خطبة: الخشوع في الصلاة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لا ينبغي استخدام السواك بعد تكبيرة الإحرام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          تحجيج الوالدين أم فتح مدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الثلث الأخير من الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 324 - عددالزوار : 90357 )           »          آفات دعوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          رحمة النبي في التعامل مع المخطئ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الحكمة الإدارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          فضل العشر الأواخر من رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 5191 )           »          آذن الشــهر بالرحـيــل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-08-2022, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,748
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة: الخشوع في الصلاة

خطبة: الخشوع في الصلاة
إبراهيم الدميجي

الحمدُ للهِ المتفرِّدِ بالعظمةِ والجلالِ، المتفضِّلِ على خَلْقِه بجزيلِ النوال، أحمدُه سبحانه وأشْكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وهو الكبيرُ المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى الحق، والمنقذ بإذن ربِّه من الضلال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصَحْبه خير صَحْبٍ وآل، والتابعين ومَن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم المآل، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعبدوه حقَّ عبادته، وأخلصوا له، تقرَّبوا إليه خوفًا وطمعًا، أيها المسلمون، العبادات والقُرُبات تتفاضل عند الله بتفاضُل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، والمحبة والخشية، والخشوع والإنابة، والعابدُ حقًّا، والمتقربُ لربِّه صدقًا، هو الذي تحقَّق في قلبه صِدْقُ الامتثال للأوامر على وجهها، وابتعد عن المخالفات بجميع وجوهها، يجمع بين الإخلاص والحب، والخوف، وحسن الطاعة.

ومن أجل تبيُّن هذا التفاضل، وإدراك هذا التمايُز، هذه وقفة مع أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين؛ مع الصلاة عماد الدين.

صفاتُ المؤمنين المفلحين مبدوءة بها، واستحقاقية ميراث الفردوس مختتمة بالمحافظة عليها: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 11]، وفي استعراضٍ آخر مِن كتاب الله للمكرمين من أهل الجنة تأتي المداومة على الصلاة في أول الصفات، وتأتي المحافظة عليها في خاتمتها: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23] إلى قوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 34، 35].

أيها الإخوة، إنه ثناء على هؤلاء المصلين ما بعده ثناء، وإغراء ما بعده إغراء، لكن هذه الصلاة التي أقاموها صلاة خاصة، ذات صفات خاصة، صلاة تامة كاملة، صلاة خاشعة في هيئة دائمة، ومحافظة شاملة.

إنها صفات وعناصر إذا حصل خللٌ فيها أو نقصٌ؛ فقد حصل في صلاة العبد نقصٌ بقدر ذلك القصور، بل قد يتحوَّل الوعد إلى وعيد، وينقلب رجاء الثواب إلى عرضة للعقاب، اقرءوا إن شئتم: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5] واقرأوا في صفات المنافقين: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142] ﴿ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾ [التوبة: 54].

أيها الإخوة، إنَّ رُوحَ الصلاة ولُبَّها هو الخشوعُ وحضور القلب، حتى قال بعض أهل العلم: صلاةٌ بلا خشوع ولا حضور جثةٌ هامدةٌ بلا روح، إن الخشوع - أيها الأحبَّة - حالةٌ في القلب تنبُع من أعماقه مهابةً لله وتوقيرًا، وتواضُعًا في النفس وتذلُّلًا، لينٌ في القلب، ورقَّة تُورِثُ انكسارًا وحُرقة.

وإذا خشع القلبُ خشع السمعُ والبصر، والوجه والجبين، وسائرُ الأعضاء والحواسِّ، إذا سكن القلب وخشع، خشعت الجوارح والحركات، حتى الصوت والكلام: ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه: 108].

وقد كان من ذكر النبي في ركوعه: ((خشَعَ لك سَمْعي وبَصَري، ومُخِّي وعَظْمي وعَصبي وما استقلَّت به قَدَمي للهِ ربِّ العالمين))؛ رواه أحمد، وحينما رأى بعض السلف رجلًا يعبث بيده في الصلاة قال: لو خشع قلبُ هذا لخشعت جوارحُه، ويصف الحسن رحمه الله حال السلف بقوله: كان الخشوع في قلوبهم، فغضوا له البصر في الصلاة.

عباد الله، إذا خشع قلبُ المصلي استشعرَ الوقوفَ بين يدي خالقه، وعظُمتْ عنده مناجاتُه، فَمَن قدَرَ الأمرَ حقَّ قدره، واستقرَّ في جنانه تعظيمُ الله وجلالُه، وامتلأ بالخوف قلبُه؛ خشعَ في صلاته، وأقبلَ عليها، ولم يشتغل بسواها، وسكنت جوارحه فيها، واستحق المديح القرآني: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، رُوي عن مجاهد- رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، قال: القنوت: الركون والخشوع، وغضُّ البصر، وخفضُ الجَناح، قال: وكان العلماءُ إذا قام أحدُهم في الصلاة هاب الرحمن عزَّ وجلَّ عن أن يشدَّ نظره، أو يلتفت أو يقلِّب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يُحدِّث نفسَه بشيء من أمر الدنيا ما دام في الصلاة، كانوا حين يدخلون المسجد يخلعون الدنيا من قلوبهم مع خلعهم نِعالَهم.

بالخشوع الحق، يكون المصلون مخبتين لربِّهم، منكسرين لعظمته خاضعين لكبريائه، خاشعين لجلاله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].

ولتعلموا- رحمكم الله - أن الخشوع يتفاوت في القلوب بحسَب تفاوت معرفتها لمن خشعت له، وبحسَب مشاهدةِ القلوب للصفات المقتضية للخشوع، وبمقدار هذا التفاوت يكون تفاضُل الناس، في القَبول والثواب، وفي رفع الدرجات، وحطِّ السيئات.

عن عبدالله الصنابحي رضي الله عنه قال: أشهدُ أني سمعتُ رسول الله يقول: ((خمسُ صلواتٍ افترضهُنَّ اللهُ تعالى، مَنْ أحْسَنَ وضُوءهُنَّ، وصلَّاهُنَّ لوقتِهِنَّ، وأتمَّ ركوعَهُنَّ وخشوعَهُنَّ؛ كان له على اللهِ عَهْدٌ أن يَغْفِرَ له، ومَن لم يفعَلْ فليسَ له على اللهِ عهدٌ؛ إن شاءَ غَفَرَ له، وإنْ شاءَ عَذَّبَه))؛ رواه أحمد وصحَّحه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن امرئٍ مُسْلمٍ تحضُره صلاةٌ مكتوبةٌ فأحسَنَ وضوءَها وخشوعَها وركوعَها إلَّا كانَتْ كفارةً لما قبلها من الذنوب، ما لم يُؤتِ كبيرةً وذلك الدهرَ كُلَّه))؛ رواه مسلم، وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ توضَّأ نحو وضُوئي هذا ثمَّ صلَّى ركعتينِ لا يُحدِّث فيهما نفسَه بشيءٍ؛ غُفِرَ له ما تَقَدَّم من ذَنْبِه))؛ رواه مسلم.

فالصلاةُ الخاشعةُ هي الراحة الدائمة للنفوس المطمئنةِ الواثقةِ بوعد ربِّها المؤمنةِ بلقائه، وأين هذا من نفوسٍ استحوذَ عليها الهوى والشيطانُ؟! فلا ترى من صلاتها إلا أجسادًا تهوي إلى الأرض خَفْضًا ورَفْعًا، أما قلوبُها فخاويةٌ، وأرواحُها فبالدنيا مُتعلِّقة، ونفوسُها بالأموال والأهلين مشغولة.

لما سمع بعض السلف قوله تعالى: ﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾ [النساء: 43]، قال: كم من مُصَلٍّ لم يشرب خمرًا، هو في صلاته لا يعلم ما يقول، وقد أسكرته الدنيا بهمومها.

أيها الإخوة، وهناك نوع من الخشوع حذَّر منه السَّلَف وأنذروا، وسمَّوه: خشوع النفاق، فقالوا: استعيذوا بالله من خشوع النفاق، قالوا: وما خشوع النفاق؟ قالوا: أن ترى الجسد خاشعًا، والقلب ليس بخاشع، ولقد نظر عمر رضي الله عنه إلى شابٍّ قد نكس رأسَه فقال له: يا هذا، ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر خشوعًا على ما في قلبه فإنما هو نِفاقٌ على نِفاقٍ، وقال الحسن: إن أقوامًا جعلوا التواضُعَ في لباسهم، والكبرَ في قلوبهم، ولبسوا مداعج الصوف - أي: الصوف الأسود - واللهِ لأَحدُهم أشدُّ كِبْرًا بمَدْرَعته من صاحب السرير بسريره، وصاحبِ الديباج في ديباجه.

فاتقوا الله - رحمكم الله- واحفظوا صلاتكم، وحافظوا عليها، واستعيذوا بالله من قلب لا يخشع، فقد كان من دعاء نبيِّكم صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من عِلْمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشَع، ومِن نَفْسٍ لا تَشْبَع، ومِن دعوةٍ لا يُستجابُ لها))؛ رواه مسلم. ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، بارك الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، أما بعد:
أيها المسلمون، يذكر أهلُ العلم وجوهًا عدة، يتبيَّن فيها حضورُ القلب، ويتحقَّق فيها حال الخشوع، وحقيقة التعبُّد.

من هذه الوجوه: الاجتهاد في تفريغ القلب للعبادة، والانصراف عما سواها، ويقوَى ذلك ويضعُفُ بحسَب قوَّةِ الإيمان بالله واليوم الآخر، والوعدِ والوعيد، ومنها: التدبُّرُ لما تشتمل عليه الصلاة من قراءةٍ وذكر ومُناجاة.

ومنها: الاجتهاد بدفع الخواطر النفسيَّة، والبُعْد عن الصوارف الشاغلة، وهذه الصوارف والشواغل عند أهل العلم نوعان:
صوارفُ ظاهرة؛ وهي ما يشغل السمع والبصر، وهذه تُعالَج باقتراب المصلي من سترته وقِبلته ونَظَره إلى موضع سجوده، والابتعاد عن المواقع المزخرفة والمنقوشة، والنبي لما صلى في خميصةٍ لها أعلامٌ وخطوطٌ نزعَها وقال: ((إنَّها ألْهَتْني آنفًا عن صَلاتي))؛ متفق عليه.

والنوع الثاني: صورافُ باطنة مِن تَشَعُّبِ الفكر في هموم الدنيا وانشغال الذهن بأودية الحياة، ومعالجةُ ذلك بالتفكُّرِ والتدبُّر لما يَقرأ ويَذكر وباستحضارِ قُرْبِ مَنْ يُناجي، ومما يُعينُ على حضور القلب وصدقِ الخشوع؛ تعظيمُ المولى جل وعلا في القلب، وهيبتُه في النفس، ولا يكون ذلك إلا بالعلم بالله عزَّ شأنُه، ومعرفةِ حقارة النفس وقِلَّةِ حيلتها، وحينئذٍ تتولَّدُ الاستكانةُ والخشوع والذُّل والإنابة.

أمرٌ آخر - أيها الإخوة - يحسُن التنبيه إليه، وهو دالٌّ على نوع من الانصراف والتشاغُل، مع ما جاء من عِظَمِ الوعيد عليه، وخطرِ التهاون فيه، ذلكم هو مسابقةُ الإمامِ في الصلاة، فما جُعِلَ الإمام إلا ليؤتَم به، فلا تتقدَّموا عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((أمَا يَخْشَى الذي يرفَعُ رأسَه قبل الإمامِ أن يُحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ))؛ متفق عليه.

وانظروا إلى حال الصحابة رضوانُ الله عليهم مع نبيِّهم وإمامِهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، قال البراء بن عازب: كنتُ خلف النبي صلى الله عليه في صلاته، فكان إذا انحطَّ من قيامه للسجود، لا يحني أحَدٌ مِنَّا ظهرَه حتى يضعَ رسولُ الله جبهتَه على الأرض ويُكبِّر، وكان يستوي قائمًا وهُم لا يزالون سجودًا بعدُ.

ورأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلًا يُسابِق إمامه، فقال له: لا وحدَك صَلَّيْتَ، ولا أنت بإمامِكَ اقتدَيْتَ.

فاتَّقِ اللهَ يا عبد الله، وعظِّمْ أمرَ الصلاة، فهي الحبل الواصل بينك وبين الله تعالى، والبابُ الذي تدخلُ منه عليه، وهي أعظم أركان الإسلام العمليَّة، وهي في الحقيقة معيارُ الإيمان، وقد قال الإمام أحمد: "إنَّما حَظُّهم من الإسلام على قَدْرِ حَظِّهم من الصلاة، ورغبتُهم في الإسلام على قَدْرِ رغبتِهم في الصلاة"، فأعْطِ الصلاةَ نفيسَ وقتِك وسمينَه لا زائدَهُ وقليلَهُ. وكلُّ مواعيدِك مع نفسك والبشر ألْغِها أو أجِّلْها إذا أقْبَلَ موعدُك مع الله تعالى.

فاخْلَعِ الدنيا مع رَفْعِكَ للتكبير، وكبِّرْ تكبيرَ مَنْ أيقَنَ بأنه لا أكبرَ من الكبير جلَّ جلاله، واتلُ كلامَه كمَنْ يُخاطبه ويُناجيه، واجعل قلبَك بين يديك تُحرِّكُه بالآي والذكر والضراعة، واركَعْ ركوعَ خاضِعٍ لمولاه بقلبه ورقبته وحياته، وارفَعْ رَفْعَ حامِدٍ شاكرٍ فَرِحٍ بربِّه تعالى، واسجُدْ سجودَ مَن يظُنُّ أنه لن يقوم منها إلا للموت، وبعثر همومَك وأزِلْ غمومَك بسجدةٍ طويلةٍ خاشعةٍ، وصَلِّ وسَلِّم على نبيِّك بعد التشهُّد كحالِ مَنْ هو بحضرته، وفي جلسة التشهُّد الأخير قبل السلام لا تعجل، بل اغتنم تلك اللحظات بين يدي ربِّك عبدًا خاضعًا خاشعًا طالبًا فضلَهُ ونَوَالَه، فادعُ واضرع وألحَّ، فوعِزّةِ ربِّك إنها من الهنيهات الجليلة التي تُرجى أن يقال لك فيها: سَلْ تُعْطَ، ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، فمن ذا الذي دعاه فردَّه، أو رجاه فخيَّبه، أو لجأ إليه فتركه، أو استنصره فخذله، الخيرُ كله منه وإليه، فلتَفِرَّ من نفسك إليه.
إن كنتَ مُشتاقًا لها كَلفًا بِها
شوقَ الغريبِ لرؤية الأوطانِ
كُنْ مُحسنًا فيما استطَعْتَ فرُبَّما
تُجزى عن الإحسانِ بالإحسانِ
واعمَل لجنَّاتِ النَّعِيمِ وطِيْبِها
فنعيمُها يبقى وليس بفانِ
أدِمِ الصيامَ مع القيامِ تعبُّدًا
فكلاهما عَملانِ مَقْبُولانِ


ولا تستوحش فلستَ وحدك، بل الله في عليائه معك بحِفْظِه وعَوْنِه ومَدَدِه، ومَنْ كانَ اللهُ مَعَه فلا ضيعةَ عليه، فاللهُ أَنيسُه ونصيرُه وحافظُه ومُغْنيه، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.49 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]