مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الافتراء والبهتان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          (المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          التأثير المذهل للقرآن على الكفار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ما يلفظ من قول... إلا لديه رقيب عتيد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          نهاية الرحلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          من غشنا فليس منا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          وقفات مع اسم الله العدل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تبرؤ المتبوعين من أتباعهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-07-2022, 03:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (1)


أ. طاهر العتباني




ملمح تاريخي - ما قبل العصر الجاهلي






عند قراءة قصيدةٍ معاصرة لا يَحتاج القارئُ والنَّاقدُ - في كثيرٍ من الأحيان - أن يخوض في الظُّروف الموضوعيَّة والواقعية المحيطة بالقصيدة، بل يدخل مباشرةً إلى لغة القصيدة؛ اعتمادًا على أن السِّياق المصاحب للقصيدة قد ألَمَّ به القارئ / الناقد من خلال المُعايَشة للعصر الذي كُتبت فيه.



أمَّا عند قراءة الشعر القديم، فلا مناص من التعرُّف على الظروف الموضوعيَّة للنصِّ؛ من سيرة الكاتب، أو الشاعر، أو الظروف التي أحاطت به عند كتابة القصيدة؛ حتَّى يتمكن القارئ/ الناقد أن يقف على عطاء القصيدة المتلبِّس بظرفها الموضوعيِّ والشخصي للشَّاعر الذي كتب القصيدة، وما أحاط به عند كتابتها.



وهذه النظرة ربَّما خالفَتْ إلى حدٍّ كبير ما تُنادي به بعضُ نظريات النَّقد المعاصر التي ركَّزَت على لغة النصِّ؛ كالبنبوية والأسلوبيَّة والتشريحية، وغيرها من مدارس النقد التي نفَتْ صاحب النصِّ وركَّزت على نصِّه باعتباره - النص - هو الهدفَ الأصيل من عمليَّة القراءة.



لكن الأمر يختلف إلى حدٍّ كبير عند قراءة النُّصوص القديمة التي أصبحَتْ عاطلةً عن ظرفها الموضوعيِّ والشخصي، الذي لعب دورًا كبيرًا في خروجها إلى حيِّز الوجود إذا قرئت مجرَّدة دون مراعاة الظَّرف الشخصي والموضوعي؛ باعتبارهما مدخلاً ضروريًّا للوصول إلى نخاعها النصِّي إذا صحَّ التعبير، والأمر في الشعر الجاهليِّ أكثر وضوحًا؛ إذْ إنَّ قارئ النص الجاهلي يُعْوِزه في كثيرٍ جدًّا من الأحيان أن يطَّلِع على كثير من المعلومات - خارج النص - لتساعده على الولوج إلى داخل القصيدة أو القطعة الجاهليَّة، ويتبدَّى ذلك بشكلٍ واضح - على الأقلِّ - في الحاجة إلى معرفة كثيرٍ من معاني المفردات التي تحتويها القصيدة، وما هنالك من وقائع بعينها انطلقَتْ منها لغة القصيدة.



ومن هنا نحاول في هذا المدخل حصْرَ أهمِّ الظروف الموضوعيَّة والشخصية التي تحيط بالقصيدة الجاهليَّة بشكل عام، والتي نراها ضروريَّة؛ حتَّى يتمكَّن قارئُ القصيدة الجاهلية من الوصول إلى قراءةٍ سليمة ممتعة، وهي:

ملمحٌ تاريخي: ما قبل العصر الجاهلي.

الوضع السياسيُّ إبان العصر الجاهلي.

مكَّة والمدينة.

البناء القبَلِي للمجتمع العربي.

الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية.

الوضع الديني والثَّقافي.

اللغة الأدبية الواحدة.

مصادر الشعر الجاهلي.

أولية القصيدة الجاهلية.

الغنائية مِيسَم الشِّعر الجاهلي.

المعلَّقات.

البناء الفنِّي للقصيدة الجاهلية.

الغزَلُ الجاهلي - المرأة في القصيدة الجاهلية.

الشاعر الجاهلي بين الالتزام والتحرُّر الذاتي - شعر الصعاليك.



(1)


ملمح تاريخي - ما قبل العصر الجاهلي


الباحثون في الشِّعر الجاهلي والتاريخ العربي قبل الإسلام يقرِّرون أن العصر المسمَّى بالعصر الجاهليِّ في التاريخ العربي يمتدُّ على مدار ما لا يزيد عن مائةٍ وخمسين عامًا قبل بعثة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على أقصى تقديرٍ، ويرى كثيرٌ من الباحثين أنَّ التاريخ العربي القديم السابق على هذه الفترة، شهد عددًا كبيرًا من الحضارات الموغلة في القِدَم، أُطلق عليها تاريخ العرب قبل الإسلام؛ حيث عُرِفت اللُّغة العربية الأولى التي تطوَّرت عنها اللُّغة العربية التي كتب بها الشِّعر الجاهلي، ومن الضروريِّ - لكي يَستشعر القارئُ العمقَ الزمني للعصر الجاهلي - أن نعطي نبذةً حول هذا التاريخ الممتدِّ وما قام به من دول.



لقد كان من الغريب انصرافُ المؤرِّخين المسلمين في العصر الإسلاميِّ عن التاريخ العربي، إلاَّ أن يكون مقدِّمات لتواريخهم المفصَّلة للعصر الإسلامي، ولذا فَقدَ ما كتبوه - حول التاريخ العربي قبل الإسلام - الكثيرَ من الدقَّة، ولابسَه في كثير من الأحيان الخَلْطُ والأسطورة، ولم يكن تاريخًا بالمعنى الدَّقيق لكلمة "تاريخ"!



لقد كان ما كتبه كبار المؤرِّخين المسلمين - كالطَّبري، والمسعودي، والبلاذري، والدِّينوَري، وابن الأثير، وابن كثير، وابن خَلْدون، وغيرهم - من تاريخ هذه الحقبة التي سبقَت العصر الجاهلي مليئًا بكثيرٍ من الخلط والإهمال، والاعتماد على الخرافات في الروايات والوقائع التي حمَلت تاريخ هذه الفترة.



على أنَّ الدراسات الحديثة لهذه الفترة قد كشفَتْ عن جوانب كثيرة من تاريخ هذه الفترة، وبشكل أكثر دقَّة؛ وذلك من خلال ما كشفَت عنه الحفريَّات وغيرها من المصادر التاريخية المعاصرة، وما تناقلَه الباحثون مما جاء فيها عن الدُّول التي ظهرت في هذا العصر.



وقبل أن نشير إلى هذه الدُّول، نشير إشارةً سريعة إلى طبقات العرَب؛ فقد اتَّفق الرُّواة وأهل الأخبار على تقسيم العرب إلى طبقات على النَّحو التالي:

تقسيمٌ يرى أنَّ العرب تنقسم إلى: عربٍ بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعرِبة.

وتقسيم يرى أنَّ العرب تنقسم إلى: عرب عاربة، وعرب مستعربة، وعرب تابعة، وعرب مستعجمة.



كما أنَّ هناك تقسيمًا يقسِّم العرب إلى قسمين: بائدة، وباقية.



فأما العرب البائدة فهم العرب الصُّرَحاء الخُلَّص، ذَوو النَّسب العربي الخالص، ويتكوَّنون من قبائل عادٍ وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وعبيل، وجُرْهم، والعماليق، ومَدْين، وغيرهم.



وأما العرب الباقية، وهم المتعرِّبة والمستعربة، فهم الذين ليسوا عربًا خُلَّصًا، ويتكونون من بني يَعْرُب بن قحطان، وبني معد بن عدنان، فالقحطانيُّون من نسل يَعْرُب بن قحطان، وقد سكنوا اليمَن، والعدنانيُّون من نسل معدِّ بن عدنان وقد سكنوا الحجاز.



وتقسيم ابن خلدون ينحو منحًى آخَر، يقسِّم به العرب - طِبقًا للتَّسلسُل التاريخيِّ - إلى طبقاتٍ أربع: عرب عاربة، وقد بادت، ثم مستعربة، وهم القحطانيُّون، ثم العرب التابعة لهم من الأوس والخزرج وعدنان، ثم الغساسِنَة، والمناذرة، وأخيرًا العرب المستعجمة، وهم الذين دخلوا في نفوذ الدَّولة الإسلامية.



ووسط ضباب التاريخ القديم، ظهرَتْ دولة معين - فيما يرى الباحثون - بين عامَيْ 1500 قبل الميلاد، و2001 قبل الميلاد، وانتهت عام 700 قبل الميلاد سابقةً دولة سبأ التي تُنسَب فيما يرى الباحثون إلى (عبدشمس بن يَشْجب بن يَعْرُب بن قحطان)، الذي هو اسمٌ لسبأ الذي نُسِبت إليه الدولة السَّبئيَّة، وهذه الدولة أيضًا يرى الباحثون أنَّها تمتد منذ ما قبل الأَلْف الأولى قبل الميلاد حتَّى ما بعد الميلاد في عصور متتالية.



كما تؤكِّد المصادر التاريخية ظهورَ عددٍ من الدُّول الأخرى في هذه الحقبة التاريخيَّة الضاربة في القِدَم، منها دولة حضرموت، وحضرموت عند الإخباريِّين هو ابن يقطان، ومنها دولة قتبان.



ثم يأتي بعد عصر الدولة السبئيَّة دولة حِمْيَر التي تُنسَب إلى حِمْيَر بن سبأ بن يشجب بين يَعْرب بن قحطان، فيما يرى الإخباريون.



وهذه الدَّولة هي أقربُ الدُّول قربًا من العصر الجاهليِّ الذي ظهر فيه الشِّعر الجاهليُّ الذي نكتب هذا المدخلَ لقراءته.



وفي هذا العصر الحِمْيَري - الذي يعدُّ امتدادًا للدَّولة السبئيَّة - حمَل الملوكُ ألقابًا مثل: "ملك سبأ، وذي ريدان، وحضرموت، ويمنات"، وكلمة "يمنات" كما يرى البعض اشتُقَّت منها كلمة اليمَن، وفي هذا العصر - عصر الدولة الحميريَّة - دخلت اليهوديَّة والمسيحية إلى بلاد اليمن، محاوِلةً زحزحةَ الدِّيانة الوثنيَّة التي كانت تدور حول عبادة النجوم والكواكب والشمس، وكانت بيزنطةُ تشجِّع الديانة المسيحيَّةَ في اليمَن، وتستعين بالأحباش الذين تنصَّروا على نشرها باليمن، ومن ثَمَّ بقية الجزيرة العربية، ولكن أهل البلاد - الحِمْيَريِّين - كانوا يشجِّعون اليهودية؛ رغبةً منهم في مقاومة المسيحيَّة؛ دين عدوِّهم السياسي والاقتصادي.



وتشير المصادِرُ العربية القديمة إلى أنَّ كلمة الحضارة الحميريَّة أصبحَتْ عَلمًا على كلِّ شيء في بلاد العرب قبل الإسلام، ويرى بعضُ الباحثين أنَّ حمير هذا - الذي تُنسب إليه الدَّولة الحميرية - كان معاصرًا لإبراهيم - عليه السَّلام - وهو الذي سيَّر جُرْهمًا من اليمن إلى الحرم وأرض الحجاز، حيث التقَوا بإسماعيل الذي تزوَّج منهم، على أن كثيرًا من المؤرِّخين ينكرون ذلك، ويرَون أنَّ مُعاصرة إبراهيم - عليه السَّلام - لحِمْيَر الذي تُنسب إليه الدولة الحميريَّة أمرٌ مستبعَد، يصل بحدود هذه الدولة تاريخيًّا إلى ما قبل الميلاد بألفَي عام، وهو الأمر الذي تنفيه المصادر التاريخيَّة المعاصرة جميعها.



وعلى مقربةٍ من بداية التاريخ الميلاديِّ ظهرَتْ ملوك التَّبابِعة، وكان أوَّل من حمَل لقَب "تُبَّع" هو الحارث بن ذي شمر، ثم استمرَّ ملك التبابعة إلى أن احتلَّ الأحباشُ اليمن.



وقد ذكَر القرآنُ الكريم التبابعةَ في قوله تعالى: ﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [الدخان: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ [ق: 14]، ولكن القرآن لم يحدِّد اسم تُبَّع هذا، ومن ثَمَّ رأى البعض أنه من حِمْير.



وأمَّا موطن الحميريِّين، فقد كان إلى الشَّرق من القسم الجنوبي الغربي من شِبْه الجزيرة العربيَّة؛ حيث يكون جزءًا من أرض قتبان إلى الجنوب من أرض "رشاي" و"جيان"، وإلى الغرب من حضرموت، وإلى الشَّرق من "ذياب"، وتكوّن أرض "يافع" الموطن القديم للحميريِّين قبل هجرتهم، حوالي عام 100 قبل الميلاد إلى مواطنهم الجديدة في أرضين؛ (دهس) و(رعين)، مكوِّنين حكومة ذي ريدان، ومُتَّخِذين من "ظفار" عاصمةً لهم.



وبالرغم من أنَّ هناك مَن يرى أنَّ الحميريِّين فرعٌ من السبئيِّين، أو على الأقلِّ يمتُّون إليهم بصلةٍ قويَّة، وأنَّ لُغَتهم ليست إلاَّ لهجةً من لُغَتي سبأٍ ومَعين؛ فإنَّ العلاقات بين سبأ وحمير كان يَسُودها العداءُ في أغلب الأحيان، وكثيرًا ما أشارت الكتابات السبئية إلى ذلك.



وعلى أيِّ حال فهناك ما يشير إلى أن الحميريِّين قد استولوا على مأرب - العاصمة السبئيَّة العتيقة - وربَّما استغلُّوا فرصة الضعف التي سادت في البلاد، غير أنَّ الأمراء الموالين لملك سبأ سرعان ما أَخرجوا الحميريِّين من مأرب؛ ومِن ثَمَّ فقد كان هناك مَلِكان على الأقل - الأوَّل سبئيٌّ، والآخر حِمْيري - كلٌّ منهما يزعم أنَّه ملك سبأ وذي ريدان، على أنَّ الحميريين قد أعادوا الكَرَّة، واستولوا على مأرب حوالي عام 200 من الميلاد أو عام 210.



ويحتلُّ "شمر يهرعش" من بين ملوك حِمْير مكانةً كبيرة، حتَّى إن الإخباريِّين يجعلونه هو "تُبَّع" الذي وردَ ذِكْرُه في القرآن؛ لأنَّه لم يقم للعرب قائمٌ أحفَظُ منه لهم، فكان جميعُ العرب - بنو قحطان وبنو عدنان - شاكرين لأيامه، وكان أعقلَ مَن رأَوْه من الملوك، وأعلاهم هِمَّة، وأبعدَهم غورًا، وأشدَّهم مكرًا لمن حارب، فضَربت به العربُ الأمثال.



وقد نُسِجت أساطير كثيرةٌ حول هذا الملك من الملوك الحميريِّين، نسَبتْ إليه - من الفتوح والأعمال - ما يعدُّ ضربًا من الخيال، بل نسَبوا له شعرًا قاله في بعض المواقف، وهو شعرٌ يَظهر تمامًا أنه مصنوعٌ في عصور التدوين!



ويرى بعض المؤرِّخين أنَّ بلاد العرب في أوائل القرن الرابع الميلادي كانت ميدانًا للتَّسابق بين مَلِكين؛ الأول هو "شمر يهرعش" - تُبَّع - والثاني هو "امرؤ القيس بن عمرو" ملك الحيرة، وقد فاز في هذا الصِّراع امرؤُ القيس بن عمرو، ووصل إلى الحدود الغربيَّة الجنوبية في ناحية الشمال.



ويستنبط المؤرِّخون أن الأوَّل - وهو شمر يهرعش - قد خضعَتْ له العرب القحطانيُّون الجنوبية، بينما قد دان للملك الثاني - امرِئ القيس بن عمرو - العربُ العدنانية الشمالية في الحجاز ونَجْد.



على أنَّ المصادر التاريخية تَذْكر ملكًا ثالثًا كان معاصرًا لـ"شمر يهرعش" و"امرئ القيس بن عمرو" هو ملك كِنْدة؛ تلك المَمْلكة التي قامت إلى الجنوب الشرقيِّ من الجزيرة في هذا العهد.



ثم يجيءُ بعد "شمر يهرعش" بمدَّة ملكٌ من التبابعة، اسمه "أب كرب أسعد"، يرى المؤرِّخون أنه مرَّ بالمدينة ومكَّةَ بعد عودته من غزواته خارج الجزيرة - هكذا يزعمون - ثم كَسى الكعبة، واعتنق الدين اليهوديَّ؛ لنصيحة حبرَيْن من يهود المدينة له بذلك، وتنسج رواياتُ الإخباريين أساطيرَ كثيرةً حول هذا الملك الذي ترجِّحُ المصادر أنَّ مُلْكَه كان في حدود عام 400 م - 430 م على أقصى تقدير، وخلَّف "أب كرب أسعد" ربيعة بن نضر اللخمي الذي ملك الحيرة، وكان من عَقِبِه "النُّعمان بن المنذر" ملك الحيرة فيما بعد.



ويستمرُّ مُلْك الحميريِّين باليمن إلى أن يغزو الأحباشُ أرض اليمن، وقد كانت اليهوديَّة بدأت تأخذ طريقها إلى اليمن منذ فترة طويلة، وإن ازدادَتْ بعد تدمير بيت المقدس على يد "نيتوس" في عام 70 م، ودخل الأحباشُ - إذًا - اليمنَ في بداية القرن السادس الميلادي على إثر حرب داخليَّة اشتعلَتْ بين قبائل سبأ وحمير ورحبة وكندة وثعلبة؛ مما أدَّى إلى حالةٍ من الاضمحلال، مكَّنت لها كذلك - فضلاً عن الحرب الداخلية - كثرةُ دخول اليمَنيِّين في اليهودية والنصرانية.



ولقد أكَّدت المصادر الغربيَّة أن الغَزْو الحبشيَّ لليمن العربية كان من قبيل نفوذ الدولة الرُّومانية الشرقيَّة إلى بلاد العرب التي لم يكن النُّفوذ الرومانيُّ قد وصل إليها حتَّى ذلك الحين، إلاَّ من خلال الإرساليَّات التبشيرية التي وصلَتْ إلى بلاد اليمن، على حين كان الهدف المُعْلَن للغزو الحبشيِّ لليمن هو حمايةَ المستضعفين من النَّصارى الذين يُعذَّبون في اليمن، كما فعل "ذو نواس" الملك الحميريُّ اليهودي معهم.



لقد اتَّفقَت مصالح الرُّومان والأحباش في السَّيطرة على بلاد العرب الجنوبيَّة، وكانت سياسة "ذي نواس" التي تربط بين انتشار المسيحيَّة في اليمن وبين ازدياد نُفوذ الأحباش في البلاد سببًا في أن يتَّخذ من نصارى اليمن موقفًا عدائيًّا، وكان ذلك ذريعةً وجدَها الرُّومانُ لدخول اليمن من خلال تحريض الأحباش للقيام بهذا الدَّور.



على أنَّ هناك من يذهب إلى أنَّ الرُّوم قد اشتركوا بطريقة معلَنة في غزو اليمن عن طريق أسطولهم في مصر محمَّلاً بالأسلحة والمُؤَن إلى الثُّغور اليمنية.



وظلَّت اليمن تحت الاحتلال الحبشيِّ حتَّى استطاع "أبرهة الأشرم" أن يصل إلى سدَّة الحكم بعد صراعاتٍ مع قبائل اليمن المُجاورة، وبعد أن استطاع - مِن قبل - أن يزيح "أرياط" من طريقه - وهو حبشي مثله، تنازع الاثنان على قيادة الأحباش في اليمن - وبعد أن فرغ "أبرهةُ" من القضاء على الثَّورات التي هبَّت ضدَّه، انصرف إلى نشر المسيحيَّة، ومُحاربة الأديان الأخرى في بلاد العرب، فقام بإنشاء الكنائس في بلاد اليمن في مأرب ونجران وصنعاء؛ حيث بنى كنيسته المشهورة "القلّيس"؛ بُغْيةَ أن يَصْرف حجيجَ مكَّة إلى صنعاء.



وبعد موت "أبرهة" عند غزو الكعبة، اختلط أمر الأحباش في اليمَن، وانتهى وجودُهم بها، وكان ذلك في حدود عام 575 م، وبهذا - كما يرى الباحثون المعاصرون - استمرَّ حكم الأحباش في اليمن قرابة نصف قرن (525 - 575 م).



وبعد خروج الأحباش من اليمن، أصبح الجوُّ مهيَّئًا للبطل "سيف بن ذي يزن" ليعتلي عرش العربيَّة الجنوبية، بمساعدةٍ من الفرس؛ حيث تَذْكر الرِّواياتُ أنَّه حاول أوَّلَ الأمر الاستعانةَ بقيصر بيزنطة، ولكن لم يجد عنده جوابًا لِمَطالبه في تحرير اليمن، فالتجأ إلى كسرى، وكان "عمرو بن هند" ملك الحيرة قد توسَّط بين أبيه وبين كسرى؛ لتخليص اليمن من الاحتلال الحبشي.



وهكذا وجدَت فارسُ - في طلب يهود العرب ووثنيِّيهم مؤازرتَها ضدَّ الدولة النصرانية - وسيلةً للتوسُّع في بلاد العرب، ومن ثَمَّ فإنَّ بادية الشام في الشمال وإن حالت دون توسع القوى الكبرى في تلك الفترة من التاريخ إلى شِبْه الجزيرة العربية، فقد أصبحَت أرض الجنوب مَدْخلاً لتلك الدُّول توصلها لقلب البلاد.



نجَح العرب اليمنيُّون إذًا في تحرير بلادهم من ربقة الاستِعمار الحبشيِّ، وقَنعَ الفرسُ - على ما يبدو - في إقامة حكمٍ وطني يَدِين بالتبعيَّة لهم، ومن ثم أصبح ملك "سيف بن ذي يزن" مستقرًّا في اليمن منذ عام 575 م، على أنَّ ملكه لم يكن يشمل كلَّ أنحاء البلاد.



لقد كان لخلاصِ اليمن من نير الاحتلال الحبشيِّ رنَّةُ فرحٍ هائلةٌ في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، ووفدَت الوفود من الحجاز وغيرها على "سيف بن ذي يزن" يهنِّئونه بتحرير البلاد، وعودة المُلك إليه، ومن هذه الوفود وفْدُ مكَّة، برياسة كبيرها "عبدالمطلب بن هاشم" جد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه "أميَّة بن عبدشمس" و"عبدالله بن جدعان" و"أسد بن خويلد بن عبدالعزى" في ناسٍ من أشراف قريش.



وبعد قتل "سيف ذي يزن" على يد الأحباش غيلةً، كان للفرس الدَّور الأكبر في اليمَن، حتَّى إسلام "باذان" عامل كسرى على اليمن في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومتابعته للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - واليًا على اليمن.



وتَجْدر الإشارة إلى أنَّ السُّلطة الفارسيَّة في اليمن كانت محصورةً في صنعاء، وأنَّ القبائل اليمنيَّة كانت - كبقيَّة قبائل الجزيرة العربية في ذلك الوقت - تتمتَّع بحريتها، ولا تتبع أيَّ سُلطة مركزية.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-07-2022, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (2)


أ. طاهر العتباني



الوضع السياسي إبان العصر الجاهلي



وإذا ترَكْنا المنطقة الجنوبيَّة من الجزيرة العربية، واتَّجهنا نحو الشمال، وجَدْنا دولتين تتبع أحَدُهما دولةَ الفرس، وهي مملكة المَناذرة، والأخرى تتبع الدولة البيزنطيَّة (الرومانية الشرقيَّة) على حدود الجزيرة الشماليَّة، وهي دولة الغَساسنة، أما مملكة كِنْدة، فعلى ما يبدو أنَّ منازل هذه المملكة تحرَّكَت من الجنوب في العصر الجاهلي الأوَّل؛ لتستقرَّ على تُخوم كلٍّ من مملكتَي المَناذرة والغَساسِنة في العصر الجاهليِّ الثاني (ما قبل بعثة النبِيِّ بحوالي 150 سنة)، وأنَّها لم تكن تستمدُّ سلطانها على القبائل التابعة لها من قُوًى خارجيَّة على الجزيرة.



وفي مكَّة والمدينة بالحجاز قامت إماراتٌ صغيرة - إن صحَّت التسمية - جلُّ نشاطها يقوم على التِّجارة والصفقات، وليس لها حكومةٌ مركزيَّة واحدة بقدر ما كانت تتمتَّع بحريتها في ظلِّ سلطة عشائريَّة يضمُّها مجلسٌ للعشائر كما كان الحال في دار النَّدوة في مكَّة المكرمة.



كما تناثرَت القرى العربيَّة هنا وهناك في أنحاء الجزيرة، بينما ظلَّت البِنْية السياسيَّة الغالبة هي بنية القبيلة التي تعدُّ هي الحدود القوميَّة للفرد في العصر الجاهلي.



ويَحْسن بنا أن نلمَّ إلمامة سريعة بصورة الحياة في الممالك الثَّلاث (المناذرة - الغساسنة - كِنْدة) وفي مكَّة المكرمة، وفي المدينة المنوَّرة؛ يثرب.



مملكة المناذرة:

كان العرب منذ قديم الزَّمان يُهاجرون إلى تُخوم شِبْه الجزيرة العربيَّة الشرقية، حتَّى إذا ما وصلوا إلى وادي الفرات، أقاموا في ربوعه، وفي القرن الثَّالث الميلاديِّ وفدَت طلائع عربيَّة جديدة من قبيلة "تنوخ" اليمنيَّة، وسكنَت في المنطقة الخصبة الواقعة إلى الغرب من الفُرات، وما إن يَمضي الوقتُ حتَّى تحوَّلَت الخيام العربيَّة في هذه المنطقة إلى مدينة عُرِفت بالحيرة التي تحوَّلت بمرور الأيام إلى إمارة الحيرة، وراء نهر الفُرات، عند مُنعطَفِه نحو دِجْلة، حيث أصبحَتْ بمثابة حِصْن للملك الفارسيِّ حيال العرب الرُّحَّل، وقد أطنبَت المؤلفات العربية في وصف هوائها النقيِّ، وصفاء جوِّها، وعُذوبة مائها.



هذا، وقد كان لعرب الحيرة لهجةٌ من اللِّسان العربي يتحدَّثون بها في حياتهم العاديَّة، أما في الكتابة، فقد كانوا يستعملون السُّريانية، ولعلَّهم في هذا يُشبهون الأنباط والتَّدمريِّين الَّذين كانوا يتكلَّمون العربيَّة، ويكتبون بالآراميَّة، ومن هنا فقد أصبحَت الحيرة في القرن السَّادس الميلاديِّ نقطةَ التقاءٍ للتيَّارات الإيرانيَّة والآرامية على حدود المحيط العربيِّ الفاصلة، وظهرَتْ بمظهر العاصمة الفكرية.



أمَّا ملوك الحيرة: فأوَّلُهم مالكُ بن فهم، ثم عمرُو بن عديٍّ، ثم ولده امرؤُ القيس الأوَّل (288 - 328) الذي كان عاملاً لملك الفرس على العرب من ربيعة ومُضَر، وسائرِ مَن ببادية العراق والحجاز، وقد فتح معظم شبه الجزيرة الشمالي، وقامت المنافسات بينه وبين (شمر يهرعش) الملك الحِمْيري كما سبق أن أشَرْنا، ثم جاء بعده عمرُو بن امرئ القيس (328 - 363) ثم تلاه أرس بن قلام، بعد تنازع أبناء عمرو بن امرئ القيس على الملك من بعده، فأقامه كِسْرى على عرش الحيرة، ثم عادت الحكومة مرة أخرى إلى امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس (368 - 390 م)، وجاء النُّعمان الأول (390 - 418 م) بعد أبيه امرئ القيس الثاني، ويَنسب الإخباريون إليه بناء قصر الخورنق.



وقد اشتهر النُّعمان الأول هذا بِكَتيبتَيِ الخيالة الشهيرة بين العرب، وهما الدَّوسر ورجالها من الفرس، والشَّهباء ورجالها من تنوخ، وغزا بها الشام عدَّة مرات، وعلى أيامه ازدهرَت دولة اللخميين المَناذرة في الحيرة، كما لم تزدهر من قبل، وجاء بعد النُّعمان ولدُه المنذر (418 - 462 م)، وشارك في الحروب التي قامت بين الفرس والروم، وجاء بعد المنذر أخوه الأسودُ ثم أخوه المنذر ثم النعمان بن الأسود، ثم انتقل العرشُ بعد ذلك من أمراء بني نصر إلى يعفر بن علقمة، غير أنه عاد مرَّة أخرى إلى بني نصر؛ حيث تولَّى عرشَ الحيرة "امرؤ القيس الثالث"، ثم المنذر بن امرئ القيس (506 - 554) الذي عُرِف بابن ماء السماء، (وماء السماء هو لقب أمِّه ماوية بنت عوف بن جشم بن هلال مية بني النمر بن قاثط)، وقد قام المنذرُ بن ماء السماء بغزو الحدود الرُّومانية، وجاء بعد المنذر ولده عمرو بن هند (554 - 569) من زوجه "هند بنت عمرو بن حجر" ملك كِندة.



وقد حذا عمرٌو حذْوَ غيره من ملوك لخم وجفنة الَّذين أدركوا أنَّ الشعراء من مُعاصريهم هم زعماء الرأي العامِّ بين العرب، يُديرون دفَّة الدعاية كما شاؤوا، فلم يَأْلُ جهدًا في إكرامهم، وغمَرَهم بفضله؛ طمعًا في اجتذاب العرب إليه.



وهكذا أصبحت الحيرة في عصره موئل الشُّعراء، يأتون إليه من شبه الجزيرة العربية، يُنشِدونه شعرهم، وينالون جوائزه، ويقصدون المناظرات في حضرته، وعلى رأسهم ثلاثةٌ من أصحاب المعلَّقات السبع: طَرفة بن العبد، والحارث بن حلِّزة، وعمرو بن كلثوم، وقصَّته مع عمرو بن هندٍ مشهورة معلومة، ولا بدَّ من الإلمام بها لمن يريد الوصول إلى مَضامين معلَّقة عمرو بن كلثوم، ويذهب "لويس شيخو" إلى أن "عمرَو بن هند" قد تنصَّر؛ إذْ كانت الحيرة في وقته تَمُوج بالمبشِّرين المسيحيين.



وجاء بعد عمرو بن هندٍ أخوه قابوسُ بن المنذر، ثم المنذر بن المنذر الذي ترَك من بعده ثلاثة عشر ولدًا، ويَستشير كسرى عدي بن زيد الشاعر الذي يُشير بامتحان الأبناء جميعًا، ثم يتَّفِق مع واحدٍ منهم هو النُّعمان على إجابةٍ خلاصتها أن يتعهَّد لكسرى بأن يقيه شرَّ العرب جميعًا، وعلى رأسهم إخوته، وهكذا يتمُّ اختيار النُّعمان ملِكًا بعد أبيه؛ ليصبح بذلك عرشُ الحيرة رهينًا بأمر كسرى ويده.



ثم إنَّ النعمان أوقع بِعَديِّ بن زيد الذي أحلَّه على العرش عند كسرى، ومِن ثم استدعاه كسرى وسجَنه حتَّى مات.



ثم أخذ الضعف يتسرَّبُ إلى الحيرة، وصار أمرُها - كاملاً - إلى الفرس الذين أرادوا أن يرسل هانئُ بن مسعود ما استودعَه النُّعمان إياه من الأموال، فأبى هانئٌ وغضب كسرى، وهنا أشار عليه أحد أعداء بني شيبان، وسائر بكر بن وائل أن ينتظر ريثما يَنْزل القوم "ذي قار"، وهكذا وقعَت الواقعة، وأبلى العربُ بلاء حسَنًا، وكُتب لهم نصرٌ مؤزَّر على الفرس، وكان ذلك إبَّان البعثة النبوية.



مملكة الغساسنة:

أما مملكة الغساسنة فقد قامَت عقب تواري دولة التَّدمريِّين عن المسرح التاريخيِّ في الجزيرة من البدو الرُّحل الذين هاجروا نحو الشمال؛ بسبب الظروف الاقتصاديَّة في اليمن التي أدَّت إلى اضمحلال دولة حِمْير، وكان لحركات الهجرة هذه أثَرُها على دولتي فارس والرُّوم، فاتخذ الفرسُ قبائل من العرب عُرِفوا باللخميين - كما مرَّ بنا في حديثنا عن المناذرة - كما اتَّخذ الرومان قبائل من بني سليح، ثم من بني غسَّان أعوانًا لهم.



وهكذا ازدهرَت حول دمشق مملكة الغساسِنة في الوقت الَّذي ازدهرَتْ فيه مملكة اللَّخْميِّين في الحَيرة، وكانت كلٌّ من الدولتين بمثابة دولةٍ حاجزة اتَّخذ منهما الفرسُ والرُّوم مِجَنًّا يَقِيهم شرَّ هجمات البَدْو عليهم من أطراف الصحراء، وقد كان كلٌّ من الدولتين يجمعون الضَّرائب ويقدِّمونها لكلٍّ من دولتَيْ فارس والروم.



وتاريخ دولة الغساسنة غامضٌ؛ لقلَّة المصادر، ولامتزاج الحقائق فيه بالأساطير، حتَّى ليختلف المؤرِّخون العربُ في عدد الملوك وأسمائهم، وسنِي حُكمهم.



والسبب في ذلك يرجع إلى اختلاط أخبار آل غسَّان بالقبائل العربيَّة التي وصلَت إلى سوريا.



ودانَتْ بالدِّيانة النصرانيَّة، وخضعَتْ لِحُكم الرُّومان، كما أنَّ من أسبابه أيضًا اقتصارَ مؤرِّخي العرب على الناحية الأدبيَّة من تاريخ الغساسنة، وإهمالَ تاريخهم السياسيِّ، كذلك التشابه في الأسماء بين حارث ومُنذر ونُعمان، واختلاف ذلك أيضًا بالتشابه والتَّقارب مع أسماء ملوك المَناذرة، ويَروي الإخباريُّون أن الغساسنة إنما يُسمَّون بعدة أسماء، منها "أزد غسَّان"، وكذلك يسمَّون "آلَ ثعلبة"؛ نسبةً إلى جدٍّ لهم يُعرف باسم ثعلبةَ بنِ مازن، كما يُسمَّون كذلك "آل جفنة"؛ لأنَّ أول ملوكهم إنَّما كان يسمَّى "جفنة بن عمرو مُزَيْقِيَاء".



وأمَّا العاصمة السياسيَّة لآل جَفْنة، فيبدو أنَّها "الجابية" في جنوب غربيِّ دمشق، وأما ديارهم فكانت - طبقًا للمصادر العربيَّة - في اليرموك والجولان وغيرهما ممن نزل الأردن، فضلاً عن أعراب سوريَّة وفلسطين.



وليس هناك دليلٌ - كما يرى عددٌ من المؤرِّخين - على أنَّ الغساسنة قد ملكوا المدُن الكبيرة في الشام كتدمر وبُصْرى ودمشق؛ إذْ كانت هذه مدنًا محصَّنة، تتمركز فيها حامياتٌ رومانيَّة، ولكنهم كانوا يعتمدون على الصحراء إذا داهمهم الخطر، ومن ثَمَّ فقد كانت حروبُهم تدور على أطراف البادية، وإليها لَجؤوا عندما خلعوا سُلطان الإمبراطور الرُّوماني، وثاروا عليه في عهد النُّعمان بن المنذر، أما ملوك الغساسنة فلعلَّ الحارث بن جبلة (528 - 569)، والمعروف بالحارث الأكبر أوَّل أمراء بني جفنة الغسَّانيِّين، وهناك ما يشير إلى نشوب حربٍ بينه وبين المنذر الثالث؛ بسبب العداوة التي انتقلَتْ إليهم من العَداوة بين الفرس والرُّوم، وربما لأنَّ أمير الحيرة ادَّعى أنَّ القبائل العربية النازلة فيما بين دمشق وتدمر إنَّما تخضع لسلطانه، فنازعه الأمير الغسَّاني هذا السُّلطان، وأيًّا ما كان الأمر فإن الرَّجُلين قد اشتبكا في عام 528 م في حربٍ كُتب النصر فيها للحارث الغسَّاني.



وفي عام 544م تتجدَّد المعارك بين الحارث والمنذر، وينتهي الأمر بهزيمة الأمير الغسَّاني، وأَسْرِ أحد أولاده، ثم في سنة 554م تَنْشَب معركة رهيبة بين الرجلين على مَقْربة من قتشرين، تنتهي بقتل المنذر نفسه، وابن الحارث الغساني.



ولعلَّ هذه الأخبارَ هي التي عُرِفت في الأخبار العربيَّة بيوم حليمة؛ ذلك لأنَّ حليمة بنت الحارث - طبقًا للروايات العربية - كانت تحرِّض الرجال على القتال، وأنَّها سوف تكون زوجةً لمن يَقتل المنذر، وأنَّها كانت تُطيِّب المحاربين، وتُلبسهم الأكفان والدُّروع، وهذا اليوم له شهرةٌ بين أيام العرب في الجاهلية، فقد جاء ذكره في شعر النَّابغة الذبياني، كما جاء في الأمثال: "ما يومُ حليمةَ بسرٍّ".



وجاء بعد الحارث ولدُه المنذر (570 - 582)، وقد نهَج نَهْجَ أبيه في معاداة اللَّخْميين أتباع الفرس، وهكذا دارَتْ رحى الحرب بين الفريقين عام 570م لقي فيها اللَّخميُّون هزيمةً نَكْراء، وكُتب فيها النصر للمنذر الغساني.



وتسوء العلاقة بين المنذر والرومانيِّين البيزنطيِّين، فيَقبض عليه البيزنطيُّون، ويرسلونه إلى العاصمة البيزنطيَّة، ثم يتمُّ نفْيُه إلى صقلية عام 582م، فضلاً عن قطع المعونة السَّنوية عن الغسَّانين؛ مما أدَّى إلى تصدُّع مُلْك الغسَّانيين، وانقسام مملكتهم وأمرائهم شِيَعًا وأحزابًا، وحاول الرُّوم أن يَجِدوا بديلاً لهم في القبائل العربيَّة دون جدوى، حتَّى كانت هزيمةُ الرُّوم أمام الفرس، ودخول الفرس مصرَ، واستيلاؤهم على أنطاكية وبيت المقدس، حتَّى نجح هرقل في استعادة سوريا عام (619 م)، وربما استعمل الغساسنة مرَّةً أخرى؛ بدليل أنَّ الغساسنة حاربوا المسلمين مرارًا في جانب الرُّوم، حتَّى أوقع بهم خالدُ بن الوليد في "مَرْج الصَّقر" جنوب دمشق عام 634 م.



وترى المصادر العربية أنَّ جبَلة بن الأَيْهَم هو آخر ملوك الغساسنة، وأنَّه قد حارب المسلمين في جانب الرُّوم عام 636 م؛ على أن بعض الرِّوايات تَذْكر أنَّه أظهر الإسلام، ثم ارتدَّ إثْرَ واقعةٍ له مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ثم فرَّ إلى بلاد الروم، وارتدَّ عن الإسلام، وبقي هناك حتَّىوافَتْه منيَّتُه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-07-2022, 03:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (3)


أ. طاهر العتباني



مملكة كندة - مكة والمدينة


مملكة كندة:
أمَّا مَمْلكة كِنْدة، فيَكاد يُجمِع النَّسَّابون على أنَّ كِنْدة قبيلةٌ قحطانيَّة، تُنسَب إلى كِنْدة، وهو نور بن عُفَيْر بن عديِّ بن الحارث بن مُرَّة، الذي يَنتهي نسَبُه إلى كهلانَ بنِ سبأ، وأنَّ مَساكنهم كانَتْ في جبال اليمَن الشرقيَّة مِمَّا يلي حَضرموت.

على أنَّ عَددًا من الباحثين العرب يَعتَبِر الكِنْديِّين مُهاجرين إلى اليمَن مِن البحرين، ويَرى فريقٌ آخَر أنَّ الكِنديِّين عدنانيُّون، وأنَّهم كانوا يُقِيمون في مواطن العدنانيِّين.

وقد كانت كِندةُ ذاتَ كِيانٍ سياسي منذُ القرن الأوَّل قبل الميلاد، وأنَّ مَلِكها "مالكًا" قد شاركَ في حروبٍ وقعَتْ على أرض اليمَن؛ مِمَّا أوقعَها لتكون في نهاية الأمر تابعةً لدولة "سبأ وذي ريدان وحَضرموت ويمنات".

ويَذهب الأخباريُّون إلى أنَّ جَماعاتٍ مِن كِنْدة قد غادرَتْ مَواطنها في النِّصف الأوَّل من القرن الرَّابع الميلادي، واتَّجهَتْ شمالاً حتَّى نزلَتْ في مكانٍ دُعِي فيما بعد "غمر كندة" في نجد، وسبَب ذلك حربٌ كان قد استعَر أُوارها بين حضرموت وكِنْدة، ثُمَّ طال أمَدُها حتَّى كادت تَقْضي على الكِنْديِّين، ومِن ثَمَّ فقد اضْطُرُّوا إلى النُّزوح إلى الشمال؛ فرارًا بأنفُسِهم من الفناء.

ويَرى آخرون أنَّ السبب في نُزوح كِنْدة إلى الشمال أنَّ حسَّان بن تُبَّع كان أخًا لحجر آكل المرار من أمِّه، وأنَّ حسَّان كان قد دوَّخ بلاد العرب، وسار في الحجاز حوالَيْ عام 480 م، وعندما أراد العودة إلى اليمَن، ولَّى أخاه حجرًا على مَعَدِّ بن عدنان كلِّها، فنجحَ في ولايته، وأحسَنَ السِّيرة، حتَّى لَم يرضَوْا به بديلاً.

ومن هنا يتَّضح أنَّ تاريخ كِنْدة يتكوَّن من مرحلتين:
الأولى: تُمثِّل الهجرةَ من اليمن لِنَجْد.
الثانية: وتمثِّل مرحلة استقرار الكِنْديِّين في نجد، وتكوين إمارةٍ لهم بها، وهذه المرحلة الثانية تمثِّل التاريخ الصَّحيح الثابت لكِنْدة.

ولعلَّ الهدف من إقامة مَمْلكة كندة أنَّ التَّبابِعَة الذين تتبعهم مملكةُ كندة قد لَجؤوا إلى ذلك كوسيلةٍ للسَّيطرة على الطُّرق التِّجارية الشماليَّة التي كانت ترتادُها قوافلُ اليمن التجاريَّة، حتَّى يأمنوا اعتداءَ القبائل الشماليَّة عليه، وهكذا يتحقَّق لِمُلوك حِمْير ما حقَّقه الرُّوم من إقامة دولة الغَساسنة، والفرسُ من إقامة اللَّخميِّين، وتصبح كِنْدة لتبابعة اليمَن ما كان اللَّخميُّون للفرس، والغساسِنةُ للرُّوم.

كانت كندةُ مَمْلكةً أشبهَ ما تكون باتِّحادٍ قبَلي تَشْغل فيه قبيلةُ كندة الصدارة، وتتولَّى فيه الحكمَ أسرةٌ من أُسَرِها، وفي الرُّبع الأخير من القرن الخامس الميلاديِّ (480)، أصبح حجر بن عمرٍو آكل المرار ملِكًا على كندة في قلب نَجْد.

ويُسمَّى آكل المرار؛ لقصَّةٍ، خلاصتها: أنَّ حجرًا قد سار بِقَبائل ربيعة لِغَزو البحرين، فعَلِم بذلك زيادُ بن الهولة من سُلَيح، فأغَار على كندة، وقتَل مَن وجد من الرِّجال، واستولَى على الرِّجال، وسبَى النِّساء، ومِن بينهم هند زوج حجر نفسه، وما إن يعلم حجرٌ بِهذا الأمر حتَّى يسرع، فيُدْرك زيادًا أو يرسل رجالاً ليأتوه بزياد أو بِخبَره، وهنا يعلم أنَّ هند زوجه إنَّما هي الَّتي سهَّلت الأمر ورضيَتْ عمَّا حدَث، وأنَّها طلبَتْ من زيادٍ النجاءَ من وجه حجر، وما إن يَسمع حجرٌ هذه الأخبارَ حتَّى يعبث حجرٌ بالمرار (نبات له حبٌّ مُرُّ الطَّعم)، ويأكل منه غضَبًا وأسفًا، ولا يشعر أنه يأكل منه؛ لشدَّة غضبه، فسُمِّي يومئذٍ بآكل المرار، ثُمَّ يلحق حجرٌ بزياد، ويستردُّ ما سلَبَه من مالٍ وغنيمة وسَبْي، ويأخذ هندَ، فيَرْبطها في فرَسين ثم يركضهما، فيشقُّها نصفين على رواية، وأنَّه قد أحرقها على روايةٍ أخرى.

ثم عاد أدراجَه إلى الحيرة، وحجر آكِلُ المرار ولَدُه المعروف بالمقصور، الَّذي كان على علاقةٍ طيِّبة بملوك اليمَن، ومِن ثَمَّ فقد تزوَّج بنتًا لحسَّان بن تُبَّع أسعد الأكبر، كما كان على علاقةٍ طيبة باللخميِّين؛ فقد تزوَّج الأسودُ بن المنذر "مَلِك الحيرة" من أمِّ الملِك ابنة عمرو بن حجر المقصور، فولدَتْ له النُّعمان بن الأسود.

وقد ثارت على عمرِو بن حجر هذا قبائلُ ربيعة، وذلك حين انتهزَتْ فرصة الضَّعف في آل كندة على أيَّامه، وكان قد ظهَر في تَغْلب في نفس الوقت رَجلُها القويُّ وائل بن ربيعة، المعروف بِكُليب وائل، أو أنَّ قبائل ربيعة قد انحازَتْ من تِلْقاء نفسها إلى كليب.

وكُلَيب بن ربيعة هو الذي قامت على إثره فتنةُ حرب البَسُوس؛ حيث تقول الرِّوايات: إنَّه قتل ناقةَ البسوس خالة جسَّاس بن مرة، فقام على إثرها جسَّاس بِقَتله، فاشتعلَتْ حرب البسوس بين بكرٍ وتَغْلب طوال أربعين عامًا، تُمثِّل الحِقْبة الأولى التي ينتمي إليها الشِّعرُ الجاهلي.

وجاء بعد عمرٍو ولَدُه الحارث، وقد اختلفَ المؤرِّخون في فترة حُكمِه؛ هل هي (495 - 528 م) أو (495 - 524 م)؟ وعلى أيِّ حالٍ، فقَدْ كان الحارث أقوى ملوك كِنْدة قاطبة، وأشدَّهم بأسًا، وأكثرَهم طُموحًا، وقد ساعدَتْه الظُّروف، فأصبح أعداؤه مِن بني بَكْر وتغلب بعد حرب البَسوس في حالة ضعفٍ شديد، ومن ثَم فقد نَجح في أن يُعيد سُلطانَه على قبائل ربيعة ونجد، وعلى بَنِي أسَد، وبني كنانة وبني بكر.

وتَذْهب الرِّوايات العربيَّة إلى أنَّ الحارث قد نجحَ في توسيع مَمْلكة كندة حتَّى استَطاع آخِرَ الأمر أن يَضمَّ إليه مُلكَ آل لَخْم، وأن يجلس على عرشهم في الحيرة نفسها، مُنتهِزًا الفرصةَ التي أتاحتها الظُّروف التي كانت تَمرُّ بها الدُّول الشماليَّة؛ (الرَّوم والفرس، والغساسِنَة والمَناذرة)، ومن ثَم فقد بدأ في عام 497 بِغَزو فلسطين، إلاَّ أن الحاكم الرومانيَّ ألحق بجيشه الذي كان بقيادة ولَدِه حجر - والدِ امرئ القيس الشَّاعر - هزيمةً مُنكَرة، وبعد هذه الوَقْعة يعقد الحارثُ معاهدةً تنصُّ على أن يَتْرك آلُ كِنْدة مُهاجمةَ أهل الشام، وأن يتَعاونوا مع الرُّوم على قتال الفُرْس والمَناذرة، وهكذا قام الرُّوم بعد ذلك بِمُساعدة الحارث في الهجوم على الحيرة.

كذلك كانت هناك علاقاتٌ بين الفُرس ومَمْلكة كندة، حتَّى عرض قباذ على الحارث الكِنْدي المزدكيَّة، فأسرع بإجابته إليها، فأقامه مقام المنذر على عرش الحيرة، وهكذا اتَّسع ملك الحارث، وجعل أولاده ملوكًا على القبائل، فكان حجر على بني أسَد وغطفان، وشرحبيل على بكر بن وائل بأَسْرها، وعدد من القبائل الأخرى، وكان مَعْد يكرب على قيس عيلان، وكان سلَمةُ على بني تَغْلب والنَّمر بن قاسط.

وهناك روايةٌ ترى أنَّ الحارث إنَّما صعد إلى عرش الحيرة بِمُساعدة قبائل العرب له، منتهزين فرصة ضعف قباذ ملك الفُرْس.

على أنَّ هناك روايةً أخرى تَذْهب إلى أنَّ النُّعمان بن المنذر بنِ ماء السَّماء قد لَقي مصرعَه في معركةٍ دارَتْ رحَاها بينه وبين الحارث الكِنْدي.

وبعد الحارثِ بن عمرٍو جاء حجرُ بن الحارث الذي قتل بعض إخوته إثر التَّنازع على الملك بعد موت الحارث.

وحجر بن الحارث هو أكبَرُ أبناء الحارث وأعظمهم جاهًا، ومِن ثَمَّ فقد انتقلَ إليه عامَّة ملك كندة، ولكن بني أسد وغيرها مِن القبائل بدأَتْ تخرج عليه، حتَّى قتلَتْه بنو أسَد في حربٍ دارت بين حجر والأسَديِّين حين امتنعَتْ بنو أسد عن أداء الإتاوة التي تؤدِّيها إلى حجر.

وهذه الحرب قد خلَّدتْها سجِلاَّت الشِّعر الجاهلي في قصائد الشَّاعر عبيد بن الأبرص، كما أنَّ أخبار امرئ القيس الشاعر قد ارتبطَتْ بقوة بما دار في هذه الحرب بين كندة وأسَد.

وامرُؤ القيس بن حجر الشَّاعر هو أصغَرُ أولاد حجر بن الحارث الكنديِّ من زوجه فاطمة بنت ربيعة بن الحارث التغلبيَّة، أخت مهلهَل، وكليب بن وائل.

ويُعرَف امرؤ القيس بالمَلِك الضلِّيل، وبذي القُروح، ويتَّجِه بعضُ الباحثين إلى أنَّه قد وُلِد في عام 500 م، وتوُفِّي في أنقرة أثناء عودتِه من القسطنطينيَّة فيما بين عامي 530 - 540 م، وقد جَدَّ امرُؤ القيس في أن يأخذ بِثَأر أبيه بعد أن فشل أعمامُه وإخوته في ذلك، وقد نزل على بكرٍ وتغلب، وسألَهم النَّصر على بني أسَد، ولكنَّ بكرًا وتَغْلِب أبتَا الاستمرار في القتال معه بعد أن ألحقَ هزيمة قاسيةً ببني أسد.

ومن هنا قرَّر امرُؤ القيس أن يَذْهب إلى القسطنطينيَّة، مستنجِدًا بملك الرُّوم، وقد دفعَتْه حاجته إلى المال إلى أن يَذْهب إلى تيماء، وأن يَرْهن سِلاحَه ودُروعَه عند السَّموءل بن عادياء اليهوديِّ صاحب حِصْن الأبلق.

وقد قيل: إنَّه تركَها عند السموءل وديعةً، ثم كتبَ له كتابًا إلى الحارث بن أبي شمر الغسَّاني، يطلب إليه فيه أن يتوسَّط لشاعر كِنْدة عند الإمبراطور الرومانيِّ؛ لِيُساعده على الانتقام من قتَلةِ أبيه وصاحبه، وأنَّ ملوك الحيرة وهم عُمَّال الفرس أعداء الرُّوم قد مَدُّوا لتلك القبائل - التي قتلَتْ حجرًا آخِرَ مُلوكِ كِنْدة - يدَ العون.

ويَصِل امرؤ القيس إلى القسطنطينيَّة، ويستقبله ملكُ الروم استقبالاً حسَنًا، وإن لَم يُقدِّم له المساعدة المطلوبة؛ فالنجدة الَّتي طلبَها امرؤ القيس كبيرةٌ جدًّا، والجيش الروميُّ لَم يكن مستعِدًّا للقتال في الصَّحراء، ثم إنَّ الغاية التي جاء من أجلها امرُؤ القيس - وهي الأخذ بثأر رجلٍ واحد - كانت بعيدةً عن سياسة الرُّوم ومألوفِهم، فضلاً عن أنَّ الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة كانت مشغولةً بِهَجمات البَرابرة، مِمَّا جعلَها في حاجةٍ إلى الدِّفاع عن نفسها أوَّلاً.

وهناك مَن يذهب إلى أنَّ الإمبراطور قد أكرمَ امرَأ القيس، وأصبحَتْ للشاعر الكِندي مَنْزلة رفيعةٌ عنده، وأنَّه كان يَدْخل معه الحمَّام، وأن امرأ القيس قد أقام علاقةً مع ابنة القيصر، فبلغ ذلك بني أسَد، فأرسلوا رجلاً منهم يُدْعى الطماح، وصلَ في وقت سَيَّر فيه القيصرُ مع امرئ القيس جيشًا كثيفًا، وهُنا أعلم الطماح القيصر بقصَّة ابنته مع امرئ القيس، فبعث القيصرُ إلى امرئ القيس بِحُلَّة مَسْمومة، ما أن لبسها امرؤ القيس حتَّى أسرع فيه السُّم، وسقط جلده؛ ولذلك سُمِّي بذي القُروح، ثم مات في أنقرة.

وبِمَوت امرئ القيس، انقطع آخِرُ أمَل في استِعادة بني آكل المرار لِمُلكهم في كندة، وأسرع الحارثُ بن أبي شمر الغسَّاني - على روايةٍ أخرى - وبأمرٍ من المُنذِر ملك الحيرة إلى السَّموءل بن عادياء في حِصْنه الأبلق في تيماء، وطالبَ بِدُروع امرئ القيس وما ترك عنده من ودائع، غير أنَّ السموءل أبَى التفريط في دروع الشَّاعر الكندي وودائعه، ومِن ثَمَّ فقد ذبحَ الحارثُ ابنَه، وضُرب المثل بالسموءل في الوفاء.

على أنَّ هناك مَن يشكُّ في نسَب السموءل أوَّلاً، وفي صحَّة قصته مع امرئ القيس ثانيًا.

وبعد نهاية دولة بني آكل المرار، بقيَتْ إمارة كنديَّة في حضر موت، فضلاً عن إمارات أخرى حكَمها أمراء صغار لا تتجاوز سُلْطة الواحد منهم مدينةً أو واديًا، وأشهَرُ تلك التي كانت في دَوْمة الجَنْدل والبحرين ونجران وغمر كِنْدة.

وفي عهد النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاء وَفْد كِندة على رأسه الأشعب بن قيس بن معد يكرب إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في عام الوفود.

مكة والمدينة:
بقي أن نُشير إلى موقع المدينتَيْن مكَّة المكرمة، والمدينة المنورة (يثرب) في تاريخ العرَب القديم.

أمَّا مكَّة، فليس من شكٍّ في أنَّها أهمُّ مواضع الحضَر في الحجاز على الإطلاق، وترجِعُ نشأتُها الأولى إلى عهد إبراهيم الخليل، وولَدِه إسماعيل - عليهما السَّلام - وذلك في النِّصف الثاني من القرن التَّاسعَ عشر قبل الميلاد، وقد قام إسماعيلُ فيها يَدْعو إلى عبادة الله تعالى، وقام بَنُوه بعده على السُّلطة الزمنيَّة، وخِدْمة بيت الله الحرام.

وتاريخ بني إسماعيل في مكَّة مِن هذه الفترة وحتَّى عهد قُصَيِّ بن كِلاب غامِضٌ غموضًا شديدًا، ولعلَّ أهم ما يميِّز عصر سيادة قُصيِّ بن كلاب على مكَّة هو أنه جَمع أمر مكَّة في يديه، وورَّثه لأبنائه من بعد أن أزاحَ الخُزاعيِّين عنها منتصفَ القرن الخامسِ الميلادي.

ومن هنا، فإنَّ قصيًّا هو أوَّل رئيسٍ مِن رؤساء مكَّة، وقد أوجدَ من النُّظم في تنظيم الحجِّ لبيت الله الحرام ما بَقِي بعده مُددًا طويلة، وقد كان من أهمِّ أعماله إنشاءُ دار النَّدوة؛ حيث كان يُدار فيها تحت رئاسته كلُّ أمرِ قريش، وما أرادوه من حربٍ أو تجارة أو مَشورة أو نكاح.

ثُمَّ كان هو أوَّل من جدَّد بناء الكعبة مع قريش، وكان يتَقاضى ضريبةً من قريش تَدْفعها من أموالها إليه؛ لِيَصنع منها طَعامًا للحَجيج، وقد أنجبَ قصيٌّ ثلاثةَ أبناء؛ هم عبدالدَّار وعبدمناف وعبدالعُزَّى، قد كان عبدُمناف أكثرَ الثلاثة شهرةً ورِفعة ومهابة، وكان يتولَّى السِّقاية والرِّفادة، أمَّا الحجابة واللِّواء ورياسة دار النَّدوة، فكانت لعبدالدار ولِبَنيه مِن بعده.

وتولَّى هاشِمُ بن عبدمناف السِّقاية والرِّفادة بعد أبيه.

وفي عهد عبدالمطَّلب بن هاشمٍ يتمُّ حَفْر بئر زمزَم، ويتمُّ في عهده كذلك حَملةُ أبرهة الأشرم على البيت الحرام، ورجوعها مهزومةً تلك الهزيمة المنكرة.

وأمَّا مكانة مكَّة في العصر الجاهلي، فبِرَغم وجود البيوت الحرام في بلاد العرب؛ كبيتِ الأُقَيصر، وبيت ذي الخلصة، وبيت صَنْعاء، وبيت نَجْران وغيرها من البيوت الحرام، فإنَّ واحدًا منها لَم يجتمع له ما اجتمعَ لِمكَّة؛ وذلك لأنَّها كانت مُلتقى القوافل بين الجنوب والشمال، وبين الشرق والغرب، وإن لَم يكن فيها سيادةٌ قاهرة على تلك القبائل في باديتها، أو في رحلاتها، فليست في مكَّة سلطةٌ مركزية كدولة التَّبابعة في اليمن، أو المناذرة في الحيرة، أو الغساسنة في الشام، وليس من وراء أصحاب السُّلطة فيها سلطانٌ كسلطان الرُّوم أو الفرس أو الأحباش الذي كان وراء الإمارات العربيَّة التي ذكَرْناها، وإنَّما كانت مكَّة بِمَثابة عبادةٍ وتِجارة، وليست حوزة ملك يستبدُّ بها صاحبُ العرش فيها، ولا يُبالي من عداه.

كما كان الموقع الجغرافيُّ سببًا في أن يَجعل المدينة المقدسة عقدةً تتجمَّع عندها خطوطُ الحياة التِّجارية والدينيَّة للعرب.

كما كان الأساسُ الذي قامت عليه مكانةُ الكعبة أنَّ البيت الحرام بِجُملته كان هو المقصودَ بالقدَاسة، غير منظورٍ إلى الأوثان والأصنام التي اشتملَ عليها، ورُبَّما اشتمل على الوثَن المعظَّم، تقدِّسه بعضُ القبائل، وتَزْدريه أخرى، فلا يغضُّ ذلك من مكانة البيت عند المعظِّمين والمُزدَرِين، واختلفَت الشَّعائر والدَّعاوي التي يدَّعيها كلُّ فريق لصنَمِه، وورثته، ولَم تختلف شعائر البيت كما يتولاَّها سدَنتُه المقيمون إلى جواره، والمتكفِّلون بخدمته، فكانت قداسة البيت هي القداسة التي لا خلاف عليها بين أهل مكَّة وأهل البادية.

وأمَّا المدينة المنوَّرة (يثرب)، فهي ثانِي مدُن الحجاز بعد مكَّة، وواحدة من أمَّهات المراكز الزِّراعية في بلاد العرب، وقد ذكرَتْ في الكتابات المَعِينيَّة أن النسَّابين يرَوْن أنَّ سُكَّان يثرب من العرب هم من الأَزْد القحطانيِّين، وكان بها في الجاهليَّة سوقٌ كبيرة.

وتاريخ يثرب القديم مجهولٌ، ويَرى الأخباريُّون أن سُكَّان يثرب إنَّما كانوا مِن العماليق ثم اليهود، ثم العرب من أوس وخزرج، وأنَّ العماليق كانوا أوَّل مَن زرَع الزَّرع والنَّخيل، وعمَّر الدُّور والآكام، واتَّخذ الضِّياع.

ويَذْهب فريقٌ آخَر من المُؤرِّخين إلى أنَّ وجود اليهود في يثرب يَرْجع إلى القرن الأوَّل والثاني بعد الميلاد؛ حيث هاجَروا بعد السَّبْي البابلي وبعد تدمير بيت المقدَّس على يد (تيطس) الرُّوماني عام 70 م.

وقد عُرف مِن قبائل اليهود في المدينة بنو النَّضير وبنو قريظة وبنو قَيْنقاع وقرية خَيْبر، ويَروي الأخباريُّون أنَّ القبائل العربيَّة من أوسٍ وخزرج قد هاجرَتْ من اليمن إلى يثرب، فأقام الأوسُ والخزرج مع اليهود وعقَدوا معهم حِلفًا يأمن به بعضُهم إلى البعض، ويَمْتنعون به مِمَّن سواهم.

وقد ذهبَت المصادِرُ إلى أنَّ الحرب بين الأوس والخزرَج استمرَّت مائةً وعشرين عامًا حتَّى جاء الإسلامُ، كما ذكرَتْ هذه المصادرُ أنَّ هذه الحرب لَم تبدأ بين الحيَّيْن العربيَّين إلاَّ بعد سيادتهم على المدينة حيث أصبح اليهودُ تابعين لهم، وإن كان بِيَدهم من اقتصاد المدينة ما لَيس للأوس والخزرج.

وقد انتشرَتْ في الجزيرة عدَّة مدُن تَلِي في الأهَمِّية مكَّة والمدينة؛ مثل: الطَّائف إلى الجنوب الشرقيِّ من مكَّة وتيماء إلى الشَّمال مِن يثرب ودومة الجَنْدل والحجر في شمال الجزيرة.

على أنَّ العصر الجاهليَّ الذي ينتمي إليه الشِّعرُ الجاهليُّ - ويُسمَّى العصرَ الجاهليَّ الثاني؛ تمييزًا له عن العصر الجاهلي الأوَّل الذي يمتدُّ إلى الوراء حتَّى دولة حمير - إنَّما يَبْدأ من أواخر القرن الخامس الميلاديِّ في مدَّة زمنيَّة لا تزيد عن 150 عامًا، هي عمر تلك الفترة الممتدَّة من بداية عصر البَسوس، مُرورًا بعصر داحس والغَبْراء، وانتهاءً بعصر ذي قار الذي وقعَتْ في خِتامه وقعةُ ذي قارٍ بين الفُرس والعرَب، والَّتي انتصرَ فيها العرب على الفرس، وخلَّدَها الشِّعر الجاهليُّ في الفائيَّة الشهيرة:
لَوْ أَنَّ كُلَّ مَعَدٍّ كَانَ شَارَكَنَا
فِي يَوْمِ ذِي قَارَ مَا أَخْطَاهُمُ الشَّرَفُ



فأمَّا عصر البسوس، فهو العصر الذي وقعَتْ فيه حرب البسوس ما بين عام 485 - 525 م تقريبًا، والتي كان سببها قَتْل كليب بن ربيعة من تَغْلب على يد جسَّاس بن مُرَّة من بكر، على إثر قَتْل الأوَّل ناقةَ البسوس خالة جسَّاس، فقام بإشعال نار الحرب مُهلهَلُ بن ربيعة الشَّاعر الجاهليُّ المشهور.

وفي الحقبة الثانية - حِقْبة داحس والغبراء - دارَت الحربُ ما يزيد على أربعين عامًا بين عَبْس وذُبْيان، على إثر خلافٍ نَشِب في سباقٍ للخيل بين داحس (فرَس لقيس بن زهير سيِّد عَبْس) والغبراء (مُهْرة لحذيفة بنِ بدر سيِّد ذُبيان).

أمَّا الحقبة الثالثة من حِقَب العصر الجاهليِّ الذي ينتمي إليه الشِّعر الجاهليُّ، فهي التي تنتهي بحرب ذي قارٍ كما ذكَرْنا.

بِهذه الصُّورة التاريخيَّة؛ نكون قد وضَعْنا أمامَ القارئ صورةً تاريخيَّة موجزة للعصر الجاهليِّ، نراها ضروريَّة لِقُرَّاء الشِّعر الجاهلي، وتذوُّق القصيدة الجاهليَّة بشكلٍ عام.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-07-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (4)


أ. طاهر العتباني



الوضع الاجتماعي - البناء القبلي للمجتمع العربي في العصر الجاهلي



يُقسِّم علماءُ الأَنْساب القبائلَ العربية في الشمال إلى قسمين كبيرَيْن: قِسْم عدناني مُضَري، وهم عرَبُ الشمال الَّذين انْحدَروا من عدنان ونِزار ومُضَر، وقسم قَحْطاني ينحدر مِن قحطان من الجنوب.

وهذا القسم الجنوبِيُّ في الشمال قد هاجرَ من اليمَن وحضرموت، وعاش بين العرب الشماليِّين.

ومَن يرجع إلى الشِّعر الجاهلي يَجِد فيه الفخرَ بالعدنانيَّة والمُضَرية، والقحطانيَّة واليمنيَّة، ويَجِد العصبيَّات مشتعلةً بين القبائل على أساس الاشتراك في الدَّم، وفي أبٍ واحد، وأمٍّ واحدة.

وقد اختلفَ النسَّابون في أصل بعض القبائل العربيَّة؛ مثل: خُزَاعة وقُضاعة وخثعم، على أنَّ الرأي الصحيح أنَّ هذه القبائل قحطانيَّة؛ فمِن الثَّابت أن القحطانيِّين هاجَروا إلى الشمال في ظروفٍ مُختلفة، وأنَّ هذه الهجرات قد بدأت منذ أزمانٍ مُبكِّرة، فقد كان المعينيُّون يَصِفون حاميات في طُرق قوافلهم التِّجارية، وبعد ضعف الدَّولة الحميريَّة هاجرَ كثيرٌ من الجنوبيِّين إلى الشمال، ومن ذلك أنَّنا نجد للقبيلة الواحدة فروعًا وشُعبًا مختلفة في الجزيرة العربيَّة؛ فكِنْدة هاجرَتْ إلى الشمال، وأسَّست لها مَمْلكة في شمالي نَجْد - كما مرَّ بنا - ثم عادَتْ بقاياها مرَّة ثانية إلى الجنوب؛ لِتَلْحق بِمَن بَقي منها في الجنوب بعد انتِهاء مَمْلكتها في بداية القرن السَّادس الهجريِّ، وكانت عشائِرُ من إياد لا تَزال تَنْزل شمالِيَّ نَجْران، بينما هاجرَتْ عشائرُ أخرى إلى منطقة الفرات شمالَ الجزيرة.

أمَّا الأَزْد فقد توزَّعَت عشائِرُها بين شماليِّ اليمن وعمان والمدينة؛ حيثُ الأوسُ والخزرج، وشمالي الجزيرة في الشام؛ حيث الغسَاسنةُ، كما هاجرت تَنوخ إلى البحرين، واستقرَّتْ في جنوبي العراق، حيث أسَّست عشائرها دولةَ المَناذرة اللخميِّين في الحيرة - كما مرَّ بنا - ونزحَتْ قبيلة طَيِّئ إلى الشمال، واستقرَّت في جبلَيْ أجأ وسلمى، كما هاجرَتْ قبائل هَمَذان من حضرموت إلى الجوف اليمنيِّ بين مأرب ونَجْران.

وهاجرَتْ قبائلُ أخرى إلى شماليِّ الحجاز، وانتشرَتْ في منطقة الشَّام، وأهَمُّها قُضاعة وجُهَينة، وبلى وبهراء، وجذام وكلب، وعاملة في مساكن ثمود وحدود فِلَسطين، كما نزلَتْ عذرة في تَيْماء ووادي القرى.

ومِمَّن هاجرَ من الجنوب خُزاعة الَّتي كانت بمكَّة، وبجيلة التي كانت تَنْزل بالطَّائف.

هذا بالنِّسبة للقبائل ذات الأصل القحطاني، أمَّا العرب الشماليُّون فأهَمُّ قبائلِه هم القُرَشيُّون بمكَّة، وثقيف بالطائف، وعبدالقيس في البَحْرين وبنو حَنِيفة في اليمامة، وتميم وضبَّة في صَحْراء الدَّهناء، وبكر ذات العشائر الكثيرة الممتدَّة من الشمال الشرقي للجزيرة إلى اليمامة والبحرين، وإلى بَكْرٍ يرجع بنو حَنيفة، وبنو عِجْل، وشَيْبان، وذُهل.

كذلك من قبائل الشمال تَغْلِب، وأسَد، وكِنانة، وهُذَيل بالقُرب من مكَّة، وقيس عيلان في نَجْد، وأهمُّ عشائرها وقبائلها هوازِنُ وسليم وعامر ومُزَينة وغَطفان، والفرعان الكبيران عَبْس وذُبْيان.

وقد كان العرَب في الجاهليَّة يتمسَّكون بهذا البِناء القبَلي الَّذي يقوم على أساس اشتِراك أبناء القبيلة في أصلٍ واحد وموطنٍ واحد، وهو موطنٌ متنقِّل مع المراعي، كذلك اشتراكها في أعرافٍ وتقاليدَ واحدة تتمسَّك بها تَمسُّكًا قويًّا؛ حيث يوثِّق الصِّلة بين أفرادها العصبيَّة القبليَّة.

وقد كان يَجْمع بين عددٍ كبير من القبائل مُعاهدات الأحلاف الَّتي لعبَتْ دَورًا كبيرًا في تكوين القبائل؛ إذْ كانت العشائر الضعيفةُ تنضَمُّ إلى العشائر القويَّة الكبيرة؛ لِتَحميها وتردَّ عنها العدوان، وعندما تقع الاختلافات والفُرقة في التنافس على الماء والكَلأ في دارٍ مثل هذه التَّحالفات، وتتقوَّى القبائل بعضُها ببعض.

وما أن تَدْخل القبيلة في حِلْف، حتَّى يُصبِح لَها على أحلافها كلُّ الحقوق؛ فهُم يَنْصرونَها على أعدائها، ويَردُّون عنها غائلةَ غيرها مِن القبائل، وقد يَحْدث أن تَنفصِل بعضُ قبائل الحِلْف؛ لتنضمَّ إلى أحلافٍ أخرى، تُحقِّق من خلال ذلك مصلحةً بِعَينها، ومِن ثَمَّ كان هناك دائمًا أحلافٌ تضعف، وتحلُّ محلَّها أحلافٌ أخرى.

وأصل الحِلْف من الحَلِف - بفتح الحاء، وكسر اللام - بِمَعنى اليمين؛ فقد كانوا يُقْسِمون أيمانًا على عهودهم، وكانوا ربَّما غمَسوا أيديَهم في طِيب، أو دمٍ عند عَقْد هذه الأحلاف، ويقولون: "الدَّم الدم، والهَدْم الهدم، لا يَزيد العهد طلوع الشَّمس إلا شدًّا، وطول اللَّيالي إلاَّ مدًّا"، وربَّما أوقدوا نارًا عند تَحالُفهم، ودعَوا الله على مَن ينكث العهد بالحرمان مِن مَنافع الحلف.

ومِن الأحلاف المشهورة في مكَّة: حِلْف المطيبين، وفيه تعاقدَ بنو عبدمناف، وبنو زُهْرة، وبنو تَميم، وبنو أسَد ضدَّ بني عبدالدار وأحلافهم، ويُقال: إنَّهم غمَسوا أيديَهم في جَفْنة مَملوءةٍ طِيبًا.

ومن الأحلاف المشهورة: حِلْف الفضول، وفيه تحالفَتْ قريشٌ بقبائلها على ألا يَجِدوا بمكَّة مظلومًا، إلاَّ نصَروه، وقاموا معه حتَّى تردَّ مظلمتُه، وقد حضرَه النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومن أحلافهم المشهورة: حلف الحمس بين قريش وكنانة وخزاعة وحلف الرباب، بين قبائل ثَوْر وتَيْم وعكل وعديِّ، وحلف عَبْس وعامر ضد ذُبْيان، وأحلافها من تَميم وأسَد.

وقد كان للقبائل العربيَّة مجلسٌ يضمُّ شيوخَ العشائر، يَنْظرون فيه شؤونَ قبيلتِهم، وكل فردٍ يَسْتطيع أن يَحْضره وأن يتكلَّم فيه ولَم يكن له موعدٌ محدَّد ولا مكان محدَّد، وكلَّما حزبَ أمر أو جدَّ شأن، تناقَشوا فيه وتَحاوروا، ورُبَّما قام بعضهم خطيبًا أو شاعرًا أو منشِدًا، وفي أثناء ذلك رُبَّما أدلَى شيوخُهم وحُكَماؤهم بخلاصة تَجاربهم في الحياة.

يقول زهيرُ بن أبي سُلْمى في مدح هرم بن سنان وقومِه، ذاكِرًا منتدى قومه:
وَفِيهِمْ مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُمْ
وَأَنْدِيَةٌ يَنْتَابُهَا القَوْلُ وَالفِعْلُ

وَإِنْ جِئْتَهُمْ أَلْفَيْتَ حَوْلَ بُيُوتِهِمْ
مَجَالِسَ قَدْ يُشْفَى بِأَحْلاَمِهَا الْجَهْلُ



وما يَصْدر عن هذه المَجالس يُذعِن له أفرادُ القبيلة، ولا يكاد يشذُّ عنهم أحد.

وغالبًا ما يتَقدَّم شيوخَ القبيلة شيخٌ مُجرِّب كبير، هو سيِّد القبيلة، له حِكْمةٌ وحنكة، وسداد في الرَّأي، وسَعَة في الثَّروة، وهو الذي يقود حروبَ القبيلة، ويقسم غنائمها، مستأثِرًا منها بنصيبٍ كبير، يتَناسب مع موقعه، يقول الشَّاعر:
لَكَ الْمِرْبَاعُ فِينَا وَالصَّفَايَا
وَحُكْمُكَ وَالنَّشِيطَةُ وَالفُضُولُ



وهذه كلُّها أسماء أقسام الغنيمة الَّتي يَحُوزها شيخ القبيلة.

كما أنَّ شيخ القبيلة يَستقبل الوفود، ويَعقِدُ الصُّلحَ والمُعاهداتِ والأحلافَ، ويُقيم ولائم الضِّيافة، على أنَّ سيادة شيخ القبيلة لَم تكن سيادةً واسعة، وإنَّما هي سيادة رمزيَّة، ولكنه - على أيِّ حال - شخصٌ ألْمعِي، حنَّكَتْه التَّجارب، وغالِبًا ما ورث سيادتَه عن آبائه حتَّى يتمَّ له الحسَب الرَّفيع، وليس له أيُّ حقوقٍ سوى توقيره.

وأمَّا واجبات شيخ القبيلة وصِفاته، فهي كثيرة، ومنها: الكرَم والشَّجاعة والنجدة، وإعانة الضَّعيف والجار، وهو يتحمَّل أكبر قسطٍ من ضرائر القبيلة، وما تتحمَّله من الدِّيات، كما أنَّ عليه أن يتَّصف بصفة الحِلْم والصَّفح والتَّسامُح مع أفراد قبيلته؛ يقول معاويةُ سيِّدُ بني كلاب، واصِفًا نفسه كسَيِّد:
إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ عُصْبَةٍ مَشْهُورَةٍ
حُشُدٍ لَهُمْ مَجْدٌ أَشَمُّ تَلِيدُ

أَلْفَوْا أَبَاهُمْ سَيِّدًا وَأَعَانَهُمْ
كَرَمٌ وَأَعْمَامٌ لَهُمْ وَجُدُودُ

إِذْ كُلُّ حَيٍّ نَابِتٌ بِأَرُومَةٍ
نَبْتَ العِضَاهِ فَمَاجِدٌ وَكَسِيدُ

نُعْطِي العَشِيرَةَ حَقَّهَا وَحَقِيقَهَا
فِيهَا وَنَغْفِرُ ذَنْبَهَا وَنَسُودُ



وَإِذَا نُوَافِقُ جُرْأَةً أَوْ نَجْدَةً
كُنَّا - سُمَيَّ - بِهَا العَدُوَّ نَكِيدُ

بَلْ لاَ نَقُولُ إِذَا تَبَوَّأَ جِيرَةٌ
إِنَّ الْمَحَلَّةَ شِعْبُهَا مَكْدُودُ



وكلُّ أفراد القبيلة جميعًا يضَعون أنفسهم في خدمتها وخِدْمة حقوقها، كما أنَّ القبيلة من جانبها تُعطي لأبنائها نفْسَ الحقوق؛ فهي تَنْصرهم ظالِمين أو مَظْلومين، وتَسمع لهم في شكواهم دون طلبِ البُرهان على ما يقوله ابنُ القبيلة، وما يدَّعيه من حقوقٍ لغيره:
لاَ يَسْأَلُونَ أَخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ
فِي النَّائِبَاتِ عَلَى مَا قَالَ بُرْهَانَا



ولِهذا فحَسْب أحدِهم أن يَستغيث بقبيلته، فإذا السُّيوف مشرَّعة، وإذا الدِّماء تَسْفح لأبسط الأسباب وأهوَنِها.

وقد تَحوَّلوا - بسبب اختِصامهم على المراعي - إلى كتائب حربيَّة؛ فكلُّ قبيلة مستعدَّة للحرب والإغارة والغَزْو على مَن حولَها مِن القبائل؛ ولذلك كانت الشَّجاعة مثَلَهم الأعلى؛ فهم دائمًا يفتخرون ببطولاتهم، وبِعَدد مَن قُتِلوا في حروبِهم؛ مِمَّا يَدور في أشعارهم.

وفي شعر الجاهليَّة تجد الاعتداد بالسُّيوف والرِّماح، والقسي والدُّروع والتُّروس، كما تجد فيه كلامًا عن أيَّامهم الحربيَّة مِمَّا عرف باسم: "أيَّام العرب"؛ حيث كانوا يسمُّون حروبَهم أيَّامًا؛ حيث كانوا يُحاربون نهارًا، ويَسْكنون ليلاً، حتى يطلع الصباح، فيَستأنفون القتال من جديد.

وأيَّام العرَب وحروبُهم كثيرة جدًّا، وهي موجودةٌ في كتب الأدَب والتَّاريخ؛ مثل: كتاب أبي عُبَيدة المُتوفَّى سنة 211 الذي كان عَددُ أيَّام العرب فيه على ما يقال ألفًا ومائتَيْ يومٍ من أيَّامهم، وقد قيل كذلك: إنَّ كلَّ من جاء بعد أبي عُبيدة اعتمد على هذا الكتاب الَّذي لَم يَصِل إلينا.

وقد ذُكِر عدَدٌ كبيرٌ منها في شَرْح نقائض جرير والفرَزْدق، وفي كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، وفي شرح "حماسة أبي تمام" للتبريزي - كثيرٌ حول أيَّام العرب، كما تناول الميدانِيُّ في الفصل التَّاسع والعشرين من كتابه: "مَجْمع الأمثال" مائة وثلاثين يومًا من أيَّام العرب، ضبطَ أسماءها، وذكَر القبائل التي اشتركَتْ في كلٍّ منها.

وتُسمَّى هذه الأيام غالبًا بأسماء البِقاع والآبار التي نشبَتْ بِجانبها؛ مثل يوم عين أباغ عند عين أباغ بين المَناذِرَة والغَساسِنة، ومثل يوم ذي قار، وكان بين بكرٍ والفُرْس، ويوم شِعْب جبلة بين عبْسٍ وذُبْيان.

وقد تُسمَّى بأسماء ما أحدث اشتعالها؛ مثل حرب البسوس باسم ناقة البسوس خالة جسَّاس بن مُرَّة، الَّتي قتلَها كليبُ بن ربيعة، فاشتعلَت الحرب بسببها، عندما ثار جسَّاس بن مرَّة، وسنحَتْ له فرصةُ قتل كُلَيب، فقتَلَه، فاهتاجَت الحرب بين بَكْر وتغلب.

ومثل حرب داحس والغَبْراء الَّتي نَشِبَت بسبب النِّزاع الذي دار على إثر سِبَاق بين "داحس" فرَسٍ لِقَيس بن زهير سيِّد عبس، و"الغَبْراء" فرسٍ لِحُذيفة بن بدر سيِّد ذُبْيان، حيث أوشكَ داحس أن يَفوز، غير أنَّ رجلاً من ذُبْيان كان قد كمن له فاعترضَه ونفَّرَه، فعدَل عن الطَّريق، وبذلك سبقَتْه الغبراء، فأبَى قيسٌ أن يَعْترف بهذا السَّبْق، وطلب الرهان المَضْروب، وحدثَ صِدامٌ بين الفريقين، ثُم لَم تلبث الحربُ أن اندلعَتْ على إثر ذلك، وظلَّت سنوات طويلة.

ومن أيَّام العرب المشهورة كذلك: يوم خزاز، وكان بين ربيعة واليمَن من مذحِج، وغيرهم، ويوم طخفة بين المُنْذِر بن ماء السَّماء، وبني يربوع، ويوم أدارة الأوَّل بين المنذر بن ماء السماء وبين بني بكرٍ، ويوم أدارة الثاني بين عمرِو بن هندٍ وبين بني تَمِيم، ويوم الكلاب الأول بين بني بكرٍ وعشائر من تميم وضبَّة بقيادة شُرَحبيل بن الحارث الكِنْدي، ويوم حوزة الأوَّل بين سليم وغَطفان، ويوم اللِّوى بين غطفان وهوازن، ويوم الفجار الأوَّل بين كنانة وهوازن، وكان في الأشهُر الحرُم؛ لذلك سُمِّي بيوم الفجار، ثم يوم الفجار الثاني بين كنانة وقريشٍ من جانب، وبني عامر من جانبٍ آخَر.

على أنَّه يَجِب أن نتذكَّر أنَّ تكوين القبيلة يَعْتمد على الأسرة؛ ذلك أنَّ المثلَ الأعلى للعربي أن يُنجِب أكبر عددٍ من الأبناء الأشِدَّاء حتَّى تُصبِح أسرتُه ذات شأنٍ بين أقاربه، تَجْعلهم يَعدُّونه شيخَهم الأكبر، ومن هنا يصحُّ أن يُقال: إنَّ القبيلة ليستْ سوى أسرةٍ كبيرة الحجم، وبِمُضيِّ الزَّمان قد تنقسم القبيلة مع تكاثُرِها إلى قبيلتين أو أكثر، تضمُّ كلٌّ منها سلالةَ أحد أبناء الجَدِّ الأكبر، متسمِّية باسمه، ثم تنقسم هذه القبائل مرَّة أخرى على أساس القاعدة نفسها.

ولقد عرفَت القبيلة كذلك معنى الوَحْدة والاتِّحاد، وقدَّسَت هذا الأمر أشدَّ التقديس، وترتَّبَتْ عليه مجموعةٌ من التَّقاليد الاجتماعيَّة تعدُّ بمثابة دستورٍ ينظِّم حياتها، ويُحدِّد ما هنالك من حقوقٍ وواجبات على أفرادها.

ومُلخَّص هذا الدُّستور - غير المكتوب - أنَّ على أفراد القبيلة جميعًا - متضامنين - التَّعاوُنَ في الملمَّات، حتَّى ذاع المثل العربِيُّ القائل: "في الجَرِيرة تَشْترك العشيرة".

على أنَّ هذه العلاقة بين الفرد وقبيلته كانت تقوم على أساسٍ عاطفي بَحْت؛ فهي علاقةٌ تَقوم على الحميَّة التي تُجيب دون أن تسأل، وفي سرعةٍ لا تحتمل الانتظار، وبغضِّ النَّظر عن كون السَّائل مُخطئًا أو غير مخطِئ.

وفي مقابل هذا الحقِّ، فعلى الفرد في القبيلة واجبٌ لها منه؛ أن يَحْترم رأيها الجماعيَّ، فلا يخرج عليه، ولا يتصرَّف تصرُّفًا يخرج عن رضاها، أو يكون سببًا في تمزيق وحدتِها، أو الإساءة إلى سمعتها بين القبائل، أو يُحمِّلها ما لا تُطِيق.

فإذا ارتكبَ فردٌ من القبيلة جرمًا خرج به عن إجماع القبيلة رفضَت القبيلة أن تتحمَّل معه نتائجَ هذا الجرم، وإذا أخطأ في حقِّ القبيلة نفسِها فإنَّه يطرد منها، ويُسمَّى هذا الطَّرد خلعًا، ويسمى الطَّريد خليعًا.

وكما آمنَت القبيلة بِوَحدتِها هذا الإيمانَ العميق الذي ترتَّب عليه ظهورُ هذه الطائفة من التقاليد الاجتماعيَّة، آمنَتْ برابطة الدَّم، كما سبق أن أشَرْنا، وهذه الرابطة نَجَم عنها طائفةٌ كذلك من التقاليد، تُنظِّم العلاقات بين الطبقات الاجتماعيَّة في القبيلة.

والنَّاظر في تكوين القبيلة الاجتماعيِّ يميز طبقاتٍ ثلاثًا كبرى:
الأولى: طبَقة الصُّرَحاء، وهم أبناءُ القبيلة ذَوُو الدَّم الخالص منها، الَّذين لا تَشُوب دماءهم شوائبُ مِن غير القبيلة، وهم ينتمون جميعًا إلى أبٍ واحد، هو الأب الأعلى للقبيلة كلِّها، والتي تتسمَّى القبيلة باسْمِه، وتتمثَّل في هؤلاء معاني العصبيَّة القبَلِيَّة بأقوى معانيها.

وتَحْرص هذه الطَّبَقة على أن يظَلَّ دمُها نقيًّا من جهة كلٍّ من الأب والأم.

الطَّبقة الثانية: طبقة العبيد، وهي تتألَّف من عنصرين: عنصر عرَبي، وعنصر غير عربي؛ فأمَّا العنصر العربي من هذه الطبقة فهم الأَسْرى الَّذين كانوا يقَعون في أيدي القبيلة في حروبِها مع القبائل الأخرى.

وأمَّا العنصر غير العربي - وهم الَّذين يُشكِّلون الطَّبقة الثالثة - فهُم أولئك الذين كانوا يجلبون من البلاد المُجاورة للجزيرة العربيَّة.

وقد كانت طبقة العبيد بقِسْمَيْها في حالة سيِّئة بالنسبة لطبقَة الصُّرحاء.

ومع حرص العربيِّ على الشَّرف في كلا طرَفَيْه، كان يَحدث أحيانًا أن يتزوَّج العربِيُّ من أمَتِه، ولكن المجتمع الجاهليَّ كان يرى هذا الزواج زواجًا غير متكافئ، ومن هنا أطلقَ على نتاجه اسمًا خاصًّا، فسُمِّي ابنُ العربي من الأمَة: هَجينًا، وكان ينظر إلى هذه الصِّلَة نظرةً يَشوبُها كثيرٌ من الاحتقار، وعدم الاكتراث.

في هذا الجوِّ القبَليِّ والحياة القبليَّة، نشأ الشِّعر الجاهليُّ ونَما وازدَهَر، فلم يكن الشُّعراء إلا أفرادًا من هذا المُجتمَع القبليِّ، يُمارسون حياتَهم، ويقولون شِعرَهم وفقًا لهذه التقاليد، فعليهم أن يَقفوا فنَّهم الشِّعري على مَجْد القبيلة ومَفاخرِها؛ دِفاعًا عن كرامتها وشرفها، وذَوْدًا عن حِماها وحُرماتِها، وحَطًّا من شأن أعدائها، وهجاءً لَهم يَنْشر مَخازِيَهم في المَحافل وبين القبائل، وكان نتيجة لذلك أنْ قام ما يسمِّيه بعضُ الدَّارسين: "العَقْد الفنِّي" بين الشَّاعر وقبيلته، وهو ما يفرض على الشاعر ألاَّ يتكلَّم في شِعره عن شأنه الخاصِّ إلاَّ بقَدْر ما يكون تَمهيدًا لكلامه عن قبيلته يتحدَّث باسمها، ويجعل من شعره سجِلاًّ لِحياتها، ومن لسانه لِسانًا لها يعبِّر عن آلامها وآمالها، ويسجِّل الخطوطَ العامَّة لسياستها، ويُعلِن عن أهدافها وغاياتها، وفي مقابلِ ذلك تمنحه القبيلةُ لقب "شاعر القبيلة"، فتتحمَّس لشعره وتتعصَّب له وتحرص على حفظه وروايتِه في كلِّ مقام، ومن هنا كانت مَنْزلة الشَّاعر في قبيلته منزلةً رفيعة لا تقِلُّ عن منزلة الفارس فيها؛ ولذلك كان من أرفع التَّمجيد أن يحمل الفردُ في القبيلة لقبَ شاعر القبيلة وفارسها؛ حيث يجمع بذلك أهمَّ مهمَّتين تحتاج إلَيْهما القبيلة.

ومِن هنا ظهرَتْ طائفةُ شعراء القبائل، وكانوا يُشكِّلون الغالبيَّة العُظْمى من شُعَراء الجاهليَّة، ولعلَّ هذا هو ما جعَل القبيلة عندما يَنْبغ فيها شاعرٌ تعيش عيدًا من أعيادها، وعُرسًا من أعراسها، فتمدُّ الولائم وتقدِّم الأطعمة، وتُقام الحفلات، ويتبادل أفرادُ القبيلة التَّهاني، ورُبَّما دعَوا لهذه الحفلات القبائلَ المُجاورة من أحلافهم، حتَّى تكون الفرحةُ عامَّة في وجود هذه الوفود.


عاش الشاعر إذًا في ظلِّ قبيلته دائرًا في ركابها، سائرًا في فلكِها، مُدافعًا عنها، مُحمِّسًا للقتال في أيام القتال، مسجِّلاً انتصاراتها إذا انتصرَتْ، مخفِّفًا عنها لواعجَ الهزيمة إذا هُزِمَت، داعيًا لمعركة الثَّأر، راثيًا لأبطالِها، مُمجِّدًا لهم.

والشَّاعر الجاهليُّ في أثناء ذلك كلِّه ينسى نفسه، ولا يفكِّر في أن يتكلَّم باسم نفسه إلاَّ قليلاً، فكلُّ هَمِّه أن تكون قبيلتُه أمامه دائمًا، يَصْدر في كلِّ ما يقول عنها، حتَّى عندما يقتضيه مجالٌ للقول أن يفرغ لنفسه في شعره، فإنَّه يظلُّ دائمًا يدور في فلَكِ القبيلة، ونادرًا ما يُفْرِد قصيدةً خالصة لتصوير عاطفتِه الشخصيَّة، أو نزعةٍ من نزعاته الفرديَّة.

إنَّه وهو يتغزَّل، ويَذْكر لَهْوَه بالمرأة، وشرْبَه الخمر، يضَع ذلك كلَّه في صورةِ مقدِّمات لِما يقول فيه من المفاخر القبَليَّة.

إنَّه أثناء فخْرِه بشجاعته وفُروسيَّته ومروءته، يضَعها كلَّها في خدمة قبيلته.

وهو إذا ذكَر رأيًا في الحياة أو الموت، أو سجَّل حكمةً أو تَجْرِبة من تجاربِه، يَذْكر ذلك عرَضًا، أو في نهاية القصيدة بعد أن يفرغ من الوفاء بحقِّ القبيلة.

وهذا أشهَرُ مثالٍ لتلك الرُّوح القبليَّة: مُعلَّقة عمرِو بن كلثوم، شاعر تغلب، يبدَؤُها بِمُقدِّمة ذاتيَّة، يختلط فيها الغزَلُ بحديثه عن الخمر، ثم سرعان ما يتوجَّه للحديث عن قومِه، فينسى نفسَه نسيانًا، ويَخْتفي ضميرُ المتكلِّم المفرَد؛ لِيُسيطِر على القصيدةِ كلِّها ضميرُ الجماعة، ويظَلُّ على مدار القصيدة يُشيد بِمَفاخر قومه، حتَّى ينسب لَهم من المفاخر ما ليس له حقيقةٌ واقعيَّة بالفعل.

وهذا ما جعلَ أبناء قبيلة تغلب يفتَتِنون بهذه القصيدة افتِتانًا، حتَّى ليَقول شاعرٌ من غيرهم عن هذه القصيدة:
أَلْهَى بَنِي تَغْلِبٍ عَنْ كُلِّ مَكْرُمَةٍ
قَصِيدَةٌ قَالَهَا عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ

يُفَاخِرُونَ بِهَا مُذْ كَانَ أَوَّلُهُمْ
يَا لَلرِّجَالِ لِشِعْرٍ غَيْرِ مَسْؤُومِ



ومن كلِّ ما سبقَ، نؤكِّد أنَّ قراءة القصيدة الجاهليَّة لا بدَّ أن تُلِمَّ بكلِّ هذه الجوانب القبليَّة؛ لِيَستطيع قارئُ القصيدة أن يَنْفذ إلى ما في بَطْن الشَّاعر الجاهليِّ من المعاني والرُّؤى، ويَطَّلع على خبايا الفنِّ الشِّعري في القصيدة الجاهليَّة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29-07-2022, 03:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,827
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية

مدخل لقراءة القصيدة الجاهلية (5)


أ. طاهر العتباني



الوضع الاقتصادي لجزيرة العرب


عرفت الجزيرة العربية من أقدم العصور النشاطَ التجاري بصورة كبيرة، حتى قيل: إن كل عربي تاجر، وحتى استقر في نفوس الرحالة القدامى ذلك المعنى عن بلاد العرب. كما يذكر الباحثون أن العرب كانوا الواسطة بين تجارة قدماء الأوروبيين والشرق الأقصى متمثلاً في الهند والصين وبلاد فارس.

كما شاع أن البيزنطيين كانوا يعتمدون في شؤونهم التجارية على قوافل البدو التي تحمل تجارة بلاد الهند الغامضة من الأحجار الكريمة والتوابل والجلود والمعادن والحرير لأجل ثياب ملوكهم وأباطرتهم وكهنتهم، والعطور من بلاد المجوس، والبخور من اليمن، والصمغ من إفريقية من أجل كنائسهم وقصورهم. ولقد كان لمخازن العرب من الأهمية مثلُ ما كان لمخازن البندقية في إبان مجدها..

وهكذا ظلت القوافل التجارية منذ عصور سحيقة تعمل بين مناطق الإنتاج في بلاد اليمن، وبين العراق والشام ومصر.

وهذه الحركة التجارية - فيما يرى الباحثون - ترجع إلى الظروف التي كان تسود بلاد العرب والعالم القديم في ذلك الوقت، حيث كانت وسائل المواصلات البحرية مهددة بعديد من الأخطار، مما جعل التجارة محصورة في البر ابتعاداً عن هذا الجو الخطر الذي يسيطر على عالم النقل البحري.

لقد كانت براري آسيا الوسطى وجزيرة العرب بحار القدماء، وكانت قوافل الإبل سفنهم، وكانت التجارة في أول الأمر في يد اليمنيين، حيث كانت تنتقل غلات حضرموت وظفار وواردات الهند إلى مصر والشام، وكانت كثرة التجارة مع بلاد العرب الجنوبية تنتقل إلى الشام ومصر عن طريق الحجاز.

ومن الواضح أن هذه التجارة التي يسيطر عليها الجنوبيون كانت تتخذ من بلاد العرب الشماليين طريقاً لها، مما أوجد في نفوس الشماليين رغبة في الأخذ بهذا الأسلوب من أساليب العيش، حيث يدرُّ هذا المسلك على أصحابه رزقاً وفيراً وثراءً عريضاً، كما كان انحلال الدولة الجنوبية في اليمن سبباً لهيمنة عرب الحجاز الشماليين على زمام الحركة التجارية في القرن السابع الميلادي، حتى كانت التجارة عن طريق الحجاز الذي كان في أيدي الشماليين قد صارت تماما في أيديهم، فضلاً عما في أيدي عرب الحيرة من هذه التجارة.

ولم يكن طريق الحجاز هو الطريق الوحيد للقوافل التجارية بل كان هناك طرق أخرى، فقد عرفت الجزيرة العربية منذ أقدم عصورها طريقين أساسيين للقوافل التجارية بين طرفيها الشمالي والجنوبي.

ويجري الطريقان من ظفار في الجنوب إلى الشرق والغرب، أما الطريق الشرقي فيمضي متاخماً لقوس عمان الساحلي متجها إلى القطيف على الخليج العربي، التي كانت تحمل إليه بضائع الهند، ومن القطيف عن طريق تدمر إلى فلسطين وسورية، وكذلك منها إلى صنعاء باليمن وثغور البحر الأحمر والحجاز.

أما الطريق الغربي فيبدأ من ظفار ثم حضرموت ثم شبوة ثم عدن، ويستمر إلى مأرب فصنعاء، ومن صنعاء يصعد شَمالاً محاذياً البحر الأحمر حتى يدخل الحجاز، ويمضي شمالاً عن طريق وادي القرى إلى تيماء حيث تتشعب الطرق: فمنها ما يتجه شمالاً إلى بُصرى وتدمر ودمشق في الشام، وبعضها إلى مصر عن طريق سيناء، والبعض إلى العراق عن طريق حائل.

وإلى جانب هذين الطريقين الأساسيين اللذين يدوران حول الصحراء الواسعة في جزيرة العرب يوجد طريق يخترق قلب الجزيرة من مكة إلى الخليج العربي.

كما كانت هناك طرق أخرى ولكنها ليست على نفس الأهمية التي كانت لهذه الطرق الثلاث، وقد كان للنعمان بن المنذر لطيمة عظيمة (أي قافلة) تذهب إلى سوق عكاظ كل عام، وكان يجيرها (يحميها) رجال من القبائل التي تمر عليهم في طريق ذهابها وعودتها.

كما أنه من المهم أن نقول: إن طرق القوافل هذه كانت تتبع الوديان، حيث تكون حركتها أكثر يسراً وسهولة.

ومن المهم أن تقوم على طول طرق هذه القوافل التجارية أسواق تنزل فيها القوافل التجارية ويقبل إليها سكان المناطق المجاورة بسلعهم، وقد ذكر بعض المؤرخين عدداً من أسواق العرب التي كانت معروفة في الجاهلية، ففي أقصى الشمال كانت سوق دومة الجندل، ثم على ساحل الخليج العربي سوق المشقّر بهجر وسوق صحار وسوق دبي، ثم على ساحل الجزيرة الجنوبي هناك سوق الشحر بمهرة وسوق عدن وسوق الرابية بحضرموت، ثم سوق صنعاء، ثم على ساحل البحر الأحمر حيث سوق عكاظ وسوق ذي المجاز ومجنَّة بالقرب من مكة.

هذا إلى أسواق أخرى، وإن كانت ليست بنفس الأهمية التي لهذه الأسواق، ومنها: سوق حباشة في تهامة، وسوق دما بعمان، وكان اليهود يقيمون أسواقاً حيث كانوا ينزلون، فقد كان هناك سوق بني قينقاع في يثرب، وكانت سوقاً عظيمة، وقد زارها النابغة الذبياني مرة، ومن الطبيعي أن تقوم بخيبر ويثرب أسواق نظراً لنزول اليهود أصحاب الأموال والتجارة والصناعة بها.

كذلك كان موسم الحج من أهم مواسم الأسواق نظراً لكثرة وفود العرب التي كانت تفِدُ إليها من كل فج عميق. وقد كانت مع هذه الأسواق خفارة عظيمة في الأماكن التي يمكن فيها أن يتبعها اللصوص، حيث يدخل التجار في جوار القبائل التي يمرون عليها نظير ما يدفعه هؤلاء التجار من أموال لقاء تلك الحراسة والحماية التي تهيئها القبائل للقوافل التي تمر بأرضها. كما أن من أهم ما كانت تحتاجه هذه القوافل في رحلاتها الطويلة الأدلاَّء الذين يهدونها الطريق في دروب الصحراء الغامضة الملتوية، بما لهم من خبرة ودراية بها حتى لا تضل أو تضيع في مجاهلها.

هذه الناحية التجارية في اقتصاد الجزيرة في العصر الجاهلي هي الجانب الذي يعتمد عليه في أغلب المراكز الحضرية في الجزيرة، أما في مناطق اليمن فكان هناك اقتصاد يقوم على الزراعة والرعي، وأما أهل البادية في الشمال والجنوب فقد كان جل اعتماد القبيلة على الرعي كمصدر للرزق وتكوين الثروات، وقد حصرت البيئة الجغرافية لأعراب البادية مواردهم الطبيعية في المراعي، ووقفت ظروفهم الحضارية - كما أشرنا - مجال عملهم عند الرعي، ومن هنا انحصرت ثروتهم في قطعان الإبل والغنم والمعز، وقد كانت الإبل بالذات مقياس ثروتهم فهي خير ما في هذه الثروة، وقد كان من عوامل سقوط الفرد في الهيئة الاجتماعية أن تقوم المعز وصغار الماشية في حياته مقام الإبل، فقد كانت الإبل مادة يشتق منها المادحون عناصر مدحهم، أما الغنم فليست بحيوان الصحراء الأول لشدة حاجتها إلى المرعى وقلة صبرها على الماء، ومن هنا كانت الإبل حيوان الصحراء الأول بلا منازع والدعامة التي تقوم عليها ثروة أبنائها، وبحق كانوا يسمونها مالاً لأنها رصيدهم الأساسي، وكانت كل قبيلة تسِم إبلها وسماً خاصًّا تميزها به.

وكانت ثروة الأفراد في المجتمع البدوي تقاس بمقدار ما يملكون من الإبل، فكل ثرائهم كان يقوم على الإبل، وكان منهم من له من الإبل ما يملأ الأرض، ومن كان يفقأ أعين عشرين بعيراً لأن إبله بلغت عشرين ألفاً، ومنهم من كان ربما ذبح في موسم الحج عشرة آلاف بدنة، وكانت أحيانا تبلغ دية الرجل ألف بعير.

وإلى جانب هؤلاء الأثرياء التي ملأت نعمهم الأرض، هناك طبقة أخرى فقيرة لا تكاد تملك شيئاً فقد كان مستواها الاقتصادي بالنسبة لهؤلاء متدنياً جدًّا حتى ليضطر لقتل ولده خشية الإملاق.

وطبيعي أن مجال العمل أمام هؤلاء الفقراء من البدو كان ضيقاً جدًّا، فلم يكن بمقدورهم إلا أن يعملوا عند هؤلاء الأغنياء في قطعانهم، حيث يقومون بالرعي وخدمة الإبل.

جانب آخر من جوانب رزقهم الذي يعتمدون عليه يتمثل في الصيد والقنص، إذ كانوا يتخذون الكلاب ويدربونها من أجل الصيد حتى تصبح من الجوارح الفاتكة، وفي شعرهم قطع تصف المعارك التي كانت تنشب بين هذه الكلاب والأتان والحمر والبقر والثيران الوحشية.

وفي معلَّقة لبيد وصف بارع لأتان وحمارها، ثم لبقرة وحشية تعقَّبها الرماة بنبلهم. ولأوس بن حُجر قصيدة فائيَّة وصف فيها حمار الوحش وصفاً دقيقاً، ثم وصف الصائد كذلك.

على أن صيد الوحش لم يكن من همِّ شجعانهم وفرسانهم إنما كان من عمل فقرائهم ومعوزيهم، ولذلك كان يأتي في المرتبة الثانية من غزوهم ونهبهم، أما ما يأتي في المرتبة الأولى فهو غارة بعضهم على بعض للاستيلاء على قطعان الإبل، فقد كانت لهم حياتهم الحربية التي هي من بعض الوجوه مصدر من مصادر عيشهم يتربص بعضهم ببعض ويغير بعضهم على بعض، فيأخذ القوي ما في يد الضعيف، وربما استاق إبل القبيلة كلها من أغار عليها من خصومها الذين ألجأتهم ظروفهم الاقتصادية إلى الغزو.


.. وهكذا كانت معيشتهم بين صيد الوحش، وصيد الإنسان لاستلاب ما في يده، ورعي الأنعام والأغنام، وما كان يقوم به الصعاليك كانت تقوم به القبائل برمَّتها أحياناً حين تكفُّ السماء عنهم غيثها وتجدب ديارهم وتمحل، فلا يكون أمامهم سوى الغزو وشنِّ الغارات، ولعل ذلك وراء إشادتهم بالكرم والكرماء، وهي إشادة طبيعية في جو الصحراء المقفرة التي يحفُّ بها الجدب من كلِّ جانب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 148.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 144.75 كيلو بايت... تم توفير 3.52 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]