|
الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() دور القمامة في تلويث البيئة في القانون المصري وقوانين الدول العربية، وهدي الإسلام في الوقاية منها د. عوض الله عبده شراقه مشكلة القمامة وكيفية التخلُّص منها - وهي ما اصطلح على تسميتها بالمخلَّفات الصلبة والسائلة - كانت تؤرِّق كثيرًا مِن الدول المتقدِّمة والنامية، لكنَّ الدول المتقدِّمة نظرَت إليها على أنها مشكلة يُمكن القضاء عليها بإنشاء المصانع لتدويرها والاستفادة منها في مناحٍ عديدة؛ أخصها توليد الطاقة منها، أما بعض الدول النامية، فلا زالت هذه المشكلة تَعترضها، ولم تضعْ لها حلولاً جذريةً، وبعضها اكتفى بحَرقِها أو دفنِها دون الاستفادة بخبرات مَن سبَقها، ونعرض في هذا المقال لحجم المشكلة وأضرارها، وكيفية التخلُّص منها في القانون المصري وقوانين الدول العربية والأجنبية، ثم لهَدْي الإسلام في وقاية البيئة منها. تعريف القمامة: عرَّفت المادة الأولى مِن اللائحة التنفيذية لقانون النظافة العامة المصري رقم 38 لسنة 1967 والمعدَّل بالقانون رقم 31 لسنة 1976 - المقصودَ بالقاذورات والقمامة والمتخلفات بأنها: كافة الفضلات الصلبة أو السائلة المتخلِّفة عن الأفراد والمباني السكنية؛ كالدُّور الحكومية، ودور المؤسَّسات والهيئات والشركات والمصانع والمحال على اختلاف أنواعها، والمخيَّمات والمُعسكَرات والحظائر والسلخانات والأسواق والأماكن العامة والملاهي وغيرها، وكذا وسائل النقل، وكل ما يترتَّب على وضعها في غير الأماكن المخصَّصة لها أضرار أو نشوب حرائق، أو الإخلال بمظهر المدينة أو القرية أو نظافتها. وتتنوَّع هذه الفضلات؛ فهي تحتوي على بعض الأوراق والصناديق وقطع القُماش القديمة والزجاجات الفارغة والعلب المعدنية وعبوات الإيروسول، بالإضافة إلى بعض بقايا عمليات البناء والتشييد وقِطَع الأخشاب، وبعض المخلفات المعدنية، وبقايا الطعام، ونفايات المنازل، والمخلَّفات الصناعية والزراعية وقِطَع الأثاث المستهلكة وهياكل السيارات القديمة... إلخ. حجم مشكلة القمامة وأضرارها: تتميَّز المجتمعات الحديثة بأنماط زائدة من الاستهلاك، ولا يتوقف ذلك على الدول الغنية فقط، بل انتقلت هذه العدوى إلى كثير من الدول النامية، فزاد استهلاكها على إنتاجها، واختلَّ بذلك ميزانها الاقتصادي. وقد صاحَبَ هذه الزيادةَ الهائلة في الاستهلاك زيادةٌ مُطردة في حجم القمامة التي ينبغي التخلص منها يوميًّا، خصوصًا في المدن الكبيرة المزدحمة بالسكان، وأصبحَت هذه الكميات الكبيرة من القمامة مُشكلةً تُعاني منها كل الدول يومًا بعد يوم. ففي دولة مثل الولايات المتحدة - وهي مِن أكبر الدول الاستهلاكية في العالم - تبلغ كمية المخلفات الناتجة من المصانع والمتاجر ومواد البناء وقمامة المنازل حدًّا هائلاً يَصل إلى نحو مليون طن يوميًّا؛ أي: بمعدل أربعة كيلو جرامات لكلِّ فرد في اليوم يتعيَّن التخلُّص منها حرصًا على الصحة العامَّة، وبلغتْ كمية النفايات الصلبة التي تُرفع يوميًّا من مدينة القاهرة أكثر من 5000 طن. ولو تُركت هذه المخلَّفات مُعرَّضةً للهواء، لنمَتْ عليها جيوش من البكتريا والحشرات، وتعفَّنت المواد العُضوية الموجودة فيها، مما يؤدِّي إلى انتِشار الروائح الكريهة، وتُصبح مرتعًا خصبًا تتكاثَر فيه بلايين الحشرات كالذباب والبَعوض والصراصير، وعاملَ جذبٍ للجرذان والزواحف والقطط والكلاب الضالة؛ مما يتسبب في انتشار الكثير من الأمراض، وعلى رأسها: التيفوئيد، والتهاب الكبد الوبائي، والإسهال، وأمراض العيون، وبعض الوبائيات الفتاكة؛ مثل: الكوليرا وغيرها. وبعض المخلفات الصلبة لا يُمكن التخلُّص منها بسهوله؛ نظرًا لأنها تستطيع مُقاومة العوامل الطبيعية إلى حدٍّ كبير؛ مثل العلب المعدنية ونفايات البلاستيك وهياكل السيارات القديمة وغيرها، وتظلُّ هذه المخلَّفات مِن مُلوِّثات البيئة الثابتة التي لا تتغيَّر لمدة عدَّة سنوات. ولم يهتمَّ الإنسان القديم كثيرًا بالتخلص من النفايات؛ لأنه كان دائم التنقل والترحال؛ ولهذا كان يُلقي بمخلفاته في كل مكان، وبدلاً من أن يتخلَّص من هذه النفايات كان يَقوم بمُبارحة المكان والانتقال إلى مكان آخر، تاركًا وراءه هذه المخلفات. وبعد نشأة المدن واستقرار الإنسان فيها، أصبح لزامًا عليه ابتكار طرائق فعالة لجَمع هذه المخلَّفات والتخلُّص منها، ولم يعد ممكنًا ترك هذه القمامة وغيرها مِن المُخلَّفات تتجمَّع حوله وحول مسكنه. وأصبحت الحاجة الآن ماسة إلى نظام جمع وتخلُّص سليم مِن النفايات بالمدن الكبرى مثل القاهرة؛ حيث ينتج عن عدم الانتظام في جمع النفايات أن نحو 1700 طنٍّ مِن النفايات البلدية تُحرَق يوميًّا، أو تُترك متحللة في الشوارع مُسببةً مشاكلَ صحيةً تزداد حدة باعتبار أنَّ حجم السكان يزداد دائمًا، فإن من الضروري الاهتمام الفوري بهذه المُشكلة على المستويات المختلفة من المسؤولية. ومما يجدر الإشارة إليه هنا هو أنه مع التوسُّع العمراني تُصبِح مقالب القمامة التي كانت نائيةً عن الكتلة السكنية - قريبةً جدًّا؛ ولذلك تلجأ الجهات المختصة إلى ردْم تلك المقالب واستِصلاحها، ويُسارع البعض بإقامة مبانٍ عليها، وهذا أمر خطير للغاية؛ حيث إنه بعد فترة زمنية طالت أو قصرت سرعان ما تظهَر عيوبٌ في تلك المباني مِن تصدُّعات ونحوه، وقد ينهار المبنى على من فيه، والسبب هو أن هناك مركَّبات وغازات معينة تنتج عن تحليل مواد القمامة المتناثرة في باطن الأرض، وتريد تلك الغازات أن تخرج إلى الفراغ، وعند خروجها تؤدي إلى حدوث خللٍ في طبقات التُّربة يَنعكِس بدوره على المبنى المقام، فيؤدِّي إلى تصدُّعه وانهياره. لذلك يَجب ألا يكون المكان الذي سيقام عليه البناء قد سبق استخدامه كمقلَب للقِمامة، كما يجب أن تكون هناك خرائط واضحة في البلديات ومَجالس المدن تُعطي معلومات كافية عن أية قطعة أرض سيتمُّ البناء عليها، بالإضافة إلى الدراسات الجيولوجية الوافية عن طبيعة هذه الأرض ومدى صلاحيتها، ويفضَّل استغلال المساحات المستصلحَة من مقالب القمامة القديمة في إقامة متنزَّهات عامة للجمهور عليها، بعد زراعتها بالنَّخيل وبعض الأشجار، مما يُساعِد في مقاوَمة تلوُّث الهواء. مشكلة القمامة في القانون المصري وكيفية معالجته لها: لم يَقتصر المقنِّن المصري على معالجة مشكلة القمامة في القانون رقم 38 لسنة 1967 المعدَّل بالقانون 129 لسنة 1982، أو لائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الإسكان رقم 134 لسنة 1968 بشأن النظافة العامة؛ وإنما تناول علاج هذه المشكلة في قانون البيئة الجديد رقم 4 لسنة 1994 في المادة 37 منه في الباب الثاني، التي تَحظر إلقاء أو معالجة أو حرْق القمامة والمخلَّفات الصلبة إلا في الأماكن المخصصة لذلك، بعيدًا عن المناطق السكنية والزراعية والمجاري المائية، وأناط قانون البيئة الجديد باللائحة التنفيذية له تحديدَ المواصفات والضوابط والحدِّ الأدنى لبُعد الأماكن المخصَّصة لهذه الأغراض عن تلك المناطق. وألزم قانون البيئة الوحدات المحلية بالاتفاق مع جهاز شؤون البيئة بتخصيص أماكن إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة طبقًا لأحكام هذه المادة. ويلاحَظ على هذا النص: أنه لم يُشر ولو من بعيد إلى إعادة استخدام مواد القمامة (بواسطة المصانع أو المشروعات المتخصِّصة) كطريقة نظيفة واقتصادية للتخلُّص منها؛ وذلك لأنه تحدَّث فقط عن تحديد أماكن إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة. ويؤخذ على هذا النصِّ ما يلي: 1- أنَّ المعالجة في أماكن مكشوفة إنما تمثِّل طريقةً بدائيةً لها مثالبها، وتَفتقِر إلى السلامة والأمان، بخلاف المصانع أو المعامل التي يُمكن أن تقوم بإعادة استخدام بعض مواد القمامة في بعض الأغراض؛ كتحويل المواد العضوية إلى سماد بلدي، كما أن هناك بعض المتعهِّدين المتعاقدين مع الإدارة في مصر الذين يقومون بتصنيف مواد القمامة واستخراج ما يَصلُح منها لإعادة الاستعمال؛ كالزجاج، والمعادن، والبلاستيك. 2- أن المقنِّن في مصر لا يزال يَعتبر حرق القمامة وسيلة يعتمد عليها للتخلُّص منها، رغم ما لها من آثار سيئة على البيئة، وهذه الطريقة لم تعد تُستخدم حتى في كثير من الدول المتخلفة. وكان المقنِّن المصري في قانون البيئة الجديد حريصًا أيضًا على نظافة البيئة المائية من التلوث بالقمامة، وذلك حينما فرض حظرًا على جميع السفن والمنصَّات البحرية التي تقوم بأعمال استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية والمعدنية في البيئة المائية لمصر، وكذلك السفن التي تَستخدم الموانئ المصرية في إلقاء القمامة أو الفَضلات في البحر الإقليمي أو المنطقة الاقتصادية الخاصة بجمهورية مصر العربية. وأوجب المقنِّن المصري على السفن تسليم القمامة في تسهيلات استقبال النفايات، أو في الأماكن التي تحدِّدها الجهات الإدارية المختصَّة مقابل رسوم معينة يصدُر بها قرار من الوزير المختص. ولم يكتف المقنِّن المصري في قانون البيئة الجديد بذلك، بل أوجب تجهيز جميع موانئ الشحن والتفريغ والموانئ المعدَّة لاستقبال السفن وأحواض إصلاح السفن الثابتة أو العائمة بالتجهيزات اللازمة والكافية لاستقبال مياه الصرف الملوثة، وفضلات السفن من القمامة. وأما عن كيفية رفع القمامة: فقد أوجب قانون النظافة العامة المصري في مادته الثانية على شاغلي العقارات المبنيَّة بصفة عامَّة، سواء أكانوا من السكان العاديين أم من أصحاب ومديري المحلات العامة - حفظَ القمامة والقاذورات والمتخلفات بجميع أنواعها في أوعية خاصَّة، وتسليمها إلى جامع القمامة التابع للمتعهِّد أو التابع للجهة القائمة على أعمال النظافة العامة، أو وضعها في الأماكن المخصَّصة لذلك، والتي تحدِّدها هذه الجهة، ويُشترط في الأوعية المخصصة لحفظ القمامة أن تكون مصنوعةً من مادة صمَّاء لا تسمح بتسرب السوائل والفضلات، وتسري أحكام هذا القانون في المدن كما تسري في القرى التي يصدُر بتحديدها قرار من المحافظ المختص. وقد جعلت المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية للجهة القائمة على أعمال النظافة - وهي المجلس المحلي المختص - أن تتولى بأجهزتها جمع القمامة والقاذورات والمتخلفات، ونقلها إلى الأماكن المخصَّصة لذلك، والتخلُّص منها، ولها أن تعهد بهذه العمليات أو بعضها إلى متعهد أو أكثر وفقًا للشروط والمواصَفات والأوضاع التي يقرِّرها المجلس المحليُّ المختص، كما جعلت نفس المادة لهذه الجهة أيضًا تحديد أماكن وضع الفضلات تمهيدًا لنقلها. وأن تُخصَّص صناديق وسلال بالطرقات والميادين، بحيث يحظر إلقاء المخلفات في غير الأماكن أو الصناديق أو السلال المخصصة لذلك. ونُلاحظ أن نص المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية لقانون النظافة العامة في مصر معيبٌ؛ لأن نقل القمامة إلى الأماكن المخصصة لها للتخلُّص منها، وكذلك تحديد أماكن تجميعها أو وضع الصناديق بالأماكن العامة - ليس مجرد حق للجهة القائمة على أعمال النظافة العامة، لها أن تقوم به أو أن تَمتنع؛ وإنما هو في الحقيقة واجب عليها، ويَكفي أن نتصوَّر ما يمكن أن يحدث إذا تقاعست هذه الجهة عن القيام بهذا العمل المهم أو أهملت فيه. ونظرًا لما تتكلَّفه أعمال النظافة العامة من مال، فقد صدر القانون 10 لسنة 2005 بتعديل بعض أحكام قانون رقم 38 لسنة 67، والذي نصَّ في مادته الثامنة على أن: يلتزم شاغلو العقارات المبنية والأراضي الفضاء المستغلة في المحافظات بأداء رسم شهري بالفئات التالية: أ) من جنيه إلى 10 جنيهات للوحدة السكنية في عواصم المحافظات والمدن التي صدَر بشأنها قرار جُمهوريٌّ باعتبارها ذات طبيعة خاصة. ب) من جنيه إلى 4 جنيهات بالنسبة للوحدة السكنية في المدن غير عواصم المحافظات. ج) من عشرة جنيهات إلى ثلاثين جنيهًا بالنسبة للمحلات التجارية والصناعية والأراضي الفضاء المستغلَّة والوحدات المستخدمة مقارَّ لأنشطة المِهَن والأعمال الحرة. د) تُعفى دور العبادة من أداء هذا الرسم، ويكون تحصيل الرسم مقابل تقديم الوحدة المحلية المختصة - بذاتها أو بواسطة الغير - خِدمات جمع المخلفات والقمامة من الوحدات المبنية والأراضي الفضاء التي تخضع لأحكام هذا القانون، ونقلها إلى الأماكن المخصصة لهذا الغرض والتخلص منها بطريقة آمنة. وحظرت المادة الأولى من قانون النظافة العامة المصري 38 لسنة 1967 "وضع القمامة والقاذورات أو المتخلفات أو المياه القَذِرة في غير الأماكن التي يحدِّدها المجلس المحلي". مشكلة القمامة في قوانين البلاد العربية وكيفية معالجتها: اهتمَّت قوانين الدول العربية بمُعالجة مشكلة القمامة بإصدار قوانين المحافظة على النظافة العامة، ونذكر منها: المرسوم الكويتي الصادر في سبتمبر 1977. أما في دولة الإمارات العربية المتَّحدة، فيدخل موضوع رعاية النظافة العامة في الاختِصاصات المحلية لكل إمارة، وفي إمارة أبو ظبي - على سبيل المثال - يوجد نظام النظافة العامة والشروط الصحية للمَحلات التجارية العامة رقم 11 لسنة 1972، المعدَّل بالقانون رقم 4 لسنة 1975، والقانون رقم 8 لسنة 1979. وفي إمارة دبي: نصَّت المادة م 2 من الأمر المحلي رقم 28 لسنة 85 بشأن النظافة العامة على أنه: "يُحظر أن يلقى أو يوضع أو يُترَك أو يسيل أو يُفرز في الميادين والطرق والشوارع والممرات والأزقة والأرصفة والأراضي الفضاء وأسطح المباني والحوائط والشرفات ومناور المنازل وغيرها من الأماكن، سواء كانت عامة أو خاصة - أيٌّ مِن المواد أو الأشياء الآتية: (القاذورات والمخلفات بجميع أنواعها... إلخ)". وقد بدأت بعض دول الخليج - كالمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية، والكويت - في إنشاء مصانع لمُعالَجة القمامة وإعادة استخدام عناصرها، ولا شكَّ أنَّ هذا هو أفضل الطرق للتعامل مع القمامة. وفي سلطنة عمان: أوجبت القوانين على الإدارة المختصة إجراء دراسات الجدوى؛ للوقوف على إمكانية إعادة استخدام مكونات المخلفات الصلبة غير الخطرة في الأغراض المختلفة، كما ألزمتها بإعداد بيان يوضح التأثير البيئي لكل موقع من مواقع طمر أو تصريف المخلفات وكُلفتها، فضلاً عن ذلك بإعداد خطة رئيسية شاملة طويلة المدى لجمع وتخزين ونقل ومعالجة والتخلُّص من هذه المخلفات. ولم يَخرج المقنِّن اللبناني في المرسوم بقانون رقم 8735 لسنة 1974 الخاص بالمحافظة على النظافة العامة - عن قوانين باقي الدول العربية في موقفه من مشكلة القمامة وكيفية معالجتها ونقلها، وفرض العقوبات المالية، بل والمقيدة للحرية على مخالفي أحكامه، وإن اختلفَت صياغته ومقدار الغرامة المالية لديه. ففي المادة 13 من ذات القانون نصَّ المقنِّن اللبناني على تَخصيص أماكن تُعينها البلديات لمُعالَجة النفايات والفَضلات الزراعية والصناعية، وفي المادة 14 أيضًا سَمح المقنِّن اللبناني بتجميع المركَّبات والسيارات المهملة وأنقاضها وهياكلها وأجزائها في مستودَعات مسوَّرة بجدران تَحجُبها عن النظر خارج المناطق السياحية والسكنية ومناطق الشواطئ. وأما عن التخلُّص من القمامة، فقد ألزم المقنِّن اللبناني البلديات بتجهيز أوعية فنية خاصة محكمة الأقفال لتَجميعها قبل نقلها بوسائل نقل غير مَكشوفة، كما ألزَمَها وضع سلاسل فنية كافية على جوانب الطرق والأماكن الآهلة. أما المقنِّن الليبي، فقد وضع القانون رقم 13 لسنة 1984 الذي تناول فيه الأحكام الخاصة بالنظافة العامَّة، ونظَّم بمُقتضاه طرق وأساليب ووسائل التخلص من النفايات والقمامة ومخلفات المباني وغيرها، ومنَع إلقاءها أو التخلُّص منها في غير الأماكن المخصَّصة لهذا الغرض، كما منع إلقاءها في الشوارع أو في الحدائق وغيرها من الأماكن المفتوحة للجمهور. وفي المادة السادسة حدد القانون الليبي صور وطرق نظافة المباني العامة والشوارع والأماكن العامة، وألزم الجهات المختصة بذلك، كما نصَّ على أن تتولَّى الشركات والمصانع وغيرها من المنشآت التي تنتج عن أنشطتها مخلَّفات خطرة أو ضارَّة بالصحة العامة (مثل المخلفات الكيماوية). وكانت ألمانيا قد أصدرت قانون المخلفات الصلبة سنة 1973 ليحدِّد طرق جمع ومعالجة المخلفات الصلبة والتخلُّص منها، وشجَّعت هذه القوانين المقاولين على استخدام المخلَّفات في أعمال صيانة مُختلفة؛ مثل إعادة صَهر الخردة، أو استخدام المخلَّفات كوقود في محطات توليد الكهرباء، أو استخدام بعض الأنواع في إنتاج مواد بناء، إلى غير ذلك من استخدامات ممكنة. وفي الولايات المتحدة الأمريكية صدرت بعض القوانين التي تُرغم بائعي المرطِّبات على قبول الزجاجات الفارغة مُقابل رهن يُدفع للمُستهلك، كما تُرغم منتجي المُرطِّبات على قبول هذه الفوارغ من البائعين وإعادة استخدامها في عمليات التعبئة مرةً أخرى، وبهذا أمكن التخلُّص بدرجة كبيرة من كميات الزجاجات الفارغة التي كانت تُلقى بسبب عدم الاستخدام مرة أخرى. هذه هي مشكلة القمامة، وأضرارها، وكيفية معالجتها في قوانين بعض الدول، فما هو موقف الإسلام منها؟ هدْي الإسلام في وقاية البيئة من التلوث بالقمامة: الإسلام دين النظافة؛ جاءت أحكامه وقواعده تحثُّ عليها وتأمُر بها؛ فهي عنوان المجتمع الإسلامي وشعارُه الذي يتميَّز به عن سائر المجتمعات، وهو مجتمع طاهر البيئة، ظاهر الصحَّة، قويٌّ في بنيان أفراده، تفوح من أرضه رائحة الطُّهر والنقاء، على خلاف غيره مِن المُجتمعات الأخرى التي اتَّخذت القذارة دينًا وديدنًا لها لا تَبرحه ولا تنفكُّ عنه، بل تجعل منه شعارًا للزهد، وقربة وعبودية لمن تعبُدُه. وما حَرَص الإسلام على نظافة مجتمعه إلا بسبب أنَّ رسالته هي الباقية الخالدة، والأسوة والقدوة التي تقود العالَم لخيرَي الدنيا والآخرة، لو تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ. والقمامة خبائث ونجاسة تُنافي طهارة المجتمع المسلم؛ ولهذا نجد القرآن الكريم يقرِّر أنَّ الله عزَّ وجلَّ خلَق الأرض على أحسن حال، وأكمل خلقها، وأنَّ الإنسان بانحرافه عن منهج خالقِه يلوِّثها ماديًّا ومعنويًّا، يقول رب العزة: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((جعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا))، والأرض لن تكون كذلك إلا إذا طهرت من القمامة والنجاسة، وإلا لا تصحُّ الصلاة عليها، فضلاً عن أنه يَجوز التيمُّم منها عند انعِدام الماء، فكيف يتيمَّم المسلم من الأرض النجسة؟! والمتأمِّل لآيات القرآن العظيم يلحَظ هذه المنحة الربانية للإنسان، التي تتجلَّى في خلق بيئة جميلة نظيفة، فيها كل ما يُبهج القلب ويبعث السرور في نفس الناظر؛ قال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾ [ق: 6 - 8]. والقرآن الكريم حينما يلفت النظر إلى ذلك فإنما يُريد من المؤمنين أن يعمَلوا جاهدين للحفاظ على بيئتهم من النجاسة، ويُواظبوا على تنظيفها وتطهيرها لحمايتها من أي ضرر يلحقها؛ لتظلَّ دائمًا كما خُلقت في صورة جميلة كجَمال خالقها؛ ((فإنَّ الله جميل يحبُّ الجمال)) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |