قصة نبي الله هود عليه السلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         مقاصـد الـرسْـم القـرآنــي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          التواب الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          التنجيم بين الحقيقة والتضليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          الرقمية والخلافات الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          فمن يَعِظُ العاصينَ بعد محمدٍ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          حال المُحِبّ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4472 - عددالزوار : 950745 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4007 - عددالزوار : 474809 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12905 - عددالزوار : 252170 )           »          «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 371 - عددالزوار : 36476 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-05-2021, 01:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,204
الدولة : Egypt
افتراضي قصة نبي الله هود عليه السلام

قصة نبي الله هود عليه السلام












د. أمين بن عبدالله الشقاوي




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:







فمن قصص القرآن الكريم التي ذكرها الله في كتابه قصة نبي الله هود عليه السلام.







«وقوم هود عليه السلام كانوا عربًا يسكنون الأحقاف، وهي جبال الرمل، وكانت باليمن من عُمان وحضر موت بأرض مطلة على البحر، يُقال لها الشحر واسم واديهم مغيث، وكانوا كثيرًا ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 6 - 8].







ويقال: إن هودًا عليه السلام أول من تكلم بالعربية، وقال غيره: أول من تكلم بها نوح، وقيل: آدم، وهو الأشبه، وقيل غير ذلك؛ والله أعلم.







ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام العرب العاربة، وهم قبائل كثيرة منهم: عاد، وثمود، وجرهم، وطسم، وجديس، وأميم، ومدين، وعملاق، وعبيل، وجاسم، وقحطان، وبنو يقطن، وغيرهم، وأما العرب المستعربة، فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم، وقد أنطَقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان، وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.







والمقصود أن عادًا وهم عاد الأولى كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وكانت أصنامهم ثلاثة: صد، وصمود، وهرا، فبعث الله فيهم أخاهم هودًا عليه السلام، فدعاهم إلى الله؛ كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح وما كان من أمرهم في سورة الأعراف: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 65].







وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6 - 8].







وقال تعالى: ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 69]؛ أي: جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش.







والمقصود أن عادًا كانوا عربًا جُفاة كافرين، عُتاة متمردين في عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلًا منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فلما أمرهم بعبادة الله، ورغَّبهم في طاعته واستغفاره، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة، وتوعَّدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة: ﴿ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الأعراف: 66]؛ أي: هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يُرتجى منها النصر والرزق، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 67]؛ أي: ليس الأمر كما تظنون ولا ما تعتقدون ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [الأعراف: 68]، والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المُبلَّغ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه، ويستلزم إبلاغه بعبارة فصيحة وجيزة، جامعة مانعة، لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب، وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم، والحرص على هدايتهم، لا يبتغي منهم أجرًا ولا يطلب منهم جُعلًا، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه، والنُصح لخلقه، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه، وأمره إليه، ولهذا قال: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51]؛ أي: ما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين، الذي تشهد به فطَركُم التي خُلقتم عليها، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحًا، وأهلك من خالفه من الخلق، وها أنا أدعوكم إليه، ولا أسألكم أجرًا عليه، بل أبتغي ذلك عند الله، مالك الضر والنفع؛ ولهذا قال مؤمن «يس»: ﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 21، 22]، وقال قوم هود له فيما قالوا: ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [هود: 53-54 ]، يقولون: ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك، بلا دليل أقمته، ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعُمه، وعندنا إنما أصابك هذا أن بعض آلهتنا غضب عليك، فأصابك في عقلك، فاعتراك جنون بسبب ذلك، وهو قولهم: ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾ [هود: 54، 55]، وهذا تحدٍّ منه لهم وتبرُّؤ من آلهتهم، وتنقُّص منه لها، وبيانٌ أنها لا تنفع شيئًا ولا تضر، وأنها جماد، حُكمها حكمه وفعلها فعله، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر، فها أنا بريء منها، لاعِنٌ لها ﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾ [هود: 55]، أنتم وهي جميعًا، بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه، وتقدروا عليه، ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين، فإني لا أبالي بكم، ولا أفكر فيكم، ولا أنظر إليكم ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56]؛ أي: أنا متوكل على الله، ومتأيد به، وواثق بجنابه الذي لا يضيعُ من لاذ به، واستند إليه، فلست أبالي مخلوقًا سواه، ولست أتوكل إلا عليه، ولا أعبد إلا إياه، وهذا وحده برهان قاطع على أن هودًا عبد الله ورسوله، وأنهم على جهلٍ وضلالٍ في عبادتهم غير الله؛ لأنهم لم يصلوا إليه بسوءٍ، ولا نالوا منه مكروهًا، فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبُطلان ما هم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه.







وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير ما آية، كما تقدم مُجملًا ومفصلًا؛ كقوله: ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 72]، وكقوله: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ﴾ [هود: 58 - 60]، وكقوله: ﴿ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 40، 41]، وقال تعالى: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشعراء: 139، 140].







وأما تفصيل إهلاكهم، فكما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]، كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب؛ أنهم كانوا مُمحلين مُسنتين[1]، فطلبوا السُّقيا، فرأوا عارضًا في السماء وظنوه سُقيا رحمة، فإذا هو سُقيا عذاب، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]؛ أي: من وُقوع العذاب، وهو قولهم: ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأحقاف: 22].







وقد ثبت في الصحيحين من حديث شُعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباسﮏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ»[2]، وأما قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 21].







فالظاهر أن عادًا هذه هي عادٌ الأولى، فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود، وهم الأولى، ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عادٌ الثانية، ويدل عليه ما ذكرنا، وما سيأتي من الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وأما قوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]، فإن عادًا لما رأوا هذا العارض، وهو الناشئ في الجو كالسحاب، ظنوه سحاب مطر، فإذا هو سحاب عذاب، اعتقدوه رحمة، فإذا هو نقمة، رجوا فيه الخير، فنالوا منه غاية الشر؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]؛ أي: من العذاب، ثم فسَّره بقوله: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]، يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة، الشديدة الهبوب، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية، فلم تُبق منهم أحدًا، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران، فتلفهم وتُخرجهم وتُهلكهم، وتدمر عليهم البيوت المحكمة، والقصور المشيدة، فكما مُنُوا بقوتهم وشدتهم، وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله - الذي هو أشد منهم قوة - عليهم ما هو أشد منهم قوة وأقدر عليهم، وهو الريح العقيم، ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ظنَّ من بَقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم، وغِياثٌ لمن بَقِي منهم، فأرسلها الله عليهم شررًا ونارًا، كما ذكره غير واحد، ويكون هذا كما أصاب أصحاب الظلة من أهل مدين، وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار، وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة.







وظاهر الآية أنهم رأوا عارضًا، والمفهوم منه لغةً السحاب، كما دل عليه حديث الحارث بن حسان البكري، إن جعلناه مفسرًا لهذه القصة، وأصرح منه في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشةﭫ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيْهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوْذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيْهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ»، قالت: وإذا تخيَّلت السماء تغيَّر لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سُرِّي عنه، فعرفت ذلك عائشة، فسألته، فقال: «لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الأحقاف: 24]»[3].







وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا قط حتى أرى منه لَهَواتِه، إنما كان يتبسم، وقالت: كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف ذلك في وجهه، قالت: يا رسول الله، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا؛ رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرف في وجهك الكراهية؟ فقال: «يَا عَائِشَةُ! مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقَالُوا: ﴿ هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]»[4].







فهذا الحديث كالصريح في تغاير القصتين كما أشرنا إليه أولًا، فعلى هذا تكون القصة المذكورة في سورة الأحقاف خبرًا عن قوم عادٍ الثانية، وتكون بقية السياقات في القرآن خبرًا عن عاد الأولى، والله أعلم[5]».







والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.







[1] أي أصابهم الجدب والقحط.




[2] البخاري برقم 1035، ومسلم برقم 900.




[3] صحيح مسلم برقم 899.





[4] صحيح البخاري برقم 4829، وصحيح مسلم برقم 899.




[5] البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (1 /282-303) باختصار وتصرف.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 58.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.31 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]