|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الحمد لله القديـم بلا غاية, والباقي بلا نهاية, الذي علا في دنوه, ودنا فــي علـوه, فـلا يحويـه زمـان, ولا يحيـط به مكـان, ولا يؤوده حفظ ما خلق.. فأحسن كـل شيء خلقه, وتمم مشيئته, وأوضح حكمته, فدل على ألوهيته, فسبحانه لا معقـب لحكمـه, ولا دافع لقضائــه, تقدسـت أسماؤه, وعظمــت آلاؤه, علا عــن صفات كل مخلوق, وتنزه عن شبه كـل مصنــوع, فلا تبلغـه الأوهـام ولا تحيط به العقول ولا الأفهام, يُعصى فيحلم, ويُدعى فيسمــع, ويقبـل التوبة عن عباده ويعفــو عن السيئــات ويعلم مـا يفعلون, وأشهـد ـشهــادة حــق وقولَ صــدق بإخلاص ونيـة ـوصدق طوية, أن محمــد بن عبــدالله عبــده ونبيــه, وخالصتـه وصفيّـه, ابتعثـه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق فبلغ الرسالة, ونصح الأمة,وكشف الغمة وجاهد في سبيله, لا تأخذه في الله لومـة لائـم.. فصلـى الله علـى محمـد وعلى آل محمـد أفضل وأزكـى,صلاة وعلى أله الطاهرين و أصحابه الغر المحجلين. ثم أما بعد... -- لما تولى أبو بكر خلافة المسلمين حمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو أهله .. وقال : أما بعد أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ؛ وإن أسأت فقوموني ؛ الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ؛ أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم . قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. الإمامة واجبة على المسلمين، وهي ضرورة لقيام دينهم،وحكمه في الأرض، وإصلاح أمور دنياهم ومعاشهم، وقد قال تعالى: ( إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً. يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً ), وقال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه " إنه لا إسلام إلا بجماعة, ولا جماعة إلا بإمارة, ولا إمارة إلا بطاعة, فمن سوده قومه على الفقه كان حياة له ولهم, ومن سوده قومه على غير فقه كان هلاكا له ولهم" رواه الدارمي, وقال الماوردي رحمه الله: "الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا, وعقدها لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع., وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم"، رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة ). .. شروط الخليفة الشرط الأول: أن يكون عالما مجتهدا يستطيع الاجتهاد فيما يعرض عليه من شؤون البلاد, ويسوس الدولة سياسة شرعية, فكما أن العلماء ورثة الأنبياء, فكذلك الحكام يسيرون في سياسة الدولة بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه, ولا يمكن لمن يجهل أحكام الشريعة أن يسوس البلاد والعباد سياسة شرعية, ولهذا فالواجب أن يكون الإمام عالما مجتهدا يقود الناس على علم وبصيرة, وقد قال تعالى: **قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}, وفي كتاب السنة... للخلال قال رجل لعمر رضي الله عنه في أمر الاستخلاف: "يا أمير المؤمنين فأين أنت عن عبد الله بن عمر؟ فقال: قاتلك الله, والله ما أردت بها الله, استخلف رجلا لم يحسن يطلق امرأته ", فتأمل قول عمر في ابنه عبد الله رضي الله عنهما وهو من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم, وقال عمر رضي الله عنه: "تفقهوا قبل أن تسودوا" أخرجه ابن أبي شيبة وغيره وصححه الحافظ ابن حجر, وقال البخاري بعد هذا الأثر: "وبعد أن تسودوا" حتى لا يفهم أن السيادة مانعة من التعلم, وهذا الأثر يدل على أهمية التعلم قبل الولاية, حتى يسوس الأمير الرعية على بصيرة وعلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. الشرط الثاني: أن يكون الإمام قويا في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم, وخبيرا مجربا ذا رأي وحكمة, وحسن سياسة وتصرف في تجييش الجيوش, وخوض الحروب, وحماية البلاد, وردع أهل الفساد والظلم في الأرض, والانتصار للمظلومين, وأن يكون صارما حازما، لا تأخذه رأفة في تنفيذ القصاص والحدود وسائر العقوبات, وقد قال تعالى: **إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ}, قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه .و قال العلامة السعدي رحمه الله: "فأجابهم نبيهم: إن الله اختاره عليكم؛ بما آتاه الله من قوة العلم بالسياسة؛ وقوة الجسم، اللذين هما آلة الشجاعة والنجدة، وحسن التدبير، وأن الملك ليس بكثرة المال..وقال تعال: **خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ}, قال السدي" بجد, واجتهاد", أخرجه ابن جرير, وقال تعالى: **إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ}, وقال تعالى: **وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُل شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لكُل شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ}, أي بجد واجتهاد, قال ابن عباس رضي الله عنهما: "بجد وحزم" أخرجه ابن أبي حاتم وغيره, وعن قتادة في قوله تعالى: **فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} قال: "إن الله تعالى يحب أن يؤخذ أمره بقوة وجد " أخرجه عبد بن حميد, وقال تعالى: **يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}, فالأمير ينبغي أن يكون قويا بلا عنف, وأن يكون لينا بلا ضعف, وقال تعالى: **فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ}, قال ابن عباس "ذوو الحزم والصبر" والحزم هو ضبط الأمر وتنقيحه والاحتياط فيه والحذر من الخطأ وشدة الاهتمام في تحصيل المصلحة, قال ابن عطية: "الحزم جودة النظر في الأمر وتنقيحه والحذر من الخطأ فيه ", وقال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: «المُؤمِن الْقَوِيُّ خيرٌ وَأَحبُّ إِلى اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وفي كُلٍّ خيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا ينْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ. وإنْ أصابَك شيءٌ فلاَ تقلْ: لَوْ أَنِّي فَعلْتُ كانَ كَذَا وَكذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قدَّرَ اللَّهُ، ومَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان». رواه مسلم. ومن القوة أن يكون الإمام شجاعا قادرا على خوض الحروب ومواجهة الأعداء من الكفار والمنافقين, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الولاة: " فإن عليهم من الصبر والحلم ما ليس على غيرهم، كما أن عليهم من الشجاعة والسماحة ما ليس على غيرهم، لأن مصلحة الإمارة لا تتم إلا بذلك ", وقال: "فلا تتم رعاية الخلق وسياستهم إلا بالجود الذى هو العطاء، والنجدة التى هي الشجاعة، بل لايصلح الدين والدنيا إلا بذلك، ولهذا كان من لايقوم بهما سلبه الله الأمر ونقله إلى غيره كما قال الله تعالى: **يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ* إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال تعالى: **هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}(.), وقال تعالى: **يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ}, وقال تعالى: **يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ منَ ٱلْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ}, وقال تعالى: **فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}, وقال تعالى: **مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً منَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ منْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}, وقال تعالى: **يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.. فوصف الله تعالى الذين يحبهم ويحبونه بالذلة على المؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله, وعدم الخوف من لوم اللائمين، فلا يصدهم عن إقامة شرع الله والجهاد في سبيل الله لوم أهل الكفر والنفاق، وما يفترونه في وسائل إعلامهم, فإن القلب لا يلتفت إلى أقوالهم ويحرص على مراعاتها، إلا إذا كان فيه من التعبد لأعداء الله بحسب ما فيه من مراعاتهم وطلب مرضاتهم, قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: **أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ} هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه، متعززاً على خصمه وعدوه، كما قال تعالى: **مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتَّال، فهو ضحوك لأوليائه قتَّال لأعدائه, وقوله عز وجل: **يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ} أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وإقامة الحدود، وقتال أعدائه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم، ولا عذل عاذل "(.) و عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقى، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولاقوة إلا بالله، فإنهن من كنز تحت العرش" رواه أحمد, وقال الإمام ابن جرير عن عمر رضي الله عنه: وكان رضي الله عنه شديدا على أهل الريب، وفي حق الله صليبا حتى يستخرجه، ولينا سهلا فيما يلزمه حتى يؤديه وبالضعيف رحيما رؤوفا "(.). وفي كتاب الزهد لابن أبي عاصم " عن معاوية بن خديج قال: بعثني عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح الإسكندرية ".. وفيه " قال عمر: ماذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال: قلت: إن أمير المؤمنين قائل, قال بئس ما قلت, أو بئس ما ظننت، لئن نمت النهار لأضيعن الرعية, ولئن نمت الليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟!", وقد كان رضي الله عنه صارما في أمر الله، قويا في الحق، لا تؤخذه في الله لومة لائم، قد جعل الله له هيبة في قلوب العباد. قال الحسن عن عمر رضي الله عنه: "غلب الناس بالزهد في الدنيا، والصرامة في أمر الله، ولا يخاف في الله لومة لائم" مصنف ابن أبي شيبة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قال مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة. قال: فقلت له: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك. قال: فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه، فإن كنت أعلمه أخبرتك" رواه البخاري ومسلم. كما يجب على الإمام أن يكون قويا في تنفيذ أحكام القضاء والقصاص والحدود وسائر العقوبات، وألا تأخذه رأفة في ذلك, قال الله تعالى: **ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ منْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ منَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}. وأما الضعيف فلا يصلح للإمارة, كما في حديث أبي ذرٍ رضي اللَّه عنه قال: قال لي رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "يا أبا ذَر أَرَاك ضعِيفاً، وإني أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لِنَفسي، لا تَأَمَّرنَّ على اثْنيْن ولا تولِّيَنَّ مال يتِيمِ" رواه مسلم, وعنه قال: قلت: يا رسول اللَّه ألا تَستعمِلُني؟ فضَرب بِيدِهِ على منْكبِي ثُمَّ قال: "يا أبا ذَرٍّ إنَّكَ ضَعِيف، وإنَّهَا أَمانة، وإنَّها يوم القيامَة خِزْيٌ ونَدَامةٌ، إلاَّ من أخَذها بِحقِّها، وأدى الذي عليهِ فِيها" رواه مسلم. الشرط الثالث: أن يكون الإمام تقيا عدلا, ولا خلاف بين أهل العلم أن الإمامة لا يجوز أن تعقد لفاسق, وقد قال تعالى: **وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِني جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُريَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ}.. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يختارون أفضلهم للخلافة, ولهذا كان ترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل هو ترتيبهم في الخلافة, فأفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم, أبو بكرالصديق رضي الله عنه الخليفة الأول, ثم عمر رضي الله عنه وهو الخليفة الثاني, ثم عثمان رضي الله عنه وهو الخليفة الثالث, ثم علي رضي الله عنه وهو الخليفة الرابع، وعن على رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله من يؤمر بعدك؟ قال: "إن تؤمروا أبا بكر رضي الله عنه تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر رضي الله عنه تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمروا عليا رضي الله عنه ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم" رواه أحمد وغيره. وقد تضمن هذا الحديث العظيم طريقة اختيار الإمام من خلال الشورى، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "إن تؤمروا"، وتضمن بعض الصفات التي تشترط في الإمام.. وأولها: الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، وهذه من صفات أئمة العدل الذين زهدوا في الدنيا وطهرت نفوسهم من طلب العلو في الأرض والتكبر على الخلق ومن حظوظ النفس وأطماعها، ورغبوا بما عند الله تعالى، ومن كان هذا وصفه فجدير به أن يقيم العدل ويحكم بين الناس بالحق بعد أن طهرت نفسه من الأهواء والأطماع الدنيوية التي تصد عن الحق، وقد قال تعالى: **يدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ}. و الثانية: أن يتصف بالأمانة وقد قال الله تعالى: **إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}، والأمانة تشمل القيام بالواجبات واجتناب المحرمات، ومن الأمانات الولاية على المسلمين فيجب النصح والإحسان فيها ويحرم الغشى فيها والخيانة، ومن الأمانات إسناد الوظائف والأعمال إلى أهلها، ومن الأمانات أداء الأموال إلى الرعية بعدل وإنصاف، ومن الأمانات المال العام فيجب حفظه وتجنب التعدي فيه وإضاعته والإسراف في إنفاقه أو إهماله والتفريط في حفظه وصيانته، ومن الأمانات أسرار الدولة وغيرها فيجب حفظها ويحرم إفشاؤها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم. الثالثة: أن يتصف بالقوة وألا يخاف في الله لومة اللائم، وقد تقدم الكلام فيها. الرابعة: الهداية، وهي تتضمن العلم والعمل بالعلم والدعوة إليه، فيجب أن يكون الإمام عالما مجتهدا وأن يعمل بعلمه، وأن يقود الأمة إلى الصراط المستقيم. فإن الإمام التقي الناصح العادل هو المؤتمن على الإسلام والمسلمين, وأما الفاسق الذي لم يتصف بالتقوى والعدل، ولا تقبل شهادته على اليسير من المال, فأنى لمثل هذا أن يكون أهلا لإقامة دين الله في الأرض والعدل بين الناس، وهو لم يقم العدل والصلاح في نفسه, وكيف يقيم الناس على الحق ويأطرهم عليه من كان مائلا عنه ومعرضا عن التمسك به. و الناس تبع لولاة الأمر وهم العلماء والأمراء, فإذا صلح هذان الصنفان صلح الناس, وإذا فسدا فسد الناس, وفي صحيح البخاري عن قيس بن أبي حازم قال دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة. قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت فقالت: من أنت ؟ قال: امرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين ؟ قال: من قريش. قالت: من أي قريش أنت ؟ قال: إنك لسؤول أنا أبو بكر. قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم قالت: وما الأئمة ؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى. قال: فهم أولئك على الناس",و في السنن الكبرى للبيهقي عن عمر رضي الله عنه قال عند موته: "اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم", وعن زهير بن معاوية عن الأعمش قال قال حذيفة: "إذا كان والي القوم خيرا منهم لم يزالوا في علياء، وإذا كان واليهم شرا منهم أو قال شرهم لم يزدادوا إلا سفالا.). الشرط الرابع: أن يكون الخليفة من صميم قريش، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين" رواه البخاري. و الخامس: أن يكون الإمام حرا. و السادس: أن يكون مسلما, فإن الله تعالى قطع الموالاة بين المسلمين والكافرين, فلا ولاية لكافر على مسلم. و السابع: أن يكون ذكرا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري. و الثامن: أن يكون سليم الأعضاء, ليس مصابا بالزمانة أو العمى أو نحوه، لقول الله تعالى: **إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ}. والتاسع والعاشر: أن يكون بالغا عاقلا. يتبع..إن شاء الله
__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام. والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين. ![]() ![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |