رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4678 - عددالزوار : 1450946 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4231 - عددالزوار : 952939 )           »          شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 403 - عددالزوار : 151756 )           »          كتاب(أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          وتلك قريش تجحد الله حقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          10 توصيات عملية للتعامل مع الإدمان الرقمي في الأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          اللهم أبدلهم إماما خيرا من هذا الإمام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          الفرق بين المسلمين واليهود والنصارى هو في الأسماء والصفات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 120 )           »          تحية الإسلام تعكس رسالته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 119 )           »          خباب بن الأرت .. سدس الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 141 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 16-05-2020, 02:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

أفكار حول رمضان







د. عبدالحكيم الأنيس




الحياةُ عندما تكون كشريطٍ واحدٍ تُمَلُّ، ولذلك كان فيها المناسبات كالجُمَع والأعياد وما إلى ذلك، كي تُقلِّص من شعور الناس بـ (الرتابة) المملة، وتجعلهم يعيشون أياماً تختلفُ عن أيامهم في سائر السنة، وتكون بمثابة الأمل، وقديماً قيل: لولا الأمل لبطل العمل، وشهرُ رمضان له الأثر الكبير في هذا المجال في كثيرٍ من نواحي الحياة، وأنماط أحداثها، وبه يشعرُ الناسُ بتغييرٍ تامٍّ عمّا تعودوه صباحَ مساء، وبهذا تتجدَّدُ الحياةُ وتتبلور صورُها.









وشهر رمضان كثيراً ما يُساعد على (عبادةٍ) قد أعرض كثيرٌ من الناس عنها ولم يعودوا يُعيرونها أيَّ اهتمام، تلك هي عبادةُ التفكُّر في آلاء الله، وعظمته، وإبداع خلقه، والتفكر في المبدأ والمصير، ومساعدةُ شهر رمضان على هذه العبادة إنما هو من باب خلاء المعدة من كثرة الأطعمة والأشربة مما ترتخي معه الأعضاءُ، ويكسلُ الجسم، وتنشلُّ حركة العقل، فالبطنة تُذهب الفطنة، والامتلاءُ الدائمُ سببٌ كبير لإفساد الفكر، وإبعاده عن وظيفته ووجوده.










ومن أهم دروس رمضان ذلك الدرس الذي تفتقرُ إليه الأمةُ بأجمعها: (الصبر)، فالمسلمُ عندما يُكابِد ألم الجوع والعطش، ويَحْمل نفسَه على ما تكره، ينصاعُ له ما يعصيه من الصبر، إلى أنْ يصيرَ له سجية وجبلة، وإذا ما اعترضتْهُ خطوبُ الحياة وأكدارُ الدنيا كان ذا سلاحٍ قويٍ أمينٍ يدافِعُ به عن إيمانه ويقينه، وعزته وكرامته، هذا أولاً، وثانياً يُساعِد على حمل أمانة التبليغ واستعذاب الأذى في سبيل الحق والسلام.






كلُّنا بحاجة إلى الصبر كي نستطيعَ مواكبة السير وقلع الأشواك من الطريق، ومرحباً برمضان عندما يُملي علينا هذا الدرسُ البليغُ.










وفي رمضان تتجلى وتترقرقُ أسمى وأعظم آيات الحبِّ للخالق العظيم، فهذا هو المسلمُ وقد صام نهارَه وقام ليله لا يأبه بالجوع والعطش ولا بالسهر والسمر، انصرف بكليته إلى ربه تائباً منيباً، داعياً راجياً، ما له مِن همٍّ إلا القبول والتجاوز عمَّا مضى، قد تُعرَضُ أمامه أشهى الأطعمة فيُعرض عنها، ويلوح له أعذب الشراب فلا يلتفت له، كلُّ رغبته أن يرضى الله عنه، ويقول له يومَ القيامة بعد كل هذا التعب والنَّصَب: لقد بلوتُك يا عبدي ووجدتُك عند العهد، والآن ï´؟ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾، وهناك ما أشدَّ خيبة من خسِرَ الامتحان.










وساعات رمضان كلها خيرٌ وبركةٌ، وإنَّ مِن أجلها بهجة ونقاء وقرباً واتصالاً ساعة السحر، مُنى أنفس العُبَّاد والزهاد، وبُغية الطالبين والراغبين.






كثيرٌ أولئك الذين يَمرُّ عليهم السَّحَرُ وهم في غفلة النوم غارقون، يأتيهم الخير إلى أبوابهم وهم عنه راغبون، ولكن رمضان شهر الرحمة والحنان يأبى إلا أنْ يجعل للجميع نصيباً من هذه الساعة المباركة العظيمة، فلا بُدَّ للصائم من سحور، ولا بُدَّ للسحور من استيقاظ، ولا يكادُ الإنسان يشمُّ عبيرَ السَّحَر حتى تنتعشَ نفسُه، وتتفتح ذابلاتُ وروده، فيلجأ إلى مُصلَّاه يناجي ربَّه، ويذرف أمامَه دموعَ الخوف والرجاء، ويشكر شهرَ رمضان الذي كان السبب في تعريفه بهذه الساعة الغنّاء، حيث يفيض بحرُ الكرم، وتمتد يدُ المغفرة إلى كلِّ الغرقى والتائهين: (هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفرَ له، هل من تائب فأتوب عليه...).










أمّا ما يُسبغه شهرُ رمضان على النفس من صفات طيبة، ومشاعر نبيلة حية، فذلك ما ليس بالغامض ولا البعيد، فقد عَوَّدَ رمضانُ النفوسَ أن يُهذبها، ويرقى بها إلى قمم المساواة والعدالة، إذ تذوقُ معاناةَ الآخرين فلا يخفى عليها بعدُ ما تنطوي عليه صدورُ الفقراء والمحتاجين من ألمٍ حزينٍ راضٍ، وصمتٍ متدثرٍ شفّاف، فتتقرَّبُ إليها وتمسحُ عنها غبارَ الفقر والحاجة، وتقدِّمُ لها المعونة والبسمة، والشعورَ الإنساني الصادق، تتقرَّبُ إليها لتقول بأننا جسدٌ واحدٌ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعتْ له سائرُ الأعضاء بالسَّهر والحمّى.










ورمضان بصيامهِ وقيامهِ وتسبيحاتهِ وقرآنهِ قوةٌ إيمانية هائلة، تشحذُ عزيمة المسلم، وتنيرُ له الدرب طيلة أيام السنة، كلما سَلطت الشمسُ أشعتَها على نهره فأضرمته، وكلما حاول الألمُ واليأسُ أن يقتربا من شاطئه... قوةٌ تمنحُ القلبَ حلاوةَ اليقين، وتهب العين قرّةَ السرور، وهو بهذا محطةٌ سنوية يقفُ المسلمُ بها ليملأ عقله وقلبه مِن معينها، محطةٌ سنوية تتخللها محطاتٌ أخرى لك الخيارُ أن تنهل منها أي وقتٍ شئتَ.






رمضان فرصة ذهبية، ونفحة إلهية، علينا جميعاً أن نتعرضَ لها، ونستسقي منها كؤوسَ المحبة والصفاء، ونتزودَ لغدنا في الدنيا، وغدنا في الآخرة، وعسى الرحمة أن تطل علينا - بعد حبس الجوارح عن متطلباتها - وتهتف بنا في الدارين قائلةً: اذهبوا فأنتم الطلقاء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 16-05-2020, 02:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

الصيام والوظيفة



د. خالد بن سعود الحليبي






أخي الصائم:







لعلَّك تُشاركُني العَجَبَ من قومٍ جعلوا صيامَهم حُجَّةً لهم، وعُذرًا عن تقصيرهم في أداء واجبَاتهم على الوجه الحسن, فعلَّلوا تأخُّرهم في قدومهم إلى وظائفهم بأنهم كانوا نائمين، ونوم الصَّائم عبادة!! وعلَّلوا تراخيَهم عن إتقان أعمالهم بأنهم مرهَقون بسبب الجوع أو العطش، وللصائم الحق في أن يخفف عنه من جهد العمل ومشقته!! وعلَّلوا خروجهم المبكر قبل أن يستوفي وقت العمل حقَّه، بأنَّهم محتاجون لقضاء بعض اللوازم للإفطار!! وعللوا تذمرهم من المراجعين، وسلاطة ألسنتهم على الناس بأنهم - أستغفر الله - صائمُون!!




فيا ليت شعري؛ كيف يفسّر هؤلاء أثرَ الصيام على أنفسهم،؟ وكيف يُفصِّلونه على قُدُودِ مشتهياتهم؟!




رمضان شهر العمل والبذل والعطاء، لا شهر الكسل والخور والضعف، شهر وقعتْ فيه أكبرُ الانتصارات في الإسلام في القديم والحديث، فلم يكن عائقًا عن أداء مهمَّة، ولا داعيًا للتقاعس عن إتقان عمل، ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).




حديث جليل لا يتخلَّف مراده بتغيُّر الأزمان، وقاعدة عظيمة لا تختل بظرف طارئ، كيف والصوم عبادة تؤدَّى لله، هدفها الأول تربية التقوى في النفس المؤمنة؟! يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، والتقوى وازعٌ إيماني عميق الجذور، إذا تغلغل في النفس كان حاجزًا مانعًا لها عن كل ما يسخط الله، ودافعًا قويًّا لها إلى كل ما يحب الله، والإتقان مما يحب اللهُ، وهو من صفات الكمال التي اتَّصف بها - عز وجل، قال تعالى: {الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88]، فأولُ ثمرةٍ متوخَّاة مِن تقوى الله تعالى في العمل - مراقبتُه عزَّ وجلَّ في كلّ الساعات التي تُمضيها - أخي الموظف الصائم - وأنت تُمارس عملك، بأن تكون في مرضاة الله، وألا تضيع منها دقيقة واحدة في غير ما يخص وظيفتك، وأن تنشط لمهامك بوعي تام، وأن تكون في موقعك ينبوعَ أخلاق، ونهرَ عطاء، تتدفق بكل خير على مراجعيك، دون تذمر منهم، أو مشقة عليهم، فقد صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - قولُه: ((اللهُمَّ مَن ولي مِن أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليه، فاشقُق عليه، ومَن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفُق به)).




وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((والصيام جُنَّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقُلْ: إنّي امرؤ صائم))، تخيَّل معي لو أنَّ كلَّ صائم منَّا حَمل هذه الرايةَ البيضاء، إذًا لبكى الشيطان بكاء مرًّا!! لأننا أفشلنا أكبر مؤامرة خَطَّط لها من أجل إفساد عبادتنا وذاتِ بيننا.




فما رأيك - أخي الصائم - أن تحمل الراية معي؛ لنكون في كوكبة الصابرين، ونواجه كل متحدٍّ لمشاعرنا، أو مستفز لأعصابنا بهذا الهتاف الإيماني: "إني امرؤ صائم"؛ بل فلنحاول أن ننصح زملاءنا في العمل ونذكِّرهم إذا رأينا منهم بعض ظواهر هذه الممارسات الخاطئة؛ فلعلنا نفوز باستجابة، ودعوة، ومثوبة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 16-05-2020, 02:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

مزعجات رمضان



الشيخ علي الطنطاوي










أنا أكتب في الصُّحف والمجلات مِن ثلاثين سنة، والكتابة هي حِرفَتي، ولم أكن مع ذلك منَ المُجَلينَ السابقين في درس "الإنشاء" في المدرسة، وكان بعض إخواننا في "الصف"، ممن صاروا اليوم أبعد الناس عنِ الكتابة، وإن صاروا من أعلام السِّياسة، أوِ العلم، أوِ الاقتصاد - يأخذون مِن علامات النَّجاح أكثر مما آخُذ...



لا لأنَّهم كانوا يكتبون أحسن مما أكتب؛ بل لأنَّ المُدَرِّس كان يُحَدد لنا الموضوع، وعدد الأسطر، ووجهة التفكير، فلا أستطيع مع هذه القيود أن أسيرَ، كماء الساقية إن أقمت في وجهه السدود، ومنعته أن يجريَ في مجراه، وقف ثم انقلبَ مِن رقراق عذب مُتَحدر إلى بركة آسنة.


لذلك كنتُ أخيب، فلا عجب إذا خبتُ اليوم، وقد جاء مُحَرر مجلة الإذاعة يُعيد معي قصة مُدَرِّس الإنشاء، فيُحَدد لي الموضوع والأسطر: فالموضوع "تقاليد رمضان الماضي"، والمجال صفحة أو صفحتان منَ المجلة.


وأنا أعرف رمضان الذي كان يجيء دِمَشق من أكثر من أربعين سنة، ولا أزال أذكُر ملامح وجهه، ولون ثيابه، والذي افتقدتُه مِن زمن بَعِيد، فلم أعد أراه.


لقد تَبَدَّلَ كما تَبَدَّلْتُ أنا، ونحن كل يوم في موتٍ وحياة، لقد مات كما مات فيَّ ذلك الطفل، الذي كان يذهب إلى المدرسة قبل إعلان الحرب الأولى، وأين ذلك الطفل؟ إنه مضى كما مضى رمضان، إلى لا يعود الذَّاهبون، وجاء في مكانِه إنسانٌ آخر يحمل اسمه؛ ولكنه ليس إيَّاه، كما يحمل رمضان هذا اسم رمضان الماضي، وليس ذلك الـ"رمضان".


أنا أعرفه، وأذكر كيف كان يستقبله الشَّاميُّون، وأعرف أنَّ للحديث عنه مُتعةً ولَذَّةً، ولكنِّي قاعد من ساعتين أحاول أن أحصرَ ذهني لأكتبَ عنه، فلا أجد في ذهني إلا "مُزعجات رمضان"، يجول الفِكر فيها، ثم يقف عليها، ويستقر عندها، وقد يكون الفِكر كالفرس الجامح لا يمشي بك حيث تريد أنت؛ بل حيث يريد هو، ولم يبقَ أمامي إلاَّ أحد أمرين: إمَّا أن تعفيني المجلة منَ المقال، وإمَّا أن أكتبَ في "مُزعجات رمضان".


ولستُ أعني بالمُزعجات الجوع، والعطش، واضطراب ميزان اليَقَظة، والمنام، فذلكَ شيء لا بدَّ منه، ولولاه لم يكن لِرَمضان معنى، وأي معنى يبقى لـ"التدريب العسكري"، إذا خلا من الشُّقَّة والتَّعب، وبَذْل الجُهد، وصار نومًا مُتَّصلاً، وأكلاً مُتَّصلاً، وأكلاً، وشربًا، واسترخاء؟


ولكني أعني مزعجات الناس، وإذا كان قُرَّاء المجلة يَعِدونني بأن يكتموا ما أقول عن مدير الإذاعة، لَقُلتُ لهم: إن شطر هذا الإزعاج منَ الإذاعة، والشطر منَ الناس.


إزعاج يستمر منَ الصباح إلى المساء، ولا ينقطع لحظةً واحدةً، نرجع فيها إلى أنفسنا ونستطيع أن نستجليَ فيها طلعة رمضان، أو نحس بِوُجوده، ورمضان أجمل مرحلة في طريق الزمان، يمر فيه ركب الإنسانيَّة على الرَّوض الأنيق، فيرى المشهد البارع، ويشم العطر العبق، ويسمع من صدح البلابل، وهديل الحمام، ما يرقص منَ الطرب القلوب.


ولكن كيف يرى المشهد مَن يزدحم عليه الناس، حتى يسدوا في وجهه منافذ النَّظَر؟ وكيف يشم الأريج مَن تهب من حوله العواصف؟ وكيف يسمع الصوت الرقيق مَن تحف به ضجة تزلزل الأرض؟


إنها مائدة حافِلة؛ ولكنَّكم لا تدعونني أتناول لُقمة منها حتى تصدوني عنها.


إنَّه شهر التَّأَمُّل والعِبادة، ولَذَّة الرُّوح، وأنس القلب، ولكنَّكم لا تتركون لي ساعة، ساعة واحدة أستمتع بهدأة التَّأَمُّل، وذهلة الحلم، ونَشْوة المناجاة.


وهذا هو الموجز، وهاكم تفصيل الأنباء كما يقول المُذيع:

أمَّا الإذاعة، فهي لا تَسْكُت من صباح الله الباكِر إلى نصف الليل، ولا تستريح ولا تريح، ولا تكف لِسَانها دقيقة، ولو كانت تذيع ما يُعين على الخُشُوع والعبادة في رمضان، وما يُذَكِّر بالله، لَهَان الخطب؛ ولكنَّها تذيع الأغاني التي أجمعتْ كلمةُ الإنس والجن على استنكار أكثرها، وأنا لا أقول للإذاعة: لا تُغَنِّي؛ لأنِّي لا أحبُّ أن أقولَ كلمة، أَعْلَم أنه لن يُستَجاب لها، ولكن أقول: إن موسيقى الناس نصفها ألحان معبرة، ونصفها كلام ملحن، وموسيقانا كلها كلام، وإن الكلام في موسيقاهم نصفه للمرأة، ونصفه للطبيعة، والوطن، والحياة، وما عندنا كله للمرأة، وإن ما للمرأة عندهم نصفه منَ الغزل السامي والاتباعي (الكلاسيك)، ونصفه غزل خفيف، وليس عندنا إلاَّ هذا الغزل الخفيف، بلفظ عاميٍّ فظيع، ومعانٍ شنيعة مُبْتَذلة، ونغم مسترخ متخنث، وهم يجدون كل يوم جديدًا، ونحن لِعُقم القرائح نُرَدِّد ونُعيد، ولماذا أعمم القول فأكون ظالمًا؟ لا ليس كله كذلك، وقد نسمع أغانيَ تبلغ في جمال لفظها، وحسن معناها، وتوقيع لحنها ذروة الكمال؛ ولكنَّا نسمعها أول مرة فنَسْتَجدها، ونستجيدها، ونستعيدها، ونسمعها الثانية فنطرب لها ونُسَر بها، ونسمعها الثالثة فنستملحها، والرابعة فلا نكرهها، والخامسة فنبدأ بالإعراض عنها، والسادسة فنضيق بِتَكرارها، فلا تزال الإذاعة تعيدها حتى تأتي المرة العاشرة والخامسة عشرة والسادسة والسبعون، فتطلع منها أرواحنا، ولو كانتِ الشَّهد المُصَفى، أو الفالوذج، وأطعمتها إنسانًا كل يوم عشر مرات، وحشوت به فمه جائعًا وشبعان، راغبًا وكارهًا، لَصَار لها في فمه طعم العَلْقم.

أمَّا الناس فإزعاجهم أكبر وأنكر، وأنا أستطيع أن أسد الراد فلا أسمع ما تذيع الإذاعة، أو آخذ منه ما صفا، وأدع ما كدر؛ ولكن ما أصنع بِمَن لا يطرب إلاَّ أن أشرك معه بِسَماع الأغنية مائة جارة وجار، من أمام، ومن خلف، وعنِ اليمين، وعنِ اليسار؟ فكيف ننام، وكيف نشتغل، وكيف نخلص التَّوَجُّه إلى الله، ومِن كل جهة من حولنا، هذه المصائب الثِّقال، والضَّجَّة المروعة، وفريد الأطرش، وهذا الآخر عبدالحليم حافظ؟!


فإذا سكت الرَّاد في الساعة الثانية عشرة وحاولتَ أن تنام، لم تمر نصف ساعة حتى يجيء "أبو طبلة"، هذه الآفة التي لا دافع لها، المُسَحر، الذي ضاقت به الصناعات والمهن، فلم يجد له صنعة إلاَّ أن يحمل طبلاً، ثم يأتي نصف الليل ليقرع به رأسك، ويوقظك من منامك، وأعجب العجب أن يعترفَ المجتمع بهذه الصَّنعة، ويعدها منَ الصناعات المُقَررة، ويوجب عليك أن تقولَ له: أشكرك، وأن تدفعَ له في آخر الشهر أجرته على أنه قد حَطَّم أعصابك، وكسر دماغك.


وأنا أفهم أن يكون للمسحر موضعًا في الماضي، أما اليوم وفي البلد إذاعة، وفي كل بيت ساعة، وفي كل حي منارة عليها مُؤَذن، وفي البلد مدفع يوقظ صوته أهل المقابر، فليس للمسحر موضع فينا.


فإذا انقضى السحور، وأردت أن تنام عادت أختنا الإذاعة إلى "وراك وراك"، و"يا بياع الورد"، وعاد الجيران إلى تطبيق الجو بهذه الأصوات، وجاء بَيَّاع الحليب، وبَيَّاع الفول، ومصلح البوابير، و"الذي عنده خزانات للبيع، والذي عنده كنبات للبيع"، وزلزلت الأرض بأبواق السيارات، وصراخ الأولاد...


فإن هربت إلى المسجد الأموي، لتأخذ منه موعظة أو تسمع درسًا، رأيت النائمينَ مصفوفينَ بالطول وبالعرض، يشخِّرون ويتنفسون من كلِّ منفذ، وحلقات المتحدثين يضحكون ويمزحون ويغتابون ويكذبون، ووجدت العوام يُدَرِّسون بلا رخصة، ولا إِذن؛ لأن العلماء غائبون، ولم تجد في المسجد شيئًا مما يجب أن يكونَ فيه!


فإن سِرْت في الشوارع رأيتَ المطاعم مفتوحة، والمفطرين في كل مكان، وركب أمامك في الترام مَن يُدَخن، وينفخ الدخان في وجهك، مع أن القانون والعُرف يمنعان التدخين في الترام، والذوق - إن لم نَقُل الدِّين - يمنع إعلان الفطر في رمضان في البلد المسلم.


فمن أين مع هذه المزعجات، من أين "يا مجلة الإذاعة" أستطيع أن أنفذ إلى الموضوع الذي تريدون منِّي أن أكتبَ فيه؟!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 17-05-2020, 02:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

لنطرق باب الريان


راشد عبدالرحمن العسيري





رمضان شهر البر والإحسان، شهر فضله الله فأعلى في العالمين ذكره، ورفع بين الشهور منزلته وقدره، شهر تُضاعف فيه الحسنات، من رب الأرض والسماوات، أختص الله ثوابه لنفسه، فأجره لم يُطلع عليه أحد من خلقه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: ((... قَالَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ: إِلا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)).




ومن فضل الله وكرمه أن أبواب الجنان تفتح كلها في هذا الشهر المبارك، ترغيباً للنفوس وشحذاً للهمم، لما عند الله من عظيم الثواب وجليل النعم،يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهنّم، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ)).




يكفي للصائمين شرفاً أن بشرهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - بأعظم بشارة، هي للصائمين وحدهم، حين ينادون يوم القيامة لدخول الجنة من باب أختصه الله لهم، إكرام منه وتفضلاً وإنعاماً، فيدخلون من باب الريان، باب للصائمين لا يدخل غيرهم فيه، فعن سهل رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)).




أما من كان سبّاقاً لأعمال الخير، طارقاً لأبوابها؛ فإنه يُدعى من أبواب الجنة كلها، وهو شرف ما بعده شرف كما أخبر به الصادق المصدوق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ)) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ)).




فضل عظيم وأجر جزيل أعده الله لعباده المتقين، ونحن في هذا الشهر المبارك نلتمس الأجر من رب كريم، يحب التائبين ويقبل العائدين ويمهل العاصين ويفرح لعودة الآيبين، أعد الله لهم من الأجور مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.




وللفوز بدخول باب الريان لأبد أن يكون الصيام مصاناً مما ينقص ثوابه، فليس المقصود من الصوم مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات الحسية فقط، بل وجب حفظه وصونه من كل ما يدنسه أو ينقص أجره، فلنسارع إلى الخيرات ولنغتنم هذه الفرصة العظيمة لدخول جنة عرضها الأرض والسموات أعدت للمتقين.






إذا هبت رياحك فاغتنمها

فإن لكل خافقة سكون



ولا تغفل عن الإحسان فيها

فلا تدري السكون متى يكون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 17-05-2020, 02:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

شهر ربيع القلوب











الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل





طيلة العام ينشغل أكثر الناس عن القرآن بأمور حياتهم ومعاشهم، ثم جاءت أجهزة الاتصال الحديث في الفضائيات والإنترنت فسرقت البقية الباقية من أوقات الناس، وصار القرآن مهجورا أو شبه مهجور عند كثير من المسلمين، وخاصة من هم في سن الشباب.






وإذا قدم رمضان أقبل كثير من المسلمين على قراءة القرآن في أوله، ثم يضعف كثير منهم فلا يبقى في ميدان القراءة إلا القليل منهم، وأغلبهم من كانوا مداومين على القراءة في رمضان وغيره فلم يجدوا صعوبة في الاستمرار على التلاوة وزيادتها، وأقل منهم من بقوا بسبب مجاهدتهم لأنفسهم، ويجدون عنتا ومشقة، وهم خير ممن ترك القرآن إلى مجالس اللهو، وعاد إلى ما اعتاد قبل رمضان.






وقلوبنا هي أوعية ما تتلقاه من كلام بالقراءة أو بالسماع، وهي أوعية ما تشاهده من صور ثابتة أو متحركة، وكلما كان ما تتلقاه القلوب من الألسن والأسماع والأبصار سيئا موبقا أضر بالقلوب ضررا بالغا، وأفسدها وقساها، وأصابها بالغفلة والموت، وإذا سلمت الأبصار والأسماع والألسن من المعاصي، وأقبلت على الطاعات كان ما تتلقاه القلوب أطيب الثمار وأزكى الغذاء، فتتغذى عليه وتكون قلوبا حية مطمئنة موقنة ثابتة لا تزعزعها الأهواء، ولا تميد بها الفتن، ولا تلين مع شدة المحن. وأعظم دواء وغذاء تتغذى به القلوب، وبه تشفى وتعافى وتقوى كلام الله تعالى، فهو ربيعها الجامع بين شفائها وغذائها.






وإذا كنا نشكو قسوة قلوبنا وغفلتها، وانصرافها عما فيه نفعنا ونجاتنا فلا بد من تغذيتها بالربيع؛ لزيادة قوتها وصلابتها، وسلوانها في شديد المصائب، وتثبيتها لئلا تميد بها الفتن والمحن عن الجادة السوية، فكل الناس يحسن التنظير والادعاء بالثبات حال العافية والرخاء والأمن، ولا يثبت في المحن والفتن والخوف إلا قلائل الناس، ممن ملكوا قلوبا ثابتة على الحق، موقنة بالله تعالى، واثقة بوعده لعباده.. وشهر رمضان هو شهر القرآن، والقرآن هو ربيع القلب.






وربيع القلب وصف به الصبر؛ فقيل: الصبر ربيع القلب، ووصف به الصدق، فقيل: الصدق ربيع القلب، ووصفت به الحكمة فقيل: الحكمة ربيع القلب. في كلام منقول عن العرب والعجم، ولم أقف على صفات أخرى وصفت بأنها ربيع القلب غير هذه.






والقرآن كتاب صدق، وأمر الله تعالى فيه بالصدق وبالصبر ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ï´¾ [التوبة: 119] ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ï´¾ [آل عمران: 200] وهو كتاب حكمة ï´؟ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ï´¾ [الإسراء: 39]، وسبب ذلك أنه كتاب محكم ï´؟ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ï´¾ [هود: 1].






إذن ما ذكره العرب والعجم ربيعا للقلوب فكله موجود في القرآن، وهو منزل في شهر رمضان، فصار رمضان ربيعا لقلوب المؤمنين بكثرة قراءة القرآن فيه، وسماعهم له، فقلوبهم بالقرآن في جنات وأنهار ونعيم ولو كانت أبدانهم في شدة الحر، وتحت الهاجرة، وفي أرض مغبرة، وأبعد ما تكون عن الربيع الحسي.






وربيع القلوب أعلى وأجل وأولى بالرعاية والعناية من ربيع الأبدان، ونحن نرى كثيرا من الناس وقت الربيع يلتمسون الفياض والرياض والخضرة، فيقصدون أجمل الأراضي المربعة فيخيمون فيها أياما يحسون خلالها بالسعادة والحبور، والقلوب أحوج إلى ربيعها من الأبدان إلى ربيعها.






قال الله تعالى ï´؟ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ï´¾ [البقرة: 185] وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ فقال: اللهم إني عَبْدُكَ بن عبدك بن أَمَتِكَ ناصيتي بِيَدِكَ مَاضٍ في حُكْمُكَ عَدْلٌ في قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هو لك سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أو عَلَّمْتَهُ أَحَداً من خَلْقِكَ أو أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قلبي وَنُورَ صدري وَجَلاَءَ حزني وَذَهَابَ همي إِلاَّ أَذْهَبَ الله هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجاً قال: فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا فقال بَلَى ينبغي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" [رواه أحمد: 1/391، وصححه ابن حبان: 972].






فالربيع هو أحسن فصول السنة، ويأنس فيه الناس ما لا يأنسون في غيره من الفصول حيث الأمطار والنبات والخيرات. والقرآن أحسن الكلام، وعلومه ومعارفه أعلى المعارف والعلوم، ومواعظه أرق المواعظ وأجزلها، فكان ربيع القلوب.






قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:



جعل القرآن ربيع قلبه؛ لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه. [جامع الاصول: 4/299].






وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:



فسأل الله أن يجعله ماء يحيي به قلبه كما يحيي الأرض بالربيع، ونورا لصدره. والحياة والنور جماع الكمال، كما قال ï´؟ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ï´¾ [الأنعام: 122]، وفي خطبة أحمد بن حنبل: يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى؛ لأنه بالحياة يخرج عن الموت وبالنور يخرج عن ظلمة الجهل فيصير حيا عالما ناطقا وهو كمال الصفات فى المخلوق. [الفتاوى: 18/310-311].







وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:



فتضمن الدعاء أن يحيي قلبه بربيع القرآن وأن ينور به صدره فتجتمع له الحياة والنور. [الفوائد: 26].






وقال القاري رحمه الله تعالى:



كما أن الربيع سبب ظهور آثار رحمة الله تعالى وإحياء الأرض بعد موتها كذلك القرآن سبب ظهور تأثير لطف الله من الإيمان والمعارف وزوال ظلمات الكفر والجهل. [المرقاة: 5/363].






ونلحظ أنه صلى الله عليه وسلم سأل الربيع للقلب، وسأل النور للصدر، والسبب هو: أن الغيث لا يتعدى محله، فإذا نزل الربيع بأرض أحياها، أما النور فإنه ينتشر ضوءه عن محله، فلما كان الصدر حاويا للقلب جعل الربيع فى القلب والنور فى الصدر لانتشاره. [ينظر: فتاوى ابن تيمية: 18/312].






قال ابن القيم رحمه الله تعالى:



ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه إلى القلب؛ لأنه قد حصل لما هو أوسع منه. ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب تسري الحياة منه إلى الصدر ثم إلى الجوارح؛ سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها. [الفوائد: 26].






وفي سؤال الله تعالى أن يجعل القرآن ربيع قلبه أن القلب المعرض عن القرآن معرض عن الربيع، فهو معرض عن دواء القلوب وغذاؤها، وعن سبب سعادتها وقوتها وثباتها. وهو يفيد أيضا: أن الإنسان قد يقرأ القرآن لكن القرآن لا يكون ربيع قلبه، كمن يقرأ رياء وسمعة، ومن يهمل التدبر، ويهذرم القرآن هذرمة، وهذا يشبه سحابا مركوما بالغيث المبارك يمر بأرض جدباء صفراء مغبرة، ولكنه لا يمطر فيها، بل يتعداها إلى غيرها، فلا تنتفع بمجرد مرور السحاب فوقها، بل تبقى كما هي جدباء مغبرة، وهكذا آيات القرآن إذا مرت على القلوب ولم تلامسها وتداخلها فإن الانتفاع به ينعدم كلية أو يقل بحسب قلة التأثر بالقرآن، وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيث ربيع الأرض. [تفسير القرطبي: 16/55].






وغالب الانصراف عن قراءة القرآن هو بسبب أنه لم يكن ربيعا لقلب قارئه؛ لعدم إتيانه بالأسباب من الإخلاص وحضور القلب، فيمل وينصرف، كما يمل من أقام في أرض ميتة مغبرة، وإلا لو كانت أرضا حية مخضرة لما فارقها.






ونحن الآن في شهر ربيع القلوب؛ فلتأخذ قلوبنا حظها من هذا الربيع.






اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 17-05-2020, 02:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

خلق الصائم



الشيخ عبدالوهاب خلاف

عندما تجتمعين مع النساء اللاَّئي قدمنَ إليكِ
تلبيةً لدعوة الإفطار في بيتك
وتنفتح قبل موعد الإفطار سيرةُ إحدى معارفكنّ
التي غضبت في بيت أهلها تاركة بيت الزوجية مرة أخرى
وتبدأنَ في تبادل ما سمعتنَّ عن أحوال هذه الأسرة
وكيف هي مدللة وغير قادرة على تحمل مسؤولية بيت
وكذلك ما سمعتُنَّه عن علاقاته النسائية، وحبيبته الأولى التي عاود الاتصال بها
أديري الحديث بعيداً عن أسرار الناس
لا تفكِّري بأن هذا حديث نسويٌّ عادي
تتسلَّين به قبل أن يأكل ضيوفُك مما أحسنتِ إعداده
وأنكن جميعاً تُبدين الأسف لا الشماتة
بل فكري في أنه لا يليق بمن سيفرحنَ بعد قليلٍ بأكلهن ما أعددتِ من لحومٍ شهية؛
أن يتلهَّين قبلها بأكل لحوم إخوانهن موتى!
مبارك عليك الشهر
وقد خرجت منه معرضةً عن اللغو
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 18-05-2020, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

رمضان في المدينة المنورة



أم حسان الحلو









ألا ما أجمل تَعانُق شرف المكان والزمان، بل لعلي بُهرت حقاً بليالي رمضان وأنا في رحاب المدينة المنوّرة. أذكر حين نزلت في مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في رمضان المبارك في عام ظ،ظ£ظ©ظ©من هجرته صلى الله عليه وسلم، كنت أرى أموراً مبهرة مذهلة مدهشة حقاً... كنا نعبر قبل صلاة الفجر زقق «العنّابيّة» القديمة سيراً على الأقدام، ولشد ما كانت دهشتي حين كنت أرى المحالّ وقد أُغلقت بقطع من قماش ليس إلا!! قطع تقف حائلاً دون عبث القطط فقط. ولربما كذبت عيني حين رأيت النقود مرتبة على طاولة في محل صرافة دون حارس ولا بائع! فتسمرت في موقعي وقد ارتدت أطرافي دهشة غريبة وبدت الحيرة عليّ وكأني (أليس في مدينة العجائب)!!! فيتنقل بصري وإذ بي أرى قِطَعَ الذهب والمجوهرات وقد رُصّت في محالّ الذهب دون أن يلتفت إليها أحد! فأدركت أن هؤلاء قوم يُثبتون لنا أن الصلاة والطاعة والعبادة والإقبال على الله أغلى من الذهب والفضة وكنوز الأرض جميعاً.




مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم منورة وغيرها من المدن مُضاء، شتّان ما بين الإضاءة والنور... كل ما في المدينة يتلألأ طهراً وجمالاً. أكاد أجزم أنني لم أرَ أطيب ولا أنبل ولا أكرم من أهل طيبة الطيّبة. هم كرماء في كل الليالي والأيام، لكنهم في ليلة استقبالهم لشهر الخير والبركة كانوا يُسرجون ليلهم وهم يوزعون التمور على جيرانهم أياً كانت جنسيّاتهم بمحبة وبشر وسعادة غامرة. والسعيد من زار سوق التمور في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم هناك ترى الكرم والجود والعطاء والثقة بما عند الله. حدثتني صديقتي أنها كانت تزور المدينة للمرة الأولى في حياتها، وكانت تسير بسوق المدينة تنتقي هداياها لأهلها وبجانبها أختها... لم تصدق زميلتي حين سمعت صاحب الحانوت يقول لها: لقد بعت اليوم وجاري في الزاوية هناك لم يبدأ يومه بعد، فهلا اشتريت منه ما تريدين!!! تقول: فتحت عينيّ وأذنيّ لئلاّ يسقط مني سهواً أي خير يتردد حولي... وفي لحظة تعب وإعياء قالت لأختها: هيا عجلي فقد أنهكني الجوع... فسمعها أحد المارّين وقال منفعلاً: أتجوعين في مدينة رسول الله؟ والله لن يكون هذا. وقدم لها طعاماً يكفيها ويكفي أختها ليالي وأياماً!! أعوام مضت على هذه الحادثة ولا تزال صاحبتنا تدعو لذاك الغريب خاصة ولأهل المدينة عامة بالخير والبركة..




ويوم دعتني امرأة غريبة إلى مائدة عامرة فاخرة تنبعث منها روائح لذيذة يذوب الصائم شوقاً لها، رفضت وفي نفسي أنها رأتني غريبة الدّيار فأشفقت عليّ!! وأنا أمقت مشاعر الشفقة هذه فكيف وفي بيتي ولله الحمد ما لذ وطاب! ثم علمت فيما بعد أن أهل المدينة يستقبلون الصائمين على موائدهم العامرة بجوار الحرم، وكلما امتدت موائدهم ازداد أملهم بالله في مضاعفة الأجور. سلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدينته وأهلها الطيبين إلى يوم الدين...

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 18-05-2020, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

رمضان.. ليس شهر الأكل والنوم!!





صدقي البيك




المظهر الإسلامي في شهر الصوم لا بد أن يكون انعكاساً للنية الصادقة.


"شهر رمضان، هذا الموسم الديني المتجدد، وهذا المهرجان الإسلامي العظيم، شهر الخير والبركة.


إنه الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم، وهو بهذا الشرف جدير، فهو الشهر الذي فيه أنزل القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وفيه بدأ تنزيل القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


وهو الشهر الذي شهد أول وأخطر معركة خاضها المسلمون بقيادة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، تلك هي غزوة بدر الكبرى، التي أظهر الله فيها الحق وأزهق الباطل، وفيه جرت أيضاً أشهر المعارك الإسلامية الحاسمة في التاريخ كعين جالوت وغيرها.


فضائل الصوم في رمضان:

يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: لو علمتم ما في رمضان من الخير لتمنيتم أن يكون رمضان الدهر كله. فالصيام في هذا الشهر يمثل قمة الإيمان الخالي من كل مظاهر الرياء والنفاق، لأنه عبادة لا يراها إلا الله، فليس لها مظاهر تدركها حواس الناس، أما الصلاة والزكاة والحج والجهاد.. فهي عبادات إيجابية، تؤدى بأعمال يراها الناس، ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، هذا كله لأن الصائم لا يكون إلا مخلصاً لله، وصيامه سرٌّ بينه وبين ربه، ويعتمد الصيام في الأساس على عدم القيام بأعمال بل بالامتناع عن أعمال.


حكم الصيام:

من أبرز حكم الصيام وفوائده أنه يدرب المسلم على الصبر، فأي صبر أوضح من أن يردع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب وهما ماثلان أمامه ونفسه تتوق إليهما؟ وأي صبر أقوى من أن يتحمل الإنسان المشاق النفسية والجسدية استجابة لأمر الله وامتثالاً لتعاليمه؟


والمسلم يتدرب بصومه على ملاقاة الظروف القاسية التي قد تعترض حياته إذا انقطعت به السبل، فلا يجزع ولا ينهار لأول صدمة.


والصيام يدرب المسلم على الإحساس بمشاعر الآخرين، ومعاناة ما يعانونه، فإذا كان الغني قد تيسر له كل ما يشاء من طيبات الدنيا وحينما يشاء، فإن الفقير يعاني من عضة الجوع وحرقة العطش، ويتعرض لأذاهما طويلاً، فإذا صام المسلم الغني أدرك أن هناك أناساً يجوعون ويعطشون ويألمون من غير اختيار أو صيام، فيرق قلبه لهم ويجود عليهم بما يخفف بلواهم.


والصيام في رمضان يدرب المسلمين على النظام والدقة في الوقت، فيقيسون الزمن، فيه. بالدقائق والثواني. على غير ما يفعلونه في غيره من الشهور! فلا يتقدمون عن وقت الإفطار دقيقة ولا يتأخرون عن وقت الإمساك ثانية! وبذلك يتعلم المسلمون الدقة في المواعيد والالتزام بها، فقبيل الإفطار تدب الحركة في حياة الناس وتصرفاتهم، فكل منهم يهرع إلى البيت، ويسير على عجل يسابق الآخرين، حريصاً على الوصول إلى أهله قبل الغروب، فإذا حانت لحظة الإفطار هدأت الحركة في الشوارع وخلت الطرقات من المارة فلا تكاد تسمع إلا همساً، ولا ترى إلا متعجلاً يسابق الريح فاتته لحظة الهدوء والاستقرار فهو يحاول إدراكها.


فما أحوجنا إلى دروس رمضان فلا نضيع أوقاتنا وأوقات الناس بالانتظار للمواعيد أو بإهمالها.


وما أكثر الدروس والعظات التي يمدنا بها رمضان والصيام فيه، وما أجدرنا بأن نستفيد منها ونتزود بها كلما مررنا بمحطة رمضان في سفرنا عبر الحياة.


حالنا الآن في رمضان:

هذا ما كان عليه رمضان لدى المسلمين الأوائل، وعند كثير منهم حديثاً، وهذا هو الوجه المشرق المتلألئ لرمضان وللصائمين فيه، ولكن هناك أناساً، وما أكثرهم، أصبح رمضان عندهم شيئاً آخر، المظهر مظهر إسلامي وعبادة مرجوة الأجر، ولكن الاهتمام عندهم ينصبّ على الطعام بأنواعه والأشربة بألوانها!! فكأن رمضان عندهم معرض غذائي لشتى المأكولات والمشروبات التي تزدحم بها موائد الإفطار! ويقبلون عليها بنهم، ويكثرون منها حتى يصابوا بالتخمة، ويثقلون على معداتهم متناسين حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-... فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه. وبذلك يتلاشى عندهم الإحساس بما يعاني منه الفقراء، وتنقلب عندهم الأمور فينامون النهار و(يقومون!) الليل، ويتأخر العاملون منهم عن الدوام بحجة أنهم (قاموا) ليل رمضان (يعنون سهروا فيه حتى الفجر!!) وإذا لحقوا بأعمالهم كانت عيونهم مفتحة وقلوبهم نائمة، بل لا يتورع كثير منهم عن النوم قلباً وعيوناً، وبذلك تتعطل المصالح والأعمال، وتتوقف عجلة الإنتاج، ويكثر التسويف في الإنجاز للمعاملات، والحضور المتأخر والانصراف المبكر، أهكذا يكون النظام في رمضان؟ أهكذا نحرص على الدقة فيه؟ نحافظ على الدقائق والثواني ونضيع الساعات والأيام!!


وأما الصبر فأين هو عندهم؟ وعلام يصبرون وهم في ظل ظليل وبرودة محببة تهب من المكيفات، وأعمال لم يبق فيها مشاق، سهلت ولانت وقلّت، وقصرت فترة الدوام، وتُقضى فترة الصيام والصائم نائم فلا يحس بجوع ولا عطش؟!


ومع ذلك فإنهم تثور أعصابهم لأبسط الأسباب ويعبرون عن انفلاتهم العصبي بشتى الطرق من غضب وصخب وعدم احتمال كلام الآخرين، مبتعدين عن تحقيق الصفاء النفسي والسمو الروحي بتطبيق حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن سابّك أحد فقل إني صائم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 18-05-2020, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

أنواع الصيام





حسن سعد الدين














إذا عرفنا أن معنى "الصيام" في اللغة هو "مطلق الامتناع والإمساك"، سواء عن الطعام والشراب والجماع، أو العمل أو الكلام. اتضحت لنا أنواعُ الصيام وطبيعته، فالصيام عن الكلام عرف قبل الإسلام، كما في القرآن عن السيدة مريم فيما أمرت به: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26].

واكتفت السيدة مريم "بالإشارة" في تفاهمها مع قومها، فليس من كلام يفيد في حالتها، وهي تحمل عيسى الذي ولدته دون أب، فكان كلامه في المهد إعلانًا ببراءتها من أي سوء ظنه بها قومها، فيقول الله في كتابه الحكيم: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ...} [مريم: 27-30].

وكان صيام مريم على شريعتها التي كانت عليها هي وقومها قبل مبعث عيسى بالرسالة المسيحية، وذكرت بعضُ الروايات أن اليهود كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام، وعن ابن إسحاق عن حارثه قال: "كنت عند عبد الله بن مسعود، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم.. فقال ابن مسعود: كلم الناس وسلم عليهم، فإن تلك امرأة -يقصد السيدة مريم- علمت أن أحدًا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج ليكون عذرًا لها إذا سئلت"، كما ذكر أنه في عهد الرسول وكان يخطب الناس فرأى رجلا واقفًا في الشمس من دون المستمعين، ولما سأل عنه قيل: له هذا أبو إسرائيل نذر أن يصوم واقفًا في الشمس.

كما أن الصوم عن الكلام موجود بالمسيحية، قررته طائفة الكاثوليك، وجعلته فرضًا على رجال الدين في بعض الأحوال، ومستحبًّا لمن عداهم.

وكانت فرقة "الترابيست" من أشد فرق الكاثوليك التزامًا بهذا النوع من الصوم، حتى لقد فرضته على أتباعها مدى الحياة، فكانوا يعتزلون العالم في مهاجر يقيمون فيها صائمين صامتين عن الكلام حتى الموت، وكما يذكر د. عبد الله وافي في بحثه القيم عن الصيام بين الإسلام ومختلف الشرائع، فان هذه الفرقة نشأت حوالي القرن الثاني عشر وظلت قائمة حتى القرن التاسع عشر الميلادي.

وقد عرف العرب في جاهليتهم هذا النوع من الصوم ومارسوه، وكان يطلق عليه عندهم اسم "الضَرْس" -بفتح الضاد وسكون الراء - ويعني في اللغة، صمت يوم إلى الليل، وقد ظلت بعض عشائر العرب محافِظة على هذا النوع من الصوم حتى بعد الإسلام.

ويروى أن أبا بكر الصديق دخل على امرأة اسمها زينب، من "الحُمْس"، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة -أي حجت وهي صائمة عن الكلام ولم تنته بعد مدة صيامها- فقال لها أبو بكر: تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت.

وقد حرم الرسول - صلَّى الله عليه وسَلَّم - صيام الصمت عن الكلام طول اليوم حتى الليل، فقاول: "لا صمات يوم إلى الليل".

وغير صيام الصمت، هناك نوع آخر من الصيام هو "الصيام عن العمل"، وهو إن وجد عند طوائف كالبرهمية والجينية والبوذية، فإنه أيضًا مقرر في الشريعة اليهودية.

إذ حرم على اليهود العمل يوم السبت، ويؤكد القرآن ذلك فيما رواه عن عصيانهم في هذا اليوم وقيامهم بالعمل والصيد، فعاقبهم بأن أصبحوا مثل القردة، فيقول الله مخاطبًا اليهود: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]، والسبب الذي من أجله حرم العمل على اليهود في يوم السبت، يرجع في زعمهم إلى أن الله تعالى قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت، فوجب عليهم أن يكونوا مثل الرب فلا يعملون في هذا اليوم، ولكن القرآن يكذب هذا الادعاء فيقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38]، أي لم يمسسنا تعب حتى نحتاج إلى راحة.







كما يتضمن صيامُ اليهود في اليوم العاشر من شهر تشري العبري وهو الشهر الأول من شهر سنتهم المدنية، الامتناعَ عن معظم الأعمال، ويسمي اليهودُ هذا اليوم الذي يصومونه، يومَ "كبور"، يعني يوم الكفارة، عن عبادتهم للعجل الذهبي في أثناء غياب موسى عنهم لتلقي الألواح من ربه.

ومع أنه لا يوجد نص في تحريم العمل يوم الجمعة، الذي يعد عادة يوم إجازة وراحة للمسلمين تمييزًا لهم عن اليهود في يوم سبتهم، وعن النصارى في يوم الأحد، فإن القرآن الكريم يأمر المسلمين بأن يدعوا أعمالهم وقت صلاة الجمعة بحيث لا يتخلف أحد منهم عن صلاة هذا الفرض الذي لا يصلح إلا في جماعة، فيقول الله في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].
و"ذروا البيع" أي اتركوا البيع، وإذا لم يكن هناك بيع فليس هناك شراء، وقد اتفق العلماء على تحريم البيع بعد الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي تبدأ بعده خطبه الجمعة.

هذا وقد اعتاد المسلمون، بالإضافة إلى صيامهم في رمضان، أن يكونوا في شبه صوم عن العمل، خاصة في مصر التي دأبت على تقصير أوقات العمل في شهر رمضان رغبة في التخفيف عن الصائمين وإتاحة السبل أمامهم للتعبد وقضاء لوازمهم المنزلية.

ويرجع هذا التقليد إلى العصر الطولوني، فقد حدث أن زار أحمد بن طولون مسجده وقت بنائه -وكان ذلك في رمضان- فرأى الصناع يعملون إلى وقت الغروب، فقال: متى يشترى هؤلاء الضعفاء إفطارًا لعيالهم؟ وأمر أن يتركوا العمل وقت العصر، ولما انتهى شهرُ رمضان قيل له: هل سيرجعون إلى العمل حتى الغروب؟ فقال: لقد بلغني دعاؤهم وقد تبركت، اصرفوهم عصرًا، فصارت سنة في مصر من بعده.

وتشير كل الدلائل إلى أن حجم الإنتاج يكون أقل من معدله الطبيعي في شهر رمضان في الوقت الذي يزيد فيه الاستهلاك، مع أن العكس كان يجب أن يكون.

وبالعودة إلى أنواع الصيام غير صيام الكلام وصيام العمل - نجد الصيام عن الطعام والشراب، وهذا هو الشائع، ولكنه يختلف من أمة إلى أمة.

فعند المسيحيين مثلا يقتضي بعض أنواع صيامهم الامتناعَ عن بعض أنواع المأكولات والمشروبات دون بعضها الآخر، فيصومون فقط عن الحيوانات البرية وما يستخرج منها، وبعض صيامهم يقتضي منهم الامتناع عن تناول لحوم الحيوانات البحرية وما يستخرج منها إضافة إلى لحوم الحيوانات البرية وما يستخرج منها.




ومن أنواع صيام المسيحيين أيضًا: ما يقتضي الإمساك عن المفطرات نهار اليوم وليله.

ومن الصيام: الامتناع عن المأكولات والمشروبات والجماع من طلوع الشمس إلى غروبها كصيام البوذيين والصابئة والمانويين.

أو صيام يوم واحد أو ليلة واحدة أو جزء من يوم وليلة كصيام اليهود.

أو الصيام الليلي الذي يبدأ بعد صلاة العشاء إلى غروب شمس اليوم التالي، كما كان يفعل المسلمون في بدء صيامهم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 18-05-2020, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,403
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

القلب الأبيض




د. خالد راتب





نسمع كثيرًا هذه الكلمة:

"الحمد لله أنا قلبي أبيض"، وصاحبُ هذه الكلمة قد لا يُصلي ولا يُزكي، ولا يَمتثِل لأوامر الشرع، ولا يَنتهي عن نواهيه، ورغم ذلك هو مُصمِّم على بياض قلبه؛ لذا يجب أن نُبيِّن لهؤلاء وغيرهم علامات القلب الأبيض من خلال حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُعرَض الفِتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلب أُشربها، نُكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرَها، نُكت فيه نكتة بيضاء؛ حتى تَصير على قلبَين؛ على أبيض مثل الصفا، فلا تضرُّه فِتنة ما دامت السموات والأرض، والآخَر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا، ولا يُنكِر مُنكرًا، إلا ما أُشرب من هواه"؛ رواه مسلم.


ومِن أبرز علامات صاحب القلب الأبيض:

1- قلبه مثل الصَّفا لا تضرُّه فتنة:

الصفا هو الحجر الأملَس الشديد الذي لا تؤثِّر فيه عوامل التعرية، ولا يتأثَّر بالاضطرابات المحيطة به، فهو ثابت على حاله، وكذلك القلب الأبيض ثابت على الإيمان، وسليم من الخلل، لم تُلصَق به الفتن ولا تُحرِّكه.


والإنسان يحتاج إلى معونة من الله - سبحانه وتعالى - كي يَثبُت قلبه على هذا البياض، ولا يتلوَّن، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر أن يقول في دعائه: ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، فقيل له: يا نبيَّ الله، آمنا بك وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ فقال: ((نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله - عز وجل - يُقلِّبها كيف يشاء))؛ أخرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس - رضي الله عنه.


2- انشراح الصدر:

وانشراح الصدر هو: سعته وانفِساحه، وتقبُّله للخير، واستمرار النور فيه.


وقيل: شرح الصدر إنما هو توسيعه للمَعرفة والإيمان ومعرفة الحق، وجعل قلبه وعاءً للحِكمة، والذي يشهد له القرآن أن الشرح هو الانشراح والارتياح، وهذه حالة نتيجة استقرار الإيمان والمَعرفة والنور والحكمة، كما في قوله تعالى: ï´؟ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ï´¾ [الزمر: 22]؛ أضواء البيان (8: 537).


وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن هذه الآية الكريمة، فقيل: كيف يُشرَح صدره يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟ قال: ((نور يُقذَف فيه، فيَنشرح له، ويَنفسح))، قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرَف بها؟ قال: ((الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت))؛ انظر: "السلسلة الضعيفة" (2: 383).


3- التأثر:

من علامة القلب الذي يتَّسم بالبياض التأثُّر بكلام الله، والإصغاء إليه بوعي؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ï´¾ [ق: 37]، يقول ابن القيم: "إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن، فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يُخاطبه به من تكلم به - سبحانه - منه إليه، فإنه خاطب منه لك على لسان رسوله، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفًا على مؤثر مُقتضٍ، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمَّنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبيَنِه وأدلِّه على المراد، فقوله: ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى ï´¾ أشار إلى ما تقدَّم من أول السورة إلى هنا، وهذا هو المؤثِّر، وقوله: ï´؟ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ï´¾ فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يَعقِل عن الله؛ كما قال تعالى: ï´؟ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ï´¾ [يس: 69، 70]؛ أي: حي القلب، وقوله: ï´؟ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ ï´¾؛ أي: وجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يُقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام، وقوله: ï´؟ وَهُوَ شَهِيدٌ ï´¾؛ أي: شاهد القلب، حاضر غير غائب؛ قال ابن قتيبة: استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساهٍ، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير، وهو سهو القلب وغيبته عن تعقُّل ما يُقال له، والنظر فيه وتأمله، فإذا حصل المؤثر، وهو القرآن، والمحل القابل، وهو القلب الحي، ووجد الشرط، وهو الإصغاء، وانتَفى المانع، وهو اشتغال القلب وذُهوله عن معنى الخطاب وانصِرافه عنه إلى شيء آخَر، حصَل الأثر، وهو الانتفاع"؛ كتاب الفوائد لابن القيم.


وتَصل درجة التأثُّر بالقرآن الكريم أن الجُلود تتفاعل مع كلام الله وتقشعَر؛ قال تعالى: ï´؟ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الزمر: 23].


4- الانكسار:

فئة قليلة مَن تدخل على الله من باب الانكِسار؛ مع أن هناك فئات كثُرًا يدخلون على الله بالعجب، فيفعلون الطاعات ويَفخرون بها ليصل أحدهم إلى المنِّ والأذى، ونسي كثير من العباد أن باب الانكسار من أعظم الأبواب التي تُثقِّل القلب وتثبته على الطريق؛ يقول ابن القيم: "فإن الذل والانكسار روح العبودية ومخُّها ولُبُّها، والله - سبحانه - أقرب ما يكون إلى عبده عند ذلِّه وانكِسار قلبه، كما في الأثر الإسرائيلي: "يا رب أين أجدك؟ قال: عند المُنكسِرة قلوبهم من أجلي"، ولأجل هذا كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؛ لأنه مقام ذل وانكسار بين يدي ربه، وهذا والله أعلم هو السر في استجابة دعوة الثلاثة: المظلوم والمسافر والصائم؛ للكَسرة التي في قلب كل واحد منهم، فإن غربة المسافر وكسرته مما يَجده العبد في نفسه، وكذلك الصوم فإنه يَكسِر سَورة النفس السبعية الحيوانية ويُذلُّها"؛ مدارج السالكين (1: 298).


ومن أراد بياض القلب وسلامته، فليلزم القرآن ويجعله رفيقًا له وواعظًا، ويُطهر قلبه ليتأثَّر بالمواعظ والتذكير، ويُداوم على انشراح الصدر بالإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت، وبالانكِسار التامِّ لرب العالمين.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 160.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 154.92 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (3.61%)]