يوم الخميس أو صوم آخر يوم من الشهر وشبه ذلك إذا وافق صومه أو من صيام قبل ذلك بأيام فلا بأس بصومه لما روى أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه ] متفق عليه وقال عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم هذا حديث حسن صحيح وكره أهل العلم صوم يوم الشك واستقبال رمضان باليوم واليومين لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عنه وحكي عن القاسم بن محمد أنه سئل صيام آخر يوم من شعبان هل يكره ؟ قال : لا إلا أن يغمى الهلال واتباع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى فأما استقبال الشهر بأكثر من يومين فغير مكروه فإن مفهوم حديث أبي هريرة أنه غير مكروه لتخصيصه النهي باليوم واليومين وقد روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إذا كان النصف من شعبان فامسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان ] قال الترمذي هذا حديث حسن الصحيح إلا أن أحمد قال : ليس هو بمحفوظ قال وسألنا عنه عبد الرحمن بن مهدي فلم يصححه ولم يحدثني به وكان يتوقاه قال أحمد و العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هذا لأنه خلاف ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يصل شعبان برمضان ويحمل هذا الحديث على نفي استحباب الصيام في حق من لم يصم قبل نصف الشهر وحديث عائشة في صلة شعبان برمضان في حق من صيام الشهر كله فإنه قد جاء ذلك في سياق الخبر فلا تعارض بين الخبرين إذا وهذا أولى من حملهما على التعارض ورد أحمدهما بصاحبه والله أعلم وفي كلام الخرقي فيه اختصار وتقديره طلبوا الهلال فإن رأوه صاموا وإن لم يروه وكانت السماء مصحية لم يصوموا فحذف بعض الكلام للعلم به اختصارا ما يقول من رأى الهلال فصل ويستحب لمن رأى الهلال أن يقول ما روى ابن عمر قال : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى الهلال قال الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة الإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربي وربك الله ] رواه الاثرم
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-11-2024 الساعة 08:02 PM. |
#2
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ10 الى صــ13 (2) وإذا رأى الهلال أهل البلد لزم جميع البلاد الصوم فصل : وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع البلاد الصوم قول الليث وبعض أصحاب الشافعي وقال بعضهم : إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد والبصرة لزم أهلهما الصوم برؤية الهلال في إحداهما وإن كان بينهما بعد كالعراق والحجاز والشام فلكل أهل بلد رؤيتهم وروي عن عكرمة أنه قال لكل أهل بلد رؤيتهم وهو مذهب القاسم وسالم وإسحاق لما روى كريب قال : قدمت الشام واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ قلت رأيناه ليلة الجمعة فقال : أنت رأيته ليلة الجمعة ؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكم رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب ورواه مسلم أيضا ولنا قول الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقول النبي صلى الله عليه و سلم للأعرابي لما قال له : [ الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال : نعم ] وقوله للآخر لما قال له [ ماذا فرض الله علي من الصوم ؟ قال : شهر رمضان ] وأجمع المسلمون على وجوب شهر رمضان وقد ثبت أن هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات فوجب صومه على جميع المسلمين ولأن شهر رمضان ما بين الهلالين وقد ثبت أن هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق ووجوب النذور وغير ذلك من الأحكام فيجب صيامه بالنص والإجماع ولأن البينة العادلة شهدت رؤية الهلال فيجب الصوم كما قو تقاربت البلدان فأما حديث كريب فإنما دل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وحده ونحن نقول به وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم والأول وليس هو في حديث فإن قيل فقد قلتم إن الناس إذا صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوما ولم يروا الهلال أفطروا في أحد الوجهين قلنا الجواب عن هذا من وجهين : أحدهما أننا إنما قلنا يفطرون إذا صاموا بشهادة فيكون فطرهم مبنيا على صومهم بشهادته وههنا لم يصوموا بقوله فلم يوجد ما يجوز بناء الفطر عليه الثاني أن الحديث دل على صحة الوجه الآخر مسألة وإذا حال دون رؤيته حائل ففي صيام يوم الثلاثين من شعبان اختلاف مسألة : قال : وإن حال دون منظره غيم أو قتر وجب صيامه وقد أجزأ إذا كان من شهر رمضان اختلف الرواية عن أحمد رحمه الله في هذا المسألة فروي عنه مثل ما نقل الخرقي اختارها أكثر الشيوخ أصحابنا وهو مذهب عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر وبه قال بكر بن عبد الله وأبو عثمان النهدي وابن أبي مريم ومطرف وميمون بن مهران وطاوس ومجاهد وروي عنه أن الناس تبع للإمام فإن صام صاموا وإن أفطر أفطروا وهذا قول الحسن وابن سيرين لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون ] قيل معناه أن الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب وعن أحمد رواية ثالثة لا يجب صومه ولا يجزئه عن رمضان إن صامه وهو قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة و مالك و الشافعي ومن تبعهم لما روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ] رواه مسلم وقد صح أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صوم يوم الشك متفق عليه وهذا يوم شك ولأن الأصل بقاء شعبان فلا ينتقل عنه بالشك ولنا ما روي نافع عن ابن عمر قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له ] قال نافع : كان ابن عمر إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما بعث من ينظر له الهلال فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصحب صائما رواه أبو داود ومعنى اقدروا له أي ضيقوا له العدد من قوله تعالى : { ومن قدر عليه رزقه } أي ضيق عليه قوله { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوما وقد فسره ابن عمر بفعله وهو رواية وأعلم بمعناه فتجب الرجوع إلى تفسيره كما رجع إليه في تفسيره التفرق في خيرا المتابعين وروي عن عمر رضي الله عنه [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لرجل : هل صمت من سرر شعبان شيئا ؟ قال : لا ] وفي لفظ : [ أصمت من سرر هذا الشهر شيئا قال : لا قال فإذا أفطرت فصم يومين ] متفق عليه وسرر الشهر آخره ليال يستسر الهلال فلا ينظر ولأنه شك في أحد طرفي الشره لم يظهر فيه أنه من غير رمضان فوجب الصوم كالطرف الآخر قال علي وأبو هريرة وعائشة : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أفطر يوما من رمضان ولأن الصوم يحتاج له ولذلك وجب الصوم بخبر واحد ولم يفطر إلا بشهادة اثنين فأما خبر أبي هريرة الذي احتجوا به فإنه يرويه محمد بن زياد وقد خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة : فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين وروايته أولى بالتقديم لامامته وإشهار عدالته وثقته وموافقته لرأي أبي هريرة ومذهبه ولخبر ابن عمر الذي رويناه ورواية ابن عمر فاقدروا له ثلاثين مخالفة للرواية الصحيحة المتفق عليها ولمذهب ابن عمر ورأيه والنهي عن صوم الشك محمول على حال الصحو بدليل ما ذكرناه وفي الجملة لا يجب الصوم إلا برؤية الهلال أو كمال شعبان ثلاثين يوما أو يحول دون منظر الهلال غيم أو قتر على ما ذكرنا من الخلاف فيه
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-11-2024 الساعة 05:43 AM. |
#3
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ17 الى صــ23 (3) نية الصيام وجوب النية في الصيام مسألة : ولا يجزئه صيام فرض حتى ينويه أي وقت كان من الليل وجملته أنه لا يصح صوم إلا بنية إجماعا فرضا كان أو تطوعا لأنه عبادة محضة فافتقر إلى النية كالصلاة ثم إن كان فرضا كصيام رمضان في أدائه أو قضائه والنذر والكفارة اشترط أن ينويه من الليل عند إمامنا و مالك و الشافعي وقال أبو حنيفة يجزئ صيام رمضان وكل صوم متعين بينة من النهار [ لأن النبي صلى الله عليه و سلم أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم ] متفق عليه وكان صوما واجبا متعينا ولأنه غير ثابت في الذمة فهو كالتطوع ولنا ما روى ابن جريج و عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له ] وفي لفظ ابن حزم [ من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له ] أخرجه النسائي و أبو داود و الترمذي وروي الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة [ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ] وقال إسناده كلهم ثقات وقال في حديث حفصة رفعة عبد الله بن أبي بكر عن الزهري وهو من الثقات الرفعاء ولأنه صوم فرض فافتقر إلى النية من الليل كالقضاء فأما صوم عاشوراء فلم يثبت وجوبه فإن معاوية قال : [ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر ] متفق عليه فلو كان واجبا لم يبح فطره فإنما سمي الإمساك صياما تجوزا بدليل قوله : ومن كان أصبح مفطرا فيصم بقية يومه ولم يفرق بين المفطر بالأكل وغيره وقد روى البخاري [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر رجلا أن أذن في الناس : إن من كان أكل فليصم بقية يومه ] وإمساك بقية اليوم بعد الأكل ليس بصيام شرعي وإنما سماه صياما تجوزا ثم لو ثبت أنه صام فالفرق بين ذلك وبين رمضان أن وجوب الصيام فإنه تجزئه نيته أثناء النهار فأجزأته النية حين تجدد الوجوب كمن كان صائما تطوعا فنذر إتمام صوم بقية يومه فإنه تجزئه نيته عند نذره بخلاف ما إذا كان النذر متقدما والفرق بين التطوع والفرض من وجهين : أحدهما أن التطوع يمكن الإتيان به في بعض النهار بشرط عدم المفطرات في أوله بدليل قوله عليه السلام في حديث عاشوراء فليصم بقية يومه فإذا نوى صوم التطوع من النهار كان صائما بقية النهار دون أوله والفرض يكون واجبا في جميع النهار ولا يكون صائما بغير النية والثاني أن التطوع سومح في نيته من الليل تكثيرا له إنه قد يبدوا له الصوم في النهار فاشتراط النية في الليل يمنع ذلك فسامح الشرع فيها كمسامحته في ترك القيام في صلاة التطوع وترك الاستقبال فيه في السفر تكثيرا له بخلاف الفرض إذا ثبت هذا ففي أي جزء من الليل نوى أجزأه وسواء فعل بعد النية ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع أم لم يفعل واشترط بعض أصحاب الشافعي أن لا يأتي بعد النية بمناف للصوم واشترط بعضهم وجود النية في النصف الأخير من الليل كما اختص أذان الصبح والدفع من مزدلفة به ولنا مفهوم قوله عليه السلام : [ لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ] من غير تفصيل ولأنه نوى من الليل فصح صومه كما لو نوى النصف الأخير ولم يفعل ما ينافي الصوم ولأن تخصيص النية بالنصف الأخير يفضي إلى تفويت الصوم لأنه وقت النوم وكثير من الناس لا ينتبه فيه ولا يذكر الصوم والشارع إنما رخص في تقديم النية على ابتدائه لحرج اعتبارها عند فلا يختصها بمحل لا تندفع المشقة بتخصيصها به ولأن تخصيصها بالنصف الأخير لحكم من غير دليل ولا يصح اعتبار الصوم بالأذان والدفع من مزدلفة لأنهما يجوزان بعد الفجر تجويزها فيه واشتراط النية بمعنى الإيجاب والتحتم وفوات الصوم بفواتها فيه وهذا فيه مشقة ومضرة بخلاف التجويز ولأن منعهما في النصف الأول لا يفضي إلى اختصاصهما بالنصف الأخير لجوازهما بعد الفجر والنية بخلافه فأما أن فسخ النية مثل أن نوى الفطر بعد نية الصيام لم تجزئه تلك النية المفسوخة لأنها زالت حكما وحقيقة وإن نوى في النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية فصل : وإن نوى من النهار صوم الغد لم تجزئه تلك النية إلا أن يستصحبها إلى جزء من الليل وقد روى ابن منصور عن أحمد من نوى الصوم عن قضاء رمضان بالنهار ولم ينو من الليل فلا بأس إلا أن يكون فسخ النية بعد ذلك فظاهر هذا حصول الأجزاء بنيته من النهار إلا أن القاضي قال : هذا محمول على أنه استصحب النية إلى جزء من الليل وهذا صحيح لظاهر قوله عليه السلام : [ لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ] ولأنه لم ينو عند ابتداء العبادة ولا قريبا منها فلم يصح كما لو نوى من الليل صوم بعد غد
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-11-2024 الساعة 04:07 AM. |
#4
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ23 الى صــ26 (4) وتجب النية لكل يوم وفي رواية نية واحدة لجميع الشهر فصل : وتعتبر النية لكل يوم وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي و ابن المنذر وعن أحمد أنه تجزئه نية واحدة لجميع الشهر إذا نوى صوم جميعه وهذا مذهب مالك و إسحاق لأنه نوي في زمن يصلح جنسه لنية الصوم فجاز كما لو نوى كل يوم في ليلته ولنا أنه صوم واجب فوجب أن ينوي كل يوم من ليلته كالقضاء ولأن هذه الأيام عبادات لا يفسد بعضها بفساد بعض ويتخللها ما ينافيها فأشبهت القضاء وبهذا فارقت اليوم الأول وعلى قياس رمضان إذا نذر صوم شهر بعينه فيخرج فيه مثل ما ذكرناه في رمضان معنى النية فصل : ومعنى النية القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه من غير تردد فمتى خطر بقلبه في الليل أن غدا من رمضان وأنه صائم فيه فقد نوى وإن شك في أنه من رمضان ولم يكمن له أصل يبني عليه مصل أن يكون ليلة الثلاثين من شعبان ولم يحل دون مطلع الهلال غيم ولا قتير فعزم أن يصوم غدا من رمضان لم تصح النية ولا يجزئه صيام ذلك اليوم لأن النية قصد تتبع العلم وما لا يعلمه ولا دليل على وجوده ولا هو على ثقة من اعتقاده لا يصح قصده وبهذا قال حماد و ربيعة و مالك و ابن أبي ليلى و الحسن بن صالح و ابن المنذر وقال الثوري و الأوزاعي يصح إذا نواه من الليل لأنه نوى الصيام من الليل فصح كاليوم الثاني وعن الشافعي كالمذهبين ولنا أنه لم يجز النية بصومه من رمضان فلم يصح كما لو لم يعلم إلا بعد خروجه وكذلك لو بنى على قول المنجمين وأهل المعرفة بالحساب فوافق الصواب لم يصح صومه وإن كثرت إصابتهم لأنه ليس بدليل شرعي يجوز البناء عليه ولا العمل به فكان وجوده كعدمه [ قال النبي صلى الله عليه و سلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ] وفي رواية : [ لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه ] فأما ليلة الثلاثين من رمضان فتصح نيته وإن احتمل أن يكون من شوال لأن الأصل بقاء رمضان وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بصومه بقوله : [ ولا تفطروا حتى تروه ] لكن إن قال : إن كان غدا من رمضان فأنا صائم وإن كان من شوال فأنا مفطر قال ابن عقيل : لا يصح صومه لأنه لم يجزم بنية الصيام والنية اعتقاد جازم ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع والأصل بقاء رمضان يجب تعيين النية في كل صوم واجب فصل : ويجب تعيين النية في كل صوم واجب وهو أن يعتقد أنه يصوم غدا من رمضان أو من قضائه أو من كفارته أو نذره نص عليه أحمد في رواية الاثرم فإنه قال : قلت لأبي عبد الله أسير صام شهر رمضان في أرض الروم ولا يعلم أنه رمضان ينوي التطوع ؟ قال : لا يجزئه إلا بعزيمة أنه من رمضان ولا يجزئه في يوم الشك إذا أصبح صائما وإن كان من رمضان إلا بعزيمة من الليل أنه من رمضان وبهذا قال مالك و الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه لا يجب تعيين النية لرمضان فإن المروذي روى عن أحمد أنه قال يكون يوم الشك يوم غيم إذا اجتمعنا على أننا نصبح صياما يجزئنا من رمضان وإن لم نعتقد أنه من رمضان ؟ قال : نعم قلت فقول النبي صلى الله عليه و سلم [ إنما الأعمال بالنيات ] أليس يريد أن ينوي أنه من رمضان ؟ قال : لا إذا نوى من الليل أنه صائم أجزأه وحكى أبو حفص العكبري عن بعض أصحابنا أنه قال : ولو نوى نفلا وقع عنه رمضان وصح صومه وهذا قول أبي حنيفة وقال بعض أصحابنا : ولو نوى أن يصوم تطوعا ليلة الثلاثين من رمضان فوافق رمضان أجزأه قال القاضي : وجدت هذا الكلام اختيارا لأبي القاسم ذكره في شرحه وقال أبو حفص لا يجزئه إلا أن يعتقد من الليل بلا شك ولا تلوم فعلى القول الثاني لو نوى في رمضان الصوم مطلقا أو نوى نفلا وقع عن رمضان وصح صومه وهذا قول أبي حنيفة إذا كان مقيما لأنه فرض مستحق في زمن يبينه فلا يجب تعيين النية له كطواف الزيارة ولنا أنه صوم واجب فوجب تعيين النية له كالقضاء وطواف الزيارة كمسألتنا في افتقاره إلى التعيين فلو طاف ينوي به الوداع أ طاف بنية الطواف مطلقا لم يجزئه عن طواف الزيارة ثم الحج مخالف للصوم ولهذا ينعقد مطلقا وينصرف إلى الفرض ولو حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وقع عن نفسه ولو نوى الإحرام بمثل ما أحرم به فلان صح وينعقد فاسدا بخلاف الصوم فصل : ولو نوى ليلة الشك إن كان غدا من رمضان فأنا صائم فرضا وإلا فهو نفل لم يجزئه على الرواية الأولى : لأنه لم يعين الصوم من رمضان جزما ويجزيه على الأخرى قد نوى الصوم ولو كان عليه صوم من سنة خمس فنوى أنه يصوم عن سنة ست أو نوى الصوم عن يوم الأحد وكان الاثنين أو ظن أن غدا الأحد فنواه وكان الاثنين صح صومه لأن نية الصوم لم تختل وإنما أخطأ في الوقت فصل : وإذا عين النية عن صوم رمضان أو قضائه كفارة أو نذر لم يحتج أن ينوي كونه فرضا وقال ابن حامد يجب ذلك وقد مر بيان ذلك في الصلاة
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-12-2024 الساعة 03:03 PM. |
#5
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ26 الى صــ32 (5) صحبة نية التطوع في كل وقت بالنهار مسألة : قال : ومن نوى صيام التطوع من النهار ولم يكن طعم أجزأه وجملة ذلك أن صوم التطوع يجوز بنية من النهار عند إمامنا أبي حنيفة والشافعي وروي ذلك عن أبي الدرداء و أبي مسعود و حذيفة و سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير و النخعي وأصحاب الرأي وقال مالك و داود : لا يجوز إلا بنية من الليل لقوله عليه السلام : [ لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ] ولأن الصلاة يتفق وقت النية لفرضها ونفلها وكذلك الصوم ولنا ما روت [ عائشة رضي الله عنها قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلام ذات يوم فقال : هل عندكم من شيء ؟ قلنا : لا قال : فإني إذا صائم ] أخرجه مسلم و أبو داود و النسائي ويدل عليه أيضا حديث عاشوراء لأن الصلاة يخفف نفلها عن فرضها بدليل أنه يشترط القيام لنفلها ويجوز في السفر على الراحلة إلى غير القبلة فكذا الصيام وحديثهم نخصه بحديثنا أصح من حديثهم فإنه من رواية ابن لهيعة ويحيى بن أيوب قال الميموني : سألت أحمد عنه فقال : أخبرك ما له عندي ذلك الإسناد إلا أنه ابن عمر و حفصة اسنادان جيدان والصلاة يتفق وقت النية لنفلها وفرضها لأن اشتراط النية في أول الصلاة لا يفضي إلى تقليلها بخلاف الصوم فإنه يعين له الصوم من النهار فعفى عنه كما لو جوزنا التنفل قاعدا وعلى الراحلة لهذه العلة فصل : وأي وقت من النهار نوى أجزأه سواء في ذلك ما قبل الزوال وبعده هذا الظاهر كلام أحمد والخرقي وهو ظاهر ابن مسعود فإنه قال أحدكم بأخير النظرين ما لم يأكل أو يشرب وقال رجل لسعيد بن المسيب : إني لم آكل إلى الظهر أو إلى العصر أفأصوم بقية يومي ؟ قال : نعم واختار القاضي في المحرر أنه لا تجزئه النية بعد الزوال وهذا مذهب أبي حنيفة والمشهور من قولي الشافعي لأن معظم النهار مضى من غير نية بخلاف الناوي قبل الزوال فإنه قد أدرك معظم العبادة ولهذا تأثير في الأصول بدليل أن من أدرك الإمام قبل الرفع من الركوع أدرك الركعة لإدراكه معظمها ولو أدركه بعد الرفع لم يكن مدركا لها ولو أدرك مع الإمام من الجمعة ركعة كان مدركا لها لأنها تزيد بالتشهد ولو أدرك أقل من ركعة لم يكن مدركا لها ولنا أنه نوى في جزء من النهار فأشبه ما لو نوى في أوله ولأن جميع الليل وقت لنية الفرض فكذا جميع النهار وقت النية النفل إذا ثبت هذا فإنه يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية في المنصوص عن أحمد فإنه قال : من نوى في التطوع من النهار كتب له بقية يومه وإذا أجمع من الليل كان له يومه وهذا قول بعض أصحاب الشافعي وقال أبو الخطاب في الهداية : يحكم له بذلك من أول النهار وهو قول بعض أصحاب الشافعي لأن الصوم لا يتبعض في اليوم بدليل ما لو أكل في بعضه لم يجز له صيام باقية فإذا وجد في بعض اليوم دل على أنه صائم من أوله ولا يمنع الحكم بالصوم من غير نية حقيقية كما لو نسي الصوم بعد نيته أو غفل عنه لأنه لو أدرك بعض الركعة أو بعض الجماعة كان مدركا لجميعها ولنا أن ما قبل النية لم ينو صيامه فلا يكون صائما فيه لقوله عليه السلام : [ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ] ولأن الصوم عبادة محضة فلا توجد بغير نية كسائر العبادات المحضة ودعوى أن الصوم لا يتبعض دعوى محل النزاع وإنما يشترط لصوم البعض أن لا توجد المفطرات في شيء من اليوم ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عاشوراء : [ فيصم بقية يومه ] وأما إذا نسي النية بعد وجودها فإنه يكون مستصحبا لحكمها بخلاف ما قبلها فإنها لم توجد حكما ولا حقيقة ولهذا لو نوى الفرض من الليل ونسيه في النهار صح صومه ولو لم ينو من الليل لم يصح صومه وأما إدراك الركعة والجماعة فإنما معناه أنه لا يحتاج إلى قضاء ركعة وينوي أنه مأموم وليس هذا مستحيلا أما أن يكون ما صلى الإمام قبله من الركعات محسوبا له بحيث يجزئه عن فعله فكلا ولأن مدرك الركوع مدرك لجميع أركان الركعة لأن القيام وجد حين كبر وفعل سائر الأركان مع الإمام وأما الصوم فإن النية شرط له أو ركن فيه فلا يتصور وجوده بدون شرطه وركنه إذا ثبت هذا فإن من شرطه أن لا يكون طعم قبل النية ولا فعل ما يفطره فإن فعل شيئا من ذلك يجزئه الصيام بغير خلاف نعلمه صيام المغمى عليه مسألة : قال : ومن نوى من الليل فأغمي عليه قبل طلوع الفجر فلم يفق حتى غربت الشمس لم يجزه صيام ذلك اليوم وجملة ذلك أنه متى أغمي عليه جميع النهار فلم يفق في شيء منه لم يصح صومه في قول إمامنا و الشافعي وقال أبو حنيفة : يصح لأن النية قد صحت وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم كالنوم ولنا أن الصوم هو الإمساك مع النية [ قال النبي صلى الله عليه و سلم : يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه من أجلي ] متفق عليه فأضاف ترك الطعام والشراب إليه فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه فلم يجزئه ولأن النية أحد ركني الصوم فلا تجزئ وحدها كالإمساك وحده أما النوم عادة ولا يزيل الإحساس بالكلية ومتى نبه انتبه والإغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون إذا ثبت هذا فزوال العقل يحصل بثلاثة أشياء : أحدهما الإغماء وقد ذكرناه ومتى فسد الصوم به فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه لأن مدته لا تتطاول غالبا ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يزل التكليف به وقضاء العبادات كالنوم ومتى أفاق المغمى عليه في جزء من النهار صح صومه سواء كان في أوله في آخره وقال الشافعي في أحد قوليه : تعتبر الأفاقة في أول النهار ليحصل حكم النية في أوله ولنا أن الإفاقة حصلت في جزء من النهار فأجزأ كما لو وجدت في أوله وما ذكروه لا يصح فإن النية قد حصلت من الليل فيستغني عن ذكرها في النهار كما لو نام أو غفل عن الصوم ولو كانت النية إنما تحصل بالإفاقة في النهار لما صح منه صوم الفرض بالإفاقة لأنه لا يجزئ بنية من النهار الثاني : النوم فلا يؤثر في الصوم سواء وجد في بعض النهار أو جميعه الثالث : الجنون فحكمه حكم الإغماء إلا أنه إذا وجد في جميع النهار لم يجب قضاؤه وقال أبو حنيفة : متى أفاق المجنون في جزء من رمضان لزمه قضاء ما مضى منه لأنه أدرك جزءا من رمضان وهو عاقل فلزمه صيامه كما لو أفاق في جزء من اليوم وقال الشافعي : إذا وجد الجنون في جزء من النهار أفسد الصوم لأنه معنى يمنع وجوب الصوم فأفسده وجوده في بعضه كالحيض ولنا أنه معنى يمنع الوجوب إذا وجد في جميع الشهر فمنع إذا وجد في جميع النهار كالصبأ والكفر وأما إن أفاق في بعض اليوم فلنا منع من وجوبه وإن سلمناه فإنه قد أدرك بعض وقت العبادة فلزمه كالصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم في بعض النهار وكما لو أدرك بعض وقت الصلاة ولنا على الشافعي أنه زوال عقل في بعض النهار فلم يمنع صحة الصوم كالإغماء والنوم ويفارق الحيض فإن الحيض لا يمنع الوجوب وإنما تأخير الصوم ويحرم فعله ويوجب الغسل ويحرم الصلاة والقراءة واللبث في المسجد والوطء فلا يصح قياس الجنون عليه
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 04-12-2024 الساعة 04:32 PM. |
#6
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ32 الى صــ33 (6) الصيام في السفر مسألة : قال : وإذا سافر ما يقصر فيه الصلاة فلا يفطر حتى يترك البيوت وراء ظهره وجملة ذلك أن للمسافر أن يفطر في رمضان وغيره بدلالة الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وأما السنة ف [ قول النبي صلى الله عليه و سلم إن الله وضع عن المسافر الصوم ] رواه النسائي و الترمذي وقال حديث حسن في أخبار كثيرة سواه وأجمع المسلمون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة وإنما يباح الفطر في السفر الطويل الذي يبيح القصر وقد ذكرنا قدره في الصلاة ثم لا يخلو المسافر من ثلاثة أحوال أحدها : أن يدخل عليه شهر رمضان في السفر فلا نعلم بين أهل خلافا في إباحة الفطر له الثاني : أن يسافر في أثناء الشهر ليلا فله الفطر في صبيحة الليلة التي يخرج فيها وما بعدها في قول عامة أهل العلم وقال عبيدة السلماني وأبو مجلز وسويد بن غفلة : لا يفطر من سافر بعد دخول الشهر لقول الله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا قد شهده ولنا قول الله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وروى ابن عباس قال : [ خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس ] متفق عليه ولأنه مسافر فأبيع له الفطر كما لو سافر قبل الشهر والآية تناولت الأمر بالصوم لمن شهد الشهر كله وهذا لم يشهده كله الثالث : أن يسافر في أثناء يوم من رمضان فحكمه في اليوم الثاني كمن سافر ليلا وفي إباحة فطر اليوم الذي سافر فيه عن أحمد روايتان : أحدهما له أن يفطر وهو قول عمرو بن شرحبيل والشعبي وإسحاق وداود وابن المنذر لما روى عبيد بن جبير قال : ركبت مع أبي بصرة الغفاري سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداءه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال اقترب فقلت ألست ترى البيوت ؟ قال أبو بصرة : أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فأكل رواه أبو داود ولأن السفر معنى لو جد ليلا واستمر في النهار لأباح الفطر فإذا وجد في أثنائه أباحه كالمرض ولأنه أحد الأمرين المنصوص عليهما في إباحة الفطر بهما فأباحه في أثناء النهار كالآخر والرواية الثانية لا يباح له فطر ذلك اليوم وهو قول مكحول والزهري ويحيى الأنصاري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر فإذا اجتمعا فيه غلب حكم الحضر كالصلاة والأول أصح للخبر ولأن الصوم يفارق الصلاة فإن الصلاة يلزم إتمامها بنيته بخلاف الصوم إذا ثبت هذا فإنه لا يباح له الفطر حتى يختلف البيوت وراء ظهره يعني أنه يجاوزها ويخرج من بين بنيانها وقال الحسن يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج وروي نحوه عن عطاء قال ابن عبد البر : قول الحسن قول شاذ وليس الفطر لأحد في الحضر في نظر ولا أثر وقد روي عن الحسن خلافه وقد روى محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت له سنة ؟ فقال سنة ؟ فقال سنة ثم ركب قال الترمذي : هذا حديث حسن ولنا قول الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا شاهد ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد ومهما كان في البلد فله أحكام الحاضرين ولذلك لا يقصر الصلاة فأما أنس فيحتمل أنه قد كان برز من البلد خارجا منه فأتاه محمد بن كعب في منزله ذلك فصل : وإن نوى المسافر الصوم في سفره ثم بدا له أن يفطر فله ذلك واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة لا يجوز له الفطر وقال مرة أخرى إن صح حديث الكديد لم أر به بأسا أن يفطر وقال مالك : إن أفطر فعليه والكفارة لأنه أفطر في صوم رمضان فلزمه ذلك كما لو كان حاضرا ولنا حديث ابن عباس وهو حديث صحيح متفق عليه وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون ما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأمطر بعضهم وصام بعضهم فبلغ أن ناسا صاموا فقال : أولئك العصاة رواه مسلم وهذا نص صريح لا يعرج على من خالفه إذا ثبت هذا فإن له أن يفطر بما شاء من أكل وشرب وغيرهما إلا الجماع هل له أن يفطر به أم لا ؟ فإن أفطر بالجماع ففي الكفارة روايتان : الصحيح منهما أنه لا كفارة عليه وهو مذهب الشافعي والثانية : يلزمه كفارة لأنه أفطر بجماع فلزمته كفارة كالحاضر ولنا أنه صوم لا يجب المضي فيه فلم تجب الكفارة بالجماع فيه كالتطوع وفارق الحاضر الصحيح فإنه يجب عليه المضي في الصوم وإن كان مريضا يباح له الفطر فهو كالمسافر ولأنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد حصول الفطر فأشبه ما لو أكل ثم جامع ومتى أفطر المسافر فله فعل جميع ما ينافي الصوم من الأكل والشرب والجماع وغيره لأن حرمتها بالصوم فتزول بزواله كما لو زال بمجيء الليل فصل : وليس للمسافر أن يصوم في رمضان عن غيره كالنذر والقضاء لأن الفطر أبيح رخصة وتخفيفا عنه فإذا لم يرد التخفيف عن نفسه لزمه أن يأتي بالأصل فإن نوى صوما غير رمضان لم يصح صومه لا عن رمضان ولا عما نواه هذا الصحيح في المذهب وهو قول أكثر العلماء وقال أبو حنيفة : يقع ما نواه إذا كان واجبا لأنه زمن أبيح له فطره فكان له صومه عن واجب عليه كغيره شهر رمضان ولنا أنه أبيح له الفطر للعذر فلم يجز له أن يصومه عن غير رمضان كالمريض وبهذا ينتقض ما ذكروه وينقض أيضا بصوم التطوع فإنهم سلموه قال صالح : قيل لأبي من صام شهر رمضان وه ينوي به تطوعا يجزئه ؟ قال : أو يفعل هذا مسلم ؟
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ33 الى صــ58 (7) ما يفطر دون كفارة وما لا يفطر وما لا يفسد الصيام مسألة : قال : ومن أكل أو شرب أو احتجم أو استعط أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان أو قبل فأمنى أو أمذى أو كرر النظر فأنزل أي ذلك فعل عامدا وهو ذاكر لصومه فعليه القضاء بلا كفارة إذا كان صوما واجبا في هذه المسألة فصول : فصل الأول إنه يفطر بالأكل والشرب بالإجماع وبدلالة الكتاب والسنة أما الكتاب فقول الله تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } مد الأكل والشرب إلى تبين الفجر ثم أمر بالصيام عنهما وأما السنة فـ [ قول النبي صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ] واجمع العلماء على الفطر بالأكل والشرب بما يتغذى به فأما مالا يتغذى به فعامة أهل العلم على أن الفطر يحصل به وقال الحسن بن صالح : لا يفطر بما ليس بطعام ولا شراب وحكي عن أبي طلحة الأنصاري أنه كان يأكل البرد في الصوم ويقول ليس بطعام ولا شراب ولعل من يذهب إلى ذلك يحتج بأن الكتاب والسنة إنما حرما الأكل والشرب فما عداهما يبقى على أصل الإباحة ولنا دلالة الكتاب والسنة على تحريم الأكل والشرب على العموم فيدخل فيه محل النزاع ولم يثبت عندنا ما نقل عن أبي طلحة فلا يعد خلافا الفصل الثاني : إن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم وبه قال إسحاق و ابن المنذر و محمد بن إسحاق بن خزيمة وهو قول عطاء و عبد الرحمن بن مهدي وكان الحسن ومسروق و ابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا في الصوم منهم ابن عمر وابن عباس وأبو موسى وأنس ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وأم سلمة وحسين بن علي وعروة و سعيد بن جبير وقال مالك و الثوري و أبو حنيفة و الشافعي يجوز للصائم أن يحتجم ولا يفطر لما روى البخاري عن ابن عباس [ أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وهو صائم ] ولأنه دم خارج من البدن أشبه الفصد ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم [ أفطر الحاجم والمحجوم ] رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم أحد عشر نفسا قال أحمد حديث شداد بن أوس من أصح حديث يروى في هذا الباب وإسناد حديث رافع إسناد جيد وقال : حديث ثوبان وشداد صحيحان وعن علي بن المديني أنه قال أصح شيء في هذا الباب حديث شداد وثوبان وحديثهم منسوخ بحديثنا بدليل ما روى ابن عباس أنه قال : [ احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالقاحة بقرن وناب وهو محرم صائم فوجد لذلك ضعيفا شديدا فنهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحتجم الصائم ] رواه إسحاق الجوزجاني في المترجم وعن الحكم قال : [ احتجم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو صائم فضعف ثم كرهت الحجامة للصائم ] وكان ابن عباس وهو راوي حديثهم يعد الحجام والمحاجم فإذا غابت الشمس احتجم بالليل كذلك رواه الجوزجاني وهذا يدل على أنه علم نسخ الحديث الذي رواه ويحتمل [ أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم فأفطر ] كما [ روي عنه عليه السلام أنه قاء فأفطر ] فإن قيل فقد روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم رأي الحاجم والمحتجم يغتابان ] فقال ذلك : قلنا لم تثبت حصة هذه الرواية مع أن اللفظ أعم من السبب فيجب العمل بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على أننا قد ذكرناه الحديث الذي فيه بيان علة النهي عن الحجامة وهي الخوف من الضعف فيبطل التعليل بما سواه أو يكون كل واحد منهما علة مستقلة على أن الغيبة لا تفطر الصائم إجماعا فلا يصح حمل الحديث على ما يخالف الإجماع قال أحمد : لأن يكون الحديث كما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم [ أفطر الحاجم والمحجوم ] أحب إلينا من أن يكون من الغيبة لأن من أراد أن يمتنع من الحجامة امتنع وهذا أشد من الناس أن يسلم من الغيبة ؟ فإن قيل : فإذا كانت علة النهي ضعف الصائم بها فلن يقتضي ذلك الفطر وإنما يقتضي الكراهة ومعنى قوله : [ أفطر الحاجم والمحجوم ] أي قربا من الفطر قلنا هذا تأويل يحتاج إلى دليل على أنه لا يصح ذلك في حق الحاجم فإنه لا ضعف فيه الفصل الثالث : أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوف في جسده كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره وكان مما يمكن التحرز منه سواء وصل من الفم على العادة أو غير العادة كالوجور واللدود أو من الأنف كالسعوط أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ أو ما يدخل من العين إلى الحلق كالكحل أو ما يدخل إلى الجوف من الدبر بالحقنة أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى جوفه أو من دواء المأمومة إلى دماغه فهذا كله يفطره لأنه واصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل وكذلك لو جرح نفسه أو جرحه غيره باختياره فوصل إلى جوفه سواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه وبهذا كله قال الشافعي : وقال مالك : لا يفطر بالسعوط إلا أن ينزل إلى حلقة ولا يفطر إذا داوى المأمومة والجائفة واختلف عنه في الحقنة واحتج له بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف ولنا أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره فيفطره كالواصل إلى الحلق والدماغ جوف والواصل إليه يغذيه فيفطره كجوف البدن فصل : فأما الكحل فما وجد طعمه في حلقه أو علم وصوله إليه فطره وإلا لم يفطره نص عليه أحمد وقال ابن أبي موسى ما يجد طعمه كالذرور والصبر والفطور أفطر إن اكتحل باليسير من الاثمد غير المطيب كالميل ونحوه لم يفطر نص عليه أحمد وقال ابن عقيل : إن كان الكحل حادا فطره وإلا فلا ونحو ما ذكرناه قال أصحاب مالك وعن ابن أبي ليلى وابن شبرمة أن الكحل يفطر الصائم وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطره لما [ روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه اكتحل في رمضان وهو صائم ] ولأن العين ليست منفذا فلم يفطر بالداخل منها كما لو دهن رأسه ولنا أنه أوصل إلى حلقة ما هو ممنوع من تناوله بفيه فأمطر به كما لو أوصله من أنفه وما رووه لم يصح قال الترمذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم في باب الكحل للصائم شيء ثم نحمله على أنه اكتحل بما لا يصل وقولهم ليست العين منفذا لا يصح فإنه يوجد طعمه في الحلق ويكتحل بالاثمد فيتنخعه قال أحمد : حدثني إنسان أنه اكتحل بالليل فتنخعه بالنهار ثم لا يعتبر في الواصل أن يكون من منفذ بدليل ما لو جرح نفسه جائفة فإنه يفطر فصل : وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع الريق لا يفطره لأن اتقاء ذلك يشق فأشبه غبار الطريق وغربلة الدقيق فإن جمعه ثم ابتلعه قصدا لم يفطره لأنه يفطره لأنه يصل إلى جوفه من معدته أشبه إذا لم يجمعه وفيه وجه آخر أنه يفطر لأنه أمكنه من التحرز منه أشبه ما لو قصد ابتلاع غبار الطريق والأول أصح فإن الريق لا يفطر إذا لم يجمعه وإن قصد ابتلاعه فكذلك إذا جمعه بخلاف غبار الطريق فإن خرج ريقه إلى ثوبه أو بين شفتيه ثم عاد فابتلعه أو بلع ريق غيره أفطر لأنه ابتلعه من غير فمه فأشبه ما لو بلغ غيره فإن قيل فقد [ روت عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها ] رواه أبو داود قلنا قد روي أنه قال هذا إسناد ليس بصحيح ويجوز أن يكون يقبل في الصوم ويمص لسانها في غيره ويجوز أن يمصه ثم ابتلعه ولأنه لم يتحقق انفصال ما على لسانها في البلل إلى فمه فأشبه ما لو ترك حصاه مبلولة في فيه أو لو تمضمض بماء ثم مجه ولو ترك في فمه حصاة أو ردهما فأخرجه وعليه بلة من الريق ثم أعاده في فيه نظرت فإن كان ما عليه من الريق كثيرا فابتلعه أفطر وإن كان يسيرا لم يفطر بابتلاع ريقه وقال بعض أصحابنا يفطر لابتلاعه ذلك البلل الذي كان على الجسم ولنا أنه لا يتحقق انفصال ذلك البلل ودخوله إلى حلقه فلا يفطره كالمضمضة والتسوك بالسواك الرطب والمبلول ويقوي ذلك حديث عائشة في مص لسانها ولو أخرج لسانه وعليه بلة ثم عاد فأدخله وابتلع ريقه لم يفطر يتبع
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ33 الى صــ58 (8) فصل : وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان : إحداهما يفطر قال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول إذا تنخم ثم ازدرده فقد أفطر لأن النخامة من الرأس تنزل والريق من الفم ولو تنخع من جوفه ثم ازدراه أفطر وهذا مذهب الشافعي لأنه أمكن التحرز منها أشبه الدم ولأنها من غير الفم أشبه القيء والرواية الثانية لا يفطر قال في رواية المروذي ليس عليك إذا ابتلعت النخاعة وأنت صائم لأنه معتاد في الفم غير واصل من خارج أشبه الريق فصل : فإن سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر وإن كان يسيرا لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكن عفي عن الريق لعدم إمكان التحرز منه فما عداه من يبقى على الأصل وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجسا أو تنجس فمه بشيء من خارج فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء وإلا فلا فصل : ولا يفطر بالمضمضة بغير خلاف سواء كان في الطهارة أو غيرها وقد روي [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أن عمر سأله عن القبلة للصائم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت : لا بأس قال فمه ] ولأن الفم في حكم الظاهر لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فلا شيء عله وبه قال الأوزاعي و إسحاق و الشافعي في أحد قوليه وروي ذلك عن ابن عباس وقال مالك و أبو حنيفة يفطر لأنه أوصل الماء إلى جوفه ذاكرا لصومه فأفطر كما لو تعمد شربه ولنا أنه وصل إلى حلقه من غير إسراف ولا قصد ما لو طارت ذبابة إلى حلقه وبهذا فارق المتعمد فأما إن أسرف فزاد أو بالغ في الاستنشاق فقد فعل مكروها لقول النبي صلى الله عليه و سلم للقيط بن صبرة : وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما حديث صحيح ولأنه يتعرض بذلك لإيصال الماء إلى حلقه فإن وصل إلى حلقه فقال أحمد : يعجبني أن يعيد الصوم وهل يفطر بذلك ؟ على وجهين : أحدهما يفطر لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن المبالغة حفظا للصوم فدل ذلك على أنه يفطر به ولأنه وصل بفعل منهي عنه فأشبه التعمد والثاني لا يفطر به لأنه وصل من غير قصد فأشبه غبار الدقيق إذا نخله فأما المضمضة لغير الطهارة فإن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه فحكمه حكم المضمضة للطهارة وإن كان عابثا أو تمضمض من أجل العطش كره وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمجه قال : يرش على صدره أحب إلي فإن فعل فوصل الماء إلى حلقه أو ترك الماء فيه عابثا أو للتبرد فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث لأنه مكروه ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش لما روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر رواه أبو داود فصل : ولا بأس أن يغتسل الصائم فإن عائشة وأم سلمة قالتا : نشهد على رسول الله إن كان ليصبح جنبا من غير احتلام ثم يغتسل ثم يصوم متفق عليه وروى أبو بكر بإسناده أن ابن عباس دخل الحمام وهو صائم هو وأصحاب له في شهر رمضان فأما الغوص في الماء فقال أحمد في الصائم يغتمس في الماء إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه وكره الحسن و الشعبي أن ينغمس في الماء خوفا من أن يدخل في مسامعه فإن دخل في مسامعه فوصل إلى دماغه من الغسل المشروع من غير إسراف ولا قصد فلا شيء عليه كما لو دخل إلى حلقة من المضمضة والاستنشاق والزائد على الثلاث والله أعلم فصل : قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد : الصائم يمضغ العلك قال : لا قال أصحابنا : العلك ضربان : أحدهما ما يتحلل منه أجزاء وهو الرديء الذي إذا مضغه يتحلل فلا يجوز مضغه إلا إن لا يبلغ ريقه فإن فعل فنزل إلى حلقه منه شيء أفطر به كما لو تعمد أكله والثاني العلك القوي الذي كلما مضغه صلب وقوي فهذا يكره مضغه ولا يحرم وممن كرهه الشعبي و النخعي و محمد بن علي و قتادة و الشافعي وأصحاب الرأي وذلك لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش ورخصت عائشة عن مضغه وبه قال عطاء لأنه لا يصل إلى الجوف فهو كالحصاة يضعها في فيه ومتى مضغه ولم يجد طعمه في حلقه لم يفطر وإن وجد طعمه في حلقه ففيه وجهان : أحدهما يفطره كالكحل إذا وجد طعمه في حلقه فالثاني لا يفطره لأنه لم ينزل منه شيء ومجرد الطعم لا يفطر بدليل أنه قد قيل من لطخ باطن قدمه بالحنطل وجد طعمه ولا يفطر بخلاف الكحل فإن أجزاءه تصل إلى الحلق ويشاهد إذا تنخع قال أحمد : من وضع في فيه درهما أو دينارا وهو صائم ما لم يجد طعمه في حلقه فلا بأس به وما يجد طعمه فلا يعجبني وقال عبد الله سألت أبي عن الصائم يفتل الخيوط قال يعجبني أن يبزق فصل : قال أحمد أحب إلي أن تجتنب ذوق الطعام فإن فعل لم يضره ولا بأس به قال ابن عباس : لا بأس أن يذوق الطعام والخل والشيء يريد شراءه والحسن كان يمضغ الجوز لأبن ابنه وهو صائم ورخص فيه إبراهيم قال ابن عقيل : يكره ن غير حاجة ولا بأس به من الحاجة فإن فعل فوجد طعمه في حلقه أفطر وإلا لم يفطر فصل : قال أحمد : لا بأس بالسواك للصائم [ قال عامر بن ربيعة : رأيت النبي صلى الله عليه و سلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم ] قال الترمذي هذا حديث حسن وقال زياد بن حدير ما رأيت أحدا كان أدوم لسواك رطب وهو صائم من عمر بن الخطاب ولكنه عودا ذاوبا ولم ير أهل العلم بالسواك أول النهار بأسا إذا كان العود يابسا واستحب أحمد وإسحاق السواك بالعشي قال أحمد : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الاذفر ] لتلك الرائحة لا يعجبني للصائم أن يستاك بالعشي واختلفت الرواية عنه في التسوك بالعود الرطب فرويت عنه الكراهة وهو قول قتادة و الشعبي والحكم وإسحق ومالك في رواية لأنه مغرر بصومه لاحتمال أن يتحلل منه أجزاء إلى حلقه فيفطره وروي عنه لا يكره وبه قال الثوري و الأوزاعي و أبو حنيفة وروي ذلك عن علي وابن عمر وعروة ومجاهد لما رويناه من حديث عمر وغيره من الصحابة يتبع
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ33 الى صــ58 (9) فصل : ومن أصبح بين أسنانه طعام لم يخل من حالين : أحدهما أن يكون يسيرا لا يمكنه لفظه فازدرده فإنه لا يفطر به لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق قال ابن المنذر : أجمع على ذلك أهل العلم : الثاني أن يكون كثيرا يمكن لفظه فإن لفظه فلا شيء عليه وإن ازدرده عامدا فسد صومه في قول أكثر أهل العلم وقال حنيفة : لا يفطر لأنه لا بد أن يبقى بين أسنانه شيء مما يأكله فلا يمكن التحرز منه فأشبه ما يجري به الريق ولنا أنه بلغ طعاما يمكنه لفظه باختياره ذاكرا لصومه فأمطر به كما لو ابتدأ الأكل ويخالف ما يجري به الريق فإنه لا يمكن لفظه فإن قيل يمكنه قلنا لا يخرج جميع الريق ببصاقه وإن منع من ابتلاع ريقه كله لم يمكنه فصل : فإن قطر في احليله دهنا لم يفطر به سواء وصل إلى المثانة أو لم يصل وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي : يفطر لأنه أوصل الدهن إلى جوف في جسده فأفطر كما لو داوى الجائفة ولأن المني يخرج من الذكر فيفطره ومن أفطر بالخارج منه جاز أن يفطر بالداخل منه كالفم ولنا أنه ليس بين باطن الذكر والجوف منفذ وإنما يخرج البول رشحا فالذي يتركه فيه لا يصل إلى الجوف فلا يفطره كالذي يتركه في فيه ولم يبتلعه الفصل الرابع : إذا قيل فأمني أو أمذي ولا يخلو القبل من ثلاثة أحوال : أحدها أن لا ينزل فلا يفسد صومه بذلك لا نعلم فيه خلافا لما [ روت عائشة : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل وهو صائم وكان أملككم لأربه ] رواه البخاري و مسلم ويروي بتحريك الراء وسكونها قال الخطابي : معناها واحد وهو حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالفتح الحاجة وروي [ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله : صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال : أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم قلت : لا بأس به قال فمه ] رواه أبو داود شبه كان بالمضمضة من حيث أنها من مقدمات الشهوة وإن المضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر وإن كان معها نزوله أفطر إلا أن أحمد ضعف هذا الحديث وقال هذا ريح ليس من هذا شيء الحال الثاني : أن يمني فيفطر بغير خلاف نعلمه لما ذكرناه من إيماء الخبرين ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإنزال بالجماع دون الفرج الحال الثالث : أن يمذي فيفطر عند إمامنا مالك وقال أبو حنيفة والشافعي لا يفطر وروي ذلك عن الحسن و الشعبي و الأوزاعي لأنه خارج لا يوجب الغسل أشبه البول ولنا أنه خارج تخلله الشهوة خرج بالمباشرة فأفسد الصوم كالمني وفارق البول بهذا واللمس لشهوة كالقبلة في هذا : إذا ثبت هذا فإن المقبل إذ كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكنه لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرضه صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد وقد روي عن عمر أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فأعرض عني فقلت له مالي ؟ فقالت : إنك تقبل وأنت صائم ولأن العبادة إذا منعت في الوطء منعت القبلة كالإحرام ولا تحرم القبلة في هذه الحال لما [ روي أن رجلا قبل وهو صائم فأرسل امرأته فسألت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرها النبي صلى الله عليه و سلم أنه يقبل وهو صائم فقال الرجل إن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس مثلنا قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فغضب النبي صلى الله عليه و سلم وقال : إني لأخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ] رواه مسلم بمعناه ولأن افضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه ولا يثبت التحريم بالشك فأما إن كان ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الهرم ففيه روايتان : إحداهما لا يكره له ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقبل وهو صائم لما كان مالكا لأربه وغير ذي الشهوة في معناه وقد روي أبو هريرة [ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن المباشرة للصائم فرخص له فأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب ] أخرجه أبو داود ولأنها مباشرة لغير شهوة فأشبهت لمس اليد لحاجة والثانية : يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة ولأن الصوم عبادة تمنع الوطء فاستوى في القبلة فيها من تحرك شهوته وغيره كالإحرام فأما اللمس لغير شهوة كلمس يدها ليعرف مرضها فليس بمكروه بحال لأن ذلك لا يكره في الإحرام فلا يكره في الصيام كلمس ثوبها فصل : ولو استمنى بيده فقد فعل محرما ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل فإن أنزل فسد صومه لأنه في معنى القبلة في إثارة الشهوة فأما إن انزل لغير شهوة كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض فلا شيء عليه لم يفسد صومه لأنه عن غير اختيار منه فأشبه ما لو دخل حلقه شيء وهو نائم ولو جامع في الليل فأنزل بعدما أصبح لم يفطر لأنه لم يتسبب إليه في النهار فأشبه ما لو أكل شيئا في الليل فذرعه القيء في النهار الفصل الخامس : إذا كرر النظر فأنزل ولتكرار النظر أيضا ثلاثة أحوال أحدها أن لا يقترن به إنزال فال يفسد الصوم بغير اختلاف الثاني : أن يقترن به إنزال المني فيفسد الصوم في قول إمامنا وعطاء والحسن البصري ومالك والحسن بن صالح وقال جابر بن زيد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر لا يفسد لأنه إنزال عن غيره مباشرة أشبه الإنزال بالفكر ولنا أنه إنزال بفعل يتلذذ به ويمكن التحرز منه فأفسد الصوم كالإنزال باللمس والفكر لا يمكن التحرز منه بخلاف تكرار النظر الثالث مذي بتكرار النظر فظاهر كلام أحمد أه لا يفطر به لأنه لا نص في الفطر به ولا يمكن قياسه على إنزال المني لمخالفته إياه في الإحكام فيبقى على الأصل فأما إن نظر فصرف بصره لم يفسد صومه سواء أنزل وقال مالك إن أنزل فسد صومه لأنه أنزل بالنظر أشبه ما لو كرره ولنا أن النظرة الأولى لا يمكن التحرز منها فلا يفسد الصوم ما أفضت إليه كالفكرة وعليه يخرج التكرار فإذا ثبت هذا فإن تكرار النظر مكروه لمن يحرك شهوته غير مكروه لمن لا يحرك شهوته كالقبلة ويحتمل أن لا يكره بحال لأن قضاءه إلى الإنزال المفطر بعيد جدا بخلاف القبلة فإن حصول المذي لها ليس ببعيد فصل : فإن فكر فأنزل لم يفسد صومه وحكي عن أبي حفص البرمكي أنه يفسد واختاره ابن عقيل لأن الفكرة تستحضر فتدخل تحت الاختيار بدليل تأثيم صاحبها في مساكنها في بدعة وكفر ومدح الله سبحانه الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض ونهى النبي صلى الله عليه و سلم عن التفكر في ذات الله وأمر بالتفكر في الآية ولو كانت غير مقدور عليها لم يتعلق ذلك بها كالاحتلام فأما أن خطر بقلبه صورة الفعل فأنزل لم يفسد صومه لأن الخاطر لا يمكن دفعه ولنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ] ولأنه لا نص في الفطر به ولا إجماع ولا يمكن قياسه على المباشرة ولا تكرار النظر لأنه دونها في استدعاء الشهوة وإفضائه إلى الإنزال ويخالفهما في التحريم إذا تعلق ذلك بأجنبية أو الكراهة إن كان في زوجة فيبقى على الأصل يتبع
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
رد: فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان
فقه الصيام [ المغني - ابن قدامة ] المؤلف : عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد من صــ33 الى صــ58 (10) الفصل السادس : أن المفسد للصوم من هذا كله ما كان عن عمد وقصد فأما ما حصل منه عن غير قصد كالغبار الذي يدخل حلقه من الطريق ونخل الدقيق والذبابة التي تدخل حلقه أو يرش عليه الماء فيدخل مسامعه أو أنفه أو حلقه أو يلقي في ماء فيصل إلى جوفه أو يسبق إلى حلقه من ماء المضمضة أو يصب في حلقه أو أنفه شيء كرها أو تداوى مأمومته أو جائفته بغي اختياره أو يحجم كرها أو تقبله امرأة بغير اختياره فينزل أو ما أشبه هذا فلا يفسد صومه لا نعلم فيه خلافا لأنه لا فعل له فلا يفطر كالاحتلام وأما إن اكره على شيء من ذلك بالوعيد ففعله فقال ابن عقيل : قال أصحابنا لا يفطر به أيضا لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] ويحتمل عند أن يفطر لأنه فعل المفطر لدفع الضرر عن نفسه فأشبه المريض إليه لدفع المرض ومن يشرب لدفع العطش ويفارق الملجأ لأنه خرج بذلك عن حيز الفعل ولذلك لا يضاف إليه ولذلك افترقا فيما لو أكره على قتل آدمي والقي عليه الفصل السابع : أنه متى أفطر بشيء من ذلك فعليه القضاء لا نعلم في ذلك خلافا لأن الصوم كان ثابتا في الذمة فلا تبرأ منه إلا بأدائه ولم يؤده فبقي على ما كان عليه ولا كفارة في شيء مما ذكرناه في ظاهر المذهب وهو قول سعيد بن جبير و النخعي و ابن سيرين و حماد و الشافعي وعن أحمد أن الكفارة تجب على من أنزل بلمس أو قبله أو تكرار نظر لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الإنزال بالجماع وعنه في المحتجم إن كان عالما بالنهي فعليه الكفارة وقال عطاء في المحتجم عليه الكفارة وقال مالك تجب الكفارة بكل ما كان هتكا للصوم إلا الردة لأنه إفطار في رمضان أشبه الجماع وحكي عن عطاء و الحسن و الزهري و الثوري و الأوزاعي و إسحاق أن الفطر بالأكل والشرب يوجب ما يوجبه الجماع وبه قال أبو حنيفة : إلا أنه اعتبر ما يتغذى به أو يتداوى به فلو ابتلع حصاة أو نواة أو فستقة بقشرها فلا كفارة عليه واحتجوا بأنه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه فوجب عليه الكفارة كالجامع ولنا أنه أفطر بغير جماع فلت توجب الكفارة كبلع الحصاة أو التراب أو كالردة عند مالك ولأنه لا نص في إيجاب الكفارة بهذا ولا إجماع ولا يصح قياسه على الجماع لأن الحاجة إلى الزجر عنه أمس والحكم في التعدي به آكد ولهذا يجب به الحد إذا كان محرما ويختص بإفساد الحج دون سائر محظوراته ووجوب البدنة ولأنه في الغالب يفسد صومه اثنين بخلاف غيره فصل : والواجب في القضاء عن كل يوم يوم في قول عامة الفقهاء وقال أحمد : قال إبراهيم و وكيع بصوم ثلاثة آلاف يوم وعجب أحمد من قولهما وقال سعيد بن المسيب : من أفطر يوما متعمدا يصوم شهرا وحكي عن ربيعة أنه قال : يحل مكان كل يوم اثنا عشر يوما لأن رمضان يجزئ عن جميع السنة هي اثنا عشر شهرا ولنا قول الله تعالى : { فعدة من أيام أخر } و [ قال النبي صلى الله عليه و سلم في قصة المجامع صم يوما مكانه ] رواه د أبو داود ولأن القضاء يكون على حسب الأداء بدليل سائر العبادات ولأن القضاء لا يختلف بالعذر وعدمه بدليل الصلاة والحج وما ذكروه تحكم لا دليل عليه والتقدير لا يصار إليه إلا بنص أو إجماع وليس معهم واحد منهما وقول ربيعة يبطل بالمعذور وذكر لأحمد حديث أبي هريرة من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقضه ولو صام الدهر فقال ليس يصح هذا الحديث مسألة : قال : وإن فعل ذلك ناسيا فهو على صومه ولا قضاء عليه وجملته أن جميع ما ذكره الخرقي في هذه المسألة لا يفطر الصائم بفعله ناسيا وروي عن علي رضي الله عنه لا شيء على من أكل ناسيا وهو قول أبي هريرة وابن عمر و عطاء و طاوس وابن أبي ذئب و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أبي حنيفة و إسحق وقال ربيعة و مالك : يفطر لأن ما لا يصح الصوم مع شيء من جنسه عمدا لا يجوز مع سهوه كالجماع وترك النية ولنا ما روى أبو هريرة قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ] متفق عليه وفي لفظ [ من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله ] ولأنها عبادات ذات تحليل وتحريم فكان في محظوراتها ما يختلف عمده وسهوه كالصلاة والحج وأما النية فليس تركها فعلا ولأنها شرط والشروط لا تسقط بالسهو بخلاف المبطلات والجماع حكمه أغلظ ويمكن التحرز عنه فصل : فإن فعل شيئا من ذلك وهو نائم لم يفسد صومه لأنه لا قصد له ولا علم بالصوم فهو أعذر من الناسي وذكر أبو الخطاب أن من فعل من هذا شيئا جاهلا بتحريمه لم يفطر ولم أره عن غيره وقول النبي صلى الله عليه و سلم [ أفطر الحاجم والمحجوم ] في حق الرجلين اللذين رآهما يحك أحدهما صاحبه مع جهلهما بتحريمه يدل على أن الجهل لا يعذر به ولأنه نوع جهل فلم يمنع الفطر كالجهل بالوقت في حق من يأكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع مسألة : قال : ومن استقاء فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فلا شيء عليه معنى تقيأ مستدعيا للقيء خروج من غير اختيار منه فمن استقاء فعليه القضاء لأن صومه يفسد به ومن ذرعه فلا شيء عليه وهذا قول عامة أهل العلم قال الخطابي : لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على إبطال صوم من استقاء عامدا وحكي عن ابن مسعود وابن عباس أن القيء لا يفطر وروي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثلاث لا يفطرن الصائم : الحجامة والقيء والاحتلام ] ولأن الفطر بما يدخل لا بما يخرج ولنا ما روى أبو هريرة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عامدا فليقض ] قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ورواه أبو داود وحديثهم غير محفوظ يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف في الحديث قال الترمذي والمعنى الذي ذكر لهم يبطل بالحيض والمني فصل : وقليل القيء وكثيره سواء في ظاهر قول الخرقي وهو إحدى الروايات عن أحمد والرواية الثانية لا يفطر إلا بملء الفم لأنه روى [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ولكن دسعة تملأ الفم ] ولأن اليسير لا ينقض الوضوء فلا يفطر كالبلغم والثالثة نصف الفم لأنه ينقض الوضوء فأفطر به كالكثير والأولى أولى لظاهر الحديث الذي رويناه ولأن سائر المفطرات لا فرق بين قليلها وكثيرها وحديث الرواية الثانية لا نعرف له أصلا ولا فرق بين كون القيء طعاما أو مرارا أو بلغما أو دما أو غيره لأن الجميع داخل تحت عموم الحديث والمعنى والله تعالى أعلم بالصواب مسألة : قال : ومن ارتد عن الإسلام فقد أفطر لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن من ارتد عن الإسلام في أثناء الصوم أنه يفسد صومه وعليه قضاء ذلك اليوم إذا عاد الإسلام سواء أسلم في أثناء اليوم أو بعد انقضائه وسواء كانت ردته باعتقاد ما يكفر به أو شكه فيما يكفر بالشك فيه أو بالنطق بكلمة الكفر مستهزئا أو غير مستهزئ قال الله تعالى { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } وذلك لأن الصوم عبادة من شرطها النية فأبطها الردة كالصلاة والحج ولأنه عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة مسألة : قال : ومن نوى الإفطار فقد أفطر هذا الظاهر من المذهب وهو قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي إلا أن أصحاب الرأي قالوا : إن عاد فنوى قبل أن ينتصف النهار أجزأه بناء على أصلهم أن الصوم يجزئ بينه من النهار وحكي عن ابن حامد أن الصوم لا يفسد بذلك لأنها عبادة يلزم المضي في فاسدها فلم تفسد بنية الخروج منه كالحج ولنا أنها عبادة من شرطها النية ففسدت بنية الخروج منها كالصلاة ولأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة ولكن لما شق اعتبار حقيقتها اعتبر بقاء حكمها وهو أن لا ينوي قطعها فإذا نواه زالت حقيقة وحكما ففسد الصوم لزوال شرطه وما ذكره ابن حامد لا يطرد في غير رمضان ولا يصح القياس على الحج فإنه يصح بالنية المطلقة والمبهمة وبالنية عن غيره إذا لم يكن حج عن نفسه فافترقا فصل : فأما صوم النافلة فإن نوى الفطر ثم لو ينو الصوم بعد ذلك لم يصح صومه لأن النية انقطعت ولم توجد نية غيرها فأشبه من لم ينو أصلا وإن عاد فنوى الصوم صح صومه كما لو أصبح غير ناو للصوم لأن نية الفطر إنما أبطلت الفرض لما فيه من قطع النية المشترطة في جميع النهار حكما وخلو بعض أجزاء النهار عنها والنفل مخالف للفرض في ذلك فلم تمنع صحته نية الفطر في زمن لا يشترط وجود نية الصوم فيه ولأن نية الفطر لا تزيد على عدم النية في ذلك الوقت وعدمها لا يمنع صحة الصوم إذا نوى بعد ذلك فكذلك إذا نوى الفطر ثم نوى الصوم بعده بخلاف الواجب فإنه لا يصح بنية من النهار وقد روي عن أحمد أنه قال إذا أصبح صائما ثم عزم على الفطر فلم يفطر حتى بدا له ثم قال : لا بل أثم صومي من الواجب لم يجزئه حتى يكون عازما على الصوم يومه كله ولو كان تطوعا كان أسهل وظاهر هذا موافق لما ذكرناه وقد دل على صحته [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يسأل أهله : هل من غداء ؟ فإن قالوا : لا قال : إني إذا صائم ] فصل : وإن نوى أنه سيفطر ساعة أخرى فقال ابن عقيل : هو كنية الفطر في وقته وإن تردد في الفطر فعلى وجهين كما ذكرنا في الصلاة وإن نوى أنني إن وجدت طعاما أفطرت وإن لم أجد أتممت صومي خرج فيه وجها : أحدهما يفطر لأنه لم يبق جازما بنية الصوم وكذلك لا يصح ابتداء النية بمثل هذا : والثاني لا يفطر لأنه لم ينو الفطر بنية صحيحة فإن النية لا يصح تعليقها على شرط ولذلك لا ينعقد الصوم بمثل هذا النية
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |