وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِإِخْوَانِهِ ذَهَبَتْ مُرُوءَتُهُ!!

[أبو الشيماء]

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِإِخْوَانِهِ ذَهَبَتْ مُرُوءَتُهُ!!

* الحمدُ لله بفضلِه اهتدَى مَنْ هَدَى وبعَدْلِه ضلََّ مَن أَضَلَّ،

وصلَّى الله وسلّم على مَن فَرَقَ نَهْجاً قويماً وبيّنَ الدّينَ وفَصَّل،

وآلِهِ وصَحبِهِ وسَلّمَ سَلّمَ.

* قدْ يكونُ من البَدَهيّ أن نقرِّرَ ما تقرَّر، أو نكرِّرَ ما بِسُوقِ الكلام تكرَّر،

كما أنّه ليسَ من نافلَةِ القَوْلِ أن نُذكِّر مَن أرادَ الحقَّ فادَّكَر،

واستجابَ لنِدَاءِ الحقِّ -جلَّ شأنُه-: ﴿فهَلْ مِنْ مُدَّكِرْ﴾.

* قال شيخُ المفسِّرينَ ابنُ جريرٍ مُؤَوِّلاً: "فهَلْ مِن مُعتَبِرٍ مُتّعظٍ يَتذكَّر فيَعْتبِرُ بما فيه مِن العِبَرِ والذِّكْرِ؛ وقد قال بعضُهم في تأويلِ ذلك: هلْ مِن طالِبِ عِلمٍ أو خَيْرٍ فيُعانَ عليْه..." [جامع البيان]

* إنِّي بصَدَدِ التّذكيرِ بأَدبٍ مَكانُه السُّمُوّ وسِمَتُه الارِتفَاع، وصاحبُه في رِفعةٍ به الجِنانَ يَبْتَاع،

إنّه أدبٌ مقدِّمتُه: حسنُ الإنصاتِ والاسْتِمَاع، وبَرِيدُه: قُوّةُ نَفسٍٍ ارْتَفعتْ بتواضُعٍ صَدّاع،

وغَايتُه: قُربُ مَنْزلَةٍ مِمَّن هو للأخلاقِ والمحامِدِ جَمّاع، صَلّى وسلّمَ عليْه البَارِئُ ما دَعَا للهِ دَاع.

* وهو مُستفادٌ مِن جُملَةٍ قالَها ابن المبَارَكِ:

"حقٌّ عَلَى العَاقِلِ أَنْ لاَ يَسْتَخفَّ بِثَلاَثَةٍ: العُلَمَاءِ وَالسَّلاَطِيْنِ وَالإِخْوَانِ،

... وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِإِخْوَانِهِ ذَهَبَتْ مُرُوءَتُهُ"

وطَرَزَ هذا الأَثرَ في سِلْك آداب الصُّحبة الإمامُ أبو عبد الرّحمن السُّلَمِي (المتوفى: 412هـ) قائلا:

وَمِنْ آدَابِهَا: أَنْ لَا تَسْتَخِفَّ بِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ،

وَتَعْرِفَ مَحِلَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَتُكْرِمَهُ عَلَى قَدْرِهِ.

ثم ساق الأثر.. [آداب الصّحبة]

* قال ابنُ جماعةَ –رَحِمَهُ اللهُ- تحتَ دُرَرٍ من عِقْدِ آدابِ المُعلِّمِ انْتَظَمَهَا:
الحادي عشر: أن لا يَسْتنكِفَ أن يَستفِيدَ ما لا يَعلَمُه مِمّن هُو دُونَه مَنصباً أونسباً أوسنًّا، بل يكونُ حريصاً على الفائدةِ حيثُ كانت، والحكمةُ ضَالَّةُ المؤمنِ، يَلتقِطُها حيثُ وَجدَها.
قال سعيدُ بن جُبيرٍ -رَحِمهُ اللهُ-: "لا يزال الرّجل عالماً ما تعلَّمَ، فإذا تركَ التعلّمَ، وظنَّ أنّه قد استغنى واكتفى بما عنده، فهو أجهلُ ما يكُون"

وأنشَد بعضُ العرب:
وليْسَ العَمَى طولُ السُّؤالِ وإنّما **** **** تمامُ العَمَى طولُ السّكوتِ على الجهْلِ


وكان جماعةٌ من السلف يَسْتفيدونَ من طَلَبَتِهمْ ما ليسَ عندهم!!

قال الحُميْدي -وهو تلميذ الشافعي-: "صحبت الشافعيَّ من مكّة إلى مصرَ فكنت أستفيدُ منه المسائلَ وكان يستفيد مني الحديث!"
وقال أحمد بن حنبل: "قال لنا الشافعيُّ: أنتم أعلَمُ بالحديث منِّي، فإذا صحّ عِندَكم الحديثُ فقولوا لنا حتى آخذ به!"

وصحّ روايةُ جماعةٍ من الصحابة عن التابعين؛ وأبلغُ من ذلك كلِّهِ قراءةُ رسولِ الله -صلَّى الله عليْهِ وسلّم- عَلَى أُبيٍّ وقال: "أَمَرَنِيَ اللهُ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ "

قَالُوا: مِنْ فَوَائِدِهِ أنْ لا يمتنعَ الفاضِلُ مِن الأخذِ عنِ المفضولِ. [تذكرةُ السَّامعِ والمتكلِّمِ]

* أَعِلمٌ بلا أدبٍ!؟ أمْ نارٌ بلا حَطَبٍ!؟ قد يُكابرُ مَن هو للجِدَالِ حَاقنْ،

ولهوَاهُ بالمخالفة دَائِن، قائلا: نعم، إن عُدِمت الوَقود فدُونَك البارود!!

غَمْطاً للحقِّ وعَنتَرِيّةً.

* قال السعديّ: ومِن أعْظَمِ ما يَتَعيّنُ على أهلِ العلمِ مِن المعلِّمينَ والمتعلِّمينَ:
الاتّصاف بما يدعو إليه العلمُ من الأخلاقِ الجميلةِ، والتَنَزُّهِ عن الأخلاقِ الرّذيلَة، فإنّهم أحقُّ النّاسِ بذلك، لِتَمَيُّزِهِمْ بالعِلْمِ، ولأنّهُمُ القُدوَة،
والنّاس مجبولون على الاقتداء بأهل العلم منهم، ولأنه يتطرّق إليهم من الاعتراض ما لا يتطرّق لغيرهم.[نور البصائر]

وقُلْ: فِرَاراً من مُمارَات أمْثالِه، ودَقِّ الرّأسِ بناقوسِ أَخْلاقِه وأفعالِه!

-وأَسْمِعْهُ قولَ الإمام الذّهبِيّ، في سِياقِ التواضُعِ بكلامٍ ذَكيٍّ:

* يقولُ: ... شِبرٌ مِن جَهلٍ خَيرٌ مِن بَاعٍ مِن حَظْوَةٍ... [السِّيَر]

إي، والله!!

* عبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ.
قُلْتُ: عَلاَمَةُ المُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحِبُّ شُهرَةً، وَلاَ يَشعُرُ بِهَا، أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ، لاَ يَحرَدُ وَلاَ يُبرِّئُ نَفْسَه، بَلْ يَعترِفُ، وَيَقُوْلُ:
رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهدَى إِلَيَّ عُيُوبِي، وَلاَ يَكُنْ مُعجَباً بِنَفْسِهِ؛ لاَ يَشعرُ بِعُيُوبِهَا، بَلْ لاَ يَشعرُ أَنَّهُ لاَ يَشعرُ، فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمِنٌ. [السير]

وأُعزِّي نفسي، بأثرٍ عن الشافعيّ قال: ما أورَدْتُ الحقَّ والحجَّةَ عَلَى أَحَدٍ فقَبِلَهَا مِنِّي إلاَّ هِبْتُهُ،

واعتَقَدْتُ مَوَدَّتَهُ، ولا كَابَرَنِي أَحدٌ على الحقِّ، ودَفَعَ الحجَّةَ الصّحيحَةَ إلا سَقَطَ مِن عَيْنِي ورَفَضْتُهُ.

[حلية الأولياء]

* ومما يَتَفَقَّه فيه طالبُ القُرآنِ وفُنُونِه: أنَّ سليمانَ -عليْه السّلامُ- تعلّمَ مِنْ الهدْهُدِ الطّائِر.

- ومما يُدرِكُهُ طَالِبُ الحدِيثِ وعُلومِه: رِوايَةُ المحدِّثينَ الأكَابِر عَنِ الأصَاغِر...

- وقد سَبَقَ عن ابن جماعةَ النَّقلُ، فاحْفَظْهُ حِفْظَ المَاهِر!!

* قال وَكيعٌ: لا يَكمُل الرّجلُ حتى يكتبَ عمَّن فَوْقَه، وعمَّن هو مِثلَه، وعمَّن هو دونَه. [السّير]
* قال بكر أبو زيد: فيجبُ على المحدِّثِ الرّجوعُ عمّا رواه إذا تبيّن أنه أخطأ فيه، فإذا لم يفعل كان آثماً، وعلى الطّالب الإمساكُ عن الاحتجاج به. [آداب طالب الحديث]



[عدّة الطلب للحكمي]:

وإنَّمَا الْمَرْءُ بأَصْغَرَيْهِ **** **** ليسَ برجليهِ ولا يَديْهِ:

لِسَانُه وقَلبُهُ الْمُرَكَّبُ **** **** في صدرِهِ وذاكَ خَلْقٌ عَجَبُ

* وكما قيل: مَن تكبَّر عن داعي العلم النّاصِحِ؛ أَهانَهُ دَاعي الجهل الفاضح.

* ومَن لم يأخُذ نفسَه بأدبِ العِلْمِ معَ أهْلِهِ وأئمَّتِهِ؛ أدّبهالدّهرُ بأراذِلِهوسَفَلتِهِ.

[الشذرات السنية لابن الدناه]

* وإيّاك مِن نَابِ الزّمَانِ!! فإنَّ "مَن لم يستظهر بالإخوان عَضَّه نَابُ الزَّمانِ"

[مفيد العلوم للخوارزمي]

* [الشّذرات السنيّة لابن الدناه]:

إِنْ كُنْتَ تَسْعَى لِلزِّيادَةِ فَاسْتَقِمْ **** **** تَنَلْ المرَادَ وقدْ سَمَوْتَ إِلَى السَّمَا
أَلِفُ الكِتَابَةِ وَهوَ بَعْضُ حُرُوفِهَا **** **** لَمَّا اسْتَقَامَ عَلَى الحرُوفِ تَقَدَّمَا

* [عدّة الطلب للحكمي]:

وللهلاليِّ كَـلامٌ يحـسُـنُ **** **** إيرادهُ وهو إمامٌ متْقِنُ :

.........................................

واطْلُـبْ شِـفَـاءَ قلبِـكَ **** **** المريضِ مِن قَبْلِ أنْ تَغَصَّ بالجرِيضِ

ولا تظنَّ البُـرْءَ مِـن أدْواكَ **** **** إلا بفَطْمِ النَّفسِ عَنْ هَواكَ )

وَقَـال فِي تَرْبِيَةِ الَـجوَارِحِ **** **** مَا عَزَّ أن يُـنْسَجَ بالقَرائحِ :

(وَاحْتَلْ على نَفسِكَ بالتَّدْريجِ **** **** فإنَّه أَذهَبُ للتَّحْرِيجِ

وخـالِفَنَّـها ولا تُـطِعْـهَا **** **** وارْعَ الوَدائِعَ ولا تُضِعْهَا

وَهْيَ الجوارِحُ الَّتِي يُكْتَسَـبُ **** **** اَلخَيْرُ والشَّرُّ بِهَا ويُجْلَبُ

وَهْيَ : لِسَانٌ ، ثمَّ فَرْجٌ ، بَطْنُ **** **** يَدٌ ، وَرِجْلٌ ، ثمَّ عَيْنٌ ، أُذْنُ

سَبْعٌ كَأَبْوابِ الجحِيمِ فِي العَددْ **** **** فَارْعَ جميعَهَا وأَلزِمْهَا السَّدَدْ

فإنَّهـا مسؤولـةٌ في الآجـلِ **** **** شاهدةٌ بما جَنَتْ في العاجِلِ

فَمَنْ عَصَى بواحِدٍ منها فقـدْ **** **** فتحَ باباً من جَحِيمٍ قدْ وَقَدْ

وأصلُها القلـبُ فعالِـجْ دَاءَهُ **** **** واحْـشُ بِمَرْهَمِ التُّقَى سَوداءهُ

صَلاحُهُ صَـلاحُها لِمَنْ نَظَـرْ **** **** والضِّدُّ بالضِّدِّ كما جَا في الخَبَرْ

وَأَصْلُ داءِ القلبِ حبُّ العاجِلَهْ **** **** فانْبِذْهُ واحْتَفِلْ لأمرِ الآجلهْ )

---------------------
م ن

[أبــو أحمد]

ما أجمل الاخوة والثقة بها وعدم التقليل من أهميتها
موضوع قيم ومفيد أخي الحبيب
جزاك الله خير على جهودك الطيبة
جعلها الله في موازين حسناتك يوم القيامة
والله يعطيك العافية
وفي أمان الله

[ورد جوري]

راق لي الحديث كثيرا وتمنيت المزيد
..
جزاكم الله خيرا مراقبنا الفاضل
ابو الشيماء
في ميزان حسناتك ان شاء الله

[على خطى السلف]

بارك الله فيك ونفع بك وجزاك خير الجزاء