شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 83 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 591 - عددالزوار : 334005 )           »          اكتشف الأسباب الخفية وراء انتفاخ البطن! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الكافيين: فوائده، أضراره، والكمية الآمنة للاستهلاك يوميًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          التعايش مع اضطراب ثنائي القطب: دليلك لحياة متوازنة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          7 أطعمة تقوي العظام! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          نصائح بعد خرم الأذن: دليلك الشامل للتعافي بسرعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ما هي فوائد التبرع بالدم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          متى يكون فقدان الوزن خطير؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          7أفكار لوجبات خفيفة للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          أضرار مشروبات الطاقة: حقائق صادمة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-07-2025, 02:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [497]
الحلقة (528)






شرح سنن أبي داود [497]

بين الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الحدود ردعاً لمن تسول له نفسه العصيان، ودفعاً لمن يوسوس له شيطانه الكبائر والآثام، والحدود في كتاب الله تعالى منها ما هو مثبت تلاوة وحكماً ومنها ما هو منسوخ تلاوة وحكماً ومنها ما هو منسوخ تلاوة ومثبت حكماً، ومثال الأخير رجم الزاني المحصن.

ما جاء في الرجم


أثر ابن عباس في أن إيذاء الزاني نسخ بآية الجلد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجم. حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجم]، والرجم يكون للمحصن، وهو الذي قد تزوج وحصّل الفائدة عن طريق حلال، ثم بعد ذلك يقع في الحرام، فتكون عقوبته تختلف عن عقوبة البكر الذي لم يذق ولم يستمتع بالحلال، فصارت عقوبة البكر الجلد مائة جلدة وتغريب عام، وأما من كان محصناً سواء كان رجلاً أو امرأة فإنه يرجم. وكان نزل في القرآن آية الرجم ثم نسخ لفظها وتلاوتها وبقي حكمها، وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). وقد جاء بيان أن هذه الآية كانت موجودة وأنها نسخت، وجاء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم في أحاديث كثيرة كما رجم ماعزاً و الغامدية ، وكما حصل في قصة والد العسيف الذي قال فيه: سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم، ثم في آخر الحديث قال: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها). فالرجم جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك جاء في الحديث الذي فيه إضافة الجلد إلى الرجم، من حديث عبادة بن الصامت : (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب الرجم والجلد)، وجاء في القرآن مما بقي حكمه ونسخت تلاوته، ومعلوم أنه قد ينسخ الحكم والتلاوة، وينسخ الحكم دون التلاوة، وتنسخ التلاوة دون الحكم، والذي معنا هو شاهد لنسخ التلاوة دون الحكم، فالحكم موجود والرجم ثابت ومستقر، والتلاوة منسوخة. وعكسها نسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ومثاله: قصة اعتداد المتوفى عنها زوجها، فاللاتي يتوفى عنهن أزواجهن كن يتربصن سنة، فنسخت بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر. وأما نسخ الاثنين الذي هو الحكم والتلاوة، فذلك في العشر الرضعات التي جاءت في الحديث: (كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات)، فإن الخمس المعلومات منسوخة التلاوة باقية الحكم، والعشر الرضعات منسوخة التلاوة والحكم، وهذا الذي معنا: هو من جنس الخمس الرضعات، حيث نسخت التلاوة مع بقاء الحكم. أورد أبو داود حديث ابن عباس في قوله: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16]، ثم قال: نسختها آية النور: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي )) ]؛ وذلك أنه كما جاء في هذه الآيات: (( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ))، فقد جاء أيضاً بيان ذلك في السنة، وأن الله تعالى قد جعل لهن السبيل، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصول الجلد والرجم كما جاء في حديث عبادة بن الصامت ، والجلد وتغريب سنة في حق البكر. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (( وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ )) ]. الفاحشة: الزنا والعياذ بالله (( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ )) يعني: أنه لا بد من أربعة شهود لثبوت الزنا، ولا يكفي شاهد أو شاهدان أو ثلاثة، بل لا بد من أربعة، وأن يكون هناك جماع صحيح، فلا بد من توافر هذه الشروط؛ وذلك لخطورة هذه الجريمة وصعوبتها، فجاءت الشريعة باشتراط هؤلاء الشهود الأربعة الذين يشهدون؛ ليثبت في ذلك حد الزنا، فإما هذا كله أو الاعتراف كما سيأتي في حديث عمر رضي الله عنه ما يتعلق بالاعتراف والحبل والشهود. قوله: [ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15] ]. يعني: هذه الآية جاءت في حكم النساء: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15]، ثم أتى بالحكم الذي يشمل الرجال والنساء وهو قوله: (( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا )). قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال ]. الرجل ما له ذكر منصوص عليه كما نص على النساء؛ ولكنه ذكر بعد ذلك فيما يتعلق بالجمع، حيث قال: (( وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ))، يعني: من الرجال والنساء. وجاء أيضاً ذكر المرأة ثم ذكر الرجل في سورة النور: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا )) ] ذكرت الآية الزانية ثم الزاني؛ لكن هنا فيما يتعلق بالرجال ما ذكر رجلاً على سبيل الانفراد؛ ولكنه جاء مندرجاً في حال الجمع بين الذكور والإناث. قوله: [ وذَكَر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا [النساء:16] ]. (اللذان) يعني الرجل والمرأة. (يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ) يأتيان الفاحشة. (فآذوهما) يعني بالإيذاء: العقوبة، لكن لا أدري ما نوعها. (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا) يعني: إن تابا وأصلحا ولم يرفع أمرهما إلى السلطان فإنه يعرض عنهما، وأما إذا بلغ أمرهما إلى السلطان فإنه لا بد من إقامة الحد حيث يكون ثابتاً بالبينة أو بالاعتراف والإقرار. وجاء في أحد حواشي مخطوطات السنن، يقول في حاشية: (ك) زيادة: قال سفيان : (( فَآذُوهُمَا )) البكران، (( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ )): الثيبان. يعني: أنه يرجع إلى الثيبات، لكن معلوم أن الإمساك في البيوت إنما هو للنساء وليس للرجال. قوله: [ قال: فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2] ]. وهذا في حق البكرين، فيجلد كل منهما مائة جلدة كما جاء في القرآن، ويغرب كما جاء في السنة.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في أن إيذاء الزاني نسخ بآية الجلد


قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ]. أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثني علي بن الحسين ]. هو علي بن الحسين بن واقد، وهو صدوق، يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم في مقدمة صحيحه وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد النحوي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين أيضاً بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبعض العلماء قال: إن الآية جاءت ناسخة، وبعضهم قال: إنهاجاءت لتفسير مبهم؛ لأنه قال: (( أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ))، فالسبيل هو كذا وكذا. وكذلك من قال: إن الإيذاء يمكن أن يكون بالتقريع بالكلام والزجر فنقول: الحكم هو كما جاء في الكتاب والسنة: الجلد والنفي والرجم وحده أو معه الجلد على خلاف في ذلك وفقاً لما جاءت به النصوص.
أثر مجاهد في تفسير قوله تعالى: (أو يجعل الله لهن سبيلاً)، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى -يعني ابن مسعود - عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: السبيل الحد ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن مجاهد ، وفيه تفسير السبيل في قوله: (( أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا )) بأنه الحد، والحد هو الرجم في حق المحصنين، والجلد والتغريب في حق الأبكار. قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى -يعني: ابن مسعود- ]. أحمد بن محمد بن ثابت مر ذكره، وموسى بن مسعود صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن شبل ]. هو ابن عباد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا يقال له: مقطوع؛ لأن المتن الذي ينتهي إسناده إلى التابعي ومن دونه يقال له: مقطوع، كما يقال للمتن الذي ينتهي إسناده إلى الصحابي: موقوف، والمتن الذي ينتهي إسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والمقطوع غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون، والمنقطع من صفات الأسانيد، فيسقط واحد أو اثنان أو ثلاثة، فهذا يقال له: انقطاع، وأما الإسناد الذي ينتهي إلى من دون الصحابي فإن اسمه المقطوع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال سفيان : (فآذوهما) البكران (فأمسكوهن في البيوت) الثيبات ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة) ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وفيه بيان تفسير السنة للقرآن حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني! خذوا عني! قد جعل الله لهن سبيلاً)، يفسر قول الله عز وجل: (( حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا )). قوله: [ (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) ] معناه: أن الجلد يكون للجميع، فمن كان بكراً ومن كان ثيباً فإنه يجلد إلا أن الثيب يضاف إليه الرجم، والبكر يضاف إليه التغريب لمدة سنة، وهذا الذي جاء في حديث عبادة رضي الله عنه فيه زيادة التغريب على ما جاء في القرآن في حق الأبكار؛ لأن الذي جاء في القرآن: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، وجاءت السنة بإضافة التغريب لمدة سنة. وجاء في هذا الحديث -حديث عبادة بن الصامت - أن الرجم يضاف إليه جلد مائة جلدة. وقد اختلف العلماء في جلد الثيب مع الرجم، والرجم متفق عليه ولم يخالف فيه إلا بعض الخوارج، وخلافهم لا عبرة به، وكذلك سيأتي أن عمر رضي الله عنه قال: أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، وقد حصل هذا الذي خشيه عمر ، فقد وجد في الخوارج من يقول بذلك، وقال: إن الرجم ليس في كتاب الله فأنكروه. وإنما اختلف العلماء في الثيب هل يجلد مع الرجم أو أنه يكتفى بالرجم؟ فمن العلماء من ذهب إلى ما جاء في حديث عبادة من الجمع بينهما بأنه يجلد أولاً ثم يأتي بعد ذلك الرجم. ومنهم من قال: إنه يرجم فقط بدون جلد؛ وذلك لأنه جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها الرجم بدون جلد، كما جاء في آية الرجم، وجاء في قصة العسيف في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، وكذلك فعله حيث أمر برجم ماعز و الغامدية ، فبعض أهل العلم أخذ بهذا، وبعضهم أخذ بهذا، والحقيقة المسألة مشكلة، ولهذا لما ذكر صاحب سبل السلام الصنعاني رحمه الله هذه المسألة مال إلى أحد القولين ثم رجع عنه وقال: إني أتوقف حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين. قوله: (الثيب بالثيب)، ليس المقصود من ذلك أنه لا يكون الحد إلا إذا كان ثيباً مع ثيب، وإنما المقصود أن الثيب يرجم سواءً كان زناه بثيب أو ببكر، وكذلك المرأة إذا كانت ثيبة لا ينظر إلى الرجل الذي زنى بها أهو بكر أم ثيب، فمع أنه ذكر الثيب مع الثيب والبكر مع البكر إلا أنه لو زنى بكر بثيب أو ثيب ببكر فإن من كان محصناً يرجم سواءً كان رجلاً أو امرأة، ومن كان بكراً فإنه يجلد مائة ويغرب سنة. فإذاً: قوله: (الثيب بالثيب والبكر بالبكر)، لا يكون خاصاً فيما إذا كان بين بكرين وبين ثيبين بل الرجم مناط بالثيب سواءً كان مع ثيب أو بكر، وكذلك البكر الجلد مناط به مع التغريب، سواءً كان مع بكر أو ثيب.
تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي عروبة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حطان بن عبد الله الرقاشي ]. حطان بن عبد الله الرقاشي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم وأصحاب السنن. مسلم . [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية و محمد بن الصباح بن سفيان قالا: حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن بإسناد يحيى ومعناه قال: (جلد مائة والرجم) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال فيه: (جلد مائة والرجم)، وهو مثل الذي قبله؛ لأنه قال في الأول: (رمي بالحجارة) وهنا قال: (الرجم)، ومعلوم أن الرجم يكون بالحجارة، يعني: الفرق في العبارة وإلا فالمعنى واحد، وإنما فرق بين الثيب والبكر بأن الثيب يرجم بالحجارة ؛ لأنه كما عرفنا قد حصل المتعة بطريق مشروع، فصارت عقوبته أشد، وكان ذلك رمياً بالحجارة؛ حتى يصيبه العقاب من جميع الجوانب؛ لأن اللذة حصلت لجميع الجسد، فتكون العقوبة لجميع الجسد بحيث تأتي الحجارة من كل جانب، فيكون موته بهذه الطريقة، أما من كان بكراً ولم يتمتع بالنكاح فإن عقوبته مخففة، وذلك بأن يجلد مائة جلدة ويغرب مدة سنة.
تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً...) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و محمد بن الصباح بن سفيان ]. محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن بإسناد يحيى ]. الحسن مر ذكره، ويحيى القطان ، وقوله: [ بإسناد يحيى ] يعني: الذي تقدم قبل هذا.
شرح حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الربيع بن روح بن خليد حدثنا محمد بن خالد -يعني: الوهبي - حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن سلمة بن المحبق رضي الله عنه عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث: (فقال ناس لسعد بن عبادة : يا أبا ثابت ! قد نزلت الحدود، لو أنك وجدت مع امرأتك رجلاً كيف كنت صانعاً؟ قال: كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا، أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء؟! فإلى ذلك قد قضى الحاجة، فانطلقوا فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! ألم تر إلى أبي ثابت قال كذا وكذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالسيف شاهداً، ثم قال: لا لا، أخاف أن يتتايع فيها السكران والغيران) ]. أورد أبو داود حديث عبادة بن الصامت من طريق أخرى، وفيه زيادة، وهي أن سعد بن عبادة قيل له: لو أنه وجد رجلاً مع امرأته كيف يصنع؟ فقال: إنه يقطعهما بالسيف حتى يسكتا يعني: حتى يموتا، ولا يتركهما حتى يأتي بأربعة شهود يرون ويشاهدون، فيكون قضى حاجته وهرب، فجاء هؤلاء الذين تحدثوا بهذا الحديث بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (كفى بالسيف شاهداً)، يعني: هذا الذي قاله سعد بن عبادة هو الشاهد، ولا يحتاج إلى أن يبحث عن أربعة شهود بل يحصل القتل، ثم قال: (لا لا حتى لا يتتايع فيها) يعني: يتتابع الناس فيستسهلون القتل أو يقدمون على القتل وقد يكون لا يستحق القتل بأن يكون ليس هناك جماع، وأن الزنا ما ثبت، وإنما هو مقدمات تسبق الجماع لا يستحق معها القتل. قوله: [ (لا لا، أخاف أن يتتايع فيها السكران والغيران) ]. السكران: هو الغضبان، وليس المقصود به السكران الذي فقد وعيه بسبب السكر؛ لأن هذا كما هو معلوم ليس هو المقصود، وإنما المقصود الذي عنده شدة الغضب فيقدم على قتل الإنسان وهو لا يستحق القتل، والغيران: صاحب الغيرة الشديدة الذي قد يقدم على القتل بينما الذي حصل دون ما يستحق به القتل، ولكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده ابن دلهم هذا وهو ضعيف.
تراجم رجال إسناد حديث (خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...) من طريق ثالثة

قوله: [ حدثنا محمد بن عوف الطائي ]. محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي في مسند علي . [ حدثنا الربيع بن روح بن خليد ]. الربيع بن روح بن خليد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن خالد -يعني الوهبي- ]. محمد بن خالد الوهبي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الفضل بن دلهم ]. الفضل بن دلهم لين، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الحسن عن سلمة بن المحبق ]. الحسن مر ذكره، و سلمة بن المحبق رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبادة بن الصامت ]. عبادة بن الصامت رضي الله عنه قد مر ذكره.
الوهم من وكيع في إسناد حديث (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ...)، وتراجم رجال ذلك الإسناد


[ قال أبو داود : روى وكيع أول هذا الحديث عن الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هذا إسناد حديث ابن المحبق : (أن رجلاً وقع على جارية امرأته) ]. ذكر أن وكيعاً رواه بإسناد وقال: إنه وهم، وإنما هذا إسناد لحديث آخر، وهو قصة الرجل الذي وقع على جارية امرأته. [ قال أبو داود : روى وكيع أول هذا الحديث عن الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث ]. وكيع بن الجراح الرؤاسي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحسن مر ذكره، وقبيصة هو قبيصة بن حريث ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ قال أبو داود : الفضل بن دلهم ليس بالحافظ كان قصاباً بواسط ]. قال أبو داود : الفضل بن دلهم ليس بالحافظ كان قصاباً بواسط، يعني: هذا تعريف به، وقصاب يعني: جزار.
شرح حديث عمر بن الخطاب في رجم الزاني المحصن


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا هشيم حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس : (أن عمر -يعني ابن الخطاب رضي الله عنه- خطب فقال: إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده، وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله؛ فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصناً، إذا قامت البينة، أو كان حمل أو اعتراف، وايم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن عمر خطب الناس. قوله: [ (إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب) ]. الحق الذي فيه إخراج الناس من الظلمات إلى النور، والسير إلى الله عز وجل على بصيرة، وذلك في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه، ثم قال: وأنزل عليه الكتاب. قوله: [ (فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها) ]. (فقرأناها) يعني: إنا كنا تلوناها كما نتلو القرآن. وآية القرآن هي: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). قوله: [ (فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده) ]. رجم النبي صلى الله عليه وسلم حصل لماعز و للغامدية ، وأمر برجم امرأة صاحب العسيف قال: (اغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، (ورجمنا من بعده)، يعني: هذا شيء فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ونفذه الخلفاء الراشدون من بعده. قوله: [ (وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى) ]. فهو أعلن هذا في خطبته رضي الله تعالى عنه حتى يسمعها من يسمعها من الناس، وحتى يكثر السامعون لها، ويتناقلوها ويعرفوها، ويرويها بعضهم ويبينوها للناس، قال: (أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله)، وهذا من إلهام عمر رضي الله عنه فإنه كان ملهماً، وكان يقول الشيء فيجري الحق على لسانه في كثير من الأمور، وموافقات عمر في الأشياء التي يشير بها على رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم ينزل القرآن بها معروفة وعديدة، منها ما يتعلق بالحجاب، ومنها ما يتعلق بالصلاة خلف المقام، ومنها ما يتعلق بأسارى بدر، وكذلك ما جاء عنه في قصة الطاعون الذي حصل في الشام، وأنه استشار الصحابة المهاجرين، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح، وكل منهم ليست عنده سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم إنه اجتهد ورأى أن ينصرف وألا يدخل على الطاعون، ثم بعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الذي رآه عمر مطابقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر، وهنا قال: (أخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل) وقد قال قائل، فإنه نقل عن بعض الخوارج أنهم كانوا لا يقولون بالرجم ويقولون: إنه لا يوجد في كتاب الله. قوله: [ (أن يقول قائل: ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى) ]. وهذا فيه أن ترك ما أنزله الله، وترك ما جاء عن الله وعن رسوله ضلال؛ لأنه قال: (فيضلوا بترك فريضة). وفيه: أن الضلال يكون في الجزئيات وليس بلازم أن يكون الضلال في الكليات، بل القضية الواحدة يحصل بها الضلال؛ لأن فيه انحرافاً عن الجادة، وهذا من جملة الضلال الكثير الذي حصل للخوارج، فإنهم ضلوا في هذا الجانب وفي غير هذا الجانب. قوله: [ (فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصناً، إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف) ]. فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء وكان محصناً إذا قامت البينة، يعني: حق يجب تنفيذه إذا قامت البينة، والبينة هي أربعة شهود كما جاء ذلك مبيناً في القرآن، أو كان الحمل؛ لأن الحمل إذا كان من غير ذات زوج فإنه لا يكون إلا بغير طريق مشروع، لكن إذا لم تدع شيئاً أو تذكر شبهة، أو تذكر شيئاً يمنع من إقامة الحد عليها مما تدرأ به الحدود، كإخبارها بأنها كانت مكرهة، أو اغتصبت، أو أنه حصل لها كذا وكذا، فعند ذلك يقبل قولها، وتدرأ الحدود بالشبهات. قوله: [ أو الاعتراف ]، يعني: يحصل الاعتراف بالزنا. قوله: [ (وايم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها) ]. وهذا تأكيد من عمر رضي الله عنه لنزول هذه الآية، وأنهم تلوها، وأنها موجودة في كتاب الله ولكنها نسخت، ومعلوم أن القرآن جمع جمعتين: جمعة في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وكان ذلك في صحف ولم يكن مرتباً ولا مميزاً، بل كل ما جاء ونقل أثبتوه في صحف، وكان مشتملاً على الأحرف السبعة كلها؛ لأن كل ما هو قرآن جمعوه في صحف، وذلك في عهد أبي بكر وحصل ذلك لما قتل جمع من القراء في بعض الغزوات، وأشير على أبي بكر بجمع القرآن فكان متردداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، ولكن بعد ذلك شرح الله صدره له فأمر بجمعه، فجمع في صحف، وذلك الذي جمع مشتمل على الأحرف السبعة، وبقيت تلك الصحف عند حفصة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولما كان في عهد عثمان جمع القرآن في مصحف على حرف واحد، فصار هذا الذي هو بأيدي الناس، والذي هو من جمع عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان جمع الناس على حرف واحد، وأحرق ما سوى ذلك؛ حتى لا يحصل الاختلاف، وهذا من حسنات عثمان رضي الله عنه، كما أن الذي حصل في عهد أبي بكر من حسنات أبي بكر رضي الله عنه، ومن حسنات عثمان جمعه للقرآن، وكونه ممن حفظ الله به القرآن، وكان ذلك مما تحقق به قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب: اعلام الموقعين تسعة وتسعين على أن الشريعة جاءت بسد الذرائع، وختم ابن القيم رحمه الله الأدلة التسعة والتسعين بجمع عثمان رضي الله عنه القرآن على حرف واحد، وقال: إن ذلك فيه السلامة من الاختلاف، وقطع دابر الاختلاف الذي يكون بسبب وجود الأحرف، فجمعها على حرف واحد رضي الله عنه، وكان ذلك سداً للذريعة، فهو من جملة الأدلة التي استدل بها ابن القيم على سد الذرائع، وقد ذكر تسعة وتسعين دليلاً بعدد الأسماء الحسنى التي جاءت في الحديث: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة)، وختمها بهذا الدليل الذي هو جمع عثمان القرآن على حرف واحد. فقول عمر رضي الله عنه: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها. يعني: يريد أن يحقق ثبوتها، وأن هذا شيء ثابت.
تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب في رجم الزاني المحصن


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن هشيم ]. هشيم مر ذكره. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد مر ذكره. [ عن عمر ]. عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، أحاديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة



حد الزاني الذي تزوج أمة


السؤال: ذكر صاحب العون نقلاً عن الحافظ يقول: المحصن إذا كان محصناً أي بالغاً عاقلاً قد تزوج حرة تزويجاً صحيحاً وجامعها. فلماذا التقييد بالحرة هنا، وهل إذا تزوج أمة لا يقال له: محصن؟ الجواب: الذي يبدو أنه محصن؛ لأن الفائدة والمتعة حصلت، فإنها تحصل بهذه وبهذه، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، فيحصل الإحصان بالتسري ويثبت، لكن هل يعتبر ذلك إحصاناً يكون معه استحقاق الرجم أو لا؟ لا أدري.

ضابط الإحصان في الشرع


السؤال: هل المراد بالإحصان العقد أو الدخول حتى يعتبر محصناً؟ الجواب: الذي يبدو أن المقصود به الدخول؛ لأن هذا هو الذي يكون به الاستمتاع، وأما مجرد العقد ثم حصلت فرقة أو المرأة ما مكنته من نفسها أو أبت أن تدخل عليه بعد العقد، وما وجدت منه تلك المتعة والفائدة التي بها خرج من كونه بكراً إلى كونه ثيباً فلا يكون إحصاناً.

الجمع بين حديث قتل شارب الخمر في الرابعة وبين حديث (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به)


السؤال: ذكرتم أن قتل شارب الخمر يكون في الرابعة، فما نقول في حديث: (لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به)؟ الجواب: هذا يدل على أن المعين لعنه لا يجوز، وأما قول: (ما أكثر ما يؤتى به)، فيدل على الإتيان به كثيراً، وكونه لم يقتل لأن القتل محمول على التعزير في الحديث الآخر، وهو حديث ثابت."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-07-2025, 05:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله







شرح سنن أبي داود [502]

لقد حد الله عز وجل حدوداً ونهانا عن الاقتراب منها، وجعل عقاباً محدداً لكل ضعيف إيمان سولت له نفسه ارتكاب هذه الحدود والمعاصي، ومن ذلك تحريم الزنا، وجعل الجلد والتعذيب عقوبة الزاني البكر، وجعل الرجم عقوبة الزاني، أما من أتى زوجة أبيه فإنه يقتل على كل حال؛ لشناعة هذا الفعل وقبحه، ومثله من أتى بهيمة أو فعل فعل قوم لوط؛ فإنه يقتل لما في هذا الفعل من انتكاس للفطرة وشذوذ عن المألوف.
ما جاء في الرجل يزني بحريمه



شرح حديث قتل الرجل الذي أعرس بامرأة أبيه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يزني بحريمه. حدثنا مسدد حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا مطرف عن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال: (بينا أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلاً فضربوا عنقه، فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الرجل يزني بحريمه]، وحريمه يعني: ذوات محارمه اللاتي لا يحل له الزواج بهن، ولا شك أن من تكون كذلك فالزنا بها أخطر وأشد وأعظم؛ لأن النكاح لا يجوز لمثلها، بخلاف الأجنبيات فإن النكاح سائغ والزنا هو الحرام، وأما هنا فالنكاح غير سائغ، فلو حصل النكاح فهو خطير، ولو حصل الزنا فهو أيضاً خطير، وهو أخطر من الزنا بالبعيدات والأجنبيات؛ لأن هذا يدل على قلة الحياء، وقلة المبالاة، وعدم خوف الله عز وجل، والاحتكاك بذوات المحارم والاختلاط بهن حاصل ومستمر، والخلوة بهن حاصلة، فكونه يوجد والعياذ بالله فعل الفاحشة معهن فإنه يكون الأمر أخطر وأشد، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن دخول الرجال على النساء حذر منه ولما قيل له: (أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت)؛ لأنه لا يفطن له ولا يحترز منه، ودخوله وخروجه غير مستغرب، بخلاف الأجنبي الذي يكون دخوله وخروجه في البيت مستغرباً، ولكن الذي له علاقة بالبيت لا يكون مستغرباً، فيكون أخطر وأشد من حيث الخلوة، وإذا كان هذا حصل في حال الحمو فكيف يكون بالمحرم والعياذ بالله؟! فالإنسان الذي يزني بمحارمه يكون أمره أخطر وأشد. وقد أورد أبو داود رحمه الله أحاديث فيمن نكح ذات محرم، يعني: بنكاح وليس بزنا، ومعلوم أنه إذا صار النكاح خطيراً فإن الزنا يكون أخطر وأخطر، فهو عقد الترجمة للزنا وهي في النكاح. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه: أنه كان يطيف في إبل له ضلت، وأنه جاء جماعة معهم لواء، وهم مبعوثون من النبي صلى الله عليه وسلم، وعقد لهم حتى يعرف بأنهم مبعوثون منه، ومهمتهم أن يقتلوا رجلاً أعرس بامرأة أبيه، يعني: نكح امرأة أبيه وتزوجها، فيحتمل أن يكون ذلك عن طريق الوطء بدون عقد، وهذا هو الذي يكون مطابقاً للترجمة لأنه زنا، ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك الزواج وأنه بعقد، ولكنه فعل محرم، والله عز وجل وصفه بأنه فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، حيث قال: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، فهو يدل على خطورته في النكاح، فهو أخطر أيضاً فيما يتعلق بالسفاح، فقتلوه بأمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم. وهو يدل على أن نكاح ذوات المحارم إذا كان مقصوداً وليس فيه شبهة؛ لأن الشبهة قد تحصل، فالرضاعة مثلاً قد يكون فيها شبهة، وقد لا يكتشف أن هناك محرمية إلا بعد مدة، فعند ذلك يفرق بينهما، وهذا لا يترتب عليه شيء؛ لأنه نكاح شبهة، والأولاد هم أولاده، ولكن كونه يتزوج امرأة أبيه أو يتزوج امرأة هو عالم بأنها محرم له فعقوبته أن يقتل كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما إذا كان هناك مجال للشبهة كما ذكرنا فيما مضى فإن هذا يفرق بينهما، ويكون نكاح شبهة. قوله: [ عن البراء بن عازب قال: (بينا أنا أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء، فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم) ]. فجعل الأعراب يطيفون به لكونه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، يعني: يتصلون به ويجتمعون به؛ وذلك لمنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على حرص الذين لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم على مصاحبته ومرافقته، وعلى ملاقاة من صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكونون ممن لقي النبي وصحبه ولكن يكون غيرهم أكثر منهم صحبة ومخالطة، فتكون له ميزة عليهم حتى ولو كانوا من الصحابة، فإن من يكون مخالطاً له وملازماً له تكون له منزلة أكبر ممن رآه مجرد رؤية أو التقى به مجرد لقاء، وإن كان الكل قد تشرف بصحبة النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن من طالت صحبته وكثرت ملازمته لا شك أن له ميزة على غيره. قوله: [ فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله عليه وسلم ]. أي: يتبركون به، وهذا ليس فيه دلالة على التبرك، وإنما يدل على كونهم يحتفون به ويهتمون به، وإلا فإنه لا يتبرك بأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكونهم يتمسحون به أو يتبركون به وما إلى ذلك فهذا لا يكون، ولا يوجد شيء يدل على هذا، وإنما المراد أنهم يطيفون به ويأتون حوله ويتصلون به ويلتقون به، ويلازمونه، وذلك لمنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان الصحابة يتبركون بشعر الرسول عليه الصلاة والسلام ومخاطه وعرقه وفضل وضوئه وما كانوا يفعلون ذلك مع أحد بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما فعلوا ذلك مع أبي بكر و عمر و عثمان و علي وهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، فالخلفاء الراشدون المهديون ما كان الصحابة يعاملونهم كما يعاملون النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يتبركون بهم كما كانوا يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يأخذون شعورهم ولا يمسحون عرقهم، ولا يأخذون مخاطهم وبصاقهم، وإنما هذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا ذكر الشاطبي إجماع الصحابة على أن ذلك إنما هو للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم ما فعلوا ذلك مع خيار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث قتل الرجل الذي أعرس بامرأة أبيه


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا خالد بن عبد الله ]. هو خالد بن عبد الله الطحان الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مطرف ]. هو مطرف بن طريف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الجهم ]. هو سليمان بن الجهم ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله عنهما، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (...بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن قسيط الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال: (لقيت عمي ومعه راية فقلت له: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله) ]. أورد أبو داود حديث عم البراء بن عازب رضي الله عنه، وهو أنه أخبر البراء أن الرسول بعثه ومعه راية، وأن مهمته أن يضرب عنق رجل نكح امرأة أبيه ويأخذ ماله، فقيل -يعني: في هذا-: كونه يأخذ ماله فيه احتمال أن يكون مرتداً، وأن يكون ماله فيئاً، وأنه يقتل ويؤخذ ماله؛ وذلك لأنه فعل هذا الأمر الذي هو في غاية الحرمة والقبح، وقد وصفه الله تعالى أنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، وهو من أخطر الجرائم، ويحتمل أن يكون أخذ ماله من باب العقوبة.
تراجم رجال إسناد حديث: (...بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه...)


قوله: [ حدثنا عمرو بن قسيط الرقي ]. عمرو بن قسيط الرقي ، صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا عبيد الله بن عمرو ]. هو عبيد الله بن عمرو الرقي ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أبي أنيسة ]. زيد بن أبي أنيسة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن البراء ]. يزيد بن البراء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه البراء رضي الله عنه. [ قال: لقيت عمي ومعه راية ]. قال الحافظ : إن عمه لم يسم ولا يعرف، وقد جاء في بعض الروايات أنه خاله وقال: إن خاله هو أبو بردة بن نيار .
الأسئلة



عدم التفريق بين البكر والمحصن في نكاح المحارم


السؤال: هل يفرق بين المحصن والبكر في نكاح المحارم؟ الجواب: لا يفرق في قتلهما.

حكم رواية أنه يخمس مال من أعرس بأحد محارمه


السؤال: جاءت رواية أنه يخمس ماله فما حكمها؟ الجواب: جاءت لكن ما أدري عن صحتها شيئاً، قال في عون المعبود: وذكر النسائي في سننه من حديث عبد الله بن إدريس حدثنا خالد بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة عن أبيه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله). وهذا يدل على أنه فيء، يعني: الذي مر في الرواية السابقة عند أبي داود أنه قتله وأخذ ماله يعني: أنه كان فيئاً، ومعنى هذا: أنه ردة.

تخميس مال الناكح امرأة أبيه يدل على الاستحلال


السؤال: هل هذا الفعل يعتبر كفراً مخرجاً من الملة إذ التخميس يدل على استحلال الشيء؟ الجواب: نعم، التخميس يدل على أن هذا القتل إنما هو لكفره؛ لأن كونه يخمس ماله كما يخمس الفيء، والفيء: هو ما يحصل من الكفار ولا يحصل من المسلمين.

دلالة الحديث على كفر الناكح محارمه بالفعل


السؤال: هل حكم عليه بالتكفير بالفعل فقط؟ الجواب: الظاهر أنه كفر بالفعل، ويمكن أن يكون الاستحلال موجوداً، كونه عقد على شيء معلوم ومعروف أنه لا يحل، وأن هذا شيء ليس من الأمور التي تخفى، وهي واضحة جلية فيكون ذلك يدل على استحلاله.
ما جاء في الرجل يزني بجارية امرأته


شرح حديث الرجل الذي وقع على جارية امرأته


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يزني بجارية امرأته. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم: (أن رجلاً يقال له: عبد الرحمن بن حنين وقع على جارية امرأته، فرفع إلى النعمان بن بشير وهو أمير على الكوفة فقال: لأقضين فيك بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة، وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة، فوجدوه قد أحلتها له فجلده مائة). قال قتادة : كتبت إلى حبيب بن سالم فكتب إلي بهذا ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [باب في الرجل يزني بجارية امرأته]، والزنا حصل منه بمملوكة لزوجته وليست ملكاً له، فوطئ ما لا يحل له وطؤه وهو أمة زوجته، وقد أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: (أنه جيء برجل يقال له: عبد الرحمن بن حنين وطئ جارية زوجته فقال له: لأقضين فيك بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم). قوله: [ (إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة) ]. لأنه محصن، والمحصن حكمه الرجم بالحجارة؛ لأنه قد زنى، وقال: إنها إن أذنت له وأحلتها له فإنه يجلده مائة جلدة يعني: عقوبة ونكالاً، لكن الحديث ضعيف وغير ثابت، والحكم فيمن يزني بأمة زوجته أنه كزناه بغيرها؛ لأن كل زنا رجل محصن فحده الرجم، وإن كان بكراً جلد، لكنه هنا قال: زوجته، وهذا يتصور فيما لو كان عقد على زوجته ولم يدخل بها ولها أمة فوطئها.
تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي وقع على جارية امرأته

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وهو ثقة، أخرجه له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن عرفطة ]. خالد بن عرفطة ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . [ عن حبيب بن سالم ]. حبيب بن سالم لا بأس به، وهو بمعنى صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
حديث الرجل الذي وقع على جارية امرأته من طريق ثانية، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي بشر عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير: (عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل يأتي جارية امرأته قال: إن كانت أحلتها له جلد مائة، وإن لم تكن أحلتها له رجمته) ]. أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر هو الملقب غندر البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بشر ]. هو ابن أبي وحشية جعفر بن إياس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد بن عرفطة عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير ]. وقد مر ذكرهم.
شرح حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته، إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها، فإن كانت طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلها) ]. أورد أبو داود حديث سلمة بن المحبق رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل وقع على جارية زوجته: إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها) أي: هي تعتق وعليه أن يعوض سيدتها التي هي زوجته بمثلها. وإن كانت طاوعته فهي له ولسيدتها عليه مثلها. معناه: أنها خرجت من ملك زوجته في الحالتين، إلا أنها في الحالة الأولى صارت حرة، وفي الحالة الثانية صارت ملكاً له، ويعوض زوجته عنها في كلا الحالتين، والحديث غير صحيح؛ لأن فيه رواية قتادة عن الحسن ، وكل منهما مدلس.
تراجم رجال إسناد حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن الحسن ]. قتادة مر ذكره. و الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة ]. هو قبيصة بن حريث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سلمة بن المحبق ]. سلمة بن المحبق رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد و عمرو بن دينار و منصور بن زاذان و سلام عن الحسن هذا الحديث بمعناه، لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. أورد أبو داود هذا السند المعلق، أن هؤلاء الأربعة رووه عن الحسن بمعناه ولم يذكروا قبيصة كما في الإسناد الأول، وإنما ذكروا الحسن عن سلمة بن المحبق . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومنصور بن زاذان ]. منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سلام ]. هو سلام بن مسكين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الحسن هذا الحديث بمعناه لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. يعني: والآخران ذكروه وهما: عمرو بن دينار و سلام بن مسكين.
حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها من طريق ثانية، وتراجم رجاله


قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد صالح المصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن الحسن ]. قتادة مر ذكره. و الحسن هو ابن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة ]. هو قبيصة بن حريث، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن سلمة بن المحبق ]. سلمة بن المحبق رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد و عمرو بن دينار و منصور بن زاذان و سلام عن الحسن هذا الحديث بمعناه، لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. أورد أبو داود هذا السند المعلق، أن هؤلاء الأربعة رووه عن الحسن بمعناه ولم يذكروا قبيصة كما في الإسناد الأول، وإنما ذكروا الحسن عن سلمة بن المحبق . [ قال أبو داود : روى يونس بن عبيد ]. يونس بن عبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عمرو بن دينار ]. عمرو بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومنصور بن زاذان ]. منصور بن زاذان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سلام ]. هو سلام بن مسكين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن الحسن هذا الحديث بمعناه لم يذكر يونس و منصور : قبيصة ]. يعني: والآخران ذكروه وهما: عمرو بن دينار و سلام بن مسكين.
شرح حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن حسين الدرهمي حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه إلا أنه قال: (وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنها إن طاوعته فهي ومثلها لسيدتها. قوله: [ (فهي ومثلها من ماله لسيدتها) ]. فهي ومثلها من ماله يعني: مثلها تشترى من ماله، ومعناه: أنها باقية لسيدتها ومثلها أيضاً لسيدتها، يعني: أمتها في ملكها وحصل لها زيادة أمة أخرى ألزم بها زوجها بسبب هذا العمل، وكل ما ورد في هذا الباب غير صحيح.
تراجم رجال إسناد حديث القضاء على من وقع على جارية امرأته أن يعوض سيدتها من طريق ثالثة


قوله: [ حدثنا علي بن حسين الدرهمي ]. علي بن حسين الدرهمي صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد عن قتادة ]. سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و قتادة مر ذكره. [ عن الحسن عن سلمة بن المحبق ]. الحسن و سلمة بن المحبق قد مر ذكرهما.
ما يترتب على من وقع على جارية امرأته


إذا وقع الرجل على جارية زوجته فإنه كالوقوع على امرأة أجنبية إما أن يرجم أو يجلد إذا كان عقد على زوجته ولم يدخل بها والجارية هي أجنبية ليست ملكه ولا زوجة له، وهذه تعتبر شبهة لكن ليست شبهة قوية حتى تدرأ الحد، يقول الخطابي : وقد روي عن عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إيجاب الرجم على من وطئ جارية امرأته، وبه قال عطاء بن أبي رباح و قتادة و مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق. وهذا بناء على أنه كالزنا بأي امرأة، يعني: باعتباره متزوج ووقع على جارية امرأته والغالب ما دام أن له زوجة أنه يكون محصناً؛ لأنه يندر أن يكون عقد عقداً ولم يحصل دخول على أثره، فالعلماء ذكروا المسألة على اعتبار أنه محصن، ولكنه يتصور بأن يكون غير محصن؛ لأنه لم يتزوج من قبل، وهذا أول زواج له ولم يطأ زوجته ولم يستمتع بها.
ما جاء فيمن عمل عمل قوم لوط



شرح حديث (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن عمل عمل قوم لوط. حدثنا عبد الله بن محمد بن علي النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) ]. وهذه الترجمة تتعلق بعمل قوم لوط، وهو من أعظم الفواحش وأخطرها، والله عز وجل عاقب تلك الأمة التي ابتليت بذلك البلاء بعقوبة شديدة وعظيمة، وهي أنه رفعت أرضهم وقلبت، وجعل عاليها سافلها، وأهلكهم الله بذلك، فهو جرم من أعظم الجرائم وأكبر المعاصي. وحكمه أنه يقتل كما جاء في حديث ابن عباس : (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)، والقتل للاثنين يكون إذا كانا متطاوعين، وأما إذا كان المفعول به مكرهاً فإنه معذور ولا شيء عليه. واللفظ جاء فيه الأمر بالقتل وهو مطلق، فيقتل بأي قتلة، وبعض العلماء قال: إن الله عاقب أولئك بتلك العقوبة فإنه يعاقب بمثل هذا، وعلى كل الحديث جاء بالأمر بالقتل وأنه تنهى حياته وهو لفظ مطلق.
تراجم رجال إسناد حديث (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد بن علي النفيلي ]. عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن أبي عمرو ]. عمرو بن أبي عمرو ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يقاس السحاق على اللواط؛ لأن اللواط لو حصل شيء منه بدون إيلاج وإنما بمس ومباشرة فصاحبه يعزر، ولكن لا يصير التعزير إلى القتل، والسحاق كما هو معلوم ليس فيه شيء من هذا، كما أن الاستمتاع بما دون الفرج ليس فيه حد، وإنما فيه التعزير.

حديث (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)

[ قال أبو داود : رواه سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو مثله ]. سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و عمرو بن أبي عمرو مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس رفعه ]. عباد بن منصور صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. وقوله: (رفعه) يعني: أتى بلفظ رفعه، ولم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهما معناهما واحد، ولكن هذا من الدقة في العناية بالألفاظ، وقد يكون أنه يؤتى بكلمة (رفعه) من أجل أنه غير متحقق من الصيغة هل هي (سمعت)، أو (قال)، أو (عن)؟ فيأتي بلفظ يشمل ويصدق على الجميع وهي كلمة: (رفعه)؛ لأنه قد يكون المقصود الاختصار، وقد يكون المقصود هو عدم ضبط الصيغة التي حصلت في نسبة ذلك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن كلمة (رفعه) تصدق على جميع الصيغ. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن جريج عن إبراهيم عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رفعه ]. عبد الملك بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن محمد بن يحيى الأسلمي ، وهو متروك، أخرج له ابن ماجة . [ عن داود بن الحصين ]. داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس مر ذكرهما.
شرح أثر ابن عباس في رجم البكر الذي يؤخذ على اللوطية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن خثيم قال: سمعت سعيد بن جبير و مجاهداً يحدثان عن ابن عباس رضي الله عنهما: في البكر يؤخذ على اللوطية قال: يرجم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس أنه سئل في البكر يؤخذ على اللوطية؟ يعني: أنه ليس بثيب وإنما هو بكر فقال: يرجم، يعني: يعامل البكر والثيب معاملة واحدة؛ لأن هذه فاحشة عظيمة، وهذا يوضح أن قوله: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط) أن المقصود بذلك عدم التفريق بين البكر والثيب، وأنهم كلهم يعاملون هذه المعاملة الواحدة.
تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في رجم البكر الذي يؤخذ على اللوطية


قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ]. هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بابن راهويه ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . وكلمة (راهويه) المحدثون يأتون بالواو ساكنة والياء مفتوحة: راهُوْيَه وأهل اللغة يقولون: رَاهَوَيه يعني: مختوم بكلمة: (ويه)، يعني: ذاك استعمال المحدثين وهذا استعمال أهل اللغة. [ حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن خثيم ]. عبد الرزاق و ابن جريج مر ذكرهما، وابن خثيم هو عبد الله بن خثيم ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: سمعت سعيد بن جبير و مجاهداً ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و مجاهد بن جبر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. قد مر ذكره.

ما جاء فيمن أتى بهيمة


شرح حديث (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن أتى بهيمة. حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)، قال: قلت له: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها، وقد عمل بها ذلك العمل. قال أبو داود : ليس هذا بالقوي ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [باب فيمن أتى بهيمة]، أي: ما هي عقوبته؟ وعقوبته قال بعض أهل العلم: أنه يقتل كما جاء في الحديث، وأكثر أهل العلم قالوا: يعزر ولا يقتل، ويستدلون على ذلك بما جاء بعده عن ابن عباس نفسه أنه قال: (ليس عليه حد) فيكون المقصود بذلك أنه لو كان ثابتاً عن ابن عباس أن حد من أتى البهيمة يقتل لما قال هذا الأثر الذي ثبت عنه، وهو أنه ليس عليه حد، فيحتمل أن يكون هذا القتل إنما هو من باب التعزير، وأنه إذا رؤي يفعل ذلك فيعزر ولو وصل التعزير إلى القتل فإنه يعزر بذلك، ومعلوم أن التعزير قد يصل إلى القتل وقد يكون دونه، فيكون ما جاء عن ابن عباس من قوله: (ليس عليه حد) معناه: أن القتل، لا حداً وإنما تعزيراً، فيجمع بين ما جاء عن ابن عباس من أنه ليس هناك حد وبين ما جاء عنه في هذا الحديث الذي فيه الرفع، وأنه يقتل وتقتل البهيمة معه، أن المقصود بذلك تعزيراً وليس من قبيل الحد، والحد قد يصل إلى التعزير وقد يقل عن التعزير كما قيل فيما يتعلق بشارب الخمر، وأنه يقتل في المرة الرابعة ويكون قتله من قبيل التعزير. قوله: [ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه) قال: قلت له: ما شأن البهيمة؟ ]. يعني: هذا شأنه واضح، وأما البهيمة فهي غير عاقلة، وغير مكلفة، والذي فعل بها هو الذي حصلت منه الجناية فما ذنبها؟ قال: ما أراه إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد فعل بها هذا الفعل، وبعض أهل العلم قال: لئلا يحصل حمل بسببه فيكون على هيئة أخرى وعلى شكل آخر يعني: متولداً من آدمي وبهيمة، كما يحصل التوالد بين الحيوان والحيوان فيكون جنساً آخر، كما في البغل، فذكر في التعليل ما ذكر، وقيل بذلك التعليل الآخر الذي ذكره بعض أهل العلم.
رجال إسناد حديث (من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه...)


قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ]. هذا الإسناد هو نفس الإسناد الذي مر تماماً في الباب الذي قبله عن محمد النفيلي عن عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس ، هو نفس هذا الإسناد. [ قال أبو داود : ليس هذا بالقوي ]. ما أدري هل يقصد أبو داود بقوله: ليس هذا بالقوي التعليل الذي جاء في الآخر، أم أنه يقصد الحديث نفسه، وأن سبب ذلك ما جاء من كون ابن عباس قال: (ليس عليه حد)، وقال أيضاً: إن حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو الذي هو هذا، وحديث عاصم الذي سيأتي بعد هذا أنه ليس عليه حد يعني: كون ابن عباس قال: (ليس عليه الحد) وهو الذي روى هذا الحديث، فيدل على أنه ليس عليه حد وأنه يمكن أن يحمل على التعزير، وسواءً بلغ القتل أو دون القتل فهو يكون تعزيراً للفاعل. وأما البهيمة فمن هذا التعليل الذي ذكروه أنه لئلا يؤكل لحمها وهي قد فعل بها ذلك، أو لئلا يحصل بسبب ذلك نسل يختلف شكله عن شكل الآدمي. أما التعليل الأول فهو خاص بمأكول اللحم، وأما غير مأكول اللحم فإنه لا يؤكل كالأتان وغيرها من الأشياء التي لا تؤكل.
شرح أثر (ليس على الذي يأتي البهيمة حد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس أن شريكاً و أبا الأحوص و أبا بكر بن عياش حدثوهم عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد ]. ورد هذا الأثر عن ابن عباس قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد، ومعنى ذلك: أنه يكون عليه التعزير.
تراجم رجال إسناد أثر (ليس على الذي يأتي البهيمة حد)


قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن شريكاً ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و أبا الأحوص ]. هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبا بكر بن عياش ]. أبو بكر بن عياش ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن أبي النجود ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وروايته في الصحيحين مقبولة. [ عن أبي رزين ]. هو مسعود بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره رضي الله عنه.

أقوال بعض التابعين فيمن يأتي البهيمة


[ قال أبو داود : وكذا قال عطاء ]. يعني: أنه ليس عليه حد. قوله: [ وقال الحكم : أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد ]. ولا يبلغ به الحد الذي هو القتل، ولكن -كما عرفنا- التعزير قد يوصل به إلى القتل. قوله: [ وقال الحسن : هو بمنزلة الزاني ]. يعني: يعامل معاملة الزاني، معناه: إذا كان بكراً يجلد، وإذا كان محصناً يرجم.
التعليق على قول أبي داود بتضعيف حديث عاصم لحديث ابن أبي عمرو في إتيان البهيمة


[ قال أبو داود : حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو ]. حديث عاصم هذا الذي هو موقوف يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو المرفوع؛ لأنه لو كان ذلك ثابتاً ما كان لابن عباس أن يقول: ليس على الذي يأتي البهيمة حد؛ ولكن يمكن أن يكون أنه ثابت وباق وأن القتل يكون تعزيراً لا حداً. وهذا الأمر يرجع إلى اجتهاد القاضي؛ لأن الناس يكونون متفاوتين في هذا، فقد يكون هناك إنسان حصلت منه مرة واحدة، وقد يكون هناك إنسان معروف بكثرة الفساد وكثرة فعل هذه المعصية، وما دام أن القضية تعزير فالتعزير يتفاوت، وليس الناس على حد سواء في التعزير. وأما البهيمة فإذا كان الحديث ثابتاً فإن البهيمة تقتل من أجل السلامة مما ذكر، ولئلا تبقى وهي قد فعل بها هذه الفاحشة، وإن كان على ما ذكر أبو داود أنه يضعفه فتبقى، لكنه من حيث الإسناد هو صحيح، وكل أحاديث الباب صححها الألباني رحمه الله."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-07-2025, 02:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [498]
الحلقة (529)




شرح سنن أبي داود [498]

ماعز بن مالك الأسلمي صحابي من صحابة رسول الله، زلت قدمه في معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، وهي الزنا، ولكنه لم تهدأ نفسه حتى جاء إلى رسول الله تائباً معترفاً بجريرته، وأبى إلا أن يطهره رسول الله بإقامة الحد عليه، فأمر به رسول الله فرجم فمات تائباً رضي الله تعالى عنه.

ما جاء في رجم ماعز بن مالك



شرح حديث رجم ماعز بن مالك


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رجم ماعز بن مالك. حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن هشام بن سعد قال: حدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه قال: (كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً، فأتاه فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، حتى قالها أربع مرار، قال صلى الله عليه وسلم: إنك قد قلتها أربع مرات فبمن؟ قال: بفلانة، فقال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم. قال: هل باشرتها؟ قال: نعم. قال: هل جامعتها؟ قال: نعم. قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة، فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه، فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه) ]. سبق لأبي داود رحمه الله أن أورد قبل هذا باب الرجم، وأورد جملة من الأحاديث المختلفة المتعددة عن جماعة من الصحابة في بيان الرجم وحكمه، وأنه ثابت في كتاب الله في القرآن الذي نسخ لفظه وبقي حكمه، وكذلك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله في قضايا متعددة، ولما كان من جملة من اشتهر في الرجم ماعز رضي الله عنه وكذلك الغامدية رضي الله عنها، فقد أفرد كلاً منهما بترجمة، وأورد الأحاديث المختلفة المتعلقة بما حصل منهما وكذلك رجمهما، وما جرى من الأمور التي حصلت قبل ذلك وبعد ذلك. فقال: [ باب رجم ماعز بن مالك ] أي: ما ورد فيه من الأحاديث، وقد أورد أبو داود عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة كلها تحكي قصة رجم ماعز رضي الله تعالى عنه، وما جرى قبل رجمه من اعترافه وطلب تطهيره، وما جرى في رجمه، وكيف انتهى أمره! فأورد أبو داود حديث نعيم بن هزال رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن ماعزاً كان يتيماً في حجر أبي وأنه زنى بجارية من الحي أي: أمة من الحي أو من القبيلة فقال له هزال رضي الله عنه: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بالذي حصل، وكان يريد من وراء ذلك رجاء أن يكون له مخرج مما قد حصل له، فجاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأخبره بالذي حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله عدة أسئلة للتحقق من حصول الجماع، وحصول الزنا حقيقة، وأنه في الفرج، وأنه ليس مجرد لمس ولا نظر، وإنما هو الجماع الحقيقي، فعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برجمه، وذهبوا يرجمونه، ولما أصابته الحجارة وحصل له الوجع من الرمي بها جزع وهرب، ولقيه عبد الله بن أنيس وأخذ وظيفاً -أي: عظماً- من ساق بعير أو حيوان فرماه به فقتله. قوله: [ عن نعيم بن هزال قال: (كان ماعز بن مالك يتيماً في حجر أبي، فأصاب جارية من الحي فقال له أبي: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر ذلك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرجاً) ]. هذه كلمة: (أن يكون له مخرجاً) الأصل: أن يكون له مخرج؛ لأن كان وأخواتها إذا جاء الخبر جاراً ومجروراً فإنه يكون الاسم الذي بعده مرفوعاً، على عكس إن وأخواتها فإنه إذا جاء الجار والمجرور يكون الاسم بعد ذلك منصوباً، وهنا جاء مخرجاً منصوباً، والأصل أن يكون مرفوعاً، وسواءً قيل: إن كان تامة أو ناقصة؛ لأنها إن كانت تامة فيكون مخرج هو الفاعل، وإن كانت ناقصة يكون اسمها مؤخر وخبرها جار ومجرور مقدم. وقال الطيبي : اسم كان يرجع إلى المذكور وخبره مخرجاً. و(له) ظرف لغو كما في قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، والمعنى: يكون إتيانك وإخبارك رسول الله صلى الله عليه وسلم مخرجاً لك. فإذا كان المقصود به شيء مقدر بمعنى: يكون إتيانك مخرجاً فهو سائغ. قوله: [ (فأتاه فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، فعاد فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله حتى قالها أربع مرار) ]. ذكر أنه قال ذلك أربع مرات، وجاء في بعضها مرتين، وفي بعضها ثلاث مرات، وأعلى ما جاء هو أربع مرات، ولهذا اختلف العلماء هل لابد من الاعتراف أربع مرات، كما أن الشهود يكونون أربعة، فإذا لم يوجد شهود يكون الاعتراف أربع مرات؟ فمن العلماء من قال بذلك، وأن الروايات جاءت متعددة، وكلها فيها أربع مرات، وفي بعضها أنه شهد على نفسه أربع مرات، قالوا: فيكون الإقرار أربع مرات، وذهب إلى هذا كثير من أهل العلم، وبعضهم قال: إنه يكفي الاعتراف مرة واحدة، وإنما حصل التكرار من أجل التحقق والاستثبات، وليس المقصود من ذلك أنه لابد من الاعتراف أربع مرات، ولا شك أن القول بحصول التكرار أو اعتبار ذلك أربع مرات هو الأحوط؛ لأنه سواءً كان أريد به التحقق أو أريد به أنه مقصود، فالإتيان به أربع مرات لا شك أن هذا فيه الاحتياط والسلامة وقطع الشك باليقين. قوله: [ قال صلى الله عليه وسلم: (إنك قد قلتها أربع مرار فبمن؟ قال: بفلانة) ]. قالوا: ويؤيد ذلك أنه قال: إنك قد قلتها أربع مرات، فكونه ذكر أربع مرات وكرر أربع مرات وقال: قلت أربع مرات، عند ذلك أراد أن يزداد تحققاً قال: بمن؟ يعني: حصل الزنا بمن؟ وهذا يدل على أنه لا بأس بالسؤال عن المزني بها، وهذا للتحقق، ولكن اعتراف الزاني لا يثبت حقاً عليها، بل لابد من اعترافها، ولهذا كما جاء في أحاديث صاحب العسيف الذي قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، ثم بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واغد يا أنيس ! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها). قوله: [ (بفلانة) ]. يعني: فيه إبهام وعدم تسمية في الرواية، وإلا فإنها قد سميت وقد سماها فلانة، ولكن في الرواية أتوا بها مكناة دون أن يفصح عن اسمها. قوله: [ (قال: هل ضاجعتها؟ قال: نعم، قال: هل باشرتها؟ قال: نعم) ]. يعني: أنت كنت وإياها في فراش وصرت ضجيعاً لها، والضجيع: هو الذي ينام بجوار من يضاجعه ومن يبيت معه، فيكون معه في فراش واحد فيكون قريباً منه، وقد يلتصق به، ثم زاد فقال: (هل باشرتها؟) يعني: مست بشرتك بشرتها، ثم بعد ذلك قال: نعم. قال: (هل جامعتها؟) يعني: حصل الجماع، قال: نعم. وسؤاله له هذه الأسئلة لأنه خشي أن يكون ظن ما ليس بزنا زنا كما جاء في الحديث: (العين تزني وزناها النظر) وهكذا، فقد يظن أن مثل ذلك يعتبر زنا، وأنه يستحق عليه إقامة الحد، فأراد أن يتبين أن ما حصل منه أنه الجماع الذي يستحق عليه إقامة الحد، وأنه ليس شيئاً مما هو دون الزنا الذي لا يستحق معه حداً كأن يكون قبلها أو باشرها ولم يحصل منه جماع، أو استمتع بها فيما دون الفرج، فإن هذا لا يوجب حداً، وإنما يوجب تعزيراً وعقوبة. قوله: [ (فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة ) ]. فأمر به فأخرج إلى الحرة، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه إلى المصلى، وفي بعضها إلى البقيع، والمقصود بذلك المصلى الذي عند البقيع، وهو مصلى الجنائز الذي كانوا يصلون فيه على الجنازة يعني: بين المسجد وبين البقيع، وهنا جاء ذكر الحرة، ويجمع بينها أنه ذهب به المصلى وأنه هرب، وأنهم لحقوه فيكون ذكر الحرة ليس ابتداء في الرجم، وإنما هو في المكان الذي جاءت الأحاديث بذكره وهو المصلى أو البقيع، وذكر الحرة فيما آل إليه الأمر، وأنه هرب والناس تبعوه حتى وصل إلى الحرة. قوله: [ (فلما وجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد) ]. يعني: شدتها وألم الرمي بالحجارة عليه هرب يشتد، يعني: يجري ويركض بسرعة هارباً، وهذا يفيد بأنهم ما ربطوه ولا حفروا له حفرة؛ لأنه لو كان مربوطاً ما استطاع أن يهرب، ولو كان لما استطاع أن يهرب. قوله: [ (فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له بوظيف بعير) ]. وقد عجز أصحابه أي: الذين لحقوه أن يدركوه. قوله: [ (فنزع له بوظيف بعير فرماه به فقتله) ]. يعني: عظم ساق البعير، فرماه به أو حذفه به فأصابه وقتله. قوله: [ (ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه؟) ]. يعني: أنه إذا كان هرب أو اعتذر بشيء أنه يترك، ولعله حصلت عنده شبهة تدرأ الحد بأن يبينها ثم بينها فيما بعد. قوله: [ (فيتوب الله عليه) ]. يعني: معلوم أنه جاء تائباً وطلب التطهير، فالتوبة موجودة. قوله: [ (لعله أن يتوب فيتوب الله عليه)]، يعني: كونه يتوب فيتوب الله عليه سيأتي في بعض الأحاديث ما يدل على أنه حصل على خير، ومعلوم أن الحد كفارة وأن من حصل له الحد في الدنيا لا يعاقب على هذه الجريمة في الآخرة، وإنما إذا لم يحد في الدنيا وستره الله عز وجل ولم يتب فإن أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه. وعلى هذا فيكون قوله: (يتوب فيتوب الله عليه) معناه: أنه يحصل له سلامة من القتل بالتوبة فالتوبة موجودة من قبل، وهو الذي طلب أن يرجم، وطلب أن يقام عليه حكم الله، وأن يحصل له التطهير بذلك، فتكون هذه الجملة فيها نكارة من جهة أن التوبة موجودة وأنه قد حصل على السلامة من مغبة هذه الجريمة بإقامة الحد عليه، ولكن لعل المقصود من ذلك أنه يحصل له شيء يسلم به من القتل. ومعلوم أن من أخذ ثم قال: إنه تائب ما ي

تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك


قوله: [ حدثنا محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: حدثني يزيد بن نعيم بن هزال ]. يزيد بن نعيم بن هزال مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو نعيم بن هزال ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي .
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: (حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا تركتموه؟ من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم، قال: ولم أعرف هذا الحديث قال: فجئت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقلت: إن رجالاً من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: ألا تركتموه؟! وما أعرف الحديث قال: يا ابن أخي! أنا أعلم الناس بهذا الحديث، كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم! ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي، فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال: فهلا تركتموه وجئتموني به، ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في قصة رجم ماعز ، وأن حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب المشهور بابن الحنفية قال: إنه حدثني من لا أتهم من أسلم الذين هم قوم ماعز أنه جاء في الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم: (ألا تركتموه؟) وأنه ما عرف وجه الحديث فقال له جابر : (أنا عندي العلم في هذا، وإنني كنت فيمن رجمه، وإننا لما رجمناه صرخ وقال: ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي عملوا كذا وكذا فقتلناه، فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ألا تركتموه؟) ثم بين جابر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: (ألا تركتموه؟) يقصد من وراء ذلك الاستثبات والتحقق من أمره، أو يذكر شيئاً يعذر به، ويدرأ به الحد، (أما لترك الحد فلا) يعني: أن يقول الرسول: (هلا تركتموه؟) معناه: بدون حد وأنه لا يقام عليه حد، فهذا ليس بمقصود، وإنما الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (ألا تركتموه؟) أي: حتى يتحقق من أمره ويستثبت وأنه ربما يرجع عن إقراره أو يذكر شيئاً يكون عذراً له في عدم إقامة الحد عليه. أما كونه يترك ولا يقام عليه حد فهذا لا يكون، وهذا هو الذي فهمه جابر بن عبد الله رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تركتموه؟)، حيث فهم أن المقصود الاستثبات، وليس المقصود من ذلك ترك الحد. قوله: [ عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي: حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: (حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا تركتموه) ]. ولم يعرف وجه الحديث، فجاء حسن بن محمد بن علي إلى جابر وأخبره فقال: أنا الذي كنت شاهداً، فصار الحديث عن جابر رضي الله عنه، وهو الذي يحدث بهذا الحديث وبهذا الذي ذكر أنه سمعه ممن لا يتهم من أسلم الذين هم قوم وقبيلة ماعز ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك، وقال: (ألا تركتموه؟) وأنه يقصد من وراء ذلك الاستثبات، لا ترك الحد؛ لأنه هرب أو قال: اتركوني. قوله: [ قال: (حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا تركتموه؟ من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم) ]. (من شئتم) هذا فاعل حدثني، يعني: من تريدون ممن هو من أهل الثقة والعدالة ممن لا يتهمون، ولكنه ما وقف عند هذا، وإنما ذهب إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه وحدثه بالحديث فصار الحديث متصلاً عن جابر رضي الله عنه وفيه وجه الترك. قوله: [ (قال: ولم أعرف هذا الحديث قال: فجئت جابر بن عبد الله فقلت: إن رجالاً من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته: ألا تركتموه؟) ]. المقصود هذه الجملة: (ألا تركتموه؟) ولهذا قال في الأول: (من لا أتهم) في الحديث أنه قال: (ألا تركتموه؟). قوله: [ (وما أعرف الحديث، قال: يا ابن أخي! أنا أعلم الناس بهذا الحديث كنت فيمن رجم الرجل، إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم! ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي) ]. معناه: أنه فهم هذا من قولهم: (لعله يستغفر لك) كما مر في حديث ابن هزال الذي قيل له فيه: اذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال: فهلا تركتموه وجئتموني به؟ ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فأما لترك حد فلا، قال: فعرفت وجه الحديث) ].
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية


قوله: [ حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة ]. هو عبيد الله بن عمر بن مسيرة القواريري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة ]. هو عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني حسن بن محمد بن علي ]. حسن بن محمد بن علي أبوه محمد بن علي بن أبي طالب المشهور بابن الحنفية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد -يعني الحذاء - عن عكرمة عن ابن عباس : (أن ماعز بن مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه زنى فأعرض عنه، فأعاد عليه مراراً فأعرض عنه، فسأل قومه: أمجنون هو؟ قالوا: ليس به بأس، قال: أفعلت بها؟ قال: نعم. فأمر به أن يرجم، فانطلق به فرجم، ولم يصل عليه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ماعزاً جاء واعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بأنه زنى، وأنه أعرض عنه، وأن ماعزاً كرر قوله مراراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما كرر ذلك عليه سأل قومه وقال: (هل تعلمون به جنون؟) بمعنى: أنه في عقله خلل، وأن هذا الذي حصل منه لكونه غير سليم العقل، وأنه فاقد الوعي، فقالوا: إنهم لا يعلمون بشيء من ذلك، ثم فقال له في الأخير: أفعلت؟ قوله: [ (فقال: إنه زنى فأعرض عنه، فأعاد عليه مراراً فأعرض عنه، فسأل قومه: أمجنون هو؟ قالوا: ليس به بأس، قال: أفعلت بها؟ قال: نعم) ]. يعني: أزنيت بها؟ وهذا إجمال للفعل، ولكنه جاء توضيحه بأنه جامعها كما ذكر في الحديث الأول: هل ضاجعتها؟ هل باشرتها؟ هل جامعتها؟ قوله: [ (قال: فانطلق به فرجم ولم يصل عليه) ]. لم تترك الصلاة عليه مطلقاً، ولكنه صلى الله عليه وسلم هو الذي ترك الصلاة عليه، فلم يصل عليه صلى الله عليه وسلم، ولكن جاء في بعض الروايات أنه صلى عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-07-2025, 02:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة


قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد ]. يزيد بن زريع مر ذكره. و خالد هو ابن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قصيراً أعضل، ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك قبلتها؟ قال: لا والله إنه قد زنى الآخر، قال: فرجمه ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه في قصة ماعز رضي الله عنه، وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترف مراراً بأنه قد زنى. قوله: [ (رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قصيراً أعضل ليس عليه رداء) ]. يعني: هذا وصف لماعز أنه رجل قصير، ليس بالطويل، أعضل يعني: مشتد العضلات، أو عنده عضلات قوية، فهذا هو المقصود بالأعضل. قوله: [ (ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه قد زنى) ]. يعني: شهد على نفسه بأن قال: إني زنيت ويكررها أربع مرات. قوله: [ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلعلك قبلتها؟ قال: لا والله إنه قد زنى الآخر) ]. يعني: اعتبر أن التقبيل زنى، أي: خشي أن يكون اعتبر ما ليس بزنى أنه زنى، كالتقبيل أو المباشرة أو اللمس أو ما إلى ذلك، ومعلوم أن الحد إنما يكون إذا حصل الجماع الذي لا خفاء فيه، والذي فيه الإيلاج، وأما ما يتعلق بالمباشرة فإن ذلك لا يكون فيه الحد، وإنما يكون فيه التعزير، ثم قال: إنه قد زنى الآخر يعني: يذم نفسه. قوله: [ (قال: فرجمه ثم خطب) ]. يعني: أمر برجمه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما باشر رجمه ولكنه أمر برجمه، ولهذا ينسب الفعل إليه؛ لكونه الآمر به وليس لكونه المباشر له، ولهذا الرسول قال: (ارجموه)، وهم ذهبوا به ورجموه، وقد مر أنه قال: ردوني إلى رسول الله، فإذاً: قوله: (رجمه) أي: أمر برجمه. قوله: [ (ثم خطب فقال: ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. خطب عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال الرجل إذا سافر للجهاد في سبيل الله ويخلف بعض الأشخاص الذين يوصونهم بأهاليهم فتحدثه نفسه بالسوء فيعطي الواحدة من نساء من سافروا للجهاد واستخلفوا ذلك الشخص الذي يكون قائماً بشئونهن ومشرفاً عليهن، وقاضياً لحوائجهن، يمنحها الكثبة يعني: المقدار من اللبن أو غيره، ثم يفعل بها الفاحشة ثم إنه قال: إن مكنني الله من أحد منهم لأجعلنه نكالاً لغيره، يعني: من حصل منه شيء من ذلك، وهذا فيه تهديد وتخويف حتى لا يقدم من تحدثه نفسه بسوء إلى فعل تلك الفاحشة التي هي من أعظم الفواحش وهي الزنا. قوله: [ (ألا كلما نفرنا في سبيل الله عز وجل خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس) ]. خلف أحدهم يعني: غيره في أهله، ولهذا جاء في الحديث: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا) معناه: أنه يقوم بالنيابة عنه في قضاء حوائجهم، والمحافظة عليهم، ودفع الشر عنهم، فيكون وكيلاً له يقوم مقامه، (يكون له نبيب كنبيب التيس) وهو الصوت الذي يحصل له من شدة الشهوة والرغبة في الجماع. قوله: [ (له نبيب كنبيب التيس يمنح إحداهن الكثبة، أما إن الله إن يمكني من أحد منهم إلا نكلته عنهن) ]. يعني: جعلته نكالاً لغيره.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق رابعة


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق خامسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة بهذا الحديث، والأول أتم، قال: (فرده مرتين) قال سماك : فحدثت به سعيد بن جبير فقال: (إنه رده أربع مرات) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه: أنه رده مرتين، وعن سعيد بن جبير قال: أربع مرات، ولعل المقصود من ذلك أن مرتين صارت مع بعض، ومرتين مع بعض، فتكون أربع مرات، فيكون الأول فيه اختصار بمعنى: أنه ذكر المرتين الأوليين دون المرتين الأخريين، فلا ينافي ما جاء من أنه رده أربع مرات، فيكون جاء بعض الرواة فذكر المرتين الأوليين وترك ذكر المرتين الأخيرتين، وبعضهم ذكر الأربع.

تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق خامسة

قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى ، الملقب الزمن ، وهو مشهور بكنيته، ولهذا يأتي ذكره عند الحافظ ابن حجر عندما يذكر الشيوخ والتلاميذ يقول: و أبو موسى ولا يقول: محمد المثنى وإنما يذكر روى عن فلان وفلان و أبي موسى ، فأبو موسى المراد به محمد بن المثنى ؛ لأنه مشهور بكنيته، ولهذا يذكر بها اختصاراً عن الاسم واسم الأب ولقبه الزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة مائتين وستة وخمسين و محمد بن المثنى توفي سنة مائتين واثنتين وخمسين ومثله في ذلك محمد بن بشار و يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فإن هؤلاء الثلاثة محمد بن المثنى و محمد بن بشار و يعقوب بن إبراهيم الدورقي من شيوخ أصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة، وهم من صغار شيوخ البخاري الذي هو أول أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن جعفر ]. محمد بن جعفر وهو الملقب بغندر البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك قال: سمعت جابر بن سمرة ]. سماك و جابر بن سمرة قد مر ذكرهما. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

أثر سماك في تعريف الكثبة الواردة في حديث رجم ماعز، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل المصري حدثنا خالد -يعني ابن عبد الرحمن - قال: قال شعبة : فسألت سماكاً عن الكثبة فقال: اللبن القليل ]. أورد أبو داود هذا الأثر المقطوع عن سماك بن حرب وأن شعبة الذي روى عنه سأله عن الكثبة ما معناها؟ فقال: اللبن القليل، وهذا يقال له: مقطوع؛ لأنه متن انتهى إلى من دون الصحابي، وكل متن ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع وهو غير المنقطع، فإن المنقطع من صفات الأسانيد، والمقطوع من صفات المتون، فسقوط بعض الرواة من الإسناد يقال له: منقطع، وأما المقطوع فهو: أن يكون الإسناد متصلاً وقد يكون منقطعاً، ولكن المقصود أنه انتهى إلى من دون الصحابي. قوله: [ حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل المصري ]. عبد الغني بن أبي عقيل المصري ثقة، أخرج له أبو داود . [ عن خالد -يعني ابن عبد الرحمن - ]. خالد بن عبد الرحمن صدوق له أوهام، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن شعبة عن سماك ]. شعبة و سماك قد مر ذكرهما.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سادسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لماعز بن مالك : (أحق ما بلغني عنك؟ قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني عنك أنك وقعت على جارية بني فلان؟ قال: نعم. فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وأنه بلغه أنه حصل منه كذا وكذا، وقد جاء هو بنفسه، يعني: يكون هو جاء بنفسه فاستوضح صلى الله عليه وسلم منه، وأن هذا الذي بلغني عنك أنه صحيح فقال: نعم، وكرر ذلك أربع مرات يطلب منه أن يطهره، فأمر برجمه عليه الصلاة والسلام. قوله: [ (فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم) ]. ويكون الجمع بين الإتيان وأنه بلغه عنه: كأنه جاء والرسول قد بلغه ذلك من قبل فقال: أحق؟ قال: نعم، وكرر ذلك يطلب منه أن يطهره، فيكون معنى ذلك أن الرسول بلغه الخبر من قبل، ولم يطلبه، ولكنه جاء بنفسه يطلب إقامة الحد عليه ويطلب تطهيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، ثم بعد ذلك شهد على نفسه أربع شهادات فأمر برجمه. قوله: [ حدثنا مسدد عن أبي عوانة عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الإسناد.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده، ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين، فقال: شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا به فارجموه) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه تفصيل المرات، وهناك سبق أن مر وقال: مرتين، وهنا قال: مرتين، ثم مرتين، فمعنى ذلك أنه جاءت مرتين على حدة مع بعض، ثم جاءت مرتين بعدها، فصار المجموع أربعاً، فلا ينافي ما جاء في بعض الروايات أنها مرتين، وفي بعضها أنها أربع؛ لأنه ذكر المرتين فيه اختصار، فلا تنافي بين ما جاء من ذكر المرتين وما جاء من ذكر الأربع، فإن بعضها ذكرت فيها الأربع مع بعض، وفي بعضها ذكرت الأربع مفرقة ثنتين ثنتين، وفي بعضها ذكرت الثنتين مختصرة، يعني: باختصار دون أن يضاف إليها المرتان الأخريان.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق سابعة


قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أحمد ]. هو محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكر الثلاثة.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثامنة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير حدثني يعلى عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ح وحدثنا زهير بن حرب و عقبة بن مكرم قالا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلى -يعني: ابن حكيم - يحدث عن عكرمة عن ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت؟ قال: لا. قال: أفنكتها؟ قال: نعم. قال: فعند ذلك أمر برجمه) ولم يذكر موسى عن ابن عباس وهذا لفظ وهب ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس من طريق أخرى، فذكر طريقين: إحداهما مرسلة، عكرمة يضيف ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، والطريق الثانية: متصلة فيها ذكر عكرمة عن ابن عباس والتحويل جاء بعد نهاية الإسناد ثم رجع إلى الإسناد الثاني من أوله. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟) ]. لما جاء إليه وقال: إنه زنى قال: (لعلك قبلت أو نظرت أو غمزت؟) يعني: لعله فهم أن ما ليس بزنا زنا، وظن أن التقبيل يكون زنا، وظن أن كونه نظر بشهوة زنا، أو كونه لمسها يكون زنا، وأنه يستحق عليه إقامة الحد، فكل ذلك يقول: لا، ثم بعد ذلك أفصح فقال: (أنكتها؟) والرسول صلى الله عليه وسلم ما كان من عادته أن يفصح، ولكنه كان يكني، ولكن لما كان الأمر فيه خطورة وشدة، والأمر ليس بالهين ذكره بالاسم الصريح، كل ذلك من أجل التحقق من أن الذنب الذي حصل يستحق عليه الرجم، وهو الزنا الحقيقي، فلهذا أمر برجمه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثامنة


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يعلى ]. هو يعلى بن حكيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. عكرمة عن النبي، وهذا مرسل؛ لأن التابعي إذا أضاف الشيء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يقال له: مرسل، وهذا اصطلاح المحدثين، وليس كما جاء في البيقونية: ومرسل منه الصحابي سقط. فلو كان الساقط صحابياً فلا يضر؛ لأنه لو ذكر الصحابي وهو مبهم فهو معتبر وحجة؛ لأن الصحابة المجهول فيهم في حكم المعلوم، والمرسل من قبيل المردود ليس من أجل أن الساقط صحابي؛ لأنه لو كان ما سقط إلا الصحابي ما فيه إشكال، ولكن كان ضعيفاً أو مردوداً أو من قبيل المردود؛ لأن الساقط يحتمل أن يكون صحابياً وأن يكون تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي يحتمل أن يكون ضعيفاً وأن يكون ثقة، فمن أجل ذلك رد المرسل، وأما لو كان السقوط للصحابي فقط فهذا لا يؤثر. وهنا الطريق الثانية بينت أن الساقط هو صحابي، وهو عبد الله بن عباس ، فإذاً: هذه الطريق المرسلة عرف الواسطة فيها، وأنه صحابي، وعلى هذا فتعريف صاحب البيقونية في أن المرسل ما سقط منه الصحابي هذا تعبير غير دقيق؛ لأن المرسل في اصطلاح المحدثين هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويحتمل أن يكون واسطته صحابياً أو تابعياً، وإذا كان تابعياً يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً, وأما الصحابي فلا يحتاج إلى أن يضاف إليه كلام، وإنما الكلام والتعديل والتجريح يكون لغير الصحابة، أما الصحابي فيكفيه شرفاً أن يقال: أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن له صحبة. وأما المرسل باصطلاح الفقهاء أو الاصطلاح العام فإنه يطلق على السقوط في الإسناد؛ لكون الراوي يروي عمن لم يعاصره أو من عاصره ولم يعرف أنه لقيه، وهذا يسمى المرسل الخفي. وأما إن روى عمن لم يعاصره فإنه يكون مرسلاً واضحاً، فهو السقوط وهو أعم، ولهذا يأتي في بعض تراجم الرجال وهم متأخرون ليسوا من التابعين يقال: يرسل، أو أرسل عن فلان، معناه: أنه يطلق الإرسال على الانقطاع. [ ح وحدثنا زهير بن حرب ]. ح التحويل أتى بها بعد نهاية الإسناد ثم رجع إلى إسناد جديد. وزهير بن حرب هو أبو خيثمة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وهو من الذين أكثر عنهم الإمام مسلم رحمه الله؛ لأنه روى عنه ألفاً ومائتي حديث، وأكثر منه عند مسلم أبو بكر بن أبي شيبة ؛ لأنه روى عنه ألفاً وخمسمائة وزيادة، فيعتبر أبو خيثمة زهير بن حرب ممن أكثر عنهم الإمام مسلم ، حيث روى عنه ألفاً ومائتي حديث وزيادة، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ و عقبة بن مكرم ]. عقبة بن مكرم ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قالا: حدثنا وهب بن جرير ]. هو وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت يعلى -يعني ابن حكيم - يحدث عن عكرمة عن ابن عباس ]. يعلى بن حكيم و عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهم. [ قالا: ولم يذكر موسى عن ابن عباس وهذا لفظ وهب ]. ولم يذكر موسى عن ابن عباس الذي هو الإسناد الأول. وهذا لفظ وهب أي: الذي فيه الاتصال، وهو أعرف بحديث أبيه من غيره؛ لأنه يروي عن أبيه جرير .
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق تاسعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره: أنه سمع أبا هريرة يقول: (جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات، كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل في الخامسة فقال: أنكتها؟ قال: نعم. قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر؟ قال: نعم. قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله! قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا نبي الله! من يأكل من هذا؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز وأنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إن الأسلمي -وهو ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه ذكره هنا بنسبته، ولم يذكر اسمه ولا اسم أبيه - جاء نبي الله وقال: إنه زنى أربع مرات، يعني: ليس المقصود أنه زنى أربع مرات، وإنما المقصود من ذلك أنه شهد على نفسه أربع مرات، إذاً: المرات ترجع إلى الإخبار عن نفسه كما جاء ذلك مبيناً في الروايات، ولا يرجع إلى تكرار وتعدد الزنا. قوله: [ (جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات) ]. يعني: شهد أربع مرات، وكلمة: (أربع مرات) ترجع إلى: شهد ولا ترجع إلى أصاب أو أتى. قوله: [ (كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل في الخامسة فقال: أنكتها؟ قال: نعم.) ]. يعني: صرح باسم الجماع الذي لا يحتمل شيئاً آخر سواه، وكل هذا كما عرفنا من أجل التحقق من أن الذي حصل منه شيء يستحق عليه الحد، وأنه ليس شيئاً دون الحد مما يكون حكمه التعزير كالتقبيل واللمس والمباشرة بدون جماع، ثم أراد أن يستوضح من أن الجماع تم وأنه بالإيلاج، وأنه كما يدخل الميل في المكحلة وكذلك الرشا في البئر، أي: أنه حصل الإيلاج والجماع، ولم يكن ذلك مباشرة بحيث تمس البشرة البشرة. قوله: [ (قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً) ]. وهذا اللفظ ليس مثل ما تقدم من ذكر الرشا والمكحلة؛ لأن الإنسان يمكن أن يأتي من امرأته شيئاً دون الفرج ودون الإيلاج، وهو حرام على غير الزوج، وهذا اللفظ محتمل، ولكن الشيء الذي لا يحتمل قوله: (أنكتها؟) وقوله: (كما يدخل الميل في المكحلة)، أو يدخل الرشا في البئر. قوله: [ (فأمر به فرجم، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله! قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار) ]. وهذا كلام سيئ، كونهما يصفان الشخص بهذا الوصف الذي لا ينبغي، ولهذا اعتبر الرسول هذا غيبة، وأن هذا كلاماً يسوء من يقال فيه، فالرسول صلى الله عليه سكت حتى مروا بجيفة حمار قد ارتفعت يده من الانتفاخ والنتن، والميتة إذا انتفخت ترتفع القوائم؛ بخلاف ما إذا كانت لم يحصل منها الانتفاخ فإن الأرجل تكون منضمة بعضها إلى بعض، ولكن مع الانتفاخ وصل إلى هذا الحد، فقال: (أين فلان وفلان؟ قالوا: ها نحن، قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، قالوا: ومن يأكل من هذه؟ قال: ما نلتما من عرض أخيكما أعظم من هذا)، وهذا مثلما قال الله عز وجل: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]، أي: أنه مثل أكل الميتة. قوله: [ (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ]. ينقمس وينغمس بمعنى واحد، وهي بمعنى الغوص أو الاستمتاع والاستفادة من تلك الأنهار.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق تاسعة

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عبد الرحمن بن الصامت ]. عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . [ أنه سمع أبا هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-07-2025, 02:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [499]
الحلقة (530)






شرح سنن أبي داود [499]

إن الإنسان مفطور على الخطأ لقول النبي عليه الصلاة والسلام كل ابن آدم خطاء) ولكن المطلوب منه أن يبادر بالتوبة من ذلك الخطأ ولا يستأنس له أو يتمادى فيه، بل يثوب، وذلك الذي قال فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وخير الخطائين التوابون). وماعز بن مالك والغامدية ضربا مثلا أعلى للبشرية حين أتيا إلى النبي عليه الصلاة والسلام تائبين مستغفرين طالبين إقامة الحد عليهما وتطهيرهما من جريمة الزنا.

تابع ما جاء في رجم ماعز بن مالك



شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق عاشرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه زاد: واختلفوا علي، فقال بعضهم: ربط إلى شجرة، وقال بعضهم: وقف ]. أورد أبو داود هذه الطريق لحديث رجم ماعز وهي والطريق التي قبلها فيهما عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة ، وهو ضعيف، فما كان من حديثه جاء متفقاً مع أحاديث أخرى فيكون له شواهد، وما كان منفرداً به فإنه يضعف به. وقد مر في الحديث السابق ذكر القصة التي ساق متنها مطولاً، وبقي منه ما يتعلق بالطريق الثانية التي فيها ذكر الاختلاف، وأنهم اختلفوا في الهيئة التي كان عليها ماعز بن مالك حين رجم، هل هو قد ربط أو حفر له، أو أنه لم يحصل ربطه؟ وقد سبق أن مر أنه لم يكن مربوطاً ولا محفوراً له، وإنما كان مطلقاً، ولهذا هرب، ولو كان مربوطاً أو محفوراً له لم يتمكن من الهرب، فالصحيح في ذلك أنه كان مطلقاً وأنهم احتوشوه من جميع الجهات يرجمونه بالحجارة وغيرها، وأنه هرب منهم وكان ذلك بالمصلى الذي هو عند البقيع بين المسجد النبوي والبقيع، وهو مصلى الجنائز، وأنه هرب حتى أدركوه بالحرة فتم قتله برميه في الحرة، وقد كان رمي بالمصلى الذي هو عند البقيع، فالبداية كانت عند البقيع والنهاية التي كان بها موته وانتهاء حياته كانت بالحرة، وهنا ذكر أنه حصل الاختلاف في حاله وقت الرجم هل ربط أو وقف؟ والصحيح أنه لم يربط ولم يحفر له، وإنما كان واقفاً ورموه بالحجارة حتى قتلوه في آخر الأمر في الحرة.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق عاشرة

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو الضحاك بن مخلد النبيل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، كنيته: أبو عاصم ، ولقبه: النبيل ، واسمه: الضحاك بن مخلد ، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات؛ لأن الثلاثيات رواها عن بعض شيوخه وفيهم هذا الذي هو أبو عاصم ، و مكي بن إبراهيم و محمد بن عبد الله المثنى هؤلاء هم الذين روى عنهم الثلاثيات، وإذاً فهو من كبار شيوخه، ولهذا يروي عنه أبو داود بواسطة، ولا يروي عنه مباشرة، وأما البخاري فيروي عنه بلا واسطة، وهو من أتباع التابعين الذين أدركوا التابعين؛ لأن الإسناد الثلاثي الذي عند البخاري صحابي وتابعي وتابع تابعي فأبو عاصم النبيل هو من أتباع التابعين. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني أبي الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عم أبي هريرة ]. ابن عم أبي هريرة هو عبد الرحمن بن الصامت، وهو مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي . وفيه هذا المقبول، وفيه عنعنة أبي الزبير . [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث رجم ماعز بن مالك من طريق حادية عشرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني و الحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله : (أن رجلاً من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه، ثم اعترف فأعرض عنه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أبك جنون؟ قال: لا. قال: أحصنت؟ قال: نعم. قال: فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم في المصلى، فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، ولم يصل عليه) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، أن رجلاً من أسلم -وهو ماعز بن مالك الأسلمي - جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف بالزنا، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع شهادات، يعني: كرر ذلك أربع مرات، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أبك جنون؟) يعني: يريد أن يعرف هل هو سليم العقل؟ وأن هذا الاعتراف الذي حصل منه وهو في سلامة من عقله أو أن به جنوناً؟ وهذا من الاحتياط والتوثيق والاطمئنان، ولهذا جاء هنا أنه سأله: (أبك جنون؟)، وسأل قومه عنه: (هل به جنون؟)، وفي بعض الروايات سيأتي أمر من يستنكهه، يعني: يشمه هل فيه رائحة خمر؟ فكونه يسأله: هل به جنون؟ وكونه يستنكهه، وكونه يسأل عنه من يعرفه من قومه: هل به جنون؟ كل ذلك إنما هو احتياط منه؛ لأن الأمر خطير؛ ولأن الأمر يتعلق به رجم، وهي عقوبة من أكبر العقوبات التي جاءت بها الشريعة، وهي الرجم فيمن زنى وهو محصن. ثم إنه بعد ذلك قال: (أحصنت؟) يعني: هل حصل الإحصان؟ وهل أنت متزوج؟ فقال: نعم، فأمر به فرجم؛ لأنه كان أقر على نفسه وهو محصن، فحده الرجم، ومعلوم أن الذي لم يحصن حده جلد مائة وتغريب سنة، والجلد جاء في القرآن في أول سورة النور: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والتغريب جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً ولم يصل عليه) ]. يعني: فلما أصابته الحجارة بحدها وشعر بالألم هرب من شدة ما أصابه من هذه الحجارة، فأدركوه فقتلوه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيه خيراً ولم يصل عليه، وجاء في عدة روايات أنه لم يصل عليه، لكنه ما منع الصلاة عليه، ومعلوم أن ترك الصلاة على من ارتكب أمراً محرماً من أجل التخويف، ومن أجل زجر غيره، بحيث يعرف أن من له شأن ومكانة ومنزلة يتخلف عن الصلاة عليه؛ فيفوته شفاعته والصلاة عليه، يعني: هذا أمر خطير وليس بالهين، فيحرص الناس على ألا يقعوا في مثل هذا الذي وقع فيه؛ حتى لا تفوتهم تلك الشفاعة التي هي شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك غيره ممن يحرص على أن يكون من المصلين على الجنازة، فإذا امتنع أمثال هؤلاء عن الصلاة على العاصي من أجل أن يكون في ذلك ردع وزجر وتخويف، فذلك فيه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. وجاء في بعضها أنه صلى عليه، وقد صلى على المرأة فيكون معنى ذلك أن الإمام له أن يصلي وله ألا يصلي، والذي له منزلة له أن يصلي وله ألا يصلي، ولكن حيث يترتب على ذلك مصلحة وفائدة، وهو أن الناس يحذرون من الوقوع في الأمر المحرم.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق حادية عشرة


قوله: [ حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ]. محمد بن المتوكل العسقلاني هو ابن أبي السري ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ و الحسن بن علي ]. الحسن بن علي مر ذكره، وهو قرين لهذا العسقلاني ؛ لأن كلاً منهما شيخ لأبي داود . [ قالا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي جليل، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية عشرة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - قال: ح وحدثنا أحمد بن منيع عن يحيى بن زكريا وهذا لفظه عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: (لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع، فوالله ما أوثقناه ولا حفرنا له، ولكنه قام لنا. قال أبو كامل قال: فرميناه بالعظام والمدر والخزف، فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت قال: فما استغفر له ولا سبه) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أن ماعز بن مالك رضي الله عنه لما زنى وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه خرجوا به إلى البقيع، وقد جاء في بعض الروايات أنه المصلى، ولا تنافي بين ذلك كما أشرت لذلك من قبل؛ لأن البقيع المقصود به قرب البقيع وليس في المقبرة، وإنما هو في المصلى، ومعلوم أنه قد يطلق على الشيء اسم ما يكون عنده وإن لم يكن فيه، واللفظ الآخر جاء في المصلى الذي هو ليس في البقيع وإنما هو دون البقيع، فرجموه هناك؛ فهرب. قوله: [ (فرميناه بالعظام والمدر والخزف) ]. وهذا يدل على أن الرمي بالحجارة ليس بمتعين، وأنه لا يرمى إلا بها، بل يمكن أن يرمى بغير ذلك، كما رموه بالحجارة وبالخزف -وهو: الطين المتحجر الذي أحرق حتى صار فخاراً- وكذلك رموه بالمدر الذي هو عبارة عن طين يابس، فيرمونه بما أمكنهم، فتعين على أن الرمي لا يكون خاصاً بالحجارة بل يكون بالعظام وغيرها. قوله: [ (فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عرض الحرة فانتصب لنا) ]. (فاشتد) يعني: أسرع هارباً (واشتدوا خلفه) يعني: أسرعوا وراءه يتبعونه حتى أدركوه بالحرة (فانتصب لهم) يعني: وقف فرموه بأحجار الحرة (حتى سكت) يعني: حتى مات، وبهذا يتبين أن ما جاء في بعض الروايات من ذكر المصلى، والبقيع، والحرة، أنه لا تنافي بين ذلك، فبالنسبة للبقيع والمصلى المعنى واحد؛ لأن المصلى بجوار البقيع، وبالنسبة للحرة لم يكن بدئ الرمي بالحرة وإنما هرب إلى الحرة فأدركوه بها، فكان بدء الرمي في المصلى، ونهايته في الحرة، فما جاء بأنه كان بالحرة العبرة بالنهاية، وما كان في المصلى فالمعتبر البداية.
تراجم رجال إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثانية عشرة


قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو الفضيل بن حسين الجحدري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا يزيد -يعني ابن زريع - ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا أحمد بن منيع ]. أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن زكريا ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظه عن داود ]. (وهذا لفظه) يعني: الطريق الثاني هو لفظ يحيى بن زكريا . و داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي سعيد ]. هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، واسمه: سعد بن مالك بن سنان ، صحابي جليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إسناد حديث رجم ماعز بن مالك من طريق ثالثة عشرة، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وليس بتمامه، قال: ذهبوا يسبونه فنهاهم، قال: ذهبوا يستغفرون له فنهاهم، قال: هو رجل أصاب ذنباً حسيبه الله) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مرسل، وفيه: (ذهبوا يسبونه فنهاهم، وذهبوا يستغفرون له فنهاهم وقال: إنه أصاب ذنباً حسيبه الله)، ولكن هذا مرسل ليس بمتصل؛ لأن أبا نضرة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا زيادة بطريق مرسلة. قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. أبو نضرة قد مر ذكره.
شرح حديث (أن النبي استنكه ماعزاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث حدثنا أبي عن غيلان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكه ماعزاً ) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استنكه ماعزاً) يعني: أنه أمر من يستنكهه ويشمه ليعرف هل شرب خمراً؟ لأنه سبق وأن سأله: هل هو مجنون؟ ثم سأل قرابته وقومه: هل هو مجنون؟ وكل ذلك للتحقق من سلامته، وصحة عقله، وأن هذا الاعتراف حصل مع صحة عقل وليس باختلال العقل.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي استنكه ماعزاً)


قوله: [ حدثنا محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ]. هو محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود ، والحافظ ابن حجر ما حكم عليه، ولكن أبو الأشبال وضعها بين قوسين وزادها وقال: كان في أمنية الحافظ أن يكتب ترجمته فقال في ترجمته: يأتي، ولكن نسي أن يكتبها فكتبناها حسب أمنيته، وقال محمد عوامة : محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة ، وهو الذي في التحفة، وهو الذي يساعد عليه رموز المزي في ترجمته محمد هذا، وترجمة يحيى بن يعلى في التهذيب، بل هو الذي يستفاد من ترجمتهما في تهذيب التهذيب أيضاً، و محمد بن أبي بكر هذا قال عنه في الكاشف: لا يكاد يعرف، وكون أبي داود لا يروي إلا عن ثقة لا يسمح بتوثيقه كما فعل من عبث بتقريب التهذيب، وانظر ما كتبته في دراسات الكاشف، أما قول صاحب الخلاصة: موثق فقد يقبل منه على تجوز أيضاً. لأنه لا يوجد لا في تهذيب الكمال ولا في تهذيب التهذيب شيء يفيد التوثيق. وعلى كل: الشيخ ناصر صحح الحديث، لكن الاستنكاه لعله له شواهد، وجاء في مسلم بطوله وفيه: (فقام رجل فاستنكهه). [ حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث ]. يحيى بن يعلى بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبي ]. هو يعلى بن الحارث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن غيلان ]. هو ابن جامع ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن علقمة بن مرثد ]. علقمة بن مرثد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن بريدة ]. هو سليمان بن بريدة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وما له إلا حديث واحد عند أبي داود .
شرح حديث بريدة (كنا أصحاب رسول الله نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي حدثنا أبو أحمد حدثنا بشير بن مهاجر حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: (كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية و ماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما، أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمهما عند الرابعة) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، قال: (كنا أصحاب رسول الله نتحدث أن الغامدية و ماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما) ]. يعني: شك في أنهما لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، يعني: هذا مثلما تقدم فيما مضى أن الرسول قال: (هلا تركتموه)، وليس المقصود من ذلك أنه يخلى سبيله، وإنما المقصود من ذلك أنه إن رجع عن اعترافه فإنه يقبل رجوعه، وكذلك أيضاً قد يكون عنده شبهة يذكرها فيعول على ذلك كما سبق أن مر، وقد سبق كلام الصحابي الذي قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: (هلا تركتموه؟) من أجل الاستثبات، وأما في ترك الحد فلا، يعني: ليس معنى ذلك أنه ليس عليه حد، وإنما المقصود من ذلك أنه إن رجع عن اعترافه أو ذكر شبهة تدرأ عنه الحد فيقبل منه ذلك. قوله: [ (وإنما رجمهما عند الرابعة) ]. يعني: بعد الاعتراف في المرة الرابعة، وهذا ضعفه الألباني ولعله بسبب بشير بن المهاجر الذي في إسناده. والغامدية سيأتي أنها قالت له: (لا ترددني كما رددت ماعزاً فإني حبلى). فالترداد بالنسبة لها قد حصل، ولكنها طلبت منه ألا يفعل كما فعل بماعز لكن هل بلغت أربعاً؟ لا ندري!
تراجم رجال إسناد حديث بريدة (كنا أصحاب رسول الله نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما...)


قوله: [ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ]. أحمد بن إسحاق الأهوازي صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو أحمد ]. هو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بشير بن مهاجر ]. بشير بن مهاجر صدوق لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه ]. عبد الله بن بريدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبوه مر ذكره.
شرح حديث الرجل الذي اعترف بنسبة ولد الزنا إليه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبدة بن عبد الله و محمد بن داود بن صبيح قال عبدة : أخبرنا حرمي بن حفص قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز أن خالد بن اللجلاج حدثه: أن اللجلاج أباه أخبره : (أنه كان قاعداً يعتمل في السوق فمرت امرأة تحمل صبياً فثار الناس معها وثرت فيمن ثار، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: من أبو هذا معك؟ فسكتت فقال شاب حذوها: أنا أبوه يا رسول الله! فأقبل عليها فقال: من أبو هذا معك؟ قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله! فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر به فرجم، قال: فخرجنا به فحفرنا له حتى أمكنا، ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهو أطيب عند الله من ريح المسك، فإذا هو أبوه فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه، وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا؟) وهذا حديث عبدة وهو أتم ]. أورد أبو داود حديث اللجلاج صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان في السوق، وأنه مرت امرأة فثار الناس وثار معهم -يعني: تبعوها- فلما جاءوا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (من أبو هذا معك؟ فسكتت) فسكتت ولم تجب شيئاً، فقام فتى وقال: أنا، يعني: هو الذي فعل ذلك، ثم أعاد السؤال مرة أخرى فأعاد ذلك الفتى الجواب، وأنه هو أبوه، وهنا ليس المقصود من ذلك الأبوة الشرعية، وإنما معناه أنه متخلق من مائه، فليست أبوة شرعية؛ لأن الزاني لا يكون أباً للولد من الزنا، وإنما يتخير له نسباً بأن يقال: فلان ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن أو ابن عبد العزيز أو غير ذلك، وإلا فإنه لا ينسب إليه، ولا يحصل الزاني ولداً بزناه، وإنما يحصل الخيبة ويحصل الحجر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وللعاهر الحجر). قوله: [ (فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا: ما علمنا إلا خيراً) ]. يعني: المقصود به الاستثبات أبه جنون أو كذا؟ قالوا: ما علمنا به إلا خيراً. قوله: [ (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أحصنت؟ قال: نعم. فأمر به فرجم) ]. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (أحصنت؟)، قال: نعم فأمر به فرجم. قوله: [ (فخرجنا به فحفرنا له حتى أمكنا) ]. (حتى أمكنا) يعني: أمكنا رميه، وهذا يخالف ما جاء فيما تقدم في قصة ماعز أنه قال: (والله ما حفرنا له وإنما قام لنا فضربناه بالخزف وكذا حتى أذلقته الحجارة فهرب فأدركناه بالحرة) فهذا فيه أنهم حفروا له، والمعروف أن الحفر يكون للنساء؛ لأنهن يحتجن إلى الستر بخلاف الرجل فإنه لا يحتاج إلى ذلك. قوله: [ (ثم رميناه بالحجارة حتى هدأ) ]. يعني: حتى مات. قوله: [ (فجاء رجل يسأل عن المرجوم؟ فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث) ]. فجاء رجل يسأل عن المرجوم، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: جاء يسأل عن الخبيث، فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم قولهم ذلك وقال: إنه عند الله ريحه كريح المسك. قوله: [ (لهو أطيب عند الله من ريح المسك) ]. يعني: إن تلك الجناية التي قد حصلت منه قد سلم منها، وأنه قد طهر من ذلك الذي وقع فيه فلا يؤاخذ عليه مرة أخرى، وهذا ثناء عليه. قوله: [ (فإذا هو أبوه) ]. يعني: كان ذلك الرجل الذي يسأل عنه هو أبوه. قوله: [ (فأعناه على غسله وتكفينه ودفنه، وما أدري قال: والصلاة عليه أم لا؟) ]. يعني: قاموا مع أبيه بهذه الأمور التي هي غسله وتكفينه ودفنه، والصلاة عليه مشكوك فيها، ولكن كما هو معلوم كل من مات مسلماً فإنه يصلى عليه، ولكن ترك الصلاة عليه من بعض الناس الذين يؤثر تركهم للصلاة عليه ينبغي أن يحصل في بعض الأحيان؛ لما في ذلك من الزجر اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يترك الصلاة أحياناً على بعض أصحاب المعاصي، وذلك للزجر من الوقوع في مثل تلك المعصية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 03-07-2025, 02:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي اعترف بنسبة ولد الزنا إليه


قوله: [ حدثنا عبدة بن عبد الله ]. هو عبدة بن عبد الله الصفار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ و محمد بن داود بن صبيح ]. محمد بن داود بن صبيح ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال عبدة : أخبرنا حرمي بن حفص ]. حرمي بن حفص ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة ]. محمد بن عبد الله بن علاثة صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ]. عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن خالد بن اللجلاج حدثه ]. خالد بن اللجلاج صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبيه ]. هو اللجلاج، وهو صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . قوله: [ وهذا حديث عبدة وهو أتم ]. يعني: ليس حديث الشيخ الثاني الذي هو محمد بن داود ، وهو في أول الإسناد قال عبدة : كذا.
إيراد حديث الغامدية وماعز من صحيح مسلم


وهذا الحديث في صحيح مسلم ، يقول الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا محمد بن العلاء الهمداني حدثنا يحيى بن يعلى -وهو ابن الحارث المحاربي - عن غيلان -وهو ابن جامع المحاربي - عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: (جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! طهرني فقال: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله! طهرني فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم أطهرك؟ قال: من الزنا قال: فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون فقال: أشرب خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ فقال: نعم. فأمر به فرجم، وكان الناس فيه فرقتين، قائل يقول: لقد هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول: ما توبة أفضل من توبة ماعز ، إنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده، ثم قال: اقتلني بالحجارة، قال: فلبثوا في ذلك يومين أو ثلاثة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس فقال: استغفروا لماعز بن مالك قال: فقالوا: غفر الله لماعز بن مالك قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم، قال: ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله! طهرني فقال: ويحك ارجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال: وما ذاك؟ قالت: إنها حبلى من الزنا فقال: آنت؟ قالت: نعم. فقال لها: حتى تضعي ما في بطنك قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية فقال: إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه، فقام رجل من الأنصار فقال: إلي رضاعه يا نبي الله! قال: فرجمها). وهذا ليس فيه ذكر أنه حصل التكرار معها، وإنما الاعتراف الذي هو إخبار عن الحبل من الزنا.
شرح حديث الرجل الذي اعترف بنسبة ولد الزنا إليه من طريق ثانية، وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد ح وحدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا الوليد جميعاً قالا: حدثنا محمد ، وقال هشام : محمد بن عبد الله الشعيثي عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن خالد بن اللجلاج عن أبيه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم ببعض هذا الحديث ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وأشار إلى أن الحديث من هذه الطريق الثانية كان ببعض لفظ الحديث الأول، ومعناه أن الطريق الأولى التي ساقها أتم. قوله: [ حدثنا هشام بن عمار ]. هشام بن عمار صدوق، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا صدقة بن خالد ]. صدقة بن خالد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ ح وحدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي ]. نصر بن عاصم الأنطاكي لين الحديث، أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ جميعاً قالا: حدثنا محمد وقال هشام : محمد بن عبد الله الشعيثي ]. محمد بن عبد الله الشعيثي صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن مسلمة بن عبد الله الجهني ]. مسلمة بن عبد الله الجهني مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن خالد بن اللجلاج عن أبيه ]. خالد بن اللجلاج وأبوه قد مر ذكرهما.
شرح حديث (أن رجلاً أتى النبي فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حفص حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد : (عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها) ]. أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. قوله: [ (أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له) ]. أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر أنه زنى بامرأة سماها له، فالرسول أرسل إليها فأنكرت فجلده وتركها. قوله: [ (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت؛ فجلده الحد وتركها) ]. يعني: جلده الحد لأنه بكر وليس ثيباً فكان حده الجلد، ومعلوم أن التغريب يكون معه أيضاً، وتركها لأنها لم تعترف، ولم يكن هناك شهود.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً أتى النبي فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له...)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ عن طلق بن غنام ]. طلق بن غنام ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد السلام بن حفص ]. عبد السلام بن حفص وثقه ابن معين ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو حازم ]. هو سلمة بن دينار الأعرج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن سعد ]. هو سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي فجلد الحد...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح المعنى قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر: (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد الحد، ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر أنه زنى، فجلده، ثم أخبر بأنه أحصن فرجمه)، معناه: أنه جلده أولاً ورجمه ثانياً، وهذا فيه أبو الزبير عن جابر وهو مدلس، وفيه نكارة من جهة أن كونه جلده، وبعد ذلك أخبر أنه رجمه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقيم الحد إلا بعد معرفة حال الشخص؛ لأنه كما سبق في بعض الأحاديث يسأل الشخص: هل أحصنت؟ يعني: إذا أخبر بأنه زنى فإنه لا يحكم فيه حتى يعرف أن حده الجلد أو الرجم، وإنما ذلك يمكن أن يصح إذا كان هو كذب وزعم أنه غير محصن، ثم بعد ذلك أخبر بأنه محصن أو ثبت أنه محصن فيتصور هذا، أما بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فلا يتصور أنه يقيم عليه الحد وهو لا يعرف حاله، وإنما كما عرف من طريقته صلى الله عليه وسلم أنه يسأل عن الشخص هل هو محصن أو غير محصن؟ فإن كان محصناً أمر برجمه، وإن كان غير محصن أمر بجلده، والحديث ضعفه الألباني ، ولعل ذلك بسبب أبي الزبير عن جابر ، فهو مدلس وقد رواه بالعنعنة.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي فجلد الحد...)


قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة ، وهنا ذكر التحويل مع أنه ما ذكر إلا شيخين لاختلاف الصيغة، فإن قتيبة عبر بحدثنا و ابن السرح عبر بأخبرنا، ولهذا أتى بحاء التحويل، وهذا كما عرفنا قد مر له نظائر كثيرة، وهو يدل على عناية المحدثين ودقتهم وحرصهم على الإتيان بالصيغ التي يأتي بها الرواة. [ أخبرنا عبد الله بن وهب ]. عبد الله بن وهب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج عن أبي الزبير ]. عبد الملك بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس مر ذكره. [ عن جابر ]. جابر مر ذكره، وفيه عنعنة أبي الزبير و ابن جريج .
شرح حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فأمر به النبي فجلد الحد...) موقوفاً من طرق أخرى، وتراجم رجال إسناده


[ قال أبو داود : روى هذا الحديث محمد بن بكر البرساني عن ابن جريج موقوفاً على جابر ]. ثم ذكر أنه روي من طرق أخرى وفيها اختلاف، يعني: الذي مر جاء مرفوعاً، وهنا جاء موقوفاً على جابر . [ ورواه أبو عاصم عن ابن جريج بنحو ابن وهب لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلاً زنى فلم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) ]. وهذا أيضاً فيه وقف. [ قال أبو داود : روى هذا الحديث محمد بن بكر البرساني ]. محمد بن بكر البرساني صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورواه أبو عاصم عن ابن جريج ]. أبو عاصم مر ذكره ، و ابن جريج مر ذكره.
شرح حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : (أن رجلاً زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه، فجلد ثم علم بإحصانه فرجم) ]. أورد الحديث من طريق أخرى، قال: (لم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) وهذا كما قلت: لعله كذب بزعمه أنه غير محصن، فأقيم عليه الحد الأول، ثم لما علم إحصانه أقيم عليه الحد الثاني، ولكن الإسناد هو نفس الإسناد الأول، ففيه ابن جريج و أبو الزبير ، وكل منهما قد عنعن.
تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً زنى بامرأة فلم يعلم بإحصانه فجلد، ثم علم بإحصانه فرجم) من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز ]. محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز الملقب: صاعقة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن أبي عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ]. وقد مر ذكرهم جميعاً.
الأسئلة



سبب ذكر أحاديث في ترجمة ماعز بن مالك لم يرد ذكره فيها


السؤال: ذكر المصنف: باب رجم ماعز بن مالك بينما الأحاديث الأخيرة لم ترد في ذكره؟ الجواب: كأنه أتى بها تبعاً؛ لأن أكثر الأحاديث جاءت في ماعز وتلك جاءت تبعاً.

ذكر شواهد حديث (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها)


السؤال: هل وردت شواهد للحديث الأول الذي فيه عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة في قوله: (والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينقمس فيها) ؟ الجواب: بعض الحديث له شواهد، فالذي له شواهد العبرة بالشواهد، والذي ليس له شواهد يكون جاء عن طريق هذا الشخص الذي هو مقبول.

جواز الاستدلال بحديث (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار...) على ذم الغيبة


السؤال: هل يجوز الاستدلال على ذم الغيبة بحديث: (انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه)؟ الجواب: كما هو معلوم الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولكن جاء في القرآن: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12] يعني: ذم الغيبة جاء في القرآن، وهذا المعنى الذي جاء فيه موجود في القرآن، إلا أن هذا جيفة حمار، وذاك أكل الميت.

كيفية تغريب المرأة البكر إذا زنت


السؤال: الزانية غير المحصنة هل تغرب عاماً بعد جلدها؟ الجواب: أي نعم، تغرب ومعها وليها.

حكم تعدد ألفاظ أحاديث ماعز بن مالك


السؤال: وردت أحاديث متعددة في ماعز بن مالك ، فهل كل هذه الألفاظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أم هو لفظ واحد؟ الجواب: معلوم أنه كغيره من الأحاديث الكثيرة يختلف باختلاف الرواة، فبعضها روي بالمعنى، وبعضها باللفظ، فكل أتى بما عنده، وهذا له شواهد كثيرة مثل قصة جابر ، وما جاء فيها من اختلاف كثير، وكل ذلك على اختلاف الرواة، وأيضاً من حيث الرواية بالمعنى، فمعلوم أن الرواية بالمعنى سائغة، وإن كان الإتيان باللفظ هو المطلوب الذي لا ينبغي العدول عنه؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عرف على حقيقته ولفظه فيعض عليه بالنواجذ، وتعقد عليه الخناصر، ويحرص عليه ويحافظ عليه، ولكن إذا تمكن الإنسان من معرفة المعنى ولم يتمكن من حفظ اللفظ فإنه يروي بالمعنى؛ لأن المقصود هو إثبات الشريعة وإثبات ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالذي لم يتمكن من حفظ لفظه وعرف معناه وأتقنه فإنه يؤتى به بالرواية بالمعنى.

ترجيح عدم صلاة النبي على ماعز بن مالك


السؤال: ذكرتم أنه جاءت الرواية بالصلاة على ماعز والرواية بعدم الصلاة عليه، فما الراجح؟ الجواب: الألباني ذكر أن رواية الصلاة عليه جاءت في البخاري وقال: إنها شاذة، وكأن رواية الذين ذكروا أنه لم يصل عليه أكثر. وما جاء في البخاري هو قوله: (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وصلى عليه) ثم قال بعدها: ولم يقل يونس و ابن جريج عن الزهري : وصلى عليه، سئل أبو عبد الله هل قوله: فصلى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر ، قيل له: هل رواه غير معمر ؟ قال: لا. انتهى. وقال الألباني رحمه الله: رواه البخاري و مسلم ، إلا أن البخاري قال: (وصلى عليه) وهي شاذة، فهل معمر لا يقوى على تحمل هذه الزيادة؟ لا أدري، ولكن لعله لكثرة الذين نفوا الصلاة عليه، وفي الجملة فالصلاة غير منفية؛ لأن كل مسلم يصلى عليه، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الصلاة في بعض الأحيان على بعض أصحاب المعاصي، بل وعلى صاحب الدين.

ورود الصلاة على الغامدية في بعض الروايات


السؤال: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغامدية ؟ الجواب: ورد في الحديث: (ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر : يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم) فإذاً: هو صلى عليها.

الحكمة في الصلاة على الغامدية دون ماعز بن مالك

السؤال: ورد أن ماعزاً محصن والغامدية محصنة، فلماذا صلى عليها وترك الصلاة على ماعز ؟ الجواب: لعله والله أعلم أنه في بعض الأحيان يترك من أجل الزجر.

التعليق على ما ذكره صاحب عون المعبود من إثبات رواية الصلاة على ماعز


السؤال: ذكر صاحب العون رواية في إثبات أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه في اليوم الثاني يقول: وفي رواية البخاري : (وصلى عليه)، وقد أخرجه عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قيل: (يا رسول الله! أتصلي عليه؟ قال: لا. قال: فلما كان من الغد قال: صلوا على صاحبكم، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس). فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم؟ الجواب: إذا ثبت الإسناد عند عبد الرزاق فيمكن أن يصير هناك جمع بين النفي والإثبات. وهو يقول: وقد أخرجه عبد الرزاق أيضاً وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز . ولا أدري ما المقصود بالسنن هذه؟ وأبو قرة موسى بن طارق الزبيدي بفتح الزاي القاضي، ثقة يغرب، من التاسعة، أخرج له النسائي ، فهو متأخر، فلا ندري هل حديثه موجود عند النسائي أو عند الترمذي لكن هذا أو هذا، أو أنه له مؤلف السنن؟!

حكم اليتيم بعد الاحتلام


السؤال: في الحديث أن ماعزاً كان في حجر رجل من الصحابة فهل كان يتيماً؟ الجواب: كأنه كان في حجره في صغره ثم كبر وصار الوصف باعتبار ما مضى، وأما إذا بلغ فلا يتم بعد احتلام.

حكم إقامة الحد على المحصن برميه بالرصاص


السؤال: الزاني المحصن لابد أن يقام عليه الحد بالرمي بالحجارة فلو قتله الحاكم بالسيف أو بالرصاص ألا يكون قد أقام عليه الحد؟ الجواب: الواجب هو فعل ما جاء في الكتاب من الآية المنسوخة، وجاء في السنة الثابتة من وجوه كثيرة أنه إنما يقتل بطريقة معينة، فيجب أن يؤتى بالطريقة المعنية الواردة.

حكم سب من فعل كبيرة من الكبائر


السؤال: هل في الحديث دليل على أنه لا يجوز سب من ارتكب الكبائر؟ الجواب: الذي أقيم عليه الحد لا يسب بتلك المعصية التي أقيم عليه فيها الحد؛ لأن الحد كفرها وصار كأنه لم يفعلها، وأما من كان مرتكباً للكبائر وذكر من أجل التحذير منه أو من أجل بيان حاله في أمر من الأمور فلا بأس بذلك، والحدود -كما عرفنا- عند أهل السنة جوابر وزواجر، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت : (من فعل شيئاً من ذلك فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فكان أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه).

حكم المرأة التي فعل بها الزنا


السؤال: في الحديث أن ماعزاً أقيم عليه الحد، والمرأة التي فعل بها ذلك هل يقام عليها الحد؟ الجواب: إذا اعترفت يقام عليها الحد، وأما إذا أنكرت فلا يقام عليها الحد، مثل ما مر بنا في قصة الرجل الذي قال: إنه زنى فقال: بمن زنيت؟ فقال: بفلانة، فأرسل إليها فأنكرت، فجلده وتركها، فهي إذا اعترفت أقيم عليها الحد وإن أنكرت يؤاخذ هو باعترافه وهي يعمل بإنكارها حيث لا بينة ولا اعتراف.

حكم ربط الزاني المحصن عند الرجم


السؤال: هل يربط الرجل عند الرجم؟ الجواب: الذي يظهر أنه لا يربط؛ لأنه كما جاء في الحديث أنهم ما ربطوه وإنما حفروا له حفرة، فرموه وهرب، وإنما الحفر خاص بالمرأة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 03-07-2025, 02:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [500]
الحلقة (530)



شرح سنن أبي داود [500]

إن الزنا معصية خطيرة وجرم شنيع، وقد سوى الشرع بين الرجل والمرأة في العقوبة، لكن فرق بين الزاني المحصن وبين البكر فجعل عقوبة البكر الجلد والتغريب، وجعل عقوبة المحصن الرجم حتى الموت، إلا أن المرأة عند الرجم تشد عليها ثيابها وتحفر لها حفرة؛ حتى لا تتكشف عندما ترجم.

ما جاء في المرأة التي أمر النبي برجمها من جهينة



شرح حديث رجم المرأة الغامدية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة. حدثنا مسلم بن إبراهيم أن هشاماً الدستوائي و أبان بن يزيد حدثاهم المعنى عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين : (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولياً لها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها، فإذا وضعت فجئ بها، فلما أن وضعت جاء بها، فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟ قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟) لم يقل عن أبان : فشكت عليها ثيابها ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب المرأة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة ]، أي: المرأة الجهنية التي زنت وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمها، ومعلوم أن الأحاديث التي جاءت في الرجم متعددة، ومنها ما جاء في قصة ماعز وما جاء في غيره، وما جاء في قصة الجهنية وهي الغامدية ، وما جاء في قصة امرأة الذي كان عنده العسيف، وكذلك أيضاً حديث عمر الذي فيه أنها جاءت في كتاب الله، وكذلك الحديث الذي فيه الجمع بين الجلد والرجم، فقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على رجم المحصن. أورد أبو داود حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها زنت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أوليائها أن يحسن إليها، فلما وضعت أمر بها فشكت عليها ثيابها ورجمت)، والحديث فيه اختصار؛ لأنه جاء في غيره أنها كانت حبلى، وأنه أمر أن يحسن إليها، وأنها لما ولدت أمرها بأن تبقى حتى تفطم ولدها، ثم بعد ذلك أمر بها فرجمت. فحديث عمران بن حصين رضي الله عنه يدل على رجم المحصن، وأن الرجم إذا كان هناك ما يمنع من إقامته في وقت معين فإنه ينتظر الوقت الذي يمكن إقامته فيه، كأن تكون المرأة حاملاً، سواءً كان حملها من زنا أو حملها من نكاح، فإنه ينتظر في رجمها الولادة، وإرضاع الطفل وفطمه، ثم بعد ذلك يقام عليها الحد، وذلك لئلا يجنى على من كان بريئاً وهو الجنين الذي في بطنها، فإن رجمها أو جلدها يؤثر على جنينها؛ ولهذا يؤخر إقامة الحد عليها حتى لا يتعدى إقامة الحد عليها إلى شخص آخر ألا وهو الجنين. قوله: [ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن امرأة -قال في حديث أبان : من جهينة- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها زنت وهي حبلى) ]. يعني: اعترفت بأنها زنت، وأنها حبلى، وهي بالإضافة إلى اعترافها هناك شيء زائد يدل على ذلك الاعتراف، وهو وقوع الحمل وأنه كان من زنا. قوله: [ (فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ولياً لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها) ]. أحسن إليها يعني: في القيام بها، وصد العدوان عنها لو أراد أحد من قبيلتها أن يعتدي عليها؛ لأنه قد يعتدي عليها أحد من قبيلتها لما في فعلها من العار عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بصيانتها والمحافظة عليها حتى تلد وحتى تفطم ولدها، وبعد ذلك يقام عليها الحد. قوله: [ (فلما أن وضعت جاء بها فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها) ]. وقد جاء بيان ذلك في بعض الروايات الأخرى التي فيها أنه أخر ذلك حتى تفطم ولدها؛ لأنه بحاجة إليها، وإذا كان محتاجاً إلى رضاعها ولا سبيل له إلى عيشه إلا بذلك فإنها تبقى ويؤخر رجمها حتى تفطمه وحتى يستغني عن رضاعها وعن لبنها. قوله: [ (فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم أمرهم فصلوا عليها) ]. يعني: شدت عليها ثيابها حتى لا يحصل لها تكشف عند الرجم، وعند اضطرابها نتيجة ذلك، فهذه هي فائدة كونها تشد عليها ثيابها، ثم أمرهم فصلوا عليها، فدل هذا على أن الذي يقام عليه الحد أنه يصلى عليه، وكل مسلم يموت فإنه يصلى عليه سواءً كان عليه حد أو ليس عليه حد، ولو كان من العصاة، ولكن يمكن أن يتأخر الإمام أو من له أهمية ومنزلة إذا كان في ذلك ردع للناس عن الوقوع في مثل ذلك العمل الذي تركت الصلاة عليه من أجله من بعض من لهم شأن ومنزلة. قوله: [ (فقال عمر : يا رسول الله! تصلي عليها وقد زنت؟! قال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟!) ]. ثم إن عمر رضي الله عنه لما صلوا عليها وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتصلي عليها وقد زنت؟ وذلك لاستعظامهم الزنا وأنه أمر خطير وعظيم، فحصل منهم استغراب من أن الرسول يصلي عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنها تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، ثم قال: (وهل رأيت أفضل من أن جادت بنفسها؟ ) معناه: أرخصت نفسها وبذلتها لله من أجل أن تطهر من الجرم الذي وقعت فيه، ومن الذنب الذي حصل لها، وكان بإمكانها أن تستتر بستر الله، ولكنها أرادت أن يحصل لها تطهير من هذا الذنب الذي قد حصل لها؛ فإذاً: دل هذا على أنه يصلى على من أقيم عليه الحد، ويصلى على كل مسلم، ثم عرفنا فيما مضى أن الحدود جوابر تجبر النقص، وأن الإنسان إذا عذب في الدنيا بعقوبة فيها حد فإنه لا يعذب على ذلك في الآخرة، بل هذا هو نصيبه من العذاب بهذه الجناية، أو بهذه الجريمة التي حصلت منه؛ لأن الحدود كفارات كما ثبتت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث رجم المرأة الغامدية

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن هشاماً الدستوائي ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبان بن يزيد ]. هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبو المهلب ]. وهو عم أبي قلابة ، وهو أبو المهلب الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين أبي نجيد رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ لم يقل: عن أبان فشكت عليها ثيابها ]. يعني: طريق أبان ليس فيها فشكت عليها ثيابها وإنما هي من طريق رفيقه وقرينه هشام الدستوائي .

أثر الأوزاعي في تفسير (فشكت عليها ثيابها) وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد عن الأوزاعي قال: (فشكت عليها ثيابها) يعني: فشدت ]. وهذا أثر مقطوع ينتهي إلى الأوزاعي ، وهو تفسير لشكت، وأن المقصود بذلك ربطت وشدت، والمقطوع هو المتن الذي ينتهي إسناده إلى من دون الصحابي، فيقال له: مقطوع. قوله: [ حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي ]. محمد بن الوزير الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث رجم المرأة الغامدية من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن بشير بن المهاجر حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن امرأة -يعني: من غامد- أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد فجرت، فقال: ارجعي، فرجعت، فلما أن كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ؟ فوالله إني لحبلى، فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته فقال لها: ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت، وكان خالد فيمن يرجمها، فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وأمر بها فصلى عليها ودفنت) ]. أورد أبو داود حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه: أن امرأة من غامد، وفي رواية: من جهينة قال بعض أهل العلم: إنهما قصتان، فقصة الغامدية غير قصة الجهنية، وبعضهم قال: إنها قصة واحدة، والمرأة هي واحدة نسبت إلى جهينة في بعض الأحاديث، ونسبت إلى غامد في بعض الأحاديث، وكل من غامد وجهينة من قحطان، أي: من القبائل اليمنية، وليسوا من القبائل العدنانية، وبعضهم قال: إن غامداً هم من جهينة. وقد قال أبو داود بعد تخريج الحديث: غامد وجهينة وبارق شيء واحد، يعني: أن المرأة هي واحدة، وهي جهنية وغامدية؛ لأن جهينة وغامداً شيء واحد، فهم من أصل واحد ومن قبيلة واحدة، ومنهم من يقول: إن غامداً من جهينة. قوله: [ (أن امرأة من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني قد فجرت فقال: ارجعي فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك) ]. يعني: هذه المرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنها فجرت يعني: زنت فقال لها: ارجعي فلما رجعت وجاءت من الغد قالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً ؟ ومرادها من ذلك أنها تختلف عن ماعز لأن في بطنها ولداً، وأنها قد حملت من الزنا، وهذا بخلاف الرجل، فإنه ما عنده إلا الاعتراف، وأما هي فإن عندها اعترافاً وشيئاً آخر وراء الاعتراف، وهو أن في بطنها ولداً بسبب الزنا، فقالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزاً . ثم ينبغي أن يعلم أنه لا علاقة لماعز بالغامدية ، وأن قولها: كما رددت ماعزاً لا يدل أنه هو الذي زنى بها، فقد عرفنا أن ماعزاً زنى بجارية من الحي من قبيلته التي هي أسلم، فلا يقال: إن قولها: كما رددت ماعزاً يدل على أن مسألتهما واحدة، بل قصته غير قصتها، وليس زناه بها، وإنما زنى ماعز بن مالك بجارية من حيه وقبيلته. وأما الغامدية فإنما أرادت أن تذكر أن ماعزاً يختلف عنها؛ لأن ماعزاً رجل ليس عنده إلا الاعتراف، وأما هي فعندها الاعتراف، وعندها شيء أكثر من الاعتراف، وهو الولد الذي في بطنها من الزنا، ومعلوم أن الولد لا يأتي إلا من نكاح أو سفاح، وهو لم يأت هنا من نكاح، فإذاً: هو سفاح، فاعترفت أنها زنت وأنها حامل من الزنا. قوله: [ قالت: (لعلك أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ؟ فوالله إني لحبلى! فقال لها: ارجعي، فرجعت، فلما كان الغد أتته فقال لها: ارجعي حتى تلدي، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبي فقالت: هذا قد ولدته، فقال لها: ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين وأمر بها فحفر لها) ]. ثم إن المرأة لما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بأنها حبلى فقال لها: (ارجعي حتى تلدي) يعني: انتظري حتى تلدي، لأنه لا يقام الحد عليها وهي حامل؛ لأن إقامة الحد عليها يتعدى إلى الجنين فيموت تبعاً لها، وهي نفس أخرى لا علاقة لها بالجريمة، وإن كانت هي نتيجة للجريمة؛ لكن لا علاقة لها من حيث الجرم، وإنما الذي حصل منه الجرم هو الذي يعاقب، والذي ما حصل منه جرم لا عقاب عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتظر حتى تلد ما في بطنها، ولما جاءت إليه بعد أن ولدته قالت: هذا الولد أتيت به، قال: ارجعي حتى تفطميه، فرجعت وأرضعته، ثم جاءت به وبيده شيء يأكله، يعني: إشارة إلى أنه قد استغنى عن اللبن، وأنه يأكل الطعام، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يحفر لها حفرة، وهذا يدل على أن المرأة يحفر لها حفرة، حتى يكون أستر لها، فأمر بها فرجمت وهي في حفرتها حتى ماتت، ثم أمر بالصلاة عليها وصلى عليها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (وأمر بها فرجمت وكان خالد فيمن يرجمها، فرجمها بحجر فوقعت قطرة من دمها على وجنته فسبها) ]. وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه من جملة الذين رجموها، ولما رجمها وقعت قطرة من دمها على وجنته يعني: طار الدم وانتشر حتى وصل إليه ووقع على وجنته فسبها. قوله: [ (فقال: مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) ]. يعني: لا تسبها فإنها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وهذا يدلنا على خطورة المكس، وعلى خطورة عقوبة صاحب المكس، وهو الذي يأخذ الضرائب من الناس في غير حق، فإنه يكثر خصومه يوم القيامة، ويكثر الآخذون من حسناته يوم القيامة؛ لكونه قد ظلمهم، وقد جاء في حديث المفلس الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس الذي لا درهم عنده ولا متاع)، أرادوا مفلس الدنيا، وهو عليه الصلاة والسلام أراد مفلس الآخرة، فقال: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار)، فهو يدل على شدة عقوبته، وعلى عظم جرمه، وذلك لكثرة خصومه وكثرة من ظلمهم، وأنهم يخاصمونه يوم القيامة ويأخذون من حسناته أو يطرح عليه من سيئاتهم، ولهذا مثل به النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (مهلاً يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وأمر بها فصلى عليها ودفنت) ]. يعني: هو صلى عليها ودفنت، وهذا يدل على جواز الصلاة على مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد أو لم يقم عليه الحد، كل ذلك يصلى عليه، وكل مسلم يصلى عليه، وإنما يمكن أن يتأخر بعض الناس الذين تأخرهم يؤثر على الناس، ويكون سبباً في بعدهم عن الوقوع في مثل ذلك الذنب.
تراجم رجال إسناد حديث رجم المرأة الغامدية من طريق ثانية


قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بشير بن المهاجر ]. بشير بن المهاجر صدوق لين الحديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الله بن بريدة ]. هو عبد الله بن بريدة بن الحصيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن زكريا أبي عمران قال: سمعت شيخاً يحدث عن ابن أبي بكرة عن أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة). قال أبو داود : أفهمني رجل عن عثمان . قال أبو داود : قال الغساني : جهينة وغامد وبارق واحد ]. أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله عنه: (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) يعني: إلى ثديها، وهو يدل على الحفر، والحفر دل عليه الحديث السابق؛ وذلك لأنه يكون أستر لها وأمكن في عدم هروبها أو تكشفها. وقد تكون شدت عليها ثيابها، يعني: ربطت عليها، ووضعت في حفرة، ولكنها ما دفنت فيها، والمقصود من ذلك حتى لا تتمكن من الفرار؛ لأنها لو وضعت في حفرة إلى ثديها فإنها لن تستطيع الخروج.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع بن الجراح ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا أبي عمران ]. زكريا أبو عمران هو زكريا بن سليم ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: سمعت شيخاً يحدث عن ابن أبي بكرة ]. شيخ يحدث عن ابن أبي بكرة وهذا الشيخ مبهم. و ابن أبي بكرة هو عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو نفيع بن الحارث ، وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : أفهمني رجل عن عثمان ]. يعني: كأنه ما أتقن اللفظ من عثمان ، ولكنه أفهمه رجل عنه، بحيث إنه كان الأمر ملتبساً عليه، فاستفهم من شخص آخر سمع منه عن عثمان ، يعني: أن ما سمعه من عثمان ليس متحققاً منه، وإنما فيه شيء من الخفاء فأوضحه له رجل آخر. فلفظ (الرجل) مبهم، ثم أيضاً الرجل المبهم الذي هو الشيخ الذي يروي عن ابن أبي بكرة ، ولكن لفظ الحفر جاء في الحديث الذي قبله فهو شاهد له. [ قال أبو داود : قال الغساني : جهينة وغامد وبارق واحد ]. يعني: أنها قبيلة واحدة، وأنهم يرجعون إلى أصل واحد، وهذا يريد أن يبين أن قصة الغامدية وقصة الجهنية لا فرق بينهما وهما قصة واحدة، فوصفت بأنها جهنية في بعض الأحاديث، ووصفت بأنها غامدية في بعض الأحاديث، وبارق ليس لها علاقة فيما يتعلق بحديث المرجومة هذه، ولكن أراد أن يبين أن هذه القبائل الثلاث كلها ترجع إلى قبيلة واحدة. والغساني هو أبو بكر بن أبي مريم ، وهو ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 03-07-2025, 02:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة) من طريق أخرى


[ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث أنه قال: حدثنا زكريا بن سليم بإسناده نحوه زاد: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال: ارموا واتقوا الوجه، فلما طفئت أخرجها فصلى عليها) وقال في التوبة نحو حديث بريدة) ]. أورد أبو داود حديث ابن أبي بكرة من طريق أخرى وفيه: (ثم رماها بحصاة مثل الحمصة). يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ برميها، وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فبدأ بالرمي وهم رموا وراءه، ولكن هذا غير ثابت، والإمام ليس بلازم أنه يباشر الرمي وإنما يأمر به، وإن كان بعض أهل العلم قال: إنه يستحب له أن يباشر وأن يشارك فيه، ولكن الأمر في ذلك واسع، إن شارك شارك، وإن لم يشارك فالأمر ليس بلازم، ولكن كون الرسول شارك وأنه رماها بحصاة مثل الحمصة، فإن هذه الحجرة الصغيرة التي تساوي هذه الحبة الصغيرة التي يقال لها الحمصة لا تؤثر، فالحديث ضعيف وليس هناك ما يشهد له، والذي حدث أبا داود مجهول غير معروف؛ لأنه قال: حدثت، ففيه انقطاع، وفيه أيضاً ذلك الشخص المقبول الذي هو زكريا أبو عمران الذي سبق أن مر وهو زكريا بن سليم ، وفيه أيضاً الشيخ المبهم، يعني: فيه ثلاث علل وليس له شواهد.
تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي رجم امرأة فحفر لها إلى الثندوة ) من طريق أخرى


[ قال أبو داود : حدثت عن عبد الصمد بن عبد الوارث ]. عبد الصمد بن عبد الوارث صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زكريا بن سليم بإسناده نحوه ]. زكريا بن سليم مر ذكره وهو زكريا أبو عمران .

الجمع بين قوله: (فحفر لها إلى الثندوة) وقوله: (ارموا واتقوا الوجه)


قال في هذا الحديث: (ارموا واتقوا الوجه)، وفي الحديث السابق: (فحفر لها إلى الثندوة)، ومن المعلوم أنه إذا حفر لها إلى الثدي لم يبق إلا الرأس بما فيه من الوجه. على كل: ما دام أنه إلى الثندوة ففيه الرقبة، وفيه الظهر، وفيه قفاء الرأس، ثم أيضاً هذا اللفظ (ارموا واتقوا الوجه) ما جاء إلا من هذه الطريق التي فيها ضعف، فهذه الرواية ضعيفة؛ ولأن المقصود في هذا أنه ينتهي بالقتل، وسواءً جاء الرجم من قبل الوجه أو جاء من جميع الجهات، ثم أيضاً يصعب اتقاء الوجه للذي يرجم من جهات مختلفة، والإسناد كما عرفنا ضعيف.
شرح حديث العسيف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه: (أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وكان أفقههما: أجل يا رسول الله! فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي أن أتكلم قال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -والعسيف الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن ما على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وإنما الرجم على امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد إليك، وجلد ابنه مائة، وغربه عاماً وأمر أنيساً الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنهما، وأنهما قالا: إن رجلين جاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله، وقال الآخر وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا -يعني: كان أجيراً عند هذا الرجل الذي هو خصمه- وأنه زنى بامرأته، وأنه أخبر بأن ابنه عليه الرجم، فأراد أن يخلص ابنه فدفع إلى ذلك الرجل الذي هو زوج المرأة مائة من الغنم ووليدة أي: جارية، ثم بعد ذلك سأل أهل العلم وقالوا: إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك، وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً وقال: اغد يا أنيس -وهو رجل من أسلم- إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها). هذا الحديث فيه إثبات الرجم على من كان محصناً، وإثبات الجلد مائة وتغريب عام لمن كان غير محصن، والحديث مشهور بحديث العسيف؛ لأنه جاء فيه: (إن ابني كان عسيفاً على هذا) وجاء بعض الرواة ففسر العسيف بأنه الأجير؛ لأن قوله: والعسيف: الأجير، هذا تفسير من بعض الرواة وبيان أن العسيف هو الأجير وزناً ومعنى. فقال زوج المرأة: اقض بيننا بكتاب الله، والثاني قال: اقض بيننا بكتاب الله يعني: كما قال صاحبي، وائذن لي أن أتكلم، ثم إنهما قالا: (اقض بيننا بكتاب الله)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يقضي إلا بكتاب الله، فكيف خاطباه بهذا الخطاب؟ قيل: إن المقصود من ذلك: أنه لا يقضي بينهما بشيء فيه صلح أو فيه رفق بهما جميعاً ويكون ذلك عن طريق التراضي بينهما، وإنما يريدان حكماً جازماً فاصلاً فيما لهما وما عليهما؛ ومعلوم أن القاضي قد يصلح بين المتخاصمين فيتفقان على شيء، وإذا حصل ذلك ولم ينته إلى حكم فإن ذلك سائغ، لكن لابد أن يكون برضا الطرفين، يعني: الحق لا يعدوهما، فإذا اصطلحا واتفقا فإن النتيجة أن كلاً منهما سيذهب مسروراً بسبب الصلح، وأما القضاء فإن واحداً منهما يكون مسروراً والثاني غير مسرور؛ لأنه قد حكم عليه، فهما أرادا أن يكون الحكم إنما هو بشيء يفصل بينهما، فصاحب الحق يأخذ حقه، والذي ليس له حق لا يكون له شيء. قوله: [ (اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) ] قيل: إن مما يشير إلى فقهه أدبه وكونه استأذن في الكلام؛ لأنه قال مثل ما قال صاحبه، وأنه وافق صاحبه على ما قال، ولكنه طلب أن يؤذن له في الكلام، فالرسول أذن له أن يتكلم فقال الرجل: إن ابني كان عسيفاً على هذا -كان أجيراً عند هذا- فزنى بامرأته، يعني: أن الزنا سببه كونه أجيراً عندهم، وهذا يدلنا على خطورة وجود الأجانب بين النساء في البيوت مثلما هو منتشر في هذا الزمان من التوسع في استقدام الخدم والخادمات، ووجود السائق مع البنات والنساء، والخادمة تكون مع البنين والرجال في البيت فيخلون بها؛ فيترتب على ذلك فساد، ويترتب على ذلك فتن، وإذا كان هذا حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا العسيف الذي كان عند امرأة ذلك الرجل، وأنه زنى بها بسبب الاتصال والاحتكاك الذي يكون بينهما فكيف بزماننا؟! فالواجب هو الاستغناء عنهم ما أمكن، وإذا اضطر الإنسان فليتخذ الحيطة لذلك بحيث لا يخلو ولا يتصل بالنساء، ولا يخاطب النساء، ولا تكون له أية علاقة بالنساء، وإنما علاقته تكون بالرجال، وإذا احتيج إلى أن يذهب بهن أو يذهب بالمرأة أو بالفتاة فيكون معها محرمها، وإذا كان أيضاً أمكن أن يكون الخادم معه زوجته فيركب هو وزوجته، ومعهم بنات أو نساء الرجل المستأجر فإن هذا يكون أسلم، أما حصول الاختلاط فإنه يترتب على ذلك الأضرار الكثيرة العريضة، ولهذا نسمع كثيراً من الحوادث التي تجري وما يحصل من إقامة الحدود بسبب تلك الجنايات التي تكون في البيوت من الخدم والخادمات، فإن الأضرار في ذلك كثيرة وعظيمة، ولهذا ينبغي أن يحذر التوسع أو الإقدام على استقدام الخدم إلا لضرورة، ومع الضرورة يكون الاحتياط، بحيث لا تقترب المرأة الخادمة من الرجال، ولا تخالطهم، والسائق أو الخادم لا يخالط النساء ولا يتصل بهن، وإنما يكون في معزل عنهن، فهن في جانب وهو في جانب. قوله: [ (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته) ] هذا فيه بيان سبب الزنا، وهو كونه عسيفاً عنده، فزنى بامرأته، والزنا -كما هو معلوم- يكون سهلاً فيما إذا كان الشخص في البيوت أو له علاقة واتصال بالنساء، وليس مثل الرجل الذي ليس له علاقة؛ لأن هذا يتسور الجدران أو يكسر الأبواب، وأما الأول فيدخل ويخرج بسهولة ويسر، فهو ليس أجنبياً بحيث يستغرب دخوله عليهن، وإنما يدخل ويخرج كأهل البيت، فإذا حصل الاختلاط بين الخادم ونساء البيت، أو بين الرجال من أهل البيت مع الخادمات فإنه يحصل بذلك الفتن، ويحصل بذلك الزنا، ويحصل بذلك الشرور التي لا حد لها. قوله: [ (إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم) ] معناه: أنه يموت رجماً بالحجارة، فأراد أن يتخلص من الرجم، وألا يظهر أمره لئلا يرجم ولده، فاتفق مع زوج المرأة على أن يعطيه مائة من الغنم ووليدة، ويسلم من تبعة ذلك، ثم إنه سأل أهل العلم فأخبروه بأن ابنه ليس عليه رجم، وإنما عليه جلد وتغريب، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضى مع خصمه الذي أخذ منه الغنم والوليدة فقال والد العسيف: اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال: تكلم، فقال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله)، وكتاب الله عز وجل قيل: إن المراد به: حكم الله، ومعلوم أن كل ما جاء عن الله وعن رسوله فهو حكم الله سواء كان كتاباً أو سنة؛ لأن كلام الرسول هو من الله، وقد قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، فالسنة هي من الله عز وجل وليست من الرسول صلى الله عليه وسلم، فكلها أحكام الله وكلها من الله، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها ولم يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن. وقيل: إن كتاب الله المقصود به: القرآن، وإن الرجم موجود فيه، وكذلك الجلد موجود فيه؛ لأن الجلد موجود في سورة النور، والرجم موجود في الآية التي نسخت وهي: (والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم). فإذاً: إن أريد بالكتاب القرآن فإن ذلك موجود فيه، وإن أريد بذلك الحكم مطلقاً فإن الكتاب والسنة كلها حكم الله وكلها في كتاب الله، ولهذا جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه: (لعن الله النامصة والمتنمصة) فقال: ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله، وكانت امرأة سمعت ذلك الكلام فجاءت إليه وقالت: يا أبا عبد الرحمن ! إني قرأت المصحف من أوله إلى آخره ما وجدت فيه هذا الذي تقول، قال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قال الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالسنة هي من الله، وهي حكم الله عز وجل. قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ثم قال: الوليدة والغنم رد عليك) مردودة عليك، يعني: هذا الصلح الذي حصل على باطل وعلى أمر محرم فإنه مردود ومنقوض، والغنم ترد على صاحبها، والوليدة ترد على صاحبها؛ لأن ذلك مبني على باطل ولم يكن مبنياً على حق. وهذا يدل على أن الصلح إذا كان مخالفاً للكتاب والسنة فإنه ينقض ويرد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (والوليدة والغنم رد عليك)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وهذا لفظ مسلم ، وفي لفظ الصحيحين: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد). قوله: [ (وجلد ابنه مائة جلدة وغربه عاماً) ]؛ لأن هذا هو حده وهذا حكمه في الكتاب قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، والتغريب في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمر أنيساً الأسلمي أن يذهب إلى امرأة ذلك الرجل التي ادعي أنه زنى بها قال: (إن اعترفت فارجمها)، وهذا يدلنا على أن اعتراف شخص لا علاقة له بالشخص الآخر إلا أن يعترف، فلو أنكرت لا تؤاخذ ولا يقبل قوله عليها، وإنما تؤاخذ باعترافها أو بشهادة أربعة شهود، هذا هو الذي يك

تراجم رجال إسناد حديث العسيف


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ]. عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة و زيد بن خالد الجهني ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق. و زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكأن أبا داود رحمه الله أورد في هذا الباب حديث العسيف؛ لأن فيه رجم المرأة، فكأنه لما ترجم للجهنية أورد بعد ذلك ما يتعلق بالمرأة كما أنه فيما يتعلق بماعز ذكر قصة الرجال الذين أقيم عليهم الحد فذكرهم في باب ما يتعلق بماعز بن مالك ، وذكر فيما يتعلق بالمرأة الجهنية قصة المرأة الأخرى التي هي صاحبة العسيف.
الأسئلة



سبب حضانة رجل من المسلمين لولد الغامدية دون زوجها


السؤال: لماذا دفع بالولد إلى رجل من المسلمين، أليس زوجها أحق بهذا الولد؛ لأنه ولد على فراشه؟ الجواب: لا يدرى هل لها زوج أو ليس لها زوج؟ لأنها لو كانت فراشاً لكان الولد للفراش، ولكن الذي يبدو أنها ليست ذات زوج، وإلا فإن الشرع يحافظ على الأنساب، ولهذا جاء في الحديث: (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، كل ذلك محافظة على الأنساب وعدم ضياعها ما دام أن ذلك ممكن. وقوله: (رجل من المسلمين) هذا لفظ عام قد يكون من أقرباء المرأة وقد يكون من غير أقربائها.
توجيه اختلاف الروايات في حديث الغامدية
السؤال: في حديث رجم الغامدية ذكر في طريق أنها شدت عليها ثيابها ولم يذكر الحفر، وفي طريق أخرى ذكر الحفر ولم يذكر أنها شدت عليها ثيابها، وفي الحديث الأول قال: (والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة) وفي الحديث الثاني قال: (لو تابها صاحب مكس) هل يدل هذا على أن الوقائع متعددة؟ الجواب: يحتمل، ولكن ليس بعيداً أن تكون القصة واحدة ويكون الرسول قال هذا، وقال هذا، وكل أتى بما حفظ.

جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل


السؤال: هل يستفاد من حديث العسيف جواز سؤال المفضول مع وجود الفاضل لأنه سأل الصحابة مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: يمكن ذلك، وهذا لعله كان في مكان آخر، وأنه لم يكن متمكناً من الوصول إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس بلازم أن يكونوا كلهم معه في بلد واحد، يعني: بلدهم غير البلد الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سأل من كان حوله، فالذي يظهر أن هذا هو السبب والله أعلم، وإلا فإنه إذا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في البلد الذي هو فيه فهو المرجع للجميع.

مشروعية الإجارة شرعاً وعقلاً


السؤال: يقول الخطابي : وفيه إثبات الإجارة والخلاف فيها قليل، وقد أبطلها قوم؛ لأنهم زعموا أنها ليست بعين مرئية ولا صفة معلومة؟ الجواب: نعم، الإجارة أجمع عليها العلماء، والذي يخالف فيها هم شُذاذ من أهل البدع، لا يعول على شذوذهم ولا على قولهم، وقد ذكر ذلك ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد قال: إنه خالف فيها أبو بكر بن الأصم و ابن علية وقالوا: إن المعقود عليه المنفعة، والمنفعة ليست موجودة عند العقد، وأن المنفعة توجد شيئاً فشيئاً، ومعلوم أن هذا قول باطل، والناس لا يستغنون عن الإجارة، ومن الذي يستغني عن الإجارة؟! فلو كانت الإجارة ممنوعة لا تجوز فمعنى ذلك أن الإنسان لابد أن يصير عارفاً لكل المهن، وأنه لا يحتاج إلى غيره، فيكون خبازاً ويكون حداداً ويكون نجاراً ويخدم نفسه بنفسه، والناس إما أن يحسنوا إليه وأما أن يشتغلوا به بالمجان، وأما هو فيتعلم المهن كلها حتى لا يحتاج إلى الناس، وهذا غير ممكن وغير معقول، بل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض، ويكون عند هذا ما يحتاج إليه هذا، وعند هذا ما يحتاج إليه هذا، والإجارة إنما هي على المنفعة، والمنفعة توجد شيئاً فشيئاً؛ لأن المنفعة لو كانت موجودة لصار بيعاً؛ لأن البيع يكون على الأعيان الموجودة ويتم تسليمها، وأما الإجارة فإنما تسلم العين للاستفادة منها، وبعد انتهاء الأجل ترجع إلى صاحبها. فالذين قالوا بعدم جواز الإجارة من المبتدعة: أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي و إبراهيم بن إسماعيل بن علية وليس ابن علية الإمام الذي هو إسماعيل ، وإنما ابنه إبراهيم ، وقد ترجم له الذهبي في الميزان وقال: جهمي هالك، الذي هو إبراهيم ، ولهذا عندما يأتي في مسائل الفقه في الأمور الشاذة ذكر ابن علية فالمقصود به إبراهيم الذي هو ابن إسماعيل ، وأبوه إسماعيل إمام محدث مشهور، كثيراً ما يأتي ذكره في الأسانيد، وأما ابنه إبراهيم فهذا هو المبتدع الذي قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك.

سبب الذهاب إلى المرأة وسؤالها في حديث العسيف


السؤال: في الحديث أن المرأة لم تأت ولم تعترف، وإنما ذهبوا إليها وسألوها حتى اعترفت، وهذا بخلاف الأحاديث السابقة في التخفيف عن الناس والستر عليهم؟ الجواب: لكن هذا الأمر ظهر وانتشر، وأن هذا اعترف بأنه زنى، والأمر متوجه إليها فهي إما أن تكون متهمة أو بريئة، فإن كانت بريئة فإنه يقام عليه حد القذف؛ لأنه لم يثبت ذلك؛ لأنه لو اعترف أن فلاناً زنى بامرأة وهي منكرة، ولم يكن هناك شهود فإنه يقام عليه حد القذف وحد الزنا، فلما كان الأمر يتعلق بأمر أنيط بها، والحد أقيم عليه وهي معروفة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها لتسأل وتخبر بالذي حصل وهو قذفها، فإن كانت بريئة فإنها تطالب بحد القذف، وإن كانت ليست بريئة واعترفت فإنه يقام عليها الحد كما أقيم على الذي زنى بها.

أمر الغامدية بالانتظار حتى تضع حملها مطلق وليس مقيداً


السؤال: المرأة التي زنت وأمرت بالانتظار إلى أن تضع حملها هل هذا مطلق، أم أنه مقيد بما إذا كان الحمل ظاهراً وقد قربت الولادة؟ الجواب: الذي يبدو أنه مطلق؛ لأنه ما جاء شيء يدل على أن الحمل كبير أو صغير، وإنما أخبرت بأنها حبلى من الزنا، والحبل كما هو معلوم يكون بوجوده وبحصوله ولو كان في أول الأمر يقال: إنه حبل.

جواز تأخير الحد عن المرأة الحامل إذا كان ذلك يؤثر عليها


السؤال: هل تؤخر إقامة الحدود على المرأة الحامل غير الرجم مثل الجلد أو قطع اليد؛ لأنه قد يؤثر على الجنين؟ الجواب: نعم، الشيء الذي فيه تأثير عليها فإنه يؤخر لئلا تحصل الجناية على شخص آخر.

مطالبة الزاني بمبلغ مالي دون إقامة الحد عليه


السؤال: الآن لدينا بعض القبائل لا تقوم بحد الجلد أو الرجم، ولكن يطالبون الزاني أو وليه بمبلغ من المال فيكون كالردع عن قيامه بهذه الفاحشة؟ الجواب: هذا هو نفسه الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (الغنم والوليدة رد عليك).

حكم الجمارك في الشرع

السؤال: هل ما يؤخذ في الجمارك يعتبر من المكس؟ الجواب: نعم، الجمارك هي من المكس، والإنسان لا يعرض نفسه للمخاطر بالتحايل عليها؛ لأنه لو تحايل ربما يعرض نفسه للإهانة، وإذا دفع شيئاً وهو مظلوم فهو إذا لم يحصله في الدنيا يحصله في الآخرة."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 03-07-2025, 02:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [501]
الحلقة (531)



شرح سنن أبي داود [501]

الزنا محرم في جميع الأديان، وكبيرة من كبائر الذنوب، وحده الرجم على المحصن، والجلد على البكر، وقد جاء اليهود إلى رسول الله بيهوديين زنيا يريدون من رسول الله أن يحكم فيهما ظناً منهم أنه سيكون حكماً خفيفاً، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم فيهما بحكم الله الوارد في شريعة الإسلام، والذي وافق ما عندهم في التوراة، فأمر بهما فرجما.
ما جاء في رجم اليهوديين


شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في رجم اليهوديين. حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: (إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الزنا؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك، فرفعها فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد! فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة، وهي: [ باب في رجم اليهوديين ]، و(أل) للعهد الذهني، يعني: اليهوديين المعهودين في الأذهان، وهما اللذان حصل لهما الرجم وجاءت بذلك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، وكانوا يريدون أن يحكم عليهما بحكم خفيف دون ذلك الذي في كتابهم وهو الرجم، فالرسول صلى الله عليه وسلم سألهم: (ما تجدون في التوراة؟) يعني: ما هو الحكم الذي جاء في التوراة في حق من زنى وكان محصناً؟ فقالوا: إنهم يجلدونهم ويفضحونهم، أي: الجلد والفضيحة، والفضيحة: كونهم يطاف بهم على حمر، بحيث يركب الحمار ويجعل وجهه مما يلي دبر الحمار ويسود وجهه، ويعلنون ذلك فيكون فضيحة. فقال عبد الله بن سلام -وهو من اليهود وقد أسلم رضي الله عنه وأرضاه-: كذبتم، إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة -جاءوا بالتوراة- فجعل واحد منهم يقرأ من التوراة ووضع يده على آية الرجم، ولما جاء إلى الصفحة التي فيها آية الرجم وضع يده عليها فكان يقرأ ما قبلها وما بعدها، يعني: ما قبل الذي عليه يده وما بعده فقال له: ارفع يدك وإذا تحتها آية الرجم فقالوا: صدق، فعند ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم أمر برجمهما فرجما، قال عبد الله بن عمر : فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة؛ أي: الرجل الزاني الذي زنى بها يحني عليها فتقع عليه الحجارة ولا تقع عليها. فهذا الحديث يدل على أن الحكم في التوراة هو الرجم، كما أن الحكم الذي جاء في السنة وفي هذه الشريعة هو الرجم في حق من كان محصناً، والقرآن فيه ذلك الحكم في الآية المنسوخة، وفي الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن حد الزاني المحصن هو الرجم. وفيه دليل على أن اليهود إذا تحاكموا إلى المسلمين فإنهم يحكمون فيهم بحكم الله عز وجل، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما حكم بهذه الشريعة ولم يحكم بالتوراة، ولكن حكم التوراة مطابق لحكم الشريعة، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين ما هم عليه من إخفاء الحق وإظهار الباطل، وأنهم يغيرون ويبدلون، وكان ذلك الحكم الذي هو الرجم موجوداً في التوراة ولم يحصل فيه التغيير والتبديل، ولكنهم جحدوه وأنكروه وقالوا: إنه لا يوجد -أي: ذلك الحكم- مع أنه موجود، ثم بعد ذلك تبين وجوده وتبين كذبهم، وأنهم يحرفون الكلم ويبدلون شرع الله، وأنهم يأتون بأحكام من عند أنفسهم ويتركون ما أنزل الله عز وجل عليهم في كتابهم الذي هو التوراة المنزلة على موسى عليه الصلاة والسلام. قوله: [ عن ابن عمر قال: (إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الزنا؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فجعل أحدهم يده على آية الرجم، ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك، فرفعها فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد! فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. قال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة) ]. وهنا مسألة وهي: هل شرع من قبلنا هو شرع لنا؟ فنقول: هذه المسألة فيها تفصيل: فما كان في شرع من قبلنا إذا جاء في شرعنا ما يدل على أنه شرع لنا فهو شرع لنا من أجل أن شرعنا جاء به، وليس من أجل أنه موجود في التوراة أو في الإنجيل، ولكن من أجل أن شرعنا جاء به، فيكون ذلك الحكم الذي في شرع من قبلنا هو أيضاً موجود في شرعنا، فهو لنا بحكم شرعنا كما في الرجم، فإنه شرع من قبلنا وهو في شرعنا، وكذلك القصاص: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45]، فهذا موجود في شرع من قبلنا وقد جاء في شرعنا أنه لنا، فإذاً: ما كان في شرع من قبلنا إن جاء في شرعنا ما يدل على أنه شرع لنا فهو شرع لنا، وإن جاء في شرعنا ما يدل على أنه شرع لهم وليس شرعاً لنا فإنه لا يكون لنا، وإن كان سكت عن ذلك فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: بأنه يكون شرعاً لنا؛ لأنه ما ذكر في شرعنا إلا لنعتبر به ولنأخذ به ونستفيد منه. ومنهم من قال: إنه لا يكون شرعاً لنا ما دام أنه ما جاء التنصيص على أنه لنا. فإذاً: المسألة فيها تفصيل، أمران متفق عليهما والثالث فيه الخلاف؛ فالمتفق عليه ما جاء في شرعنا أنه شرع لنا، وما جاء في شرعنا أنه ليس شرعاً لنا فهو ليس لنا، وما سكت عنه في شرعنا أنه لنا أو ليس لنا ففيه الخلاف، وجمهور أهل العلم على أنه لنا، وبعضهم قال: إنه ليس لنا.

تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا


قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ قال: قرأت على مالك بن أنس ]. مالك بن أنس ، وهو المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . قوله: [ قرأت على مالك ] هذا يسمى في علم المصطلح العرض، يعني: كون التلميذ يقرأ على الشيخ هذا يسمى: عرضاً، والغالب أنه يعبر عن ما قرئ على الشيخ بـ(أخبرنا)، أما ما سمع من لفظ الشيخ فيقال فيه: حدثنا، ولكنه يأتي (حدثنا) في مكان (أخبرنا)، ويأتي (أخبرنا) في مكان (حدثنا).

شرح حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: (مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي قد حمم وجهه وهو يطاف به فناشدهم: ما حد الزاني في كتابهم؟ قال: فأحالوه على رجل منهم فنشده النبي صلى الله عليه وسلم: ما حد الزاني في كتابكم؟ فقال: الرجم، ولكن ظهر الزنا في أشرافنا فكرهنا أن يترك الشريف ويقام على من دونه فوضعنا هذا عنا، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم ثم قال: اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: أنهم مروا على النبي صلى الله عليه وسلم -أي: اليهود- برجل يطاف به -يعني: أنه على حمار- وقد حمم، يعني: سود وجهه بالفحم وهذا يعتبرونه فضيحة وخزياً، وأن هذه هي العقوبة، وقد مر في حديث ابن عمر أنهم قالوا: (نفضحهم ويجلدون)، وكونه يركب على حمار ويكون وجهه إلى مؤخر الحمار ويسود وجهه بالفحم، فهذا هو الفضح عندهم، وهذه هي العقوبة التي أتوا بها، فالرسول صلى الله عليه وسلم ناشدهم. قوله: [ (فناشدهم: ما حد الزنا في كتابهم؟) ]. يعني: في التوراة، فالكتاب هو التوراة التي أنزلت على موسى عليه الصلاة والسلام، فذكروا أنه الرجم، ولكنه ظهر الزنا في أشرافهم فتركوا إقامة الحد عليهم، ثم رأوا أنه يسوى بين الشريف والوضيع، وذلك بأن يتفقوا على طريقة وهي أنه يفضح ويجلد ويركب على حمار ويكون وجهه مما يلي مؤخرة الحمار، فهذا الشيء الذي تواطئوا عليه وغيروا به حكم الله، والسبب في ذلك كما جاء في هذا الحديث أن الزنا وقع في أشرافهم، وأن الحد لم يقم على الأشراف، فرأوا أن الحكم يغير ويبدل من الرجم إلى الفضيحة والجلد، وبالكيفية التي جاءت في بعض هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فوضعنا هذا عنا) ]. فوضعنا هذا عنا الذي هو الرجم، يعني: وضعوه عن الشريف والوضيع؛ لأنهم ما دام أنهم تركوه في حق الشريف فأرادوا أن يتركوه في حق الوضيع وفي حق غير الشريف فيسوى بين الناس. قوله: [ (فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم) ] الذي هو حكم الله عز وجل، والذي جاء في شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو أيضاً موجود في شريعة موسى كما هو موجود في التوراة. قوله: [ (ثم قال: اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) ]. الكتاب المقصود به التوراة التي كان فيها الرجم، وهم أماتوه بمعنى أنهم تركوه وبدلوه بما سموه فضيحة وجلداً.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة في حديثه إلا عن الأعمش ففيه مقال، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مرة ]. عبد الله بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء بن عازب ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

الجمع بين حديث رجم اليهوديين وحديث مناشدة النبي لليهود في حكم رجم الرجل اليهودي

وفي هذا الحديث أنهم مروا بشخص فلا أدري هل لأن الحديث فيه اختصار وأنه فيه الترافع، وأن هذا هو الشيء الذي كانوا يطبقونه بدل الرجم وأنه سأل ونشد؟ ويحتمل ألا يكون فيه اختصار، وأن تكون هذه قضية أخرى ليس فيها تحاكم، وإنما لكونهم موجودين في المدينة وهم خاضعون لحكم الإسلام فهنا يطبق عليهم حكم الإسلام كما يطبق على غيرهم. والمناشدة هنا هي السؤال بإلحاح، يعني: كونه يلح ويشدد في السؤال؛ لأنه يهتم به ويريد أن يحصل على الجواب.

إسناد حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال: (مُرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود، فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزنا؟ قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم قال له: نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا: تعالوا فنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد، وتركنا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41] إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]: في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]: في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة على ذلك، وفيه أنه نزلت الآية، وهو يدل على أنهم تحاكموا إليه؛ وذلك لأن في قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41]، يعني: إن أوتوا الشيء الذي يناسبهم والذي هو التخفيف أخذوا به، وإن لم يؤتوه فإنهم لا يأخذون بالرجم الذي هو موجود عندهم، وهذا يدل على حصول التحاكم في هذه القصة، ولكنهم يريدون شيئاً يناسب أهواءهم وأغراضهم، ويناسب الشيء الذي وضعوه لأنفسهم وجعلوه بديلاً عن حكم الله الذي أنزله الله تعالى على موسى، فإن جاء شيء مثل الذي وضعوه لأنفسهم كالجلد والتحميم أخذوه، وإن لم يؤتوه فإنهم يحذرون أن يقعوا أو تحصل لهم تلك العقوبة التي هي موجودة عندهم، والتي هم فروا منها، وفيه أيضاً بيان أنهم كانوا في أول الأمر تركوا إقامة الرجم على الأشراف وأنهم يقيمونه على غيرهم، وبعد ذلك رأوا أن يتركوا ذلك الحكم ويستبدلونه بحكم من تلقاء أنفسهم، فاجتمع علماؤهم واتفقوا على هذا الحكم الذي هو كونهم يجلدون ويحممون بتسود وجوههم بالفحم. وما جاء في هذا الحديث يبين معنى ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سبق أن مر، والذي فيه قال: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، فإن هذا الذي ذكروه في هذا الحديث من أنهم كانوا يتركون إقامة الحد -وهو الرجم- على الشريف ويقيمونه على الوضيع، ثم بعد ذلك رأوا أن يبدلوه بحكم يطبقونه على كل أحد وهو غير الرجم. قوله: [ (مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم) ]. معناه: أنه قد حصل له الجلد والتحميم ثم الطواف به على حمار ووجهه مما يلي مؤخرة الحمار، على خلاف المعتاد الذي اعتاده الناس من أن الراكب يكون وجهه إلى وجه المركوب، وهذا علامة على الفضيحة والخزي. قوله: [ (فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني؟ فقالوا: نعم) ]. فقالوا: نعم يعني: وهم كاذبون! قوله: [ (فدعا رجلاً من علمائهم قال له: نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه، وإذا أخذنا الرجل الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا: تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد وتركنا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41]) ]. وهذا هو المقصود من إيراد الآية، يعني: أنهم يتحاكمون من أجل أن يحصلوا على ما يناسبهم، وإن لم يحصلوا عليه فإنهم يبقون على ما هم عليه، وهذا يدل على أن القضية فيها تحاكم وأنهم جاءوا متحاكمين، وأنهم يريدون الأخذ بالحكم إن جاء بما يناسبهم، وإن لم يأت بشيء يناسبهم فإنهم لا يأخذون به. قوله: [ (إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية) ]. ثم ذكر الآيات التي نزلت في الحكم بغير ما أنزل الله، والآية الأولى فيها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، والآية الثانية ختامها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، والآية الثالثة ختامها: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، ومعلوم أن الكفر والظلم والفسق كل منهما يكون أكبر ويكون أصغر، يعني: يكون كفراً دون كفر وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق، فالفسق يطلق على الكفر ويطلق على ما دون الكفر، والظلم يطلق على الكفر وعلى ما دون الكفر، والكفر يطلق على الكفر المخرج من الملة والكفر الذي هو دونه. فقال: إن الآية الأولى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] في اليهود، والثانية التي هي: (( الظَّالِمُونَ )) في اليهود، والثالثة التي هي: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] هذه في الكفار جميعاً. وبعض أهل العلم يقول: إن الآيات كلها في الكفار جميعاً، وإن كان أصلها أنها جاءت في حق اليهود إلا أن الحكم عام للجميع، وليس خاصاً باليهود والنصارى وإنما هو للعموم. قوله: [ (فأنزل الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41] إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45] في اليهود، إلى قوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] قال: هي في الكفار كلها يعني: هذه الآية) ]. لا أدري هل هذا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أم أن الذي قاله هو البراء ؟ فهنا لم يتبين.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم إني أول من أحيا ما أماتوا من كتابك) من طريق أخرى


قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو معاوية ]. هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب ]. وقد مر ذكرهم.

حد الزاني في التوراة

وهنا قوله: (نشدتك بالله الذي أنزل التوراة على موسى: أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ فقال: اللهم لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم)، فهنا ذكره دون تفريق بين المحصن والبكر، يقول في عون المعبود: وفي قولهم: وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر، لما وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم، وفي رواية أبي هريرة ولفظه: (المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها) رواه الطبراني وغيره. وقالوا: الحديث فيه دليل على أن الإسلام ليس شرطاً في الإحصان وإلا لم يرجم اليهوديين، وإليه ذهب الشافعي و أحمد ، وقال المالكية ومعظم الحنفية: شرط الإحصان الإسلام، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة، وليس هو من حكم الإسلام في شيء، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم، فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن. وأجيب: بأنه كيف يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى: (( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ))، وفي قولهم: وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر، لما وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة ولفظه: (المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البينة رجما، وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها) رواه الطبراني وغيره كذا في إرشاد الساري والفتح.

شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال: (أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف، فأتاهم في بيت المدراس فقالوا: يا أبا القاسم! إن رجلاً منا زنى بامرأة فاحكم بينهم، فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة فأتي بها، فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك، ثم قال: ائتوني بأعلمكم، فأتي بفتى شاب، ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في رجم اليهوديين. قوله: [ (أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدراس) ]. أتى نفر من اليهود إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعوه إلى القف، والقف: هو وادٍ في المدينة وفيه ذلك المكان الذي هو المدراس، وهو: المكان الذي يقرءون فيه، فجاء إليهم في ذلك المكان الذي يجتمعون فيه والذي هو محل قرءتهم ودراستهم. قوله: [ (فقالوا: يا أبا القاسم! إن رجلاً منا زنى بامرأة فاحكم بينهم، فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بالتوراة فأتي بها) ]. يعني: أخبروه بأن رجلاً وامرأة منهم زنيا، وأنهم يطلبون الحكم فيهما، والرسول صلى الله عليه وسلم طلب منهم أن يحضروا التوراة فأتوا بها، وكانوا قد وضعوا له وسادة يجلس عليها، فنزعها ووضع التوراة عليها وقال: (آمنت بك وبمن أنزلك)، وهذا يدل على احترام الكتاب المنزل وتوقيره؛ وذلك أنه وضعه فوق الوسادة وهو مكان مرتفع يرفعه عليه، ومعلوم أن أفضل هذه الكتب وخير هذه الكتب هو القرآن الكريم الذي أنزله الله على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ولهذا ينبغي أن يكون وضعه في مجامع الناس على مكان مرتفع حتى يتنبه له، وحتى لا يتجاوزه أحد ويمشي من فوقه، وأما إذا كان المكان ليس محلاً للاستطراق ولا لتجاوز الناس، وأريد تخزين جملة من المصاحف فإنها توضع على الأرض ولا بأس بذلك؛ لأن المكان الطاهر يمكن أن يوضع فيه المصحف ولو لم يكن على شيء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 03-07-2025, 02:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,341
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


الإيمان بالكتب المنزلة غير المحرفة، وحفظ الله عز وجل للقرآن الكريم

ومعلوم أن الإيمان بالكتب المنزلة السابقة إنما هو ما أنزل وليس بالكتب المبدلة، وإنما المقصود من ذلك أن التوراة فيها تحريف وتبديل، ولكن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أصلها الذي نزل من عند الله عز وجل، وإلا فإنه قد حصل فيها تحريف وتبديل، ولم تكن كما أنزلها الله عز وجل، فالتحريف حاصل لها قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحاصل لها بعد ذلك، ولا يزال التغيير والتبديل في الكتب المنزلة على مر الدهور والعصور إلا القرآن فإنه محفوظ بحفظ الله، فلا يدخله تغيير ولا تبديل، ولهذا حفظه الله تعالى أولاً بتمكين النبي صلى الله عليه وسلم من حفظه واستيعابه من جبريل، وأنه لا يفوته شيء، وكان عليه الصلاة والسلام في أول الأمر عندما يلقي عليه جبريل القرآن يحرك لسانه به حتى لا يفوته منه شيء، فأمره الله عز وجل بألا يحرك لسانه به، وأخبره أن عليه جمعه وقرآنه، وأن عليه أن يصغي لتلاوة جبريل إياه عند إلقائه عليه، ثم إنه يكون محفوظاً له بحيث لا يفوته منه شيء، فكان بعد ذلك يصغي ولا يحرك لسانه، وإذا انتهى وإذا هو محفوظ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظوه واعتنوا به حتى جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله أنه قال: كنا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهن حتى نتعلم معانيهن والعمل بهن. ثم أيضاً القرآن نزل منجماً ومفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، ولم ينزل دفعة واحدة كالكتب السابقة؛ وذلك فيه تسهيل لحفظه؛ لأنهم كلما نزل عليهم آيات اشتغلوا بحفظها، فإذا جاءت الآيات التي بعدها وإذا هم قد حفظوا ما مضى، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم مع حفظه إياه كان جبريل يدارسه القرآن في كل رمضان مرة، يعني: جبريل يقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم والرسول يسمع، والعكس الرسول يقرأ وجبريل يسمع، فيعارضه القرآن، وفي العام الذي قبض فيه عارضه إياه مرتين، والمعارضة كانت لكل ما نزل قبل ما مضى، وكل هذا من حفظ الله عز وجل للكتاب. ثم أيضاً ما وفق الله عز وجل له الصحابة من كونهم حفظوه في الصدور، ثم قاموا بحفظه في السطور، حيث جمعه أبو بكر الجمعة الأولى في صحف، ثم جمعه عثمان رضي الله عنه في مصحف، ومصحف عثمان رضي الله عنه هو الذي بين أيدي الناس، والذي يتوارثه الناس عصراً بعد عصر، هذا هو الذي جمعه عثمان رضي الله عنه وأرضاه. ثم ما وفق الله عز وجل من حصول الحفظ للملايين من المسلمين للقرآن عن ظهر قلب، ولو حصل خطأ في حرف من الحروف لتنبه لذلك الملايين من الناس الذين يبينون الخطأ، وأذكر من الأمثلة التي تذكر بهذه المناسبة أن الجامعة الإسلامية كانت فيما مضى ولا تزال ترسل طلاباً في أوائل شهر رمضان أو قرب شهر رمضان إلى البلاد المختلفة في أوروبا وغيرها ليقوموا بصلاة التراويح ببعض الجماعات الإسلامية هناك، فكان منهم طالب منذ زمن بعيد ذهب وهو من حفاظ القرآن، وكان ليست معه الورقة الصفراء التي هي الورقة الصحية، فجعلوه في مكان يسمونه: محجراً صحياً، فجلس فيه ثلاثة أيام ولما جاء إلى ذلك المكان وجد مصحفاً فيه تحريف وتبديل وتقديم وتأخير وكان حافظاً لكتاب الله، فقرأ ذلك المصحف وصححه بخط يده من أوله إلى آخره، ثم تركه في مكانه، فهذا الحافظ لكتاب الله لما وجد التحريف والتبديل والتغيير في ذلك المصحف صححه بخطه وجعله على الصواب، فهذا من حفظ الله عز وجل لكتابه، كون الملايين من المسلمين يحفظون القرآن عن ظهر قلب، ولو حصل أي خطأ لتنبه له الحفاظ، فلا سبيل إلى تحريفه وتغييره، ولا سبيل إلى تبديله، بل هو محفوظ بحفظ الله؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظه حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. قوله: [ (فنزع الوسادة من تحته فوضع التوراة عليها ثم قال: آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال: ائتوني بأعلمكم) ]. معلوم أن الذي يؤمن به ويقال: إنه من عند الله هو المنزل وليس المبدل، ولهذا جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم) فنحن نؤمن بالمنزل، ولا نؤمن بالذي عندهم والذي بين أيديهم والذي قالوا: إنه من عند الله، مع أنهم غيروا وبدلوا، ولكننا لا نصدق بكل ما يقولون، ولا نكذب بكل ما يقولون، فإذا كان الشيء الذي يقولونه لا يليق بالله عز وجل ولا بالرسل فإن هذا يكذب ولا يكون هذا من عند الله، كونه لا يليق برسل الله ولا يليق بنسبته إلى الله عز وجل، وكونه من الأمور القبيحة، فمثل هذا يكذب، ولكن إذا كان الشيء له معنى صحيح وحكم وكلام جميل، ولا يدرى هل هو من كلام الله المنزل أو ليس من كلام الله المنزل؟ فهذا هو الذي لا يصدق ولا يكذب؛ لأنه ليس كل كلام جميل يكون من عند الله حتى يقال: إن هذا صدق، بل ما كان من عند الله هو الذي نزله على رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال الرسول: (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم)؛ لأنهم لو كذبوا بكل شيء أمكن أن يكذبوا بالحق الذي فيه، ولو صدقوا بكل شيء أمكن أن يصدقوا بباطل، ولكن إذا سكتوا وأمسكوا وقالوا: (( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ))، فعند ذلك يكونون قد أخذوا بما فيه السلامة وما هو الحق الذي لا إشكال فيه وهو إيماننا بالمنزل: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ [العنكبوت:46]. قوله: [ (ثم قال: ائتوني بأعلمكم، فأتي بفتى شاب..) ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع ]. حديث مالك عن نافع الذي هو الأول، وهو الطريق الرباعي، والذي هو من أعلى الأسانيد عند أبي داود .

تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ]. أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني هشام بن سعد ]. هشام بن سعد ، صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أن زيد بن أسلم حدثه ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.

شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثنا رجل من مزينة ح وحدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس قال: قال محمد بن مسلم : سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة وهذا حديث معمر وهو أتم قال: (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك، قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد، والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قالوا: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأَخر عنه الرجم، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه، فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة، فأمر بهما فرجما). قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]. كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رجم اليهوديين. قوله: [ (زنى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف) ]. وهم يريدوا أن يحصلوا عقوبة أخف من العقوبة التي عندهم في التوراة وهي الرجم، وهذا يدل على أن تحاكمهم ليس بحثاً عن الحق، وإنما يريدون شيئاً يوافق أهواءهم وما يشتهونه، فهذا هو، ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه خير بين الحكم فيهم وعدم الحكم؛ لأنهم ما جاءوا يقصدون الحق أو يريدونه، ولكنه أمر بأن يحكم بينهم بالعدل والقسط، وأن يحكم بينهم بما أنزل الله. قوله: [ (فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله قلنا: فتيا نبي من أنبيائك) ]. يعني: أنهم عولوا على ما جاء عن نبي من أنبياء الله، وهم لا يريدون الحق، ولكن إن حكم بما يناسبهم قبلوه، وإن حكم بما لا يناسبهم ردوه. قوله: [ (قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب) ]. يعني: أنهم جاءوا إليه وهو في المسجد وسألوه هذا السؤال، فلم يكلمهم وإنما ذهب إلى بيت مدراسهم أي: المكان الذي يجتمعون فيه للدراسة والقراءة فوقف على الباب وسألهم. قوله: [ (فقال: أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمم ويجبه ويجلد) ]. يحمم يعني: يسود وجهه بالفحم، ويجبه بمعنى: أنه يركب على دابة ويكون وجهه إلى مؤخرها، وإذا كانوا اثنين فإنها تتقابل ظهورهما، يعني: لا يجعلان في اتجاه الدابة، بل يجعل واحد إلى اتجاه الدابة والثاني إلى خلفها، وذلك يدل على أن هذه فضيحة؛ لأن هذه هيئة غريبة، وهي التي تسمى: التجبيه. قوله: [ (والتجبيه: أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما، قال: وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم) ]. يعني: الموجودون تكلموا بهذا الكلام وسكت واحد منهم، فلما رآه سكت قصده بالسؤال وقال: أنشدك! قوله: [ (فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة) ]. يعني: ألح عليه في السؤال بأن يجيبه فيما يجدونه في كتابهم فيمن زنى وهو محصن. قوله: [ (فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟) ]. ما أول شيء تركتم فيه أمر الله وتحولتم إلى هذا الشيء الذي تفعلونه من التحميم والتجبيه والجلد؟ قوله: [ (قال: زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم) ]. يعني: قريب الملك زنى فلم يقم عليه الرجم، فترك الرجم وأخر، ثم زنى رجل من أسرة فأراد أن يرجمه فقالوا: لا حتى يرجم ذلك الذي من أسرتك. قوله: [ (ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا: لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم) ]. يعني: فاتفقوا على هذه العقوبة التي يقيمونها على كل أحد سواءً كان شريفاً أو ضعيفاً. قوله: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما) ]. حكم عليهما بما في القرآن وبما في السنة، وهو أيضاً مطابق لحكم التوراة. قوله: [ قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم ]. هذا الذي ذكره عن الزهري قال: بلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأنبياء الذين يحكمون بالتوراة، وإنما المقصود بالأنبياء الذين يحكمون بالتوراة هم أنبياء بني إسرائيل، وهم كثيرون من بعد موسى وكانوا يحكمون بالتوراة، ومعلوم أن الفرق بين الرسول والنبي أن الرسول: هو الذي تنزل عليه شريعة ابتداءً ويحكم بها، وأما الأنبياء فإنهم يؤمرون بأن يحكموا بشرائع سابقة ولم ينزل عليهم كتاب، كأنبياء بني إسرائيل من بعد موسى الذين أمروا بأن يحكموا بالتوراة وهي لم تنزل عليهم، وإنما نزلت على موسى، فإذاً: النبي هو الذي أمر بأن يحكم بشريعة سابقة والرسول هو الذي أنزل عليه شرع ابتداءً.

تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثالثة


قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل من مزينة ]. رجل من مزينة وهذا مبهم. [ ح وحدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد المصري ، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال محمد بن مسلم ]. محمد بن مسلم هو ابن شهاب ، وهناك جاء بلفظ الزهري ، وفي هذا الطريق جاء بلفظ محمد بن مسلم ولهذا معرفة الكنى والألقاب والأنساب مهمة، وذلك أن الشخص إذا ذكر باسمه في موضع وبنسبه في موضع أو ذكر بكنيته في موضع يعرف أنه شخص واحد وليس شخصين. [ عن رجل من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ]. هذا من الكلام من الطريق الثاني وهو طريق أحمد بن صالح . [ ثم اتفقا: ونحن عند سعيد بن المسيب فحدثنا عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. وهذا الحديث ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف سنن أبي داود ؛ ولعله من جهة الرجل المزني المبهم، ولكن كثيراً منه متفق مع ما جاء في الأحاديث.

شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني قال: حدثني محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: (زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه، يضرب مائة بحبل مطلي بقار، ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار، فاجتمع أحبار من أحبارهم فبعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه فيحكم بينهم، فخير في ذلك قال: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة:42]) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله وفيه بعض الفروق. قوله: [ (زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) ]. وهذا فيه ذكر الإحصان. قوله: [ (وقد كان الرجم مكتوباً عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه) ]. التجبيه مر ذكره. قوله: [ (يضرب مائة بحبل) ]. وهذا بيان طريقة الجلد عندهم، وأنه يضرب مائة بحبل مطلي بالقار. قوله: [ (ويحمل على حمار وجهه مما يلي دبر الحمار) ]. فهذا هو التجبيه. قوله: [ (فاجتمع أحبار من أحبارهم بعثوا قوماً آخرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سلوه عن حد الزاني وساق الحديث فقال فيه: قال: ولم يكونوا من أهل دينه) ]. يعني: دين النبي صلى الله عليه وسلم، فخير بالحكم فيهم، وكما أشرت لعل من أسباب تخييره لكونهم لا يريدون الحق، وإنما يأتون يبحثون عن شيء يتابع أهواءهم، ولهذا قال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [المائدة:49].

تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق رابعة


قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني محمد -يعني ابن سلمة - ]. هو محمد بن سلمة الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري قال: سمعت رجلاً من مزينة يحدث سعيد بن المسيب ]. يحدث سعيد بن المسيب يعني: هو مثل الذي قبله، فسعيد المسيب محدَّث وليس بمحدِّث في هذا الإسناد، فيكون مثل الذي قبله فيه الرجل المبهم.

شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق خامسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي حدثنا أبو أسامة قال مجالد أخبرنا عن عامر عن جابر بن عبد الله قال: (جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم، فأتوه بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ قالا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجمهما) ]. قوله: [ (جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوه بابني صوريا فنشدهما) ]. جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال: (ائتوني برجلين من علمائكم) فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما ماذا يجدون في التوراة في أمرهما! قوله: [ (قالوا: نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما، قال: فما يمنعكما أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل) ]. قالوا: إن في كتابهم أنه إذا شهد أربعة منهم بأن ذكره في فرجها كالميل في المكحلة فإنهما يرجمان فقال: فما بالكم لم تفعلوا، يعني: ذلك الذي هو موجود في التوراة؟ قالوا: إنه ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، وأرادوا أن يكثر نسلهم وألا ينقرضوا، وأن يكون الإبقاء عليهم وعدم قتلهم زيادة في عددهم، وأن القتل يكون فيه نقص لهم، فأرادوا ألا يكون القتل فغيروه وبدلوه إلى شيء آخر لا قتل فيه. قوله: [ (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما) ]. فدعا بالشهود، فأتي بأربعة فشهدوا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما، وهذا يدل على أن الذي هو موجود في التوراة هو نظير ما هو موجود في هذه الشريعة من أن الشهود أربعة، وكذلك الاعتراف، وأن الحكم هو الرجم في حق من كان محصناً.

تراجم رجال إسناد حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق خامسة


قوله: [ حدثنا يحيى بن موسى البلخي ]. يحيى بن موسى البلخي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو أسامة ]. هو أبو أسامة حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجالد ]. مجالد هو ابن سعيد ، وهو ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن عامر ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا الإسناد فيه: (قال: مجالد أخبرنا) وهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، يعني: الذي قبله قال: أخبرنا مجالد ، وهو أبو أسامة يعني: بدل ما قال أبو أسامة : أخبرنا مجالد ، قال أبو أسامة : مجالد أخبرنا، فهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، وهذا يأتي استعماله ولكنه قليل، والأصل والأكثر هو أن الصيغة تقدم على الاسم، فيقال: أخبرنا فلان، فعل وفاعل، وأما كونه يكون مبتدأ وخبراً والخبر هو الجملة (أخبرنا) فإن هذا قليل في الاستعمال، وممن يستعمله شعبة ، فإنه يأتي في بعض الأسانيد عن شعبة بن الحجاج أنه يقول: فلان أخبرنا، وهنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة قال: مجالد أخبرنا، وهو من قبيل تقديم اسم الراوي على الصيغة التي أسند إليه من روى عنه بها.

شرح حديث رجم اليهوديين من طريق سادسة، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم و الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه لم يذكر: (فدعا بالشهود فشهدوا) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى ولكنه مرسل، وأنه مثل الذي قبله إلا أنه لم يذكر في آخره أنه دعا بالشهود فشهدوا، وهو مثل الذي قبله في كونه موجود في التوراة كذا وكذا. قوله: [ حدثنا وهب بن بقية ]. وهب بن بقية ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن هشيم ]. هو هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الشعبي مر ذكره، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا مرسل، يعني: كون التابعي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كذا، فهذا من قبيل المرسل، ولكنه يعتضد بالمتصل الذي قبله.

شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق سابعة، وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا وهب بن بقية عن هشيم عن ابن شبرمة عن الشعبي بنحو منه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مرسل كالذي قبله. وابن شبرمة هو عبد الله بن شبرمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الشعبي بنحو منه ]. الشعبي بنحو منه يعني: بلفظ قريب منه.

شرح حديث رجم اليهوديين اللذين زنيا من طريق ثامنة، وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي حدثنا حجاج بن محمد قال ابن جريج : إنه سمع أبا الزبير ، سمع جابر بن عبد الله يقول: (رجم النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من اليهود وامرأة زنيا) ]. أورد أبو داود حديث جابر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم رجلاً من اليهود وامرأة زنيا)، يعني: رجمهما بسب الزنا. قوله: [ حدثنا إبراهيم بن حسن المصيصي ]. إبراهيم بن حسن المصيصي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج بن محمد ]. هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنا سمع أبا الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما وقد مر ذكره.

الأسئلة



حكمة سؤال النبي اليهود عن حكم الزاني في التوراة


السؤال: لماذا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحد في شريعتهم؟ أما كان له الحق أن يقيم عليهم الحد المشروع في الإسلام ابتداءً؟ الجواب: الحكم إنما هو بشريعة الإسلام، ولكن فيه بيان معرفة الحكم عندهم وأنهم كذبة محرفون ومبدلون، ويظهر بذلك ما كانوا عليه من الباطل؛ لأنه بهذا السؤال تبين هذا الباطل الذي هم عليه، وأنهم أهل مكر وكيد وخبث، وأنهم يريدون ما يوافق الأهواء، وما يخالفها لا يريدونه ولو كان من عند الله، سواء كان في التوراة أو من عند النبي صلى الله عليه وسلم.


حكم العقد بين الزاني والزانية خصوصاً إذا كانت حاملاً

السؤال: من المعلوم أن في بعض بلاد المسلمين بعض العادات أنه إذا علم بأن أحداً قد زنى بامرأة فإن القاضي يقوم بعقد النكاح بين الزاني والمزني بها حتى ولو كانت امرأة حاملاً؟ الجواب: إذا كانت المرأة حاملاً فالذي في بطنها ولد زنى، ولا يجمع بين النكاح والسفاح، فالزواج أو العقد عليها إنما يكون إذا خلا بطنها مما فيه من الحمل، وكونه يزوج بها ثم بعد ذلك ينتسب الولد إليه وقد حصل بزنا فهذا لا يجوز؛ لأن هذا ولد من سفاح، والنسب إنما يكون فيما ولد من نكاح، لهذا فهم يتخذونه طريقة إلى إخفاء الجريمة، وأن ذلك الذي جاء من زنا ينسب إليه وهو لا ينسب إليه، فالزاني ليس له ولد، وإنما له الخيبة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش وللعاهر الحجر).


حكم الدعاء على النفس


السؤال: هل يجوز أن ندعو على أنفسنا مثل دعوة أبي بن كعب حيث دعا على نفسه بأن يصاب بالحمى، فإني مبتلى ولا أستطيع القيام، أتمنى الجهاد في سبيل الله؟ الجواب: الإنسان يسأل الله العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)؛ لأن من الناس من يتمنى شيئاً ويريده ولكنه إذا وصل إليه تغير وضعه فيلحقه ضرر من هذا الشيء الذي تمناه، يعني: حصل منه مخالفة في أمر ما كان ينبغي أن يخالف فيه."



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 422.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 416.32 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]