القادسية معركة غيرت مسار التاريخ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4518 - عددالزوار : 1311356 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4943 - عددالزوار : 2041931 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 132019 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 13-12-2022, 10:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي القادسية معركة غيرت مسار التاريخ

القادسية معركة غيرت مسار التاريخ
عبد الستار المرسومي


نِسبةً إلى منطقة القادسية التي وقعت فيها المعركة، والقادسية: موضع شرقيَّ نهرِ الفرات جنوبي الكوفة، على سيف الصحراء، فيها مدينة بنَتْها الأكاسرة من ملوك فارس، بينها وبين البصرة ما يُعرف بـ (ماء العراق)، وقد سُميت القادسية نسبة لقصر قديس أو قادس الذي بناه الفُرس في العذيب وهو أحد توابعها.
سنة وقوعها: 14 هجرية[1].
القائد العام للجيش الإسلامي: سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -.
عدد مقاتلي الجيش الإسلامي: في حدود 30 ألف مقاتل[2]، ربما يَزيدون قليلاً.
وقد كان من ضمن المشاركين في الجيش الإسلامي[3]:
* بضعة وسبعون بدريًّا - رضي الله عنهم -.
* ستمائة وبضعة عشر من الصحابة - رضي الله عنهم -.
* سبعمائة من أبناء الصحابة - رضي الله عنهم -.
قادة الجيش الإسلامي[4]:
* خالد بن عرفطة[5] - رضي الله عنه - آمر الحرب.
* عبد الله بن المعتم - رضي الله عنه - قائد الميمَنة.
* شرحبيل بن السمط - رضي الله عنه - قائد خيل المَيسرة.
* المُغيرة بن شُعبة - رضي الله عنه - على الرجَّالة.
فعن حميد بن هلال قال: "لما كان يوم القادسية كان على الخيل قيس بن مكشوح العبسي، وعلى الرجالة المُغيرة بن شُعبة الثقفي، وعلى الناس سعد بن أبي وقاص"[6].
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أمير على مقاتلي جيش الشام، الذي جاء بالمدد لجيش العراق في اليوم الثالث من المعركة، ويُساعده في القيادة القعقاع بن عمرو التميمي - رضي الله عنه - الذي وصل أرض المعركة ومَن بمَعيَّته في اليوم الثاني منها.
عاصم بن عمرو التميمي على ساقة الميمنة، وسلمان بن ربيعة الباهلي على فرسان الميمنة، وحمال بن مالك الأسدي - رضي الله عنه - على مشاة الميسرة، وعبدالله بن ذي السهمين الخَثعمي على خيالة الميسرة[7].
حامل الراية: عبدالله بن أم مكتوم - رضي الله عنه - وكان أعمى؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "رأيت ابن أم مكتوم يوم القادسية وعليه درع وبيده راية"[8].
القائد العام لجيش الفرس: رستم فرخزاد.
عدد مقاتلي جيش الفرس: أكثر من 200 ألف مقاتل[9].
قادة جيش الفرس:
* في القلب: ذو الحاجب (ومعه 18 فيلاً) عليها الصناديق والرجال.
* في الميمنة: مما يلي القلب: الجالينوس.
* في الميمنة: الهرمزان (ومعه 8 أفيال) عليها الصناديق والرجال.
* في الميسرة مما يلي القلب: البيرزان.
* في الميسرة: مهران (ومعه 7 أفيال) عليها الصناديق والرجال.
قبل المعركة:
كانت جحافل الجيش الإسلامي في إقليم العراق قد خاضت مجموعة من المعارك مع الفرس لتحرير أرض العراق، لعلَّ من أهمها معركة الجسر التي خسرها الجيش الإسلامي لصالح جيش فارس، ثم تلتْها معركة البويب التي انتصر الجيش الإسلامي فيها انتصارًا كبيرًا، وعوض عما فاته في الجسر.
أما الفرس فبعد خسارتهم في معركة البويب التفُّوا على قادتهم المختلفين فيما بينهم، وأجبروهم على الاجتماع على يزدجرد وهو الولد الوحيد لشهريار بن كسرى الروم، وملَّكوه عليهم، وسمَّى يزدجرد رستم قائدًا عامًّا للجيش في حربه القادمة ضد الجيش الإسلامي.
وبعد اجتماع قادة وجند دولة فارس حول يزدجرد شجَّع هذا الأمر أهل سواد العراق - الذين سبق وأن حُررت أرضهم من قَبل - في التمرُّد على سلطان الدولة الإسلامية وإعلانهم العصيان.
هذه المستجدات في الوضع السياسي دفعت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للتفكير في فتح بلاد فارس، وكسر شوكة دولتهم التي تُمثِّل خطرًا متجددًا على الدولة الإسلامية من الناحية الشرقية، وعائقًا حقيقيًّا أمام نشر العقيدة الإسلامية في الأرض.
قرَّر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قيادة الجيش الإسلامي بنفسه، وبالفعل عقد العزم وخرج بالجيش من المدينة وترك عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - عاملاً عليها، ولكن أهل الحل والعقد وأهل الشورى من المسلمين، أشاروا عليه بالبَقاء في المدينة، واختيار قائد للجيش من أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فقد "خرَج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من المدينة حتى نزَل على ماء يُدعى صرارًا فعسكر به، ولا يَدري الناس ما يُريد أيَسير أم يقيم؟ وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف، فإن لم يَقدر هذان على عمل شيء مما يريدون ثلَّثوا بالعباس بن عبد المطلب، فسأله عثمان بن عفان عن سبب حركته، فأحضر الناس فأعلمهم الخبر واستَشارهم في المسير إلى العراق، فقال العامة: سِر وسر بنا معك، فدخل معهم في رأيهم وكره أن يدعهم حتى يخرجهم منه في رفق، وقال: اغدوا واستعدوا؛ فإني سائر إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا، ثم جمع وجوه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعلام العرب، وأرسل إلى علي بن أبي طالب وكان قد استخلفه على المدينة فأتاه، وإلى طلحة بن عبيد الله وكان على المقدمة فرجع إليه، وإلى الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، وكانا على المجنبتين فحضَرا، ثم استشارهم فاجتمعوا على أن يبعث رجلاً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويُقيم ويرميه بالجنود، فإن كان الذي يَشتهي فهو الفتح، وإلا أعاد رجلاً وبعث آخر، ففي ذلك غيظ العدو، فجمع عمر الناس وقال لهم: إني كنت عزمتُ على المسير حتى صرفني ذوو الرأي منكم، وقد رأيتُ أن أقيم وأبعث رجلاً فأشيروا عليَّ برجل"[10].
فأشاروا عليه بسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ولقد أصابوا في نصيحتهم له، واختار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قائدًا عامًّا للجيش الإسلامي، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- غني عن التعريف؛ فهو أشهر من نار على علم، فسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - مَن:
* قال فيه رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((هذا خالي، فليُرني امرؤ خاله))[11].
* جمَع له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمه وأباه في غزوة أُحد، فيقول سعد - رضي الله عنه -: "نثَل لي النبي - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد، فقال: ((ارمِ فداك أبي وأمي))[12].
* بشَّره رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - بالجنة.
* دعا له رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - بالتسديد والدعوة المُجابة، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم سدِّد رميته، وأجب دعوته))[13].
واستِنادًا إلى المعلومات الاستخبارية الموثوقة التي كانت تَرِد إلى أمير المؤمنين - رضي الله عنه - ولعلَّ من أهمها ما كان يَصله من المُثنى بن حارثة الشيباني - رضي الله عنه - في العراق في موضوع رِدَّة أهل السواد من أهل العراق وإعلان ولائهم للدولة الفارسية، والحشد الهائل للفرس، فقد رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- خطورة الأمر، فأمر بما يُعرف بالتجنيد الإلزامي لأول مرة، فأمر بتجنيد القبائل في جزيرة العرب وخارجها.
أحداث المعركة:
بعد أن اختار سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - موقعًا مناسبًا في القادسية قرب قصر القديس، بقي الجيش الإسلامي لمدة شهر لم يرَ جيش العدو، حتى ظنُّوا أن لا قتال، بعدها حضر جيش الفرس بقيادة رستم واختاروا مكانًا مُناسِبًا لهم أيضًا.
قال ابن الأثير: "وكان صف المشركين على شَفير العتيق (النهر)، وكان صف المسلمين مع حائط قديس والخندق، فكان المسلمون والمشركون بين الخندق والعتيق"[14]، والعتيق نهر من أنهار العراق يتفرَّع عن نهر الفرات قرب بلدة المسيب ويَسيرُ جنوبًا.
حاول رستم المناوَرة بعامل الوقت، فأرسل لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- يَطلُب أن يُرسِل له شخصًا مناسبًا للمُفاوضة والإجابة على بعض الأسئلة لديه، وكان أمل رستم ومعه جيش الفرس في أن تَطول فترة انتظار مُقاتلي الجيش الإسلامي من غير قتال فيضجروا ويَملوا، فتتزعزع ثقتهم بأنفسهم ثم يَنسحِبوا، ولكن ذلك لم يزد المسلمين إلا عزيمةً وإقدامًا وإصرارًا.
كان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ومعه قادة الجيش الإسلامي، يعلمون علم اليقين بأن رستم يطلب مَن يتكلم معهم من أجل كسب الوقت ليس إلا، ولكنهم حملوا الأمر على محمَل الجد، وقرروا تبليغ العدو بالرسالة التي جاء الإسلام بها، ولعلَّ اتفاقًا بين الطرفين يكون، فتُحقَن دماء الجيشين، فبعث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - كلاًّ من المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - وربعي بن عامر - رضي الله عنه - وحذيفة بن محصن - رضي الله عنه - على التوالي، وكل على انفراد، وقد تكلم الثلاثة كلامًا في غاية الحكمة والمنطق والثقة بالنفس، والعزة والكرامة والشهامة، ونستعرض هنا الحوار الذي دار بين ربعي بن عامر - رضي الله عنه - ورستم، فبعد أن دخل ربعي - رضي الله عنه - بثياب صفيقة بالية وأسلِحة متواضعة، وهو يركب فرسه الصغيرة التي دخل بها على رستم فداسَت الفرس الديباج والحرير، ودخل على رستم بسلاحه فقالوا له:
ضع سلاحَك.
قال ربعي: إني لم آتِكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعتُ، فنقَلوا ذلك لرستم فقال:
ائذنوا له، فأقبل ربعي يتوكَّأ على رُمحه فوق النمارق فخرق أكثرها.
فقالوا له: ما جاء بكم؟
فقال: الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدِينه إلى خلقه لنَدعُوهم إليه، فمَن قَبِل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومَن أبى قاتلناه أبدًا حتى نُفضي إلى موعود الله.
قالوا: وما موعود الله؟
قال: الجنة لمن مات على قتال مَن أبَى، والظَّفَر لمن بقي.
فقال رستم: قد سمعتُ مقالتكم، فهل لكم أن تؤخِّروا هذا الأمر حتى نَنظُر فيه وتنظروا؟
قال: نعم، كم أحَبُّ إليكم؟ يومًا أو يومين؟
قال رستم: لا، بل حتى نُكاتِب أهل رأينا ورؤساء قومنا.
فقال: ما سنَّ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نؤخِّر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل.
فقال رستم لربعي: أسيدُهم أنت؟
قال ربعي: لا، ولكنَّ المسلمين كالجسد الواحد يُجير أدناهم على أعلاهم.
فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أعزَّ وأرجح من كلام هذا الرجل؟
فقالوا: معاذ الله أن تَميل إلى شيء من هذا، وتدع دينك إلى هذا الكلب، أما ترى إلى ثيابه؟
فقال رستم: وَيلكم لا تَنظُروا إلى الثياب، وانظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يَستخفُّون بالثياب والمأكل، ويَصونون الأحساب"[15].
تمركز الجيشين قبل المعركة:
وشاء الله - جل جلاله - أن يَمرض سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قبل المعركة، ومنعه مرضه من ركوب الخيل، فوَكَّل سعدُ بن أبي وقاص - رضي الله عنه - خالد بن عرفطة - رضي الله عنه - ليقود جيوش المسلمين على أرض المعركة ميدانيًّا، بينما يُشرِف سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عليها من مكان مُرتفِع، وهو سطح جدار قصر قديس، وكان - رضي الله عنه - يعطي توجيهاته لخالد - رضي الله عنه -، وأما رستم فقد وضع بينه وبين كل فصيل من فصائل جيشة رجالاً يُخبرونه بأخبار المعركة وتفاصيل وقائعها أولاً بأول؛ ليتسنَّى له إرسال المدد لمَن يحتاجه منهم.
كانت أحداثُ المعركة شديدةً جدًّا دامت أربعة أيام، وحارب جنود الجيش الإسلامي لأول مرة في الليل؛ حيث إن من عادة العرب ألا تقاتل في الليل، ولكن تطلَّب الأمر ذلك.
وكان رستم قد كتب لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يُخيِّره، في أن يعبر المسلمون نهر العتيق أو يَعبر الفرس، فاختار سعد أن يعبر الفرس النهر، فأراد رستم أن يعبر بالجيش من القنطرة التي على النهر، لكنَّ جيش المسلمين منعوهم من ذلك، قال الطبري:
"لما أراد رستم العبور أمر بسَكرِ العتيق بحيال قادس، وهو يومئذ أسفل منها اليوم مما يلي عين الشمس، فباتوا ليلتهم حتى الصباح يَسكُرون العتيق بالتراب والقصَب والبراذع حتى جعَلوه طريقًا واستتمَّ بعدما ارتفَع النهار من الغد"[16].
ولعلَّ ذلك كان من فقه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في أن يبدأ الفرس المعركة بجهد غير قتاليٍّ من قبلهم، فإن عملية بناء سدٍّ تُرابي على النهر ليس بالعمل الهيِّن ويَحتاج إلى جهد من قبل الجيش، وإن هذا العمل المُضني سيَستنزِف جزءًا من طاقة العدو.
اليوم الأول:
أرماث:
ولعلَّ سبب التسمية بـ (أرماث) اختلاط الجيشين بشكل كبير، فيُقال: رمث القوم إذا اختلَطوا، وأرماث أول أيام المعرَكة، وسُمِّيت ليلتها الهدأة، وفي أول أيام المعرَكة لا يعرف كلا الجيشين مكامِن القوة والضعف عند الآخَر، إلا أن ما فاجَأ الجيش الإسلامي وجود أعداد كبيرة من الفيَلة، وعددها 33 فيلاً مع جيش فارس، يَقودها فيل كبير ومتميِّز هو الفيل الأبيض، وقد قسمها رستم ثلاثة أقسام، 18 فيلاً في المقدمة، و8 أفيال عند الميمَنة، و7 عند الميسَرة.
وقبل النزول لساحات الوغى، "أمر سعدٌ الناس بقراءة سورة الجهاد، وهي الأنفال، فلما قُرئت هشَّت قلوب الناس وعيونهم، وعرَفوا السكينة مع قراءتها، فلما فرَغ القراء منها قال سعد: الزَموا مواقفكم حتى تَصلوا الظهر، فإذا صليتم، فإني مُكبِّر تكبيرة، فكبِّروا واستعدوا، فإذا سمعتم الثانية فكبِّروا والبَسوا عدتكم، ثم إذا كبرتُ الثالثة فكبِّروا، لينشط فرسانكم الناس، فإذا كبرتُ الرابعة فازحفوا جميعًا حتى تُخالِطوا عدوَّكم، وقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله"[17].
وكان سعد بن أبي وقاص قد جمَع وجهاء الناس وأصحاب الرأي والمشورة وخطباءهم وشُعراءهم، وطلب منهم أن يُثيروا العزيمة والهمَّة والنشاط لدى مُقاتلي الجيش الإسلامي، فقال هؤلاءِ كلامًا رائعًا كان له تأثير إيجابي كبير على المُقاتلين.
يقول الطبري: "وأرسل سعد إلى الذين انتهى إليهم رأي الناس، والذين انتهَت إليهم نجدتهم وأصناف الفضل منهم إلى الناس، فكان منهم ذوو الرأي النفَر الذين أتوا رستم، وهم: المُغيرة، وحذيفة، وعاصِم وأصحابهم، ومِن أهل النجدة: طليحة، وقيس الأسدي، وغالب، وعمرو بن معد يكرب، وأمثالهم، ومن الشعراء: الشماخ، والحطيئة، وأوس بن مغراء، وعبدة بن الطبيب، ومِن سائر الأصناف أمثالهم، وقال سعد - رضي الله عنه - قبل أن يُرسِلهم: انطلِقوا فقوموا في الناس بما يحقُّ عليكم ويحق عليهم عند مَواطِن البأس، فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به، وأنتم شُعراء العرب وخُطباؤهم وذوو رأيِهم ونجدتهم وسادَتهم، فسيروا في الناس فذكِّروهم وحرِّضوهم على القتال، فساروا فيهم.
فقال قيس بن هبيرة الأسدي:
"أيها الناس، احمَدوا الله على ما هَداكم له وأبلاكم يَزدْكُم، واذكروا آلاء الله وارغَبوا إليه في عاداته؛ فإن الجنة أو الغنيمة أمامكم، وإنه ليس وراء هذا القَصر إلا العراء، والأرض القفَر والظراب الخشن والفلوات التي لا تقطعها الأدلة".
وقال غالب الأسدي: "أيها الناس، احمَدوا الله على ما أبلاكم، وسلوه يَزدْكم، وادعوه يُجبْكم، يا معاشر معدٍّ، ما علَّتكم اليوم وأنتم في حصونكم - يعني: الخيل - ومعكم من لا يعصيكم - يعني: السيوف؟ اذكروا حديث الناس في غدٍ؛ فإنه بكم غدًا يبدأ عنده وبمَن بعدكم يثنَّى".
وقال ابن الهذيل الأسدي: "يا معاشر معدٍّ، اجعلوا حصونكم السيوف، وكونوا عليهم كأسود الأجم، وتربَّدوا لهم تربُّد النمور، وادرعوا العجاج، وثقوا بالله، وغضوا الأبصار، فإذا كلت السيوف فإنها مأمورة، فأرسلوا عليهم الجنادل؛ فإنها يؤذَن لها فيما لا يؤذن للحديد فيه".
وقال بسر بن أبي رهم الجُهني: "احمَدوا الله، وصدقوا قولكم بفعل، فقد حَمدتم الله على ما هداكم له، ووحَّدتموه، ولا إله غيره، وكبَّرتموه، وآمنتم بنبيه ورسله، فلا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون، ولا يكوننَّ شيء بأهون عليكم من الدنيا؛ فإنها تأتي مَن تهاوَن بها، ولا تَميلوا إليها فتَهرب منكم لتميل بكم، انصروا الله يَنصركم".
وقال عاصم بن عمرو التميمي: "يا معاشر العرب، إنكم أعيان العرب، وقد صمدتُم الأعيان من العجم، وإنما تُخاطِرون بالجنة ويُخاطرون بالدنيا، فلا يكونُنَّ على دنياهم أحوط منكم على آخرتِكم، لا تُحدِثوا اليوم أمرًا تكونون به شيئًا على العرب غدًا".
وقال ربعي بن عامر: "إن الله هداكم للإسلام، وجمَعكم به، وأراكم الزيادة، وفي الصبر الراحَة، فعوِّدوا أنفسكم الصبر تَعتادوه، ولا تُعودوها الجزع فتعتادوه"[18].
"فلما كبَّر سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ثلاث مرات خرَج غالب بن عبدالله الأسدي، فبرز إليه هرمز فأسَره غالب، وجاء به إلى سعد، وخرج طليحة (الأسدي) إلى عظيم منهم فقتَله"[19].
وكبَّر سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - من على قصر القديس تكبيرته الرابعة مُعلنًا عن انطلاق المعركة، والتحَم الجيشان، الجيش الإسلامي وهو يُقاتل من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونَشرِ الإسلام، وإنقاذ أهل فارس من عبادة النار وذرية كسرى إلى عبادة خالق النار وربِّ كسرى، وجيش فارس وهم يُحاربون من أجل أن يبقى يزدجرد وذريته ينفخون في النار لتُعبَد من دون الله - جل جلاله - ويَعبُدهم الناس بعدها.
ومالت الفيَلة على قبيلة بني أسد ميلة شديدة، ولأن خيول العرب لم ترَ الفيلة من قبل، فقد أصابها الفزع والرعب فذعرت، وكانت تَهرب ولا تواجه، فاضطربت صفوف بني أسد، وشعر قادة الفرس بتلك الثغرة، فمالوا على بني أسد وشدُّوا عليهم وكانت الفيَلة تَصول وتجول فيهم.
اشتد الخطب على بني أسد، وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - يَنظُر من فوق، فأرسل إلى عاصم بن عمرو التميمي (أخي القعقاع)، يقول له أن يجد للأمر حلاًّ، فهو من تميم وتميم خبيرة بالخيل والإبل.
يقول ابن جرير الطبري: "فأرسل سعد إلى عاصم بن عمرو فقال: يا معشر بني تميم، ألستم أصحاب الإبل والخيل، أما عندكم لهذه الفيَلة من حيلة؟ قالوا: بلى والله، ثم نادى في رجال من قومه رماة وآخَرين لهم ثقافة، فقال لهم: يا معشر الرماة، ذبُّوا رُكبان الفيَلة عنهم بالنبل، وقال: يا معشر أهل الثقافة، استدبروا الفيلة فقطِّعوا وضنها، وخرج يَحميهم والرحى تدور على أسد، وقد جالت الميمَنة والميسرة غير بعيد، وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذنابها وذباذب توابيتها فقطعوا وُضُنَها، وارتفع عواؤهم، فما بقي لهم يومئذ فيل إلا أُعرِي، وقُتل أصحابها، وتقابل الناس ونُفِّس عن أسد، وردُّوا فارس عنهم إلى مواقفهم، فاقتتلوا حتى غربت الشمس، ثم حتى ذهبت هدأة من الليل، ثم رجع هؤلاء وهؤلاء، وأُصيب مِن أسد تلك العشية خمسمائة، وكانوا ردءًا للناس، وكان عاصم عادية الناس وحاميتهم"[20].
كان يوم أرماث شديدًا على المسلمين، لكنهم صبروا وجالدوا الأعداء من المشركين ببسالة وشجاعة وعزيمة لا تَلين إلى آخر اليوم، من غير كلل ولا ملل، ولعلَّ مِن أهمِّ إنجازاتهم في هذا اليوم أنهم استطاعوا إيقاف تقدُّم وتأثير فعل الأفيال.
اليوم الثاني:
أغواث:
وسبب التسمية بأغواث وصول طليعة المدد (الغوث) من الشام، وهم آلاف من المقاتلين بقيادة هشام بن عتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ويُعاونه القعقاع بن عمرو التميمي، وسُميت ليلتها بالسواد.
ومن أهم الأحداث فيه عدم مُشاركة الفيلة في هذا اليوم لما أصابها في يوم أرماث، واحتاج جيش الفرس وقتًا من أجل إعادة تركيب التوابيت (الصناديق) التي كانوا بنَوها على ظهور الفيَلة والتي تمَّ تقطيع روابِطها ومِن ثمَّ تَكسيرها من قبَل الجيش الإسلامي.
والحدث الأهم الآخَر هو وصول المدد من الشام؛ حيث وصل آلاف المقاتلين، على رأسهم القعقاع بن عمرو التميمي، كدُفعة أولى، ثم يَلتحِق بهم قائد جيوش الشام هشام بن عتبة بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ومَن معه فيما بعد، وبسرعة خاطفة، وما إن وصل القعقاع أرض المعركة ابتكَر طريقةً ذكيةً لاستعراض وصول المدد من أجل بثِّ الثِّقة والطمأنينة في صفوف الجيش الإسلامي، وكذلك بث الخوف والرعب في صفوف جيش العدو؛ حيث أمر أن يتوزع أفراد جيش الشام إلى مجاميع صغيرة بشكل عشرات، كل عشرة يدخلون أرض المعركة، ثم تليهم العشرة التي بعدها، وهكذا فيظهر وكأن أفواج المدد لا تنتهي، وبالفعل حقَّقت هذه الخطة هدفها.
وبرَز في هذا اليوم القعقاع بن عمرو التميمي، وطلب أن يَخرج من جيش الفرس مَن يُبارزه، فخرج له القائد الفارسي بهمن جاذويه، ويُدعى ذا الحاجب، فاستطاع القعقاع قتل ذي الحاجب، ثم طلب القعقاع من يُبارزه مرة أخرى، فخرج كل من البيرزان والبندوان وهم من قادة الفرس، وانضمَّ إلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث، فبارز القعقاع البيرزان فضرَبه فأطاح برأسه، بينما بارز الحارث البندوان فضربه فأطاح برأسه، وبذلك انهارت معنويات جيش فارس بعدما خسروا عينة قادتهم.
ثم إن جيش المسلمين استثمر عدم وجود الفيلة، فردَّ بخطة مماثلة، حيث ألبسوا الإبل براقع وأشياء تجعلها تبدو غير مألوفة، ففَزعت وارتبكت منها خيل مُقاتلي الفرس، فازداد اضطرابهم وتفرُّقهم، وفعَل فيهم فرسان المسلمين العرب فعلتَهم، وأمضوا فيهم سيوفهم فكانت مقتَلة عظيمة للفرس في هذا اليوم.
وكان سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قد حبَس أبا مِحجَن الثقفي قبل المعركة بسبب اعتراضه على تأمير خالد بن عرفطة - رضي الله عنه - على الجيش الإسلامي، ومن المؤرِّخين من رأى أن سبب حبسه لتغنِّيه بالخمرة بشعره، وأيًّا كان السبب فقد كان حبسه في قصر القديس، فحزَّ في نفس أبي مِحجن عدم مشاركته في اليوم الأول من المعركة، وهو الفارس الذي لا يُشقُّ له غبار، وطلب من زوجة سعد - رضي الله عنه - أن تطلقه وتعطيه فرس سعد - رضي الله عنه - وهي البلقاء ليُشارك في المعركة، ثم يعود في الليل ليضع نفسه في القيد والحبس، وأعطاها عهودًا على ذلك، وأنشد في ذلك شِعرًا قال فيه:
كفى حزنًا أن تُطعَنَ الخيلُ بالقَنا *** وأُصبِحَ مَشدودًا عليَّ وَثَاقيا
إذا قُمتَ عَنَّاني الحديدُ وأُغلِقَت *** مَصارعُ من دوني تُصِمُّ المُناديا
وقد كنتُ ذا مالٍ كثيرٍ وإخوةٍ *** فأصبحتُ منهم واحدًا لا أَخا ليا
فإن متُّ كانت حاجةً قد قَضيتُها *** وخَلَّفتُ سَعدًا وحدَه والأمانيا
وقد شَفَّ جسمي أنني كل شارقٍ *** أعالجُ كبلاً مُصمَتًا قد بَرَانيا
فلله درِّي يوم أُترَكُ مُوثَقًا *** وتذهلُ عني أُسرتي ورِجاليا
حبيسًا عن الحرب العَوَان وقد بَدت *** وإعمال غيري يوم ذاك العَواليا
فللهِ عهدٌ لا أخيسُ بعهدِه *** لئن فُرجت ألا أزور الحوانيا
هَلُمَّ سلاحي لا أبا لك إنني *** أرى الحربَ لا تَزدادُ إِلا تَماديا
ثم إن سلمى زوجة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أطلقت أبا مِحجن، فصال وجال في الميمنة والميسرة، وكان لوجوده بين جيش المسلمين بالغ الأثر في تحفيزهم ومنحِهم المزيد من الثِّقة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 134.48 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]