فوائد بلاغية للأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 606 - عددالزوار : 339479 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4960 - عددالزوار : 2066632 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4537 - عددالزوار : 1335539 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 379 - عددالزوار : 156375 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 394 - عددالزوار : 92404 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 64 - عددالزوار : 14115 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 68 - عددالزوار : 53291 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 84 - عددالزوار : 46948 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 15436 )           »          الثقافة والإعلام والدعوة في مواجهة الغزو الفكري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 23 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-09-2022, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,002
الدولة : Egypt
افتراضي فوائد بلاغية للأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي

فوائد بلاغية للأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي (1)


د. عبدالحكيم الأنيس




(قرأنا على الأستاذ الشيخ عبدالكريم الدَّبَان -رحمه الله تعالى- كتاب "تلخيص المفتاح" للقزويني (ت: 739هـ)، وكان يُعدُّ لنا تلخيصاً وتوضيحاً لبعض مباحثه، ومِنْ ذلك ما كتبه عن "القصر"، و"الفصل والوصل"، ورأيتُ نشرَ هذه الفوائد لتعميم النفع بها، وهي منقولةٌ مِنْ خطه عندي).



القصر

القصر نوعان:

قصرُ موصوفٍ على صفةٍ مثل: "ما زيدٌ إلا كاتبٌ".

قصرُ صفةٍ على موصوفٍ مثل: "ما كاتبٌ إلا زيدٌ".

*-قصرُ موصوفٍ على صفةٍ:

1- قلب: مثل: "ما زيدٌ إلا كاتبٌ". (يُخاطب به مَنْ يعتقد أنه شاعر).

2- إفراد: مثل: "ما زيدٌ إلا كاتبٌ". (يُخاطب به مَنْ يعتقد أنه كاتب وشاعر).

3- تعيين: مثل: "ما زيدٌ إلا كاتبٌ". (يُخاطب به مَنْ يعتقد المساواة).

♦♦♦




*-قصرُ صفةٍ على موصوفٍ:

1- قلب: "ما كاتبٌ إلا زيدٌ". (يُخاطبُ به مَنْ يعتقد أنّ الكاتب خالد مثلاً).

2- إفراد: "ما كاتبٌ إلا زيدٌ". (يُخاطبُ به مَنْ يعتقد أنّ الكاتب زيد وعمرو).

3- تعيين: "ما كاتبٌ إلا زيدٌ". (يُخاطبُ به مَنْ يعتقد المساواة).

♦♦♦




طرق القصر:

1- العطف: "زيدٌ كاتبٌ لا شاعرٌ".

2- النفي والاستثناء: "ما زيدٌ إلا كاتبٌ".

3- إنما: "إنما زيدٌ كاتبٌ".

4- التقديم: "تميميٌّ أنا".

♦♦♦




الفصل والوصل

الوصلُ عطفُ بعض الجمل على بعض.

والفصلُ تركُ العطف.

* إذا وردتْ جملة بعد أخرى فإمّا أن يكون للأولى محلٌ من الإعراب أولا يكون:

- إذا كان للجملة الأولى محل من الإعراب فهناك حالتان:

1- إذا قُصِدَ تشريكُ الثانية للأولى في الحكم، وكان بينهما جهةٌ جامعةٌ، عُطفت الثانية على الأولى مثل: زيد يأكل ويشرب، بعطف جملة "يشرب" على جملة "يأكل" التي هي في محل رفع على أنها خبر لزيد، وبين الأكل والشرب جهة جامعة.

فإنْ لم يكن بينهما جامعٌ كان العطف مَعيباً كما في قول أبي تمّام:

لا والذي هو عالمٌ أنَّ النّوى *** صَبِرٌ وأنّ أبا الحسينِ كريمُ

فقد عابوا عليه قوله هذا، إذ لا مناسبة بين مرارة البعدِ أو الفراقِ وبين كرمِ أبي الحسين.

2- إذا لم يُقصد تشريك الثانية في الحكم فالفصل، كما في قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾[1] لم تُعطف (الله يستهزئ بهم)، إذ لو عُطفت لكانت مِنْ جملة مقول المنافقين. وليس كذلك.



* وإذا لم يكن للأولى محلٌ من الإعراب:

- فإنْ أُريد معنى التعقيب أو المهلة عُطفتْ الثانيةُ بالفاء، أو ثمَّ، مثل: خرج زيدٌ فقام عمروٌ، أو: ثم قام عمروٌ.

- وإنْ لم يُرَدْ ذلك فإنْ كان للأولى حكمٌ معينٌ لم يُقصد إعطاؤه للثانية، فالفصل، كما في الآية المتقدمة، فقد فُصِلَ (الله يستهزئ بهم) عن الجملة الأولى (وإذا خلوا) فإنَّ فيها حكماً هو الاختصاص بالظرف وهو إذا، لأنَّ التقديم يفيد الاختصاص كما هو معلوم، أي اختصاص قولهم بوقت خلّوهم إلى شياطينهم، وهذا المعنى لم يُقصد إعطاؤه للثانية، إذ لو عُطفت لكان المعنى أنَّ الله يستهزئ بهم وقتَ خلُوّهم إلى شياطينهم، وليس كذلك، بل استهزاءُ الله بهم مستمرٌّ.

- وإنْ لم يكن للأولى حكمٌ معينٌ لم يُقصد إعطاؤه للثانية، أو لم يكن لها حكمٌ نظرنا بين الجملتين، فإنْ كان بينهما:

1- كمالُ الانقطاع بلا إيهام.

2- كمالُ الاتصال.

3- شبهُ كمالِ الانقطاع.

4- شبهُ كمالِ الاتصال.

وجَبَ الفصل.

-أمّا مع الإيهام فالوصلُ واجبٌ مثل: لا، وأيّدك الله، لأنَّ الفصلَ يوهم أنَّ هذا دعاء على المخاطب لا دعاء له.



كمال الانقطاع:

1- إذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءً، لفظاً ومعنى، كقوله:

وقال رائدُهم: أَرسوا نزاوِلُـها[2]

فـ"قال رائدُهم" خبرٌ لفظاً ومعنى، و"أرسوا" إنشاء لفظاً ومعنى.



2- إذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءً، معنى فقط، مثل: مات فلانٌ رحمه الله، فالجملتان خبريتان: الأولى لفظاً ومعنى، ولكنّ الثانية خبرٌ لفظاً إنشاءٌ معنى، لأنه بمعنى: اللهمَّ ارحمْه.



3- أن لا يكون بينهما جامعٌ مثل: زيد طويل، وعمرو نائم.



كمال الاتصال:

أن تكون الثانيةُ مؤكِّدة للأولى، أو بدلاً منها، أو بياناً لها:

المؤكدة: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾[3].

البدل: ﴿ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾[4].

البيان: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾[5].



شبه كمال الانقطاع:

أن يكون عطفُ الثانية موهماً لعطفها على غيرها، مثل:

وتظنُّ سلمى أنني أبغي بها = بدَلاً أراها في الضلالِ تهيمُ

إذ العطفُ يوهمُ أنه عطف على "أبغي بها"، فيكون مِنْ مظنوناتِ سلمى، وليس كذلك.



شبه كمال الاتصال:

إذا كانت الثانيةُ كجوابٍ لسؤالٍ اقتضته الجملةُ الأولى، لذلك تُنَزَّل منزلةَ الجواب فلا تُعطف، كما لا يُعطف الجواب على السؤال مثل: (قالوا سلاما قال سلام) فكأنْ قيلَ: فماذا قال؟






[1] من سورة البقرة، الآية14-15.




[2] تتمته: فكل حتفُ امرئٍ يجري بمقدار. نسبه سيبويه إلى الأخطل، ولا يوجد في ديوانه.




[3] من سورة البقرة، الآية 2.




[4] من سورة الشعراء، الآية132-133.




[5] من سورة طه، الآية 120.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-09-2022, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,002
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد بلاغية للأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي

فوائد بلاغية للأستاذ الشيخ عبد الكريم الدبان التكريتي (2)
د. عبدالحكيم الأنيس


(قرأنا على الأستاذ الشيخ عبدالكريم الدَّبَان - رحمه الله تعالى - كتاب "تلخيص المفتاح" للقزويني (ت:739هـ)، وكان يُعدُّ لنا تلخيصاً وتوضيحاً لبعض مباحثه، ومِنْ ذلك ما كتبه حول "تقديم الـمُسند إليه"، ورأيتُ نشرَ هذه الفوائد لتعميم النفع بها، وهي منقولةٌ مِنْ خطه[1]).

قال عبدُالقاهر:
إذا تقدَّم الـمُسندُ إليه ووقعَ بعد حرفِ نفي أفاد التخصيصَ بالخبر الفعلي مثل: (ما أنا قلتُ هذا)، فهذه الجملة تفيد أمرين:
أولهما: نفي الحكم عن الـمتكلم، أي أنه لم يقل هذا.
وثانيهما: ثبوت الحكم لغير الـمتكلم، أي أنَّ غيره قال هذا.

ولذلك لا يصح أنْ تقول: (ما أنا قلتُ هذا ولا غيري) لأنَّ فيه إثباتاً لوقوع القول من الغير ونفياً لوقوعه منه، فكأنك قلتَ: قاله غيري ولم يقله غيري، وهذا تناقضٌ واضحٌ.
وكذلك لا يصح أنْ تقول: (ما أنا رأيتُ أحداً)، لأن ذلك يقتضي أنك ما رأيتَ أحداً وأنّ غيرَك رأى كلَّ أحد، وهذا محالٌ عادةً.
وكذلك لا يصح أنْ تقول: (ما أنا ضربتُ إلا زيداً)، لأنَّ هذا يقتضي أنّ هناك إنساناً ضربَ كلَّ أحدٍ سوى زيدٍ، وهو محال عادةً.

أمّا إذا لم يقع الـمُسند إليه الـمُتقدم بعد حرف نفي فإنّ التقديم قد يُفيد التخصيصَ، وقد يُفيد التقوية فقط، سواء وقع بعد الـمُسند إليه حرفُ نفيٍ أم لم يقع أصلاً، وهذه أمثلة ذلك:
1- قولك: (أنا سعيتُ في حاجتك) يفيد التخصيص، ويكون قولك إمّا رداً على مَنْ زعم أنَّ غيرك سعى في حاجته، وتوكيده يكون بقولك: أنا سعيتُ في حاجتك لا غيري.
وإمّا رداً على مَنْ زعم أنَّ غيرك شاركك في السعي، وتوكيده يكون بقولك: أنا سعيتُ في حاجتك وحدي.

2- قولك: (هو يُعطي الجزيل)، للتقوّي فقط، وليس فيه تعريضٌ بالغير.

3- قولك: (أنت ما سعيتَ في حاجتي)، للتخصيص بأنّ الـمخاطب ما سعى، لكن غيره سعى.

4- قولك: (أنت لا تكذبُ)، للتقوّي فقط، فإنه أشدُّ لنفي الكذب مِنْ قولك: لا تكذبْ، لأنَّ في الأول تكرير الإسناد إلى المخاطب، فإن فاعل "لا تكذب" هو ضمير المخاطب، وجملة "لا تكذب" مسندة إلى ضمير المخاطب أيضاً، أمّا في الثاني فليس فيه إلا إسنادٌ واحدٌ كما هو واضح.
وممّا قاله عبدُالقاهر أنّ الفعل إذا بُني على منكّر أفاد تخصيصَ الجنس، أو الواحدة، تقول: (رجل جاءني) أي لا امرأة، ولا رجلان.

والسكّاكي وافقَ عبدالقاهر على أنّ التقديم يُفيد التخصيص إلا أنه اشترط لذلك شرطين:
أحدهما: جواز تقدير كون الـمُسند إليه في الأصل مؤخراً على أنه فاعل معنى لا لفظاً مثل: (أنا قمت) فإنه يجوز أن يكون الأصل: قمت أنا، فيكون (أنا) توكيداً لفظاً وفاعلاً معنى.

والشرط الثاني: أن يعتبر ذلك بأنْ يُقرر أنه كان في الأصل مؤخراً.
فإن لم يُوجد الشرطان لم يُفد التقديمُ إلا التقوّي، وذلك مثل: (زيد قام)، فإنه لا يجوز أن يقدر أنّ أصله قام زيد، على أن زيداً فاعل معنى، بل يكون فاعلاً لفظاً ومعنى.

وكذلك لم يوافقه السكّاكي في قضية الـمُسند إليه النكرة مثل: (رجل جاءني)، بل قدَّر أن أصله: جاءني رجل، ففاعل "جاء" ضمير مستتر، و"رجل" بدل منه، كما في قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين ظلموا)[2] على أن "الذين" بدل مِنْ فاعل "أسرّ" وهو الواو.

وذكرَ السكّاكي أنه لو يقدّر ذلك في (رجل جاءني) لانْتَفى التخصيصُ الذي سوّغَ مجيء النكرة مبتدأ، ولهذا لم يُحتج إلى ذلك في وقوع المبتدأ معرفة مثل: زيد قام.
أو كان مخصصاً مثلاً مثل: رجل عالم جاءني، أو غير ذلك من الـمسوغات.

ثم قال السكّاكي: وشرط كون المنكّر من باب (وأسروا النجوى) أن لا يمنع من التخصيص مانع، أما لو مَنَعَ منه مانع كما في مثل: (شرٌّ أهرَّ ذا نابٍ) فلا يُقدَّر فيه ذلك، إذ لا يصح تقدير تخصيص الجنس ولا الوحدة، فلا يصح أن يكون المراد أنّ الـمُهر شر لا خير، لأن الـمُهر لا يكون إلا شراً، ولا يصح أن يكون المراد: شر لا شران، لبعده عن مظانِّ استعماله. ولـمّا صرَّح الأئمة بتخصيصه، لأنهم أولوه بما أهرَّ ذا نابٍ إلا شرّ، فالوجهُ للجمع بين قولهم بوجود التخصيص وقولنا بعدمهِ هو أنْ نجعلَ التنكيرَ للتعظيم، ليصح الابتداءُ بالنكرة الذي هو شرّ.

وفيما ذهب إليه السكّاكي نظرٌ:
أمّا أولاً: ففيما ذهبَ إليه من أنّ التقديم يُفيد التخصيص على شرط أن يقدر كون الـمُسند إليه المتقدم متأخراً على أنه فاعل معنى فقط، في حين أن امتناع التقديم يستوي فيه ما كان فاعلاً لفظاً وما كان فاعلاً معنى، فتجويزُ تقديم الفاعل المعنوي دون اللفظي تحكُّم.

وأمّا ثانياً: فإنا لا نسلِّمُ ادّعاء السكّاكي انتقاءَ التخصيص في الـمُسند إليه المنكّر لولا تقدير أنه كان مؤخّراً كما في: رجل جاءني، لأن التخصيص يحصلُ بغير ذلك التقدير، كأن يكون للتهويل، أو التنكير، أو غيرهما.

وأمّا ثالثاً: فإنّا لا نسلِّمُ امتناعَ أن يُراد بالـمُهر شر لا خير، فإنّ عبدالقاهر قال في (شرٌّ أهرَّ ذا نابٍ) أنّ الذي أهرَّ ذا نابٍ مِنْ جنس الخير لا مِنْ جنس الشر.

ثم قال السكّاكي في مثل: (زيد قائم): إنه يقرب مِنْ (هو قام) في التقوّي، لتضمن "قائم" للضمير كما تضمنه "قام"، و"قائم" يشبه الخالي عن الضمير، إذ لا يتغير في التكلّم والخطاب والغَيبة، تقول: أنا قائمٌ، وأنت قائمٌ، وهو قائمٌ، كما لا يتغير الخالي عن الضمير مثل: أنا رجلٌ، وأنت رجلٌ، وهو رجلٌ، ولهذا لم يحكم في "قائم" مِنْ قولك: "زيد قائم" أنه جملة، ولا عُومِلَ معامَلتها في بنائها بل يُعرب، تقول: هذا رجلٌ قائمٌ، ورأيتُ رجلاً قائماً، ومررتُ برجل قائم.

ومن الأسباب المُقتضية لتقديم الـمُسند إليه إذا استُعمل (مثل وغير) على سبيل الكناية، تقول: مثلُك لا يبخل، وغيرُك لا يجود، أي أنتَ لا تبخلُ، وأنتَ تجودُ، وهو للتقوية لا للتخصيص، فليس فيه تعريضٌ بغير المخاطب، والتقديمُ في ذلك أعونُ على المراد، لأنَّ إثباتَ الحُكم بطريق الكناية أبلغُ من التصريح.
♦ ♦ ♦ ♦

(كلُّ إنسانٍ لم يقم) لعموم السلب، فيفيد نفيَ القيامِ عن كل واحدٍ من أفراد الإنسان.
و(لم يقم كلُّ إنسانٍ) لسلب العموم، فيفيد نفيَ الحكمِ عن جملة الأفراد لا عن كل فرد.
فالتقديمُ أفاد تأسيسًا أي معنى جديدًا وهو العموم. ولو لم يُفد العموم لأفاد التأكيدَ فقط، أي تأكيدَ المعنى الحاصل بدون التقديم. والتأسيسُ أرجحُ من التأكيد.

ولتوضيحِ ذلك نقولُ:
من المُقرَّرِ في علم المنطق أنَّ القضيةَ المذكورَ فيها ما يدلُّ على كميةِ الأفرادِ -وتُسمّى المُسوّرة- إمّا كلية أو جزئية، وكلٌّ منهما إمّا سالبة أو موجبة:
كلُّ إنسانٍ حيوانٌ: كلية موجبة.
بعضُ الحيوانِ إنسانٌ: جزئية موجبة.
لا شيءَ من الإنسانِ بحجرٍ: كلية سالبة.
بعضُ الإنسانِ ليس بفرسٍ: جزئية سالبة.
أمّا غير المُسوّرة مثل: (إنسان قام) فهي مهملة موجبة.
وقد يُعتبر حرفُ السلب جزءًا من الموضوع أو المحمول فتُسمّى معدولة، كما لو قلتَ: (الإنسان لا حجر)، ومثلها: (إنسان لم يقم).

إذا تقرَّر هذا قلنا:
الموجبة المهملة المعدولة المحمول في قوة السالبة الجزئية، فـ (إنسان لم يقم) في قوة (لم يقم بعض أفراد الإنسان)، وهذا يستلزم النفيَ عن جملة الأفراد لا عن كلِّ فرد.

والسالبة الجزئية إذا وقعتْ في سياق النفي كانت في قوة السالبة الكلية المقتضية للنفي عن كلِّ فرد.
ولو كان: (لم يقم إنسانٌ) -بدون "كل"- معناه نفي القيامِ عن كل فرد، وكان معناه كذلك بعد دخول "كل": كان تأكيدًا لا تأسيسًا.

وفيه نظرٌ؛ لأنَّ النفيَ عن جملة الأفراد في الصورة الأولى وهي: (إنسان لم يقم)، وعن كل فرد في الصورة الثانية وهي: ( لم يقم إنسان) إنما أفاده الإسنادُ إلى ما أُضِيفَ إليه "كل" وهو لفظ "إنسان"، وقد زال بالإسناد إلى كل (كل إنسان لم يقم) فيكون تأسيسًا لا تأكيدًا.
ولأنَّ النكرة المنفية إذا عمَّت كان قولنا: (لم يقم إنسان) سالبة كلية لا مهملة.

وقال عبدُالقاهر: إنْ كانتْ (كل) واقعةً بعد أداة النفي مثل:
ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يدركُهُ[3].

أو كانتْ معمولةً للفعل المنفي مثل:
(ما جاءني القومُ كلُّهم).
أو: (ما جاءني كلُّ القوم).
أو: (لم آخذْ كلَّ الدراهم).
أو: (كلَّ الدراهمِ لم آخذْ).

(كل) في:
(ما جاءني القومُ كلُّهم) توكيدٌ لفاعل الفعل المنفي.
وفي "الثانية" فاعلٌ للفعل المنفي.
وفي "الثالثة" مفعولٌ به للفعل المنفي.
وفي "الرابعة" مفعولٌ به مُقدَّم للفعل المنفي.

وفي كلِّ تلك الصور تُفيدُ النفيَ الشاملَ، أي سلبَ العمومِ عن الكل، وثبوتَه للبعض.

وإنْ لم تكن (كل) كذلك -أي لا واقعة بعد أداة النفي، ولا معمولة للفعل المنفي- كانتْ لعموم السلب مثل: (كلُّ ذلك لم يكن) أي لم يقعْ فردٌ مِنْ أفرادِ المُشارِ إليه.


[1] نقل لي هذا البحث مِنْ خط الشيخِ الأخُ الكريمُ رشدي بن عبدالكريم الضامن سلمه الله، ثم قابلته معه، وأعدت الأصل إلى الشيخ.

[2] من سورة الأنبياء، الآية 3.

[3] للمتنبي.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.73 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]