حياتي ألم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1109 - عددالزوار : 128373 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4767 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          مسيرة الجيش إلى تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى مشكلات وحلول
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09-02-2021, 06:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي حياتي ألم

حياتي ألم


أ. شريفة السديري



السؤال
لا أستطيع البوح عمَّا في خاطري؛ لأني أعاني دائمًا من صمتٍ، ومَهْمَا حاولتُ التحدُّث، تنتابني هواجسُ الخوف من سخرية الآخرين، ومن محاولتهم لتقزيمي والتقليل من قَدري.

أنا الوسطى بين إخوتي، أعيش في منزلي كالغريبة، لا أعلم لماذا لا يُحبني إخوتي، فأنا من النوع المكافح في الحياة، ولكي أدرس في مجال معيَّن، كنتُ أعمل في التدريس البيتي؛ كي أؤمِّن رسومَ الدراسة، وخلال العمل كنتُ أواجه مشكلة المواصلات، فكنت أبكي كثيرًا، وأندبُ حظِّي في الحياة وأنا أرى الفتيات من حولي يَعِشْنَ في رغدٍ من العيش، والأمان الرُّوحي والجسدي، تحمَّلت مسؤوليَّات فوق عمري الأساسي.

كنت أبكي في صمتٍ، وأنزف من الداخل، وأحزن وحدي، وأخاف أن أتذمَّر من وضعي، فتَعتبر أمي أن هذا عقوقٌ، وتَلومني، فأُسرتي لا تستطيع تلمُّسَ مشكلتي؛ فهي تعتبر الشكوى رفاهيةً.

وهل الرجال فقَدوا حِسَّ الرجولة بداخلهم، لدرجة أن تعمل المرأة في أي مجالٍ؛ من أجْل أن تؤمِّن لُقمة العيش، وتَحزن لوضْع الأسرة؟! أم أنَّ الرجال قد مات بداخلهم الواجب، ولَم يَعُودوا يَأْبَهون أن تَحتَكَّ ابنتهم برجلٍ أو يتمَّ التحرُّش بها؟ ولقد تعرَّضتُ لمثل هذه المواقف، ولَم أشتكِ لصديقة، ولا لأخٍ، ولا لأُمٍّ!

أسعفوني بإجابة تُجفِّف ينابيعَ الحزن عندي، فالزمن يأكلني بصمتٍ، ويشوِّه جراحي، وأخشى أن يُغرَّر بي، فالله وحْده يعلم كم هي عُمق آلامي ووضْعي! أرجو الردَّ عاجلاً، جزاكم الله خيرًا، وأجْزَل الثواب لكم.

الجواب
أهلاً بكِ عزيزتي في الألوكة.
كلماتك مَليئة بالألَم، أكاد أرى دموعَكِ بين الأسطر، لكن هي سنَّة إلهيَّة أكَّدها لنا الله - سبحانه - في كتابه الكريم : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4].

الحياة الدنيا دار ابتلاء وشقاء وألَمٍ، هي اختبار يَختبر فيها الله - سبحانه - عبادَه، فيَصبِر المؤمن، ويَجزع الكافر، ونحن في هذه الدنيا نمضي وتتبدَّل أحوالنا وتختلف، وتتغيَّر أيَّامنا وتتبدَّل، لا تطول سعادة، ولا يدوم بلاء.

تأمَّلي أحوال الناس من حولك، وأخبريني كم شخصًا في مدينتك يعيش سعيدًا مرتاحًا، لا ينكد عليه شيء؟ ليس من وجهة نظركِ أنتِ، بل من وجهة نظر ذاك الشخص نفسه.

انظري للأُدباء والمفكِّرين، اقرَئي سِيَرهم الذاتيَّة ومَسيرات حياتهم وكُتبهم، ومُذكراتهم، ماذا ستجدينه كتَب عن بداياته؟

لَم يكونوا مرتاحين، لَم يذوقوا طَعْم السعادة، وأحاطَتهم المشكلات من حولهم، ولكن في النهاية صاروا أشهرَ من نارٍ على علَمٍ، بَهَروا العالم بعميق لُغتهم وسِحر كلامهم، وعذوبة نثرهم وشِعرهم، الألَم والمعاناة صَقَلت أرواحَهم تمامًا؛ كما يَصقُل الضغط الفحمَ، فيُحيله ألماسًا ساحرًا.

صارَت رُوحهم صافية، نقيَّة، عَذْبة وشفَّافة.

أمَا قرأتِ قول الأديب المهجري الكبير جبران خليل جبران: "المصائب فتَحت بصيرتي, والدموع جَلتْ بصري, والحزن علَّمني لغة القلوب".

المصائب في الحياة ظاهرها مؤلِمٌ ومُحزن، وباطنها فيه من الخير والرحمة والفائدة الكثير، وإن كنا لا نَعرفها ونَجهلها، فهذا لا يَنفي وجودها، فنحن قد نَلْمس أثَرَها علينا في تجدُّد عقولنا، ونُضْج تفكيرنا، وزيادة إيماننا بالله - سبحانه.

تأمَّلي معي حياة الرسول - عليه أزكى الصلاة والسلام - وُلِد يتيمًا، وعاش سني حياته الأولى بعيداً عن أُمِّه، وبمجرد عودته إليها توفِّيتْ، فعاش عند جَدِّه حتى توفي، ثم انتقَل عند عمِّه، وبعد كلِّ هذه المعاناة، صار - عليه الصلاة والسلام - خاتمَ الأنبياء والمرسلين، خيرَ البشريَّة أجمعين.

قد تقولين: إنه رسول الله، وأين نحن منه؟! ولكن سأُخبرك بقصة لا بدَّ أن تكوني سَمِعتِ بها،

هل سَمِعتِ بدولة اسمها "رواندا"؟

هي دولة صغيرة في وسط إفريقيا، قبل سبعة عشر عامًا حصَلت فيها أكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث، فقد قُتِل حوالي 800,000 شخص خلال 100 يوم فقط، وتعرَّض مئات الآلاف من النساء للاغتصاب!

الذين نَجَوا من الإبادة الجماعية، والذين تعرَّضوا للعُنف والتعذيب والتهديد، عاشوا ظروفًا نفسيَّة سيِّئة بعدها، من تلك القَصص المؤثرة عن الكارثة قصة طفلتين اختبأَتا في أعلى شجرة عندما اقتَحم الثوار منزلهم، وشاهَدوا جَدَّهم وجَدَّتهم يُقتلان أمام أعينهما، وبَقِيتا هناك فوق الشجرة يومين كاملين خائفتين مذعورتين، حتى جاءَت إحدى مجموعات الإنقاذ وأخَذتهم وعاشوا في مُخيَّم للاجئين فترة من الزمن، وهم يعتقدون أنَّ أهلهم ماتوا جميعًا، وبعد فترة أخَذتهم إحدى الجمعيَّات الخيرية؛ لتعيشا في الولايات المتحدة في ملجأ للأيتام، ولَمَّا كبَرَتا، ألَّفَت إحداهنَّ كتابًا تحكي فيه قصة الإبادة الجماعية التي حصَلت في "رواندا" والمآسي التي وقَعَت حينها، والأخرى الْتحَقَت بواحدة من أهم الجامعات هناك، وبمساعدة مَن حولهم عرَفوا أن والديهما وإخوتهما على قَيْد الحياة، فأحْضَروهم ليعيشوا معهم، والْتَأَم شَمْلُ الأسرة مُجدَّدًا، بعد فِراق استمرَّ أكثر من عشر سنوات.

الألَم يا عزيزتي يكون أحيانًا طاقة عظيمة تدْفَعنا للعمل أكثر وأكثر؛ حتى ننسى ألَمَنا ونُحيله نجاحًا باهرًا.

رغم قسوة ظروفك، وصعوبة حياتك، لكن لا تَدَعيها تَهزمك، كوني قويَّة أكثر منها، وصامدة في وجهها، ابْحثي عن وسيلة تُفرِّغين فيها ألَمَكِ ومشاعرك الغاضبة والحزينة، جَرِّبي الكتابة، التَّطريز، التدوين على الإنترنت، قومي بأي أمرٍ يَشغلك عن حُزنك، وتُفرِّغين فيه كلَّ الألم الذي بداخلك، حتى تستطيعي أن تُكملي حياتك، ولا تَضْعُفي وتنهاري في منتصف الطريق،

ابحثي عن إيجابيات وضْعك، والأمور التي تعلَّمتِها منه، فالمواقف الصعبة تُعلِّمنا الكثير، واكْتُبي السلبيَّات التي تَريْنَها فيمَن حولك، والتي تُزعجك؛ حتى لا تقومي بها في المستقبل، وتزعجي الآخرين كما انزعَجْتِ أنتِ الآن.

حوِّلي تساؤلاتك إلى تساؤلات أكثر إيجابيَّة، فبدلاً من قولك: "هل الرجال فقَدوا حِسَّ الرجولة بداخلهم؟"، قولي: "هل الأفضل أنْ أعمل هذا العمل، أو ذاك؟"؛ لأن الأوَّل يَدفعكِ للتفكير في المشكلة، والثاني يدفعكِ للتفكير في الحلِّ.

جرِّبي أن تَكتبي ما تمرِّين به في قَصص قصيرة، أو حتى رواية طويلة، فمَن يدري؛ رُبَّما يأتي يوم تَنشرين فيه هذه القَصص، وتنال أعظمَ الجوائز الأدبيَّة؟!

اقرَئي روايات الأدب العالميَّة، مثل كوخ العم توم، أو نساء صغيرات، أو جين إير، أو غيرها، ستجدينها تحكي عن أشخاص عاشوا حياة قاسية، لكنَّهم بالعزيمة والأمل الموجود في قلوبهم انتَهوا نهايات سعيدة كما حَلَموا وتمنَّوا.

مثل هذه الروايات ستَزرع الكثير من الأمل في نفسك، وتُساعدك على الخروج قليلاً من جوِّ الحزن والمصاعب التي تعيشينها.

وأهمُّ أمرٍ سأخبرك به في رسالتي هذه هو: "يجب أن تحبِّي نفسك".

نعم، أحبِّي نفسك، فلن يحبَّك أحدٌ إن لَم تُحبي نفسك، فنحن حين نحب أنفسنا، نشعر بقيمتها وأهميَّتها، وننقل هذا الإحساس للآخرين، أمَّا عندما لا نُقدِّر أنفسنا، فلن يُقدِّرها أحدٌ؛ لأننا أشعرناهم بأنه لا شيءَ ذا قيمة لَدَينا، ولا شيء يستحقُّ الاهتمام.

لا تَنتظري أن يتحدَّث إخوتك معك، بل بادِريهم أنتِ بالحديث، استمعي لهم ليستمعوا لكِ، وتَحدَّثي معهم ليتحدَّثوا معكِ، ولا تستعجلي النتائج؛ فما يأتي سريعًا يذهب سريعًا، وما استمرَّ سنوات، لن يتغيَّر في أيامٍ.

أمَّا والدتك، فتقرَّبي منها، وتودَّدي لها، فلا بد أنها تُعاني وتتحمَّل الكثير مثلك أو أكثر، أشْعِريها أنكِ تحسِّين بها، وتُقدِّرين ما تقوم به من أجْلكم، اطْلُبي بِرَّها، وتذكَّري أنه من أسباب السعادة والتوفيق في الحياة، وأنه بابٌ من أبواب الجنة، فلا تُضيِّعيه، ولا تَبخلي عليها بأمورٍ يسيرة تُدخِل السعادة على قلبها.

وأخيرًا: تذكَّري أنَّ الله - سبحانه وتعالى - قال: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾[الزمر: 10].

فهنيئًا لكِ الأجر العظيم الكبير، واقرئي سورة يوسف وتدبَّري معانيها؛ ففيها من الراحة والسلوى الشيء الكثير.

أسأل الله أن يرزقَكِ الراحة والسعادةَ والاطمئنان.

وتابِعينا بأخبارك؛ لنطمئنَّ عليكِ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 72.97 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]