|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الوازع الديني من نبوة أو دعوة حق د. أسعد بن أحمد السعود الوازع لغة هو الحابس وهو القاسم وهو المُلهِم وكلها تقضي إلى حصر التفكير والتدبير بالمصدر الديني فقط ويجمع العلماء أن من يحمل الوازع الديني أو من يحبسه الدين الذي جاء به نبي أو داع حق يقل إقباله على أمور الدنيا فيذهب التنافس ويقل الخلاف وينمو التعاون والتعاضد ويتسع مجال الكلمة، وبذلك يحصل الاستبصار في كل الأمور كما يقول ابن خلدون فتتخذ الوجهة ويتساوى المطلوب ويستميت المطالب وينتهي ذلك باتساع الاجتماع وعظمة المُلك. والدراسات الميدانية التي أجريت على شرائح متعددة من الأطفال والشباب ومتوسطي الأعمار وبمجتمعات مختلفة ومتباينة أعطت هذه الدراسات نتائج فاقت 98 - 99% من العينات: محصلتها أن سلوك الفرد الديني يتمشى مع اتجاه العقلي نحو الدين وقبوله للقيم الدينية. فكلما زاد إيمان الفرد الديني كلما زاد نشاطه الديني والعكس صحيح. ويورد الدكتور عبد الرحمن عيسوي في كتابه المترجم (النمو الروحي والخلقي) دلالات من خلال التجارب الميدانية والدراسات الاجتماعية على شرائح مختلفة وبأعمال مبكرة ومتوسطة وبمشاركة علماء اجتماعيين ونفسانيين آخرين وفي دول مختلفة يؤكد القول على أن الدين لا تقتصر آثاره ووظائفه على مرحلة واحدة من مراحل العمر وإنما يشمل أثره كافة مراحل النمو الإنسان ويدل على أن القيم الدينية والسلوك الديني يؤثران بصورة أو بأخرى في كل جوانب حياة الفرد إلا أن تأثيرهما أكبر في حياة الفرد الانفعالية (خصوصاً) في مرحلة الطفولة والمراهقة حيث مراحل التكوين والصقل. وقد أيد علماء آخرون بتجاربهم العديدة أن الكائن البشري يولد بحالة حيادية (حالة ساكنة) حيال الدين، بل أنه يمتلك الاستعدادات للتكيف والتي تجعل النمو ممكنا نحو التدين أو نحو معارضة الدين. فالتعاليم الدينية إذا بدأت في فترات السنوات المبكرة من حياة الإنسان فإن اتجاهاته الدينية مع تقدم السن تصبح أقل تمركزا حول ذاته ويصبح وازعه الديني أكثر شمولا وهذا يعني عملية انتقال أو نمو خصوصيات نفسية واجتماعية من الدائرة الأنانية إلى غير الأنانية ومع تقدم السن والتحول تظهر القوى الرادعة من كونها قوى خارجية أي صادرة من الخارج،من الآباء والأمهات المدرسين وغيرهم من المؤثرات إلى أن تصبح قوى ذاتية داخلية هي ضمير أو وازع الإنسان ويتكون هذا الوازع عن طريق امتصاص قيم الآباء واكتسابها، لتصبح معايير الإنسان نفسه، إذا نستطيع أن نتوصل إلى وصف أشبه ما يكون بمركبة لها موضع للقيادة، فالمركبة هي مجموع الأخلاق التي تتكون منها المركبة أو هي المركبة ذاتها ومركز قيادتها أو توجيهها هو الوازع فإذا كان الوازع ديني فإن المركبة ستسير وتتكيف باتجاه هذا الوازع أو هذا الضمير أما إذا كانت طبيعته التي اكتسبها غير ذلك، فاتجاه سيره وحركته ستكون موافقة له تمام (ويؤكد علماء النفس على أن هذا الوازع وظيفته في الكائن البشري في المجال الخلقي حيث يوافق أو يرفض على بعض مظاهر السلوك وهو يشبه في وظائفه وتكوينه (الذات العليا) في نظر التحليل النفسي ويوصف بأنه نظام الفرد في قبول المبادئ الخلقية أو مبادئ السلوك ويوصف الوازع أو الضمير بأنه القاضي الداخلي أو الرقيب أو رجل الشرطة الذي يحاسب صاحبه على ارتكاب (الأخطاء والمعاصي) (جملة الأخلاق معاكسة لتوجيهات الذات العليا) مما يجعله يشعر (بالذنب أو بتأنيب الضمير أو الوازع) أي يجعله في ركاب من ليس عنده وازع ديني (أي وازع آخر غير ديني). سمات الوازع الديني: من المهم جداً أن نتذكر أن أهم سمة للوازع الديني وتكاد تكون السمة الرئيسة أو السمة الوحيدة هي تطابق وتظافر السلوك للفرد البشري مع معتقده أو تفكيره العقلي أي الانقياد التام لجميع الأخلاقيات أو المكتسبات الباطنية لثنايا النفس لهذا الوازع، وهذه سمة أو خاصة حاضنة لكل من لديه وازع ديني بينما نلحظ وبشكل ميداني محسوس أن من ليس لديه وازع ديني (أي وازع مفتعل آخر) أن سمة التطابق غير مكتملة أو غير موجودة نسبية أو كاملة وقد أيد صحة هذا القول أو هذه السمة‘ وقوع أغلب المدارس أو النظريات التي تعتمد على جانب واحد في تحليل سلوكيات الفرد البشري في الخطأ والفشل فمثلاً: (يعاب على المدرسة التي تعتمد على التحليل النفسي التي تعتمد على المظاهر السلوكية الصرفة في تفسير شخصية الفرد ودوافعه واتجاهاته وعقائده (د.عبد الرحمن العيسوي) بينما المدارس الفكرية الدنيوية الأخرى التي تتبنى نظريات وتحليلات كثيرة ومتشعبة حيث اعتمدت على تنوع المكتسبات العلمية والفكرية كلا على حده أي تجزأت التحليلات تبعا لتفرع العلوم فهناك من ينتهج بعض المدارس السياسية يعبر أصحابها بسلوكيات فعلية مغايرة تماما لاتجاهاتهم العقلية فليس من الضروري أن يعتبر الفرد على اتجاهه العقلي في سلوكه الفعلي وعلى ذلك أمثلة كثيرة في حال كان وازعه غير ديني. مصادر الوازع الديني: في تجربة حسية على (عينة من الأطفال) أجريت عليها بشكل امتحان كتابي وسمح لفرصة غير مباشرة للغش للوصول إلى الحل ولم يعرف أي منهم أنهم كانوا تحت المراقبة، ثم بعد الانتهاء كشف لهم الأمر وأتضح كما بين ( د/عبد الرحمن عيسوي مترجم كتاب النمو الروحي والخلقي) أن حوالي 15% من الأطفال الذين استعمل آباؤهم المعاقبات البدنية كان لهم وازع أو ضمير قوي أو أكثر من 30% ممن لم ينالوا تلك المعاقبات كان لهم وازع أو ضمير قوي أيضاً. وتبين من تلك التجربة وأمثالها من التجارب أن الشيء الهام لتكون الوازع أو الضمير يبدو أنه ليس في شدة العقاب ولكن في طبيعته وطريقة عرضه وتقديمه. وقد بات من الواضح في محصلة تلك التجارب والدراسات أن الطفل يتأثر بقوة كبيرة عن طريق القيم الحقيقية للوالدين وهذه حقيقة مؤثرة حيث يكون التقليد هو الآلية الفاعلة. حقيقة الوازع: في دين الإسلام: (مصادرالوازع في دين الاسلام) قبل أن نبدأ بالحديث عن منابع الوازع في دين الاسلام أو في المجتمع الاسلامي أو في أمة الاسلام وكل هذه التسميات لا حرج لدينا إذا قلنا وبشكل مطلق أنها تعني وتعطي مفهوما ودليلا واحدا على اللفظ والمعنى والغاية قبل ذلك يعترضنا سؤال لا بد من طرحه أولا حتى لا يتشكل لدينا عقبة أو غموض أو ما يشبه المصادرة المسبقة للنتائج وهذا السؤال هو: لماذا التركيز على الأطفال ومراحل النمو الأخرى في الأعمار من حياة الكائن البشري في معرفة مصادر الوازع الديني ومنابعه: وقد عرفنا بعضا من أوجه الجواب فيما ذكرنا من بعض الدراسات والتحاليل والتجارب التي قام بها علماء النفس وعلماء الاجتماع والتربويون وذوي الاختصاصات التي تهتم بهذا الجانب نعود ونذكر بعضا منها: يقول د.عبد الرحمن عيسوي في كتابه المترجم النمو الروحي والخلقي نقلاً عن(Ingleby.A.Towards maturity .Robert Hale.ltd londonP.37.1966) مايلي (وفي الطفولة المبكرة يكون سلوك الطفل ليس خلقيا أو لا أخلاقيا .ان حاجات الطفل الرضيع تشبه حاجات الحيوان،بمعنى أنها فيزيقية حسية ومباشرة فيحاول أن يحصل على الإشباع المباشر لحاجاته وان يتجنب الألم .وفي محاولاته لإشباع حاجاته يكون الطفل الصغير أنانيا متسلطا ومن خلال شعوره بالدفء والبرد والامتلاء والفراغ يحصل الطفل الصغير على الشعور بالخبرات الجيدة والخبرات الرديئة). ويقول العالم بياجيه (Piaget) (عاش في جنيف وكان يعمل في علم النفس الخاص بالأطفال وصدر له أول مؤلف (1923) هناك نوعان من الأخلاق:النوع الذي يظهر مبكراً وهو ما يطلق عليه اصطلاح (الأخلاق الموضوعية).وهنا تكمن الصحة والخطأ في بعض مظاهر السلوك،ويمكن ادراكهما موضوعيا. فالطفل الصغير يعتقد أن أي شخص يستطيع أن يدرك خطا أخذ أي شيء يخص الغير أو يخص شخصا آخر،وتبعا للرأي (بياجيه) فإن الأطفال في سن الثمانية سنوات يحكمون على أي سلوك تبعا لنتائجه بصرف النظر عن الدوافع أو النوايا التي تكمن وراء السلوك وبمرور الزمن يصبح الطفل قادرا على استيعاب الأفكار المجردة حول الخير والشر بوجه عام . واعتقد (بياجيه) أن هناك انتقالا من الضبط الخارجي ومن الواقعية الخلقية إلى النسبية الخلقية . حيث يصبح حكم الطفل الخلقي نسبيا وليس حرفيا. يبدأ الطفل في تكوين فكرته عن الخطأ والصواب عن طريق اكتشافه أن إشباع حاجته في الحب والدفء لا يأتي إلا عن طريق إرضاء أمه،وعن طريق الحصول على موافقتها وهذا يضع الأسس الأولى نحو التعامل مع الناس . فموافقته أو رفض الآباء تمثل الجذور الأولى للمعايير الخلقية. ويقول عالمان آخران هما (هارتشون وماي) من نفس المصدر: (وجد أن الأطفال من سن تسع سنوات يعملون للخير العام ويتعاونون فيما بينهم وتثيرهم دوافع الإحسان) وعلى الرغم من (الجنوح) يزداد انتشاره في مرحلة المراهقة إلا أن جذوره الأولى ترجع إلى الطفولة المبكرة ولا شك أن النمو الداخلي الخلقي عامل أساسي محدد في إزالة (السلوك الجانح). وفي الطفولة المبكرة لا يدرك الطفل الصراع بين الأمانة والولاء للأصدقاء مثلا وكلما تقدم الطفل في السن كان أكثر وعيا وإدراكا لهذا الصراع، وكلما تقدم الطفل في سن أيضا كان أكثر قدرة على ادراك المطالب (الثقافية والتوقعات الاجتماعية). وأما عن (تطور) الحكم الخلقي عند الطفل،فهي في مرحلة الطفولة المبكرة تخلو من وجهات نظر متعددة فالأشياء إما بيضاء أو سوداء، صواب أو خطأ وبالتدريج يتعلم أن (القواعد الاخلاقية)التي يضعها (الكبار) ليست مطلقة و بذلك يمكن (تعديلها)لكي تتناسب مع الظروف المحيطة بكل (موقف معين). وفي المراحل المتقدمة تظهر المرونة في الأحكام الخلقية وعندئذ يدرك الطفل أن (القاعدة الخلقية) يجب أن تتعدل (طبقا للظروف) وانها تكمن في تنفيذ روح (القانون)أكثر من حرفية القانون (القواعد الأخلاقية التي تلقاها والمحيطة في بيئته). هذه رؤيا بانورامية معبرة تمام التعبير عن كل مدارس العلوم التربوية التي أسستها المجتمعات في بدايات القرن العشرين وبدأت تعتمدها كمرتكزات للنهضة العلمية والثقافية وحتى السياسية في مناهج ما يسمى بالعالمين (الأول والثاني) مع الإلحاح الشديد على مؤشرات واضحة المعالم على بدء نشرها وفرضها على بقية مجتمعات العالم الاخرى بغض النظر عن كونها مجتمعات دينية أو لا دينية)(العلمانية والعولمة). ونعود الآن للحديث عن منابع الوازع الديني في المجتمعات الإسلامية ومرة أخرى يعاودنا ابن خلدون في مقدمته ويقول: (اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة ودرجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن وبعض متون الحديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي يبني عليه ما يحصل بعده من الملكات. وسبب ذلك أن تعليم الصغر أشد رسوخا وهو أصل لما بعده لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات. وعلى حسب الأساس وأساليبه يكون حلال ما يبنى عليه). وقد دعم هذه النظرية العلمية القاضي أبو بكر بن العربي من وجهة نظر تربوية علمية ثانية قائلا ![]() والحقيقة التي لا مناص من تبيانها وذكرها ونشرها بكل دقائقها وتفاصيلها ولا يمكن لنا اغفال ولو جزء يسير منها هو تلك العلاقة التي تربط بين قانون الزوال أو التغيير وبين الوازع ومهما كانت صبغة الوازع سواء كان ديني ام غير ذلك وسواء طالت سرعة الزوال أم قصرت ومهما كانت اسبابه تغير او زوال ذاتي أم بالعنوة داخلي أو خارجي وهذه هي العلاقة التي ربطت بين المنزلتين اللتان استنبطناهما من سورة الأعراف ونحاول التعرف على ماهية هذه العلاقة. منزلة التغير أو الزوال وعلاقتها بالوازع: وكما قلنا فإن التغير أو الزوال هو سنة الله في عالم الحياة الدنيا وقد أثبتها وأقرها الإنسان المخلوق الخليفة في الحياة الدنيا على وجه الأرض وصنف هذا الإقرار تحت مصطلح ما يسمى بالقوانين الطبيعية أو العلمية الثابتة والتي لا نقص ولا دحض لها مهما أوتي هذا الإنسان أو مهما ادعى من قوة أو خيال ومهما أوتي من عظمة أو ملك أو سلطان. ولكن الذي يمكن التحدث به أو الأمر الذي يعيشه الإنسان ويتفاعل معه ويعلو صوته وقوته فيه هو (الزمن) الذي يقضيه فيه (بالسلطان) وسواء طال زمن هذا السلطان أم قصر ومع تسليمنا المطلق كما أقررنا منذ البداية بأن الزمن هو منة من خالق الكون لخليفته الإنسان إلا أننا سوف نأتي ببعض آراء أو تفاسير هذا الإنسان لمعنى الزمن أو الحياة كوجه داعم لقصدنا. فإذا سلمنا بمقولة (الناس على دين الملك) من حيث مقومات السلطان أو الملك الظاهرية فإن الوازع هنا يظهر للعيان جليا لا لبس في تحديده، وإذا كان وازع السلطان غير ديني فإن السلطان هنا وكما أشارت وتحدثت به كل أمثلة أحداث التاريخ يبرع في اتباع الأساليب وسن القوانين والأنظمة لتثبيت أركان السلطان وتقوية دعائمه وفي النهاية لبقاء سلطانه (أطول زمن ممكن) وسوف نسرد الأمثلة الكثيرة على ذلك قديمة وحديثة بائدة وحاضرة. ومن أشهر الأمثلة على السلطان البائد والذي كان ينتهج وازعا غير ديني وهو الذي جاءت به حكايات شعوب ذلك السلطان المنحدرة منه منذ ذلك التاريخ أمثال الإمبراطوريات القديمة ذات الوازع الوثني، البيزنطية والرومانية القديمة والإغريقية والفارسية والفرعونية والتي حكمت الأرض لعصور طويلة تحت تصورات ومعتقدات (ثالوثية) وثنية كانت تعاليم السماء خلال ذلك غائبة كلية أو متغيبة حصرتها (كهنة ) تلك الامبراطوريات بالثالوث ذو الرأٍس الوثن أو (الإله) الموضوع من قبلهم والقاعدة التي عمادها القوة والعقل (العلم ) وكذلك من الأمثلة على الممالك أو السلطان البائدة من العصور القريبة والحديثة والذي نهج نفس النهج لتلك الإمبراطوريات هو ما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي حيث اتخذ ذات الثالوث ذو الرأس الوثني وقاعدة القوة والعقل وقد عمل جاهدا للاستمرار والبقاء والسيطرة بالسلطان بهذا الوازع لكن الزوال كان زمنه قصيرا وسريعا. ولعل من الواجب توفر أوجه المقارنة الحقّة بين تسميات هذه الأمثلة وبين تسميات أمثلة آيات وكلمات الله عز وجل في القرآن العظيم أننا نذكر تسمياتها كما جاءت في بدايات سورة الأعراف قال تعالى ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4] ﴿ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 5] (ظالمين= مشركين) = يعبدون غير الله. والحديث عن الممالك والسلطان التي أخذت بالوازع الديني يسلك عدة أوجه نستقي أمثلة عليها من حياة شعوبها المنحدرة منها ومن أمثلة آيات القرآن. والتسميات التي تعارف عليها الناس في تاريخهم الذي وضعوه من دول وسلطان وممالك وإمبراطوريات وربما حتى الحديثة منها من اتحادات وجمهوريات وإمارات ومقاطعات جاءت التسميات في مفردات القرآن العظيم مغايرة تماما ويمكن حصرها على الشكل التالي: 1- تسميات إلهية صرفة لم يعتاد الناس على تداولها مثل القرون- والأقوام - الجبلة - القرى. 2- تسميات نسبت إما إلى أسماء الأنبياء والرسل مثل: هود صالح وشعيب وإسرائيل ويونس ولوط وآل عمران ويوسف ونوح - أصحاب الكهف وتسميات أطلقت للتدليل على الدعوة المضادة لدعوة الأنبياء. وتوحي هذه المسميات على شكل الدولة وأنظمة السلطان القائمة مثل:عاد وثمود والذي حاج إبراهيم في ربه وأصحاب الفيل وفرعون ذي الأوتاد وغلبت الروم - والروم - وسبأ - بابل - يهود بني إسرائيل - أصحاب الجنة - دعوى الجاهلية - أصحاب السبت - عشيرتك الأقربين. ونلاحظ هنا شدة زحمة وكثرة التسميات التي تبنت وازعا في السلطان غير الوازع الديني ومن كثرة التسميات والمسميات أيضا تولدت كثرة الأساليب في اتباع ذلك الوازع لكن المفارقة الجديرة بتبيانها هي تلك التي ذكرتها الآية الكريمة السابقة من سورة الأعراف:﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ... ﴾ [الأعراف: 4] ﴿ .....قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 5]. والقاسم المشترك 1 هو: سلطان القرية = دعواهم .. كنا ظالمين. والقاسم المشترك 2 هو: جاءها بأسنا = أهلكناها. فالقاسم المشترك رقم1 هو الوازع والقاسم المشترك رقم 2 هو الزوال أو التغير والزمن الفاصل بين الحدثين هو زمن أو حياة ذلك السلطان في تلك الدول والممالك والإمبراطوريات والجمهوريات والاتحادات والإمارات. وهذا الزمن ليس كما يبدو لنا من خلال هذا السياق زمنا مطاطيا يتحكم به بني البشر بحسب رغباتهم وتمنياتهم فهذا ليس من حكمة تكوين الكون فالزمن كما هو الزوال والوازع يخضع لمشيئة الخالق الأوحد وقد بين وأوضح طبيعته وشروطه في مفردات وكلمات آيات القرآن العظيم. قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]. وفي سورة الحجر ﴿ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ ﴾ [الحجر: 2 - 4]. وقال تعالى في سورة الإسراء ﴿ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الإسراء: 58]. وقال تعالى في سورة يس ﴿ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [يس: 44]. إذا ها هو الزمن أو السلطان في لغة الاجتماع محدد تمام التحديد له بداية كما له نهاية وليس كما يتوهم أو يحتسب أولئك الذين يقومون على شؤونه. ومن طبيعته: كما بينته الآيات الكريمات أنه هبة من خالق الكون ومدبره وليس من خلق أو صنع الإنسان أبداً. ومن شروطه: مناهضة العدل والمساواة وانتشار الظلم واتساع مساحة أشكاله وأساليبه وتنوع ممارسته. ونستدل على اثنين من هذه الخصائص من سورة آل عمران قال تعالى ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26]. وأما السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يهب المولى عز وجل الملك أو السلطان بزمن قد قدر وقد حمل بطياته حكم الزوال؟ ولماذا وكيف يسعى هذا الإنسان جاهدا لمد عمر سلطانه وقد نشر أمامه كتاب زواله؟ والجواب حتما هو الذي يعطينا اليقين البين على سر العلاقة بين الهبة والزوال وبين الوازع والزوال ونستدرك سؤالا آخر قبل أن نكمل الخوض في استكمال الدلائل والقرائن على مفردات العلاقة تلك وهو (هل كل الذين يمتلكون أو يعيشون السلطان يعرفون الزوال أو يعرفون أن لهم زوال هم بالغوه؟). في البداية ذكرنا أن هناك سرا أودعه الله عز وجل في عبده الإنسان عندما خلقه، جعله سببا في اختلافه مع سائر مخلوقات الكون من مخلوقات الملأ الأعلى ومخلوقات الحياة الدنيا وهذا السر هو (التدبر والتبصر) وهاتين الكلمتين من مفردات كلمات الله في قرآنه العظيم تجئ دائما مرتبطتين بالمعنى والدلائل ولغة وشريعة ولا تنفصل إحداها عن الأخرى أبدا وإن جاءت الكلمة الأولى منفصلة فإنها تخل بكل المعاني والدلائل وبالتالي لا تحقق العلاقة بين الهبة والزوال وبين الوازع والزوال وإن جاءت الكلمة الثانية (التبصر) منفصلة وحيدة فإنها كذلك تخل في ماهية تلك العلاقة ويترتب على هذا الخلل جملة من الاختلافات في تثبيت وتحقيق ما سمي فيما ذكرناه سابقا بالقوانين الطبيعية التي اقرها الإنسان ذاته واعترف بديمويتها في الحياة الدنيا فالتدبر هو فعل الأمر عن فكر وروية والنظر في دبره وهو عاقبته وآخره والتبصر والبصيرة هو العلم بالأمر وبصرت بالشيء علمت به وهي مكملة للتدبر وليست مرادفة له وجاء قول الله عز وجل في سورة طه على لسان السامري ﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ [طه: 96]. فهذا السامري قصته من قصة بني اسرائيل فقد عاش السلطانين سلطان فرعون وسلطان النبوة ورأى وازع النبوة والايمان ورأى ضدهما ومع هذا وذاك لنرى ما اصطفى منهما لنفسه: قال (بصرت) أي رأيت وعملت بمعنى أنه رأى الأثر وعلم ما يفعله ذلك الأثر فتدبر الأمر وقبض قبضه من ذلك الأثر وقبل ذلك كان قد من الله عليه وعلى القوم بسلطان النبوة وليس ذلك فحسب وإنما برؤية ومصاحبة النبي و(مساسه)،فكيف كان وازعه بعدما قبض قبضة من أثر الرسول وهذه اصطفاءة ما قبلها اصطفاءة قال ﴿ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ [طه: 96] أي اتجه به وازعه إلى واجهة مضادة لدعوة النبوة فعظم ذاته ولم ينكرها وأراد لها طريقا منافسا ومضادا.و ما أحسن التدبر في العاقبة فكان أن اصطفى لنفسه منزلة أسرعت بزواله قال له النبي ﴿ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ... ﴾ [طه: 97].وهذه دعوة نبي مؤيدة من مدبر الكون كله. ومثال السامري: مثال كل إنسان على ظاهر الحياة الدنيا فهو خليفة الله ومثال التدبر والتبصر مثال كل خليفة يمن الله عليه بالسلطان ومثال أثر الرسول مثال كل مُلك أو إمارة أو ربوبية وقبضها يعني تدبرها وتدبرها يعني بما يصطفي لنفسه من وازع يكون أمر زواله. وعلماء الاجتماع والتاريخ يحاولون بما استجمع لديهم من تدبر وتبصر في تداول الدول والأمم أن يضعوا عدة علامات على الوازع والزوال وعلى مدى ارتباط بعضهما ببعض وهناك فريقان من هؤلاء العلماء فريق يمتلك وازعا دينيا وفريق يمتلك وازعا غير ديني ولا ثالث لهما إطلاقا. والفريق ذي الوازع الديني يشد بدرجة أو بأخرى على أن الزوال آت لا محال وسواء كان سريعا أم متأخرا وسواء كان عاصفا أم رحيما فبنعمة من الله وأنه أولا وأخيرا شهادة على حكم الله ورضائه وأن وازعه من دعوة حق أي أنه اصطفى وازعا يسير به إلى زوال موازيا لمشيئة الله ولا يعتبر زواله في الحياة الدنيا ذا أهمية بل أن الزوال الحقيقي هو زوال الحياة الدنيا باسرها أي بقيام الساعة. وأما الفريق الثاني ذو الوازع غير الديني فإنه يذهب بعلامات الزوال مذهبا فلسفيا وجدليا مغايرا لصفات ومعايير الوازع غير الديني با لرغم من التطابق الباطني غير المعلن لهما ويبعد أو ينكر كل ما يقربه من التفسير الديني أملا منه في اثبات قدرة الإنسان في التحكم في السلطان والزوال كما أسلفنا.ولنتبصر في قول الله عز وجل وهو يلخص لنا هذه العلاقة في سورة البقرة ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]. وكذلك في سورة القصص قال: على لسان قارون ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78]. وقال تعالى في سورة الزخرف ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51]. ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [الزخرف: 54]. ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |