ورق وقدر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معالم الأخوة في الله‎ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          رعاية الأسرة المسلمة للأبناء شواهد تطبيقية من تاريخ الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الخطوات الثلاثون نحو السعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          غير المسلمين في المجتمع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          بين سجود الاقتراب وسجود الاغتراب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          كيف تجزع والله معك؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          خطوات التربية الإيجابية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية الفعليين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          صفقة حب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          مَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ.. سُنَّةُ لا تتخلف أبدا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2022, 04:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,616
الدولة : Egypt
افتراضي ورق وقدر

ورق وقدر
فاتن الرقب


كانت حرارةُ الشمس، تضربُ محيَّاه، وعيونه التي تأطَّرت بنظارة طبيَّة، تلمع بحدة، شعره الأشهب، ووجنته قانية الحُمرة، ملامحُ صنعت منه قسوة وحِدَّةً، وضيم الزمان بدا على تلك التجاعيد الساكنة أعلى جبهته، جعلته يكبرُ وهو ما زال في ريعان شبابه، تلك التجاعيد التي تحنَّطت فوق جبينه، شاهدة على كلِّ ما عاناه في حياته، حتى بات لا يعرف كيف يبتسم الناس، كيف يضحكون؟

هو قبل بزوغ الفجر بسويعات، يرتدي ثيابه الرثَّة، التي أكل الزمان عليها وشرب، يتوجه إلى السوق المركزيِّ، يعتلُّ سحارات الخضرة والفاكهة على ذلك الظهر الذي احدودبَ من تلك الأحمال الثقيلة التي يعتِلها، كأنما يحاول أن يقاوم الضنك الذي يعيش فيه، سحارة تلو أخرى، وأكياس تلو أكياس، حتى يبزغ نور الصباح، وترمقه الشمس بنظراتها الحارقة القاسية، فيتصبب عرقًا وقهرًا.

ابنته التي تعود من مدرستِها باكيةً، لرحلة مدرسية لم تسجل بها، أو لطلبات معلمة التربية الفنيَّة، وتوبيخها لها لعدم إحضارها ما طلبته، وبكاؤها الذي يمزِّق كبده، وابنه الذي يعود مكتئبًا؛ لأن صديقه سيلتحق في نادي الكراتيه، تلك الرياضة الذي تمنَّى أن يلتحق بأحد المراكز ليتعلَّمها، وصديقه الآخر الذي ابتاع هاتفًا خلويًّا غاليًا، وهو لا يزال على ذلك الهاتف الصغير، ذي الأزرار القاصرة.

ما عساه يفعل... أخذَ يكلِّم نفسه، فهو يحاول جاهدًا أن يؤمِّنَ لهم لُقْمة عيشهم، ويحرم نفسه؛ لِيُلَبِّي ما يستطيع أن يلبيه من طلبات أبنائه المتواصلة.
خرج في تلك الليلة، كان الجوُّ قارصًا، والبرد كأنه جلاد يجلد ظهره وأطرافه، وهو يرتدي "جاكيته" الرثَّ، و"كنزة" صوفية بهت لونها، خرجت بعض خيوطها من مكانها، سبقه أولاده على باب المنزل، وكلٌّ منهم أعطاه قائمة طلبات واحتياجات مدرسية، أخذها وخرج.

وصل السوقَ، وبدأ يَعتِل الخضرة والفاكهة، وهو يشدُّ من أزره، فأولاده ينتظرونه ليلبِّي لهم ما يستطيع من حاجاتهم، تجمَّدت أطرافه وتصلَّبت أذناه من البرد وأخذ يسعل، وأنفه أصبح قطعة ثلج أحمر، فقد أصيب بأنفلونزا حادة منذ أيام، وأوصاه طبيب المركزي بالراحة التامَّة، وكتب له مجموعة من الأدوية المناسبة لحالته، فأدوية المركز هنا لا تجدي له نفعًا، ولكن حاله لم تسمح له بشراء تلك الأدوية، فأولاده أولى بتلك النقود التي يبتاع بها أدوية لنفسه، اشتدَّ سعالُه حتى أعجزه عن مواصلة عمله، أخذ نفسًا عميقًا، وأسند ظهره قليلًا إلى حائط محلات السوق، وهو يحاول أن يوقف تلك النوبة التي انتابته، كان صوتُ حشرجةِ صدره مسموعًا بشكلٍ ملحوظ، وأخذت تغزوه الحرارة، وتنتشر بين أوصاله.


أخرج قائمةَ طلبات أولاده، يتمعَّنها ويُحصي ما يستطيع شراءه لهم قبل عودته، وأخرج ورقة الطبيب الذي وصف له الأدوية، أحكم قبضته على الورق الذي يحمله، أخذ نفسًا عميقًا، وأغمض عينيه.
قاربت الساعة الظهيرة، وهو ما زال على نومته تلك، جاء أحد أرباب العمل؛ ليوقظه بصوته العالي، ناهرًا إياه؛ لتأخره عن عمله، وأخذ يتوعَّد ويتهدَّد بطرده، نكزه بعصا كانت بيده، فإذا به يقعُ أرضًا، فاقدًا حركته وأنفاسه، وتلك الورقات لا تزال في يده، محكمًا قبضته عليها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 18-04-2023 الساعة 06:41 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 46.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.01 كيلو بايت... تم توفير 1.70 كيلو بايت...بمعدل (3.65%)]