|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الصيام عند الشيعة: قراءة وصفية نقدية عبدالغني المجتهد إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد: فإن الله عز وجل قد خلق الخلق لعبادته، وشرع لهم من الشرائع ما يقربهم إليه، ونهاهم عما يبعدهم عنه، وإن الناظر في نصوص الشريعة الغراء يلاحظ بجلاء الحِكَم العظيمة الجليلة والمصالح الرفيعة التي تضمنتها وضمنتها للإنسان. فالتكاليف الشرعية لم تأتِ لأجل سوق الإنسان إلى النكد والمشقة والتعب والنصب، وإنما جاءت لتمحيص وتمييز المؤمن من المكابر، والتقي من الفاجر،ومن حِكَم الله عز وجل أن جعل لهذه الأمة مواسم تنشط فيها بعد الفتور، وتنهض العزائم فيها بعد الخمول. ومن جملة هذه التكاليف عبادة الصيام التي شرعت في كل الشرائع على اختلاف بينها في الأحكام، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وإن الصوم في شريعتنا السمحة هو أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو الذي لم يحدد له الخالق عز وجل جزاءً محددًا؛ وإنما قال: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"[1]، وخص له بابًا من أبواب الجنة لا يدخله إلا الصائمون "في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يُسمَّى الرَّيَّان لا يدخله إلا الصائمون"[2]. ولا يزال المسلمون يعظمون هذه الشعيرة العظيمة ويُجِلُّونها، كيف لا وهي تقودهم إلى التقوى التي هي أعظم زاد يتزوَّد به المؤمن للقاء ربه؛ قال تعالى خاتمًا آية الصيام: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، وقال في الأخرى: ﴿ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197] وتقوى الله عز وجل في عبادة الصيام تظهر من وجوه عديدة، لعل أعظمها شأنًا وأجلها قدرًا أن الصيام أمره موكول إلى نفس الصائم وضميره لا رقيب عليه سوى الله عز وجل، وهو سِرٌّ بين العبد وربه، لا يعلمه أقرب قريب، وفي ذلك ما فيه من تربية النفس على الإخلاص في العبادة وتنمية هذه الخصلة الحميدة، فمن راقَبَ الله عز وجل في صيامه يوشك أن يراقبه في سائر أعماله ومناشطه؛ ولذلك تجد الناس في رمضان أكثر إيمانًا منه في غيره، فهذا يسأل عن نوافل الصلاة يزيد فيها، والآخر يتحرج من بلع الريق والنخامة واستعمال السواك، وثالث يستفسر عن استعمال الأدوية من الإبر والتحاميل وغيرها. المبحث الأول: الشيعة: نشأتهم، فِرَقهم، أصولهم وعقائدهم المطلب الأول: ولادة الفرقة ونشأتها: يكاد يتفق المسلمون على أن ظهور الاختلاف والتفرقة بين المسلمين بدأ مباشرة بعد مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأن تلك الحادثة الأليمة كانت هي الشرارة الأولى للفتنة العظيمة التي حدثت في صفوف الأمة الإسلامية، والتي انتهت بتنازل الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، حقنًا للدماء وتوحيدًا للكلمة، وأصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، حين نظر إليه فقال: "إن ابني هذا سيِّد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"[3]. وقد كان كل من الفريقين يرى أنه على صواب اتجاه تلك الأحداث العظيمة، فطائفة ترى أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة وترى تقديم مبايعته ونصرته والجهاد معه؛ إعزازًا للدين وقيامًا بواجبهم تجاه إمام المسلمين، فسموا بشيعة علي؛ أي: حزبه وأتباعه، وفريق يرى أن تطبيق الشريعة في قتلة عثمان أولى من مبايعة غيره، فنهضوا مع معاوية رضي الله عنه وجاهدوا معه؛ نصرةً للدين وانتقامًا لذي النورَينِ زوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وآثر آخرون اعتزال هذه الفتنة ووضعَ السلاح، ولم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، وكل مصيب في اجتهاده وإن كان الحق مع علي بن أبي طالب، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال: "ويح عمَّار تقتله الفئة الباغية"[4]، وقد قتل رحمه الله في صفِّ علي. ولم يكن استعمال هذه اللفظة في العصر الأول من الإسلام إلا في معناها اللغوي، فأصل الشيعة: الفرقة من الناس، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والذكر والمؤنث بلفظ واحد، ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى عليًّا رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسم خاص، فإذا قيل من الشيعة عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا؛ أي: عندهم، وتجمع الشيعة علي شيع، وأصلها من المشايعة؛ وهي المتابعة والمطاوعة[5]. وذلك على خلاف ما يعتقده الشيعة من أن أصل الفرقة ومبدأها كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول القمي: "وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي.. وهم أول من سموا باسم التشيع من هذه الأمة"[6]. المطلب الثاني: أهم الفِرَق الشيعية. يقول البغدادي[7]: "ثم إن عليًّا رضي الله عنه خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى سباط المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه، زعم ابن سبأ أن المقتول لم يكن عليًّا"[8]، ويعتبر هذا الحدث مبدأ تفرُّق الشيعة وانقسامهم وظهور الغلاة فيهم، وأهمها السبئية التي أظهر مؤسسها ابن سبأ اليهودي عقائد مصادمة للكتاب والسنة، تلك الأفكار التي شكلت ركائز وأسس فكر الغلاة والمتطرفين الشيعيين وقتئذٍ وفي زماننا المعاصر، ثم اندثرت تلك الطائفة، وتفرعت منها الطوائف الخمس الكبرى؛ وهي: "الكيسانية، والزيدية، والإمامية، والغلاة، والإسماعيلية. وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال، وبعضهم إلى السنة، وبعضهم إلى التشبيه"[9]. ويمكن -إجمالًا- تقسيم الشيعة إلى قسمين كبيرين: القسم الأول: يتفق -في الغالب- مع عقائد أهل السُّنة والجماعة، وهم الذين يُقِرُّون بإمامة الشيخين ولا يُكفِّرون الصحابة ولا يقولون بعصمة الأئمة ولا بتحريف القرآن، وهؤلاء هم أتباع وأشياع عليٍّ وبنيه على الحقيقة، ويمثلهم الآن فرقة الزيدية، ومقرهم الرئيسي باليمن، ومن أجَلِّ علمائهم الإمام الشوكاني ومحمد بن إسماعيل الصنعاني المشهور بالأمير الصنعاني وغيره. القسم الثاني: الذين يخالفون عقائد وأفكار عليٍّ وبنيه وأهل السُّنة والجماعة، وهؤلاء منهم المعتدلون الذين قد يكون في أقوالهم ما يخالف صريح القرآن وصحيح السُّنة، ولكنهم لا يعتقدون ما يمس تنزيه الله سبحانه وتعالى ولا وحدانيته ولا رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم الغلاة المتطرفون الذين وقعوا في الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل لمساسه بواحدنية الله سبحانه وتعالى وربوبيته وبرسالة النبي صلى الله عليه وسلم ولمخالفتهم لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومن أهم هؤلاء: الإمامية والنصيرية والكيسانية والإسماعيلية[10]. المطلب الثالث: أصول التشيع وأهم وعقائدهم: أولًا: أصول عقائدهم: اختلفت أنظار العلماء والباحثين في مرجع الأصول العقدية للتشيُّع؛ فمن قائل بأنها ترجع لأصل يهودي، ومن قائل بأنها ترجع لأصل فارسي، ومن قائل بأن المذهب الشيعي كان خليطًا من العقائد الآسيوية القديمة؛ كالبوذية وغيرها. القول بالأصل اليهودي: من الباحثين من يرى أن أصل التشيع يرجع إلى اليهودية لاعتبارين: الأول: أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية، والرجعة، وابن سبأ يهودي، وهذه الآراء صارت من أصول المذهب الشيعي؛ ولهذا أشار كثير من شيوخ الشيعة القدامى إلى هذا، وذلك حينما استعرضوا آراء ابن سبأ التي أصبحت فيما بعد من أصول الشيعة، قالوا: "فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض كان مأخوذًا من اليهودية"[11]. الثاني: هو وجود تشابه في الأصول الفكرية بين اليهود والشيعة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن في الشيعة من الجهل والغلو واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه واليهود من وجه، وأن الناس ما زالوا يصفونهم بذلك، ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى"[12]. القول بالأصل الفارسي: يقول الشيخ محمد أبو زهرة: "إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس"[13]، ويطفو حنينهم إلى الأصل الفارسي أيضًا في روايات عديدة عند الاثنا عشرية، تُفْرِدُ سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر، حيث جاء في أخبارهم: "أن سلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمنًا، ومن أنكره كان كافرًا"، وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعةُ في رواياتهم إطلاقَه على أئمتهم الاثني عشر؛ بل أثبتت أخبارهم لسلمان علم الأئمة والأنبياء، كما جعلت له أمر الإمام والنبي، فقالت: "سلمان أدرك علم الأول وعلم الآخر" ثم فسرت ذلك، فقالت: "يعني علم النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم عليٍّ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر علي"، وأن سلمان هو الذي به يرزقون وينصرون ويمطرون، إلى غير ذلك من الأباطيل والهراء[14]. أضِفْ إلى ذلك تعظيمهم ليوم النيروز كفعل المجوس، وقد اعترفت أخبارهم بأن عيد النيروز من أعياد الفرس[15]، وتقديسهم للمجوسي الذي قتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجعل ذلك عيدًا من أعيادهم. القول بالأصل اليوناني والآسيوي البوذي وغيره: يحكي ابن تيمية -رحمه الله- عن بعض فِرَقهم أنهم "أخذوا من مذاهب الفرس وقولهم بالأصلين: النور والظلمة، وغير ذلك أمورًا، وأخذوا من مذاهب الروم من النصرانية، وما كانوا عليه قبل النصرانية من مذهب اليونان، وقولهم بالنفس والعقل، وغير ذلك أمورًا، ومزجوا هذا بهذا[16]. وهذا مذهب طائفة من الباحثين المعاصرين أيضًا، يقول أحمد أمين: "وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح، وتجسيم الله، والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الإسلام"[17]، ويذكر صاحب مختصر التحفة: "إن مذهب الشيعة له مشابهة تامة ومناسبة عامة مع فرق الكفرة والفسقة والفجرة، أعني اليهود والنصارى والصابئين والمشركين والمجوس"، ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف[18]. ويشير المستشرق فان فلوتن[19] إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة،وأن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية، والمانوية، والبوذية وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام[20]. وبالجملة فإن لهذه الأصول آثارها الخطيرة في إحداث الشرك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والصد عن دين الله، وظهور فِرَق الزندقة والإلحاد، والخلاعة والفساد باسم التمتع والتدين، ومحاولة إضلال المسلمين عن قرآنهم وسنة نبيهم، والتأثير السلبي في الدين والأدب والتاريخ والهوية. ثانيًا: أهم عقائدهم: كثيرة هي عقائد الضلال التي تطفح بها مصادرهم، ولكن حسبي في هذا المختصر أن أُعرِّج على أهمها على شكل نقاط دون التفصيل لعدم سماح المقام بذلك: • عقيدة الشرك بالله مثل اليهود والنصارى وسائر المشركين، عن طريق تأليه علي والحسين رضي الله عنهما والأئمة من بعدهم. • عقيدة البداءة الفاسدة التي تستلزم نسبة الجهل إلى الباري تعالى شأنه. • عقيدة عصمة الأئمة الاثني عشر المخالفة لعقيدة ختم النبوة لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. • عقيدة أن القرآن الموجود مُحرَّف ومُبدَّل، زيد فيه ونقص منه (والعياذ بالله)، وهي من أشنع عقائدهم وأفسدها، وتستلزم إخراجهم من مِلَّة الإسلام. • عقيدة إهانة الرسول صلى الله عليه وسلم وإهانة علي رضي الله عنه والحسن والحسين رضي الله عنهما رغم ما يظهرون من تقديس علي وآله. • عقيدة إهانة أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن. • عقيدة إهانة الخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين وتكفيرهم. • عقيدة التقية. • عقيدة المتعة. • عقيدة الرجعة. • عقيدة الاحتساب في النياحة وشق الجيوب وضرب الخدود على شهادة الحسين وغير ذلك المخالفة للعقيدة الإسلامية (الصبر في المصائب)[21]. والجدير بالذكر أن الشيعة في هذه العقائد دركات بعضها تحت بعض، وتختلف درجة الاعتقاد فيها بحسب طوائف الشيعة غلوًّا واعتدالًا، فإنهم ليسوا على قلب رجل واحد وإنما ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 32]. المبحث الثاني: الصيام عند الشيعة: المطلب الأول: معنى لفظتي: الصوم ورمضان عند الشيعة: يختلف الشيعة في تحديدهم لمعنى الصيام -كمفهوم- اختلافًا كبيرًا عما يعرفه أهل السنة والجماعة، فهم ينقلون عن علي -رضي الله عنه- أنه قال: "الصيام: اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب"[22]، فقولهم "اجتناب المحارم" فيها كثير من العموم والإبهام، والمحارم كما هو معلوم لها إطلاقات متعددة، إلا أن يكون قصدهم بالمحارم "المحرمات" فإنه لا ينضبط؛ لكون كثير من المحرمات لا تبطل الصيام على الأصح؛ كالكذب والسرقة والغيبة وغيرها. وينقلون في موضع آخر تحديدًا اصطلاحيًّا للصيام بأنه "حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن، والأسماع والأبصار، وسائر الجوارح...حتى يُستر به من النار"[23]. والملاحظ أيضا أن هذا التحديد لمفهوم الصيام عندهم ليس إلا كلامًا عامًّا أقرب ما يكون إلى بيان ما يكمُل به الصيام -وهو صيام الجوارح عن المحرمات- ثم بيان الغاية من الصيام وهو اجتناب عذاب الله عز وجل والستر من النار. لكن هذه التعريفات كلها لا تلامس حقيقة الصيام في الشرع والذي هو "الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله عز وجل". أما "رمضان" فهو عندهم اسم من أسماء الله عز وجل، وبَوَّبَ الكُليني في أصوله بقوله: "باب في النهي عن قول رمضان بلا شهر" نقل فيه حديثًا عن أبي جعفر الصادق يقول: "لا تقولوا هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عز وجل"[24] مع أن شيخهم "الخوئي"[25] ذكره في مواطن كثيرة من "كتاب الصوم" بدون لفظة "شهر"[26]. وقد حكم الشيخ الألباني -رحمه الله- على هذا الحديث بالبطلان في السلسلة الضعيفة[27]، تحت رقم (6768)، ونقل كلام المتقدمين فيه، وضعف الحافظ طرقه في الفتح[28]، وحكم عليه ابن الجوزي في الموضوعات بأنه حديث موضوع ولا أصل له[29]،وانتصر البخاري -رحمه الله- في كتابه لهذا، فقال: "باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعًا" وساق أحاديث في ذلك منها: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة"[30]. المطلب الثاني: الصوم: أحكام الصيام عند الشيعة: تختلف الروايات الشيعية في عدد أركان الإسلام، فتارة يحصرونها في ثلاثة، ولهم في ذلك رواية عن أبي جعفر أنه قال: "أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية"[31]، وتارة يوصلونها إلى خمسة فيسقطون الشهادة ويجعلون مكانها الولاية، ورأوا أن من لم يعتقد بالولاية فلا صيام له، ورووا عن أبي جعفر أنه قال: "بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية"[32]، ويحكي الخوئي الإجماع على شرطية الاعتقاد بالولاية في قبول الصيام وسائر العبادات[33]. واختلفوا في عدة شهر رمضان، فقالت طائفة بأن عدته ثلاثون يومًا دون تغيير ودون احتياج إلى مراقبة هلال العيد، واستدلوا على ذلك بما أورده الكليني في أصوله عن أبي عبدالله قال: "شهر رمضان ثلاثون يومًا لا ينقص أبدًا" ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ [البقرة: 185]"[34]، وفي بحار الأنوار للمجلسي أنه حلف على ذلك بقوله: "رمضان لا ينقص والله أبدًا"[35]، وطائفة أخرى انتصرت لكلام الطوسي في تكذيبه سائر الروايات السابقة[36]، وقالوا بارتباطه بالهلال، فقد يكون هكذا وهكذا. وينسبون لعلي بن الحسين أنه كان يصِلُ شعبان برمضان، ويقول: "صوم شهرين متتابعين توبة من الله"[37]. أما صيام يوم الشك فهو عندهم توفيق من الله عز وجل، ومستندهم في ذلك ما يروونه عن أبي عبدالله أنه سُئل عن الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك؟ فقال: هو شيء وفق له"[38]. وعندهم لاستقبال رمضان غسل في الليلة الأولى -وهي تجزئ إلى آخره- يسندونه لأبي جعفر أنه قال: "الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله ثم يصلي ثم يفطر"، أو الاغتسال ليالي تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين، ودليلهم أن أبا عبدالله سُئل عن الاغتسال في رمضان، فقال: ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين"[39]. وقد اتفقوا مع أهل السنة والجماعة في مبدإ الإمساك في الصيام وهو طلوع الفجر، واختلفوا معهم في وقت الإفطار، فقالوا بتأخير الإفطار إلى ذهاب الحمرة المشرقية -كما يسمونها- ويروون في ذلك حديثًا لأبي عبدالله قال: "وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام أن يقوم بحذاء القبلة ويتفقَّد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص"[40]. وفي ذلك مخالفة صريحة لصحيح النصوص من السنة النبوية بوجوب المبادرة بالإفطار فور غياب قرص الشمس، ومن ذلك ما اتفق عليه الشيخان من حديث عبدالله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر وهو صائم، فلما غابت الشمس قال لبعض القوم: يا فلان، قم فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله، لو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، فلو أمسيت، قال: انزل فاجدح لنا، قال: إن عليك نهارًا، قال: انزل اجدح لنا. فنزل فجدح لهم، فشرب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا؛ فقد أفطر الصائم"[41]. ولهم في رمضان أعمال زائدة على الصيام، يجعلونها من آكد السنن، في حين يردون الصحيح الصريح وينكرونه بحجة أنه من سنن أحد الصحابة الذين يعتقدون ردتهم وكفرهم؛ ومن ذلك صلاة التراويح، فقد تضاربت الآراء حولها، وعدُّوها من مطاعن عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- وبِدَعِه، كما في مرآة العقول[42]، ثم نجد المجلسي في نفس الكتاب يُصحِّح صلاة التراويح في رواية عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلى العتمة صلى بعدها فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم ثم يخرج أيضًا فيجيئون ويقومون خلفه فيدعهم ويدخل مرارًا قال، وقال: لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان"[43]. كما أن عليًّا -رضي الله عنه- كان حاضرًا حين صلاها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولم يعترض عليه، ولو كانت بدعة ما سكت عنها عليٌّ ولا غيره، خصوصًا أن عليًّا معدودٌ عندهم في عداد الأئمة المعصومين. ومن غرائب القوم أنهم يبتدعون بدل ذلك كثيرًا من الصلوات باسم أئمتهم، ومنها أن عليًّا –رضي الله عنه- كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة"[44]، ويروون عن أئمتهم اختلافًا كثيرًا في عدد الركعات وما يقرأ في كل منها في ليالي رمضان[45]. أما ليلة القدر عندهم فهي محصورة بين ليلتي إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين كما في أصول الكليني (4 / 94)، ولهم في كل ليلة من الليالي العشر أدعية خاصة ينمونها لأئمتهم[46]، ودعاء خاص يودعون به شهر رمضان[47]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |