|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أبناءُ الدعاة.. مسألةٌ في التربية الشيخ رفاعي سرور لِمَ الكتابةُ عن أبناء الدعاة؟ (توصيف للمشكلة محل البحث) كثيرٌ من أبناء الدعاة لا يكونون مثلَ آبائهم في عِلمهم وعَملهم، بل نرى حالات تكون على النقيض مما عليه الأب الداعية. وقد تفشى هذا الأمر حتى ضرب العامة له مثلا (تخلف النار الرماد). لذا كان لا بد من رصد هذه الظاهرة وتحليلها وتقديم الحلول الممكنة لعلاجها، وهو ما سوف نحاوله -إن شاء الله تعالى وبحوله وقوته- في هذه الدراسة المختصرة. سبب المشكلة: غالبا -بل دائما- ما تكون شخصيةُ الداعية إلى الله قويةً ومؤثرة، ولهذه القوة -فيما يتعلق بالأسرة وهو موضوع البحث- جانب إيجابي وآخر سلبي. أما الجانب الإيجابي فيتمثل في القدرة على التأثير في الأبناء وجميع من بالبيت. وأما الجانب السلبي فيبرز في طغيان هذا التأثير على شخصية الأبناء المتكونة، بقصد أو بغير قصد. وتكون النتيجة أن لا يجد الابنُ لنفسه مكانًا بجوار أبيه، أو تأخذه هيبةُ أبيه بعيدًا عن مواجهته أو حتى التفاهم معه، وغالبا ما يُؤثر السلامة وينقاد لما يمليه عليه الأب. ليكون الحقُ والواجبُ هو رأي الأب وتصرفاته. هي حالة من السيطرة على سلوك (أفعال) الأبناء دون الالتفات كثيرا لمعالجة المفاهيم والتصورات، هي حالة من فرض شخصية الأب كأب وليس كداعية، وهي حالة من الغفلة عن مشاعر الأبناء وشخصيتهم المتكونة، وهي حالة من الإحساس بالتملك والأحقية في الانفراد بالقرار، أو هي حالة من الانشغال بأمور الدعوة وعدم وجود مساحة لممارسة الدعوة داخل البيت! وينتج عن ذلك مشاكل أبرزها: 1. سلبية الابن في التفكير ومواجهة المشاكل. 2. الانفصال والتمرد والانشقاق في أقرب فرصة يراها الابنُ مواتية ويرى نفسه قادرًا عليها، بحثا عن ذاته التي فقد الإحساسَ بها مع أبيه. وغالبا ما يأخذ اتجاهٌ معاكس أو مباعد عن اتجاه الأب الداعية. 3. ويتبع هذا تكلم عوام الناس عن نتاج بيوت الدعاة. وكيف أنهم يخفقون أحيانا في تربية أبنائهم. ولتفادي هذه السلبيات طريقان: الأول: ضبط المفاهيم لا ضبط السلوك (الأفعال). الثاني: الموازنة بين الواجبات. - الموارنة بين مقتضيات الدعوة وحق الزوجة والأبناء. - الموازنة بين مقتضيات الدعوة وحق الطفولة. - الموازنة بين آثار الدعوة في بيت الداعية. ضبط المفاهيم لا ضبط السلوك: عند التأمل نجد أن السبب الرئيس في هذه السلبيات هو أن الداعية -وكذا كل الشخصيات القوية- تتعامل مع السلوك لا مع المفاهيم والتصورات، تضبط السلوك بالأمر والنهي، والثواب والعقاب، فيبدو للناشئة أن الأمرَ أمرُ الأب، وأن الطاعة واجبة لأن الأمر من الأب، ولذا ما إن يجد الطفل فرصة للاستقلال إلا ويتمرد، وغالبا ما يسير في اتجاه معاكس أو مباعد لما عليه أبوه، أو يظل هادئا تحت أبيه قد ألِفَ الأمر والنهي، فلا يتحرك إلا بأمر أو نهي فيخرج للناس حين يشب مهزوزًا أو مهزومًا أو ضعيفًا لا يحرك ساكنا أو على غير درجة أبيه على الأقل. ولذا وجب على الأب -الداعية وكل أب- أن يستمد قوته ووجوب طاعة ولده له من الإسلام، فالأب يطاع لأن الله أمر بطاعة الأبوين، وهذا يُفعل لأن الله أمر به، وهذا يُترك لأن الله نهى عنه. وقد جعل الله للأبوين مزية {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت: من الآية 8]، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الأحقاف: 15]، {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36]، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 23- 24]، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]. وكونه داعية يعطيه مزية أخرى؛ إذ إن الشرع قد جعل لأهل العلم فضلا بين الناس {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: من الآية 11] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]. ثم هو بشر يخطئ ويصيب، والمرء بجملته، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث. - ويجب على الأب (الداعية وغير الداعية) أن يراعي مراحل النمو النفسي لدى الطفل، وأن لا يصادر على شخصية ولده، بل يكون هناك نوعُ مشاورة في البيت بين الأب وأبنائه وكذا زوجته. مشاورة لأن الشرع أمر بها، ومشاورة تظل خياراتها مقيدة بالشريعة، مشاورة يتم بموجبها اتخاذ القرار الذي يلتزم به الجميع الأب والأبناء. مشاورة حتى ولو لم يكن من ورائها إلا إعطاء الحرية في إبداء الرأي وتدريب الأبناء على المشاركة في حل المشاكل والجرأة على إبداء آرائهم. وفي هذا الإطار.. إطار التعامل مع القوة الضابطة للسلوك -وهي القلب- من خلال غرس المفاهيم والتصورات الصحيحة يجعل الأب (الداعية) ابنه يفهم أنه الامتداد الطبيعي له، وأن أي ميزة قد يراها الابن في أبيه هي ميزة له؛ ليتحقق التوافق بغير ذوبان لشخصية الابن في شخصية أبيه، وبغير طغيان شخص الأب (الداعية) على شخصية ابنه المتكونة. الثاني: الموازنة بين الواجبات: الموازنة بين مقتضيات الدعوة وحق الزوجة والأبناء: حِمْلُ الدعوة ثقيل، ولا ينفك عن الداعية، فالناس ومشاكلهم، والمخالفون ومناوشتهم، ومسائل العلم وقد تعززت وأبت إلا على جَلِدٍ صبور، والزوجة والأولاد، والسعي على الرزق.... إلخ. والداعية إنسان قد يجنح حينا إلى هذا أو ذاك، وغالبا ما يرفع عن البيت ويحل في الدعوة وبين مسائل العمل خوفًا من أن يكون المكث بين الأولاد وبجوار الزوجة ركونًا إلى الدنيا الدانية وانشغالا بما يظن أنه لا ينفع، أو أنه دون الأولى. وهذا تصور خاطئ، فقد رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يداعب الصغير[1] ويجلس للزوجة يسمع حديثها[2]، ويدعو ويجاهد ويتنسك. والأمر يسير لمن أسلم أمره لله وطرح نفسه بين يدي مولاه، يرجو منه العون والسداد والقبول والرشاد. والمقصود أن: أمر الأبناء -وكذا الزوجة- واجب من الواجبات، وعلى الداعية الموازنة بينه وبين غيره من الواجبات. وإن كان ثم انشغال أو تقصير فعليه أن يبين لهم ما الذي شغله، ويشركهم معه في همِّه أو يزيح ما على صدورهم من انصراف أبيهم عنهم، فيتلو عليهم أن الاهتمام بأمر المسلمين واجب شرعي ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))[3]، وهي لهم عاجلا أو آجلا؛ عاجلا بأن الله يعين من كان في عون عباده، وعاجلا وآجلا ببركه تصيبهم وأبناءهم في أرزاقهم {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف: 82]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]. ويجملُ أن يفسر الأب لأبنائه هذه الحقيقة الشرعية القدرية بصورة عملية، فإذا أكرمه الله في أمر فسَّر ذلك لأبنائه بأن ذلك كان بعد عونٍ قدَّمه لأحد إخوانه إذْ إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه والله لا يخلف الميعاد. هكذا يكون الكل تحت مظلة الشريعة، وتكون الشريعة هي الضابط للعلاقة بين أفراد الأسرة، وهذا مريح للجميع، ويسل سخيمة الصدور فلا تنتفخ وتضيق فتذهب تنفس عن نفسها هنا أو هناك. الموازنة بين مقتضيات الدعوة وحق الطفولة: كلنا نريد أن يكون أبناؤنا نموذجا كاملا للشخصية المسلمة، نريدهم علماء عاملين.. دعاة.. مجاهدين..، نريدهم تجسيدًا للمفاهيم الإسلامية بين الناس. ويشتد بعض الدعاة في سبيل تحقيق هذا الأمر على أبنائه، وخاصة إذا كان الداعية يعاني الاستضعاف وقلة استجابة الناس لدعوته، فتجده يركز على أبنائه باعتبارهم في حالة استجابة طبيعية كأبناء؛ فيسعى الأب -وبكل قوته- في جعل أبنائه نموذجًا كاملاً لقضايا الدعوة، دون اعتبار للمرحلة الزمنية التي يمر بها الأبناء.. ويعمد إلى تلقينهم المصطلحات العلمية، ويربيهم التربية القاسية أملا في التنشئة القوية.. ويحدث بسبب هذا السلوك من الأب خطأ تربوي فادح، وهو عدم الموازنة بين مقتضيات الدعوة وحق الطفولة؛ إذ إنه يجب مراعاة السن في تأصيل منهج الدعوة عند الأبناء. وأبناء الدعاة لهم سمات خاصة، أهمها أن العمر العقلي لأبناء الدعاة يكون سابقا للعمر الزمني بموجب الخبرة المكتسبة من الحياة داخل بيت الدعاة، والعمر العقلي السابق للعمر الزمني لأبناء الدعاة يتطلب مستوى خاصًّا من التعامل ليس كغيره من القرناء. وغالبا ما يتعرض أبناء الدعاة لنوع من التعامل يكتنفه الاحترام والمحبة من الإخوة (طلبة العلم) المحيطين ببيت الداعية، وهؤلاء يؤثرون بشكل أو آخر في أبناء الداعية، أو يمكن الاستفادة منهم في التأثير في الأبناء على أن يوجهوا إلى مراعاة المستوى المطلوب من الطفل حين التعامل معه. في الحديث عن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))[4]. ولعل أول كلمات الحديث "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" وآخر الكلمات "رفعت الأقلام وجفت الصحف" تدل علي المستوى الذي يمكن أن نتعامل به مع الأبناء. وفي إطار التربية الفكرية للأبناء يجب الإقرارُ بأن الأب يحب أن يرى الناسُ ابنَه متميزًا؛ وفي الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَهِىَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِى مَا هي؟)) فَوَقَعَ النَّاسُ في شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ في نفسي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((هي النَّخْلَة)) . قَالَ عَبْدُاللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ في نفسي، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لي كَذَا وَكَذَا[5]. ولكن يجب الانتباه في ذلك إلى خطر الرياء. والحد الفاصل بين الرياء والمباهاة بالابن من ناحية وبين الفرح بما عليه الابن من الخير من ناحية أخرى هو الإخلاص، وذلك بأن نفرح بما يحبه الله في الابن، ونفرح لأن الله منَّ على ذريتنا بهذه الشمائل التي يحبها. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |