زوجتي ناشز - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-10-2021, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي زوجتي ناشز

زوجتي ناشز
أ. عائشة الحكمي



السؤال
مُشكلتي أيُّها الأساتذة الكرام، هي كالآتي:
أنا منذُ سَنوات وأنا أُعاني مِن نُشوزِ زَوجتي وهجْرها لبيتها، بداعٍ أو بدونه؛ فالفتاةُ التي انتظرتها حتى أكملتْ دِراستها وتكوينها في ميدانِ التعليم، وأنجبت منها الآن أولادًا - ما زالتْ لم تُدركْ قدسيةَ العلاقة الزوجيَّة وكُنهها، فهي في مرَّاتٍ عديدة تدَّعي المرَضَ، أو تدَّعي بأنَّ أمها مريضةٌ، أو تدعي أنَّ مناسبةً مِن المناسبات ستُقام في بيت عائلتها، بل وفي مرَّات عديدة تفتعل المشاكل دون سبب أو مبرِّر!
إلاَّ أنَّني أُدرك طبيعةَ زوجتي النفسيَّة؛ فهي عصبيةُ المِزاج، كثيرةُ التذمُّر والبكاء، لا يَروقها أيُّ شيءٍ في البيت، حيث أطلعتْني في عددٍ مِن المرات أنها تشعر بالأمان وبالراحة كلَّما كانت في بيتِ والدتها، فأسْمح لها بمغادرةِ بيت الزوجيَّة، فإنَّها - وبالرغم أنَّني ألبي جميعَ طلباتها وأساعدها في أشغال البيت، كما أنَّني لا أُرهقها بأيَّة طلبات كيفما كانتْ - شديدةُ الارتباط ببيت أُسْرتها وبقُربها من والدتها وإخوتها، والآن أصبحتْ تُطالبني بتوفيرِ جوٍّ لائق لا أعرِف ما هو! بل وأصبحت تشترط عليَّ جلْبَ خادمة إلى البيتِ؛ حتى تستطيعَ القدوم إلى البيت.
أتألَّم وأتأسَّف لاشتياقي لأبنائي وبُعْدهم عن عيْني، وجعْلهم ضحايا رغْمَ حبِّهم لي؛ حيث قرَّرت أن أبتعدَ عنها حتى تُقرِّر مصيرَها ومصيرَ الأبناء، فهلْ هذا القرار صائبٌ؟


الجواب
بِسمِ اللهِ المُلْهِم للصَّواب
وهو المُستعان

أيُّها الأخ الفَاضِل:
لقدْ جعَلَ اللهُ مِفْتاحَ العَلاقة الزَّوجيَّة بيدكَ؛ فكيف تجعله بيدِ زوجتكَ وأنتَ تتَّهمُها بالنُّشُوز؟! رَوَى البيهقيُّ في "سُننه" عن إبراهيمَ قال: حدَّثني الأسودُ وعلقمةُ، قالا: "جاءَ رجلٌ إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - وقال: كان بيْني وبيْن امرأتي بعضُ ما يكون بيْن الناس، فقالت: "لو أنَّ الذي بيدِكَ مِن أمري بيدي، لعلمت كيف أصنع"، قال: فقلت: "إنَّ الذي بيدي مِن أمرِكِ بيدِكِ"، قالت: "فإنِّي قد طلقتُكَ ثلاثًا"، قال عبدالله: "أراها واحدةً وأنت أحقُّ بها، وسألْقَى أمير المؤمنين عمرَ، فأسأله عن ذلك"، قال: فلَقِيه فسألَه فقصَّ عليه القِصَّة، فقال عمر - رضي الله عنه -: "فَعَل اللهُ بالرِّجال! يَعمِدون إلى ما جعَل الله بأيديهم فيجعلونه بأيدي النِّساء، بفِيها التُّراب، فما قُلتَ؟"، قال: قلتُ: "أَراها واحدةً وهو أحقُّ بها"، قال: "وأنا أرَى ذلك، ولو قلتَ غيرَ ذلك، لرأيتُ أنَّك لم تُصِب".
والمرأة العاقلة تردُّ هذا الأمرَ إلى زَوجِها إنْ هو جعلَهُ بيدِها في لَحْظةٍ عاطفيَّة، لا أنْ تُقرِّر وأدَ حياتها بيديْها، ففي "الأذكياء" لابنِ الجوزيِّ قال: "حدَّثَنا العتبيُّ قالَ: قالَ رجلٌ مِن ولدِ علي - رضي الله عنه - لامرأتِه: "أمرُكِ بيدِكِ"، ثم نَدِم، فقالتْ: "أمَا واللهِ لقَدْ كانَ بيدِكَ عِشْرين سنَة، فأَحسنْتَ حِفْظَه وَصحْبَه، فلن أُضيِّعه إذا كانَ بيدِي ساعةً مِن نَهَار، وقدْ رددْتُه إليْكَ"، فأُعجِب بذلكَ مِن قولِها وأمسَكَها"، وقد جاءَ ذِكرُ أَسْماء أَصْحابِ هذه القِصَّة في "العقد الفريد" لابن عبد ربِّه مِن أنَّ المقصودَ بولَدِ عليٍّ هو "الحَسَن بن علي بن حسين"، وأنَّ امرأتَه العَاقِلة هي "عَائِشَة بنت طَلْحَة".
وإذًا، فالجوابُ على سُؤالكَ: "قررت أن أبتعد عنها حتى تقرر مصيرها ومصير الأبناء، فهل هذا القرار صائب؟" يحتمل الصَّوابَ والخطأَ، فهو قَرارٌ خَاطِئٌ من جِهةٍ، وصَائِبٌ من جهةٍ أُخرى، وسأبيِّن لكَ ذلكَ - إن شاءَ اللهُ تعالى:
قدْ جرَتِ العادةُ أنْ تتعلَّق الفتاةُ بغرفتِها في مَنزلِ أبويْها قبلَ الزَّواج، ثمَّ إنْ هي تزوَّجتْ وأصبح لديْها مَمْلكةٌ عظيمةٌ تحوي العَديدَ مِن الغُرف والحَمَّامات الخاصَّة، تحوَّل ذلك التَّعلُّقُ مِن الغُرفة الصَّغيرة التي يشاركُها فيها بعضُ أَخواتِها إلى بيْتِ الزَّوجيَّة الدَّافئ، هذا حالُ مُعظم الفَتيات، لكنَّ الأمرَ مع زوجتِكَ يختلف! فهي لا تزال مُتعلِّقة ببيت أهلها رغمَ طولِ مدَّة زواجِها، وهو تصرُّف شاذٌّ عن طبيعةِ الزَّوجات، وبحاجةٍ إلى تفسير مَنطقيٍّ، فإمَّا أن تكونَ زوجتُكَ ذاتَ عِلَّةٍ نفسيَّة لم تتَّضِح لي؛ لعدم توسُّعكَ في الشَّرح، أو أنَّها امرأةٌ لا تُقدِّر النِّعمَ والحُبَّ والاهتمام الذي تُغدِقه عليها، وربَّما اجتمعَ السَّببانِ لديها.
الافتراضُ الأوَّل المُتعلِّق بالمُشكلة النَّفسيَّة، سأترُكه مُعلَّقًا؛ لأنَّ الأعراضَ التي ذَكرتَها عنها غيرُ كافية لوَضْعِ تَصوُّرٍ شاملٍ عن وَضْع زوجتِكَ النَّفسيِّ، فقط سأُركِّز بالشَّرحِ على الجَانِب الآخَر المُتعلِّق بعدَم التَّقدير، وهو جانبٌ يَكشِفُ عن عَلاقةٍ بينكما يسمِّيها خبراءُ العَلاقات الاجتماعيَّة: عَلاقة "الانْسِحَاب والمُطارَدةPursuit and Withdrawal "، وهي عَلاقة تقومُ بيْن شَريكيْن أحدهما لديه الحاجة المُلِحَّة للتَّواصل والاهتمام والحُبِّ (وهو الشَّريك المُطارِد)، وآخَر يُزعِجه الاهتمامُ والسُّؤال والتَّواصُل المُستمرّ، فيلجأ إلى الانْسِحَاب والابتعَادِ (وهو الشَّريك المُنسحِب).
أشهر مَن يُمثِّل هذه العَلاقة هما: مُغِيث وبَرِيرَة؛ لذلك أُفضِّل تسميتَها بعلاقة مُغِيث وبَرِيرَة؛ فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ: "أنَّ زَوجَ بَريرةَ كان عبدًا يقال له: مُغِيث، كأنِّي أنظرُ إليه يطوفُ خلفَها يبكي ودُموعُه تسيلُ على لحيتِه، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لِعبَّاسٍ: ((يا عباسُ، ألاَ تَعجبُ مِن حُبِّ مُغيثٍ بَريرةَ، ومِن بُغض بَريرةَ مُغِيثًا؟))، فقالَ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَوْ رَاجَعْتِه))، قَالَتْ: يَا رَسولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي؟ قال: ((إنَّما أَنا أَشْفَعُ))، قالتْ: "لا حَاجَةَ لِي فِيهِ"؛ رواه البخاري.
يتميَّز الشَّريكُ المُطارِد "مُغِيث" بالأُلْفة أكثرَ مِن الشَّريكِ المُنسحِب "بَرِيرَة"، وهو ما يَدفعُه إلى السُّؤالِ والاهتمامِ والتَّواصلِ مع الشَّريك المُنسحِب، فيعمل جاهدًا على إرضائِه بشتَّى السُّبل؛ خشيةَ أن يفْقده، بينما يُعطي هذا الاهتمامُ المُكثَّف نتائجَ عكسيَّةً لدَى الشَّريك المُنسحِب؛ إذ يُشعره الاهتِمَامُ المُتزايد والسُّؤال الدَّائِم بالاختناقِ والضَّغْط، فيستمرُّ في انسحابِه وابتعادِه العَاطفيِّ، وكأنَّ لسانَ حالِ "مُغِيث" قولُ الشَّاعر:

يَرِيبُنِي مَا أَرَى مِنْكُمْ وَيَعْطِفُنِي
إِلَى هَوَاكُمْ وَفَاءٌ لَسْتُ أَسْأَمُهُ



ولِسَان حَالِ "بَرِيرَة":

قَالَتْ لَنَا كَيْفَ أَنْتُمْ؟
غِيبِي وَنَحْنُ بِخَيْرِ!



وهذا الاختلافُ في التَّعبيرِ عنِ المَشاعِر سبَبٌ للتَّوتُّر في العَلاقات الاجتماعيَّة، والصِّراعات بيْن الأزْواج والأصْدقاءِ والأحِبَّة، وكما هو ظاهرٌ في استشارتِكَ، فأنتَ تُمثِّل طرفَ العَلاقةِ المُطارِد، بينما تمثِّل زوجتُكَ طَرَفَ العَلاقة المُنْسَحِب!
بصِفة عامَّة، فإنَّ العَلاقاتِ بين الرِّجالِ والنِّساء قائمةٌ على مَبْدأ الانسحابِ والمُطارَدة، فمُعظمُ الرِّجال بطبيعتِهم مُطارِدون، ومعظمُ النِّساءِ بطبيعتهنَّ مُنسحِبات - اليوم أصبحَ العكس هو الصَّحيح! فنِساؤنا هنَّ المُطارِداتُ، ورجالُنا هم المُنسحبون!
وهذا المَنْهجُ في العَلاقات بيْن الرِّجالِ والنِّساء صِحِّيٌّ وطبيعيٌّ جدًّا قبل الزَّواج، وأمَّا بعدَ الزَّواج، فهو سببٌ للمُعاناةِ والمُشكلات الزَّوجيَّة، فالمُفترَض بعدَ الزَّواج أنْ يُصبحَ لدَى كلِّ شريكٍ جُزءٌ مُطارِد وجُزء مُنسحِب في شخصيَّته؛ لتحقيقِ نوعٍ من الانْسِجَام والاسْتِقْرار، ولتجديدِ العَلاقةِ الزَّوجيَّة وإبقائِها دافئةً على الدَّوام.
وحلُّ هذه المُشكلةِ بالنِّسبة لكَ كشريكٍ مُطارِد هو انتهاجُ أسلوبِ: "سَحْب الانْتِبَاه Withdrawal of Attention".

فَإِنِّي رَأَيْتُ الغَيْثَ يُسْأَمُ دَائِمًا
وَيُسْأَلُ بِالْأَيْدِي إِذَا هُوَ أَمْسَكَا



وهو الأسلوبُ الذي بدأْتَ به بالفِعْل؛ ولهذا قلتُ لكَ: إنَّ قراركَ صَائِبٌ مِن جهة، وخَاطِئ مِن جِهةٍ أُخرى؛ فالجانبُ الصَّائب هو وقفُ الانتباهِ والاهتمامِ بزوجتِكَ؛ كي تنتبهَ هي إلى فقدانِ المَزايا والهَدايا العَاطفيَّة التي كانتْ تُهدَى لها بمُناسبةٍ وبغيرِ مُناسبة، وأمَّا الجانبُ الخَاطِئ، فتَرْكُ مصيرِ هذه الحياةِ بِيَدِ زوجتِكَ التي لم تُقدِّر هذه الحَياة، فهناك فَرْقٌ بيْن سَحْب الانتباهِ كحلٍّ علاجيٍّ للمُشكلة، وبيْن تسليمِ مَقاليدِ العَلاقة كي تتصرَّف بها زوجتُكَ كما تشَاء، قرارٌ كهذا هو شَكلٌ مِن أشكالِ الانتباهِ والاهتمام الَّذي نُريد سحبَه الآن، هلِ اتَّضح الفَرْقُ؟!
يَنبغي لكَ - أيُّها الأخ الكريم - أنْ تُغيِّر أسلوبَكَ في العِطاء والاهتمَام؛ لأنَّ هذا الأسلوبَ غير مُجدٍ ألبتةَ مع زوجتِكَ - هنا أتحدُّث عن حالةٍ خاصَّة هي زوجتُكَ، وليستْ كلُّ النِّساءِ مِثلَ زوجتكَ - لذا توقَّف عن خِدماتكَ المُبارَكة في البَيْت ما دامتِ النَّتيجة هي طَلبَ الخَادِم بدلاً من شُكرها لكَ، وتوقَّف عن تلبيةِ بعضِ مَطالبِها ما دامتْ تملكُ مَهْواةً من المَطالب والاحتياجات لا يُدْرَك قَعْرُها، فلا تَشعُر بالاكتفاءِ والامتلاءِ مهما انثالتْ عليها عطاءاتُك ومشاعرُكَ الصَّادِقة!
تحتاج زوجتُكَ في المقابِل إلى مِساحةٍ أوسعَ لتتحرَّك في بيتها بحُريَّة، فلا تَلتصقْ بها على الدَّوام، وكأنَّه لا يوجد شيءٌ يَشغلكَ سواها، وفِّر - عُوفيت - بعضَ المساحةِ الزَّمنيَّة والمكانيَّة؛ لكي تَقضي زوجتُكَ وقتَها مع صديقاتِها وأهلِها وهواياتِها بَعيدًا عنكَ؛ كي يُتيحَ لها ذلك فُرصةَ العَوْدة إليكَ بشَوْقٍ، لا الرُّجوع إليكَ مُرْغمة!
يُشبِّه المُختصُّون بالعَلاقات الاجتماعيَّة العَلاقاتِ بيْن بالشُّركاء بالغِذَاء، ففي إحْدى الدِّراساتِ التَّجريبيَّة وجَدَ الباحثُون أنَّ الأشخاصَ الذين خَضعوا لحِمْياتٍ غِذائيَّة مُنخفِضَةِ السُّعراتِ الحَراريَّة، قد أصبح لديهم شُعور مُلِحٌّ لتناولِ الطَّعام، وكأنَّهم قد دخَلوا في المَجاعةِ؛ إذْ أصبح جُلُّ تَركيزِهم ومحور تَفكيرِهم في الطَّعام والشَّراب، وحين انتهتْ مُدة الحِمْية وتُركِت لهم حُريَّة تناول ما يَشتهون من الأَطْعِمة والأَشْرِبة، لاحظَ الباحِثون أنَّ هؤلاءِ الأشخاصَ قد أقْبلوا على الطَّعام بنَهَم كبير، فمهما امتلأتْ بطونُهم، فإنَّ شهوتَهم نحو الطَّعام لا تَنتهي، وبعد مُرور بِضعة أيَّام حين شَعرَ المَفْحوصون بالاطمئنانِ إلى أنَّ كمَّيةَ الطَّعام في مُتناول أيديهم، ولن يُحرموا منه بسببِ الحِمْية، تراجعَ إقبالُهم على تناول الطَّعام! والنَّتيجة التي توصَّل إليها الباحثون: أنَّ الحِرمانَ مِن الأشياءِ "الطَّعام في التَّجربة" هو الذي يَدفع بالفردِ للإقبالِ على هذه الأشياء بشَكلٍ مُفرِط!

مُنِعْتَ شَيْئًا فَأَكْثَرْتَ الوَلُوعَ بِهِ
أَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الإنْسَانِ مَا مُنِعَا



وهذه النَّتيجةُ هي التي نُريد أنْ تَصِل إليها زوجتُكَ الكَريمة الآن، فحِرمانُها مِن المُميّزات التي كانتْ تُعطَى لها، سيجعلُها تُفكِّر في قيمتِها وقِيمتِكَ، فإنِّي رأيتُ حالَكما كما يقولُ امرؤُ القَيْس:

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ



"قال مُحمَّدُ بنُ رَاشِد: كُنَّا يومًا معَ إِسْحاقَ بنِ إبْرَاهيم الطَّاهريِّ نتحدَّثُ ونخوضُ في ضُروبٍ مِن الآدابِ، إذ أقبلَ علينا فقالَ: مَا أرادَ امرؤُ القَيْسِ بقولِه:

أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ



فكُلٌّ قالَ بما حَضَرَه، فقال: لم يُرِد هذا، قُلْنا: مَا أرادَ؟ قالَ: أرادَ تَمْلِكين قَلبَكِ، فإنْ أردْتِ صُرْمي قَدرْتِ عليه، وإنْ أردْتِ صِلَتي قدرْتِ عليها، وأنَا لا أَملكُ مِن قَلْبي إلاَّ صِلتَكِ؛ ومعنى أغَرَّكِ: أي جرَّأكِ عليَّ)؛ "البصائر والذَّخائر"؛ لأبي حيَّان التَّوحيديّ.
فلتجرِّبْ هذا الأسلوبَ في كلِّ مرَّةٍ تَشعُرُ فيها أنَّ عَطاءَكَ غير مَشْكور، وحبَّكَ غير مُقدَّر، وبمجرَّد أنْ تعودَ إليكَ طائعةً وراغبةً، فأوقف سَحْبَ الانتباه عنها، وامنحْها حُبَّكَ وعطاءَكَ واهتمامكَ، ولكن بشكلٍ مُتوازن ومعقول يَتناسبُ وطبيعةَ زوجتكَ واحتياجاتِها العَاطفيَّة، أمَّا الأبناءُ فيَنبغي دائمًا إخراجُهم مِن الحَلْبَة؛ إذ لا عَلاقةَ للأبناءِ بمُشكلاتِ الكِبار، وعلاقاتنا بهِم لا بُدَّ أن تَستمرَّ بشكلِها الطَّبيعيِّ حتَّى بعدَ الطَّلاق، فالطَّلاق هو فراقُ زَوجيْن، لا فراقُ أبويْن.
ومِن الضَّرورةِ بمكانٍ أن تجلسَ مع والدةِ زَوجتِكَ على انفرادٍ - إذا كانت والدتُها امرأةً عَاقِلةً لا تَسعَى لتُفسِدَ ابنتَها على زَوْجها - واشرحْ لها قُصورَ ابنتِها معكَ، فإنْ لم تكُنْ كما نرجو، فحدِّث والدَها، ولا تستجِبْ لأيِّ مَطالب، سواء فيما يتعلَّق بجَلْب خادمٍ أمْ غيره، فإنْ لم تَستجبْ لكَ طوعًا، ولم تجدْ إليها سَبيلاً، فداوِ نفْسكَ بالبُعد عنها، حتَّى تُراجِع نفسَها بنفسِها، ومتى اشتاقتْ إليكَ، فالبيتُ مُفتَّح الأبواب.

وَمَا هَجَرَتْكِ النَّفْسُ يَا لَيْلَ أَنَّهَا
قَلَتْكِ وَلَكِنْ قَلَّ مِنْكِ نَصِيبُهَا

فَيَا نَفْسُ صَبْرًا لَسْتِ وَاللهِ فَاعْلَمِي
بِأَوَّلِ نَفْسٍ غَابَ عَنْهَا حَبِيبُهَا



وحَذارِ أنْ تُفكِّر في طلاقِها، فأنتَ تحبُّها كثيرًا، ولو فعلتَ ذلك فستتبعها نَفْسكَ، فتندم وتتألَّم، واقصدْ إلى أَكرمِ مَن قَصد إليه المُضطرُّون، وأمَّل فيما لديه الرَّاغبون، أنْ يُصلِحَ مِن زَوجِكَ ما فسَد، ويقرَّ عينَكَ بها، ويردَّها إليكَ رَدًّا جميلاً، أُعطيتَ الرِّضا وفوقَ الرِّضا أيُّها الأخُ الفاضل.

واللهُ - سبحانه وتعالى - أعلم بالصَّواب، والحمدُ للهِ ربِّ العَالمِين، وصلَّى اللهُ على سيِّدنا مُحمَّدٍ نبيِّه الكَريم، وعلى آله وسلَّم تسليمًا.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.55 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.92%)]