باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4596 - عددالزوار : 1305586 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4142 - عددالزوار : 831820 )           »          سفينة الحياة.. والصبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 258 )           »          تحت العشرين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 23102 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13219 - عددالزوار : 350859 )           »          {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 257 - عددالزوار : 47623 )           »          قيمة إسلامية حثَّ عليها القرآن الكريم والسُنَّة النبوية – الجودة الشاملة في مؤسساتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 167 )           »          التداوي من السحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 182 )           »          حكم المرابحة للآمر بالشراء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 177 )           »          الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 426 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2022, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,403
الدولة : Egypt
افتراضي باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

فيه عشر مسائل:
وهو باب خاص بالمفطرات؛ وهي:
أولًا: الأكل والشرب:
والأكل والشرب مفطر بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187].

وأما السنة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نسي أحدكم فأكل وشرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه))؛ [متفق عليه].

ونقل الإجماع على أن الأكل والشرب مفطر ابنُ قدامة في المغني 4/ 349، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 25/ 219.

المسألة الأولى: هل يدخل السعوط والاحتقان والاكتحال في معنى الأكل والشرب؟
(أ): السعوط: هو ما يصل إلى الجوف عن طريق الأنف من الدواء وغيره.

المذهب، وهو القول الراجح، والله أعلم: أنه إذا وصل إلى جوفه، فإنه يفطر، وبه قال جمهور العلماء.

ويدل على ذلك: حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))؛ [رواه الخمسة]، فالنبي صلى الله عليه وسلم استثنى المبالغة في الاستنشاق حال الصيام؛ خشية أن يصل شيء من الماء إلى الجوف عن طريق الاستنشاق؛ لأنه يؤثر على الصيام وهكذا السعوط.
(ب): الاحتقان: هو إدخال الأدوية عن طريق الدبر.

المذهب: أن الاحتقان يفطر، وبه قال جمهور العلماء.

التعليل: قالوا لأنها تصل إلى الجوف ويتغذى بها الإنسان ويتداوى بها.

والقول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

والتعليل:
1- لأنه لا يطلق عليها أكل أو شرب، فهي دخلت للجوف من غير الموضع المعتاد.

2- عدم الدليل من الكتاب والسنة أن كل ما دخل إلى الجوف من أي موضع كان يفطر.

- قال الشيخ ابن عثيمين بعد أن رجح هذا القول (في الممتع 6/ 369): "ثم لدينا قاعدة مهمة لطالب العلم؛ وهي أننا إذا شككنا في الشيء أمفطر هو أم لا؟ فالأصل عدم الفطر، فلا نجرؤ على أن نفسد عبادة متعبد لله إلا بدليل واضح، يكون لنا حجة عند الله عز وجل".

(ج) الاكتحال إذا وصل إلى الحلق.
المذهب: أنه يفطر، واستدلوا بأحاديث ضعيفة كحديث عبدالرحمن بن النعمان عن أبيه عن جده رضي الله عنهم عند أبي داود، وحديث ابن عباس عند البيهقي والدارقطني، قال الترمذي: "لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء".

والقول الراجح والله أعلم: أن الاكتحال لا يفطر، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية.

ويدل على ذلك:
1- ما رواه أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه اكتحل وهو صائم؛ قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: "لا بأس بإسناده"، وجاء في شعب الإيمان عن ابن عباس من فعله، وقال الحافظ ابن حجر بإسناد جيد.

2- أن الاكتحال مما تعم به البلوى، ومن الأحكام التي تحتاجها الأمة، ولو كان مفطرًا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا، فلما لم يثبت فيه حديث صحيح، دل هذا على أنه ليس بمفطر.

3- الأصل براءة الذمة وعدم التفطير، وعدم شغل الذمة بلا دليل.

المسألة الثانية: من أدخل في جوفه شيئًا لا يخلو من أمرين:
1- أن يكون من منفذ معتاد كالفم والأنف إلى المعدة، فيفطر سواء كان الداخل حلالًا أو حرامًا، فيه فائدة أو ليس فيه فائدة.

2- أن يكون من منفذ غير معتاد، كمن دخل جوفه من غير الفم والأنف، كمن قطر في أذنه بما يصل إلى دماغه، أو كمن قطر في إحليله (والإحليل: هو مخرج البول من ذكر الإنسان)، والاكتحال والاحتقان وغيرها، فهل تفطر؟

المذهب: أنها تفطر؛ لأنها تدخل إلى الجوف إلا الإحليل، فإنه لا يفطر.
والقول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر، وبه قال شيخ الإسلام.

والتعليل:
1- لأنها لا تعد طعامًا ولا بمعناهما.
2- لأن المنفذ الذي دخلت منه غير معتاد.

ثانيًا: القيء:
هو ما يخرج من جوف الإنسان من الفضلات عن طريق الفم، والذي يفطر هو من اسْتَقاء: أي: طلب القيء عمدًا، فقاء قليلًا كان أو كثيرًا، أما إن ذرعه القيء – أي: غلبه - وخرج بدون اختياره، فهذا لا يفطر.

- إذًا القيء له حالتان:
الحال الأولى: أن يخرج القيء بدون اختياره، فهذا لا يفطر.

الحال الثانية: أن يستدعي القيء، وذلك بإدخال أصبع أو نحو ذلك من الأفعال التي تحركه، فيقيء ما في بطنه، فإنه حينئذٍ يعتبر مفطرًا، وهو قول عامة العلماء.

ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فليقضِ))؛ [رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي].

وقد نقل الخطابي وابن المنذر الاتفاق على هذا.

قال ابن عثيمين في الممتع 6/371: "فلو استدعى القيء ولكنه لم يقِئْ، فإن صومه لا يفسد".

فائدة: حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا: ((ثلاث لا يفطرن الصائم: القيء، والحجامة، والاحتلام))؛ [رواه البيهقي، وهو حديث ضعيف، فيه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف].

ثالثًا: الاستمناء:
والاستمناء: هو أن يستدعي خروج المني بأي شيء كان، كأن يتقلب في فراشه، أو بيده، أو بيد زوجته، أو أمته، أو بغير ذلك في نهار رمضان أو في أي صيام.

فهذا فسد صومه، وعليه القضاء عند جمهور العلماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة.

ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه القدسي وفيه: ((يَدَع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))؛ [متفق عليه]، ولا شك أن من تعمد الاستمناء لم يدع شهوته من أجل الله تبارك وتعالى؛ ففسد بذلك صومه.

المسألة الثالثة: من باشر فأمْنَى أو أمْذَى أو كرر النظر فأنزل أو احتلم، هل تعتبر هذه الأمور من المفطرات؟
أ- من باشر فأمنى: أي: استمتع بزوجته بما لا جماع فيه، فنزل منه المنيُّ، فهذا فسد صومه؛ لحديث أبي هريرة القدسي السابق.
قال في الإفصاح 1/239: "واتفقوا على أن من أنزل في يوم رمضان بمباشرة دون الفرج، فسد صومه، ووجب عليه القضاء".

ب- من باشر فأمذى: أي: إنه استمتع بزوجته بما لا جماع فيه، فنزل منه المذي (وسبقت علامات المذي والمني في كتاب الطهارة).

المذهب: أنه يفسد صومه إذا خرج منه المذي.

والقول الراجح والله أعلم: أنه لا يفسد صومه بالإمذاء؛ وهو قول جمهور العلماء.

يدل على ذلك:
1- حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه))؛ [متفق عليه]، ولا شك أن الإنسان إذا فعل هذا فهو مظنة أن يقع منه المذي؛ [الإرب: الحاجة، وقيل: العضو، والمعنيان متقاربان].

2- أن هناك فرقًا بين المني والمذي؛ فالمذي دون المني في الشهوة والأحكام، فهو خارج لا يوجب الغسل، فهو أشبه بالبول.

3- قال في الإفصاح 1/244: "وأجمعوا على أن من لمس فأمذى أن صومه صحيح، إلا أحمد فإنه قال: يفسد صومه وعليه القضاء".
ويدخل في هذا من كرر النظر فأمذى، فلا يفسد بذلك صومه.

- إذًا نقول: القبلة والمباشرة دون الفرج جائزة للصائم، ولو ترتب عليه خروج المذي فصومه صحيح، لكن إذا كان يُخشى أن يتمادى به الأمر إلى الجماع، أو يخشى من خروج المني فيجتنب ذلك؛ لأنه لو أمنى بسبب القبلة، أو المباشرة، لفسد صومه، ووجب عليه القضاء، ويقول ابن قدامة: في غير خلاف نعلمه؛ أي: في مسألة من خرج منه المني.

ج- من كرر النظر فأنزل: أي: أنزل منيًّا، فسد صومه، وهذا هو المذهب، وهو القول الراجح، والله أعلم، وتكرار النظر يحصل بمرتين أو باستمرار النظر من المرة الأولى؛ لأن الاستمرار كالتكرار، وعلى هذا، فلو نظر نظرة واحدة، فأنزل لم يفسد صومه؛ لحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النظر الفجأة: ((لك الأولى وليست لك الآخرة))؛ [رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي].

- ولو فكر الإنسان حتى أنزل فلا يفسد صومه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))؛ [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]، وكذلك لو فكر الإنسان بالجماع حتى أنزل فمجرد التفكير لا يؤاخذ عليه الإنسان.

د- من احتلم: والاحتلام: أن يرى الإنسان وهو نائم ما يحرك شهوته، فينزل، وقد أجمع العلماء على أن من نام فاحتلم، لا يفسد صومه؛ لأنه أنزل بغير اختياره.

ويدل على ذلك: حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: ((رُفع القلم عن ثلاث... وعن النائم حتى يستيقظ))؛ [رواه أحمد وأبو داود].

رابعًا: الحجامة:
الحجامة تكون بمص الدم وهي من الجراحات القديمة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من الأدوية؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن يكنِ الشفاء، ففي أربعة: ففي شرطة من محجم...)).

واختلف أهل العلم فيمن احتجم، هل يفسد صومه أم لا؟

المذهب: أن من احتجم فسد صومه، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجحه ابن عثيمين.

واستدلوا بحديث شداد بن أوس، وأيضًا حديث ثوبان رضي الله عنهم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان فقال: أفطر الحاجم والمحجوم))؛ [رواه أحمد، وأبو داود].

واستدلوا: بأحاديث أخرى ولكن هذا عمدة أدلتهم، والفطر بالحجامة هو مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن خزيمة، وابن المنذر وغيرهم، وأهل الحديث الفقهاء فيه العاملون به هم أخص الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وحديث شداد وثوبان السابق ضعَّفه بعض أهل العلم، وبعضهم يقول: إنه منسوخ، ومن ضعفه فلا يستدل به، ويرى أن الحجامة لا تفطر، وسيأتي في القول الثاني.

إلا أن هذا الحديث رواه بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أوصلهم الإمام الزيلعي إلى ثمانية عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم روى عنه هذا الحديث.

قال علي بن المديني: "ما أرى الحديثين إلا صحيحين"؛ يعني: حديث ثوبان وشداد، وكذلك صححه البخاري، نقل عنه الترمذي في العلل قوله: "ليس في هذا الباب أصح من حديث ثوبان وشداد بن أوس"، قال الترمذي: فذكرت له الاضطراب، فقال: "كلاهما عندي صحيح"؛ [انظر: المحلى لابن حزم 6/204، وتلخيص الحبير 2/193].

فالمحتجم على هذا القول وهو من وقعت عليه الحجامة يفسد صومه؛ لأنه خرج منه الدم، وهذا قد يسبب له ضعفًا وعجزًا، فهو أشبه بمن استقاء عامدًا، وأما الحاجم، فلأنه يمص محجمه، وهذه طريقة قديمة، وهذا مظنة أن يصل شيء من الدم إلى حلقه، ولكن الآلات الحديثة اليوم منفصلة لا تحتاج إلى مص، فهل يفطر الحاجم بهذا الآلة؟

قال ابن عثيمين في الممتع 6/382: "فإذا حجم بطريق غير مباشر ولا يحتاج إلى مص، فلا معنى للقول بالفطر؛ لأن الأحكام الشرعية ينظر فيها إلى العلل الشرعية".

القول الثاني: أن الحجامة لا تفطر، فلا يفسد بها الصوم، وهو قول جمهور العلماء.

واستدلوا:
1- حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم))؛ [رواه البخاري].

وقد أنكر الإمام أحمد هذا الحديث وأعله جماعة من الأئمة، وقالوا: الصواب أنه احتجم وهو محرم، أما زيادة ((وهو صائم))، فإنها لا تثبت، وآخرون أثبتوها، ولم يثبتها مسلم، وهي ثابتة عند البخاري.

2– حديث ثابت البناني رضي الله عنه أنه قال لأنس بن مالك: ((أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف))؛ [رواه البخاري]، واستدلوا بأحاديث أخرى تدل على الترخيص في الحجامة عند الحاجة، وردَّ أصحاب القول الأول هذه الأدلة بأنها تدل على الترخيص بالحجامة عند الحاجة، ولا يلزم منها عدم الإفطار، وبهذا أصبح عندنا قولان متعارضان أوردتهما على وجه الإيجاز بأدلتهما، والله أعلم بالصواب.

المسألة الرابعة: هل نلحق الفصد بالحجامة في كونها تفطر؟
الفصد: هو إخراج الدم لكن عن طريق العروق.

المذهب: لا يلحق بالحجامة؛ لأن الأحكام التعبدية لا يقاس عليها، والحجامة حكم تعبدي.

والقول الثاني: أنه يفطر بالفصاد، كما يفطر بالحجامة؛ لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 25/252: "والرابع وهو الصواب أنه يفطر بالحجامة والفصاد ونحوهما، وذلك لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد شرعًا وطبعًا، وحيث حث النبي صلى الله عليه وسلم على الحجامة وأمر بها، فهو حث على ما في معناها من الفصاد وغيره".

المسألة الخامسة: شروط بطلان الصوم بالمفطرات:
أولًا: العلم: نخرج الجاهل فمن جهل الحكم الشرعي كمن يظن أن هذا الشيء غير مفطر فيفعله، أو جهل وقت الصوم كمن يأكل، وهو يظن أن الفجر لم يطلع فيأكل وهو طالع، فمن جهل الحكم أو الحال أو الوقت، وأتى بمفطر، فصومه صحيح، ولا يفطر بذلك.

ويدل على ذلك:
1- قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم: ((قد فعلت، وفي رواية: نعم)).
2– قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5].
ثانيًا: الذكر: فنخرج الناسي، فمن نسي الوقت فأكل أو نسي أن هذا الشيء مفطر، وفَعَلَه، فصومه صحيح ولا يفطر بهذا.

ويدل على ذلك:
أ- الآية السابقة: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286].
ب- ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه))، وفي رواية الحاكم في المستدرك: ((فلا قضاء عليه ولا كفارة)).


ج _ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))؛ [رواه البخاري].

ثالثًا: الاختيار: فنخرج من كان مكرهًا كمن أدخل الطعام في فمه بالقوة رغمًا عن أنفه، فصومه صحيح ولا يفطر بهذا.

ويدل على ذلك:
1- قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106]، فإذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه، فما كان دونه من باب أولى.

2– حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))؛ [رواه ابن ماجه والحاكم].

المسألة السادسة: هل يفسد الصوم في الصور الآتية؟
أ– من طار إلى حلقه ذباب أو غبار.
ب_ من اغتسل أو تمضمض أو استنثر أو زاد على ثلاث مرات فدخل الماء حلقه.
ج– من طلع عليه الصبح وفي فمه طعام فأخرجه.

المذهب والقول الراجح والله أعلم: أن صومه صحيح في الصور السابقة لعدم القصد فيها.
- قال ابن هبيرة (في الإفصاح 1/252): "وأجمعوا على أن الغبار والدخان والذباب والبق إذا دخل حلق الصائم لا يفسد صومه".
فوائد:
- تكره المبالغة في الاستنشاق للصائم لحديث لقيط بن صبرة مرفوعًا: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا))؛ [رواه أبو داود والنسائي]، وقد سبقت المسألة في كتاب الطهارة في باب سنن الوضوء.

- لو بالغ في الاستنشاق فدخل الماء إلى حلقه وهو صائم، فإن صومه صحيح لعدم القصد.

- يجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه شدة الحر والعطش، وخاصة أيام الصيف كالتبرد بالماء ونحوه.

ويدل على ذلك:
1– ما رواه مالك وأبو داود عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر)).

2– قال البخاري: ((باب اغتسال الصائم)).
وبلَّ ابن عمر رضي الله عنهما ثوبًا فألقي عليه وهو صائم، وقال الحسن: لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم.
وقال أنس: "إن لي أبزن – حجر منقور – أتقحم فيه وأنا صائم".

المسألة السابعة: من أكل وهو شاكٌّ في طلوع الفجر.
إذا تبين له بعد ذلك أن الفجر لم يطلع، فصومه صحيح باتفاق الأئمة الأربعة، لكن إذا أكل أو شرب وهو شاك في طلوع الفجر، ثم تبين بعد ذلك أن الفجر طالع أثناء أكله، فالمذهب: يجب عليه قضاء هذا اليوم الذي أكل فيه لتبين خطئه.
والراجح والله أعلم: أنه صومه صحيح ولا يجب عليه القضاء.

ويدل على ذلك:
1- قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187]، فأذن الله عز وجل بالأكل والشرب حتى يتبين لنا طلوع الفجر، ولم يعلق الحكم بالشك، بل بالتبين، وهو اليقين، وهو في هذه المسألة شك، ولم يتيقن أثناء أكله

2- ورد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما"؛ [رواه عبدالرزاق]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كل ما شككت حتى يتبين لك"؛ [رواه البيهقي، وصححه الحافظ في الفتح 4/135]؛ ولأن الأصل بقاء الليل.

3- القاعدة الشرعية: ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وهذه القاعدة تنطبق على هذه المسألة، فالأكل والشرب ليلًا مأذون فيه حتى يتبين له الفجر.

المسألة الثامنة: من أكل وهو شاك في غروب الشمس:
إذا تبين له بعد ذلك أنه أكل بعد غروب الشمس، فصومه صحيح باتفاق الأئمة الأربعة، لكن إذا أكل أو شرب، وهو شاك في غروب الشمس، ثم تبين بعد ذلك أن الشمس لم تغرب أثناء أكله؛ هذا لا يخلو من حالين:
الحالة الأولى: أن يأكل وهو شاك في غروب الشمس ولم يتيقن ولم يغلب على ظنه أنها غربت، فهذا عليه القضاء مع الإثم؛ وهذا هو قول الأئمة الأربعة.

التعليل: لأن الأصل بقاء النهار، ولا يجوز له أن يفطر إلا بعد ما يتيقن من ذلك أو يغلب على ظنه غروب الشمس، ولأنه قصر في تحري الوقت فعوقب بتقصيره.

الحالة الثانية: أن يأكل وهو شاك لكنه غلب على ظنه غروب الشمس.

فالمذهب: أن عليه القضاء.

والقول الراجح والله أعلم: أنه لا قضاء عليه، وهو قول شيخ الإسلام.

ويدل على ذلك: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "أفطرنا في يوم غيم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس"؛ [رواه البخاري].

قال ابن عثيمين مرجحًا هذا القول في الممتع 6/397: "وإفطارهم بناء على ظن قطعًا".

وردَّ أصحاب القول الأول على هذا الدليل بأنه سُئل هشام بن عروة أقضوا ذلك اليوم؟ قال: ليس في القضاء شك، أو ما من القضاء بدٌّ، قالوا: فهذا يدل على أنه يلزم بالقضاء.

ورُدَّ هذا بأنه ورد عند البخاري من قول هشام: "لا أدري أقضوا أم لا"، ولو وجب القضاء لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونُقل إلينا.

خامسًا: الجماع:
الجماع أعظم مفسدات الصوم، وإفساده للصوم ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ... فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 187]، دلت الآية على أن الصيام المأمور به ترك الوطء والأكل والشرب.

وأما السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان وسيأتي.
وأما الإجماع: فقد قال ابن حزم في مراتب الإجماع (ص: 39): "واتفقوا على أن الأكل والشرب والجماع في الفرج للمرأة، إذا كان نهارًا بعمد وهو ذاكر لصيامه، فإن صيامه ينتقض"، ونقل الإجماع أيضًا ابن قدامة في المغنى (4/ 375)، وشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (25/246).

- لا يتحقق الجماع الموجب للقضاء والكفارة كما سيأتي إلا بإيلاج القبل، والعبرة بالحشفة، وهي رأس الذكر وهذا الجماع سواءً كان جماعًا مشروعًا حلالًا أو جماعًا محرمًا كالزنا - والعياذ بالله - وسواءً كان جماعه في قبل أو دبر على الصحيح.

- فمن جامع في نهار رمضان، فعليه قضاء ذلك اليوم الذي جامع فيه (وعند شيخ الإسلام لا يجب عليه القضاء؛ لأنه انتهك حرمة ذلك اليوم ولعدم الدليل على القضاء)، وتجب عليه الكفارة ولكن لا نوجب الكفارة إلا بشروط وستأتي بإذن الله.


والكفارة هي:
عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.

ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينًا قال: لا أجد، فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: أعلى أفقر منا؟ ما بين لابتيها أفقر منا، فقال: خذه فأطعمه أهلك))؛ [متفق عليه].

- والكفارة على الترتيب: العتق، ثم الصوم، ثم الصدقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب حين عرض الكفارة على الأعرابي بقوله: ((هل تستطيع/ فهل تجد)).

- في الصيام يشترط التتابع كما في نص الحديث، وهذا باتفاق العلماء ونقل الاتفاق ابن هبيرة فلو قطع التتابع بفطر يوم بدون عذر، لزمه أن يعيد الحساب من جديد، حتى لو صام أكثر الشهرين، أما أن كان بعذر كمرض وسفر وعيد فطر أو أضحى وغيره، فيكمل على ما سبق.

المسألة التاسعة: ما الحكم لو كرر الجماع وهو صائم؟
هذه المسألة لها صورتان:
أ - الصورة الأولى: إذا جامع في يومين أو كرر الجماع في عدة أيام بأن جامع في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني، فهذا له حالتان:
الحالة الأولى: أن يكفر عن اليوم الأول، ثم يجامع في اليوم الثاني، فعليه كفارة ثانية.

قال في الشرح الكبير7/ 458: "بغير خلاف نعلمه".

الحالة الثانية: ألَّا يكفر عن اليوم الأول.

فأكثر العلماء: تلزمه كفارة ثانية، ولأن كل يوم عبادة مستقلة، خلافًا للمذهب الذين قالوا: لا يلزمه إلا كفارة واحدة، قالوا: لأنها كفارات من جنس واحدة، فاكتُفي فيها بكفارة واحدة.


ب- الصورة الثانية: إذا جامع في يوم واحد مرتين، بأن يجامع وهو صائم ثم يمسك، ثم يجامع مرة أخرى، فهذا له حالتان أيضًا:
الحالة الأولى: أن يجامع المرة الأولى، ثم لم يكفر، ثم جامع مرة ثانية في نفس اليوم، فهنا تلزمه كفارة واحدة على قول المذهب، وهو الراجح، والله أعلم.

الحالة الثانية: أن يكفر عن الجماع الأول، ثم يمسك، ثم يجامع مرة ثانية في نفس اليوم.

فالمذهب: تلزمه كفارة ثانية.

والقول الراجح والله أعلم: تلزمه كفارة واحدة، وهو قول جمهور العلماء، وحكاه ابن عبدالبر إجماعًا.

التعليل: لأن صيامه بطل بالجماع الأول، وجماعه الثاني وقع في صوم باطل.

مسألة: من جامع ثم بعد ذلك مرض أو جُن، أو امرأة حاضت أو نفست بعد ذلك الجماع، أو مقيم طرأ عليه السفر بعد ذلك الجماع وسافر، فإن الكفارة لا تسقط، وهذا قول المذهب، وهو الراجح والله أعلم.

والتعليل:
1- لأنه حين الجماع كان ممن لم يؤذن له بالفطر؛ فلزمته الكفارة.

2- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان وألزمه بالكفارة لم يستفصل منه: هل طرأ عليه عذر بعد ذلك أم لا.

مسألة: ومن جامع بعد أن قدم من سفر وكان مفطرًا أو مريض برئ، وكان مفطرًا، ثم جامع، أو غيرهم من أهل الأعذار بعد زوال العذر، فعليه الكفارة على قول المذهب؛ لأن المذهب يلزمون أهل الأعذار بالإمساك بعد زوال العذر.

والراجح والله أعلم: أنهم ليس عليهم كفارة؛ لأنه لا يجب عليهم الإمساك (سبقت المسألة في باب صوم أهل الأعذار)، وأن من حل له الفطر في أول النهار، حل له الفطر في آخره.

فائدة: في الإطعام لا يشترط التمليك كما سبق، وعلى هذا يكون للإطعام حالان:
الأولى: أن يجمع ستين مسكينًا ويعشيهم أو يغديهم.

والثانية: أن يملك كل مسكين طعامًا من غالب قوت البلد، وقدره يرجع فيه إلى العرف كما سبق.

مسألة: الكفارة لا تجب على من جامع وهو صائم إلا بشرطين:
1– أن يكون صومه في رمضان، فنخرج ما لو صام صيامًا واجبًا في غير رمضان ثم جامع وهو صائم كصيام النذر، وكفارة اليمين، وقضاء رمضان وغيرها، فلا تجب الكفارة، وهذا هو قول جمهور العلماء.

2- أن يكون صومه في رمضان واجبًا، فنخرج ما لو جامع في نهار رمضان، وهو على سفر أو مريض وكان صائمًا، فلا تجب الكفارة؛ لأنه لا يجب عليه الصيام.

مسألة: إذا لم يجد المجامع في نهار رمضان - في صوم واجب - الكفارة سقطت عنه لعجزه، وهذا قول المذهب، وهو الراجح والله أعلم كما في الحديث السابق، لكن إن وجدها قريبًا أخرجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما أُتي بعرق فيه تمر: ((تصدق بهذا))، والواجبات تسقط بالعجز؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين مرفوعًا: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)).

مسألة: المرأة تجب عليها الكفارة إن كانت مطاوعة – أي: غير مكرهة على الجماع - لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلا بدليل.

- الصحيح أن الجماع لا يكون مفطرًا إلا بالشروط الثلاثة التي سبقت؛ وهي: العلم، والذكر، والاختيار.

قال ابن عثيمين في الممتع عن المجامع في نهار رمضان 6/404: "والصحيح أن الرجل إذا كان معذورًا بجهل، أو نسيان أو إكراه، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه، فليس عليها قضاء ولا كفارة، والمذهب أن عليها القضاء، وليس عليها الكفارة، وهذا من غرائب العلم أن تعذر في أحد الواجبين دون الآخر، لأن مقتضى العذر أن يكون مؤثرًا فيهما جميعًا أو غير مؤثر فيهما جميعًا، وقد علمت الصحيح في ذلك".

والمقصود بالعذر بالجهل هو أن يجهل هل الجماع يفطر أم لا؟ أما إن كان يعلم أنه يفطر، ولكنه يجهل أن عليه الكفارة، فإن الكفارة تجب عليه؛ لأن العذر بالجهل متعلق بحكم الصوم.

المسألة العاشرة: المفطرات المعاصرة:
والمراد بالمفطرات المعاصرة هي مفسدات الصيام التي استجدت، وهي كثيرة؛ منها:
أولًا: ما يدخل إلى بدن الصائم عن طريق الفم.
1- بخاخ الربو.
بخاخ الربو: هو علبة فيها دواء سائل يحتوي على ثلاثة عناصر: الماء والأكسجين ومواد كيميائية.
والقول الراجح والله أعلم: أنه لا يفطر.

والتعليل:
أ- أن دخول شيء إلى المعدة من بخاخ الربو أمر ليس قطعيًّا، بل هو مشكوك فيه، والأصل بقاء الصيام وصحته، واليقين لا يزول بالشك.
ب- أنه لو دخل شيء، فهذا الداخل إلى المريء ثم إلى المعدة قليل جدًّا، فلا يفطر قياسًا على المتبقي من المضمضة والاستنشاق، وأيضًا هذا البخاخ ليس أكلًا ولا شربًا.

رجح هذا القول ابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين، واللجنة الدائمة.

2- الأقراص التي توضع تحت اللسان:
وهي أقراص توضع لعلاج الأزمات القلبية، توضع تحت اللسان ويحملها الدم إلى القلب، فتوقف أزمته المفاجئة، دون أن يدخل إلى جوفه شيء.

القول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر.

والتعليل: لأنه لا يدخل إلى الجوف شيء، وأيضًا ليست أكلًا ولا شربًا.

3-منظار المعدة:
هو جهاز طبي يدخل عبر الفم إلى البلعوم ثم إلى المريء ثم إلى المعدة يتم فيه تصوير المعدة أو أخذ عينة صغيرة لفحصها.

القول الراجح والله أعلم: أنه لا يفطر.

والتعليل: لأن ذلك لا يدخل في حكم الأكل والشرب ولأنه لا يتغذى به.

ويستثنى من ذلك ما لو وضع الطبيب مادة دهنية مغذية في المنظار ليسهل دخوله إلى المعدة، فإنه يفطر.

قال ابن عثيمين في الممتع 6/371 عن منظار المعدة: "والصحيح أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار؛ فإنه يكون بذلك مفطرًا".

فائدة: المنظار الشرجي الراجح فيه والله أعلم: أنه لا يفطر، والتعليل فيه كالتعليل في منظار المعدة.

ثانيًا: ما يدخل إلى الجسم عن طريق الأنف:
1– قطرة الأنف:
القول الراجح والله أعلم: أنها تفطر بشرط وصولها إلى المعدة.
والتعليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الصائم عن المبالغة في المضمضة والاستنشاق كما في حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه، وهذا يدل على أن الأنف له منفذ إلى المعدة.
ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين.

2– غاز الأكسجين:
هو هواء يعطى للمريض ويذهب معظمه في الجهاز التنفسي.
القول الراجح والله أعلم: أنه لا يفطر؛ لأنه كالهواء الطبيعي.

3 – بخاخ الأنف:
والقول فيه كالقول في بخاخ الربو عن طريق الفم وقد سبق بيانه، وعلى ذلك، فإنه لا يفطر.

ثالثًا: ما يدخل إلى الجسم عن طريق الأذن:
1-قطرة الأذن:
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر، وقد بين الطب الحديث أنه ليس هناك منفذ بين الأذن والجوف إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا حصل خرق في طبلة الأذن.

2- غسول الأذن:
وهذا حكمه حكم قطرة الأذن، إلا إذا خرقت طبلة الأذن، فيكون هناك منفذ إلى الجوف، إذًا غسول الأذن ينقسم إلى قسمين:
1- إذا كانت الطبلة موجودة فلا يفطر.
2- إذا كانت الطبلة فيها خرق، فإنه يفطر؛ لأن السائل الداخل كثير.

رابعًا: ما يدخل إلى الجسم عن طريق العين:
1 - قطرة العين.
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر.

التعليل:
1- أن جوف العين لا تتسع لأكثر من قطرة واحدة 0,06 من السنتيمتر المكعب، وهذا المقدار لن يصل إلى المعدة لقلته، وإن وصل، فهو يسير يُعفى عنه، كما يعفى عن الماء المتبقي من الماء بعد المضمضة.

2 - أن هذه القطرة ليس منصوصًا عليها، ولا بمعنى المنصوص عليه، فالعين ليست منفذًا للأكل والشرب.
ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين.

خامسًا: ما يدخل إلى الجسم عن طريق الجلد:
1 - الإبر (الحقن):
وهذه الإبر تنقسم إلى قسمين:
أ – الإبرة الجلدية والعضلية غير المغذية: وهذه لا تفطر.
والتعليل: أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده، وهذه الإبر ليست أكلًا ولا شربًا ولا بمعناهما، ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين، بل هو قول جمهور الفقهاء المعاصرين.

ب – الإبرة الوريدية المغذية:
والراجح فيها والله أعلم: أنها تفطر.

والتعليل: أنها في معنى الأكل والشرب، فالذي يتناولها يستغني عن الأكل والشرب.

ورجح هذا القول ابن باز وابن عثيمين، وهو من قرارات المجمع الفقهي، وبناءً على ما سبق تبين لنا أن الإبر التي يتعاطاها مريض السكر ليست مفطرة.

2- الغسيل الكلوي:
له طريقتان:
أ – الغسيل بواسطة آلة تسمى "الكلية الصناعية"؛ حيث يتم سحب الدم إلى هذا الجهاز الذي يقوم بتصفية الدم من المواد الضارة، ثم يعود إلى الجسم عن طريق الوريد، وفي أثناء هذه الحركة يحتاج إلى سوائل مغذية تعطى عن طريق الوريد.
ب – عن طريق الغشاء البريتواني في البطن، فيدخل أنبوب صغير في جدار البطن فوق السرة، ثم يدخل عادة لتران من السوائل تحتوي على نسبة عالية من السكر الجلوكوز إلى داخل البطن، وتبقي في الجوف فترة ثم تسحب مرة أخرى، ويكرر هذا العمل عدة مرات في اليوم.
والقول الراجح والله أعلم في غسيل الكلى: أنه مفطر.
والتعليل: أن غسيل الكلى يزود الدم بالدم النقي، وقد يزود بمادة غذائية أخرى، فاجتمع مفطران.
ورجح هذا القول ابن باز، وأفتت به اللجنة الدائمة.

سادسًا: التحاميل:
أ - التي تستخدم عن طريق فرج المرأة ومثله: (الغسول المهبلي).
والقول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر.

والتعليل: أثبت الطب الحديث أنه ليس هناك اتصال بين فرج المرأة والجوف.

ب – التحاميل التي تؤخذ عن طريق الدبر:
القول الراجح والله أعلم: أنها لا تفطر.
والتعليل: لأنها تحتوي على مواد علاجية دوائية، وليس منها سوائل غذائية، فليست أكلًا ولا شربًا ولا في معناهما، ورجح هذا قول ابن عثيمين.

سابعًا: التبرع بالدم:
والقول في التبرع بالدم كالقول في مسألة الحجامة.
وسبق قول المذهب: أنها مفطرة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ورجح هذا القول ابن عثيمين.
والقول الثاني وهو قول الجمهور: أنها لا تفطر.
- قال ابن عثيمين في مجالس رمضان (ص: 101): "... وعلى هذا فلا يجوز للصائم صومًا واجبًا أن يتبرع بإخراج دمه الكثير الذي يؤثر على البدن تأثير الحجامة... وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال أو الباسور أو قلع السن أو شق الجرح أو تحليل الدم أو غرز الإبرة ونحوها - فلا يفطر؛ لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها؛ إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة".

ثامنًا: أخذ دم للتحليل:
ليس هناك دليل على إفساد الصوم بأخذ القليل من الدم؛ لأنه ليس في معنى الحجامة، فالحجامة تضعف البدن وعلى هذا أخذ دم للتحليل لا يفطر.

تاسعًا: معجون الأسنان:
لا يفطر؛ لأن الفم في حكم الظاهر، لكن الأفضل ألا يستخدمه الصائم إلا بعد الإفطار؛ لأن له نفوذًا قويًّا.

عاشرًا: استعمال الطيب ومنه البخور:
أما الروائح العطرية (الطيب)، فلا يفطر؛ لأنه استعمال خارجي، وأما البخور، فقد يفطر به الصائم، إذا استنشقه وتكببه؛ لأن له جرمًا يدخل الجوف.

قال ابن عثيمين في الفتاوى المهمة (ص: 436) عندما سُئل عن استعمال الصائم للروائح العطرية:
"لا بأس أن يستعملها في نهار رمضان، وأن يستنشقها إلا البخور لا يستنشقه لأن له جرمًا يصل إلى المعدة وهو الدخان"؛ [انظر الفتاوى المهمة، جمع وترتيب: صلاح محمود السعيد].




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.91 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]