|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأدلة على ثبوت النَّسخ ناصر عبدالغفور لقد تضافرت الأدلة على ثبوت النَّسخ، خلافًا لمن أنكره أو ردَّه؛ فقد دل عليه العقل والنقل والإجماع. المبحث الأول: الأدلة العقلية على ثبوت النَّسخ: ويمكن إجمال هذه الأدلة في أربع: الدليل الأول: أن النَّسخ لا محظور فيه عقلاً، وكل ما كان كذلك جاز عقلاً. يقول الإمام موفق الدين بن قدامة رحمه الله تعالى: "وقد أنكر قوم النَّسخ، وهو فاسد؛ لأن النَّسخ جائز عقلاً، وقد قام دليله شرعًا، أما العقل فلا يمتنع أن يكون الشيء مصلحة في زمان دون زمان"[1]. الدليل الثاني: وهو دليل إلزامي للمنكرين، أن النَّسخ لو لم يكن جائزًا عقلاً وواقعًا سمعًا، لَمَا جوَّزوا أن يأمر الشارع عباده بأمر مؤقت ينتهي بانتهاء وقته، لكنهم يجوِّزون هذا عقلاً، ويقولون بوقوعه سمعًا، فليجوزوا هذا؛ لأنه لا معنى للنسخ إلا انتهاء الحكم الأول لميقات معلوم عند الله، بَيْدَ أنه لم يكن معلومًا لنا من قبل، ثم أعلمنا الله إياه بالنَّسخ، وهذا ليس بفارق مؤثر. الدليل الثالث: أن النَّسخ لو لم يكن جائزًا عقلاً وواقعًا سمعًا، لَمَا ثبتت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لكن رسالته العامة للناس ثابتة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي يطول شرحها، إذًا فالشرائع السابقة ليست باقية، بل هي منسوخة بهذه الشريعة الختامية، وإذًا فالنَّسخ جائز وواقع، أما ملازمة هذا الدليل فنبرهن عليها بأن النَّسخ لو لم يكن جائزًا وواقعًا لكانت الشرائع الأولى باقية، ولو كانت باقية ما ثبتت رسالتُه صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة. الدليل الرابع: ما يأتي من أدلة الوقوع السمعي؛ لأن الوقوع يستلزم الجواز وزيادة[2]. الأدلة السمعية على ثبوت النَّسخ: كثيرة هي النصوص الدالة على جواز النَّسخ وثبوته، وقد استدل الجمهورُ بعدة أدلة على ذلك في الرد على المنكرين، ونكتفي بذكر بعضها: النصوص الشرعية: هناك كثير من الآيات الدالة على وقوع النَّسخ في القرآن الكريم، وما يجري على القرآن يجري على السنَّة من باب أولى: ♦ الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 106]. قال الخازن رحمه الله تعالى في تفسيره: "الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المراد من النَّسخ هو رفع حُكم بعض الآيات بدليل آخر يأتي بعده، وهو المراد بقوله تعالى: ﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ [البقرة: 106]؛ لأن الآية إذ أطلقت فالمراد به آيات القرآن؛ لأنه هو المعهود عندنا"[3]. ويقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "فأخبر الله تعالى عن حكمته في النَّسخ، وأنه ما ينسخ من آية ﴿ أَوْ نُنْسِهَا ﴾؛ أي: نُنْسِها العباد، فنُزيلها من قلوبهم، ﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ﴾ وأنفعَ لكم، ﴿ أَوْ مِثْلِهَا ﴾. فدل على أن النَّسخ لا يكون لأقلَّ مصلحةً لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد، خصوصًا على هذه الأمة، التي سهل عليها دِينها غاية التسهيل. وأخبر أن من قدح في النَّسخ فقد قدح في ملكه وقدرته فقال: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 106، 107]. فإذا كان مالكًا لكم، متصرِّفًا فيكم، تصرف المالك البَرِّ الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه، فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير، كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام؛ فالعبد مدبَّر مسخَّر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية، فما له والاعتراض؟ وهو أيضًا وليُّ عباده، ونصيرهم، فيتولاهم في تحصيل منافعهم، وينصرهم في دفع مضارهم، فمن ولايته لهم: أن يشرع لهم من الأحكام ما تقتضيه حكمتُه ورحمته بهم. ومن تأمَّل ما وقع في القرآن والسنة من النَّسخ، عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده، وإيصالهم إلى مصالحهم، من حيث لا يشعرون بلطفه"[4]. وقال إمام المفسرين: "﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ﴾ ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره؛ وذلك أن يُحوَّل الحلالُ حرامًا، والحرام حلالاً، والمباح محظورًا، والمحظور مباحًا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ، وأصل النَّسخ من نسخ الكتاب، وهو نقله من نسخة إلى أخرى غيرها، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره"[5]. - الآية الثانية: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 101، 102]. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: "يقول تعالى ذكره: وإذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكم أخرى، ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ ﴾ [النحل: 101]: يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغيِّر من أحكامه، قالوا: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ﴾ [النحل: 101] يقول: قال المشركون بالله، المكذِّبو رسوله لرسوله: إنما أنت يا محمد مفترٍ؛ أي: مكذب، تتخرَّص بتقوُّلِ الباطل على الله، يقول الله تعالى: بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ﴾ جهَّالٌ، بأنَّ الذي تأتيهم به من عند الله ناسخه ومنسوخه، لا يعلمون حقيقة صحته"[6]. ثم روى بسنده عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ﴾ [النحل: 101] قال: نسخناها، بدَّلناها، رفعناها، وأثبتنا غيرها. قال ابن زيد، في قوله: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ﴾ [النحل: 101] قالوا: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ﴾ [النحل: 101]، تأتي بشيء وتنقضه، فتأتي بغيره، قال: وهذا التبديل ناسخ، ولا نبدل آية مكان آية إلا بنسخ. وفي البحر المحيط للإمام أبي حيان الأندلسي رحمه الله تعالى: "ولما ذكَر تعالى إنزال الكتاب تبيينًا لكل شيء، وأمر بالاستعاذة عند قراءته، ذكر تعالى نتيجة ولاية الشيطان لأوليائه المشركين، وما يُلقيه إليهم من الأباطيل، فألقى إليهم إنكارَ النَّسخ لما رأوا تبديل آية مكان آية، وتقدم الكلامُ في النَّسخ في البقرة، والظاهر أنَّ هذا التبديل رفعُ آية لفظًا ومعنًى، ويجوز أن يكون التبديل لحكم المعنى وإبقاء اللفظ، ووجد الكفار بذلك طعنًا في الدِّين، وما علموا أن المصالح تختلف باختلاف الأوقات والأشخاص، وكما وقع نسخ شريعة بشريعة يقع في شريعة واحدة، وأخبر تعالى أنه العالم بما ينزِّل لا أنتم، وما ينزل مما يقره وما يرفعه، فمرجعُ عِلم ذلك إليه، وهو على حسَب الحوادث، هذه الآية دلت على وقوع نسخ القرآن بالقرآن"[7]. [1] روضة الناظر وجنة المناظر: 1 /73. [2] مناهل العرفان: 2 /190. [3] لباب التأويل في معاني التنزيل: 1 /93. [4] تيسير الرحمن: 61. [5] جامع البيان في تأويل القرآن: 2 /471 - 472. [6] جامع البيان في تأويل القرآن: 17 /297. [7] تفسير البحر المحيط: 5 /518.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |