|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من الأسباب المتعلقة بالرؤية العقلية المنحرفة جاهلية المقاييس[1] د. هند بنت مصطفى شريفي حين يزن المدعوون الأمور بنظرة سطحية، تمليها عليهم المقاييس والموازين الجاهلية المنحرفة، وتوحي لهم بها وساوس عقولهم الضالة، فإن هذه المقاييس لا تهديهم إلى الحق أبداً، بل إنها تصدهم عن إتباعه. وهذا ما وقع لأهل مكة، حين أرادوا تطبيق بعض موازينهم البشرية النابعة من أهوائهم على أمر النبوة والرسالة، فوقعوا في (الاستدلال الفاسد، وإنكار القياس الصحيح، - وذلك بسبب - جهلهم بالجامع والفارق)[2]، ومثال ذلك: • استنكارهم بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو إنسان يسعى في طلب الرزق كسعيهم، ويعيش كعيشهم، قال تعالى: ï´؟ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ï´¾ [3]، فتعجبوا أن يكون رسولهم مساويا لهم في الجنس والوصف، من غير فرق بينه وبينهم، ووصفوه بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية، وحطها عن منصب النبوة، وقالوا لقومهم إغراء على عداوته: إنه يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة، مع كونه مثلكم، ولو شاء الله إرسال رسول لأرسل رسولا من الملائكة[4]. • اقتراحهم أن تكون الرسالة في رجل من أصحاب الشرف العظيم والسيادة في قومه، وذلك في قولهم ï´؟ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ï´¾ [5]، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام في الذؤابة من بني هاشم، وبنو هاشم من أشرف قريش، وقريش في الذروة من العرب، ولكنه صلى الله عليه وسلم - لحكمة إلهية- لم يكن زعيم قبيلة، أو عظيم قرية، ولما كان العرب يعتزون بمثل هذه القيم الجاهلية، اعترضوا بقولهم ذلك، فتخبطوا وخلطوا في القيم والموازين الأرضية، وقيم الدعوة وموازينها، وظنوا أن الوحي ينزل على هواهم، فاقترحوا أحد رجلين للرسالة: الوليد بن المغيرة، أو عروة بن مسعود[6]، وهذا من سفاهة أحلامهم لأن ï´؟ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ï´¾ [7]، والنبوة رحمة من الله، لا يؤتاها إلا مستحقها، وليست نوعا من التفاضل الدنيوي بين الناس، فالتفاضل الدنيوي هو ناموس عمراني ليس غير، وهذا الناموس هو الذي تسير عليه القيم الأرضية من تفاضل بالمكانة والجاه، والثروة، أما النبوة فشأنها أعظم من ذلك، فهي اصطفاء واختيار من الله تعالى[8]. • من مقاييسهم الجاهلية المنحرفة، مساواتهم القيام بشؤون بيت الله الحرام، وعمارته وسقاية الحجيج، للإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر والجهاد في سبيله، وافتخارهم بل واستكبارهم بذلك، لكن الله تعالى أخبر أن الإيمان به، والجهاد مع نبيه، أفضل من سقايتهم الحاج وعمارتهم المسجد الحرام، فلم يكن ذلك ينفعهم عند الله مع الشرك به، أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه[9]، وأنزل فيهم قوله تعالى:ï´؟ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ï´¾ [10]، فهذه الأعمال الصالحة لن تغني عنهم عند الله شيئا إلا أن يعبدوه وحده لا شريك له. • ومنها مطالبتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعجزات الحسية، التي تعرفهم بمنزلته عند ربه-كما يزعمون-فهم يعتقدون أن الرسالة منصب لا يستحقه إلا صاحب التميز عن قومه بالثراء والمكانة، والقدرة على الإتيان بالمعجزات، قياسا على من سبقه من الأنبياء، حتى أنهم يقولون عن الحق:ï´؟ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ï´¾ [11]. ومقولتهم هذه على وجه التعنت والعناد والكفر والجهل والإلحاد،[12] كما قال تعالى عنهم ï´؟ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ï´¾ [13]. وفي معرض طلبهم المعجزات اجتمع وفد منهم - فيهم أبو سفيان وعبد الله بن أبي أمية - وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يفجر في أرضهم الأنهار، أو يجعل له الثراء العريض فيجعل له الجنان والكنوز، والقصور والذهب والفضة. ومنه قول عبد الله بن أمية - وهو ابن عمته-:فوالله لا أؤمن لك أبدا، حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، وتأتي معك بنسخة منشورة، معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وأيم الله، لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك[14]. فأنزل الله تعالى الآيات تبين لجاجتهم وسفه مطالبهم، وتقرر بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبطل ميزانهم الباطل، في قوله تعالى ï´؟ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ï´¾ [15]. ولو علم الله تعالى أنهم يسألون ذلك استرشاداً، لأجيبوا إليه، لكنه علم أنهم يطلبون ذلك كفراً وعناداً[16]، (ولو أنزل تعالى أعظم الآيات لما آمنوا إلا أن يشاء الله، لأن الإيمان لا يتوقف على المعجزات، وإنما هو منوط بحسن القصد، وشرح الله صدر المرء به)[17]. [1] انظر الدعوة الإسلامية في عهدها المكي ص 415، و العقيدة الإسلامية وأسسها ص 687- 690. [2] مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية ص 22. وموضوع القياس محله كتب أصول الفقه، والقياس كما عرفه القاضي أبو بكر هو ![]() ![]() [3] سورة الإسراء آية 94. [4] بتصرف، مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية ص 23. وهذا المقياس الضال هو ذات الحجة التي تذرع بها قوم نوح عليه السلام، كما في قوله تعالى: ï´؟ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ï´¾ [المؤمنون: 24]، وبه قاس قوم صالح عليه السلام نبيهم، كما في قوله تعالى:ï´؟ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ï´¾ [الشعراء: 154] وكذلك قالها مشركو العرب، الذين ساووا بين ربهم وبين أصنامهم وأوثانهم، فقد أخبر تعالى عنهم إنكارهم للوحي الإلهي، وتكذيبهم بالقرآن الكريم، في قوله تعالى: ï´؟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ï´¾ [الأنعام: 91]. [5] سورة الزخرف آية 31. [6] بتصرف، الدعوة الإسلامية في عهدها المكي ص 416، وانظر لباب النقول في أسباب النزول ص 188. [7] سورة الأنعام جزء من آية 124. [8] بتصرف، سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، صور مقتبسة من القرآن الكريم 1/ 196. [9] بتصرف، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 10/ 95، وانظر تفسير القرآن العظيم 4/ 63، وقد قيل أن هذه المفاضلة جرت بين المسلمين، وقد جمع الإمام القاسمي بين أسباب النزول انظر محاسن التأويل 8/ 149. [10] سورة التوبة آية 19. [11] سورة الأنبياء جزء من آية 5. [12] بتصرف، تفسير القرآن العظيم 6/ 251. [13] سورة القصص آية 48. [14] بتصرف، سبب نزول الآيات في لباب النقول للسيوطي ص 140-141. وانظر قصة وفد زعماء قريش كاملة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: ابن هشام 1/ 315-318. [15] سورة الإسراء آية 90، و انظر الآيات 91-93، وكذلك في سورة الفرقان الآيات من 7-9. [16] بتصرف، تفسير القرآن العظيم 5/ 117، وسبب نزول الآيات ص 115. [17] سيرة الرسول صور مقتبسة من القرآن الكريم 1/ 243.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |