الاهتمام بتنظيم الوقت

[ابوالوليد المسلم]

الاهتمام بتنظيم الوقت
أ. أمل السويداء


السؤال:

♦ الملخص:
فتاةٌ عندها هوسُ تنظيم الوقت وخوف تضييعه، تُحب التنظيمَ والتخطيطَ بشكل خيالي، وأصبح لديها وقتٌ كبير، لكنها لم تَستغلَّه، ورجعتْ إلى سماع الأغاني وغيرها، وحزِنت كثيرًا؛ لأنها ضيَّعتْ وقتًا كبيرًا فيها، وتسأل: هل أنا طبيعية؟

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا فتاةٌ أُحِبُّ التنظيمَ والتخطيطَ بشكل خيالي، وأَقضي وقتًا كبيرًا في التخطيط والتنظيم، أخواتي يَشْكُونَ أحيانًا من الأنظمة الصارمة التي أنصَح بها أمي لاتخاذها معهم، مثل: تحديد وقت للإنترنت والقراءة، وما أشبَه!

عندما لاحظتُ أن هذه الأنظمة تُزعجهنَّ، تركتُهنَّ وشأنَهنَّ، فهذه طريقتي ولن أُجبر أحدًا عليها.

أشعُر بأن عندي هوسَ الوقت، فأخاف جدًّا مِن تضييعه، وكل مدة أبدأُ في حذف تطبيقات جهازي، وأتمنَّى لو أَسْتَبدِله بجوال للمكالمات المهمة فقط، وأشعُر بالرغبة في الانعزال، وأستمتع حينَها بقراءة الكتب، أُحب هذا النظام القديم، وأشعُر بالاستقرار النفسي والراحة والرضا، وأجِدُني أكثر إنجازًا وإيجابيةً!

كنتُ أقرأُ كتابين في الأسبوع، وعلى الرغم من الضغط الشديد في الدراسة، فإنني أجد وقتًا لكلِّ شيءٍ، وأتعامل بإيجابيةٍ مع كل شيءٍ، وأرى أن الأمور السيئة التي تَحدُث تكون في صالحي.

لكن العجيب أني بعد شهرين تقريبًا خفَّ ضغطُ الدراسة كثيرًا، فأصبحتُ أجِد وقتًا كبيرًا، لكني للأسف لم أستغلَّه في القراءة، وقررتُ إرجاع التطبيقات لجهازي، وتضييع الوقت مرةً أخرى، وبدأتُ في التعلُّق بالإنترنت، وهذا بالطبع سلبي جدًّا، فقد عدتُ إلى سماعِ الأغاني كالسابق، وأُضيِّع وقتًا كبيرًا جدًّا، ولم أكُن سعيدةً أبدًا؛ إذ عاد إليَّ تأنيبُ الضمير، فشعَرتُ بالحزن وتمنَّيتُ أني لم أعُد، خصوصًا أن الأمر كان بإرادتي!

لا أستطيع العيش باعتدالٍ مع اهتماماتي القديمة كالفن والغناء، أعلَم أنها أشياء مُحرَّمة وتَصرِفني عن الخير والطاعة، وتَصنَعُ مني شخصيةً غيرَ صبورةٍ، وسلبيةً وعاجزةً، وأخواتي لا يُعجبهنَّ وضعي، فدائمًا يَقُلْنَ لي: لماذا تَحرمين نفسك؟ لماذا تُجبرين نفسك على القوانين الصارمة؟ أسعِدي نفسك وعيشي بعفوية.

أنا أقتنِع بكلامهنَّ، ولكني أشعُر أن سعادتي فيما أفعَلُه، فأنا أُحب الاجتماعات الواقعية لا الافتراضية، لذلك أريد منهنَّ أن يُقَلِّلْنَ مِن استخدام الإنترنت؛ لنجلسَ معًا ونطوِّرَ العلاقة الأسرية، ولا أعلم هل أنا على صواب أو لا؟

أريد أن أَعرِفَ هل مِن الواجب عليَّ إجبارُ نفسي على الصواب دائمًا، أو عليَّ أن أُخفِّف قليلًا؛ ذلك أنني بعد فترة من الإجبار أتعوَّد الشيءَ الصحيح الذي أجبرتُ نفسي عليه؛ كعادة القراءة مثلًا، أو إجباري على إنجاز مَهامَّ في وقتٍ معين، وعدم استعمال الهاتف أكثر من عشرين دقيقة في اليوم؟


أنا أَعود إلى الخطأ ليس لأني لا أَستغني عنه، ولكن لأني أخشى أن أكونَ قد قصَّرتُ في حق نفسي، فهل أنا طبيعية؟


الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله الذي هدانا النَّجدين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحْبه أجمعين، ومَن اتَّبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

وبعد، أُختي الفاضلة، جميل أن نستطيعَ إدارة أوقاتنا بما هو نافعٌ ومُثمرٌ, وجميل أيضًا أن تكون لهذه الإدارة مَردودٌ يُرضي الله سبحانه وتعالى، وفيه خيرٌ لنا!

لديكِ حِسٌّ عالٍ بقيمة الوقت، وهذا الحسُّ نعمة يتَّصف بها ذَوو الهِمم العالية من الناجحين ورُوَّاد الأعمال والعلماء.

وحتى لو خالَفكِ الغير، فإن هذا لا يعني أنكِ على خطأ إذا كان ما تقومين فِعلًا صحيحًا.

اعلَمي أُخيَّتي أن مِن الصعب إقناع الآخرين بقناعاتك، لكن مِن السهل أن تؤثِّري فيهم بسلوكيَّاتك ونجاحك، سواء كان على الصعيد الشخصي، أو العلمي، أو العملي، لكن ابتعدي عن المبالغة، وحاوِلي أن تقبَلي اختلاف شخصيات مَن حولك؛ حتى لا يَنفِروا من أفكارك، بل حاولي أن تُقنعيهم بما لديك بالملاطفة والتودُّد، وإدخال التغيير فيهم بالتدرُّج، وأعطِي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، فلا تتعاملي مع الأمور دائمًا بجِديَّة، بل اجعَليها أكثرَ مُرونةً وسلاسةً! ومن أمثلة ذلك: رغبتُك في أن يجتمع أفرادُ أُسرتك جميعًا بعيدًا عن الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذه بادرةٌ رائعة، وكلامك صحيح، فالإنترنت جعَل الأغلب يعيش العالم الافتراضي أكثرَ مِن واقعه، وسلَب متعةَ مُصاحبة الغير، ولكي تُحدثي تغييرًا فلا بد من التفكير بأساليبَ تَجذِبُهم لذلك؛ كأن تصنَعي قالبَ كَعكٍ، أو طبقًا يُفضِّله الجميع مع القهوة أو الشاي، وتَجمعيهم عليه، وتُحاولي أن تُديري الحديث عن أمور تتماشى مع اهتماماتهم، ومرة بعد مرة - بالصبر واحتساب الأجر مِن الله، والتوكل عليه - ستُحقِّقين ما تريدين!

وربما يُساعدك الاطلاع والقراءة عن أنماط الشخصيات - وخصوصًا الأنماط التمثيليَّة - على معرفة كيفية التأثير فيهم.

أُخيَّتي، لديك خِصالٌ أتَمنَّى أن تُحاولي أن تَستثمريها في المستقبل القريب، وأن تصنَعي لطموحك بالتخطيط والتنظيم أهدافًا ذكيةً، ولا تَنسَي آخرتك منها.

بارك الله لكِ في وقتك وهِمَّتك، وأسألُ الله لكِ التوفيق والسدادَ.