أحاديث نبوية متعلقة بالعلم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فقه الْحَج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 4 )           »          ما يقول الحاج والمعتمر إذا استوى على راحلته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من قام الليل هو وزوجته أصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الصحيحان: موازنة ومقاربة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الكفاءة والخيار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          حديث: العرب بعضهم أكفاء بعض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          علة حديث: (نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تخريج حديث: أنه توضأ للناس كما رأى النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2020, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,446
الدولة : Egypt
افتراضي أحاديث نبوية متعلقة بالعلم

أحاديث نبوية متعلقة بالعلم



فتحي حمادة






1- الحسد في العلم:
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة؛ فهو يقضي بها ويعلمها))؛ رواه البخاري ومسلم.
الشاهد في الحديث أن الغبطة الجائزة لرجلٍ آتاه الله الحكمة؛ فهو يقضي بها ويعلمها؛ يعني: رجلاً عنده علم نافع، فإذا منَّ الله على إنسان بعلمٍ فصار يقضي به بين الناس، سواء كان قاضيًا أو غير قاضٍ، وكذلك يقضي به في نفسه وعلى نفسه، ويعلم الناس؛ فهذه هي الغبطة؛ لأن العلم هو أنفع شيء، أنفع من المال؛ لأنه إذا مات وانتفع الناس بعلمه؛ جرى ذلك عليه إلى يوم القيامة؛ ولهذا - كما قال العلماء - فإن من أقوى ما يثبت العلم ويُبقي حفظه؛ أن يعلمه الإنسانُ غيرَه، فالعلم النافع من النعم التي يتمنَّى الإنسان أن تكون فيه إذا رأى ذلك في غيره.
2- أنواع الذين يتلقون العلم:
عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَل ما بعثنِي الله به من الهُدَى والعلم؛ كمَثَل غيثٍ أصاب أرضًا فكانتْ منها طائفة طيبة قَبِلت الماء فأنبتت الكلأَ والعشب الكثير، وكان منها أجادبُ أمسكت الماء فنفع الله بها الناس؛ فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تُمسِك ماء، ولا تنبت كلأً؛ فذلك مَثَل مَن فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثنِي الله به؛ فعلِم وعلَّم، ومَثَل مَن لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به))؛ رواه البخاري ومسلم.
في هذا مَثَل بديع عجيب؛ فقد مثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بعثه الله به من العلم والهدى بمطر، ووجه الشبه أن بالغيث تحيا الأرض، وبالوحي تحيا القلوب؛ ولهذا سمَّى الله - سبحانه وتعالى - ما بعث به محمدًا - صلى الله عليه وسلم – روحًا؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
فالوحي غيث، لكنه كما مثَّل الرسول - صلى الله عليه وسلم - نزل على الأرض، فصارت الأرض ثلاثةَ أقسام:
قسم قَبِل المطر وشرب، وأنبت العشب الكثير والكلأ؛ فانتفع الناس بذلك.
والقسم الثاني: أجادب لا تُنبِت، لكن أمسكت الماء لم تشربه، فسقى الناس منه وارتوَوْا وزرعوا.
والقسم الثالث: أرض قيعان بلعتِ الماء ولم تُنبِت.
فالأول: مثل مَن فَقُه في دين الله فعلِم وعلَّم؛ فيأخذ الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة.
والثاني: شخص يروي الحديث ويحفظه، ولكنه ليس عنده فقه، فهم كالأوعية يأخذ الناس منهم.
والثالث: بشرٌ لم ينتفعوا بوحي الله، ولم يرفعوا به رأسًا، يكذبون بالخبر، ويستكبرون عن الأمر؛ فهؤلاء هم شر الأقسام، إذا قلت لهم: قال الله، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - قالوا: قال العقل والمنطق، يريدون أن يغيروا دين الله بدين جديد على هواهم، يخدم مصالحهم دون النظر لشرع الله وحدوده؛ كالعلمانيين ومَن سار على دربهم.
3- العلم النافع وأجره:
عن سهل بن سعدٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعليٍّ - رضي الله عنه - حين أعطاه الراية يوم خيبر: ((امضِ على رِسْلك، ثم ادعُهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه؛ فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمْر النَّعَم))؛ رواه البخاري ومسلم.
الشاهد أنه - صلى الله عليه وسلم - أقسم أن الله لو هدى به رجلاً واحدًا لكان خيرًا له من حُمْر النَّعَم.
حُمْر، جمع حَمْراء؛ وهي: الناقة الحمراء، وكانت أعجب المال إلى العرب في ذلك الزمان، وأحب المال إليهم؛ فهداية الناس من الفضل الكثير الواسع، والهداية لن تأتي إلا إذا علمت الناس الحق والباطل، وتحدثت عن الجنة والنار؛ فيهتدي مَن يسمع، وبذلك تجمع من الحسنات ما يعادل من حُمْر النَّعَم ما لا يعدُّ ولا يحصى.
عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وعمل لا يرفع، وقلب لا يخشع، وقول لا يسمع))؛ صحيح.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))؛ رواه مسلم.
الشاهد في الحديثين هو التنبيهُ على العلم النافع، والحث عليه؛ فلا ينفع العلم إذا لم يتعلَّمه أحد، فالواجب على العالِم أن يعلِّم الناس حتى ينتفع به غيره، وينتفع هو الآخر؛ لأن كل مَن يتعلم هذا العلم فله أجره وأجر مَن يتعلمه، فالخير واسعٌ في هذا العلم، فيموت الإنسان ويبقى علمه وتستمر حسناته، فلا تبخل أيها العالم بما تعلم، فخير العلم ما تبقى؛ ليأخذ منه المحتاج من طلبة العلم؛ ليستفيد منه المسلم في معرفته بربه وشريعته وحدوده، وأوامره ونواهيه، وبهذا تنتفع منه وينتفع منه غيره؛ "فالعلم النافع هو الذي يقي من مكايد الشيطان ونزغاته، ويكشف شبهاته وتلبيساته، وكلما كان المؤمن الصادق أكثر علمًا بالشريعة وتضلعًا منها، كان أكثر تمسكًا بالسنة وحرصًا عليها، وبُعدًا عن البدعة ونفورًا منها، وحذرًا من مصايد الشيطان ووساوسه"[1].
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثلُ أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا))؛ رواه مسلم.
مَن دعا الناس بالعلم والحكمة ليهديَهم إلى هدى؛ فله أجر مَن اتبعه إلى يوم القيامة، فإذا بيَّن لهم الحق، وأرشدهم للطريق المستقيم، فله أجر مَن اهتدى وخرج من الظلمات إلى النور، وعَرَف أن الحق اتباع رسولنا - صلى الله عليه وسلم - من غير أن ينقص من أجور مَن انتفع به وسار على نهج نبينا - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، ولا بد أن يعرف الجميع أن هداية الناس لا تأتي إلا بعلم؛ فالعلم السبيل الوحيد لهداية الناس وتعريفهم بالله وأحكامه وحدوده.
4- وجوب العلم والصدق فيه:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بلِّغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))؛ رواه البخاري.
الشاهد في الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: بلغوا الناس بما أقول وبما أفعل، وبما أُنزل عليَّ من كتاب الله ولو آية، بشرط أن يكون المبلِّغ عالمًا بهذه الآية وحكمها والفقه منها، وما يؤخذ منها، وتفسيرها، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك؛ ولهذا قال في آخر الحديث: ((ومَن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)).
وقال الإمام ابن القيم في ((بلغوا عني ولو آية)):
((بلغوا)): تكليف، ((عني)) تشريف، ((ولو آية)) تخفيف، وفي الحديث دليل على وجوب العلم حتى لو تعلم الإنسان آية واحدة.
"كل الأحكام الشرعية التكليفية لا تكون إلا بعلم".
والإنسان يستغرب عندما يخرج ليشتري جهازًا كهربائيًّا، ويعطى رسالة لتشغيل الجهاز وهو (الكتلوج)، واتفق الناس جميعًا على ضرورة الرجوع إلى مثل هذا الكتاب، لفهم هذه الآلة التافهة، فيستغرب المرء أن أقوامًا لا يرجعون إلى الكتاب على الإطلاق، ولكن يدخل ليعبد الله عز وجل كيفما يريد، ولا ينظر إلى مثل هذا الكتاب، والله - عز وجل - يقول: ﴿ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 59]، اسأل عن الرحمن مَن يعرفه، لا تسألْ عنه الجهلة الذين لا يعرفونه، لكن اسأل عن الرحمن مَن يعرفه، وهذا فيه دلالةٌ على ضرورة العلم والتعلم، وأن المسائل الاعتقادية كلها لا بدَّ أن تؤخذ من مشكاة النبوة، فلا تؤخذ من عقل؛ لأن الوحي هو الشاهد"[2].
في سنن أبي داود أن نفرًا من الصحابة كانوا في سفرٍ، فشجَّ أحدهم، وأصابتْه جنابة، فاستفتى أصحابه، فقالوا: لا، لا بد أن تغتسل.. الجو بارد والرجل مشجوج، قالوا: لا بد أن تغتسل، فاغتسل فمات، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال)).
في هذا الحديث دليل قاطع على وجوب العلم؛ لأن في عدم وجود العلم يصل الأمر إلى قتل الناس ظلمًا دون وجه حقٍّ، وهذا ظهر في هذا الحديث جليًّا، فأحد الصحابة مات؛ لأن مَن كانوا معه من الصحابة لم يعلموا حكم الذي عليه جنابة، ولا يستطيع أن يغتسل بالماء لعذرٍ به؛ إما لحرق أو أذى في رأسه؛ فقال لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((قتلوه قتلهم الله))؛ لأنهم لم يسألوا إذ لم يعلموا؛ فشفاء العي السؤال، وللأسف نرى كثيرًا من الناس يقتلون باسم الإسلام؛ لأن مَن أفتى بذلك أناسٌ لم يعلموا شيئًا عن الأحكام، وبذلك فإن عدم وجود العلم الصحيح يقتلُ الكثير من الناس دون وجه حق، وعليه فإن العلم النافع هو مَن ينتفع به الناس في كل معاملاتهم؛ حتى لا يقعوا في ذنوبٍ تغضب المولى - عز وجل - وعليه فإن العلم واجبٌ على كل مستطيع حتى لا نرتكب أخطاء لا يرضاها الله - عز وجل - والمستطيع هنا هو القادر على تحصيل العلم، ولديه القدرة على الاستيعاب، وإذا لم يكن للإنسان القدرة على التحصيل والاستيعاب؛ فالواجب عليه أن يسأل أهل العلم حتى لا يقع في التهلكة؛ قال - تعالى -: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)).
"وهذا يشمل كل علم يتوقَّف عليه القيام بالواجب أو ترك المحرم، فتعلمه فرض عينٍ على كل مسلم مكلَّف، أما ما زاد على ذلك من العلوم الشرعية أو الدنيوية التي تحتاجها الأمة، فهذه تعلُّمها فرض كفاية، إذا قام بها مَن يكفي من سائر أمة الإسلام، وسدَّت بهم حاجة الأمة؛ فقد حصل المقصود، وأدِّي الواجب، وسقط الإثم عن الباقين، وإن أطبقت الأمة كلها على تركه، أو تصدَّى له مَن لا تحصل بهم الكفاية؛ أَثِمَت الأمة كلها، الرجال والنساء، القادرون وغير القادرين، أما القادر فيأثم لعدم قيامِه به ومباشرته له مع قدرته عليه، وأما غير القادر فواجبه أن يحضَّ القادرين على القيام بما أوجبه الله - عز وجل - وإن كان إثم القادر أعظم من إثم غيره، لكنهم جميعًا آثمون، وهذا هو الشأن في جميع فروض الكفايات"[3].
5- فضل العالم واهتمام الملائكة به وطريق علمه:
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا؛ سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالِم ليستغفرُ له مَن في السموات ومَن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضلُ العالِم على العابد كفضلِ القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه أخذ بحظ وافر))؛ رواه أبوداود والترمذي.
قال العلماء:
سلوك الطريق يشمل الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام؛ مثل أن يأتي الإنسان من بيته إلى مكان العلم، سواء كان مكان العلم مسجدًا، أو مدرسة، أو كلية، أو غير ذلك.
ومن ذلك أيضًا: الرحلة في طلب العلم، كأن يرتحل الإنسان من بلده إلى بلد آخر، يلتمس العلم؛ فهذا سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، وقد رحل جابر بن عبدالله الأنصاري صاحبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب حديث واحد مسيرةَ شهرٍ كامل على الرواحل - على الإبل - سار من بلده إلى بلدٍ مسيرةَ شهر من أجل حديثٍ واحد، رواه عبدالله بن أنيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم!
أما الطريق المعنوي، فهو أن يلتمس العلم من أفواه العلماء ومن بطون الكتب، فالذي يراجع الكتب للعثورِ على حكم مسألة شرعية - وإن كان جالسًا على كرسيه - فإنه قد سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، ومَن جلس إلى شيخ يتعلَّم منه؛ فإنه قد سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، ولو كان جالسًا.
فمَن سلك أيًّا منها سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة؛ لأن العلم تعرف به حكم ما أنزل الله، وتعرف به شريعة الله، وتعرف به أوامر الله؛ فتقوم بهذه الأوامر وتأمر بها، وتعرف به نواهي الله؛ فتجتنبها، وتنهى عنها، فتستدل به على الطريق الذي يرضي الله - عز وجل - ويوصلك إلى الجنة، وكلما ازددتَ حرصًا في سلوك الطرق الموصلة إلى العلم ازددت طرقًا توصلك إلى الجنة.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع))؛ لأن الملائكة تعرف أن العلم يرفع أقوامًا؛ كما حدث مع آدم - عليه السلام - فارتفع قدرُه بما علَّمه الله يوم أن سجدوا له؛ لذلك فإن مَن سار على نهجه تكرِّمُه الملائكة وتضع أجنحتها تعظيمًا له، فضلاً عن أنهم يضعون أجنحتهم لييسروا ويسهلوا له طريقه إن كان ماشيًا أو جالسًا حتى لا يتعب عند طلبه للعلم.
"وقوله - عليه السلام -: ((إن الملائكة لتضع أجنحتها)) الحديثَ؛ يحتمل وجهين:
أحدهما: أنها تعطف عليه وترحمه، كما قال الله - تعالى - فيما وصَّى به الأولاد من الإحسان إلى الوالدين بقوله: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ﴾ [الإسراء: 24]؛ أي: تواضعْ لهما.
والوجه الآخر: أن يكون المرادُ بوضع الأجنحة فرشها؛ لأن في بعض الروايات: ((وإن الملائكة تفرش أجنحتها))؛ أي: إن الملائكة إذا رأتْ طالب العلم يطلبه من وجهه ابتغاءَ مرضات الله، وكانت سائر أحواله مشاكلة لطلب العلم؛ فرشت له أجنحتها في رحلته، وحملته عليها، فمن هناك يسلم فلا يَحْفَى إن كان ماشيًا ولا يَعْيا، وتقرِّب عليه الطريق البعيدة، ولا يصيبه ما يصيب المسافر من أنواع الضرر؛ كالمرض، وذهاب المال، وضلال الطريق"[4].
وإن العالِم يستغفر له مَن في السموات - من ملائكة ونجوم وكواكب وغير ذلك - ومَن في الأرض - من دواب وأشجار وجبال وغير ذلك - حتى الحيتان في البحار.
وإن العالِم أفضل من العابد الذي يصوم النهار ويقوم الليل، وهذا الفضل كفضل القمر على الكواكب في وضاءته ونوره، وبذلك فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وليس العباد؛ فورثوا العلم من الأنبياء، وورثوا العمل كما يعمل الأنبياء، وورثوا الدعوة إلى الله - تعالى - وورثوا هداية الخلق، وأحكام الله وحدوده، والعباد ينقصهم ذلك.
6- فساد النية في العلم وثمار ذلك:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تعلم علمًا يبتغى به وجهُ الله، لا يتعلَّمه إلا ليصيب به عرَضًا من الدنيا لم يجدْ عَرْفَ الجنة يوم القيامة))؛ يعني: ريحها؛ حديث صحيح.
عن سليمان بن يَسَار قال: تفرَّق الناس عن أبي هريرة؛ فقال له ناتلٌ - أخو أهل الشام -: يا أبا هريرة، حدِّثنا حديثًا سمعتَه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أولُ الناس يقضى فيه يوم القيامة رجلٌ استشهد فأتى به الله فعرَّفه نعمَه فعَرَفها، فقال: ما عملتَ فيها؟ فقال: قاتلتُ في سبيلك حتى استشهدت، فقال: كذبتَ إنما أردتَ أن يقال: فلانٌ جريء، فقد قيل، فأمر به فسُحِب على وجهه، حتى ألقي في النار.
ورجلٌ تعلَّم العلم والقرآن، فأتى به الله فعرَّفه نعمَه فعَرَفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك، فقال: كذبت، إنما أردتَ أن يقال: فلان عالم، وفلان قارئ، فأُمِر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقِي في النار.
ورجل آتاه الله من أنواع المال فأتى به الله فعرَّفه نعمه فعَرَفها، فقال: ما عملتَ فيها؟ فقال: ما تركت من سبيل تحب أن تنفق فيها إلا أنفقت فيه لك، قال: كذبت، إنما أردت أن يقال: فلان جَوَاد، فقد قيل؛ فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار))؛ حديث صحيح.
الحديثان مرتبطان بالعلم الذي لا يبتغَى به وجه الله، وهنا دخلت النية السيئة في طلب العلم؛ فالذي يطلب العلم ونيتُه فاسدة؛ فلن يَجنِي من ذلك إلا النار نتيجة فساد نيته، حتى لو كان العالِم من أعلم الناس، ويأتيه الناس من كل الأقطار، فذلك جزاؤه في الدنيا أن يشتهر بين الخلائق، ويجني ثمار علمه في دنياه، ويكون له شأن عظيم إلا أنه في آخرته لن يجني إلا النار؛ لأن خالقه يعلم ما في نيته، فيحاسبه على ما في نيته، لا على ما في صدره من العلم؛ فيقول العلم من أجل المال، أو الشهرة، أو التكبر على الناس، أو احتقار آخرين؛ فالعلم إما حجة عليه، أو له؛ فالله أعطاه العلم ليعلِّم الناس ما لهم وما عليهم، إلا أن هناك مَن يعلمهم ليتكبر عليهم، بدعوى أنه علَّمهم، ويعظم نفسه ويحتقرهم بدعوى أنه علمهم، فضلاً عن أنه قد يفسد نيتهم لفساد نيته؛ فالعلم يصل إلى طالبيه ملوَّثًا، ويشوبه كبر واحتقار وفساد؛ فيكون مَثَله كمَثَل الماء الذي وقع عليه نجاسة، فلا يجوز شربه، أو الوضوء منه، ومن هذا المنطلق لا بدَّ من إخلاص النية في العلم حتى يصل العلم بلا نجاسةٍ، فيستفيد منه الناس دون شوائب؛ فيبارك الله في هذا العلم وفي هذا العالم.
قال الشيخ أبو إسحاق - حفظه الله -:
"بالعلم تصحُّ النيات، هناك حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جامع رائع، يبيِّن فضل العلم، وهو الحديث الذي رواه الترمذي وصحَّحه، وابن ماجه، وأحمد في مسنده من حديث أبي كبشة الأنماريِّ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما الدنيا لأربعةِ نفرٍ؛ رجل آتاه الله علمًا ومالاً؛ فهو يتَّقِي الله فيه؛ يَصِل به رحمه، ويرعى لله فيه حقه؛ فهذا بأفضل المنازل، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤتِه مالاً، فهو يقول: لو أن لي كفلانٍ لعملتُ بعملِه، فهو ونيته، فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤتِه علمًا فهو يخبط في ماله، لا يرعى لله فيه حقه، ولا يصل به رحمه؛ فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يؤتِه اللهُ مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي كفلانٍ لعملتُ بعمله، فهو ونيته، فهما في الوزر سواء))؛ فالناس اثنان، واثنانِ تبعٌ لهما، فالثاني تبعٌ للأول، والرابع تبعٌ للثالث.
الرجل الأول: آتاه الله علمًا ومالاً، وهناك نكتةٌ في قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إنما الدنيا لأربعة نفر))، فذكر الدنيا ليصبر الناس على طلب العلم، بعض الناس يبدأ في العلم بنية فاسدة، كأن يتمنَّى أن يكون شيخًا كبيرًا وعالمًا جليلاً ومفتِيَ الديار، وهذه النية ما لم يُبْتَغَ بها الآخرة؛ فهي نية فاسدة.
فأقل قدر من طلب الدنيا يعكِّر عمل الآخرة، ونمثل لهذه المسألة بإناء فيه قطعةٌ من الطين، ثم صببتَ الماء في هذا الإناء، فكيف سيصير شكل الماء، سيصير كله بشكل الطين، برغم أن حجم الماء كثير بالنسبة لحجم الطينة الموضوعة في الإناء، إلا أن هذا يعكر ذاك كله، فأقل قدر من الدنيا يعكِّر عمل الآخرة، لذلك الإخلاص لله ضروري ومهم.
النبي - عليه الصلاة والسلام - استفاد من مال أبي بكر - رضي الله عنه - وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((إنه ليس أحد أمنَّ عليَّ في صحبته وماله من أبي بكر))، وقال له: ((لك يد عليَّ لا يجزيك بها إلا الله))، ومع ذلك لما أراد أن يهاجر - عليه الصلاة والسلام - كما في صحيح البخاري، وأخبر أبا بكر أنه سيهاجر؛ اشترى أبو بكر راحلتين وحبسهما يطعمهما ويعلفهما استعدادًا للهجرة، فلما آن أوانُ الهجرة وجاء أبو بكر بالراحلتين، فأعطى راحلة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال له النبي - عليه الصلاة والسلام -: ((بالثمن))، فلماذا قال له - عليه الصلاة والسلام -: ((بالثمن))، وهو قد أخذ منه كثيرًا قبل ذلك، ولم يعطه الثمن؟ وكم واساه أبو بكر - رضي الله عنه - بماله؛ لأن الهجرة لله، فلا يريد أن يعكرها بشيء من الدنيا، قال له: ((لا آخذ الراحلة إلا بثمنها))؛ تجريدًا للقصد.
وكذلك لما دخل النبي - عليه الصلاة والسلام - المدينة فوجد قطعة أرضٍ لغلامين يتيمين من الأنصار، فقال: ((ثَامِنُوني بحائطكم يا بني النجار))؛ يعني: بِيعوه مني بالثمن، فقالوا: لا، والله لا نأخذ ثمنه إلا من الله - عز وجل - ومع ذلك أعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الثمن؛ لأن هذا بيت الله، فأقل قدر من الدنيا يعكِّر الآخرة، فالإنسان في بداية طلبه العلم يتمنى أن يكون مفتيًا وإمامًا وفقيهًا ومحدِّثًا، وكل هذا يعكر فضلَه، لكن قد يدخل المرء بوابة العلم بهذه النية الفاسدة، ثم يطلب العلم فتصلح نيتُه بعد ذلك مع طلب العلم.
فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يقول: ((إنما الدنيا لأربعة نفر))؛ أي: مَن طلب الدنيا بالعلم نال الدنيا، والعلماء سلاطين غير متوَّجين، والعامة تخضع لهم أكثر من خضوعهم للسلطان؛ لأن العلماء يَملِكُون سلطان الحجَّة الذي يخضع القلب له، بينما السلاطين لا يملكون إلا سلطان اليدِ، الذي لا يخضع البشر إلا له؛ لأنه قد تجد الرجل يكابر العالم وقلبُه خاضع لسلطان الحجة، إذا ذكره العالم، إذًا العالِم يسيطر على القلب؛ لأجل هذا كان سلطانه أقوى.
قال - تعالى -: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14] فهو جاحد، لكن في حقيقة أمره مستيقن وخاضع لها قلبه، فالعالم يملك قلوب الناس، ومن هنا تأتي قوته.
فمن أراد الدنيا فعليه بالعلم، وهذا نوع من الترغيب، فكأنه يقال لك: إذا طلبت العلم فعجزت عن تصحيح نيتك، وأحسست أن الدنيا متقدمة فلا تنصرف عن العلم، رجاء أن يصلح الله حالك، بعض الناس يقول لك: أنا لم أستطع، أحس أني أريد أن أكون فقيهًا، فخلطه بين الرياء والدعوة يصرفه عن العلم، فنقول له: اصبر، وهذا من نصح النبي عليه الصلاة والسلام.
إن العابد يزهد الناس في الدنيا، والناس لا تستغني عنها، فقلما يطيعونه، لكن العالم يحبب الناس في الله، فتهون الدنيا عليهم، وهذا هو الفرق، فإذا قلت لإنسان: اترك الدنيا وأت ورائي، لا يسمع منك هذا الكلام، ليس لأنه لئيم، أو لأنه غير مؤمن، ولكن لو بينت له أن التقلل من الدنيا طاعة، لكان أحرى وأجدر؛ ولذلك ما أحسن نصيحة أصحاب قارون له، قالوا: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].
يعني عندما نقول لك: اتبعنا، فأنا لا أقول لك: اترك ما أنت فيه من الأبهة، فإذا كان هناك رجل غني جدًّا، وعنده كل رفاهيات الحياة، وأراد أن يلتزم، كيف تريده أن ينخلع من كل هذا؟ أتريد أن يكون مثل أبي ذرٍّ مثلاً، وتقص عليه قصة أبي ذر؟ لماذا لا تقص عليه قصة عبدالرحمن بن عوف؟ وإذا صعدت قليلاً فلماذا لا تقص عليه قصة سليمان - عليه السلام؟
وانظر إلى سفيان بن عُيَينة - رحمه الله - عندما قال له سائل: أيهما أحب إليك: قول مطرف بن عبدالله بن الشخير: "لأن أعافَى فأشكر خيرٌ لي من أن أبتلى فأصبر؟"، أم قول أخيه أبي العلاء: "اللهم إني رضيت لنفسي ما رضيتَه لي"؟ فسكت سفيان ساعة، ثم قال: قول مطرف أحب إليَّ، لماذا؟ قال: إني قرأت كتاب الله - عز وجل - فرأيت وصف سليمان مع ما كان فيه من النعمة: ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 30]، ورأيت وصف أيوب مع ما كان فيه من البلاء ﴿ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44]؛ فقام الشكر مقام الصبر، وبقيت العافية، فلأن أعافَى فأشكر خيرٌ من أن أبتلى فأصبر، إذا كانت الدرجة عند الله واحدة؛ فسليمان - عليه السلام - قام بحق الله في شكر النعم، فإذا كان هذا الرجل الذي تدعوه عنده مال، وقلت له: اترك المال فلن يتبعك؛ لأنه يشق عليه ذلك.
هناك بعض الناس يقول: أنا أخشى الفقر وأخافه، ولا أتخيل أنني أعيش فقيرًا، فمثلُ هذا لا نقول له: اترك مالك، ونظل نحبب هذا الشيء إليه، لا؛ فهذا قارون لو أن كل أغنياء العالم الآن جمعوا ما عندهم من المال، لكان ما يمتلكونه شيئًا يسيرًا بالنسبة لما يمتلكه قارون، انظر إلى عِظَمِ حجم الأموال التي كان يمتلكها قارون، ولك أن تتخيَّل إذا علمتَ أن العُصْبة أُولِي القوة يحملون مفاتيح الخزائن فقط، فإذا كان هناك شخص غني وعنده كل هذا المال مثل قارون، وفي نفس الوقت وَضِيع، فلا يمكن أن يترك هذا المال، وعلامة أنه وَضِيع قولُ الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى ﴾ [القصص: 76]؛ يعني: لو أن شخصًا من قوم؛ أي: ليس له قيمة، ليس له كُنْية، ليس له أي قيمة في المجتمع، ثم صعد هذا الصعود الهائل وصار غنيًّا هذا الغنى، فعندما يكون وضيعًا وغنيًّا، ثم أحب أن يلتزم أو يقترب، فمن الخطأ الجسيم أن تقول له: اترك مالك واتبعنِي! ولكن قلْ له: تمتَّع بكل المباحات، وأخرجْ حق الله من المال، واعطفْ على ابن السبيل والأرملة والمسكين، وكُلْ كما تحب وتريد، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما يقول: ((إنما الدنيا لأربعة نفر))، هناك بعض الناس يدخل العلم بهذه النية، فنقول له: لا تضطربْ، ولا يحرمنك فساد نيتِك أول الأمر على ترك طلب العلم، لكن اطلب العلم، واطرق بابه، وستصحح نيتك بعد ذلك، كلما أضفت شيئًا إليك قرآنًا أو سنة، كل هذا تتعلم منه شيئًا فشيئًا، فتصحح نيتك بعد ذلك)؛ انتهى كلام الشيخ.
7- العلم الذي يُدخِل النار:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قُرِضَتْ وَفَتْ، فقلتُ: يا جبريل، مَن هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتِك، الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون))؛ إسناده حسن.
الحديث يبين أن العالِم الذي يعلِّم الناس الخير والعمل الصالح ولا يفعل ذلك؛ سيأتي يوم القيامة معذبًا، ولكن تعذيبه في المكان الذي كان سببًا في ذلك وهو الشفتان، فهناك أناس يعذَّبون في المكان الذي وقع بالمعصية؛ مثل الزاني، فإن النار تأكل الجزء السفلي من جسده، فالعلماء كذلك الذين يأمرون الناس بالحق ولا يفعلونه، يأمرون الناس بالعمل الصالح ولا يفعلون ذلك، وينهون الناس عن أعمال الشر وهم من أشر الناس؛ فهؤلاء كان عذابهم من أشد العذاب، قال - تعالى -: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، ويؤخذ من الحديث أيضًا أنهم استهانوا بعلمِهم، واستهانوا بمعرفتهم بالله؛ فكان مصيرهم النار، فلو عظموا علمهم الذي يقربهم إلى الله؛ لفعلوا ما قالوا، ولكنهم لا يفعلون ما يقولون؛ فهم كالمنافقين، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَل الذي يعلم العلم ولا يحدث به كمثل رجل رزقه الله مالاً فلم ينفق منه))؛ حديث حسن.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سُئل عن علمٍ فكتمه ألجم يوم القيامة بلجامٍ من نار))؛ رواه أبو داود والترمذي، حديث حسن.
الحديثان بينهما ترابط؛ فالعالم الذي يكتم العلم ولا ينتفع به الناس كالغني الذي لا يتصدق، ولا يعطي الزكاة للفقراء؛ فكان مصيره إلى النار، وبئس المصير، ويلجم بحبل من نار، فالعالم يجب عليه أن يعلم الناس، ويعطي كل سائلٍ مسألته، وهنا قد يسأل سائل: ماذا لو قال لي أحد مسألة، وكنت غير متيقِّن من الإجابة، فلم أجبْ، فهل عليَّ وزر؟
في هذا الأمر ليس على غير المتيقِّن من الإجابة وزر، بل له حسنة؛ لأنه أراد ألاَّ يفتي بغير علم، فحصَّن نفسه من الوقوع في الخطأ الذي يبنى عليه أخطاء كثيرة، وحصَّن أيضًا دينه من أن يتكلم فيه الجاهل وغيره، كالذين كثروا في أيامنا، فنرى الرويبضات يتكلمون في دين الله بغير علم من أجل الشهرة، حتى يقال: إنهم من أفقه الناس، ولا تقف عندهم أي مسألة، عافانا الله من الوقوع في مثل هذه الأمور، التي ترمي بصاحبها في النار".
الباخل بالعلم ألأم من الباخل بالمال؛ لأن الباخل بالمال أشفق من فَناءِ ما بيده، والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة، ولا يفارقه مع البذل، مَن مال بطبعه إلى علم ما، وإن كان أدنى من غيره؛ فلا يشغلها بسواه، فيكون كغارس النارجيل بالأندلس، وكغارس الزيتون بالهند، وكل ذلك لا ينجب"[5].
عن جُنْدُب بن عبدالله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَل العالِم الذي يعلِّم الناس الخير وينسى نفسه؛ كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه))؛ حديث صحيح.
العلم إذا لم ينفع صاحبه يضره؛ لأنه سيسأل عن هذا العلم فيما عمل به أمام ربه يوم لا ينفع علمٌ لم ينفعْ صاحبَه؛ لذلك كان ولا بد أن يقوم العالِم بكل ما أوتي من قوة أن ينتفع بعلمه؛ لأنه لا يعقل أن ينتفع الناس بهذا العلم، ولا ينتفع صاحب هذا العلم إلا إذا كان غير عاقل، فيقدم الخير للناس، ولا يفعل هذا الخير؛ فهو بذلك يُخرِج الناس من الظلمات إلى النور، ومع ذلك لا يزال في الظلمات؛ لأنه لا يفعل الخير، فعلمه لا نفع فيه، وبذلك النار أولى به.
8- كيف ينتهي العلم؟
عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسُئلوا فأفتَوا بغير علم، فضلوا وأضلوا))؛ رواه البخاري ومسلم.
في الحديث إشارة إلى أن العلم سينتهي ويزول، ولكن ذلك من خلال موت العلماء؛ حيث إن الله - تعالى - لن ينزع العلم من الصدور، بل يقبضهم، فلا يُبقِي عالمًا، فلا يجد الناس إلا الجهال ليسألوهم فيضلوهم، وبذلك يحدث خلل وفوضى، الأمر الذي يجعل من الحياة فاسدة وخبيثة؛ فينزع الله القرآن من الصدور، وقال العلماء: إن ذلك مثل الكعبة المشرفة، ففي آخر الزمان إذا انتهكت حرمة البيت الحرام بكثرة الخبث والفساد، يأتي رجل من الحبشة أفحج الرجلين قصير، ومعه جيش كبير ينقض أحجار الكعبة حجرًا حجرًا، ويرميها في البحر، وفي هذا الحديث إشارة إلى الاهتمام بالعلم في كل عصر؛ ليتجنَّب الناس شر الجهال الذين يحاولون إفساد العلم عن عمد وبدون عمد.
عن ابن لبيد قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا قال: ((وذاك عند أوانِ ذَهَابِ العلم))، قال: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم، ونحن نقرأ القرآن، ونُقرِئُه أبناءنا، ويُقرِئه أبناؤنا أبناءهم؟ قال: ((ثكلتْك أمك - ابن أم لبيد - أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، لا ينتفعون منها بشيء؟))؛ حديث صحيح.
الحديث يشير إلى وجوب العمل بالقرآن وبما فيه من العلم، حتى لا يذهب كما وضحنا سابقًا؛ فاليهود لم يعملوا بما في التوراة فأهلكوا، وانحرفت عقيدتهم وتبدَّل كتابهم، والنصارى لم يعملوا بما في الإنجيل، وانحرفت عقيدتهم وتبدل كتابهم أيضًا؛ فبقاء العمل بالعلم يبقي العلم، فلا علم بدون عمل، فلو زال العمل بما أنزله الله فحينها ينتهي العلم ويزول، وهذا يكون في آخر الزمان، وليس ذلك ذريعة للكسل وعدم العلم، بل العكس؛ فإن ذلك ذريعة للحث على العلم والعمل، حتى لا يزول القرآن وما فيه من العلم.


[1] أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف؛ للفوزان.

[2] شرح كتاب العلم للبخاري؛ للشيخ أبي إسحاق الحويني.

[3] أثر العلم الشرعي في مواجهة العنف والعدوان؛ للدكتور عبدالعزيز بن صالح الفوزان.

[4] تفسير القرطبي.

[5] الأخلاق والسير لابن حزم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.66 كيلو بايت... تم توفير 1.52 كيلو بايت...بمعدل (2.02%)]