شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 83 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انحراف الفكر مجلبة لسوء العمل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الصحفي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الهداية والعقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          حقوق غير المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مواقيت الصلوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 286 )           »          الاستصناع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تخريج حديث: إذا أراد أحدكم أن يتبول فليرتد لبوله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حديث: حين نزلت آية المتلاعنين: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم، فليست من الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3104 - عددالزوار : 396143 )           »          الأسماء الحسنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-08-2022, 08:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الإحباس

(465)

- باب حبس المشاع




دل الله العباد على كل خير، وحذرهم من كل شر، ومن خير ما دلهم عليه حبس المال ووقفه في طاعته سبحانه، فيبقى الأجر ما بقي هذا الوقف، حيث يحفظ أصله، وتوضع منفعته في الخير.

حبس المشاع


شرح حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرتها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: حبس المشاع.أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن المائة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها، قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: احبس أصلها وسبل ثمرتها)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: حبس المشاع، والمشاع: هو المشترك الغير متميز؛ لأن التحبيس يكون للمعين المتميز، وللمشترك غير المتميز، أي: مثل ربع أو كذا سهم من أسهم أرض أو بستان، فإن هذا مشاع؛ لأن معنى كونه مشاع أن حق كل واحد منهم مشاع في الكل، لا يستطيع أحد أن يقول: هذه القطعة لي وهذه القطعة لك، بل كل قطعة صغيرة فهي مشتركة، ولكل واحد حق فيها مادام أن الأرض لم تقسم ويعرف كل حقه بالتحديد، فإن كل واحد من المشتركين له نصيب في كل جزء من جزئيات الأرض المشاعة المشتركة، وعمر رضي الله عنه له مائة سهم في أرض مشاعة في خيبر، وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يتصدق بهذا المال بأن يجعله صدقة جارية، فالنبي صلى الله عليه وسلم، أمره بأن يحبس أصلها، ويسبل منفعتها.
يحبس الأصل: بأن يمتنع من بيعه، وشرائه، وهبته، وعدم التمكن من إرثه؛ لأنه خرج من ملك صاحبه بالتحبيس.
ويسبل المنفعة، يجعلها في سبيل الله عز وجل تصرف في وجوه الخير التي أرادها، ولهذا الفقهاء أخذوا من هذا الحديث تعريف الحبس أو التحبيس فقالوا: هو: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، بمعنى: أن الأصل يحبس فلا يتصرف فيه مالكه ببيع أو هبة، ولا يورث من بعده إذا مات؛ لأنه خرج من ملك صاحبه، وأما المنفعة التي تخرج منه فإنها تصرف في سبيل الله، النخل والزرع فالأرض المحبسة التي فيها نخل عندما يجز النخل، النخل أصله وقف، وثمرته وقف، فتصرف في وجوه البر، فإذا جذ فإنه يصرف في وجوه الخير التي جعله فيها، والأصل ثابت محبس لا يتصرف فيه، ولا يتمكن صاحبه من بيعه وهبته؛ لأنه خرج من ملكه بالتوقف.
فالوقف تعريفه عند الفقهاء: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، أي: يحبس الأعيان، ويجعل ثمراتها وريعها ونفعها يصرف في وجوه البر، لا يباع هو، ويصرف قيمته في وجوه البر؛ لأنه لا يباع؛ لأن الأصل ثابت، وإنما الذي يصرف في وجوه البر هو الثمرة، والمنفعة التي تخرج منه، فالعمارة إذا وقفها لا يتمكن من بيعها، بل يصرف قيمتها في الفقراء والمساكين، وقيمتها ثابتة فيها وباقية فيها، لكن إجارها كل سنة -هذه منفعة أخذ مقابلها أجرة- هذه الأجرة تصرف في وجوه البر، فتكون العين ثابتة مستقرة، والمنفعة تصرف في وجوه البر، كلما جاءت المنفعة صرفت في وجوه البر، فالحديث فيه اعتماد الفقهاء على تعريف الوقف، حيث قالوا: هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (احبس أصلها، وسبل ثمرتها).
وذكر المشاع مأخوذ من قوله: [(مائة سهم)]، معناه أن فيه أسهماً، وأنها ليست لشخص واحد وليس مستقلاً بها؛ لأن الأسهم كما هو معلوم هذا له مائة، وهذا له مائة، وهذا له مائة، وهكذا، فكل صاحب سهم لا يستطيع أن يقول: هذه القطعة لي، أو هذا الجزء لي، بل كل جزء من جزئياته لكل شريك فيه نصيب؛ لأنه مشاع.

تراجم رجال إسناد حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرتها)


قوله: [أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن].هو سعيد بن عبد الرحمن المكي المخزومي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن سفيان بن عيينة].
هو سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عمر].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث عمر: (فاحبس أصلها وسبل الثمرة) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي ببيت المقدس حدثنا سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أصبت مالاً لم أصب مثله قط، كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل، قال: فاحبس أصلها وسبل الثمرة)].أورد النسائي حديث ابن عمر عن عمر قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يحكي ابن عمر راوياً عن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن عنده مائة رأس، اشترى بها مائة سهم من أرض خيبر، وهو يستشيره في أن يتصدق بها، فقال عليه الصلاة والسلام: (احبس أصلها وسبل ثمرتها).

تراجم رجال إسناد حديث عمر: (فاحبس أصلها وسبل الثمرة) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله الخلنجي].هو محمد بن عبد الله بن بكر الخلنجي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن سفيان].
هو سفيان بن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث: (احبس أصلها وسبل ثمرتها) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول حدثنا بقية عن سعيد بن سالم المكي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أرض لي بثمغ، قال: احبس أصلها، وسبل ثمرتها)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن عمر رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أرض لي بثبغ، وهي موضع من المدينة، فقال: احبس أصلها، وسبل منفعتها)، وهو مثلما تقدم في أرض خيبر: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة.

تراجم رجال إسناد حديث عمر: (احبس أصلها وسبل ثمرها) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول].محمد بن مصفى بن بهلول صدوق له أوهام، ويدلس، وأخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد بن سالم المكي].
سعيد بن سالم المكي صدوق يهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر].
وقد مر ذكرهم.


الأسئلة

ضياع شيء في الجمرات


السؤال: شخص ضاع منه عند رمي الجمرات حذاؤه لشدة الزحام، فأخذ نعلين مختلفين من نفس المكان وأتى المدينة، فما الذي عليه؟


الجواب: والله الذي يبدو أنه ليس عليه شيء؛ لأن النعال التي تكون في ذلك المكان هي مال ضائع وصاحبه لا يبحث عنه، ولا يأتي أحد يبحث عن نعاله في تلك الأكوام التي حول الجمرات، فإذا أخذ شيئاً من ذلك وانتفع به بدل نعاله التي ضاعت، فإنه أخذ بشيء مبذول، أي: لا أحد يبحث عنه، فلا بأس بأخذه من ذلك المكان.. من تلك الأكوام، وما دام أنه استفاد منه واستغنى عنه، فلو تصدق به عن صاحبه لكان أولى، ولكن كونه يأخذه ويستفيد منه فلا بأس؛ لأن هذا المال صاحبه لا يبحث عنه، ولا يسأل عنه.


الفرق بين كتاب المجتبى والسنن الكبرى

السؤال: هل هناك فرق بين كتاب المجتبى والسنن الكبرى؟

الجواب: إي نعم هناك فرق، المجتبى هو مختصر، مثل اسمه مجتبى، وفي السنن الصغرى ما ليس في الكبرى، أي: فيها زيادات ليست موجودة في الكبرى، وفي الكبرى أحاديث كثيرة لا وجود لها في الصغرى، بل هناك أبواب، وقد سبق أن مر بنا في كتاب الصيام أنه انتقى منه في مواضع كثيرة، ثم أبواب عديدة توجد في الكبرى ولا توجد في الصغرى، توجد بعد نهاية أحاديث أبواب الصغرى جاءت أبواب عديدة بعدها في الكبرى، ولا وجود لها في الصغرى، على أنه يوجد في الصغرى أحاديث لا توجد في الكبرى، وهي منصوص عليها في بعض المواضع في تراجم الأبواب مما لا يوجد في الكبرى، وقد أحال عليها الشيخ عبد الصمد شرف الدين رحمه الله في مقدمته للسنن الكبرى، أو مقدمته لتحفة الأشراف، ما أتذكر ...، لكن في إحداهما نص على ذكر ما يتعلق بالكبرى والصغرى، وذكر أن في الصغرى أحاديث لا توجد في الكبرى، وأشار إلى مكانها، والترجمة فيها التنصيص على أنه ليس بالكبرى.


المراد من كلمة الوقف للضيف

السؤال: ما المراد بالوقف للضيف؟

الجواب: أي: يجعل للضيفان وقف، لاسيما إذا كان المكان الذي فيه فقراء، ولا يتمكنون من تضييف من يمر بهم ويأتي إليهم، فإذا جعل شيئاً يخصص بأن يصرف للضيفان فهذا هو الوقف للضيف.


معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا جناح طائر ما لم تعبر)


السؤال: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا جناح طائر ما لم تعبر)؟

الجواب: لا أدري.


صرف الزكاة

السؤال: هل يجوز إخراج الزكاة لأختي من الرضاعة الفقيرة الأرملة والتي ترعى أيتاماً؟


الجواب: يجوز، بل حتى أخته من النسب يجوز له أن يعطيها من زكاة ماله؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، لكن ينبغي أن يعلم أن القريب له حق غير الزكاة، فلا يجعل الإنسان الزكاة وقاية لماله بأن يقول: الزكاة ستخرج لا محالة، وإن لم أعطهم من الزكاة سأخرج من مالي، فأنا بدلاً من أن أعطيهم من مالي أعطيهم الزكاة، وأتخلص من ذلك الحق، لا يجوز أن تجعل الزكاة وقاية للمال، تقي الحقوق التي في المال، لا يجوز ذلك، لكن إذا كان المال قليلاً والزكاة قليلة، فأولى بها القريب مثل الأخت، سواء كانت من النسب أو من الرضاع، إلا إذا كان ما هناك من هو أولى منه، أما إذا كان المال قليلاً والصدقة قليلة، فالأولى بها الأقارب.


أوقاف الصحابة موجودة

السؤال: هل الأوقاف التي أوقفها الصحابة مثل وقف عمر، وأبي طلحة رضي الله عنهما موجودة حتى الآن؟


الجواب: لا شك أن المكان موجود، لكن هل هو معروف ومحدد؟ لا يعرف؛ لأن هذه أمور مضى عليها مئات السنين واندثرت، ولا يعرف نصيب هذا من نصيب هذا، كما أنه لا تعرف الآن الدور في المدينة، دار فلان أين هي، ودار فلان أين هي، ودار فلان لمن هي؟ وهكذا لا يعرف مثل هذه الوقوف.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19-08-2022, 08:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله


الوصية بالوقف بعد الموت

السؤال: رجل له بيت لا يملك غيره، وأوصى أن يحبس بعد موته، فهل له ذلك؟


الجواب: ليس له ذلك إذا كان وصية؛ لأنه لا يملك أن يحبس إلا ثلثه فقط؛ والرجل الذي كان له ستة أعبد وجعلهم وصية بعده، فعمل الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم قرعة، جعلهم أثلاثاً وعمل قرعة، فالذين خرجت لهم القرعة وهم اثنان، نفذت فيهم الوصية، والباقي رجع.


الوقف للأقارب الأغنياء

السؤال: هل يجوز إيقاف عقار على أقارب أغنياء فقط؟

الجواب: لا يوقف على الأغنياء؛ لأن الغني غني بماله، فكيف يوقف عليه ويزاد ماله مالاً، فالغني هو بحاجة إلى أن يوقف، وبحاجة إلى أن يتصدق، وإنما الإيقاف على الأقارب المحتاجين، وهم أولى من غيرهم، أما الأغنياء فلا يوقف عليهم، بل يوقف على الأقارب المحتاجين.


بيع أصل الوقف بعد وفاة الواقف

السؤال: هل يجوز للأقارب بعد وفاة الواقف أن يبيعوا الأصل على اتفاق منهم؟

الجواب: ليس لهم ذلك؛ لأن الأصل محبس، إنما هو المنفعة فقط، حتى الواقف نفسه لا يجوز له بيعه؛ لأنه خرج من ملكه، وهم إنما حصلت لهم منفعة الأصل، ومنفعة المحبس، وليس أصل المحبس.


الحرص والجد وعدم الهزل واللعب


السؤال: مجموعة من الشباب من طلبة العلم الحريصين يجتمعون كل أسبوع، ويلعبون الكرة بعد صلاة العشاء، هل في فعلهم هذا من عيب أو بأس؟


الجواب: والله ما دام أنهم حريصون ومجدون ومجتهدون، فليجعلوا المسألة كلها جد، ولا يجعلوا لهم نصيباً من الهزل واللعب؛ لأن هذه المدة يمكن أنها تجر وتولد وتتسع، حتى يطغى اللعب على الجد، فالإنسان عليه أن يعود نفسه الجد ولا يعودها اللعب.


كلام أهل العلم على اللعب بالكرة

السؤال: هل تحفظون عن بعض أهل العلم كلاماً في حكم لعب الكرة؟

الجواب: كان شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمة الله عليه شديداً على الكرة وعلى اللعب بها، ويكره ذلك ويمقته، ويذم اللعب بها، وما رأيت أشد منه على هذه الألعاب، وقال: إن هذه هي التي فتنت الناس وضيعتهم، وجعلت الكثير من الشباب مفتونين بها، فهو من أشد من عرفت ذماً وعيباً لها.


الهدي على من حج من أهل مكة

السؤال: هل على أهل مكة هدي؟

الجواب: إذا حج متمتعاً فما عليه هدي، أهل مكة ليس عليهم هدي، فالمتمتع والقارن من أهل مكة ما عليه هدي.


الصدقة للفاسق من الأقارب

السؤال: الصدقة على الأقارب، الذين عندهم ذنوب ومعاصي، وما تقولون فيها؟

الجواب: إذا كنت ترى فيهم أموراً منكرة، أو أن فيهم فسقاً، وأن إعطاء القريب الصدقة تعينه بها على فسقه، فلا تفعل، وأما إذا كان إحسانك إليه سبباً في هدايته، وسبباً في تركه لما هو فيه من الأمر المنكر، فهذا مقصد طيب إذا كان سيترتب عليه فائدة، أما إذا لم يترتب عليه فائدة، فكونك تعطي الصدقة للقريب المحتاج الذي لا يرى منه فسوق، هذا أولى.


التهاون في صلاة الجماعة

السؤال: ما حكم من يتهاون بصلاة الجماعة؟

الجواب: التهاون بصلاة الجماعة، وكون الانسان لا يصلي في الجماعة، هذه من علامات النفاق، ومن علامات المنافقين أنهم لا يصلون الجماعة مع الناس.


الزكاة إذا دار عليها الحول

السؤال: عندي شيء من الغنم لم تبلغ الأربعين، ولكن عندما انتصف الحول ابتدأ وحصل منها شيء ناتج، بلغت أكثر من الأربعين، هل فيها زكاة؟


الشيخ: إذا ما غلقت أربعين، ابدأ واحسب حولاً من الوقت الذي تكمل فيها أربعين، ابدأ احسب سنة.


المسح على الخفين

مداخلة: متى يحسب المسح على الخفين للمقيم؟

الجواب: يوم وليلة، وتبدأ من وقت المسح أو من الحدث، أما إذا كنت على طهارة، وما لبست الشراب بعد فما تحسب هذه المدة التي كنت فيها على طهارة، وإنما تحسب مدة المسح من وقت الحدث، أو من وقت المسح بعد الحدث.


أجر من توضأ في بيته ثم قصد الصلاة في مسجد قباء

السؤال: لو توضأ رجل في بيته، وصلى المغرب في المسجد النبوي، ثم ذهب إلى مسجد قباء، وصلى فيه ركعتين، هل يأخذ أجر عمرة؟


الجواب: الحديث واضح الدلالة على أن الإنسان إذا توضأ في بيته، وهو يريد أن يذهب إلى مسجد قباء، وذهب إليه: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء)، يعني: معناه تطهر ليذهب إلى مسجد قباء، أما إنسان صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك طرأ له أن يذهب إلى قباء، هذا ما حصل فيه هذا القيد، وهو على خير وعلى أجر، لكن الحديث الذي ورد: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء)، معناه تطهر ليذهب إلى مسجد قباء، ثم ذهب إليه.


طرق معرفة الحديث الصحيح من الضعيف


السؤال: ما الطرق التي يتمكن بها طالب العلم من معرفة الحديث الصحيح من الضعيف، وبيان علل الحديث الضعيف؟


الجواب: الطرق لمعرفة الضعيف: أولاً يعرف كلام أهل العلم، ثم يعرف الرجال، ويعرف الثقات، ويعرف الاتصال وعدم الاتصال، ويعرف التدليس وعدم التدليس.

فتعريف الصحيح عند العلماء قالوا: هو ما روي بنقل عدل تام الضبط، متصل السند، غير معلل، ولا شاذ.
ما روي بنقل عدل، أي: السند كله عدول، والسند كله متصل ليس فيه انقطاع بين واحد والذي فوقه، ليس فيه انقطاع، ولا تدليس، والراوي الذي يكون عدلاً تام الضبط، معناه مسلم وحافظ، وأن يكون مع ذلك غير معلل ولا شاذ، أي: ليس فيه علة خفية قادحة، وليس فيه ثقة خالف من هو أوثق منه، هذا تعريف الحديث الصحيح، فيمكن للإنسان أن يعرفه عن طريق تطبيقه إذا تمكن، أو عن طريق كلام أهل العلم الذين هم متمكنون في ذلك، وهذا لا يحصل إلا بالممارسة، وكثرة القراءة، وكثرة المذاكرة والاطلاع، ومعرفة أحوال الرجال، ومعرفة الطبقات، ومعرفة الاتصال والانقطاع، فهذه الطرق هي التي تجعل الإنسان يتمكن من معرفة كون الحديث صحيحاً أو غير صحيح، ويمكن أن يكون غير صحيح، ويكون دونه، أي: حسن، ولكنه معتبر وحجة كالصحيح، إلا أنه أقل منه؛ لأن الصحيح والحسن مقبولان، والقسم الثالث الضعيف الذي هو مردود، فإذا توفرت فيه الشروط، وخف الضبط، فهو الحسن الذي يعتبر مقبولاً، ولكنه دون الصحيح.

الصلاة في مسجد قباء


السؤال: الأخ الذي سأل عن الصلاة في قباء، يقول: هو عنده نية أن يذهب إلى قباء من قبل، لكن حتى لا يفوت الصلاة في المسجد النبوي فعل هذا؟


الجواب: على كل إن شاء الله هو على خير، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واضح الدلالة بأنه توضأ ليذهب إلى مسجد قباء، وإذا جاء إلى المسجد النبوي يحصل ألف صلاة، وإذا راح إلى قباء، إن شاء الله هو على خير، ويحصل أجراً عظيماً.


الذهاب إلى مسجد قباء ماشياً وراكباً

السؤال: الذهاب إلى قباء سواء كان ماشياً أو راكباً، هل الأجر إن شاء الله حاصل؟


الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا، والأجر حاصل بهذا وبهذا.


الراجح في مكان مال عمر رضي الله عنه الذي أوقفه


السؤال: في حديث عمر في باب حبس المشاع: أن لي مالاً بخيبر، وفي الحديث الأخير: له مال بمثمغ، فما الراجح؟


الجواب: الذي يبدو أنه يمكن أن يكون كل منهما حصل بخيبر أو بالمدينة.


حكم الدفاع عن الصوفية المتقدمين

السؤال: شخص يدافع عن الصوفية، لاسيما من تقدم منهم، وخاصة عن أبي نعيم صاحب الحلية، ويقول: ليتني أحشر معه، وقد رآه البعض يلحس الغبار في الروضة ويقول: الله، فهل نحكم على هذا بأنه صوفي، وما رأيكم في أبي نعيم أصوفي هو؟


الجواب: والله إن هذا ليس على طريقة أبي نعيم، أبو نعيم ما يلحس الغبار، أبو نعيم عنده حديث، وعنده إسناد، وعنده مؤلفات عظيمة واسعة، وإذا كان عنده تصوف، فليس من قبيل لحس الغبار، وهذا الشخص ليس على طريقة أبي نعيم، أبو نعيم مؤلف، مصنف واسع الاطلاع ،كثير الرحلة وكثير التأليف مع تأخر وفاته -سنة: (430هـ)- رحمة الله عليه، وأما هذا الذي ذكر عن هذا الشخص، وكونه يقول بمقالات الصوفية، فهذه الصوفية المحدثة التي هي شر من صوفية المتقدمين؛ لأنها جمعت أسوأ ما عند المتقدمين، وأضافت إليها أشياء أخرى جديدة، فجمعت بين مختلف أنواع السوء بالنسبة لما عليه المتأخرون، فـأبو نعيم كما هو معلوم ليس على هذا المنهج، ولا على هذه الطريقة، وهذا الشخص لا شك أنه على طريقة خاطئة، وعليه أن يرجع إلى الله عز وجل، وأن يبحث عن سيرة السلف الصالح، وأن يسير على نهجهم وعلى منوالهم، وليس هناك بعد الأنبياء والمرسلين خير من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وما عرف عنهم شيء من هذه الترهات، وهم خير الناس، ولو كان ذلك خيراً لسبقوا إليه، لكنه كان شراً فحمى الله خيار هذه الأمة، وابتلي به من ابتلي ممن تأخر زمانه.


الاختلاف على ابن عون في خبر ابن عمر


السؤال: قال الإمام النسائي: كيف يكتب الحبس.. وذكر الاختلاف على ابن عون في خبر ابن عمر فأي اختلاف هذا؟


الجواب: اختلاف الروايات؛ لأن الذي رواه عن ابن عون كثيرون، هذا يروي عن كذا، وهذا عن كذا.. فتأتي الألفاظ مختلفة، هذا هو الاختلاف على ابن عون فيه، يعني: يروونه عنه بطرق متعددة، ومع ذلك تكون الألفاظ مختلفة.


كيفية زكاة العملات المعاصرة ومعرفة نصابها

السؤال: ما مقدار المال بالريال السعودي الذي تجب فيه الزكاة، وما الطريقة التي نعرف بها ذلك، وكذلك الذهب كيف نعرف زكاته؟

الجواب: الذهب اثنان وتسعون غراماً، إذا بلغ الذهب اثنين وتسعين غراماً، وحال عليه الحول، وجبت فيه الزكاة، وإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه، وأما الفضة فهي بالريالات السعودية ستة وخمسين ريالاً سعودياً من الفضة، وأما من الورق إذا كانت قيمتها في السوق مثلاً الريال من الفضة بعشرة ريالات، يصير النصاب خمسمائة وستين، وهذا يحتاج إلى معرفته إذا قل المال، وأما إذا كان المال كثيراً بالآلاف، فلا يحتاج أن يسأل عن مقدار النصاب، يخرج ربع العشر وانتهى، أما إذا كانت قليلة يحتمل أن يزكى، ويحتمل أن لا يزكى، محتمل أنه يبلغ النصاب، ومحتمل أنه لم يبلغ، فهذا هو الذي يحتاج إلى معرفته عن طريق معرفة سعره في السوق، أي: الريال الفضة كم قيمته من الورق.


الاستفادة من الروضة، وبداية المجتهد، وسبل السلام

السؤال: ما مدى الاستفادة من كتاب الدراري المضيئة للإمام الشوكاني، وبداية المجتهد لـابن رشد، وسبل السلام للصنعاني، وهل هناك تعليق عليها؟


الجواب: هي كلها من كتب العلم المفيدة، والشوكاني رحمه الله معلوم عنه في سعة اطلاعه، وكثرة عنايته وحرصه على معرفة الدليل.

وكذلك الصنعاني رحمه الله في شرحه لبلوغ المرام في سبل السلام، يحرص على ترجيح الراجح، ومعرفة الدليل، والأخذ بما يعضده.
وأما بداية المجتهد لـابن رشد فهو مؤلف فقهي اعتنى به في ترتيبه وتنظيمه، وتفصيله على طريقة جيدة، وعلى طريقة حسنة، وهو معني بكلام الفقهاء، وذكر أقوال أصحاب المذاهب، ومنشأ الخلاف، وأدلتهم، ولا يرجح، وإنما يذكر الخلاف ويسكت، قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وأحياناً يرجح ويشير إلى الترجيح، ولكن الغالب أنه يسكت.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19-08-2022, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الإحباس

(466)

- باب وقف المساجد




من الأعمال التي تدوم للمسلم بعد مماته الوقف؛ فإن أجره يبقى ما بقي نتاجه، ومن ذلك بناء مسجد، وحفر بئر، أو إصلاح طريق، فعلى المسلم أن يقدم لنفسه في حياته ما ينفعه بعد مماته.

وقف المساجد


شرح حديث عثمان في وقف المساجد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: وقف المساجد.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن جاوان رجل من بني تميم؛ وذاك أني قلت له: (أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان؟ قال: سمعت الأحنف يقول: أتيت المدينة وأنا حاج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتى آت فقال: قد اجتمع الناس في المسجد، فاطلعت فإذا الناس مجتمعون، وإذا بين أظهرهم نفر قعود، فإذا هو علي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فلما قمت عليهم قيل: هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه قد جاء، قال: فجاء وعليه ملية صفراء، فقلت لصاحبي: كما أنت حتى أنظر ما جاء به، فقال عثمان: أهاهنا علي؟ أهاهنا الزبير ؟ أهاهنا طلحة؟ أهاهنا سعد؟ قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إني ابتعت مربد بني فلان، قال: فاجعله في مسجدنا وأجره لك، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يجهز جيش العسرة غفر الله له، فجهزتهم، حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)].
يقول النسائي رحمه الله: [باب: وقف المساجد]، أي: ما فيه من الفضل، وما فيه من الأجر، ومن المعلوم أن الوقف يكون للأعيان التي تبقى، ويستمر نفعها، هذا هو الوقف، يكون لأعيان نفعها مستمر، والمساجد هي من هذا القبيل؛ لأنه إذا بنيت المساجد ووقفت فإن الناس يصلون فيها باستمرار، ومادام أنه يصلى فيها باستمرار فإن أجر تلك الاستفادة منها في أي وقت يعود إلى الذي أوقف ذلك المسجد، والذي بنى ذلك المسجد، وهو صدقة جارية، ومنفعة دائمة، ومن المعلوم أن الوقف لا يكون إلا فيما له عين فيها منفعة دائمة؛ لأنه لا يكون في أعيان معينة تنتهي، ولا يقال لمثل هذا وقف، فمائة كيلو من التمر -مثلاً- هذا لا يقال له وقف، بل هذا يعطى ويؤكل وينتهي، لكن إذا وقفت نخلات كل سنة تثمر، وتؤخذ ثمرتها ويتصدق بها في كل عام، هذه هي الصدقة الجارية، وهو الذي ينطبق عليه الوقف، أما المنفعة المنتهية كمقدار معين من التمر فإن هذا يؤكل وينتهي ولا يدوم، لكن النخل يدوم، والبيت الذي يوقف وريعه للمساكين، أو لأي وجه من وجوه البر في كل سنة، إما يسكنه فقراء ومساكين، ويستغلون منفعته أو يؤجر وتؤخذ أجرته وتصرف للفقراء والمساكين.. في كل عام يكون له منفعة، وفي كل عام يكون فيه أجرة، فهذا هو شأن الأوقاف، ووقف المساجد هو من هذا القبيل، شراء الأراضي وبناء المساجد عليها، وتسبيلها للناس يصلون فيها، هذه صدقة جارية ومنفعة دائمة.
أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عثمان عندما حصر في داره رضي الله عنه، وذلك في أواخر خلافته وأواخر أيامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان أن خرج أو جاء من بيته، وخاطب بعض الصحابة الذين هم أهل فضل ونبل، وهم ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما حصل لـعثمان من أنه من أهل الجنة، وخاطب أربعة من العشرة المبشرين بالجنة، وهم الذين يعرفون فضل ومناقب عثمان، والأمور العظيمة التي حصلت لـعثمان، فاستشهدهم وطلب منهم أن يخبروا بما عندهم من تلك المآثر التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبناها عثمان بن عفان رضي الله عنه وقام بها.
ومنها أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لما ضاق بالناس وكان فيه مربد -وهو الأرض التي ينشف وينشر فيها التمر في الشمس- قال: من يشتريه؟ فاشتراه عثمان رضي الله عنه من ماله، وأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يجعله توسعة للمسجد، فوسع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان الذي اشتراه عثمان من ماله، وجعله وقفاً في سبيل الله، فأضيف إلى المسجد وألحق بالمسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يفعل ذلك غفر الله له)، فكان الذي فعل ذلك عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي من مناقبه الجمة، وفضائله الكثيرة، وجوده وبذله في سبيل الله عز وجل، وكان من أثرياء الصحابة، لكن ذلك الثراء إنما يصرف وينفق في سبيل الله، رضي الله تعالى عن عثمان وأرضاه.
وهذا هو المقصود من إيراد الحديث، وكان أن الأحنف بن قيس -التابعي المخضرم- جاء إلى المدينة في طريقه إلى الحج، وعندما كانوا في منازلهم يحطون رحالهم جاءهم آت وقال: إن الناس اجتمعوا في المسجد وإنهم قد فزعوا، فجاء هو وصاحبه إلى المسجد وإذا الناس مجتمعون، وإذا فيهم أشخاص في وسطهم قعود، وإذا طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، هؤلاء جالسون في المسجد والناس حولهم، فخرج عثمان، وجاء في بعض الروايات (أشرف عليهم)، وقال: أفيكم فلان، أفيكم فلان، أفيكم فلان، حتى علم بأن هؤلاء موجودون، وهم: سعد، والزبير، وطلحة، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فاستشهدهم وقال: أشهدكم بالله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري مربد آل فلان، والمربد هو: الأرض التي يجفف فيها التمر، وييبس فيها التمر، ينشر فيها حتى يجف، ثم يدخلونه إلى منازلهم، فاشتراه من ماله، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اجعله في المسجد، فأضيف إلى المسجد، وكان توسعة لمسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي: باب وقف المساجد؛ لأنه رضي الله عنه، جعل هذه البقعة التي اشتراها من ماله وقفاً، حيث أضافها إلى المسجد فصارت من جملة المسجد، وزيد المسجد في زمانه صلى الله عليه وسلم بهذه البقعة التي اشتراها عثمان من ماله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
ثم سألهم: [هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يشتري بئر رومة وله الجنة؟)]، فاشتراها رضي الله عنه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجعلها للمسلمين يستقوا منها، ويأخذوا الماء العذب منها، فشهدوا له بذلك، ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يجهز هذا الجيش) الذي هو جيش العسرة.. جيش غزوة تبوك (غفر الله له، أو وله الجنة) كما جاء في بعض الروايات، فكان من عثمان رضي الله عنه أن جهز عدداً كبيراً من الإبل والدواب عليها أقتابها، وجاء في بعض الروايات: أن الذي جهزه ثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها ما يفقد منها عقال ولا خطام، أي: حتى العقال الذي تعقل به يدها، والخطام الذي يوضع في رقبتها هو موجود معها، جهز هذا العدد الكبير من الجيش وكان الناس في عسرة، والناس في حرارة الشمس وفي شدة الصيف والشقة، والمسافة بعيدة؛ لأنه سيذهب إلى الشام ولغزو الروم، فكان من عثمان رضي الله عنه أن أنفق ذلك في سبيل الله، والحديث سبق أن ذكره النسائي فيما تقدم في الجهاد: باب: فضل من جهز غازياً، أتى به من أجل ما حصل من عثمان رضي الله عنه في غزوة تبوك من تجهيز هذا العدد الكبير من الجيش الذي استفاد منه، وكان ثرياً، وبذل ماله في سبيل الله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فشهدوا له بذلك.
ثم إنه بعد ذلك قال: [اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد]، وكان قصده من هذا السؤال أن يسمع الذين قاموا عليه، والذين آذوه، والذين حاصروه في داره، والذين أساءوا إليه، ليعلموا فضله ومناقبه بشهادة هؤلاء الخيار، وهؤلاء الفضلاء الذين هم من العشرة المبشرين بالجنة، وهم هؤلاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان في ذلك إقامة الحجة عليهم، وكونهم يعلمون أن صاحبهم الذين آذوه وألحقوا به الأذى هذه سوابقه، وهذا فضله ونبله، ولكن يوجد في الناس أوباش لا خير فيهم، حصل منهم ما حصل، وحصل أن آذوا هذا الرجل العظيم الذي هو خير الأمة بعد أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وكانت النهاية أن قتلوه في داره، وكان شهيداً كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث كان هو وأبو بكر، وعمر على الجبل واهتز الجبل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، وأحد الشهيدين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فكان شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحاصل: أن عثمان رضي الله عنه أراد أن يسمع هؤلاء الأعداء الذين آذوه، وألحقوا به ما ألحقوا من الأذى، أراد أن يسمعوا ما له من المناقب، وما له من الفضل، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله، ومع ذلك فإن هؤلاء الذين آذوه حصل منهم من الأذى ما حصل له، وانتهى الأمر إلى أن قتلوه، وكان شهيداً بذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
يقول حصين بن عبد الرحمن لـعمر بن جاوان: [أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان؟] يعني: ما سببه؟ وكان اعتزل علياً ومعاوية رضي الله تعالى عنهما وما جرى بينهما، وكان يعرف القصة التي حصلت لـعثمان، وما حصل له، وما أوذي به، وأنه قتل مظلوماً، واعتزل حتى لا يحصل على يديه إلحاق أذى بأحد من الناس بكونه يكون مع أحد الطرفين.
ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم اجتهدوا في تلك الفتن، فمنهم من رأى أن يكون مع معاوية، ومنهم من رأى أن يكون مع علي، ومنهم من اعتزل الفريقين، والأحنف بن قيس ممن اعتزل الفريقين، وكان يتذكر ما حصل لـعثمان وأنه حصل بسبب الخروج عليه ما حصل من الإيذاء له وقتله، وما انتهى إليه أمره من قتله، فكان أن سئل عمرو بن جاوان عن اعتزال الأحنف ما سببه، فأخبر أن سببه الذي حصل أو الذي رواه وبلغه عن عثمان، وما حصل له من الأذى رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
[(قال: فجاء عثمان وعليه ملية صفراء)]، جاء في بعض الروايات: أنه تقنع بها، أي: قنع بها رأسه، فعليه إزار وعليه تلك الملية الصفراء التي غطى بها رأسه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، واستشهد هؤلاء الصحابة، وهم من أولياء الله، وخيار خلق الله، حتى يسمع هؤلاء الذين آذوه ما عنده هؤلاء مما له من الفضل والنبل، ومع ذلك يؤذيه هؤلاء الذين آذوه ويلحقون به ما ألحقوا من الأذى، وهو صابر محتسب، وقد منع الناس من أن يدافعوا عنه، فكان ما كان وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من قتله، ونيله الشهادة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن المعتمر بن سليمان].
هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين بن عبد الرحمن].
حصين بن عبد الرحمن هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن جاوان].
عمر أو عمرو بن جاوان سبق أن مر في كتاب الجهاد عمرو بن جاوان، وجاء هنا عمر، ويقال له عمر، ويقال له عمرو، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن الأحنف بن قيس].
هو الأحنف بن قيس التميمي، وهو ثقة مخضرم، ومشهور بالحلم هو وقيس بن عاصم التميمي.. مشهوران بالحلم والأناة، والأحنف بن قيس تابعي مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
عثمان رضي الله عنه وعن هؤلاء الصحابة أيضاً الأربعة كلهم أقروا وشهدوا بهذا، فهذه المناقب التي جاءت عن عثمان والتي ذكرها، شهد بها هؤلاء الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتلك جاءت عن هؤلاء الخمسة، عن عثمان، وعن الأربعة الذين استشهدهم، وشهدوا وقالوا: اللهم نعم، أي: حصل كذا، وحصل كذا، وحصل كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.
جاء في متن الحديث عندما ذكر الصحابة الأربعة: (رحمة الله عليهم)، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يترحم عليهم ويترضى عنهم، لكن الذي غلب في استعمال العلماء قديماً وحديثاً أن الصحابة يترضى عنهم، ويترحم على من بعدهم، وقد يترضى عن غير الصحابة ويترحم على الصحابة، لكن الذي غلب في الاستعمال الترضي عن الصحابة والترحم على من بعدهم، ويحصل العكس، بأن يترحم على الصحابة مثلما جاء في هذا الحديث الذي معنا، ويترضى عن غير الصحابة؛ لأن الدعاء بالرضا هو دعاء، والدعاء بالرحمة هو دعاء، لكن الذي غلب في الاستعمال أن الصحابة يترضى عنهم، وغيرهم يترحم عليهم، ويجوز أن يترحم على الصحابة، وأن يترضى عن غير الصحابة.

شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الله بن إدريس سمعت حصين بن عبد الرحمن يحدث عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: (خرجنا حجاجاً فقدمنا المدينة ونحن نريد الحج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال: إن الناس قد اجتمعوا في المسجد وفزعوا، فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد، وإذا علي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه عليه ملاءة صفراء قد قنع بها رأسه، فقال: أهاهنا علي؟ أهاهنا طلحة ؟ أهاهنا الزبير؟ أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم، قال: فإني أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: اجعلها في مسجدنا وأجره لك، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فابتعته بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعتها بكذا وكذا، قال: اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم فقال: من جهز هؤلاء غفر الله له -يعني جيش العسرة- فجهزتهم حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم مر ذكره.
[عن عبد الله بن إدريس].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس عن عثمان].
مر ذكر هؤلاء جميعاً.

شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا سعيد بن عامر عن يحيى بن أبي الحجاج عن سعيد الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري قال: (شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين، وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله والإسلام: هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله، والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله، والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على ثبير مكة، ومعه أبو بكر، وعمر، وأنا فتحرك الجبل فركضه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجله، وقال: اسكن ثبير، فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان، قالوا: اللهم نعم، قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة، أي: أني شهيد)].أورد النسائي الحديث، وهو: حديث عثمان رضي الله عنه واستشهاده للصحابة الأربعة من العشرة المبشرين بالجنة، وشهادتهم له بذلك، وهو من طريق ثمامة بن حزن القشيري، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر الشهادة، وذكر كونهم شهدوا له بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحرك الجبل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)]، وفيهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيكون بذلك شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه شهيد، وقد نال الشهادة بهذا العمل الذي عمله به هؤلاء الذين خرجوا عليه وقتلوه وهو يتلو القرآن في داره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وفيه ما جاء بذكر سؤالهم بالله وبالإسلام، أي: ما تربطه وإياهم من الرابطة، وهي: رابطة الإسلام، يسألهم بالله وما بما لهم من الرابطة التي تربطهم، وهو من جنس ما جاء في القرآن: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]، أي: يتساءلون به وبالأرحام، أي: ما بينه وبينهم من القرابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يطلب من الكفار في مكة أنه لما بينه وبينه من القرابة أن يتركوه يبلغ رسالة ربه، وهو الذي جاء تفسير قوله: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، يعني: ما بيني وبينكم من القرابة، وما بيني وبينكم من الصلة يقتضي منكم أن تتركوني أبلغ رسالة ربي، وأن لا تحولوا بيني وبينها، فالسؤال بالإسلام بما يربطهم به، وبما يجمعه وإياهم يسألهم بهذا وبهذا.
قال: [(اشتريت بئر رومة من صلب مالي)].
من صلب مالي: من أصل مالي، أي: من ماله، والصلب هو: الأصل، وهو الذي يقال له: رأس المال، ويقولون: إن رأس المال وصلب المال أعز على الإنسان من غيره، أي: أن الإنسان إذا كان عنده غنم ثم توالدت، فهذا نسل لها، لكن الأصل يكون عند صاحبه أهم مما نتج عنه، ومما تفرع عنه.
قال فيه: [(وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر)].
أي: حاصروه في داره، ومنعوا الناس من الوصول إليه، وكان يشرب من البئر التي في البيت، وماؤها مالح كماء البحر، ومع ذلك لا يتمكن من أن يحصل ماءً من هذه البئر التي أوقفها واشتراها من ماله، وجعلها للمسلمين يستعذبون منها الماء العذب، فهو قد أوقفها، ولم يمكن من الاستفادة منها إذ حصروه في داره، فكان يشرب من البئر التي ماؤها مالح كماء البحر.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثالثة

قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].زياد بن أيوب، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن سعيد بن عامر].
سعيد بن عامر هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي الحجاج].
يحيى بن أبي الحجاج هو لين الحديث، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن سعيد الجريري].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثمامة بن حزن القشيري].
ثمامة بن حزن القشيري هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن عثمان].
عثمان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، ومنها هذه الأشياء التي جاءت في هذا الحديث.
وفي هذا الذي فعله عثمان: بيان أن الإنسان إذا احتاج إلى أن يظهر شيئاً من مناقبه عند الحاجة إليها، فذلك لا بأس به؛ لأن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أراد أن تظهر هذه الأشياء ويعلمها هؤلاء الذين خرجوا عليه؛ لأنه احتاج إلى ذكرها واحتاج إلى أن يعلم هؤلاء الأعداء الذين آذوه وحصل منهم ما حصل، أن يعرفوا هذا الذي يعلمه عنه هؤلاء الخيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العشرة المبشرين بالجنة، وفيه إقامة الحجة عليهم، وأنه يؤذون شخصاً هذه حاله، وهذه صفاته ومناقبه، وهذه شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له.
ويشبه هذا أو قريب من هذا ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار لما قسم الرسول صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، والأنصار وجدوا في أنفسهم واجتمعوا في خيمة من الخيام، وكانوا يقولون: سيوفنا تقطر من دمائهم ثم يعطيهم الغنائم ولا يعطينا!
فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما في نفوسهم، فجاء إليهم وكانوا مجتمعين، وذكر الذي أنعم الله عليهم به، وهو مما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، وكنتم أذلة فأعزكم الله بي؟)، وفي كل مرة يجيبون: نعم هذا الذي حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم السبب في كونه يعطي هؤلاء، قال: هؤلاء أعطيهم لقرب عهدهم بالكفر، ويريد أن يتألفهم، وأن يقوى إيمانهم، وأما هؤلاء فتركهم لما عندهم من قوة الإيمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الأنصار شعار، والناس دثار، لو سلك الأنصار وادياً وسلك غيرهم وادياً، لسلكت وادي الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟)، فأعطاهم من هذا الكلام العظيم الجميل، وهذا الكلام البليغ الذي طابت به نفوسهم ورضوا بما رضي به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والمقصود من ذلك: أنه أظهر لهم هذه الأمور التي حصلت لهم بسببه حيث قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، ألم آتكم عالة، فأغناكم الله بي، ألم آتكم كذا.. ألم آتكم كذا؟) في كل ذلك يقولون: نعم. فهذا الذي حصل من عثمان هو من هذا القبيل، يعني: أراد أن تظهر هذه الفضائل، وأن ينطق أهل العلم بها، وأن يسمعها هؤلاء الأعداء الذين يفعلون بمن هذا فضله وهذا نبله ما فعلوا.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-08-2022, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد حدثنا خطاب بن عثمان حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: (أن عثمان رضي الله عنه أشرف عليهم حين حصروه فقال: أنشد بالله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله، وقال: اسكن فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان، وأنا معه؟ فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بيعة الرضوان يقول: هذه يد الله وهذه يد عثمان، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جيش العسرة يقول: من ينفق نفقة متقبلة، فجهزت نصف الجيش من مالي، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من يزيد في هذا المسجد ببيت في الجنة، فاشتريته من مالي، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً شهد رومة تباع، فاشتريتها من مالي، فأبحتها لابن السبيل، فانتشد له رجال)].أورد النسائي حديث عثمان رضي الله عنه وأرضاه من طريق، أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه جاء وانتشد، وقال: أنشد رجلاً علم كذا وكذا فشهد له، وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه إضافة بيعة الرضوان، وأن عثمان رضي الله عنه أرسله رسول الله إلى أهل مكة رسولاً منه إليهم ليفاوضهم، وليتكلم معهم، فهو الواسطة والرسول بين أهل مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أشيع بأن عثمان قد قتل، بايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أي أهل بيعة الرضوان، فبايعوه على القتال والجهاد في سبيل الله، وكان عثمان رضي الله عنه لما لم يكن موجوداً وكانت المبايعة حصلت من الحاضرين، وكانوا ألفاً وأربعمائة أهل بيعة الرضوان، وقد قال عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، فهذا فضل لهم جميعاً، وعثمان رضي الله عنه وأرضاه منهم، ولكنه لما لم يكن موجوداً بايع عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه لـعثمان، أي أنه بايع نيابة عن عثمان.
وجاء في هذا الحديث [يد الله]، ومن المعلوم أن الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، يداً على يد، واحدة عن عثمان وواحدة منه صلى الله عليه وسلم تقابل اليد الأخرى، وقال: يد الله؛ لأن الله تعالى قال في أهل بيعة الرضوان: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، أي: كأنما يبايعون الله، ومن المعلوم أن المبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الله تعالى أخبر أنهم إنما يبايعون الله، ثم قال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، والمقصود بقوله: يد الله فوق أيديهم، أنه فوقهم فيده فوق أيدهم، وليس معنى ذلك: أن يده تخالطهم وتماسهم، وإنما الله تعالى على العرش مستو، فوق خلقه، فهو فوقهم، ويده فوق أيديهم، هذا هو المقصود من قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وهم إنما يبايعون الله، فمبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي مبايعة لله، وهذا العقد الذي عقدوه مع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما عقدوه مع الله، وأنه يلزمهم أن يوفوا بهذا الذي عقدوا عليه، والشيء الذي وضعوا الأيدي في يد الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل إتمامه وإنهائه، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فقال: هذه يد الله، إشارة إلى ما جاء في قوله: إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] فهذا هو الذي فيه، والباقي هو مثلما تقدم.
قوله: (انتشد له رجال)، يعني: هؤلاء الأربعة الذي كان نشدهم وكان سألهم، ويمكن أن يكون غيرهم كذلك شهد بما شهدوا به، ومعنى هذا أن الجيش كان ستمائة بعير؛ لأن الستمائة منه، ويمكن أن يكون النصف الذي جهز، أي: كل خرج ببعيره، أي: الذي جهز نصف جيش العسرة هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيحتمل أن يكون المقصود الستمائة هي التي جهزت، وبذلت من الأثرياء والأغنياء، ولكن نصف هذا المبلغ الذي جهز للغزاة هو من عثمان رضي الله عنه وأرضاه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنه ثلاثمائة بعير.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق رابعة


قوله: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد].هو عمران بن بكار بن راشد، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خطاب بن عثمان].
خطاب بن عثمان هو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي.
[عن عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، أصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق السبيعي بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
عثمان رضي الله عنه.

حديث عثمان في وقف المساجد من طريق خامسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثني محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان رضي الله عنه في داره، اجتمع الناس حول داره، قال: فأشرف عليهم.. وساق الحديث].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه أحال على الطريق السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق خامسة


قوله: [أخبرني محمد بن وهب].هو محمد بن وهب الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي عبد الرحيم].
وهو خالد بن أبي يزيد الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن زيد بن أبي أنيسة].
زيد بن أبي أنيسة هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق قد مر ذكره.
[عن أبي عبد الرحمن السلمي].
وهو عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
وقد مر ذكره.
شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الإحباس

(466)

- باب وقف المساجد




من الأعمال التي تدوم للمسلم بعد مماته الوقف؛ فإن أجره يبقى ما بقي نتاجه، ومن ذلك بناء مسجد، وحفر بئر، أو إصلاح طريق، فعلى المسلم أن يقدم لنفسه في حياته ما ينفعه بعد مماته.

وقف المساجد


شرح حديث عثمان في وقف المساجد


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: وقف المساجد.أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن جاوان رجل من بني تميم؛ وذاك أني قلت له: (أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان؟ قال: سمعت الأحنف يقول: أتيت المدينة وأنا حاج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتى آت فقال: قد اجتمع الناس في المسجد، فاطلعت فإذا الناس مجتمعون، وإذا بين أظهرهم نفر قعود، فإذا هو علي بن أبي طالب، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فلما قمت عليهم قيل: هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه قد جاء، قال: فجاء وعليه ملية صفراء، فقلت لصاحبي: كما أنت حتى أنظر ما جاء به، فقال عثمان: أهاهنا علي؟ أهاهنا الزبير ؟ أهاهنا طلحة؟ أهاهنا سعد؟ قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: إني ابتعت مربد بني فلان، قال: فاجعله في مسجدنا وأجره لك، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا: نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يجهز جيش العسرة غفر الله له، فجهزتهم، حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد)].
يقول النسائي رحمه الله: [باب: وقف المساجد]، أي: ما فيه من الفضل، وما فيه من الأجر، ومن المعلوم أن الوقف يكون للأعيان التي تبقى، ويستمر نفعها، هذا هو الوقف، يكون لأعيان نفعها مستمر، والمساجد هي من هذا القبيل؛ لأنه إذا بنيت المساجد ووقفت فإن الناس يصلون فيها باستمرار، ومادام أنه يصلى فيها باستمرار فإن أجر تلك الاستفادة منها في أي وقت يعود إلى الذي أوقف ذلك المسجد، والذي بنى ذلك المسجد، وهو صدقة جارية، ومنفعة دائمة، ومن المعلوم أن الوقف لا يكون إلا فيما له عين فيها منفعة دائمة؛ لأنه لا يكون في أعيان معينة تنتهي، ولا يقال لمثل هذا وقف، فمائة كيلو من التمر -مثلاً- هذا لا يقال له وقف، بل هذا يعطى ويؤكل وينتهي، لكن إذا وقفت نخلات كل سنة تثمر، وتؤخذ ثمرتها ويتصدق بها في كل عام، هذه هي الصدقة الجارية، وهو الذي ينطبق عليه الوقف، أما المنفعة المنتهية كمقدار معين من التمر فإن هذا يؤكل وينتهي ولا يدوم، لكن النخل يدوم، والبيت الذي يوقف وريعه للمساكين، أو لأي وجه من وجوه البر في كل سنة، إما يسكنه فقراء ومساكين، ويستغلون منفعته أو يؤجر وتؤخذ أجرته وتصرف للفقراء والمساكين.. في كل عام يكون له منفعة، وفي كل عام يكون فيه أجرة، فهذا هو شأن الأوقاف، ووقف المساجد هو من هذا القبيل، شراء الأراضي وبناء المساجد عليها، وتسبيلها للناس يصلون فيها، هذه صدقة جارية ومنفعة دائمة.
أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عثمان عندما حصر في داره رضي الله عنه، وذلك في أواخر خلافته وأواخر أيامه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان أن خرج أو جاء من بيته، وخاطب بعض الصحابة الذين هم أهل فضل ونبل، وهم ممن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما حصل لـعثمان من أنه من أهل الجنة، وخاطب أربعة من العشرة المبشرين بالجنة، وهم الذين يعرفون فضل ومناقب عثمان، والأمور العظيمة التي حصلت لـعثمان، فاستشهدهم وطلب منهم أن يخبروا بما عندهم من تلك المآثر التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبناها عثمان بن عفان رضي الله عنه وقام بها.
ومنها أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لما ضاق بالناس وكان فيه مربد -وهو الأرض التي ينشف وينشر فيها التمر في الشمس- قال: من يشتريه؟ فاشتراه عثمان رضي الله عنه من ماله، وأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يجعله توسعة للمسجد، فوسع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك المكان الذي اشتراه عثمان من ماله، وجعله وقفاً في سبيل الله، فأضيف إلى المسجد وألحق بالمسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يفعل ذلك غفر الله له)، فكان الذي فعل ذلك عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي من مناقبه الجمة، وفضائله الكثيرة، وجوده وبذله في سبيل الله عز وجل، وكان من أثرياء الصحابة، لكن ذلك الثراء إنما يصرف وينفق في سبيل الله، رضي الله تعالى عن عثمان وأرضاه.
وهذا هو المقصود من إيراد الحديث، وكان أن الأحنف بن قيس -التابعي المخضرم- جاء إلى المدينة في طريقه إلى الحج، وعندما كانوا في منازلهم يحطون رحالهم جاءهم آت وقال: إن الناس اجتمعوا في المسجد وإنهم قد فزعوا، فجاء هو وصاحبه إلى المسجد وإذا الناس مجتمعون، وإذا فيهم أشخاص في وسطهم قعود، وإذا طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب، هؤلاء جالسون في المسجد والناس حولهم، فخرج عثمان، وجاء في بعض الروايات (أشرف عليهم)، وقال: أفيكم فلان، أفيكم فلان، أفيكم فلان، حتى علم بأن هؤلاء موجودون، وهم: سعد، والزبير، وطلحة، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فاستشهدهم وقال: أشهدكم بالله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يشتري مربد آل فلان، والمربد هو: الأرض التي يجفف فيها التمر، وييبس فيها التمر، ينشر فيها حتى يجف، ثم يدخلونه إلى منازلهم، فاشتراه من ماله، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اجعله في المسجد، فأضيف إلى المسجد، وكان توسعة لمسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي: باب وقف المساجد؛ لأنه رضي الله عنه، جعل هذه البقعة التي اشتراها من ماله وقفاً، حيث أضافها إلى المسجد فصارت من جملة المسجد، وزيد المسجد في زمانه صلى الله عليه وسلم بهذه البقعة التي اشتراها عثمان من ماله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
ثم سألهم: [هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يشتري بئر رومة وله الجنة؟)]، فاشتراها رضي الله عنه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجعلها للمسلمين يستقوا منها، ويأخذوا الماء العذب منها، فشهدوا له بذلك، ثم قال: أنشدكم بالله، هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يجهز هذا الجيش) الذي هو جيش العسرة.. جيش غزوة تبوك (غفر الله له، أو وله الجنة) كما جاء في بعض الروايات، فكان من عثمان رضي الله عنه أن جهز عدداً كبيراً من الإبل والدواب عليها أقتابها، وجاء في بعض الروايات: أن الذي جهزه ثلاثمائة بعير عليها أحلاسها وأقتابها ما يفقد منها عقال ولا خطام، أي: حتى العقال الذي تعقل به يدها، والخطام الذي يوضع في رقبتها هو موجود معها، جهز هذا العدد الكبير من الجيش وكان الناس في عسرة، والناس في حرارة الشمس وفي شدة الصيف والشقة، والمسافة بعيدة؛ لأنه سيذهب إلى الشام ولغزو الروم، فكان من عثمان رضي الله عنه أن أنفق ذلك في سبيل الله، والحديث سبق أن ذكره النسائي فيما تقدم في الجهاد: باب: فضل من جهز غازياً، أتى به من أجل ما حصل من عثمان رضي الله عنه في غزوة تبوك من تجهيز هذا العدد الكبير من الجيش الذي استفاد منه، وكان ثرياً، وبذل ماله في سبيل الله، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فشهدوا له بذلك.
ثم إنه بعد ذلك قال: [اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد]، وكان قصده من هذا السؤال أن يسمع الذين قاموا عليه، والذين آذوه، والذين حاصروه في داره، والذين أساءوا إليه، ليعلموا فضله ومناقبه بشهادة هؤلاء الخيار، وهؤلاء الفضلاء الذين هم من العشرة المبشرين بالجنة، وهم هؤلاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وكان في ذلك إقامة الحجة عليهم، وكونهم يعلمون أن صاحبهم الذين آذوه وألحقوا به الأذى هذه سوابقه، وهذا فضله ونبله، ولكن يوجد في الناس أوباش لا خير فيهم، حصل منهم ما حصل، وحصل أن آذوا هذا الرجل العظيم الذي هو خير الأمة بعد أبي بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وكانت النهاية أن قتلوه في داره، وكان شهيداً كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث كان هو وأبو بكر، وعمر على الجبل واهتز الجبل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اسكن فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)، وأحد الشهيدين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه فكان شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحاصل: أن عثمان رضي الله عنه أراد أن يسمع هؤلاء الأعداء الذين آذوه، وألحقوا به ما ألحقوا من الأذى، أراد أن يسمعوا ما له من المناقب، وما له من الفضل، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله، ومع ذلك فإن هؤلاء الذين آذوه حصل منهم من الأذى ما حصل له، وانتهى الأمر إلى أن قتلوه، وكان شهيداً بذلك رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
يقول حصين بن عبد الرحمن لـعمر بن جاوان: [أرأيت اعتزال الأحنف بن قيس ما كان؟] يعني: ما سببه؟ وكان اعتزل علياً ومعاوية رضي الله تعالى عنهما وما جرى بينهما، وكان يعرف القصة التي حصلت لـعثمان، وما حصل له، وما أوذي به، وأنه قتل مظلوماً، واعتزل حتى لا يحصل على يديه إلحاق أذى بأحد من الناس بكونه يكون مع أحد الطرفين.
ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم اجتهدوا في تلك الفتن، فمنهم من رأى أن يكون مع معاوية، ومنهم من رأى أن يكون مع علي، ومنهم من اعتزل الفريقين، والأحنف بن قيس ممن اعتزل الفريقين، وكان يتذكر ما حصل لـعثمان وأنه حصل بسبب الخروج عليه ما حصل من الإيذاء له وقتله، وما انتهى إليه أمره من قتله، فكان أن سئل عمرو بن جاوان عن اعتزال الأحنف ما سببه، فأخبر أن سببه الذي حصل أو الذي رواه وبلغه عن عثمان، وما حصل له من الأذى رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
[(قال: فجاء عثمان وعليه ملية صفراء)]، جاء في بعض الروايات: أنه تقنع بها، أي: قنع بها رأسه، فعليه إزار وعليه تلك الملية الصفراء التي غطى بها رأسه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، واستشهد هؤلاء الصحابة، وهم من أولياء الله، وخيار خلق الله، حتى يسمع هؤلاء الذين آذوه ما عنده هؤلاء مما له من الفضل والنبل، ومع ذلك يؤذيه هؤلاء الذين آذوه ويلحقون به ما ألحقوا من الأذى، وهو صابر محتسب، وقد منع الناس من أن يدافعوا عنه، فكان ما كان وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من قتله، ونيله الشهادة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19-08-2022, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن المعتمر بن سليمان].
هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين بن عبد الرحمن].
حصين بن عبد الرحمن هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن جاوان].
عمر أو عمرو بن جاوان سبق أن مر في كتاب الجهاد عمرو بن جاوان، وجاء هنا عمر، ويقال له عمر، ويقال له عمرو، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن الأحنف بن قيس].
هو الأحنف بن قيس التميمي، وهو ثقة مخضرم، ومشهور بالحلم هو وقيس بن عاصم التميمي.. مشهوران بالحلم والأناة، والأحنف بن قيس تابعي مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
عثمان رضي الله عنه وعن هؤلاء الصحابة أيضاً الأربعة كلهم أقروا وشهدوا بهذا، فهذه المناقب التي جاءت عن عثمان والتي ذكرها، شهد بها هؤلاء الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتلك جاءت عن هؤلاء الخمسة، عن عثمان، وعن الأربعة الذين استشهدهم، وشهدوا وقالوا: اللهم نعم، أي: حصل كذا، وحصل كذا، وحصل كذا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا.
جاء في متن الحديث عندما ذكر الصحابة الأربعة: (رحمة الله عليهم)، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يترحم عليهم ويترضى عنهم، لكن الذي غلب في استعمال العلماء قديماً وحديثاً أن الصحابة يترضى عنهم، ويترحم على من بعدهم، وقد يترضى عن غير الصحابة ويترحم على الصحابة، لكن الذي غلب في الاستعمال الترضي عن الصحابة والترحم على من بعدهم، ويحصل العكس، بأن يترحم على الصحابة مثلما جاء في هذا الحديث الذي معنا، ويترضى عن غير الصحابة؛ لأن الدعاء بالرضا هو دعاء، والدعاء بالرحمة هو دعاء، لكن الذي غلب في الاستعمال أن الصحابة يترضى عنهم، وغيرهم يترحم عليهم، ويجوز أن يترحم على الصحابة، وأن يترضى عن غير الصحابة.

شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا عبد الله بن إدريس سمعت حصين بن عبد الرحمن يحدث عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: (خرجنا حجاجاً فقدمنا المدينة ونحن نريد الحج، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال: إن الناس قد اجتمعوا في المسجد وفزعوا، فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد، وإذا علي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم، فإنا لكذلك إذ جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه عليه ملاءة صفراء قد قنع بها رأسه، فقال: أهاهنا علي؟ أهاهنا طلحة ؟ أهاهنا الزبير؟ أهاهنا سعد ؟ قالوا: نعم، قال: فإني أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له، فابتعته بعشرين ألفاً، أو بخمسة وعشرين ألفاً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: اجعلها في مسجدنا وأجره لك، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من يبتاع بئر رومة غفر الله له، فابتعته بكذا وكذا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: قد ابتعتها بكذا وكذا، قال: اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر في وجوه القوم فقال: من جهز هؤلاء غفر الله له -يعني جيش العسرة- فجهزتهم حتى ما يفقدون عقالاً ولا خطاماً؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد)].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم مر ذكره.
[عن عبد الله بن إدريس].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس عن عثمان].
مر ذكر هؤلاء جميعاً.

شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني زياد بن أيوب حدثنا سعيد بن عامر عن يحيى بن أبي الحجاج عن سعيد الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري قال: (شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين، وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر، قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله والإسلام: هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأنشدكم بالله، والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي فزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله، والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان على ثبير مكة، ومعه أبو بكر، وعمر، وأنا فتحرك الجبل فركضه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجله، وقال: اسكن ثبير، فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان، قالوا: اللهم نعم، قال: الله أكبر شهدوا لي ورب الكعبة، أي: أني شهيد)].أورد النسائي الحديث، وهو: حديث عثمان رضي الله عنه واستشهاده للصحابة الأربعة من العشرة المبشرين بالجنة، وشهادتهم له بذلك، وهو من طريق ثمامة بن حزن القشيري، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه ذكر الشهادة، وذكر كونهم شهدوا له بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحرك الجبل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [(اسكن ثبير فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان)]، وفيهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيكون بذلك شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه شهيد، وقد نال الشهادة بهذا العمل الذي عمله به هؤلاء الذين خرجوا عليه وقتلوه وهو يتلو القرآن في داره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وفيه ما جاء بذكر سؤالهم بالله وبالإسلام، أي: ما تربطه وإياهم من الرابطة، وهي: رابطة الإسلام، يسألهم بالله وما بما لهم من الرابطة التي تربطهم، وهو من جنس ما جاء في القرآن: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1]، أي: يتساءلون به وبالأرحام، أي: ما بينه وبينهم من القرابة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يطلب من الكفار في مكة أنه لما بينه وبينه من القرابة أن يتركوه يبلغ رسالة ربه، وهو الذي جاء تفسير قوله: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]، يعني: ما بيني وبينكم من القرابة، وما بيني وبينكم من الصلة يقتضي منكم أن تتركوني أبلغ رسالة ربي، وأن لا تحولوا بيني وبينها، فالسؤال بالإسلام بما يربطهم به، وبما يجمعه وإياهم يسألهم بهذا وبهذا.
قال: [(اشتريت بئر رومة من صلب مالي)].
من صلب مالي: من أصل مالي، أي: من ماله، والصلب هو: الأصل، وهو الذي يقال له: رأس المال، ويقولون: إن رأس المال وصلب المال أعز على الإنسان من غيره، أي: أن الإنسان إذا كان عنده غنم ثم توالدت، فهذا نسل لها، لكن الأصل يكون عند صاحبه أهم مما نتج عنه، ومما تفرع عنه.
قال فيه: [(وأنتم اليوم تمنعوني من الشرب منها حتى أشرب من ماء البحر)].
أي: حاصروه في داره، ومنعوا الناس من الوصول إليه، وكان يشرب من البئر التي في البيت، وماؤها مالح كماء البحر، ومع ذلك لا يتمكن من أن يحصل ماءً من هذه البئر التي أوقفها واشتراها من ماله، وجعلها للمسلمين يستعذبون منها الماء العذب، فهو قد أوقفها، ولم يمكن من الاستفادة منها إذ حصروه في داره، فكان يشرب من البئر التي ماؤها مالح كماء البحر.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق ثالثة

قوله: [أخبرني زياد بن أيوب].زياد بن أيوب، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن سعيد بن عامر].
سعيد بن عامر هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي الحجاج].
يحيى بن أبي الحجاج هو لين الحديث، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن سعيد الجريري].
هو سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ثمامة بن حزن القشيري].
ثمامة بن حزن القشيري هو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن عثمان].
عثمان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، ومنها هذه الأشياء التي جاءت في هذا الحديث.
وفي هذا الذي فعله عثمان: بيان أن الإنسان إذا احتاج إلى أن يظهر شيئاً من مناقبه عند الحاجة إليها، فذلك لا بأس به؛ لأن عثمان رضي الله عنه وأرضاه أراد أن تظهر هذه الأشياء ويعلمها هؤلاء الذين خرجوا عليه؛ لأنه احتاج إلى ذكرها واحتاج إلى أن يعلم هؤلاء الأعداء الذين آذوه وحصل منهم ما حصل، أن يعرفوا هذا الذي يعلمه عنه هؤلاء الخيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من العشرة المبشرين بالجنة، وفيه إقامة الحجة عليهم، وأنه يؤذون شخصاً هذه حاله، وهذه صفاته ومناقبه، وهذه شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له.
ويشبه هذا أو قريب من هذا ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الأنصار لما قسم الرسول صلى الله عليه وسلم غنائم حنين، والأنصار وجدوا في أنفسهم واجتمعوا في خيمة من الخيام، وكانوا يقولون: سيوفنا تقطر من دمائهم ثم يعطيهم الغنائم ولا يعطينا!
فبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ما في نفوسهم، فجاء إليهم وكانوا مجتمعين، وذكر الذي أنعم الله عليهم به، وهو مما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، وكنتم أذلة فأعزكم الله بي؟)، وفي كل مرة يجيبون: نعم هذا الذي حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم السبب في كونه يعطي هؤلاء، قال: هؤلاء أعطيهم لقرب عهدهم بالكفر، ويريد أن يتألفهم، وأن يقوى إيمانهم، وأما هؤلاء فتركهم لما عندهم من قوة الإيمان، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الأنصار شعار، والناس دثار، لو سلك الأنصار وادياً وسلك غيرهم وادياً، لسلكت وادي الأنصار، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟)، فأعطاهم من هذا الكلام العظيم الجميل، وهذا الكلام البليغ الذي طابت به نفوسهم ورضوا بما رضي به رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والمقصود من ذلك: أنه أظهر لهم هذه الأمور التي حصلت لهم بسببه حيث قال: (ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله بي، ألم آتكم عالة، فأغناكم الله بي، ألم آتكم كذا.. ألم آتكم كذا؟) في كل ذلك يقولون: نعم. فهذا الذي حصل من عثمان هو من هذا القبيل، يعني: أراد أن تظهر هذه الفضائل، وأن ينطق أهل العلم بها، وأن يسمعها هؤلاء الأعداء الذين يفعلون بمن هذا فضله وهذا نبله ما فعلوا.

شرح حديث عثمان في وقف المساجد من طريق رابعة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد حدثنا خطاب بن عثمان حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: (أن عثمان رضي الله عنه أشرف عليهم حين حصروه فقال: أنشد بالله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الجبل حين اهتز فركله برجله، وقال: اسكن فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان، وأنا معه؟ فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بيعة الرضوان يقول: هذه يد الله وهذه يد عثمان، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم جيش العسرة يقول: من ينفق نفقة متقبلة، فجهزت نصف الجيش من مالي، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من يزيد في هذا المسجد ببيت في الجنة، فاشتريته من مالي، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله رجلاً شهد رومة تباع، فاشتريتها من مالي، فأبحتها لابن السبيل، فانتشد له رجال)].أورد النسائي حديث عثمان رضي الله عنه وأرضاه من طريق، أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه جاء وانتشد، وقال: أنشد رجلاً علم كذا وكذا فشهد له، وهو مثلما تقدم، إلا أن فيه إضافة بيعة الرضوان، وأن عثمان رضي الله عنه أرسله رسول الله إلى أهل مكة رسولاً منه إليهم ليفاوضهم، وليتكلم معهم، فهو الواسطة والرسول بين أهل مكة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما أشيع بأن عثمان قد قتل، بايع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أي أهل بيعة الرضوان، فبايعوه على القتال والجهاد في سبيل الله، وكان عثمان رضي الله عنه لما لم يكن موجوداً وكانت المبايعة حصلت من الحاضرين، وكانوا ألفاً وأربعمائة أهل بيعة الرضوان، وقد قال عليه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة)، فهذا فضل لهم جميعاً، وعثمان رضي الله عنه وأرضاه منهم، ولكنه لما لم يكن موجوداً بايع عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ووضع إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه لـعثمان، أي أنه بايع نيابة عن عثمان.
وجاء في هذا الحديث [يد الله]، ومن المعلوم أن الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، يداً على يد، واحدة عن عثمان وواحدة منه صلى الله عليه وسلم تقابل اليد الأخرى، وقال: يد الله؛ لأن الله تعالى قال في أهل بيعة الرضوان: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، أي: كأنما يبايعون الله، ومن المعلوم أن المبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الله تعالى أخبر أنهم إنما يبايعون الله، ثم قال: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، والمقصود بقوله: يد الله فوق أيديهم، أنه فوقهم فيده فوق أيدهم، وليس معنى ذلك: أن يده تخالطهم وتماسهم، وإنما الله تعالى على العرش مستو، فوق خلقه، فهو فوقهم، ويده فوق أيديهم، هذا هو المقصود من قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وهم إنما يبايعون الله، فمبايعتهم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي مبايعة لله، وهذا العقد الذي عقدوه مع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما عقدوه مع الله، وأنه يلزمهم أن يوفوا بهذا الذي عقدوا عليه، والشيء الذي وضعوا الأيدي في يد الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل إتمامه وإنهائه، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فقال: هذه يد الله، إشارة إلى ما جاء في قوله: إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] فهذا هو الذي فيه، والباقي هو مثلما تقدم.
قوله: (انتشد له رجال)، يعني: هؤلاء الأربعة الذي كان نشدهم وكان سألهم، ويمكن أن يكون غيرهم كذلك شهد بما شهدوا به، ومعنى هذا أن الجيش كان ستمائة بعير؛ لأن الستمائة منه، ويمكن أن يكون النصف الذي جهز، أي: كل خرج ببعيره، أي: الذي جهز نصف جيش العسرة هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيحتمل أن يكون المقصود الستمائة هي التي جهزت، وبذلت من الأثرياء والأغنياء، ولكن نصف هذا المبلغ الذي جهز للغزاة هو من عثمان رضي الله عنه وأرضاه، ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنه ثلاثمائة بعير.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق رابعة


قوله: [أخبرنا عمران بن بكار بن راشد].هو عمران بن بكار بن راشد، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خطاب بن عثمان].
خطاب بن عثمان هو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي.
[عن عيسى بن يونس].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو يونس بن أبي إسحاق صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، أصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق السبيعي بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
عثمان رضي الله عنه.

حديث عثمان في وقف المساجد من طريق خامسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن وهب حدثني محمد بن سلمة حدثني أبو عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: لما حصر عثمان رضي الله عنه في داره، اجتمع الناس حول داره، قال: فأشرف عليهم.. وساق الحديث].أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، ولكنه أحال على الطريق السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث عثمان في وقف المساجد من طريق خامسة


قوله: [أخبرني محمد بن وهب].هو محمد بن وهب الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن محمد بن سلمة].
هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي عبد الرحيم].
وهو خالد بن أبي يزيد الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن زيد بن أبي أنيسة].
زيد بن أبي أنيسة هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
أبو إسحاق قد مر ذكره.
[عن أبي عبد الرحمن السلمي].
وهو عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان].
وقد مر ذكره.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19-08-2022, 08:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الوصايا

(467)


- باب الكراهية في تأخير الوصية



حث الشرع الحكيم المسلم على الصدقة في حال الصحة والغنى، وبين له أن ذلك هو ماله الحقيقي الذي سينفعه عند الله، ومن آخر الطرق إلى هذا الخير الإيصاء بذلك قبل الموت إلى حدود الثلث، مع استحباب المبادرة إلى كتابة الوصية قبل مرض الموت خصوصاً فيما يتعلق بالحقوق التي هي له أو عليه.

الوصايا


شرح حديث: (... ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الوصايا. الكراهية في تأخير الوصية.
أخبرنا أحمد بن حرب حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح، شحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا وقد كان لفلان)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب الوصايا، الوصايا: جمع وصية، وهي: تطلق في الشرع إطلاقين: أحدهما: عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت، في مال أو غيره، والإطلاق الثاني: أنها تطلق على ما فيه الحث على فعل المأمورات، والزجر عن فعل المنهيات، هذه وصية في الشرع، والمقصود من الترجمة هو الأول، أي: العهد الخاص الذي يكون لما بعد الموت، والغالب أن يراد بها ما يتعلق بالمال، ويراد بها غيره مما ليس بمال.
وقد أورد النسائي باب كراهية تأخير الوصية، أو الكراهية في تأخير الوصية، أي: أن الإنسان عليه أن يبادر إلى أن يوصي بالشيء الذي يحتاج إلى أن يوصي به، فلا يؤخر ولا يمهل، فقد يفجأه الموت دون أن يبين ما يريد، ودون أن يبين ما له وما عليه، فالذي عنده شيء يريد أن يوصي به عليه أن يبادر به، وأن لا يتهاون فيه، وأن لا يمهل حتى لا يفجأه الموت وهو لم يوص بالشيء الذي يريد الوصية به.
وقد أورد النسائي عدة أحاديث أولها: حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أن تتصدق وأنت صحيح، شحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء)، هذا هو الذي يكون أعظم في الصدقة، وهذا يدل على أن تصدق الإنسان ونفقته في حياته في سبيل الله، خير من أن يمهل ويؤخر لما بعد الموت؛ لأن خير الصدقة ما كان بهذه الطريقة، وهي كون الإنسان في صحة وعافية، والمال غالٍ عنده وليس برخيص؛ لأنه يطمع في الحياة حال الصحة والعافية، فهو يخشى الفقر، ويأمل الغنى، فهذا هو خير الصدقات، ما كان في الصحة والطمع في الحياة، وفي حال قوته وعافيته، وعزة المال عنده، وكونه غالياً لديه، وهذا يدل على أن الصدقة في الحياة في حال صحة الإنسان وعافيته أفضل من الشيء الذي يجعله بعد الموت، وإن كان ذلك فيه أجر عظيم، وثواب جزيل، لكن هذا أعظم أجراً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (أن تتصدق وأنت صحيح شحيح)، صحيح في عافية ليس في مرض، وليس في مرض الموت، وليس في مرض منهك يجعله يزهد في الحياة، ولا يطمع فيها، فيجعله يندفع إلى أن يتصدق، بل إذا تصدق وهو في صحته، وعافيته فهذا خير عظيم، وكذلك في حال كون المال عزيزاً عنده، وغالياً في نفسه؛ لأنه يخشى الفقر، ويأمل البقاء، أما الإنسان الذي يتصدق في مرضه أو يتصدق عند يأسه من الحياة فهذا ليس كالذي تصدق حال صحته، وعافيته، وطمعه في البقاء، كما أرشد إلى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، في هذا الحديث: (أن تتصدق وأنت صحيح شحيح)، (صحيح) يرجع إلى الصحة والعافية، و(شحيح) يرجع إلى الطمع في البقاء، والرغبة في الدنيا، والحرص على المال، فإذا كان في حال حرصه على المال وفي حال حرصه على البقاء، وفي حال صحته، وعافيته فإن الصدقة في تلك الحال تكون أعظم أجراً، وأعظم ثواباً عند الله عز وجل.
قوله: [(ولا تمهل)]، أي: يمهل الإنسان من أن يتصدق، وأن يتهاون في الصدقة، حتى إذا بلغت الروح الحلقوم، أي: جاء عند نهاية حياته ويأس من الحياة عند ذلك يقول: لفلان كذا، ويعطي لفلان كذا، ويوصي بكذا، والوصية في حدود الثلث سائغة في أي وقت، ولو كان في مرض الموت، ولكن نفقة الإنسان من ماله في حال صحته وعافيته هي الأفضل، قيل: إن قوله: (وقد كان لفلان كذا)، أي: كان للوارث كذا، وكذا من الميراث، أي: قد قارب أن يكون له؛ لأن الميراث ليس منه، بل هو من الله عز وجل، وينتقل المال من المورث إلى الوارث بالموت بدون اختيار للإنسان فيه، لا للمورث، ولا للوارث؛ لأن هذا شيء فرضه الله تعالى، فإذا مات أخرج الدين، والوصية، والحقوق التي تكون عنده للناس، والباقي يكون للورثة، والمورث لا يستطيع أن يمنع الميراث عن أحد الورثة؛ لأن هذا حق الله تعالى جعله له، وإن لم يسع إليه ولم يكدح فيه ولم يفكر، فهو حق ينتقل من مالك إلى مالك، (قلت: لفلان كذا)، أي: يخبر بأنه يوصي بكذا أو أنه يكون كذا، وقد كان لفلان كذا، أي: قارب أن يكون للورثة ما ورثهم؛ لأنهم بمجرد موته يستحقون الميراث، ويستحقون الإرث.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ...)


قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].هو أحمد بن حرب الموصلي، صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن محمد بن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، صدوق رمي بالتشيع، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والكلام الذي قيل فيه من أجل التشيع ينقضه ما جاء عنه أنه قال كلمة عظيمة تدل على سلامته من التشيع، وهي قوله: رحم الله عثمان أي: ابن عفان ، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان ، وهذا ليس من شأن الشيعة، وليس من شأن الرافضة أنهم يترحمون على عثمان ، بل يبغضون عثمان، ويسبونه، ويتكلمون فيه، فهذا يدل على سلامته وعلى أن ما أضيف إليه هو بريء منه؛ بل يدعو على من لا يترحم على عثمان أن لا يرحم، وهذا يدل على سلامته.
من وصف بعض الرواة له بالتشيع، وهو من رجال الكتب الستة، ويأتي ذكره في مواضع عديدة.
وأبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي جاء عنه كلمة عظيمة تشبه الكلمة التي جاءت عن محمد بن فضيل ، وهي قوله رحمه الله: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية ، أي: الملائكة الذين يكتبون الحسنات، والسيئات ما كتبت السيئات أنه سب معاوية .
وهذا معناه: أنه سليم من هذه البدعة بدعة التشيع.
ومن المعلوم أن سب معاوية عند الرافضة من أسهل الأشياء، بل هذا قدر مشترك مع الزيدية الذين هم أخف الشيعة، فهم يشتمون معاوية، ويسبونه ويلعنون،
[عن عمارة بن القعقاع].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي زرعة].
هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة سبعة وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة ، هؤلاء أكثر الصحابة حديثاً، وأبو هريرة أكثر هؤلاء السبعة، رضي الله تعالى عنه وعنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (... مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت)].أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في جماعة من أصحابه، فقال: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل هذا السؤال ليبني عليه شيئاً، أي: بعد أن يستقر، ويتضح يبين الذي يريد أن يقوله، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام ومن كمال نصحه لأمته عليه الصلاة والسلام، أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، المال الذي بحوزة الإنسان والذي بيد الإنسان أحب إليه من المال الذي يرثه، فالنبي صلى الله عليه وسلم، قال عند ذلك: (ما منكم من أحد إلا ومال وارثه أحب إليه من ماله)، يريد بذلك عليه الصلاة والسلام، أن المال الذي يبقيه في يده حتى يموت وهو في يده هو مال الوارث، أما الذي أنفقه، وتصدق به، وأخرجه في سبيل الله فهذا هو ماله حقاً؛ لأن هذا يجده أمامه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، ثم هذا الوارث قد يجازي بالجميل، فيتصدق عن المورث، ويدعو له، وقد يكون -والعياذ بالله- على خلاف ذلك، فلا يدعو، بل قد يستعمل هذا المال الذي ورثه والذي ورث له في معصية الله عز وجل.
فبين عليه الصلاة والسلام بهذا المثال، وبهذا التمهيد، وبهذا الإيضاح والبيان: أن ما يقدمه الإنسان ويخرجه في سبيل الله هو ماله حقاً، الذي تعود منفعته عليه، ويجد عاقبة هذا المال عندما ينتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، ولهذا قال: (ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر)، يعني: المال الذي أخرجه في صحته، وعافيته، وأخرجه في حياته هذا مال قدمه يجده أمامه، أما ما أخره فإنه مال الوارث، وملك الوارث، وقد ينفع الوارث مورثه وقد لا ينفعه، فهذا من كمال بيانه ومن كمال نصحه عليه الصلاة والسلام، حيث سأل هذا السؤال ومهد بهذا التمهيد ليصل إلى بيان أن ما يقدمه الإنسان هو ماله حقاً، وما يؤخره وراءه ويموت وهو بحوزته هو مال وارثه، هذا هو المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم، فماله ما هو بالمال الذي في حوزة أولاده؛ لأن هذا مالهم بأيديهم، لكن المال الذي هو له حقيقة هو ما يتصدق به وينفقه في سبيل الله، ومن ماله ما لا يكون له، وهو الذي يموت وهو بحوزته فيصير إلى الورثة، ولهذا بين عليه الصلاة والسلام في آخر الأمر حيث قال: (ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (... مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت)

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو هناد بن السري أبو السري الكوفي، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي معاوية].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم التيمي].
هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، ثقة يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو غير إبراهيم النخعيهو إبراهيم بن يزيد بن قيس، وهذا إبراهيم بن يزيد بن شريك، وهذا التيمي، وذاك النخعي، فالذي يأتي ذكره كثيراً في الأسانيد هو النخعي، وأما التيمي فهو من رجال الكتب الستة، ولكن ليس عنده من الحديث مثل ما لـإبراهيم النخعي .
[عن الحارث بن سويد].
هو الحارث بن سويد التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من فقهاء الصحابة وعلمائهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (... يقول ابن آدم: مالي مالي وإنما مالك ما أكلت فأفنيت ... أو تصدقت فأمضيت)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، قال: يقول ابن آدم: مالي مالي، وإنما مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2])، أي: ألهاكم التكاثر في الدنيا لجمعها وتكثيرها، حتى زرتم المقابر أي: متم، وانتقلتم إلى المقابر، وصرتم من أهلها؛ لأن هذا هو المقصود بزيارة المقابر أي: الموت، والمقصون: يزورنها ميتين، وليس معناه: يزورونها ويرجعون، فإنهم قد يزورنها، وهم متمسكون بالدنيا، وحريصون عليها: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر:1-2]، ثم قال: يقول ابن آدم: مالي مالي)، أي: مالي مالي، يعني: تكثراً، وحرصاً، وشدة رغبة، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وإنما مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)، أي: هذا هو مالك الذي أنفقته على نفسك، واكتسيت به، وتصدقت منه فأمضيته ووجدته أمامك، هذا مالك، أما ما سوى ذلك فهو مال غيرك.
ثم قوله: [(أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت)] إشارة إلى أن هذا الذي فني، وبلي ليس له أهمية كالذي ذكر بعده وهو قوله: (أو تصدقت فأمضيت)، وفسر التصدق بتفسيرين: تصدقت أي: أردت التصدق، فأمضيت: عزمت على إخراج تلك الصدقة والمعنى: أردت ونفذت، أو تصدقت فأمضيت، أي: باشرت، ونفذت، وأمضيته بحيث تجده أمامك، وكلا المعنيين صحيح، هذا هو شأن الصدقة التي تنفع صاحبها عند الله، وهذا من جنس قوله فيما تقدم: (ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر)، وهنا قال: وإنما مالك ما استفدت منه في حياتك فاقتت منه، ولبست منه، أو تصدقت فأمضيت، ووجدته أمامك، وهذا هو الذي منفعته باقية للإنسان وهي الصدقة التي يمضيها ويجدها أمامه كما قال الله عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7] وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:8]، وقال في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) والمقصود من ذكر هذا الحديث والذي قبله هو: الحث على الصدقة، وكون الإنسان يتصدق في حال صحته وعافيته هذا هو الأفضل، وإذا أوصى بثلث ماله أو بأقل من ذلك بأعمال بر يعود نفعها إليه فذلك خير، ولكن الصدقة الماضية في حال الصحة والعافية خير من الصدقة التي ليست كذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (... يقول ابن آدم: مالي مالي وإنما مالك ما أكلت فأفنيت ... أو تصدقت فأمضيت)


قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن الشخير، صحابي من مسلمة الفتح، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث: (مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة سمعت أبا إسحاق سمع أبا حبيبة الطائي قال: أوصى رجل بدنانير في سبيل الله فسئل أبو الدرداء فحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما يشبع)].أورد النسائي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعد ما يشبع)].
يعني: أن الصدقة في آخر الحياة عندما يكون الإنسان زاهداً في الحياة، وعندما يكون مشرفاً على الموت، ليس كالذي يتصدق في حال صحته وعافيته؛ لأن من يتصدق بالشيء وهو قد يئس من الحياة أدنى بكثير ممن هو طامع فيها، وممن هو في حال الصحة والعافية ولكن ذلك لا يعني أن الوصية ولو كانت في مرض الموت لا تعتبر بل هي تعتبر، سواء كان في مرض موته أو قبل ذلك، لكن الشيء الذي يمضيه الإنسان في حال الصحة والعافية خير وأعظم أجراً عند الله عز وجل، وإذا كانت الوصية في حدود الثلث، في أي وقت من أوقات حياة الإنسان، ولو كان في مرض موته، فإن ذلك مفيد، والحديث في إسناده من هو مقبول لا يعتبر إلا إذا توبع، ففيه ضعف من حيث المعنى، لكن لا شك أن الصدقة في حال الصحة والعافية خير كما جاء في الحديث الأول، وإذا وجدت الصدقة، أو الوصية بعد الموت فهي معتبرة كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الوصية معتبرة مطلقاً، ولو كان في مرض الموت، لكن أن تكون في حدود الثلث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما زار سعد بن أبي وقاص وكان مريضاً وسأله وقال: أوصي بكذا حتى وصل إلى الثلث قال: (الثلث والثلث كثير) ولهذا جاء عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الخمس لكان أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والثلث كثير).

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19-08-2022, 08:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث: (مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع)

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو الملقب بندار البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو ابن جعفر الملقب غندر وإذا جاء محمد غير منسوب، ويسمى المهمل، وهو يروي عنه محمد بن بشار وهو يروي عن شعبة فالمراد به: محمد بن جعفر الملقب: غندر، وهو البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
وقد مر ذكره.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حبيبة الطائي].
مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن أبي الدرداء].
هو أبو الدرداء عويمر بن زيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته أبي الدرداء، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا الفضيل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو دال على المبادرة إلى الوصية إذا كان الإنسان عنده شيء يريد أن يوصي به، فلا ينبغي له أن يمهل، بل عليه أن يبادر بالوصية وينص على ما يوصي به، وأن يكون ذلك مكتوباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، يعني: لا يليق بالمسلم الذي عنده شيء يريد أن يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، فهذا يدلنا على المبادرة إلى الوصية، وأن تكون مكتوبة؛ لأن الكتابة فيها توثق، وفيها إثبات، وسواء كتبها هو أو كتبها غيره، ويكفي لو كتبها بدون إشهاد وبخطه، فإن ذلك يكفي في ثبوت الوصية، ما دام أن الخط خطه فإن ذلك معتبر.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان: قرية من قرى بلخ، وثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الفضيل].
هو الفضيل بن عياض، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر، وهو المصغر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، وقد جاء في بعض الروايات ثلاث ليال، والمقصود من ذكر الليلتين والثلاث دون أن يقول: ليلة، أو يقول: من حين يبادر بدون تأخير ولا ليلة: حتى يكون عنده مهلة يفكر ويدون، فأعطي هذه المهلة التي هي مقدار هذه المدة، ليتمكن الإنسان من أن يفكر بالشيء الذي يريد أن يوصي به، فلا يكون ليس أمامه إلا ليلة واحدة، بل ليلتان أو ثلاث، كما جاء في بعض الروايات، فهو مثل ما تقدم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو محمد بن سلمة المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن مالك].
هو: مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، الإمام، الفقيه، المشهور.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.

طريق ثالثة لحديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله].أورد النسائي الحديث وهو من قول ابن عمر يعني: أنه موقوف عليه؛ لأنه قال: (قوله) أي: من قول: ابن عمر قال: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، يعني: جاء موقوفاً ومرفوعاً.
قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم بن نعيم].
هو محمد بن حاتم بن نعيم المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن حبان].
هو حبان بن موسى المروزي، ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عون].
هو عبد الله بن عون، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث: (ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وعنده وصيته ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: فإن سالماً أخبرني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وعنده وصيته، قال عبد الله بن عمر: ما مرت علي منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفيه ذكر الثلاث الليالي، وفيه أيضاً مبادرة ابن عمر إلى الامتثال، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من اتباع ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، والمبادرة إلى امتثال أمره صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما لما سمع الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مرت عليّ يعني: هذه المدة إلا ووصيتي مكتوبة)، أي: تنفيذاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما حق امرئ مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا وعنده وصيته ...)

قوله: [أخبرنا يونس بن عبد الأعلى].هو يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
وقد مر ذكره.

حديث: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه فيبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان سمعت ابن وهب أخبرني يونس وعمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه فيبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم في الطريق السابقة، وفيه ذكر الثلاث الليالي بدل الليلتين.
قوله: [أخبرنا أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان].
أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب عن يونس].
وقد مر ذكرهما.
[وعمرو بن الحارث].
هو عمرو بن الحارث المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه].
وقد مر ذكرهم.


الأسئلة


حكم التمسح بتراب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم وروضته


السؤال: ما رأي فضيلتكم فيمن يتمسح بتراب حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروضته محتجاً بصنيع الصحابة حينما تمسحوا بعرقه وآنيته؟


الجواب: تمسح الصحابة بعرقه، وتبركهم بشعره، وبعرقه، وبفضل وضوئه، هذا ثابت، وهذا من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الذي يسوغ في حقه ذلك لمن أدركه ولمن تشرف بصحبته من أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، أما التبرك والتمسح بجدران، أو بأرض، فإن هذا لا يسوغ ولا يجوز؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ومن جاء بعدهم ممن صار على منوالهم ما كانوا يفعلون ذلك، وما كانوا يتبركون إلا بشخصه صلى الله عليه وسلم، بعرقه وبشعره، وبفضل وضوئه، هذا هو الذي ثبت وكانوا يفعلون ذلك وقد أقرهم عليه عليه الصلاة والسلام، ولم يفعله الصحابة مع خير الصحابة مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وهم خير الناس، فدل هذا على أنه غير سائغ، وقد ذكر الشاطبي في الاعتصام الإجماع على أنهم اعتبروا هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلا يتبرك بأحدٍ سواه لا بعرقه ولا بفضلاته ولا غير ذلك؛ لأن الصحابة عدلوا عن التبرك بخير الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أصحابه الكرام وفي مقدمتهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وعلى هذا فالقياس غير صحيح؛ لأن الذين هم خير هذه الأمة ما فعلوا هذا، مع النبي صلى الله عليه وسلم، وما فعلوه في الجدران، ولا في الأرض ولا في غير ذلك.


التبرك والتداوي بتراب المدينة


السؤال: يقول: ثم هل نفهم من الحديث الصحيح (بتربة أرضنا يشفى سقيمنا) هل يجوز التبرك والتداوي بتراب المدينة، وما معنى الحديث؟


الجواب: كون الإنسان يرقي، ويفعل كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يبل أصبعه ويمسحه، ويقول هذا الدعاء الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ثابت وصحيح، لكن في غير الرقية، وفي غير وضعه في الموضع الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ ذلك ولا يجوز.

السؤال: ما حكم الاشتراك في الأسهم التي في شركة الراجحي حيث نشتريها بثلاثين مثلاً، ونعطى على ذلك أرباحاً بنسبة عشرين بالمائة تقريباً؟
الجواب: لا أدري.

صحة صنيع من أعطى جميع أمواله لأولاده وزوجته ومن يرثه بقدر إرثهم

السؤال: ما حكم من مات ولكنه قبل موته قد أعطى جميع أمواله لأولاده وزوجته، فما مات إلا وقد انتهى ماله؟


الجواب: إذا كان أعطاهم وفرق بينهم على قدر إرثهم، فهذا صحيح له ذلك، للإنسان أن يعطي ورثته على قدر إرثهم في حياته، فإذا كان فعل ذلك، فإنه قد وضع الشيء في موضعه.


النساء في الجنة

السؤال: قد ورد أن للرجال من نعيم الجنة الحور العين، فهل للنساء كذلك الحور العين من الرجال؟


الجواب: في الجنة النساء يتمتعن بالأزواج، ويجدن المتعة معهم، فمن دخل الجنة فهو في خير، المهم أن الإنسان يدخل الجنة، وإذا دخلها يجد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، سواء كان رجلاً أو امرأة، والله تعالى خلق الحور العين في الجنة يتمتع بهن أهل الجنة، وهن يستمتعن بهم، والاستمتاع موجود من الطرفين إلا أن أولئك خلقن في الجنة، وأما نساء الدنيا، فإنهن ينشأن إنشاءً فيجعلن أبكاراً، عرباً، أتراباً، ويستمتعن بالرجال كما يستمتع الرجال بهن.


حكم النظر للمرأة الكبيرة أو غير الجميلة

السؤال: هل يجوز النظر إلى المرأة الكبيرة والمرأة غير الجميلة ولو لم تكن كبيرة؟


الجواب: لا يجوز النظر إلى النساء، فعلى الإنسان أن يعود نفسه أن لا ينظر إلى النساء: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] فيغض بصره عن المرأة الأجنبية مطلقاً.


حكم الوصية للابن بالمكتبة العلمية

السؤال: هل يمكن أن أوصي بمكتبتي التي جمعت فيها بحمد الله تعالى كتباً نافعاً في العلوم الشرعية لابني دون الورثة حرصاً على مواصلته التعلم؟

الجواب: ما يخصص الابن بالوصية؛ لأنه إذا وصي بها ملكها، وإذا ملكها هي لها قيمة وهي مال، فيكون معناه: خصه بدون الورثة بالمال، ولا وصية لوارث، لكنه إذا أراد أن يوصي يمكن أن يوصي بها للمطالعة، ويجعله ناظراً عليها، يعني: ليس مالكاً لها، بل هو ناظر للوقف ويستفيد منه، فإذا كان مقصوده بأن ولده يستفيد منها وتحصل الفائدة بكونه يجعله ناظراً عليها فلا بأس، أما أن يوصي بها له يبيع منها ما يبيع ويتصرف فيها بالبيع فإن هذه وصية بمال، ولا وصية لوارث إلا إذا أجاز الورثة.


حكم من قيل فيه: صدوق يتشيع

السؤال: سمعت أنه إذا قيل في راوٍ مثلاً: صدوق ولكنه يتشيع، ليس معناه بأنه شيعي، وإنما كان يفضل علياً على أبي بكر وعمر فهل هذا صحيح؟


الجواب: لا، التفضيل على أبي بكر وعمر هذا ليس بصحيح، وأما تفضيل علي على عثمان فهذا قال به بعض أهل السنة، ولم يعتبروا ذلك منهم بدعةً تقتضي أن يقدح فيهم؛ لأنه جاء عن بعض السلف ذلك، مثل: عبد الرحمن بن أبي حاتم، والأعمش، وابن جرير، وعبد الرزاق، جاء عنهم ما يدل على تفضيل علي على عثمان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الواسطية: إن هذه ليست من المسائل التي يبدع بها، وإنما يبدع بها لو قال: إن علياً، أحق بالخلافة من عثمان، هذه يبدع من يقول بها؛ لأن فيها اعتراضاً على اختيار الصحابة، وعلى تقديمهم لـعثمان، على علي، وقول: إن علياً، أفضل من عثمان، فهذا ليس هو القول المشهور عن أهل السنة، وإنما قال به عدد قليل منهم، لكنهم قالوا: إنه لا يبدع من يقول بذلك، أما أن يفضل عليَّ على أبي بكر، وعمر فهذا شأن أهل البدع، وعلي رضي الله عنه وأرضاه قال: (لا أوتى برجل يفضلني على أبي بكر، وعمر إلا جلدته جلد المفتري).


معنى قول أهل الجرح والتعديل: يتشيع

السؤال: قول أهل الجرح والتعديل: يتشيع، هل المراد به شيعي رافضي؟


الجواب: لا، كلمة (يتشيع) إذا جاءت في الأشخاص الذين هم معتبرون، ومعتمدون، فالمقصود منه في الغالب، أنه عنده ميل إلى علي، أو أنه يفضل علياً على عثمان، ومثل هذا لا يقدح، قضية تفضيل علي على عثمان لا تعتبر قدحاً فيمن حصل منه ذلك، وإن كان خلاف المشهور عن أهل السنة.

السؤال: نرى في بعض المكتبات رسالة باسم وصية شرعية، فهل هناك وصية جامعة شرعية، وما رأي فضيلتكم فيما جمعوه في هذه الرسالة؟
الجواب: لا أعرف شيئاً عن هذه الرسالة.


حكم إعطاء البنك أجرة لتحويل المال

السؤال: اقترضت من أخ بمصر ألف جنيه، فأرسلها عن طريق بنك الراجحي، والبنك بمصر يأخذ أجرة على هذا التحويل فهل يتكلف هذه الأجرة؟

الجواب: نعم يتكلف هذه الأجرة؛ لأن الحق مطلوب منه أن يوصل، وذاك يوصل إليه حقه كاملاً غير منقوص، وإذا كان الإيصال يترتب عليه تكلفة فإن الذي عليه الحق هو الذي تلزمه إلا إذا سامحه ذاك وقبل منه بعض حقه على أن يكون ذلك البعض هو ما صرفه في مقابل الأجرة، الأصل أن الإنسان إذا كان عليه شيء فعليه أن يوصله إلى من له الحق، ولا يخصم منه شيئاً إلا إذا رضي ووافق على أنه يتنازل عن ذلك الذي كان وسيلة إلى وصول حقه إليه لا بأس بذلك.


حكم الرجوع عن الوصية


السؤال: هل يجوز أن يتراجع عن وصيته؟


الجواب: يجوز، الإنسان إذا وصى له أن يرجع في الوصية، له أن يغير، وله أن يعدل؛ لأنها ما تستقر إلا بالموت، وليست مثل الوقف، الوقف ليس له أن يغير ويبدل؛ لأنه ناجز، وأما الوصية ليست ناجزة، بل هي معلقة بالموت.


حال ما نسب لعمر بن الخطاب من قوله لجاريته: (خلقك الذي خلق الجن والشياطين)


السؤال: ما صحة ما نسب لـعمر رضي الله عنه أنه كان يقول لجاريته: خلقني الذي خلق الملائكة، وخلقك الذي خلق الجن والشياطين، فتغضب من ذلك؟


الجواب: أقول ما أعرف هذا، ويبعد أن يقول ذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه، الله تعالى خلق كل شيء، لكن مثل ذلك ما أظن أنه يصدر من عمر ولا أعرف ثبوته عنه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19-08-2022, 08:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الوصايا

(468)

- باب هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم - باب الوصية بالثلث




أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بكتاب الله عز وجل، والسنة داخلة في هذه الوصية؛ لأن كتاب الله أمر بالأخذ بها، ولم يوص عليه الصلاة والسلام في شيء من المال أو الخلافة لأحد كما تزعم الرافضة، كما حث أيضاً عليه الصلاة والسلام على ترك الإنسان ورثته أغنياء، ولم يجز الوصية بأكثر من الثلث.

هل أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم



شرح حديث ابن أبي أوفى في الوصية بكتاب الله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [هل أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد بن الحارث حدثنا مالك بن مغول حدثنا طلحة قال: (سألت ابن أبي أوفى: أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: لا، قلت: كيف كتب على المسلمين الوصية؟ قال: أوصي بكتاب الله)].
يقول النسائي رحمه الله: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا الاستفهام في هذه الترجمة يحتمل أن يكون المراد به الوصية بالمال، والوصية بالخلافة، والوصية التي هي الحث على كتاب الله عز وجل، وما جاء به رسوله الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، أما بالنسبة للمال فالنبي صلى الله عليه وسلم ما خلف مالاً يكون شيء منه وصية، وشيء منه ميراثاً، كما هو الحال في شأن أمته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) فهم لا يورث عنهم المال صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم، وإنما يورث عنهم العلم النافع الذي من أخذ به اهتدى وصار إلى الله عز وجل على بصيرة، وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث ومنها ما سيأتي ومنها ما مر: (ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا شاتاً ولا بعيراً)، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر) فهم لا يورث عنهم المال، وما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من بعده فهو صدقة في سبيل الله عز وجل.
أما الوصية بالخلافة فلم يحصل منه وصية مكتوبة، أو بلفظٍ صريح يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: الخليفة بعدي فلان، ما جاء عنه ذلك عليه الصلاة والسلام، وإنما جاء عنه نصوص فيها إشارة قوية ودلالات واضحة على أن أبا بكر رضي الله عنه هو الخليفة من بعده، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام في حديث جندب بن عبد الله البجلي، قبل أن يموت بخمس ليال، قال عليه الصلاة والسلام: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك) رواه مسلم في صحيحه.
والجملة الأولى منه دالة على أن أبا بكر رضي الله عنه هو الأولى بالأمر من بعده عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال ذلك في مرض موته قبل أن يموت بخمس قال: (ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً).
وكذلك أمره عليه الصلاة والسلام أبا بكر، أن يصلي بالناس في مرض موته، وقد روجع في ذلك مراراً وفي كل مرة يقول: (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس) قالوا: وهذا فيه إشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال له عمر رضي الله عنه يوم السقيفة: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟!
ومن الألفاظ التي جاءت عن النبي عليه الصلاة والسلام وهي قوية الإشارة وواضحة الدلالة على أولويته، وأحقيته رضي الله عنه من بعده أي: من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: (ادعي لي أباك وأخاك لأكتب كتاباً لـأبي بكر، فإني أخشى أن يتمنى متمن أو يقول قائل -ثم قال عليه الصلاة والسلام-: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر) وترك الكتابة، يعني: أنه ليس هناك حاجة للكتابة؛ لأن المسلمين سيجتمعون باختيارهم، وإرادتهم وطوعهم على أبي بكر، سيجتمعون عليه، ويختارونه، فهو قد أخبر عن أمرٍ مغيب، وعن أمرٍ مستقبل وهو من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، وقد كان ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، فقد أبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، واختاروا أبا بكر خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عن أبي بكر وعن الصحابة أجمعين.
ولم يوص لـعلي، رضي الله تعالى عنه وأرضاه كما تزعمه الرافضة، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لـعلي، أو لغيره، لبادر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تنفيذ هذه الوصية، ولو كان عند علي رضي الله عنه شيء يدل على أنه الأحق بالأمر من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأظهر ذلك، وأعلن ذلك، ولم يخف ذلك وهو القوي الشجاع رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فلو كان عنده شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر لما توقف، ولو كان هناك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان الصحابة رضي الله عنهم يوم السقيفة سيقول بعضهم لبعض: اجتماعكم هذا لا حاجة إليه وتداولكم في أمر الخلافة لا حاجة إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، ولم يقل أحد هذا الكلام ولا أحد أشار إلى هذا الكلام، وإنما اتفقوا على أن يجعلوا أبا بكر رضي الله عنه خليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحقق بذلك ما أخبر به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر).
وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يوص لـعلي بالخلافة، وما أوصى لـأبي بكر بالخلافة بالنص، يعني: يقول أبو بكر هو الخليفة من بعدي، ولكنه قال مقالة واضحة الدلالة على ذلك حيث قال: (يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر) يعني: أن المسلمين سيتفقون عليه باختيارهم وإرادتهم ورغبتهم في توليته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وعلى هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بالخلافة نصاً صريحاً لأحد، لا مكتوباً ولا غير مكتوب.

وصية النبي بكتاب الله

أما بالنسبة للوصية بكتاب الله عز وجل، فقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله، وكتاب الله عز وجل هو القرآن، وتكون السنة داخلة في قوله سبحانه وتعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فالوصية بكتاب الله هي وصية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من كتاب الله عز وجل قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ولهذا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه لما ذكر النامصة، والحالقة، وما ذكر معها قال: (ما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موجود في كتاب الله، وهناك امرأة من الصحابيات رضي الله تعالى عنها جاءت إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقالت: يا أبا عبد الرحمن، إنك قلت هذه الكلمة وإنني قرأت المصحف من أوله إلى آخره فما وجدت فيه الوصية بالنامصة، والمتنمصة، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]).إذاً: كل المناهي التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت قوله: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فوصيته بكتاب الله إما أن يكون المقصود بالكتاب القرآن، وتكون السنة داخلة فيه كما في هذه الآية الكريمة، وكما جاء توضيح ذلك وبيانه عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإما أن يكون المراد به دين الله عز وجل الذي هو: الكتاب، والسنة.
وقد سبق أن عرفنا أن الوصية تطلق في الشرع إطلاقين، تطلق بعهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت وقد يصحبها التبرع بالمال، وتطلق أيضاً على الزجر عن فعل المنهيات، والحث على فعل المأمورات، فهذا يقال له وصية في الشرع، ومنه هذا الذي جاء في حديث عبد الله بن أبي أوفى: (أوصى بكتاب الله)، يعني: حث على كتاب الله، ورغب في العمل بكتاب الله، وحث على الأخذ بكتاب الله، الذي هو كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى لأحد بالخلافة نصاً صريحاً وجاء عنه دلالات، وإشارات قوية على أولوية أبي بكر رضي الله عنه بالخلافة، وكذلك أيضاً جاء عنه ما يدل على أن ما يخلفه الرسول صلى الله عليه وسلم هو صدقة حيث قال: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة) و(النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك درهماً ولا ديناراً، ولا بعيراً ولا شاةً)، يعني: ما جمع المال وخلف المال، ولكنه خلف كما مر أرضاً جعلها في سبيل الله، وبغلته، وأدرعه، وأعتده صلى الله عليه وسلم وهي في سبيل الله.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كغيره من أمته الذين إذا ماتوا ورثهم أقرباؤهم على وفق ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ما جاءوا بجمع المال، وإنما جاءوا بالحق والهدى الذي هو مبذول لكل من وفقه الله عز وجل، وهو أمام كل من يريد أن يأخذ من هذا الميراث ميراث النبوة، وهو العلم النافع، (وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر)، هكذا قال رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه أن طلحة بن مصرف قال له: (هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا ما أوصى -يعني: ما أوصى بالخلافة لأحد، ولا أوصى بمالٍ لأحد- وقال له: كيف كتب الوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله)، هذا هو الذي أوصى به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجاء عنه في مرض موته وصايا خاصة منها ما جاء عن علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) الصلاة الصلاة يعني: حث على الصلاة، وكذلك ملك اليمين حث على الإحسان إليه، قال علي رضي الله عنه: وهؤلاء الكلمات هن آخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنى هذا أن علياً ما سمع صوت رسول الله عليه الصلاة والسلام بعد أن سمعه يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، فأوصى بوصايا خاصة مثل هذه الوصية التي جاءت عن علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأوصى بوصية عامة، وهي: كتاب الله عز وجل الذي هو الكتاب والسنة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن أبي أوفى في الوصية بكتاب الله

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خالد بن الحارث].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن مغول].
هو مالك بن مغول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة].
هو طلحة بن مصرف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي أوفى].
هو عبد الله بن أبي أوفى، رضي الله تعالى عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً... ولا أوصى بشيء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل عن الأعمش وأنبأنا محمد بن العلاء وأحمد بن حرب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاةً ولا بعيراً ولا أوصى بشيء].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً، ولا شاةً ولا بعيراً) يعني: ما ترك المال وراءه، لا الدراهم، ولا الدنانير، ولا الإبل، والغنم، ولا أوصى لأحد بشيء بعده، بأن فلاناً يعطى كذا، وفلاناً يعطى كذا، وإنما أوصى وصايا عامة، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركناه صدقة)، وكذلك كان له أرض تركها صدقة، فهذا يدلنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أوصى بوصية مالية، ولا أوصى بالخلافة أيضاً، لكن قوله: ولا أوصى بشيء، مع ذكر الدراهم والدنانير والإبل والغنم، يشعر بأن المقصود أنه ما أوصى بمال لأحدٍ صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكنه أوصى بكتاب الله الذي هو الميراث، ميراث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مبذول لكل أحد، لكل من وفقه الله عز وجل أمام هذا الميراث.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما ترك رسول الله ديناراً ولا درهماً ... ولا أوصى بشيء)


قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].محمد بن رافع وهو: النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن يحيى بن آدم].
يحيى بن آدم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مفضل].
مفضل بن مهلهل، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[عن الأعمش].
الأعمش وهو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأنبأنا محمد بن العلاء].
ثم قال النسائي: وأنبأنا محمد بن العلاء، يعني: هذا إسناد جديد يبدأ من النسائي بعد أن وصل الإسناد إلى الأعمش أتى بإسناد آخر، وقال: أنبأنا محمد بن العلاء وهو أبو كريب، مشهور بكنيته، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن حرب].
وأحمد بن حرب الموصلي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي معاوية].
وهو محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش عن شقيق].
والأعمش هذا هو آخر الإسناد الأول والالتقاء عند شقيق، وشقيق، هو ابن سلمة الكوفي كنيته أبو وائل مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، يأتي كثيراً بكنيته أبي وائل، ويأتي باسمه كما هنا شقيق وهو ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق].
هو مسروق بن الأجدع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها، وهي من أوعية السنة، وحفظة الحديث، لا سيما ما يتعلق بالأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث عائشة: (ما ترك رسول الله درهماً ولا ديناراً ... وما أوصى) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن رافع حدثنا مصعب حدثنا داود عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درهماً ولا ديناراً ولا شاة ولا بعيراً، وما أوصى].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرني محمد بن رافع].
محمد بن رافع مر ذكره.
[عن مصعب].
هو مصعب بن المقدام، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن داود].
هو: داود بن نصير الطائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

شرح حديث: (ما ترك رسول الله درهماً ولا ديناراً ... ولا أوصى) من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا جعفر بن محمد بن الهذيل وأحمد بن يوسف قالا: حدثنا عاصم بن يوسف حدثنا حسن بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درهماً ولا ديناراً ولا شاةً ولا بعيراً ولا أوصى)، لم يذكر جعفر: (ديناراً ولا درهماً)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى وهو من شيوخه، وهو مثل ما تقدم إلا أن أحد الشيخين ما ذكر الدينار أو الدرهم، وإنما قال: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم شاة، ولا بعيراً، ولا أوصى، وما ذكر ديناراً، ولا درهماً، وإنما الذي ذكر الدينار والدرهم هو الشيخ الثاني، وهو أحمد بن يوسف هذا هو الذي ذكره بكامله، والنسائي أورده على لفظ الشيخ الثاني، وأشار إلى أن الشيخ الأول الذي هو جعفر، ليس عنده دينار ولا درهم.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما ترك رسول الله درهماً ولا ديناراً ... ولا أوصى) من طريق ثالثة


قوله: [أخبرنا جعفر بن محمد بن الهذيل].جعفر بن محمد بن الهذيل، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[وأحمد بن يوسف].
وأحمد بن يوسف، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن عاصم بن يوسف].
عاصم بن يوسف، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، والترمذي، والنسائي.
[عن حسن بن عياش].
حسن بن عياش وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن الأعمش].
الأعمش، قد مر ذكره.
[عن إبراهيم].
وهو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود].
وهو: خاله الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
عائشة وقد مر ذكرها.

شرح حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أزهر أنبأنا ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه، لقد دعا بالطست ليبول فيها فانخنثت نفسه وما أشعر، فإلي من أوصى؟)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو أنها قالت: (يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لـعلي)، ثم قالت: (لقد دعا بالطست ليبول فيها)، يعني: في مرضه، يعني: كان لا يستطيع الحركة والانتقال، فدعا بالطست ليبول فيها.
قوله: [(فانخنثت نفسه وما أشعر)].
يعني: مال وسقط وحصل له الموت وما تشعر بذلك يعني: حتى رأت موته بهذه الطريقة التي هي كونه مال ووقع وانخنثت نفسه، فإلى من أوصى؟ يعني: تقول: إنها ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وقد مات وهو في حجرها، كما جاء في بعض الأحاديث: (على حاقنتي وذاقنتي)، وتعرف ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في أحواله تلك، ولم يحصل منه شيء يعني: على ما نسب إلى أنه أوصى لـعلي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وإنما وصيته كما جاء عنها أنه أراد أن يوصي لأبيها ولكنه ترك؛ لأن المسلمين يجتمعون على أبي بكر كما أشرت إلى الحديث الذي تقدم في ذلك.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19-08-2022, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن أزهر].
هو أزهر بن سعد بن السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن ابن عون].
هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.

شرح حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن سليمان حدثنا عارم حدثنا حماد بن زيد عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس عنده أحد غيري قالت: ودعا بالطست)].أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، يعني: قولها هناك أنه دعا بالطست ليبول فيها)، وأنها (انخنثت نفسه) أي: أنه مات، وهنا قالت: (توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وما عنده أحد غيري)، يعني: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً في أواخر أيامه وفي أواخر لحظاته، وهي من أعلم الناس به، بل أعلم الناس به؛ لأنها هي الملازمة له عليه الصلاة والسلام، وقد خرجت روحه صلى الله عليه وسلم وخرجت نفسه، وهو مسند ظهره إليها ورأسه على صدرها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، يعني: معنى هذا أنه ما حصل منه وصية لأحد، لا بالخلافة ولا بغير الخلافة.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في إنكارها أن يكون النبي أوصى لأحد قبل موته من طريق أخرى


قوله: [أخبرني أحمد بن سليمان].هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[عن عارم].
وهو محمد بن فضل أبو النعمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه عارم، ويأتي ذكره باسمه، وبلقبه وكنيته: أبو النعمان.
[عن حماد بن زيد].
هو حماد بن زيد بن درهم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.


الوصية بالثلث


شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوصية بالثلث. أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (مرضت مرضاً أشفيت منه، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني، فقلت: يا رسول الله، إن لي مالاً كثيراً، وليس يرثني إلا ابنتي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير لهم من أن تتركهم عالة يتكففون الناس)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الوصية بالثلث، يعني: أن من أراد أن يوصي بشيء من ماله فليوص بحدود الثلث فأقل، والباقي يكون للورثة، وإذا أوصي بشيء أزيد من الثلث فهذا يتوقف على إجازة الورثة، إن أجاز الورثة الوصية فتنفذ؛ لأن الحق لهم، فإذا أجازوا فالحق لا يعدوهم، وإذا لم يجيزوا فلا تكون الوصية إلا بالثلث وما دونه، وأورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص وأنه مرض بمكة، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، وفي هذا دليل على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام من عيادته لأصحابه عليه الصلاة والسلام فكان يعودهم، وكان يأتي إلى المريض ويدعو له ويؤنسه، وهذا من أخلاقه الكريمة وأخلاقه العظيمة عليه الصلاة والسلام، هو عالي المنزلة، ورفيع المنزلة، ويأتي إلى أصحابه يزورهم في مرضهم ويدعو لهم عليه الصلاة والسلام، فقال له سعد: (إن لي مالاً كثيراً ولا يرثني إلا ابنة)، والمقصود من ذلك أنه لا يرثه من أصحاب الفروض، ولا يعني أنه ليس له أحد يرثه من العصبات؛ لأن له أقارب، ولكن المقصود من قوله (لا يرثني) يعني: من أصحاب الفروض أو من الذين يخشى عليهم الضياع، يعني: مثل النساء، أو من نسله، أو من صلبه، يعني: لا يرثه إلا ابنة، وقد عاش وولد له، ولكن كان رضي الله عنه له أقارب من عشيرته ومن قبيلته يرثونه بالتعصيب، والأقارب هم الذين يأخذون ما أبقت الفروض فهم موجودون لــسعد رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
قوله: [(أفأتصدق بثلثي مالي؟ يعني: بالثلثين قال: لا، كونه يوصي وصية بعد الموت، قال: لا، قال: فالشطر؟ أي: النصف قال: لا. قال: الثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير)]. يعني: أوص بالثلث أو تصدق بالثلث، (والثلث كثير)، وقد جاء عن ابن عباس كما سيأتي: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير) أخذه من قوله: والثلث كثير، يعني: كونه ينقص عنه، لكن هذا هو الحد الأعلى الذي ليس له أن يوصي إلا به، وما زاد عن ذلك كما قلت يحتاج إلى إجازة الورثة إن أجازوه وإلا فهو حقهم يكون لهم.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء) هنا قال: ورثة، فهذا يدل على أن له غير هذه البنت من الأقارب الذين هم من العصبة، قال: إنك أن تذر ورثتك أغنياء أي: تركك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة أي: فقراء يتكففون الناس ويمدون أكفهم للناس ليضعوا في أيديهم شيئاً، فهم يكونون سائلين وغيرهم يكون معطياً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى) واليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة أو السائلة.
فالترجمة هي: الوصية بالثلث، وهذا هو الذي دل عليه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث

قوله: [أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد].هو عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن سفيان].
وهو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عامر بن سعد].
هو عامر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثانية


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور وأحمد بن سليمان واللفظ لـأحمد قالا: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (جاءني النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعودني وأنا بمكة، قلت: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، يتكففون في أيديهم)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وفيه أنه قال: أتصدق بمالي كله؟ ومعنى هذا أنه قال أولاً: المال كله، ثم نزل للثلثين، ثم نزل للنصف، ثم نزل إلى الثلث، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى الثلث قال: [(الثلث والثلث كثير)]، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر التصدق بالمال كله، والذي قبله فيه الثلثين والجمع بينها أن يكون قال: هذا، وهذا، وحصل اختصار في بعض الروايات، فيكون قال الأول: المال كله، ثم قال: الثلثين، ثم قال: النصف، ثم قال: الثلث، وعند ذلك وقف وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: [(الثلث والثلث كثير)].

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثانية


قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[وأحمد بن سليمان].
هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وقد مر ذكره.
[عن أبي نعيم].
هو أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قيل عنه: إنه كان يتشيع، وقد جاء عنه كلمة عظيمة أنه قال: (ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية)، وهذا يدل على سلامته من هذه البدعة؛ لأن معاوية رضي الله عنه سبه عند الشيعة قدر مشترك، حتى الزيدية، الذين هم أهون الشيعة وأخفهم لا يتورعون عن شتم معاوية، وسب معاوية، بل يسبونه، ويشتمونه.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن إبراهيم].
هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عامر بن سعد عن أبيه].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثالثة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده وهو بمكة، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رحم الله سعد بن عفراء أو يرحم الله سعد بن عفراء، ولم يكن له إلا ابنة واحدة، قال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: النصف؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ما في أيديهم)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة إلا أن فيها زيادة: كان يكره أن يموت بمكة، وهي أيضاً في الطريق السابقة، وذلك أنهم كانوا يكرهون أن يموتوا في المكان الذي هاجروا منه وهو مكة، فهم يريدون أن يموتوا بمهاجرهم، ولا يموتوا في المكان الذي هاجروا منه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يرحم الله سعد بن عفراء)] وهو أحد الصحابة الذين ماتوا بمكة، وقد هاجر منها، وبقية الحديث هي مثل الرواية التي قبله، فهو لا يريد أن يكون في ذلك المكان الذي تركه من أجل الله؛ لأنه ترك بلده، الذي نشأ فيه يريد نصرة هذا الدين، فهو يريد أن يموت في مهاجره، ولا يريد أن يكون في المكان الذي هاجر منه.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].هو عمرو بن علي الفلاس، وقد مر ذكره.
[عن عبد الرحمن].
وهو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن أبيه].
وسفيان هو الثوري، وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.

حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم حدثنا مسعر عن سعد بن إبراهيم قال: حدثني بعض آل سعد قال: (مرض سعد رضي الله عنه فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا) وساق الحديث].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وأحاله على المتن الذي قبله، وفيه أنه قال عن بعض آل سعد، وقد مرت الروايات السابقة أنه عامر بن سعد يعني: ذلك الذي حدث به هو عامر بن سعد.
قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان عن أبي نعيم].
وقد مر ذكرهما.
[عن مسعر].
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن إبراهيم عن بعض آل سعد عن سعد].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق خامسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الكبير بن عبد المجيد حدثنا بكير بن مسمار سمعت عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: (أنه اشتكى بمكة فجاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه سعد بكى، وقال: يا رسول الله، أموت بالأرض التي هاجرت منها؟ قال: لا، إن شاء الله، وقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله في سبيل الله؟ قال: لا، قال: يعني بثلثيه؟ قال: لا، قال: فنصفه؟ قال: لا، قال: فثلثه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الثلث والثلث كثير، إنك إن تترك بنيك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، [(أنه اشتكى بمكة فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه سعد بكى، فقال: يا رسول الله، أموت بالأرض التي هاجرت منها؟ قال: لا إن شاء الله)].
هذا مثل الذي قبله، وقوله: (لا، إن شاء الله)، معناه: أنه يموت في مكان آخر، وقد كان كذلك، فإنه لم يمت بمكة، وقد عاش وتولى الجيوش التي حصل فيها قتال الفرس، والقادسية كانت على يديه رضي الله عنه وأرضاه، وعمر وعاش، وفتح الله على يديه الفتوح، ولم يمت في الأرض التي هاجر منها، وقد حصل وتحقق ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: [(لا، إن شاء الله)].

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق خامسة

قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري].هو العباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الكبير بن عبد المجيد].
عبد الكبير بن عبد المجيد، وهو: أبو بكر الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير بن مسمار].
بكير بن مسمار، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن عامر بن سعد عن أبيه].
وقد مر ذكرهما.

شرح حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق سادسة


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: (عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضي فقال: أوصيت؟ قلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بمالي كله في سبيل الله، قال: فما تركت لولدك؟ قلت: هم أغنياء، قال: أوص بالعشر، فما زال يقول وأقول حتى قال: أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ويختلف عن حديثه السابق من طرق متعددة؛ لأن حديثه السابق يفيد بأنه يريد أن يوصي ويستشير الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يوصي بالمال كله، ثم يتنزل حتى وصل إلى الثلث، فالتدرج تدرج تنازلي حيث بدأ بأنه يريد أن يتصدق بالمال كله، ثم إلى الثلثين، ثم إلى النصف، ثم إلى الثلث، ثم قال: (الثلث والثلث كثير) وهذا يخالف ذاك تماماً؛ لأنه جاء وسأله: هل أوصيت؟ الرسول سأله: هل أوصيت؟ قال: نعم، قال: بكم قال: بمالي كله، قال له: فما تركت لولدك؟ قال: هم أغنياء. ليسوا بحاجة إلى شيء.
ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوص بالعشر، فبدأ بمقدار قليل ثم ما زال يقول وأقول حتى وصل إلى الثلث، معناه: تدرج تصاعدي، بدءاً بالعشر وهو يطلب منه الزيادة حتى وصل إلى الثلث، وهذا يخالف ما تقدم من أنه كان تنازلياً، وليس تصاعدياً، فهنا بدأ من العشر وصعد حتى الثلث، وهناك بدأ بالمال كله، ثم ثلثيه، ثم نصفه، ثم ثلثه، وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الثلث والثلث كثير)، والحديث في إسناده عطاء بن السائب، وقد اختلط، ومعلوم أن المختلط يقبل ما سمع منه قبل الاختلاط هذا هو المعتبر، وما سمع منه بعد الاختلاط لا يعتد به، وقد روى هذا الحديث عنه، جرير بن عبد الحميد البصري، وهو ليس من الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، وعلى ذلك فهو ضعيف، ومع ذلك فهو مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وفي غيرهما من أنه بدأ أولاً بالمال كله، ثم الثلثين، ثم النصف، ثم الثلث.

تراجم رجال إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق سادسة


قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بن مخلد الحنظلي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن السائب المكي، وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي عبد الرحمن].
وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد].
وقد مر ذكره.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19-08-2022, 08:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق سابعة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن سعد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاده في مرضه فقال: يا رسول الله، أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فالشطر؟ قال: لا، قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير أو كبير)].أورد النسائي الحديث أي: حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو مثل الطرق المتقدمة التي فيها طلب الوصية بالمال كله، ثم النصف، ثم الثلث، والنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [(الثلث والثلث كثير)].
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
إسحاق بن إبراهيم مر ذكره.
[عن وكيع].
هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد].
وقد مر ذكره.

حديث عائشة في الوصية بالثلث وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن الوليد الفحام حدثنا محمد بن ربيعة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سعداً يعوده فقال له سعد: يا رسول الله، أوصي بثلثي مالي؟ قال: لا، قال: فأوصي بالنصف؟ قال: لا، قال: فأوصي بالثلث؟ قال: نعم، الثلث والثلث كثير أو كبير، إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون)].أورد النسائي حديث سعد من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن الوليد الفحام].
محمد بن الوليد الفحام وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن محمد بن ربيعة].
وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.

شرح حديث ابن عباس في الوصية بالثلث


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو غض الناس إلى الربع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الثلث والثلث كثير أو كبير)].أورد النسائي هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أنه قال: (لو أن الناس غضوا) يعني: نقصوا في الوصية من الثلث، إلى الربع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(الثلث والثلث كثير)] وهو من أجل كلمة (كثير) يقول: (لو أن الناس غضوا في وصيتهم من الثلث إلى الربع لكان أولى)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف الثلث بأنه كثير.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في الوصية بالثلث


قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
وهو ابن عيينة وقد مر ذكره.
[عن هشام بن عروة عن أبيه].
وقد مر ذكرهما.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث سعد بن أبي وقاص في الوصية بالثلث من طريق ثامنة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا همام عن قتادة عن يونس بن جبير عن محمد بن سعد عن أبيه سعد بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه وهو مريض فقال: إنه ليس لي ولد إلا ابنة واحدة، فأوصي بمالي كله؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، قال: فأوصي بنصفه؟ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، قال: فأوصي بثلثه؟ قال: الثلث والثلث كثير)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص وهو سعد بن مالك؛ لأن أباه مالك وأبوه مشهور بكنيته ولهذا قال: سعد بن أبي وقاص، وقد ذكر باسم أبيه في هذه الرواية، وفي الروايات السابقة ذكر بكنية أبيه المشهور بها، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى، الملقب بالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن حجاج بن المنهال].
حجاج بن المنهال، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن همام].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن جبير].
يونس بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن سعد].
هو محمد بن سعد بن أبي وقاص، وهنا يرويه ابنه محمد، والروايات التي مرت عن طريق عامر بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود فإنه لم يخرج له في السنن، بل أخرج له في المراسيل.
[عن أبيه سعد بن مالك].
وقد مر ذكره.


الأسئلة


حكم شراء سلعة بفواتير من أجل تقديمها لجهة رسمية لاستيفاء قيمة سلعة أقدم من نفس النوع


السؤال: جزاك الله خيراً، أنا طالب في جامعة، وطلب مني بحث عن عسل أشتريه، ثم أحصل على قيمته من الجامعة، وقدر الله أنني لم أحصل على فواتير لأعطيها للجامعة وآخذ قيمة العسل، فاضطررت أن أشتري عسلاً آخر مثل السابق لبيتي، وأعطي فواتيره للجامعة لتعطيني قيمة العسل السابق؛ لأنهم طلبوا مني الفواتير، فهل عملي هذا جائز؟


الجواب: ما أدري، هل هو عند شرائه العسل الأول طلبوا منه فواتير، معناه: أنه شراه من أماكن متعددة؛ لأن الفواتير جمع فاتورة، ومعنى هذا أنه شراه من أماكن، وهنا اشترى شيئاً لنفسه، وهو غير المطلوب، فالذي قدمه ما شراه من أجل هذا الموضوع، وإنما شراه لنفسه، فيبدو أن المسألة ليست سليمة؛ لأن الشراء ما كان لهذا الغرض، وإنما المناسب أن يأتي إليهم ويخبرهم بالواقع، فإن أعطوه فذاك، وإلا فإنه استفاد من هذا البحث وإن لم يحصل من ورائه مقابلاً، فالإنسان يحرص على الصدق، ويلتزم بالصدق، ولو كان في مثل هذه الأمور.


حكم الإنكار على من ترك تحية المسجد في أوقات النهي

السؤال: أدخل المسجد قبيل المغرب وأجلس بدون أن أصلي ركعتين، فينكر عليّ بعض الإخوة إنكاراً شديداً، فهل إنكارهم هذا صحيح؟


الجواب: لا يصلح الإنكار على أحد، من دخل المسجد في وقت النهي إن جلس لا ينكر عليه، وإن صلى لا ينكر عليه، اللهم إلا إذا كان عند الغروب نفسه عند حال الغروب، أو حال طلوع الشمس، أو حال قيام الشمس، هذه الأوقات القصيرة لا يصلى فيها، ولا يدفن فيها الموتى، كما جاء ذلك في الحديث، لكن أوقات النهي الطويلة، مثل بعد العصر إلى المغرب، ومن بعد الفجر إلى طلوع الشمس، من دخل وجلس لا ينكر عليه، ومن دخل وصلى لا ينكر عليه؛ لأن من دخل وجلس عنده عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) ومن دخل وصلى عنده عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين).


معنى قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء)

السؤال: ما معنى قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا [فصلت:11]؟


الجواب: استوى معناها: علا وارتفع، واستوى جاءت لأربعة معان، منها: ارتفع وعلا.


حكم السلام على الرافضة ومصافحتهم

السؤال: قال: أنا موظف، ومعي في العمل بعض الرافضة، فهل أبدؤهم بالسلام؟ وهل أصافحهم؟ وهل أرد عليهم السلام إذا سلموا؟


الجواب: معلوم أن من كان يعتقد من الرافضة ما يستوجب الكفر، فإنه يحكم بكفره، وقد جاء في كتبهم بعض النصوص، فمن يعتقدها لا يكون مسلماً، من جنس ما جاء في كتاب الكافي: (باب أنه ليس هناك شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل) أي: أن ما لم يخرج من الأئمة فهو باطل، ومن المعلوم أن القرآن الذي بأيدينا إنما خرج على يد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، هذا المصحف هو جمع عثمان، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، وهي أصح الكتب بعد كتاب الله جاءت عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي هريرة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والمعروف عن الرافضة أنهم يكفرون الصحابة أو يفسقونهم، إلا نفراً يسيراً منهم، ومعنى هذا أن السنة من أولها إلى آخرها مرفوضة إذا كانت لم تأت عن طريق الأئمة الاثني عشر عندهم، فمن يعتقد هذه العقائد يقال بكفره، إذا كانوا يعتقدون ما في هذه الكتب وحكم بكفرهم كتاب الكافي أصح كتاب عندهم، مثل صحيح البخاري عندنا وفيه هذا الكلام، فمن يعتقد أنه ليس هناك شيء من الحق إلا ما خرج من الأئمة، معناه: القرآن ما خرج من عند الأئمة والسنة ما خرجت من عند الأئمة، السنة التي هي في مقدمتها صحيح البخاري، وصحيح مسلم، التي حفظت بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمن يكون كذلك ومن يعتقد هذه العقيدة لا يستحق أن يسلم عليه، وأن يبدأ بالسلام، ولكنه إذا سلم يرد عليه، ونحن لا نعرف بالنسبة لكل واحد أيش عقيدته، لكن نحن نحكم على ضوء ما هو موجود من النصوص في كتبهم، نقول: من يعتقد هذه العقيدة يكون حكمه كذا وكذا.


حكم السلام على المخالفين للسنة

السؤال: نمر في الطريق على أناس أشكالهم شبيهة بالرافضة الموجودين عندنا، ولم نتأكد أنهم منهم، فهل نسلم عليهم؟


الجواب: الأشخاص الذين لم يتحقق وقوعهم أو حصولهم أو اتصافهم بالصفة المذمومة يسلم عليهم، الأصل هو السلام، حتى يعرف ما يدل على أنه لا يستحق أن يسلم عليهم.


حكم الوصية

السؤال: ما حكم الوصية؟ هل هي واجبة؟


الجواب: اختلف فيها العلماء، فبعضهم قال بوجوبها، وكثير من أهل العلم قالوا باستحبابها وأنها مستحبة، لكن كما هو معلوم فيما يتعلق بالحقوق اللازمة والأمور التي لا بد منها، فالوصية فيها واجبة ولازمة، وأما إذا كانت في أمور مستحبة فالأمر في ذلك واسع.


زمن ظهور بدعة الوصية لعلي

السؤال: هل ظهرت بدعة القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه في زمن الصحابة؟


الجواب: أي نعم، موجودة ولهذا عائشة رضي الله عنها قالت هذا الكلام، يقولون: أوصى لـعلي وقد حصل كذا وكذا، يعني: مات الرسول صلى الله عليه وسلم وتوفي وهي عنده وما حصل منه شيء يدل على ما يقولون، بل جاء عنها ما يدل على أنه أراد أن يوصي لأبيها ولكنه ترك؛ لأن الناس سيجتمعون على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 467.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 461.22 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]