|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#811
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [490] الحلقة (521) شرح سنن أبي داود [490] لابد لكل بداية من نهاية، ولكل مخلوق من فناء، وإن هذه الدنيا التي نعيش فيها سيأتي عليها يوم تنسف جبالها، وتسجر بحارها، ويفنى من عليها، لكن الله عز وجل يقدم لذلك بمقدمات، ويظهر أمارات أخبر بها الأنبياء أقوامهم، كالمسيح الدجال الذي ما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شيء كتحذيره منه. هذا كله بالنسبة للقيامة الكبرى، أما الصغرى: فمن مات فقد قامت قيامته، ويكون قبره عليه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار. ما جاء في قيام الساعة شرح حديث: ( .. أرأيتم ليلتكم هذه... لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قيام الساعة. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني سالم بن عبد الله و أبو بكر بن سليمان أن عبد الله بن عمر قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) قال ابن عمر : فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون عن هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض) يريد أن ينخرم ذلك القرن ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب قيام الساعة، وهي نهاية الدنيا التي يحصل فيها النفخ في الصور؛ النفخة الأولى فيموت من كان حياً، فيستوي في الموت من كان مات في أول الزمان، ومن مات في نهاية الزمان، ويكون الإنس والجن قد انتهوا وماتوا، ثم يحصل البعث في النفخة الثانية، ويبعث الأموات الأولون والآخرون .. من مات في أول الدنيا، ومن مات في نهاية الدنيا، ومن مات قبل قيام الساعة فقد قامت قيامته وساعته، وانتهى من هذه الحياة الدنيا، ودخل في الحياة الآخرة أو الدار الآخرة، وقبل قيام الناس من قبورهم، الناس في حياة برزخية ولكنها تعتبر تابعة للدار الآخرة؛ لأن أحكامها من جنس أحكام الآخرة وليس من جنس أحكام الدنيا؛ لأن ما قبل الموت دار عمل، وما بعد الموت دار جزاء، سواء كان في القبر أو بعد الحشر وبعد البعث والنشور، ومن كان موفقاً فهو منعم في قبره ومن كان بخلاف ذلك فإنه معذب في قبره، والحد الفاصل هو الموت، وكل من مات قامت قيامته، والساعة متى تقوم لا يعلم ذلك إلا الله عز وجل، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما سأله جبريل في الحديث المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (.. قال: أخبرني عن الساعة؟! قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل..)، يعني: علم جبريل وعلم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سواء، فكلهم لا يعلمون متى تقوم، الله تعالى هو الذي يعلم متى تقوم، فلا يُعلم متى تقوم في أي سنة وفي أي يوم من أي شهر، ولكن بلا شك هي لا تقوم يوم السبت ولا الأحد ولا الإثنين ولا الثلاثاء ولا الأربعاء ولا الخميس، وإنما تقوم يوم الجمعة بالتحديد، لأنه ثبت بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن أي جمعة من أي شهر من أي سنة لا يعلم بذلك إلا الله سبحانه وتعالى، والنبي عليه الصلاة والسلام كان عندما يسأل إما أن يجيب بالجواب الذي أجاب به جبريل: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، وإما أن يشير إلى شيء من أماراتها وعلاماتها، وإما أن يصرف نظر السائل إلى ما هو أهم من ذلك، فقد ثبت في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالساً في حلقة يحدث أصحابه، فجاء رجل ووقف على تلك الحلقة وقال: يا رسول الله! متى الساعة؟! فالنبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، واشتغل مع الناس الذين كان يحدثهم، ولما فرغ من تحديثه لهم قال: (أين السائل عن الساعة؟! فقام الرجل وقال: أنا يا رسول الله! فقال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وما إضاعتها يا رسول الله؟! قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). فأرشد إلى شيء من علاماتها وأماراتها، ولما سأله رجل فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ لفت نظره إلى الأمر المهم، وهو الاستعداد لما بعد قيام الساعة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (وماذا أعددت لها؟ فقال: حب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب)، وعند ذلك قال أنس بن مالك وهو راوي الحديث: فما فرحنا بشيء فرحنا بهذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء مع من أحب)، ثم قال أنس: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر و عمر ، وأرجو من الله أن يلحقني بهم لحبي إياهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم، فعندما سأله أرشده إلى ما هو أهم، والساعة آتية وكل آت قريب، وليس المهم أن يعرف متى تقوم الساعة، ولكن المهم أن يعرف الإنسان ماذا قدم لنفسه إذا قامت الساعة، فهذا هو الأمر المهم؛ لأنه يحصل بذلك الثواب، وقد جاء عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه كما جاء في صحيح البخاري ، قال: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل. كل يوم يمضي من عمر الإنسان يقربه من النهاية، ويقربه من الأجل، ويقربه من الموت، وبعد الموت لا يجد الإنسان إلا ما قدم، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]. ويقول سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). الحاصل أن الساعة تقوم على شرار الناس، وينفخ في الصور النفخة الأولى فيموت من كان حياً، ثم ينفخ النفخة الثانية فيبعث الجميع؛ الذين كانوا ماتوا في أول الدنيا، والذين ماتوا عند النفخة في الصور، ويتساوى الجميع، ومن مات قبل ذلك فقد قامت قيامته وساعته، وعندما تقوم الساعة تقوم على الذين كانوا أحياء فيموتون، وأما من مات فإنه قد انتهى، فيستوي الجميع في الموت، ثم ينفخ في الصور النفخة الثانية فيبعث الأولون والآخرون من قبورهم، وأول من ينشق عنه القبر نبينا محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، كما جاء في صحيح مسلم ، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس العشاء الآخرة، فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قوله: [ (فإن على رأس مائة سنة منها) ] أي: إذا مضى مائة سنة من هذه الليلة لا يبقى على ظهر الأرض أحد ممن كان حياً. قوله: [ (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) ]. يعني: من كان في تلك الليلة موجوداً، لن تمر مائة سنة إلا وقد انتهى، فعند ذلك وهل الناس فيما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظن من ظن أن الساعة تقوم وأن الدنيا تنتهي، وقد بين ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد انخرام ذلك القرن، وليس المقصود من ذلك انتهاء الدنيا، وأن الساعة تقوم والدنيا تنتهي، وإنما المقصود من ذلك أن من كان موجوداً يموت، وهذا يدل على قصر أعمار هذه الأمة؛ فكل من كان على ظهر الأرض في تلك الليلة -وكانت قبل وفاته بقليل- التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا مضى عليهم مائة سنة لا بد وأن ينتهوا، وأما الذين يولدون بعد ذلك اليوم فلا يدخلون في الحديث، لأنه قال: ممن كان في تلك الليلة، ومن يولد بعدها قد ينتهي قبل مائة سنة، وقد يعمر فيتجاوز تلك المائة التي بدايتها تلك الليلة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الكلام، و أبو داود أورده هنا لأنه له تعلق بقيام الساعة، وهو على حسب ما ظنه من ظن أن الساعة تقوم بعد نهاية مائة سنة، والذي فهمه ابن عمر وغيره أن المقصود بذلك انخرام العصر، ولكنها في الحقيقة كل من مات فقد قامت قيامته وساعته. قوله: [ أن عبد الله بن عمر قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: أرأيتم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون عن هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض )، يريد أن ينخرم ذلك القرن ]. وهذا تفسير ابن عمر رضي الله عنه، وأن المقصود بذلك انخرام ذلك القرن، وليس المقصود من ذلك نهاية الدنيا، ويستثنى من ذلك عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، فإنه حي ولكنه في السماء، ويستثنى من ذلك الدجال فإنه في جزيرة من الجزر كما مر في حديث الجساسة، وهو حديث ثابت في صحيح مسلم وغيره، وهو في تلك الجزيرة موثق بالحديد، فإذا أذن الله له بالخروج فإنه يخرج، فمسيح الهداية في السماء وسينزل في آخر الزمان، ومسيح الضلالة في الأرض، وستكون نهاية مسيح الضلالة على يدي مسيح الهداية عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. فاللفظ ذكر ممن هو على ظهر الأرض، ومعلوم أن الجن يكونون على ظهر الأرض، فيبدو والله أعلم أن الجن والإنس يكونون كذلك. لكن فيما يتعلق بالجن فإن الشيطان الذي هو إبليس ما زال معمراً يغوي الناس، وبقاؤه مستمر، وقد آلى على نفسه أن يغوي الناس، لكن فيما يتعلق بالإنس والجن يبدو والله تعالى أعلم أن قوله: (من هو على ظهر الأرض) يشمل الإنس والجن، لأنهم جميعاً مسكنهم الأرض. تراجم رجال إسناد حديث: ( .. أرأيتم ليلتكم هذه... لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد). قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني سالم بن عبد الله ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ورضي الله عن عبد الله بن عمر ، وهو تابعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو بكر بن سليمان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ أن عبد الله بن عمر قال ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن سهل حدثنا حجاج بن إبراهيم حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم)، ونصف اليوم هو خمسمائة سنة، قال تعالى: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]، فنصفها خمسمائة سنة، فمن العلماء من قال: إن المقصود من ذلك أنه يؤخرها إلى خمسمائة سنة، ولذلك أورده أبو داود هذا الحديث في باب قيام الساعة، ومعناه: أن الساعة قد تقوم بعد خمسمائة سنة، ومن العلماء من قال: إن معناه يتعلق بالفقراء الذين لن يحاسبوا ويدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام والتي هي نصف يوم، فهو لن يعجز الله. قوله: [ (لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم) ]. المقصود بذلك: أن يؤخر الأغنياء عن دخول الجنة، وأن يمهلهم للحساب، ويدل عليه ما جاء في الحديث الذي فيه أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة سنة، فهو يبين معنى هذا الحديث، وأنه ليس المقصود بأن الدنيا تنتهي بعد خمسمائة سنة، لأنه مضى على هذا الحديث ألف وأربعمائة وزيادة، يعني: خمسمائة وخمسمائة والخمسمائة الثالثة هي الآن في خمسها الأخير، فإذاً: الذي يبدو أنه كما قال بعض أهل العلم: إن المقصود من ذلك تأخير الأغنياء في الحساب، فيتأخرون عن الفقراء الذين لا حساب عليهم، ويسبقونهم في دخول الجنة بهذه المدة التي هي خمسمائة سنة أو نصف يوم. تراجم رجال إسناد حديث: ( لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ). قوله: [ حدثنا موسى بن سهل ]. موسى بن سهل ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حجاج بن إبراهيم ]. حجاج بن إبراهيم ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن جبير ]. عبد الرحمن بن جبير بن نفير، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ثعلبة الخشني ]. هو أبو ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا أبو المغيرة حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم، قيل لسعد : وكم نصف ذلك اليوم؟ قال: خمسمائة سنة) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص ، وهو بمعنى ذلك الحديث المتقدم، وقد قال فيه: (إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم). يعني: الأغنياء منهم يؤخرهم في الحساب نصف يوم، وهو خمسمائة سنة، أي: أن الأغنياء يتأخر دخولهم عن الفقراء بنصف يوم؛ لأن هؤلاء الفقراء يدخلون قبلهم لأنه لا حساب عليهم، وأما الأغنياء فإنهم يحاسبون على أموالهم ما دخل وما خرج منها. تراجم رجال إسناد حديث: ( إني لأرجو ألا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم ... ) قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة. [ حدثنا أبو المغيرة ] هو عبد القدوس بن حجاج ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني صفوان ]. هو صفوان بن عمرو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شريح بن عبيد ]. شريح بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن سعد بن أبي وقاص ]. سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، الصحابي الجليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم ترك دعوة الناس أيام الفتن. السؤال: هل هذه الأوصاف التي في حديث أيام الصبر تنطبق الآن علينا، فندع العوام وننظر لأنفسنا؟! الجواب: لا، ليس للإنسان أن يدع الأمر والنهي؛ لأن الأمر والنهي يفيد وإن كثرت الفتن، وإن كانت هذه الصفات موجودة في كثير من الناس، لكن الحديث كما عرفنا ضعيف. الجمع بين حديث أيام الصبر وحديث: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً...) السؤال: كيف يكون للصابر أجر خمسين منهم مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). الجواب: لأن العمل الذي يحصلونه بسبب صبرهم أجره عظيم، ولكنه بمجموعه وبكل ما حصل فيه لا يمكن أن يساوي أجر الصحبة، ويماثله؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كل فرد منهم أفضل من كل فرد يجيء من بعدهم، وهذا متفق عليه بين أهل العلم، ولا يعرف خلافه إلا عن أبي عمر بن عبد البر، فإنه قال: يجوز أن يجيء أحد بعد الصحابة أفضل من بعض الصحابة، ولكن هذا خلاف ما عليه العلماء قاطبة، من أن فضل الصحبة لا يعادله شيء، والقليل الذي يحصل من الصحابة لأنه في خدمة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي الدفاع عنه، وفي الذب عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه خير من الكثير من غيرهم. وقوله في الحديث (أجر خمسين منكم) قال في فتح الودود: هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام، لا مطلقاً. ومعناه: أنه ليس كل عمل يعملونه أنه ينطبق عليه هذا، وإنما هو في الأمور التي يشق فعلها، والتي يكون فيها وصفه أنه كالقابض على الجمر. قال في عون المعبود: وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : ليس هذا على إطلاقه، بل هو مبني على قاعدتين إحداهما: أن الأعمال تشرف بثمراتها، والثاني: أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس، لقوله عليه الصلاة والسلام: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء من أمتي)، يريد المنفردين عن أهل زمانهم، إذا تقرر ذلك فنقول: الإنفاق في أول الإسلام أفضل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أي: مد الحنطة، والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام، وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين؛ لقلة عدد المتقدمين، وقلة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) فجعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته، وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين، وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين؛ لعدم المعين، وكثرة المنكر فيهم، كالمنكر على السلطان الجائر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر)، لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة، فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسو كذلك؛ لكثرة المعين، وعدم المنكر، فعلى هذا ينزل الحديث. انتهى. وعلى كل فلا شك أن الغربة هي غربة في الأول وغربة في الآخر، لكن لا شك أن الغربة الأولى الذين فيها هم خير الناس وأفضلهم، وجهادهم إنما هو مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وعندهم شيء غير الجهاد، وهو تحمل الكتاب والسنة، وكونهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهم من الأجور والفضائل ما يتفوقون به على غيرهم، ولا يمكن أن يدانيهم أحد بعدهم ولو فعل ما فعل، كما حصل في قصة خالد بن الوليد مع عبد الرحمن بن عوف ، حيث قال له صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، ومعنى ذلك: أن الكثير من المتأخرين من الصحابة لا يعادل القليل من عمل المتقدمين، وكذلك الذين يجيئون فيما بعد وإن كان أجرهم عظيماً، إلا أنه بمجموعه لا يعدل الشيء القليل من الذي حصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندهم زيادة على العمل الذي يعملون ويعمله غيرهم، وهو أنهم هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل صحابي يروي سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام له كل أجور من عمل بها من حين تكلم بها ذلك الصحابي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويدخل في ذلك هؤلاء الذين حصل لهم ما حصل، وأنهم يقبضون على دينهم كالقابض على الجمر. معنى قول ابن عمر: ( يريد أن ينخرم ذلك القرن ...) السؤال: ما معنى قول ابن عمر (يريد أن ينخرم ذلك القرن)؟ الجواب: (انخرم) يعني: انتهى وانقضى ذلك القرن أو ذلك الجيل، أو تلك الفئة من الناس الذين كانوا موجودين على قيد الحياة، سواء من كان منهم في أول عمره أو من كان في نهاية عمره، لأن من كان في نهاية عمره يموت في أول تلك المائة، ومن كان في بداية عمره وشاء الله تعالى أن يعمر وأن يصل إلى مائة سنة، فإنه لابد وأن ينتهي قبل المائة السنة، ومن كان قبل ذلك وعمر فإنه ينقضي ولو كان بلغ عمره مائة وعشرين أو مائة وثلاثين أو أكثر من ذلك، المهم أن من كان على قيد الحياة سواء كان كبيراً أو صغيراً لن يأتي مائة سنة من تلك الليلة إلا وقد فنيوا جميعاً. إثبات موت الخضر وعدم تعمره. السؤال: هل يستثنى الخضر من الحديث الدال على انتهاء الجيل على رأس المائة السنة؟ الجواب: الخضر ليس مستثنى؛ لأنه ما جاء شيء يدل على حياته وبقائه، فما من دليل ثابت يدل على أنه حي وموجود، وإن كان قاله جماعة كثيرة من العلماء، وإنما الأدلة تدل على أنه قد مات، ومنها قول الله عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، فإن هذه الآية عامة ولا يستثنى منها إلا إذا جاء دليل يدل على بقائه ووجوده كما تقدم في مسيح الهداية ومسيح الضلالة، ومنها هذا الحديث الذي معنا، فإن هذا يدل على أن من كان موجوداً في تلك الليلة لن تأتي عليه مائة سنة إلا وقد مات، فلو كان الخضر موجوداً فإنه سينتهي خلال هذه المدة، ولم يأت دليل يدل على استثنائه، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في بدر، وكان سأل الله عز وجل ورفع يديه وألح على الله تعالى في الدعاء حتى سقط رداؤه وكان من دعائه قوله: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، ولو هلكت العصابة الموجودة، فإن الخضر موجود يعبد الله في الأرض إذا كان ما مات، وإذا كان على قيد الحياة. ثم أيضاً: لو كان الخضر موجوداً والرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله للناس كافة -وهو كما يقول الناس: إنه يصول ويجول في الدنيا- ألا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف بصحبته ورؤيته ولقائه والجهاد معه، والذب عنه؟! كيف يكون حياً ثم لا يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويجاهد معه وهو ذو بأس، كما يظنه من يظنه من الصوفية والذين لهم فيه أحاديث، وكلام كثير حول وجوده؟! كيف يكون موجودا ًولا يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)؟ فإذا كان الخضر حياً كيف لا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي إليه يتبعه؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى إنه إذا نزل سيحكم بشريعته. فالقول الصحيح أنه غير موجود، وأنه قد مات، لما ذكرته من الأدلة التي ذكرها العلماء والدالة على موته وعدم حياته وبقائه. وقد جاء في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي يقتله الدجال ويقسمه قطعتين، ثم يعود، ذكر أحد الرواة أنه الخضر، وهذا في صحيح مسلم، وهو من زيادات الراوي عن الإمام مسلم ، وابن حجر رحمه الله ألف كتاباً سماه: الروض النضر في نبأ الخضر، وذكر أقوال الناس الذين قالوا بحياته ووفاته، والذين قالوا بنبوته أو عدم نبوته، وهو مطبوع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، وكذلك ذكره أيضاً في الإصابة، ولكنه ألف فيه تلك الرسالة الخاصة المطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، والقول الصحيح: أنه نبي وليس بولي فقط، ودعوى ولايته عول عليها كثير من الناس، حتى جعلوا للأولياء منازل وصفات كلها بناءً على أن الخضر ولي، ومعلوم أن الولي يأخذ من النبي ويتلقى منه، ومعلوماته إنما تأتي من النبي، وليس عنده معلومات من دون أن تأتي من النبي، بل الحق والهدى ما جاء عن الأنبياء، والأولياء هم تابعون للأنبياء، والقول الصحيح أنه نبي وليس بولي، وقصته في سورة الكهف تدل على أنه نبي، وقد ثبت أنه قال لموسى: (أنت على علم من الله لا أعلمه وأنا على علم من الله لا تعلمه) وقال في نفس القصة، في سورة الكهف عدة مواضع آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف:65]، وفي آخرها وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82]. فهذا كله يدل على أنه نبي وليس بولي وقوله لموسى: (أنا على علم من الله) معلوم أن العلم الذي يكون عند الناس إما ولي جاء علمه عن طريق الأنبياء أو نبي جاء علمه عن الله عز وجل."
__________________
|
#812
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [491] الحلقة (522) شرح سنن أبي داود [491] من أعظم الجرائم في الإسلام أن يرتد عنه صاحبه إلى الكفران، ولا يحدث هذا إلا من مخذول بالغ في السفه غايته، ولذا قررت الشريعة حداً لمرتكب هذه الجريمة النكراء لا مجاملة فيه ولا مداهنة وهو القتل، إلا أنه عند قتله يجتنب فيه ما حرمته الشريعة كالإحراق أو التمثيل، بل الأمر مبني على الإحسان في كل شيء، ومنه القتل، كما هو معلوم. الحكم فيمن ارتد شرح حديث: (من بدل دينه فاقتلوه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الحدود. باب الحكم فيمن ارتد. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه)، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فقال: ويح ابن عباس ! ]. أورد أبو داود هذا الكتاب بعد كتاب الملاحم فقال: أول كتاب الحدود، والحدود: جمع حد، وهو الفاصل بين الشيئين، والحدود: هي العقوبات المقدرة في هذه الحياة الدنيا، كأن يكون حد القاذف وعقوبته ثمانون جلدة، والزاني البكر مائة جلدة، والثيب يرجم، والسارق يقطع، فالحدود: هي عقوبات مقدرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي عقوبات دنيوية، لكن هذه العقوبات من حصلت له في الدنيا فإنها نصيبه من العذاب على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه، ولا يعذب عليه في الآخرة؛ لأن الحدود هي جوابر عند أهل السنة والجماعة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)، يعني: من ستره الله وتاب تاب الله عليه، ومن مات غير تائب فإنه تحت مشيئة الله، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له؛ ولهذا فإن الحدود عند أهل السنة هي جوابر وزواجر مع بعض؛ فهي جبر للنقص، وهي زجر للذي أقيم عليه الحد ألا يعود مرة أخرى، وزجر لغيره ألا يفعل مثل ما فعل فيقام عليه الحد كما أقيم عليه الحد، فهي جوابر وزواجر. أما المعتزلة القائلون بأن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فعندهم الحدود زواجر وليست جوابر، ولهذا فالإنسان الذي يموت وهو غير تائب فإنه يكون مخلداً في النار؛ لأنه كافر عندهم، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم الحدود جوابر وزواجر، لا يقال: إنها جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، فهذا من جملة الأسئلة التي إذا سئل عنها فيقال: هل الحدود جوابر أو زواجر؟ فيقال: هي جوابر وزواجر مع بعض، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، وهو من الأسئلة التي يكون الجواب عليها ليس باختيار واحد من الاثنين المسئول عنهما، وإنما الجواب بجمعهما مع بعض، وأن كلاً منهما معترف به، فيقال: هي جوابر وزواجر؛ جوابر من أجل النقص الذي حصل؛ لأن صاحبه حصل العقوبة في الدنيا ولن يعاقب على ذلك في الآخرة، وهي زواجر أيضاً لأن نفس الشخص الذي أقيم عليه الحد ينزجر إذا كان حده لا يؤدي إلى فنائه، مثل الجلد للزاني إذا كان بكراً، ففيه زجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وغيره أيضاً ينزجر، ولهذا قال: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لأن المقصود بذلك حتى ينزجروا ويرتدعوا، وحتى لا يقعوا فيما وقع فيه فيحصل لهم مثل الذي حصل له، فهي عند أهل السنة جوابر وزواجر، وعند غيرهم كالمعتزلة والخوارج زواجر فقط وليست جوابر. ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ والجواب: لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار. والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم). وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث. فإذا طرح السؤال: هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما. أورد أبو داود ترجمة الباب وهي: [باب الحكم فيمن ارتد]، أي: من ارتد عن دين الإسلام، فإن حده القتل، وليس هو مثل الكافر الأصلي، فالكافر الأصلي لا يقتل إلا عن طريق الجهاد، أو كونه يفعل شيئاً يقتضي قتله، أما الذي كان مسلماً ثم ارتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه (من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد: هو الذي ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، حصل الخير ثم أدركه الخذلان، فرجع عن الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله! فكان حده القتل إذا لم يعد إلى الإسلام ولم يتب من ردته، والمرتد حكمه القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). ثم أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وقد جاء فيه عن علي عليه السلام، وهذه العبارة: (عليه السلام) يؤتى بها في بعض الكتب مع ذكر علي ، وذكر الحسن و الحسين و فاطمة ، وهذا غالباً من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد ذكر في تفسير هذه الآية أنه يوجد في بعض الكتب: عن علي عليه السلام، وقال: إن هذا من عمل النساخ، عندما يأتي ينسخ كتاباً، ويأتي ذكر علي يكتب: عليه السلام، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً يعاملون معاملة واحدة، والطريقة التي درج عليها سلف هذه الأمة هي الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، وكذلك أيضاً يكون الترحم على الصحابة؛ لأنه جاء ذلك عن السلف، وكذلك الترضي يجوز على غير الصحابة، لكن الذي درج عليه سلف هذه الأمة أن الترضي يكون للصحابة، وهي علامة على الصحابي، والترحم علامة على من بعدهم، وأما ما اشتهر في هذا الزمان من الترحم على الميت، فهذا الشيء اشتهر عند الناس بأن (رحمه الله) تقال للميت، والحي لا يقال له: رحمه الله، والصحيح أنه يقال له: رحمه الله، لكن الذي جرى عليه عرف الناس وفهمهم أنهم يطلقونه على من كان قد مات. والرجل الصحابي يعرف أنه صحابي عندما يقال: رضي الله عنه فصارت هذه علامة على الصحابي. قوله: [ أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ]. معناه: أنه قتلهم، ولكنه قتلهم بهذه الوسيلة التي هي الإحراق بالنار، فعندما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل. قوله: [ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ]. يعني: لو كان الأمر لي، ولو كنت منفذاً ذلك الشيء لم أحرقهم، ول منهج أهل السنة في إثبات الإرادة للإنسان. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الحدود. باب الحكم فيمن ارتد. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه)، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فقال: ويح ابن عباس ! ]. أورد أبو داود هذا الكتاب بعد كتاب الملاحم فقال: أول كتاب الحدود، والحدود: جمع حد، وهو الفاصل بين الشيئين، والحدود: هي العقوبات المقدرة في هذه الحياة الدنيا، كأن يكون حد القاذف وعقوبته ثمانون جلدة، والزاني البكر مائة جلدة، والثيب يرجم، والسارق يقطع، فالحدود: هي عقوبات مقدرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي عقوبات دنيوية، لكن هذه العقوبات من حصلت له في الدنيا فإنها نصيبه من العذاب على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه، ولا يعذب عليه في الآخرة؛ لأن الحدود هي جوابر عند أهل السنة والجماعة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)، يعني: من ستره الله وتاب تاب الله عليه، ومن مات غير تائب فإنه تحت مشيئة الله، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له؛ ولهذا فإن الحدود عند أهل السنة هي جوابر وزواجر مع بعض؛ فهي جبر للنقص، وهي زجر للذي أقيم عليه الحد ألا يعود مرة أخرى، وزجر لغيره ألا يفعل مثل ما فعل فيقام عليه الحد كما أقيم عليه الحد، فهي جوابر وزواجر. أما المعتزلة القائلون بأن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فعندهم الحدود زواجر وليست جوابر، ولهذا فالإنسان الذي يموت وهو غير تائب فإنه يكون مخلداً في النار؛ لأنه كافر عندهم، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم الحدود جوابر وزواجر، لا يقال: إنها جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، فهذا من جملة الأسئلة التي إذا سئل عنها فيقال: هل الحدود جوابر أو زواجر؟ فيقال: هي جوابر وزواجر مع بعض، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، وهو من الأسئلة التي يكون الجواب عليها ليس باختيار واحد من الاثنين المسئول عنهما، وإنما الجواب بجمعهما مع بعض، وأن كلاً منهما معترف به، فيقال: هي جوابر وزواجر؛ جوابر من أجل النقص الذي حصل؛ لأن صاحبه حصل العقوبة في الدنيا ولن يعاقب على ذلك في الآخرة، وهي زواجر أيضاً لأن نفس الشخص الذي أقيم عليه الحد ينزجر إذا كان حده لا يؤدي إلى فنائه، مثل الجلد للزاني إذا كان بكراً، ففيه زجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وغيره أيضاً ينزجر، ولهذا قال: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لأن المقصود بذلك حتى ينزجروا ويرتدعوا، وحتى لا يقعوا فيما وقع فيه فيحصل لهم مثل الذي حصل له، فهي عند أهل السنة جوابر وزواجر، وعند غيرهم كالمعتزلة والخوارج زواجر فقط وليست جوابر. ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ والجواب: لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار. والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم). وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث. فإذا طرح السؤال: هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما. أورد أبو داود ترجمة الباب وهي: [باب الحكم فيمن ارتد]، أي: من ارتد عن دين الإسلام، فإن حده القتل، وليس هو مثل الكافر الأصلي، فالكافر الأصلي لا يقتل إلا عن طريق الجهاد، أو كونه يفعل شيئاً يقتضي قتله، أما الذي كان مسلماً ثم ارتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه (من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد: هو الذي ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، حصل الخير ثم أدركه الخذلان، فرجع عن الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله! فكان حده القتل إذا لم يعد إلى الإسلام ولم يتب من ردته، والمرتد حكمه القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). ثم أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وقد جاء فيه عن علي عليه السلام، وهذه العبارة: (عليه السلام) يؤتى بها في بعض الكتب مع ذكر علي ، وذكر الحسن و الحسين و فاطمة ، وهذا غالباً من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد ذكر في تفسير هذه الآية أنه يوجد في بعض الكتب: عن علي عليه السلام، وقال: إن هذا من عمل النساخ، عندما يأتي ينسخ كتاباً، ويأتي ذكر علي يكتب: عليه السلام، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً يعاملون معاملة واحدة، والطريقة التي درج عليها سلف هذه الأمة هي الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، وكذلك أيضاً يكون الترحم على الصحابة؛ لأنه جاء ذلك عن السلف، وكذلك الترضي يجوز على غير الصحابة، لكن الذي درج عليه سلف هذه الأمة أن الترضي يكون للصحابة، وهي علامة على الصحابي، والترحم علامة على من بعدهم، وأما ما اشتهر في هذا الزمان من الترحم على الميت، فهذا الشيء اشتهر عند الناس بأن (رحمه الله) تقال للميت، والحي لا يقال له: رحمه الله، والصحيح أنه يقال له: رحمه الله، لكن الذي جرى عليه عرف الناس وفهمهم أنهم يطلقونه على من كان قد مات. والرجل الصحابي يعرف أنه صحابي عندما يقال: رضي الله عنه فصارت هذه علامة على الصحابي. قوله: [ أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ]. معناه: أنه قتلهم، ولكنه قتلهم بهذه الوسيلة التي هي الإحراق بالنار، فعندما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل. قوله: [ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ]. يعني: لو كان الأمر لي، ولو كنت منفذاً ذلك الشيء لم أحرقهم، ول النهي عن قتل الرجل حرقاً حتى وإن كان مستحقاً للقتل. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أول كتاب الحدود. باب الحكم فيمن ارتد. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بدل دينه فاقتلوه)، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فقال: ويح ابن عباس ! ]. أورد أبو داود هذا الكتاب بعد كتاب الملاحم فقال: أول كتاب الحدود، والحدود: جمع حد، وهو الفاصل بين الشيئين، والحدود: هي العقوبات المقدرة في هذه الحياة الدنيا، كأن يكون حد القاذف وعقوبته ثمانون جلدة، والزاني البكر مائة جلدة، والثيب يرجم، والسارق يقطع، فالحدود: هي عقوبات مقدرة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي عقوبات دنيوية، لكن هذه العقوبات من حصلت له في الدنيا فإنها نصيبه من العذاب على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه، ولا يعذب عليه في الآخرة؛ لأن الحدود هي جوابر عند أهل السنة والجماعة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي فيه: (من أتى شيئاً من هذه المعاصي فأقيم عليه الحد كان كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله عز وجل إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)، يعني: من ستره الله وتاب تاب الله عليه، ومن مات غير تائب فإنه تحت مشيئة الله، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له؛ ولهذا فإن الحدود عند أهل السنة هي جوابر وزواجر مع بعض؛ فهي جبر للنقص، وهي زجر للذي أقيم عليه الحد ألا يعود مرة أخرى، وزجر لغيره ألا يفعل مثل ما فعل فيقام عليه الحد كما أقيم عليه الحد، فهي جوابر وزواجر. أما المعتزلة القائلون بأن مرتكب الكبيرة كافر ومخلد في النار، فعندهم الحدود زواجر وليست جوابر، ولهذا فالإنسان الذي يموت وهو غير تائب فإنه يكون مخلداً في النار؛ لأنه كافر عندهم، وأما أهل السنة والجماعة فعندهم الحدود جوابر وزواجر، لا يقال: إنها جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، فهذا من جملة الأسئلة التي إذا سئل عنها فيقال: هل الحدود جوابر أو زواجر؟ فيقال: هي جوابر وزواجر مع بعض، لا يقال: هي جوابر فقط، ولا يقال: زواجر فقط، وهو من الأسئلة التي يكون الجواب عليها ليس باختيار واحد من الاثنين المسئول عنهما، وإنما الجواب بجمعهما مع بعض، وأن كلاً منهما معترف به، فيقال: هي جوابر وزواجر؛ جوابر من أجل النقص الذي حصل؛ لأن صاحبه حصل العقوبة في الدنيا ولن يعاقب على ذلك في الآخرة، وهي زواجر أيضاً لأن نفس الشخص الذي أقيم عليه الحد ينزجر إذا كان حده لا يؤدي إلى فنائه، مثل الجلد للزاني إذا كان بكراً، ففيه زجر له حتى لا يعود مرة أخرى، وغيره أيضاً ينزجر، ولهذا قال: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، لأن المقصود بذلك حتى ينزجروا ويرتدعوا، وحتى لا يقعوا فيما وقع فيه فيحصل لهم مثل الذي حصل له، فهي عند أهل السنة جوابر وزواجر، وعند غيرهم كالمعتزلة والخوارج زواجر فقط وليست جوابر. ويشبه هذا من الأشياء التي يكون الجواب عنها ليس باختيار واحد من الاثنين، وإنما هو مجموع الاثنين قول: هل الإنسان مخير أو مسير؟ والجواب: لا يقال: إنه مخير فقط، ولا يقال: إنه مسير فقط، بل يقال: مخير مسير، فهو مخير باعتبار، ومسير باعتبار، والقول بأنه مسير فقط هذا قول الجبرية، وقول بأنه مخير هذا قول المعتزلة، يقولون: الإنسان هو الذي يخلق فعله ويوجده، وأنه يختار لنفسه ما يختار. والصحيح أنه مخير باعتبار أن عنده عقلاً، وأنه مأمور منهي، وأنه إن فعل ما هو طيب يثاب، وإن فعل ما هو سيئ يعاقب، فهو ليس مجبوراً بل هو مخير، يفعل بمشيئته وإرادته، ولهذا فإن الإنسان إذا فعل بمشيئته واختياره شيئاً عوقب عليه، ولا يقال: إنه مسير، بمعنى: أنه ليس له إرادة ولا مشيئة كما تقوله الجبرية، الذين يقولون: إن الإنسان لا مشيئة له ولا إرادة، فهذا كلام غير صحيح، بل الإنسان له مشيئة وإرادة ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته، وهو مسير باعتبار أنه لا يخرج عن قضاء الله وقدره، فهو مسير بهذا الاعتبار، ومخير باعتبار أن عنده عقلاً، وهو مكلف ومأمور ومنهي، إن أحسن وجد الثواب، وإن أساء وجد العقاب: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فالجواب هو بمجموع الأمرين، والذين يقولون بأنه مسير، بمعنى: أنه مجبور وأنه ليس له إرادة، يتضح فساد قولهم بأن الإنسان له حالتان: حالة يكون فيها عنده قدرة وإرادة ومشيئة، وحالة يكون ليس له قدرة ولا إرادة ولا مشيئة، فالإنسان الذي ترتعش يده وتضطرب فهذا يقال عليه: إنه مسير، ولا يقال: إنه مخير؛ لأنه لو قيل له: أوقف يدك، ما يستطيع، ولو ضرب فإنه لا يستطيع أن يوقف يده؛ لأن الارتعاش ليس من اختياره، لكن كونه يأكل ويشرب ويذهب ويجيء هذا باختياره، فله أن يأكل، وله ألا يأكل، وله أن يدخل، وله ألا يدخل، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، لأنه إن كان يطيق المأمور به فإنه يفعله، وإن كان لا يطيقه فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأتوا منه ما استطعتم). وأما فيما يتعلق بالنهي فإنه يقدر أن يتركه؛ لأن هذا الترك مستطاع، ولهذا لم يقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استطعتم)، فإذا قيل لإنسان: لا تدخل من هذا الباب، فإنه يقدر على ترك ذلك؛ لأنه ليس ثقيلاً عليه، لكن لو قيل له: احمل هذه الصخرة، فقد يستطيع وقد لا يستطيع؛ لأن هذا أمر، وذاك نهي، فالأمر كل يفعله على قدر طاقته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، والنهي كل يستطيع تركه، ويبين الفرق بين هذا وهذا قول بعض النحويين في تعريف الفاعل، يقولون: الفاعل: اسم مرفوع يدل على من وحصل منه الحدث أو قام به الحدث، وحصل منه الحدث مثل: أكل، شرب، ذهب، خرج، دخل؛ لأن الدخول والخروج والأكل والشرب حصل لفعل الفاعل، لكن ارتعشت يده، أو مات أو مرض هذا ليس فعلاً، وإنما هو وصف قام به الحدث ولم يفعل هو الحدث، فهذا وصف قام به وليس من فعله، فالمرض ليس من فعله، والموت ليس من فعله، والارتعاش ليس من فعله، فهذا قام به الحدث. فإذا طرح السؤال: هل هذا الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بواحد منهما غير صحيح، والجواب الصحيح أن يقال: هو مخير مسير، مخير باعتبار، ومسير باعتبار، كذلك الحدود هل هي زواجر أو جوابر؟ ليس الجواب واحداً منهما، وإنما الجواب هو مجموعهما. أورد أبو داود ترجمة الباب وهي: [باب الحكم فيمن ارتد]، أي: من ارتد عن دين الإسلام، فإن حده القتل، وليس هو مثل الكافر الأصلي، فالكافر الأصلي لا يقتل إلا عن طريق الجهاد، أو كونه يفعل شيئاً يقتضي قتله، أما الذي كان مسلماً ثم ارتد فإنه إذا لم يرجع إلى الإسلام فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه (من بدل دينه فاقتلوه)، فالمرتد: هو الذي ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، حصل الخير ثم أدركه الخذلان، فرجع عن الإيمان إلى الكفر، والعياذ بالله! فكان حده القتل إذا لم يعد إلى الإسلام ولم يتب من ردته، والمرتد حكمه القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). ثم أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وقد جاء فيه عن علي عليه السلام، وهذه العبارة: (عليه السلام) يؤتى بها في بعض الكتب مع ذكر علي ، وذكر الحسن و الحسين و فاطمة ، وهذا غالباً من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين، وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره، عند قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد ذكر في تفسير هذه الآية أنه يوجد في بعض الكتب: عن علي عليه السلام، وقال: إن هذا من عمل النساخ، عندما يأتي ينسخ كتاباً، ويأتي ذكر علي يكتب: عليه السلام، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم جميعاً يعاملون معاملة واحدة، والطريقة التي درج عليها سلف هذه الأمة هي الترضي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، وكذلك أيضاً يكون الترحم على الصحابة؛ لأنه جاء ذلك عن السلف، وكذلك الترضي يجوز على غير الصحابة، لكن الذي درج عليه سلف هذه الأمة أن الترضي يكون للصحابة، وهي علامة على الصحابي، والترحم علامة على من بعدهم، وأما ما اشتهر في هذا الزمان من الترحم على الميت، فهذا الشيء اشتهر عند الناس بأن (رحمه الله) تقال للميت، والحي لا يقال له: رحمه الله، والصحيح أنه يقال له: رحمه الله، لكن الذي جرى عليه عرف الناس وفهمهم أنهم يطلقونه على من كان قد مات. والرجل الصحابي يعرف أنه صحابي عندما يقال: رضي الله عنه فصارت هذه علامة على الصحابي. قوله: [ أن علياً رضي الله عنه أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ]. معناه: أنه قتلهم، ولكنه قتلهم بهذه الوسيلة التي هي الإحراق بالنار، فعندما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه قال: إن النار لا يعذب بها إلا الله عز وجل. قوله: [ فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تعذبوا بعذاب الله) ]. يعني: لو كان الأمر لي، ولو كنت منفذاً ذلك الشيء لم أحرقهم، ول تراجم رجال إسناد حديث: (من بدل دينه فاقتلوه). قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام المحدث الفقيه، من أئمة المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ]. هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حد الردة ليس من الحدود المكفرة. أورد الحديث هنا في كتاب الحدود من أجل الردة، لكن ليس معنى ذلك أنه يكون كفارة له، كالحدود التي هي كفارات؛ لأنه قتل كافراً، فانتهت حياته بهذه الوسيلة ومآله إلى النار ما دام أنه لم يتب، ولو تاب لم يقتل، فحد المرتد لا يكون من الحدود المكفرة؛ لأن صاحبه خالد مخلد في النار، فهو أورده أبو داود في كتاب الحدود، ولكنه ليس من الحدود التي تكون كفارات؛ لأن صاحبه خرج من الإسلام، ومات على الكفر والعياذ بالله! شرح حديث: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) ومحل الشاهد هو هذا الأخير (التارك لدينه المفارق للجماعة) أي: المرتد الذي ارتد عن الإسلام، وفارق جماعة المسلمين، فإنه يقتل، وهؤلاء الثلاثة يقتلون، الثيب الزاني يقتل والوسيلة هي الرجم. قوله: [ (والنفس بالنفس) ]، إنسان قتل إنساناً عمداً فإنه يقتل به، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة:178]، قال بعد ذلك: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]. قوله: [ (والتارك لدينه المفارق للجماعة) ] التارك لدينه أي: الذي ارتد عن دين الإسلام، وفارق جماعة المسلمين بردته، فإن حكمه أن يقتل، فهذا الحديث عن عبد الله بن مسعود ، وهو متفق عليه، وقد ذكر أشياء يكون فيها القتل، مثل الصائل إذا لم يندفع إلا بالقتل فإنه يقتل، وهذا يكون مما أذن فيه، ولكنه لا يقتل ابتداءً، بل الواجب هو الدرء ما استطاع بغير القتل، وأما هذه الأمور الثلاثة التي جاءت فإن القتل فيها يكون من أول وهلة. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مرة ]. عبد الله بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
#813
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قال المصنف رحمه الله تعالى [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله بن عمير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب، أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم، ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض، أو يقتل نفساً فيقتل بها). ذكر هنا في هذا الحديث الرجل الزاني المحصن، وكذلك قتل القاتل قصاصاً، ولم يذكر الردة، ولكنه ذكر المحاربة، وهو سيذكر في باب المحاربة؛ لأنه يتعلق بأحكام المحاربة، وقد يكون أورده في باب الردة من جهة أن الذي يحارب الله ورسوله يحصل منه الردة، فيكون ذكره من هذه الناحية، والحديث الذي سبق أن مر وهو حديث ابن مسعود ذكر الثلاثة: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، وهذا مثله فيما يتعلق بالزاني وفيما يتعلق بالنفس بالنفس، وأما ما يتعلق بالقسم الثالث الذي هو المحاربة، وإذا كان الذي حصل منه ذلك ارتد عن الإسلام، وفعل هذه الأمور فإنه يدخل تحت هذا الباب الذي هو: باب الحكم فيمن المرتد. قوله: [ (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ]، كلمة (مسلم) هذه فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لأنه لا يدخل الإسلام بدون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتكون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صفة كاشفة، يعني: أنها زيادة توضيح وبيان وأن شأن المسلم أن يكون كذلك، فالشهادتان تعتبر صفة كاشفة؛ لأن الإسلام لا يكون إلا بالشهادتين، وبدون الشهادتين لا يدخل في الإسلام. قوله: [ (دم امرئ مسلم) ]. يعني: يدل على أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأنه إذا لم يكن كذلك لا يقال: إنه مسلم، وعلى هذا تكون (يشهد أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله) صفة كاشفة، وهي التي توضح وتبين. قوله: [ (رجل زنى بعد إحصان فإنه يرجم) ]. يعني: أنه محصن ولم يكن بكراً، فالبكر حكمه الجلد مائة والتغريب مدة عام، وأما الثيب فإنه يرجم بالحجارة حتى الموت؛ لأن في رمي الحجارة عقوبة على سائر الجسد، وأن الحجارة تقع عليه هنا وهنا، لأن اللذة التي حصلت بالجماع هي في جميع الجسد، فكان حكمه أن يرجم وأن يقتل هذه القتلة؛ لأن العمل الذي عمله فيه خبث، ولأنه قد أعف نفسه بالحلال فأقدم على الحرام فصارت عقوبته أن يرجم. وأما ما يتعلق بالحرابة فقد جاء في القرآن الكريم بيان الأحوال التي يكون عليها معاملة الحرابة وذلك في قول الله عز وجل: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المائدة:33]، هذه أحوال من أربع تكون للمحاربة، وقد اختلف العلماء فيها فمنهم من قال: إن الإمام مخير بين هذه الأمور وغيرها، يفعل ما فيه المصلحة، ومنهم من فصل وقال: إن قتل وأخذ المال صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً فإنه يقتل، ومن أخذ مالاً ولم يقتل فإنه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى من خلاف كما جاء ذلك في القرآن، والذي جاء في الحديث ليس فيه ذكر ما جاء في القرآن فيكون فيه اختصار، وذكره لكلمة (رجل) لا مفهوم له في الحرابة. قوله: (ورجل خرج محارباً لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض). لا يوجد فيه ذكر القطع للأيدي والأرجل من خلاف. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث...) قوله: [ حدثنا محمد بن سنان الباهلي ]. محمد بن سنان الباهلي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن رفيع ]. عبد العزيز بن رفيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمير ]. عبيد الله بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديقة ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. لا يستدل بالحديث على إسلام تارك الصلاة. وهذا الحديث لا يدل على أن تارك الصلاة لا يكفر، وأنه يكفي في دخوله الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأن تارك الصلاة جاءت الأحاديث في كفره، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (بين المسلم وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)، وقال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وقال في الولاة الذين سئل عن الخروج عليهم: (لا، ما صلوا) وقد جاء في الحديث الآخر: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فدل على أن ترك الصلاة هي من الكفر الذي عند الناس فيه من الله برهان، فالحديث وإن لم يأت بنص على كفر تارك الصلاة هنا إلا أنه جاءت نصوص أخرى دلت على أن تارك الصلاة من جملة الكفار. شرح حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: حدثنا يحيى بن سعيد قال مسدد : حدثنا قرة بن خالد حدثنا حميد بن هلال حدثنا أبو بردة قال: قال أبو موسى : (أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري، فكلاهما سأل العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، فقال: ما تقول يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ؟ قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، قال: لن نستعمل، أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ، فبعثه على اليمن، ثم اتبعه معاذ بن جبل قال: فلما قدم عليه معاذ قال: انزل وألقى إليه وسادة، وإذا رجل عنده موثق، قال ما هذا؟، قال: هذا كان يهودياً فأسلم ثم راجع دينه دين السوء، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، قال: اجلس نعم. قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات، فأمر به فقتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما معاذ بن جبل : أما أنا فأنام وأقوم، أو أقوم وأنام، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه اثنان من الأشعريين أحدهما عن يمينه والثاني عن يساره، وكانا يريدان العمل، وأن يوليا ولم يشعرا أبا موسى بالذي في أنفسهما والذي يريدان أن يقولاه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصلوا تكلموا وكلهم يطلب العمل، وأبو موسى الأشعري ساكت، فالرسول سأل أبا موسى ، قال: والله ما علمت بالشيء الذي أرادا، فما كان يدري عن قصدهما، فبرأ نفسه من أن يكون موافقاً لهما، وأن يكون طالباً هذا الذي يطلبانه، فالرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك ولاه ولم يولهما، فقال: (إنا لا نولي هذا الأمر أحداً طلبه) وذلك أن الإنسان إذا حرص على ولاية قد لا يوفق في القيام بها، ولكنه إذا لم يكن حريصاً ثم ابتلي بها فإنه تكون مظنة بأن يحصل له التوفيق في ذلك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنا لا نولى هذا الأمر أحداً طلبه) فولى أبا موسى ولم يولهما، وفيه أن النبي صلى عندما جاءوا إليه كان يستاك، وشفتاه قد ارتفعت بسبب السواك. ولذلك قال: (وكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت). يعني: ارتفعت أو انحسرت بسبب السواك. قوله: [ (لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس) ]. هو شك من الراوي هل قال الرسول: يا أبا موسى أو قال عبد الله بن قيس ؟ أي: هل خاطبه بكنيته أو باسمه، ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم إياه في موضعين من الحديث، وكل ذلك بالشك من الراوي، هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أبا موسى أو قال يا عبد الله بن قيس ؟ فأرسله إلى اليمن وولاه عليها، ثم أتبعه بمعاذ ، وكان كل واحد منهما له مخلاف، أي: له مكان معين يكون والياً عليه، فكان يسير كل واحد منهما فيما هو تحت ولايته، فيلتقيان في على الحدود بين المخلافين، فلما جاء معاذ إلى أبي موسى وكان راكباً على دابته، أي: معاذ ، قال له: أنزل ووضع له وسادة ليجلس عليها، فقال: ما هذا الذي هو موثق؟ وكان عندهم رجل موثق بالحبال، فقالوا: هذا كان يهودياً فأسلم ثم ارتد عن الإسلام وراجع دينه دين السوء، أي: رجع إلى الكفر، فقال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، أي: هذا قضاء الله ورسوله، أو هذا حكم الله ورسوله، فكرر عليه، ثم بعد ذلك أمر به فقتل، فنزل، فصارا يتحدثان فيما بينهما، وكان من كلام معاذ رضي الله تعالى عنه فيما يتعلق بصلاة الليل أنه ينام ويقوم يعني: ليس كل ليله نوم، وليس كل ليله قيام، وإنما بعضه قيام وبعضه نوم، ويقول: أرجو في نومتي ما أرجوه في قومتي، يعني: أنه يقصد من وراء النوم التقوي على القيام، وفي هذا دليل على أن الأعمال المباحة إذا احتسب فيها العبد فإنه يؤجر عليها؛ لأنه قال: يرجو أن يحصل الأجر في حال نومته مثل ما يحصل في حال قومته؛ لأنه إنما نام ليتقوى ولينشط على القيام، ومحل الشاهد من الحديث: قتل ذلك اليهودي الذي ارتد عن الإسلام وقال: هذا قضاء الله ورسوله يعني: أنه يقتل كما مر في الحديث: (من بدل دينه فاقتلوه). تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ومسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قالا: حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال مسدد : حدثنا قرة بن خالد ]. قرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حميد بن هلال ]. حميد بن هلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو بردة ]. هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال أبو موسى ]. هو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. فوائد من حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. والمرتد إذا تاب فإنه لا يقتل، واليهودي هنا قد استتيب ولم يتب. وأما بالنسبة لمدة الاستتابة فإنه يوجد خلاف بين العلماء فمنهم من قال: إنه يستتاب مدة ثلاثة أيام، ومنهم من يقول أقل أو أكثر، ومنهم من يقول: يكرر عليه في الحال، ثم يقتل في، ولا شك أنه يستتاب في هذه المدة فإن أصر على كفره ولم يعد إلى الإسلام فإنه يقتل. ويستفاد من هذا الحديث على إباحة الاستياك بحضرة الرعية، ولهذا بوب له بعض أهل العلم، فقال: باب استياك الإمام بحضرة رعيته، يعني: أنه ليس من الأشياء التي تستقذر ولا تفعل أمام الناس. وأما الاستياك باليد اليسرى أو اليمنى فالأمر في ذلك واسع. كذلك إذا كان الإنسان يرغب بالولاية في نفسه ولم يطلبها باللسان، ثم صارت إليه فإنه لا يدخل فيمن طلب الولاية. شرح حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق ثانية. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا الحماني -يعني عبد الحميد بن عبد الرحمن - عن طلحة بن يحيى و بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال: (قدم عليّ معاذ وأنا باليمن، ورجل كان يهودياً فأسلم فارتد عن الإسلام، فلما قدم معاذ قال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل، فقتل) قال أحدهما: وكان قد استتيب قبل ذلك ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه ذكر قصة المرتد باختصار وقال أحدهما: أي: أحد الراويين اللذين هما: طلحة و بريد بن عبد الله بن أبي بردة . قال أحدهما: إنه استتيب قبل ذلك، يعني: هذا الذي قتل والذي جاء في قصة معاذ وأبي موسى استتيب، وأن قتله كان بعد استتابته. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق ثانية. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا الحماني -يعني عبد الحميد بن عبد الرحمن - ]. عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني صدوق، أخرج حديثه البخاري و مسلم في المقدمة وأبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن طلحة بن يحيى ]. هو طلحة بن يحيى التيمي ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ وبريد بن عبد الله بن أبي بردة ]. بريد بن عبد الله بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة عن أبي موسى ]. أبو بردة و أبو موسى قد مر ذكرهما. حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق ثالثة، وتراجم رجال إسناده. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص حدثنا الشيباني عن أبي بردة بهذه القصة، قال: فأتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة أو قريباً منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى، فضرب عنقه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله، وذكرها هنا أنه استتابه وأمهله مدة طويلة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الشيباني ]. هو سليمان بن فيروز أبو إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة بهذه القصة ]. أبو بردة مر ذكره. [ قال أبو داود : ورواه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. يعني: أنه ما ذكر أنه استتيب إذا كان ذكره من كان قبله، وكونه لم يذكر الاستتابة لا يدل على أنها ما حصلت، فهو ما نفى الاستتابة وإنما سكت عنها، فيكون ذكرها هو الثابت، وكونه لم يستتبه إما اكتفاء بالاستتابة السابقة، وأنه قد استتيب من قبل، كما جاء في بعض الروايات التي مرت أنه استتيب مدة عشرين ليلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن فضيل عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. ثم ذكر طريقاً أخرى. [ ورواه ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة ]. الشيباني مر ذكره، وسعيد بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. يعني: ما قال: ولم يستتبه، وإنما سكت عنها، وعدم الذكر لا يدل على عدمها، وإنما الشيء الذي يمكن أن يعتبر معارضاً هو إذا قالوا: ولم يستتبه، ولو قال ذلك يمكن أن يحمل على أنه في آخر العمر عند اللحظة التي قتل فيها وكان مستتاباً قبل ذلك. الأسانيد التي لم يذكر فيها الاستتابة في حديث قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص حدثنا الشيباني عن أبي بردة بهذه القصة، قال: فأتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلة أو قريباً منها، فجاء معاذ فدعاه فأبى، فضرب عنقه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما في الذي قبله، وذكرها هنا أنه استتابه وأمهله مدة طويلة. قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حفص ]. هو حفص بن غياث ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الشيباني ]. هو سليمان بن فيروز أبو إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بردة بهذه القصة ]. أبو بردة مر ذكره. [ قال أبو داود : ورواه عبد الملك بن عمير عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. عبد الملك بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ عن أبي بردة ولم يذكر الاستتابة ]. يعني: أنه ما ذكر أنه استتيب إذا كان ذكره من كان قبله، وكونه لم يذكر الاستتابة لا يدل على أنها ما حصلت، فهو ما نفى الاستتابة وإنما سكت عنها، فيكون ذكرها هو الثابت، وكونه لم يستتبه إما اكتفاء بالاستتابة السابقة، وأنه قد استتيب من قبل، كما جاء في بعض الروايات التي مرت أنه استتيب مدة عشرين ليلة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن فضيل عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. ثم ذكر طريقاً أخرى. [ ورواه ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشيباني عن سعيد بن أبي بردة ]. الشيباني مر ذكره، وسعيد بن أبي بردة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن أبي موسى لم يذكر فيه الاستتابة ]. يعني: ما قال: ولم يستتبه، وإنما سكت عنها، وعدم الذكر لا يدل على عدمها، وإنما الشيء الذي يمكن أن يعتبر معارضاً هو إذا قالوا: ولم يستتبه، ولو قال ذلك يمكن أن يحمل على أنه في آخر العمر عند اللحظة التي قتل فيها وكان مستتاباً قبل ذلك. شرح حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق رابعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا المسعودي عن القاسم بهذه القصة، قال: فلم ينزل حتى ضرب عنقه وما استتابه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه قال: وما استتابه، وهذا فيه النفي، وليس كالذي قبله والذي جاء بلفظ: (لم يذكر الاستتابة) لأنه سكت عنها، وهنا قال: وما استتابه، لكن هذا يحمل على أنه ما استتابه في الحال، اكتفاء بالاستتابة السابقة التي قد حصلت قبل ذلك. قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، وهو صدوق اختلط قبل موته، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن القاسم ]. هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. قوله: [ بهذه القصة ]. يعني: التي مرت وما استتابه، وهذا فيه نفي للاستتابة، وهذا كما هو معلوم جاء من طريق المسعودي ، وفيه ضعف، وهو مخالف للطرق الأخرى الكثيرة للحديث، والتي فيها التنصيص على الاستتابة، ولهذا ضعف الألباني هذه الطريق، ولكن لو صحت فإنها لا تنافي الروايات الأخرى، لأنه يمكن أن تحمل على أنه ما استتابه في الحال اكتفاء بالاستتابة السابقة. ويجوز للقاضي أن يؤخر المرتد مدة طويلة نحو عشرين يوماً لعله أن يراجع نفسه. تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في قتل اليهودي الذي أسلم ثم ارتد من طريق رابعة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن معاذ حدثنا أبي حدثنا المسعودي عن القاسم بهذه القصة، قال: فلم ينزل حتى ضرب عنقه وما استتابه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه قال: وما استتابه، وهذا فيه النفي، وليس كالذي قبله والذي جاء بلفظ: (لم يذكر الاستتابة) لأنه سكت عنها، وهنا قال: وما استتابه، لكن هذا يحمل على أنه ما استتابه في الحال، اكتفاء بالاستتابة السابقة التي قد حصلت قبل ذلك. قوله: [ حدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه معاذ بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا المسعودي ]. هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي ، وهو صدوق اختلط قبل موته، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن القاسم ]. هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. قوله: [ بهذه القصة ]. يعني: التي مرت وما استتابه، وهذا فيه نفي للاستتابة، وهذا كما هو معلوم جاء من طريق المسعودي ، وفيه ضعف، وهو مخالف للطرق الأخرى الكثيرة للحديث، والتي فيها التنصيص على الاستتابة، ولهذا ضعف الألباني هذه الطريق، ولكن لو صحت فإنها لا تنافي الروايات الأخرى، لأنه يمكن أن تحمل على أنه ما استتابه في الحال اكتفاء بالاستتابة السابقة. ويجوز للقاضي أن يؤخر المرتد مدة طويلة نحو عشرين يوماً لعله أن يراجع نفسه. شرح حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي السرح لردته. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: (كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح، فاستجار له عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان من كتبة الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، فأزله الشيطان وأغواه وأضله، فلحق بالكفار وهرب إلى مكة، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه). قوله: [ (فأزله الشيطان فلحق بالكفار، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح) ]. يوم فتح الله عليه مكة، وكان هو من كتبة الوحي ثم لحق بالكفار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل فصار في جوار عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم وتركه ولم يقتله. تراجم رجال إسناد حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي سرح لردته. قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. أحمد بن محمد المروزي هو ابن ثابت بن شبويه ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا علي بن الحسين بن واقد ]. علي بن الحسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس رضي الله عنه وقد مر ذكره. شرح حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي السرح من طريق أخرى. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن المفضل حدثنا أسباط بن نصر قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد قال: (لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! بايع عبد الله ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه في قصة عبد الله بن أبي سرح ، وإجارة عثمان له يوم فتح مكة، ثم مجيئه به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبه منه أن يبايعه، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ثم يعرض عنه ولا يمد يده، وبعدما حصل ذلك ثلاث مرات بايعه ومد يده إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أما منكم رجل رشيد! يقوم إليه فيقتله حين رآني كففت عنه)، يعني: رآني لم أبايعه، وكان هذا بناء على الأمر الأول الذي أمر بقتله، فكونه جاء والرسول لم يمد يده إليه، فهذا يستند إلى الأمر السابق، ولكن لما كان عثمان أجاره، والرسول قبل جواره، فقالوا: يا رسول الله ما أخبرتنا ما علمنا بما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ يعني: أشرت إشارة بعينك قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) بمعنى أنه يكون عنده في قلبه شيء ثم يظهر شيئاً آخر. تراجم رجال إسناد حديث الأمر بقتل عبد الله بن أبي سرح من طريق أخرى. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فأخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أحمد بن المفضل ]. أحمد بن المفضل صدوق في حفظه شيء، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أسباط بن نصر ]. أسباط بن نصر صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: زعم السدي ]. و السدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مصعب بن سعد ]. هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعد ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. مسألة خائنة الأعين لغير النبي، وإجارة المرتد. وهذا الحديث فيه مسألة: هل تجوز خائنة الأعين لغير النبي صلى الله عليه وسلم؟ فنقول: الذي يبدو أن ذلك جائز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أنكر عليهم ذلك، وإنما كونهم طلبوا منه هذا، ومعناه: أنه يجوز أن يحصل من الشخص إشارة، لكن الرسول نفى أن يكون ذلك حاصل للأنبياء. وكما هو معلوم فإن المرتد لا يجار، وإنما ذاك رجل أسلم وارتد فأهدر دمه صلى الله عليه وسلم، وكان كاتباً للوحي، فأسلم مع الناس يوم فتح مكة، والرسول أهدر دمه، فمن كان مرتداً فليس لأي إنسان أن يجيره، وليس من حقه أن يجيره، وإنما الحكم فيه: إن تاب ورجع وإلا قتل. شرح حديث: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه). قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي إسحاق عن الشعبي عن جرير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه) ]. أورد أبو داود حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه). والمقصود من (أبق) أنه هرب ولحق بأهل الشرك (فقد حل دمه)، وفي بعض الروايات: (فقد برئت منه ذمة الله)، و الألباني ضعف هذا الحديث ولا أدري ما وجه تضعيفه، هل هو من جهة أبي إسحاق السبيعي أو غير ذلك؟ تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أبق العبد إلى الشرك فقد حل دمه). قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حميد بن عبد الرحمن ]. هو حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل الشعبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جرير بن عبد الله البجلي ]. جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#814
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [492] الحلقة (523) شرح سنن أبي داود [492] لا نرى والذي رفع السماء بلا عمد حباً كحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وتفانيهم من أجله، وجعلهم نفوسهم وأموالهم فداءً له عليه الصلاة والسلام، وهناك نفوس عليلة، فلا تقدر للنبي قدره، ولا تنزله منزلته، فليس لهذه النفوس المريضة إلا السيف؛ ليزيل عنها وساوس الشيطان، فدمائهم هدر؛ لوقوعهم في سيد البشر، من عرف قدره الحجر قبل البشر. الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم شرح حديث هدر النبي لدم المرأة التي قتلت لأنها شتمته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. حدثنا عباد بن موسى الختلي أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة قال: حدثنا ابن عباس : (أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع الناس فقال: أنشد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام، قال: فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أن دمها هدر) ]. أورد أبو داود باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم. يعني: حكمه إذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم الكفر والردة عن الإسلام، وذلك أن الرسول الكريم عليه السلام هو الذي أرسله الله بالحق والهدى، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فمسبته والقدح فيه قدح فيما جاء به عليه الصلاة والسلام، وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس : أن رجلاً أعمى كان له أم ولد، وأم الولد هي الأمة التي ولدت له فصار يقال لها: أم ولد، يعني: تبقى حتى يموت وتعتق بموته، وكان له منها ولدان كاللؤلؤتين، وكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ينصحها فلا تنتصح ولا تنتهي، وكانت به رفيقة، يعني: كانت معاملتها له طيبة، ولكن كونها تسب الرسول صلى الله عليه وسلم غضب للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينظر إلى حظ نفسه، فلم ينظر إلى إحسانها إليه، ورفقها به، ومعاملتها له معاملة طيبة، وإنما ساءه وأغضبه هذا الجرم الذي يحصل منها وهو شتم الرسول صلى الله عليه وسلم وسبه، فذات ليلة حصل منها أنها شتمته فقام وأخذ المغول وهو كالسيف الصغير يجعله الإنسان بين ثيابه، وهو ليس كبيراً بحيث يظهر، ولكنه شبيه بالسيف إلا أنه صغير، فجاء فوضعه على بطنها واتكأ عليها حتى ماتت، ولطخت ما حولها من الدم، ووقع بين يديها صبي، يعني: أنه أحد أولادها، لعله وقع بين رجليها أو جاء بين رجليها، ولكن ليس معناه أنه أصابه قتل، أو أصابه هلاك، وإنما يمكن أنه لما رآها جاء ووقع بين رجليها، فالرجل أخفى نفسه ولم يظهر الأمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فجمع الناس، وأنشدهم بالله عز وجل أن الذي حصل منه ذلك أن يبين نفسه، فقام رجل أعمى يتخطى الناس حتى جاء وقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا صاحبها، قال: ما لك؟ قال: إنها كانت تشتمك، وإنها كانت بي رفيقة، وإني نصحتها فلم تستجب، وإنها البارحة حصل منها ذلك فقمت وفعلت بها كذا وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا اشهدوا أن دمها هدر) يعني: أنه قتل بحق. تراجم رجال إسناد حديث هدر النبي لدم المرأة التي قتلت لأنها شتمته قوله: [ حدثنا عباد بن موسى الختلي ]. عباد بن موسى الختلي ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا إسماعيل بن جعفر المدني ]. إسماعيل بن جعفر المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عثمان الشحام ]. عثمان الشحام لا بأس به، أخرج له مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهما. شرح حديث: (أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح عن جرير عن مغيرة عن الشعبي عن علي رضي الله عنه (أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها)]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه: (أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم فخنقها رجل حتى ماتت، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمها)، وهذا مثل الذي قبله، والذي فيه قصة الأعمى الذي قتل الجارية التي تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خنق هذه اليهودية التي كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ماتت، فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتبر دمها هدراً. تراجم رجال إسناد حديث: (أن يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت..) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة وعبد الله بن الجراح ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وعبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مغيرة ]. هو مغيرة بن مقسم الضبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الشعبي ]. هو عامر بن شراحيل مر ذكره. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه صححه في إرواء الغليل، ثم أيضاً الحديث الذي قبله شاهد له وهو بمعناه. شرح حديث: (لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن يونس عن حميد بن هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم، ح وحدثنا هارون بن عبد الله ونصير بن الفرج قالا: حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة قال: كنت عند أبي بكر فتغيظ على رجل فاشتد عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل فأرسل إلي، فقال: ما الذي قلت آنفاً؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه، قال: أكنت فاعلاً لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه كان عنده رجل فتغيظ عليه أبو بكر رضي الله عنه، فقال له أبو برزة : ائذن لي أن أقتله، فخفف ذلك من غضبه، ودخل منزله، فدعا أبا برزة ، وقال: ماذا قلت؟ قال: قلت كذا وكذا، قال: أكنت قاتله؟، قال: نعم، قال: ما كان هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: الذي بعد الرسول ليس له إلا ينفذ ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يقتل أحداً من غير أساس، وإنما قتله يكون على أساس من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة). وهذا لا يعارض القول بأن الإمام إذا رأى أن يعزر أحداً بالقتل فإن له أن يقتله؛ لأن الإمام لا يقتله إلا إذا كان مستحقاً بأن حصل منه جرم أو ذنب يقتضي ذلك، أما إذا لم يحصل منه شيء، فإنه ليس له أن يقتله، وليس عنده ما يوجب القتل. وهذا الرجل سب أبا بكر ولكن ليس حكمه كسب النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يونس بن عبيد ]. هو يونس بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد بن هلال ]. حميد بن هلال ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وحميد بن هلال من الطبقة الثالثة من صغار التابعين فيكون الحديث مرسلاً. [ ح وحدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ ونصير بن الفرج ]. نصير بن الفرج ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قالا: حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن زريع ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن عبيد ، عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف ]. يونس بن عبيد مر ذكره، وحميد بن هلال مر ذكره وعبد الله بن مطرف صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبي برزة ]. أبو برزة رضي الله عنه صحابي، اسمه نضلة بن عبيد ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال كنت عند أبي بكر ]. وهذا يدل على أن الإسناد الأول سقط منه واسطتان هما: تابعي وصحابي، وهما عبد الله بن مطرف عن أبي برزة . وهذا كلام أبي بكر رضي الله عنه، وليس فيه شيء مرفوع إلا فيما يتعلق بقوله: (لا والله ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم) فهذا الذي يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه ليس لأحد من بعد الرسول لأنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود هذا لفظ يزيد ]. يعني: في الإسناد الثاني. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أحمد بن حنبل : أي: لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلاً إلا بإحدى الثلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفر بعد إيمان، أو زناً بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل ]. يعني: من سبه له أن يقتله وله أن يتركه. الأسئلة حكم الاستدلال بقوله: (ولا يحل دم رجل مسلم) على أن المرأة لا تدخل في الحكم) السؤال: قوله: (لا يحل دم رجل مسلم) هل هذا يمكن أن يستدل به على أن المرأة لا تقتل؟ الجواب: لا مفهوم لها، لأنه كما عرفنا مراراً وتكراراً أنه يأتي كثيراً في الأحاديث ذكر الرجال، وليس لذكرهم مفهوم، وإنما لكون الغالب أن الخطاب مع الرجال، وله نظائر كثيرة، بل أحياناً يأتي في التراجم عند أبي داود ، التعبير بالرجل، وليس المقصود الاقتصار على الرجل، وإنما ما يشمل الرجل والمرأة، ومن أمثلة الأحاديث التي فيها ذكر الرجال -وهو يشمل الرجال والنساء- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، فإن كلمة (رجل) هذه ليس لها مفهوم؛ لأن المرأة كذلك إذا كانت تصوم صوماً فهي مثل الرجل، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء)، كذلك لو وجده عند امرأة، يعني: لا فرق بين الرجال والنساء، وإنما ذكر الرجال يأتي لأن الغالب أن الخطاب مع الرجال، والنساء تبع لهم. ثم الأصل هو التساوي بين الرجال والنساء، ولا يستثنى من ذلك إلا ما دل عليه الدليل، وقد ذكرت في الفوائد المنتقاة جملة من الأمثلة التي فيها التفريق بين الرجال والنساء في الأحكام، وهذه الفائدة هي الفائدة الوحيدة التي لم أذكر لها مرجعاً ولا مصدراً؛ لأنها فوائد جمعتها في مناسبات مختلفة، يعني: في عدة مسائل متعددة، والأدلة عليها واضحة مثل النضح من بول الغلام، والغسل من بول الجارية، ومثل كون الإمام يقف عند وسط المرأة، وعند رأس الرجل في صلاة الجنازة، ومسائل عديدة جمعتها، وهي من أمثلة ذلك، وهي خارجة عن الأصل الذي هو التساوي، ولا يصار إلى التفريق إلا بدليل. موقف المرجئة من الحدود السؤال: ما هو موقف المرجئة من الحدود؟ الجواب: المرجئة عندهم لا يقام الحد على مستحقه لأنه مؤمن كامل الإيمان. يعني: الحدود عندهم ليست زواجر ولا جوابر والله أعلم؛ لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. حكم المرتد في الدول التي لا تحكم الشريعة السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، في الدول التي لا تحكم بالشريعة من يقتله؟ وهل لبعض الجماعات الإسلامية أن تقوم بقتل من ارتد؟ الجواب: لا، ليس لهم ذلك؛ لأنه لا يقيم الحدود إلا السلطان، ثم هذا الرجل الذي قد ارتد يمكن أن يتوب، فلا يجوز لأحد أن يتسرع إلى قتله، بل هذا للسلطان، وكونهم يقتلونه -يعني: يغتالونه- ليس لهم ذلك. حكم الردة بالقول أو العمل السؤال: الردة تكون بالقول والعمل والقلب، فإذا كانت بالعمل أو القول، هل يشترط أن يكون قاصداً لذلك؟ الجواب: معلوم أن الجوارح إنما هي تابعة للقلوب، كما جاء عن بعض السلف: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقة العمل، فالإنسان عندما يقول قولاً وهو واضح أنه ردة وكفر بالله عز وجل، وليس فيه شبهة، وإنما المسألة في غاية الوضوح مثل سب الله وسب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن هذا ردة عن الإسلام، ولا يعذر الإنسان إلا إذا كان سبق لسان، فيكون معذوراً؛ لأنه قد يسبق لسانه إلى شيء لا يريده، كقصة الرجل الذي قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فهذا ظاهره ردة وكفر، لكن وقع عن سبق لسان، وما أراده الرجل الذي كان في فلاة، ومعه دابته وعليها متاعه، ثم بعد ذلك نام واستيقظ وهي ليست عنده، لا دابة ولا متاع، فبقي في ظل شجرة ينتظر الموت، فنعس وقام وإذا دابته واقفة وعليها متاعه، ففرح وقال من شدة الفرح: اللهم! أنت عبدي وأنا ربك، وهو عكس ما كان يريد، فأخطأ من شدة الفرح، هذا سبق لسان، وأما الشيء المقصود والمتعمد كأن يسب الله ويسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا ردة والعياذ بالله. حكم من أقيم عليه الحد ولم يتب في الآخرة السؤال: من أقيم عليه الحد ولم يتب فهل يكون ذلك الحد جبراً من التوبة؟ الجواب: نعم، هو جبر له وإن لم يتب؛ لأنه لو تاب من كل ذنب يتاب منه فإنه يتوب الله عليه، ولكن هذا في حق من لم يتب، لأنه حصلت عقوبته في الدنيا، وأما من تاب فإن الذي يتوب من ذنب لا يعاقب عليه في الآخرة، ولكن من أذنب ذنباً وأقيم عليه الحد في الدنيا، ولم يتب من ذلك الذنب، فقد حصل جزاءً في الدنيا، ولن يعاقب عليه مرة أخرى. حال حديث: (الدنيا سبعة آلاف سنة...) السؤال: ما صحة الحديث الذي رواه ابن ماجة : (الدنيا سبعة آلاف سنة، وبعث في الألف الأخيرة)؟ الجواب: ما ثبت في هذا شيء. حكم قتل الرجل تعزيراً السؤال: هل يقتل الرجل في غير حد أي: تعزيراً؟ الجواب: نعم يمكن، إذا رأى الإمام أن قتل الإنسان تعزيراً يكون فيه مصلحة وفائدة، مثل ما جاء في شارب الخمر فإن قتله في الرابعة هو تعزير وليس حداً. حكم الاستعاذة عند التثاؤب السؤال: ما هو حكم الاستعاذة عند التثاؤب؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على ذلك، ولكن جاء في الحديث أن التثاؤب من الشيطان، فالإنسان إذا تعوذ بالله من الشيطان على اعتبار أن التثاؤب من الشيطان، ولم يعتقد أن في ذلك سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليس فيه بأس، ولكن كونه يعتقد أن هذه سنة أو يقول: إن الإنسان يشرع له عند التثاؤب أن يقول كذا وكذا، فهذا غير صحيح، ولكن كونه يتذكر بأن التثاؤب من الشيطان فيتعوذ بالله من الشيطان بسبب ذلك دون أن يعتقد أن هذه سنة لا بأس بذلك. حكم الصلاة على النبي عند شم الرائحة الطيبة السؤال: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند شم الرائحة الطيبة؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل عليه، لكن الرسول كان يحب الطيب، فالإنسان الذي يصلي على النبي من أجل أنه كان يحب الطيب، وتذكر النبي صلى الله عليه وسلم وصلى عليه فلا بأس بذلك، لكن كونه يعتقد أنه عند شم الطيب يشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليس هناك ما يدل على هذا. حكم الحمد عند الجشاء السؤال: ما حكم الحمد عند التجشؤ؟ الجواب: لا يوجد شيء يدل عليه، لكن كون الإنسان يحمد الله على كل حال، وأن هذا الشبع الذي حصل له من نعمة الله عز وجل لا بأس بذلك، لكن كونه يعتقد أن هذا أمر مشروع في هذه المناسبة، فليس هناك شيء يدل عليه فيما أعلم. معنى قوله في الحديث: (فوقع بين رجليها طفل) السؤال: قوله: (فوقع بين رجليها طفل) ألا يدل على أنها كانت حاملاً؟ الجواب: لا يدل على ذلك؛ لأن كونه وقع بين رجليها، يعني: سقط بين رجليها، كأنه رآها بهذه الحال، فجاء يبكي وسقط بين رجليها. حكم من سمع رجلاً يسب الرسول فقتله في الحال السؤال: هل في هذا دليل على أن المرتد أو ساب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتله من سمعه؟ الجواب: لا. ليس له قتله؛ لأن القتل هو للإمام، لكن لو وقع فإن الدم هدر، وليس فيه قصاص. الفرق بين إجارة الكافر والمرتد السؤال: هل يفرق في الإجارة بين الكافر والمرتد؟ الجواب: من كفر مرتداً بعد إسلامه هو أشد من الكافر الأصلي. حكم اغتيالات أئمة الكفر السؤال: هل في حديث الأعمى دليل على جواز اغتيالات أئمة الكفر كما فعل بكعب بن الأشرف ؟ الجواب: إذا كان سيترتب على ذلك أضرار بالمسلمين فليس هناك مصلحة في الإقدام على هذه الأعمال. حكم استتابة ساب الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال: هل يستتاب ساب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: نعم يستتاب. حكم من طلب الولاية من أجل الدعوة إلى الله السؤال: هل للإنسان أن يطلب لنفسه ولاية أمر حتى يدعو إلى الله تبارك وتعالى؟ الجواب: يسأل الله عز وجل أن يوفقه لما فيه خير الدنيا والآخرة، ولا يسأل ولاية أو يتمنى ولاية، وإنما يسأل الله عز وجل أن يوفقه لما فيه سعادة الدنيا والآخرة ونفع المسلمين؛ لأن الإنسان لا يدري ماذا سيكون حاله إذا حصلت له الولاية، فقد يتغير وقد يحصل له ضرر بسبب الولاية. فلا يقوم بالواجب، والشيء الذي كان يريده قد لا يهتم به، أو لا يحسب له حساباً بعدما يصل للولاية. حكم من سأل مناصب دينية السؤال: ما حكم من سأل مناصب دينية كالإمامة أو الأذان أو التدريس؟ الجواب: هذا ما فيه بأس؛ لأن هذه أمور طيبة، ولا بد للناس منها، والإنسان إذا قصد من كونه يصير مؤذناً أن يكون محافظاً على الصلاة ولا تفوته الصلاة، وكونه يتمكن من حفظ القرآن وإثبات محفوظه؛ فهذه كلها مقاصد طيبة. كذلك كونه يطلب التدريس ليقوم بإيصال الحق وإرشاد الناس إلى الخير فهذا من المقاصد الطيبة. حكم من وقف بعض ماله في نيته فقط السؤال: شخص نوى أن يوقف بعض ماله وكذلك كتبه، لكن لم يثبت ذلك في المحكمة، فهل هذا الوقف يعتبر وقفاً شرعياً؟ الجواب: مجرد النية لا يثبت بها شيء، ولكنه لا يتوقف الأمر على المحكمة، ولو كتب أو أشهد على أن هذا وقف، فإنه يكون بذلك وقفاً، وأما مجرد أن يكون ذلك في قلبه ونيته فهذا لا يثبت، فمن نوى أن يفعل شيئاً ولم يفعله فلا يعتبر، ومجرد النية لا يترتب عليها شيء. حكم من قال: لم يحلق الرسول لحيته لعدم وجود الموسى السؤال: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلق لحيته؛ لعدم وجود الموس، بينما نحن نجده في زماننا، فهل يعتبر هذا ساباً للرسول؟ الجواب: سبحان الله! هذا ليس من كلام العقلاء، هذا من كلام المجانين، فقد كان الناس يحلقون عند المروة وعند الجمرة بالموسى. فهذا الكلام فيه سفه، أقول: هذا سفه وإضافة شيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيفعل كذا وكذا، يعني: تقويله ما لم يقله، وهو كذب عليه."
__________________
|
#815
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [493] الحلقة (524) شرح سنن أبي داود [493] لقد أنزل الله عز وجل آيات مبينات في حق كل من تمرد عن طاعته وارتد عن دينه، وسفك دماء المسلمين، وأخذ حقوقهم بالقوة والعنف، وهم المحاربون الذين خلعوا يداً من طاعة، وأخذوا حقوق الناس عنوة، فهؤلاء جزاؤهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، وإن أخذوا المال خفية فإنه لا تنفذ عليهم أحكام الحرابة، وإنما يقام عليهم حد السرقة فتقطع أيديهم. ما جاء في المحاربة شرح حديث قتل العرنيين حرابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في المحاربة. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك : (أن قوماً من عكل أو قال: من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم من أول النهار، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون). قال أبو قلابة : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المحاربة ] والمقصود بالمحاربة: إخافة الناس والاعتداء عليهم جهراً وعلانية، وهو يخالف السرقة، لأن السرقة فيها خفاء، وعدم بروز وظهور، وأما هذا ففيه ظهور وبروز وإظهار قوة وبطش، وقد يترتب على ذلك قتل، وقد يترتب على ذلك أخذ مال، وقد يترتب على ذلك الإخافة والذعر وعدم أمن الناس على أنفسهم وأموالهم، فجاءت هذه الشريعة ببيان أحكام ذلك كما جاءت ببيان أحكام السرقة، وهو: ما يكون في الخفاء. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في قصة العرنيين، الذين قدموا إلى المدينة واجتووها يعني: أصابهم فيها وباء، فسقمت بطونهم، واصفرت ألوانهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة، ويشربون من ألبانها وأبوالها، ففعلوا ذلك حتى صحوا، يعني: ذهب ما بهم من المرض وحصلت لهم الصحة والعافية، وحسنت أجسامهم وألوانهم، ولكنهم قابلوا هذا الإحسان إليهم بالإساءة، فقتلوا الراعي واستاقوا النعم، يعني: ذهبوا بالإبل التي كان يرعاها، فبلغ خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول النهار، فأرسل في طلبهم، فأتي بهم بعدما ارتفع النهار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع أيديهم وأرجلهم، وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا. والذي حصل منهم أولاً: أنهم ارتدوا وقتلوا وسرقوا، يعني: جمعوا بين هذه الخصال الثلاث، وقد جاءت، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم مثل الذي فعلوا بالراعي فعاقبهم، ونزلت بعد ذلك آية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ .. [المائدة:33] الآية. قوله: [ عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن قوماً من عكل أو قال: من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. قال: هم من عكل وهي قبيلة، أو عرينة وهي قبيلة، وقيل هم من عكل وعرينة، لأنهم مختلطون، وفيهم من هو من هذه القبيلة، وفيهم من هو من هذه القبيلة، وفي بعض الروايات: أنهم ثلاثة من عكل وأربعة من عرينة، أي: أنهم مختلطون. قوله: [ (قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة) ]. يعني: أصابهم الجواء وهو: الوباء والضرر الذي حصل لهم فيها، فاصفرت ألوانهم وسقمت بطونهم. قوله: [ (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح) ]. وهي: الإبل التي فيها در، فأمرهم بأن يذهبوا إلى إبل الصدقة وهي ترعى في البر ومعها راع يقوم برعايتها ورعيها، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، وفي هذا دليل على أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر، وليس بنجس، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بأن يشربوا من الأبوال والألبان، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يرشدهم إلى أن يتداووا بنجاسة، وهذا من الأدلة التي يستدل بها من قال بطهارة أبوال وأرواث ما يؤكل لحمه، ويستدلون لذلك أيضاً بقصة ركوب النبي عليه الصلاة والسلام وطوافه على بعير، ولا يؤمن البعير أن يبول وأن يحصل منه الروث وأن يصيب الأرض من ذلك، فهو دائماً على طهارته، لأن تعريض المسجد للنجاسة غير سائغ، فلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عرف أن بول ما يؤكل لحمه ليس بنجس. قوله: [ (وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها) ] وهذا فيه علاج وغذاء فيما يتعلق بالألبان، وكذلك هو علاج فيما يتعلق بالأبوال، ففعلوا ذلك، وفي هذا دليل على أن ابن السبيل له أن يستفيد من مثل هذه الإبل التي هي من إبل الصدقة، وقد جاء في القرآن أن من مصارف الصدقات ابن السبيل قال تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] فإعطاء اللبان لمن يكون ابن سبيل ذلك سائغ، كما أن إعطاء ذوات الأنعام؛ كالإبل والبقر والغنم لمن هم من أهل الزكاة ومن جملتهم ابن السبيل هذا هو الذي يدل عليه القرآن، والسنة دلت على إعطاء الألبان لمن كان ابن سبيل، وكذلك لمن كان محتاجاً إليها لاستشفائه، ولحصول المرض الذي حصل له، وعلاجه يكون بألبانها وأبوالها. قوله: [ (فلما صحوا)] يعني: حصلت لهم الصحة، وذهب المرض، وحسنت الأجسام، وذهب اصفرارها. قوله: [ (قتلوا الراعي، واستاقوا النعم) ]، يعني: ذاهبين بها وهاربين، فبلغ خبرهم إلى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فأرسل في طلبهم، وكان بلوغ الخبر في أول النهار، فذهب بعض الشجعان الفرسان، وأتوا بهم بعدما ارتفع النهار في وقت قصير، وكأن الخبر حصل في وقت قريب، والمسافة أيضاً ليست بعيدة، وقد ذهبوا هاربين شاردين بها، فأتي بهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام بعدما ارتفع النهار. قوله: [ (فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستاقوا النعم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم من أول النهار، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون) ]. قيل: إن المقصود بأنه سمر أعينهم بمسامير من حديد، يعني: تفقأ بها عيونهم، وذلك أنهم فقئوا عيني الراعي، ومثلوا به هذا التمثيل، ففعل بهم كما فعلوا بالراعي، وهذا يدل على أن القتل يكون على هيئة القتل في القصاص، بمعنى: أنه إذا قتل بطريقة ما فإنه يقتل بتلك الطريقة، إلا إذا كانت الطريقة فيها أمر منكر لا يسوغ فعله، فإنه لا يقتل بالطريقة المحرمة التي لا يجوز الإقدام عليها في أي حال من الأحوال، ومن أمثلة ذلك قصة الجارية التي رض اليهودي رأسها بين حجرين، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يفعل باليهودي مثل ما فعل بها، حيث إن الذي قتلها هو من اليهود وقد رض رأسها بين حجرين، فإن القتل يكون على الهيئة التي يكون عليها القتل من الجاني، وهذا هو الذي يدل عليه لفظ القصاص، والله تعالى يقول: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ [البقرة:179]؛ لأن لفظ القصاص يشعر بالمقاصة، وأنه يكون على الهيئة التي حصل بها القتل، فإذا كان بتمثيل فإنه يعمل به كما عمل بغيره، ويجازى عند العقوبة كما فعل هو بغيره: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، وجاء في بعض الألفاظ: (سمر)، وفي بعض الألفاظ: (سمل أعينهم)، قيل: فقأها، وقيل: سمرها بالمخراز أو الإبر التي أحميت في النار، ثم وضعت على العيون حتى تفقأت. قوله: [ قال أبو قلابة : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله]. قال أبو قلابة وهو أحد الرواة: (فهؤلاء قوم كفروا) يعني: ارتدوا عن الإسلام، وسرقوا، وقتلوا، وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره، وهذا سند رباعي، لأن الثلاثة الذين فيه في طبقة واحدة، وهم قتادة و حميد و ثابت ، وكلهم يروي عنهم حماد بن سلمة ، وكلهم يروي عن أنس بن مالك ، إذاً: هذا إسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن أيوب بإسناده بهذا الحديث قال فيه: (فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وفيه: (أنه أمر بمسامير فأحميت، فكحل بها أعينهم) يعني: وضعها على أعينهم كهيئة ميل الكحل حتى ذهبت أعينهم، وهذا جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]، لأنهم فعلوا بالراعي هذا الفعل. قوله: [ (فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم) ]. يعني: ما حسم موضع القطع؛ لأن المقصود هو الهلاك، وليس المقصود الحياة، أما فيما يتعلق بقطع اليد فإنها تحسم؛ لأن المطلوب هو قطع اليد، وليس المقصود إماتة السارق بقطع يده، وإنما المقصود: قطع هذا العضو الذي حصل به السرقة، فلا يترك الدم ينزف حتى يموت، أو يحصل له ضرر بالغ بسبب خروج دمه، بل يحسم وذلك بأن توضع يده في زيت أو في شيء، ليتقلص مكان خروج الدم، يعني: من العروق بحيث تسدد تلك المنافذ التي يجري منها الدم بسبب وضع اليد في زيت حار أو في ماء حار، فيحصل به تقلص تلك العروق وانسدادها ووقف النزف، أما هؤلاء المحاربون فيراد قتلهم كما قتلوا الراعي. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثانية قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب بإسناده]. وقد مر ذكره، بإسناده المتقدم. شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان قال: أخبرنا ح وحدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - عن أبي قلابة عن أنس بن مالك بهذا الحديث قال فيه: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا .. [المائدة:33] الآية ]). أورد أبو داود حديث أنس بن مالك من طريق أخرى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل في طلبهم قافة، والقافة: هم الذين يعرفون الآثار، فالأول أرسل في طلبهم، والذين أرسلوا لم يذكر اختصاصهم، وأنهم من صنف معين، وفي هذه الرواية بيان أنهم قافة، وهم الذين يعرفون الآثار، وهذا دليل على استعمال القافة، وأن ذلك سائغ، وقد جاء في ذلك أحاديث، ومنها قصة مجزز المدلجي الذي جاء في الصحيحين، وأنه رأى أسامة بن زيد وأباه في لحاف وقد بانت أرجلهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وذلك أن كل واحد منهما لونه يختلف عن الآخر، فالرسول عليه الصلاة والسلام فرح بقول هذا القائف الذي رأى الأقدام، وقال: إن بعضها من بعض، فالحديث الذي معنا ومع هذا الحديث وغيره من الأحاديث فيه دليل على الأخذ بالقافة، وعلى الاستفادة منهم فيما أقدرهم الله عز وجل عليه من معرفة الآثار. قوله: [ قال: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأتي بهم، قال فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا.. [المائدة:33] الآية) ]. أنزل الله عز وجل هذه الآية: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المائدة:33]، وهذه الآية الكريمة فيها حكم المحاربة, وبعض أهل العلم قال: إنما هي للتخيير، وأن هذا يرجع إلى الإمام، وأنه يفعل الذي يرى فيه المصلحة، فإذا رأى القتل قتل، وإذا رأى القطع قطع، وإذا رأى النفي نفى، وإذا رأى الصلب صلب، فالأمر يرجع إلى اختيار الإمام فيختار ما فيه الأصلح. ومن العلماء من قال: إن هذا يرجع إلى أحوالهم وما يجري منهم، فإذا كانوا قتلوا ولم يأخذوا مالاً قتلوا، وإذا كانوا قتلوا وأخذوا مالاً قتلوا وصلبوا, وإذا كانوا أخذوا مالاً ولم يقتلوا فإنهم تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا لم يحصل منهم شيء من ذلك وإنما حصل منهم إخافة فإنهم ينفون من الأرض. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ]. محمد بن الصباح بن سفيان صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: أخبرنا ح وحدثنا عمرو بن عثمان ]. عمرو بن عثمان هو الحمصي ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الوليد ]. وهنا أتى بحاء التحويل من أجل الصيغة التي أتى بها كل من الشيخين لأبي داود ، لأن الأول قال: أخبرنا، والثاني قال: حدثنا، والكل يروي عن الوليد بن مسلم ، وهذا يدل على عناية المحدثين الفائقة في الرواية واهتمامهم بألفاظ الرواة، فإن هذا التحويل إنما أتى من أجل الصيغة فقط، وليس من أجل أن فيه عدة أشخاص، وإنما هو شخص واحد عن شيخين، إلا أن واحداً من الشيخين عبر بأخبرنا وهو الشيخ الأول، والشيخ الثاني عبر بحدثنا، وقد اشتركا في الرواية عن الوليد . ثم كثير من العلماء لا يميزون بين: (حدثنا) و(أخبرنا)، فيأتون بها في الرواية سواء فيما سمع من الشيخ أو فيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، ومن العلماء من يجعل (حدثنا) فيما سمع من لفظ الشيخ، و(أخبرنا) فيما قرئ على الشيخ، وذلك التلميذ يسمع، لكن بعض العلماء يستعمل هذه مكان هذه، وهذه مكان هذه، ولكن كما أشرت: إن هذا التحويل يدل على العناية الفائقة التي يكون عليها المحدثون والأئمة الذين يؤلفون كما صنع أبو داود رحمه الله في ذكر التحويل من أجل أن أحد الشيخين عبر بأخبرنا والشيخ الثاني عبر بحدثنا. والوليد هو: الوليد بن مسلم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو ، وهو ثقة فقيه، وهو فقيه الشام ومحدثها، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى -يعني ابن أبي كثير - ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة عن أنس ]. أبو قلابة و أنس قد مر ذكرهما. شرح حديث قتل العرنيين حرابة من طريق رابعة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت و قتادة و حميد عن أنس بن مالك ذكر هذا الحديث قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشاً حتى ماتوا ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة أن أنساً قال: (رأيت أحدهم يكدم الأرض)، يعني: يعض الحصى من العطش، (حتى ماتوا) يعني: ولم يسقوا ولم يطعموا؛ لأنهم عوقبوا بمثل ما حصل منهم للراعي، والمراد هو: إماتتهم والقضاء عليهم، ولكن بهذه الطريقة التي فعلوها مع الراعي، فجوزوا بنظير ما فعلوا قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]. تراجم رجال إسناد حديث قتل العرنيين حرابة من طريق رابعة قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ أخبرنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره، وهذا سند رباعي، لأن الثلاثة الذين فيه في طبقة واحدة، وهم قتادة و حميد و ثابت ، وكلهم يروي عنهم حماد بن سلمة ، وكلهم يروي عن أنس بن مالك ، إذاً: هذا إسناد رباعي وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود . طرق أخرى لحديث قتل العرنيين حرابة وفيها بعض الاختلاف في الألفاظ، وتراجم رجال الإسناد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام عن قتادة عن أنس بن مالك بهذا الحديث نحوه، زاد: ثم نهي عن المثلة ولم يذكر (من خلاف). ورواه شعبة عن قتادة و سلام بن مسكين عن ثابت جميعاً عن أنس لم يذكرا: (من خلاف) ولم أجد في حديث أحد: (قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) إلا في حديث حماد بن سلمة ]. أورد أبو داود طرقاً أخرى، وفيها ذكر بعض الاختلاف في ألفاظ الرواة، بعضهم قال كذا وبعضهم قال كذا. قوله: [ (نهي عن المثلة) ] وهي تقطيع شيء من المقتول وتشويه منظره، وهذا لا يجوز، لكن إذا كان على سبيل القصاص فإن ذلك سائغ؛ لأنه يفعل به كما فعل بغيره، فإذا حصل منه قتل وتمثيل فيقتل بالطريقة التي فعل قال تعالى: جَزَاءً وِفَاقًا [النبأ:26]. قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. محمد بن بشار هو الملقب: بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام ]. هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة عن أنس ]. قتادة و أنس قد مر ذكرهما. [ ورواه شعبة عن قتادة ]. شعبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سلام بن مسكين عن ثابت جميعاً]. سلام بن مسكين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . شرح حديث: (أن ناساً أغاروا على إبل النبي فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الزناد عن عبد الله بن عبيد الله قال أحمد : هو -يعني- عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب عن ابن عمر : (أن أناساً أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة)، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (إن أناساً أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم). قوله: [ (فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام) ]. أي: أخذوها وهربوا بها، وارتدوا عن الإسلام، يعني: أنهم كانوا جاءوا مسلمين ثم ارتدوا، يعني: كفروا بعد إسلامهم، فجمعوا بين هذه الخصال الذميمة، وهي الردة والقتل والعدوان. قوله: [ (وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة)، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله ]. هذا مثل ما جاء في حديث أنس رضي الله عنه، وهؤلاء هم الذين أخبر بهم أنس بن مالك الحجاج لما سأله عن أغلظ عقوبة حصلت من النبي صلى الله عليه وسلم، فحدث بهذا الحديث، وجاء أنه ندم على إخباره بذلك؛ لأن الحجاج سيتخذه ذريعة إلى البطش؛ لأنه كان جائراً وظالماً، فندم على كونه أخبره بذلك. تراجم رجال إسناد حديث: (أن ناساً أغاروا على إبل النبي فاستاقوها وارتدوا عن الإسلام..) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الله بن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عمرو ]. هو ابن الحارث المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن أبي هلال ]. هو سعيد بن أبي هلال المصري ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عبيد الله قال أحمد : هو -يعني-: عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ]. عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن الزبير ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، وكلهم من صغار الصحابة وأبناء صحابة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن رسول الله لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عن محمد بن العجلان عن أبي الزناد : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار، عاتبه الله تعالى في ذلك، فأنزل الله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا .. [المائدة:33] الآية) ]. أورد أبو داود هذا الحديث المرسل أو المعضل، لأن أبا الزناد -وهو معروف بالرواية عن الأعرج عن أبي هريرة- أضاف ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرسل أو معضل. وأبو الزناد هو من الطبقة الخامسة التي هي طبقة صغار التابعين، يعني: من طبقة الأعمش و الزهري و قتادة ، وذكر هنا أنه لما حصل منه ما حصل للذين استاقوا الإبل وسملوا أعين الراعي عاتبه الله فأنزل الآية، فهو ذكر المعاتبة في هذه الطريقة، وأما قضية إنزال آية المحاربة فقد مر في الأحاديث الصحيحة ما يدل على ذلك، وأما ذكر العتاب فهذا هو الذي جاء من هذه الطريق التي فيها الانقطاع، وهو غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله...) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد ]. ابن وهب مر ذكره، والليث بن سعد هو المصري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الزناد ]. أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر محمد بن سيرين في قصة العرنيين، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن قتادة عن محمد بن سيرين قال: كان هذا قبل أن تنزل الحدود يعني: حديث أنس ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن محمد بن سيرين قال: هذا كان قبل أن تنزل الحدود، يعني: هذا الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة العرنيين كان قبل أن تنزل الحدود. قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرنا ح وحدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا همام ]. هذا الحديث مثل الذي قبله من حيث تحويل السند بعد ذكر شيخه الأول وبعد ذكر الصيغة، لأن الأول عبر بأخبرنا، والثاني عبر بحدثنا، مثل الذي مر في الحديث السابق. [ عن همام عن قتادة ]. همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقتادة مر ذكره. [ عن محمد بن سيرين ]. محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال: كان هذا قبل أن تنزل الحدود ]. يعني: التفاصيل الواردة فيما يتعلق بالحرابة. ولعله يقصد أن هذا قبل أن تأتي التفاصيل التي فيها ذكر ما يتعلق بالقصاص والسرقة. لكن هذا حد خاص بالحرابة، وليس له علاقة بالحدود، يعني: سواء نزلت قبل أو نزلت بعد فهذا شيء آخر. شرح حديث ابن عباس في سبب نزول آيات الحرابة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ.. [المائدة:33] إلى قوله: .. غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34] نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس أن هذه الآية نزلت في المشركين، وهي في المشركين وكذلك تشمل المسلمين الذين يحصل منهم قطع الطريق، وإيذاء الناس، والاعتداء عليهم في أموالهم علناً، ولكن الذي يبين ويوضح أنها في المشركين، قوله في آخر الآية: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33] ومعلوم أن الحدود إذا أقيمت على المسلمين فهي كفارات، وأما بالنسبة للمشركين فإنهم إذا تابوا يتوب الله عليهم وكل شيء يغفره الله عز وجل قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، وهم الذين لهم الخزي في الدنيا ولهم العذاب العظيم في الآخرة إذا أقيم عليهم ذلك الحد؛ لأن الحدود لا تكفر عن المشركين شيئاً؛ لأنه ما دام الشرك موجوداً فلا بد من دخول النار، ولا بد من الخلود فيها، ولكن المسلم هو الذي تكفر الحدود ذنبه، ولا يؤاخذ عليه في الآخرة، وأما الكفار فيؤاخذون في الدنيا والآخرة ما دام أنهم باقون على الشرك؛ لأنهم حصلوا عقاباً في الدنيا وهذا خزي، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، أما المسلمون فلهم خزي في الدنيا، ولكن هذا الحد الذي أقيم عليهم هو كفارة لهم، ولا يؤاخذون عليه في الآخرة؛ لأنه جاء في حديث عبادة بن الصامت : (أن الحدود كفارات) وهذا إنما هو في حق المسلمين. فإذاً: هذا الذي جاء عن ابن عباس يوضح معنى قوله: (( وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))، وفي حق المسلمين إذا لم يحصل توبة، وحصل إصرار على ذلك الشيء فإن أمره إلى الله عز وجل في الآخرة إذا لم يتب، وأما الكافر فإنه لا بد من عقوبة له في الآخرة، ولا بد من خلوده في النار، وأنه لا يمكن أن يخرج منها في حال من الأحوال. فإذاً: هذا الأثر عن ابن عباس يبين معنى قوله: (( وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))؛ لأن هذا إنما يكون واضحاً في حق المشركين. قوله: [ نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه ]. يعني: إذا كان يتعلق بحقوق الناس، لأن الإسلام يهدم ما كان قبله فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل، وأما إذا كان الكافر أسلم وهو عنده حقوق للناس، وقد اعتدى عليهم وهم يطالبون بحقوقهم فإن ذلك لا يمنع من إقامة الحد عليه، ومن أخذ الحق منه وإيصاله إلى من يستحقه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في سبب نزول آيات الحرابة قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي المشهور بابن شبويه ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا علي بن حسين ]. هو علي بن حسين بن واقد ، وهو صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. يزيد النحوي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#816
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [494] الحلقة (525) شرح سنن أبي داود [494] جاء الإسلام بالعدل في الثواب والعقاب بين الشريف والوضيع فالكل تحت مظلة الإسلام لا فرق بينهم، من أتى حداً من حدود الله تعالى أقيم عليه الحد ولو كان أشرف الشرفاء أو أغنى الأغنياء لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا شريف ولا وضيع إلا بالتقوى. ما جاء في الحد يشفع فيه شرح حديث: (...أتشفع في حد من حدود الله؟...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الحد يشفع فيه. حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها؟ يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب النبي صلى الله عليه وسلم؟! فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة ! أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [باب في الحد يشفع فيه]. يعني: حكم ذلك، وهو أنه لا يجوز إذا بلغ السلطان، وأما إذا كان لم يبلغ السلطان فإنه لا بأس بذلك، والمنع إنما هو فيما إذا بلغ السلطان، فإنه لا تجوز الشفاعة فيه. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المخزومية، وأن قريشاً همهم شأنها؛ لأن بني مخزوم قبيلة مشهورة، ولها منزلة وشرف عند الناس، فهم أهمهم كون امرأة تسرق منهم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا جنى وحصل منه شيء فإنه يؤثر على من ينسب إليه، وعلى من هو منه، وأن هذا يعتبر فيه نسبة إلى تلك القبيلة، ولهذا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يشفع لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: محبوبه، والحب: هو المحبوب، فكلمه أسامة في ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) وهذا استفهام إنكار، ثم قال: (إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وهنا قوله: (الشريف) معنى هذا أن الشفاعة من أجل أنها شريفة، وأن قبيلتها لها شرف ومنزلة، ومن أجل ذلك أهمهم وطلبوا الشفاعة حتى لا يقام الحد ويكون في ذلك سبة على هذه القبيلة، ومعلوم أن الجاني لا تحمل وزره القبيلة قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، وأن من يكون لهم شرف أو منزلة فقد يحصل فيهم من يكون ساقطاً أو يكون عنده شيء من الخطأ أو الخلال، والمخزومية حصل منها هذه السرقة كما يحصل من سائر الناس، ولكن الذي أهمهم كونها شريفة، ولكن جناية الجاني لا تتعداه إلى غيره، وإن كان ذلك قد يؤثر على الناس من جهة أنهم لا يحبون أن ينسب إليهم من يكون سارقاً أو يكون فيه صفات ذميمة، وإن كان من الناس من قد يحصل منه ذلك ولو كان أهله من أحسن وأفضل وأشرف الناس. قوله: [ (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها يعني: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قالوا: ومن يجترئ إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ]. إن الناس الذين يكون فيهم شرف، ولهم منزلة ومكانة قد يحصل من أحد منهم شيء من الأشياء التي قد يستصعبون نسبتها إليهم، وأنه قد يكون فيهم ساقط، لكن بالنسبة لهذه المرأة التي هي المخزومية لا يقال عنها: إنها ساقطة، ولكن نقول في الجملة: إن من الناس من يكون فيهم شرف وقد يحصل من أحدهم هذا الفعل، وأما بالنسبة للصحابة إذا حصل من أحدهم شيء وأقيم عليه الحد كان كفارة له، وكذلك غيرهم، ولكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يذموا ويعابوا وأن ينسب إليهم شيء لا يليق، ومن أقيم عليه الحد كان كفارة له، وقد حصل له الشرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولو حصل منه ذنب وأقيم عليه الحد فإنه يكون كفارة له، وإن لم يقم عليه الحد وستره الله عز وجل فإن أمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء عفا عنه وتجاوز، وإن شاء عذبه، وهذا في كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: [ ومن يجترئ ]، يعني: كونه يتقدم ليشفع إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فأنكر عليه وقال: (أتشفع في حد من حدود الله؟!) ثم خطب الناس وبين لهم هذا الحكم، وأن الأمم السابقة كان من أسباب هلاكهم: (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، ثم ضرب مثلاً بابنته فاطمة التي هي سيدة نساء أهل الجنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي بضعة منه فقال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رغم أن لها ذلك الشرف العظيم، وهو نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكونها ابنته، فلو حصل منها ذلك فإن الحكم واحد، ولا فرق بين شريف ووضيع. تراجم رجال إسناد حديث: (...أتشفع في حد من حدود الله؟...) قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ]. يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: حدثني ح وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي ]. قتيبة بن سعيد الثقفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و(حدثنا) هنا عامل التحويل بين الإسنادين، والصيغة واحدة وهي صيغة التحديث إلا أن الفرق أن الأول أتى بضمير الإفراد، والثاني أتى بضمير الجمع، ففي الأول قال: حدثني، وفي الثاني قال: حدثنا، قالوا: والفرق بين التعبيرين أن الراوي إذا حدثه الشيخ وحده عبر بقول: حدثني، وإما إذا حدثه ومعه غيره عبر بحدثنا، يعني: هو وغيره، ولم يحدثه وحده، والفرق هنا ليس كالذي مر بين أخبرنا وحدثنا، وهذا كما ذكرت من دقة المحدثين وعنايتهم بذكر ألفاظ الرواة على هيئتها وكيفيتها سواء كان للفرق بين كلمتين كحدثنا وأخبرنا، أو للضمير، وإن كانت الكلمة واحدة وهي حدثنا وحدثني. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري مر ذكره. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير بن العوام ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (.. أتشفع في حد من حدود الله؟..) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم و محمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث الليث قال: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وأنها كانت تستعير المتاع وتجحده، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يدها، والحديث الأول ذكر السرقة، ولعلها كانت جمعت بين الأمرين. تراجم رجال إسناد حديث: (.. أتشفع في حد من حدود الله؟..) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن يحيى ]. هو محمد بن يحيى الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. الزهري و عروة و عائشة قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. طرق أخرى لحديث: (أتشفع في حد من حدود الله) وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : روى ابن وهب هذا الحديث عن يونس عن الزهري وقال فيه كما قال الليث : إن امرأة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ]. وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه ذكر السرقة، وأن ذلك في غزوة الفتح يعني: عام الفتح. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناده فقال: استعارت امرأة ]. يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وروى مسعود بن الأسود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال: سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. وروي هذا الحديث معلقاً وهو عن مسعود بن الأسود الصحابي رضي الله عنه أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. و[ مسعود بن الأسود صحابي أخرج له ابن ماجة ، وهنا ما ذكر أبو داود أنه معلق وليس متصلاً؛ لأنه ليس له ذكر عند أبي داود في المتصلات، وإنما هو في المعلقات. [ قال أبو داود ورواه أبو الزبير عن جابر : (أن امرأة سرقت فعاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ]. ذكر طريقاً أخرى عن أبي الزبير ، وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي، وأنها سرقت واستعاذت بزينب يعني: طلبت منها أن تعيذها وأن تكون عوناً لها على التخلص من مغبة ما حصل لها. شرح حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا جعفر بن مسافر و محمد بن سليمان الأنباري قالا: أخبرنا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن محمد بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) وهذا يدل على أن الحدود لا يشفع فيها، وأنه لابد أن ينفذ الحد إذا بلغ السلطان، وأما العثرات التي ليس فيها حدود وكان الشخص الذي حصل منه ذلك ليس له سوابق، أو أنه معروف بالسلامة والصلاح ولكنه حصل منه خطأ عارض فإنه يمكن مسامحته وإقالة عثرته، وأما من كان معروفاً بالتساهل في هذه الأمور التي ليس فيها حد ولكن فيها تعزير، فإن هذا يردع بما يمنعه حتى لا يعود، وأما إذا حصل ممن له منزلة ومكانة وهو معروف بالصلاح، وهو غير متكرر منه، فإنه تقال عثرته، وهذا هو مقتضى هذا الحديث، وهو يدل على أن غير الحدود ليست كالحدود، وأنه يمكن أن يشفع فيها ويمكن أن يعفى عنها في حق من يكون كذلك من ذوي الهيئات. تراجم رجال إسناد حديث: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) قوله: [ حدثنا جعفر بن مسافر ]. جعفر بن مسافر صدوق ربما أخطأ، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و محمد بن سليمان الأنباري ]. محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود . [ قال: أخبرنا ابن أبي فديك ]. هو محمد بن إسماعيل بن مسلم ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ]. عبد الملك بن زيد ذكره أحد الرواة، وهو محمد بن سليمان وقال: عبد الملك بن زيد ، ووقف عندها، أما جعفر الذي هو الشيخ الأول فنسبه إلى جده وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل الذي هو أحد المبشرين بالجنة. و عبد الملك بن زيد قال عنه النسائي : لا بأس به، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن محمد بن أبي بكر ]. هو محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها. الأسئلة حكم من به مرض نفسي السؤال: هل المريض مرضاً نفسياً يعتبر مرفوعاً عنه القلم؟ الجواب: القلم مرفوع عمن يغيب عقله، وأما من كان عقله حاضراً وعنده اكتئاب وأمراض نفسيه فهذا لا يكون مرفوعاً عنه القلم، وإنما يرفع القلم عن فاقد العقل، كما جاء في الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ). كيفية قضاء الصلوات الفائتة في عمر العبد السؤال: ما هي كيفية قضاء الصلوات المكتوبة الفائتة في العمر السابق؟ ومتى؟ وهل تكون بنية جهرية بين العبد وربه؟ الجواب: إذا كان الإنسان تاركاً للصلاة فيما مضى من حياته فيتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً، والتوبة تجب ما قبلها، ويحرص في المستقبل على أن يستقيم، وأن يلتزم بالطاعة، والبعد عن المعصية، ومن تاب تاب الله عليه، والإنسان إذا كان عليه شيء من الصلاة فبعض أهل العلم يقول: إنه كافر، والشيء الذي يحصل في الكفر لا يقضى، وإنما يتوب منه، ومن تاب تاب الله عليه. ما جاء في العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان شرح حديث: (تعافوا الحدود فيما بينكم..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان. حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: سمعت ابن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) ]. أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: [ باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان ]. أي: أن التسامح في الحدود والأعراض هذا قبل أن تصل إلى السلطان سائغ، وأن المحظور والممنوع فيما إذا بلغت السلطان، فإنه ليس لأحد أن يعفو بعد بلوغ السلطان, وليس لأحد أن يشفع، وليس للسلطان أن يعفو، بل الواجب هو إقامة الحدود، وقبل بلوغها السلطان يمكن المسامحة، ويمكن الإعراض عنها وعدم المطالبة بها إلا إذا أراد الإنسان الذي حصلت له الجناية أو عليه الجناية، وأما إذا بلغت السلطان فإنه ليس هناك إلا التنفيذ. وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) أي: هذا أمر لغير الولاة، وهو للجاني والمجني عليه، فالتسامح والتعافي يكون فيما بينهم قبل أن تبلغ السلطان، فإذا وصلت إلى السلطان فإنه لا مجال لعفو صاحب المجني عليه، ولا مجال للشفاعة أيضاً في ترك الحد، وليس للسلطان أن يترك ذلك بعد ثبوته، وإنما عليه أن يقيم الحد، ولهذا قال: (ما بلغني من حد فقد وجب) يعني: وجب تنفيذه، والتسامح والتعافي إنما هو قبل بلوغه السلطان. تراجم رجال إسناد حديث: (تعافوا الحدود فيما بينكم..) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بيان الراوي عن المرء الذي روى عنه شعيب بن محمد ، فإن روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، فكثير من الروايات يأتي فيها: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهذا فيه بيان للجد، وأنه جد شعيب ، و شعيب يروي عن جده وقد ثبت سماعه منه، وهو متصل، وهذا الإسناد فيه تسمية الجد، وأنه عبد الله بن عمرو بن العاص ، أي: أن شعيباً يروي عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما. و عبد الله بن عمرو بن العاص حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الستر على أهل الحدود شرح حديث: (... لو سترته بثوبك كان خيراً لك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الستر على أهل الحدود. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم عن أبيه : (أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه وقال لهزال : لو سترته بثوبك كان خيراً لك) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب الستر على أهل الحدود ]. والمقصود بالستر عليهم هو: عدم إظهار أمرهم، ورفع دعواهم وأنه يستر عليهم، ولكن هذا فيه تفصيل؛ لأنه إذا كان قبل أن يصل إلى السلطان فقد مر بنا حديث التعافي، وأن التسامح في ذلك ممكن، وإنما المحذور إذا بلغت السلطان. والستر على أصحاب الحدود إذا كان الشخص معروفاً بالفسق والفجور أو معروفاً بأمور محرمة والإقدام عليها، وكونه لم تحصل له عقوبة تردعه فإن عدم الستر في هذه الحالة أولى؛ لأنه يترتب على ذلك كون شره ينتشر، وأنه يحصل منه هذا العمل المنكر باستمرار، ويحصل الإضرار بالناس، وأما إذا كان لم يحصل منه هذا التكرار، وإنما حصل منه هفوة أو زلة أو ما إلى ذلك، فهذا يمكن أن يفرق بينه وبين من يكون معروفاً بالسوابق وتكرار تلك الأمور المحرمة، وإنما الستر فيه تفصيل. و أبو داود رحمه الله أورد حديثاً ضعيفاً، لكن الحديث الذي مر والأمر بالتعافي يدل على الستر، ولكن كما أشرت ليس كل صاحب حد يستر عليه. أورد أبو داود حديث نعيم بن هزال رضي الله تعالى عنه: أن ماعزاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بالزنا، فقال لهزال الذي هو والد نعيم : (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) وذلك أن هزالاً كان ولي أمر ماعز ، وقد أوصاه به والده مالك والد ماعز ، وكان نشأ في حجره، ولما حصل له ذلك قال له: لو ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالذي حصل من الزنا، فالرسول قال له: (لو سترته) يعني: لو أخفيت عنه وما قلت له يأتي إلي، هذا هو المقصود بمحل الشاهد للترجمة في قوله: (الستر على أهل الحدود) لأنه قال: (لو سترته بثوبك) يعني: لو أخفيت أمره ولم تقل له أن يأتي إلي ويعترف بالزنا، والإنسان إذا استتر بستر الله وتاب إلى الله عز وجل، وأحسن في المستقبل، فالتوبة تجب ما قبله، والله تعالى يتوب على من تاب. شرح حديث: (... لو سترته بثوبك كان خيراً لك) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا يحيى عن ابن المنكدر : أن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره ]. وهذا فيه بيان وجه كون النبي قال لهزال : (لو سترته بثوبك كان خيراً لك) لأنه هو الذي أمر ماعزاً أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل منه. فالثاني فيه بيان أن هزالاً هو الذي أمره، وذلك فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهزال وهو الذي أمره بأن يبلغ النبي عليه السلام بما حصل منه: (لو سترته بثوبك كان خيراً لك). تراجم رجال إسنادي حديث: (...لو سترته بثوبك كان خيراً لك) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد بن القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد بن نعيم ]. يزيد بن نعيم مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه]. هو نعيم بن هزال ، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي . وقوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن المنكدر ]. هو محمد بن المنكدر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن هزالاً ]. هزال مر ذكره، وهذا مرسل؛ لأنه يخبر عن شيء حصل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. ما جاء في صاحب الحد يجيء فيقر شرح حديث الرجل الذي وقع على المرأة وهي ذاهبة إلى المسجد قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في صاحب الحد يجيء فيقر. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الفريابي حدثنا إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه: (أن امرأة خرجت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة فتلقاها رجل فتجللها، فقضى حاجته منها، فصاحت، وانطلق، فمر عليها رجل فقالت: إن ذاك فعل بي كذا وكذا، ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن ذلك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها، فأتوها به فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أمر به قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا رسول الله! أنا صاحبها فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولاً حسناً). قال أبو داود : يعني الرجل المأخوذ، وقال للرجل الذي وقع عليها: (ارجموه) فقال: (لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم). قال أبو داود : رواه أسباط بن نصر أيضاً عن سماك ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في صاحب الحد يجيء فيقر ]. يعني: يقر ويعترف بالجناية التي حصلت منه أو الأمر المحرم الذي يكون عليه حد. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه، أن امرأة خرجت إلى المسجد فتجللها رجل وقضى حاجته منها، يعني: معناه أنه غشيها وحصل منها ما يحصل الرجل مع أهله وهرب، فاستنجدت، فلحق به واحد ليغيثها وليقبض على ذلك الذي اعتدى عليها، فجاءه أناس بعده، وهم جماعة من الأنصار فأخبرتهم، فلحقوا به، فوجدوا الرجل الذي ذهب ليغيثها في الأول، فأتوا به، وقالت: إنه صاحبها، وهو ليس بصاحبها، ولعل ذلك كان في الليل وفي الظلام، ولم تكن يتضح لها ذلك، فظنت أن هذا الشخص الذي أتي به -وهو الذي كان ذهب ليغيثها- هو الذي تجللها وغشيها، فعندما حصل ما حصل وحول إقامة الحد عليه، جاء الذي فعل بها الأمر المنكر وقال: أنا صاحبها، يعني: أراد ألا يجمع بين مصيبتين، ويكون فعل أمراً محرماً، ثم يقتل بسببه شخص آخر وهو بريء، فأخبر بأنه هو الذي حصل منه الجناية ووقع في الأمر المحرم، فلما اجتمع الثلاثة: المرأة، والرجل الذي أخذ وهو سليم، والرجل الذي فعل الأمر المنكر وأقر به، قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمرأة: (اذهبي فقد غفر الله لك)؛ لأنها مكرهة والمكره معذور، (وقال للثاني قولاً حسناً) أي: الذي أخذ، والذي اتهم وهو بريء، يعني: ما ذكر كيفية ذلك القول، ولكنه وصف بأنه حسن، يعني: تلطف له وخاطبه بكلام حسن لإنهاء ما قد جرى، وقال في حق ذلك المقر: (ارجموه)، وقد جاء ذكر الرجل من هذه الطريق. وذكر الشيخ الألباني رحمه الله خلافاً في قصة الرجم التي رواها أن الفريابي في هذا الحديث، وبين أنه رواه غيره ولم يذكر الرجم، وذلك أنه أقر وتاب إلى الله توبة نصوحاً، وأراد أن ينقذ نفسه من تبعتين: تبعة فعل الأمر المنكر مع المرأة، وتبعة كون إنسان سليم يؤخذ بجريرة غيره، فاعترف بذلك، فلم يذكر غير الفريابي الرجم، وأتى بعده بأنه تاب توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم، فيكون في ذلك فائدة ومصلحة، وهي: أن من يكون عليه الحد لا يترك غيره يقام عليه الحد، وإن كان إقامة الحد كما هو معلوم مشكل في الحديث فيما يتعلق بالرجل الذي أخذ؛ لأن الحد لا يقام إلا باعتراف منه، أو بشهود يشهدون، وأما مجرد ادعاء المرأة مع عدم اعترافه وعدم الشهود فإنه لا يترتب عليه الحد، ولكن لعل الأمر في ذلك أنه لما رأى أن الأمر قد بلغ إلى محاكمة غيره، وأنه قد يحصل له ذلك، جاء وأخبر بالذي قد حصل حتى لا يقع شيء في حق ذلك الرجل وهو لا يستحقه، وإلا فإن مجرد ما حصل من ادعاء المرأة بأنه هو الذي فعل بها ما فعل فإنه لا يكفي، فإقامة الحد لا بد فيه من شهود أو اعتراف من المدعى عليه، والمدعى عليه لم يعترف، وجاء في الحديث: (لو أعطي الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه). وعلى هذا فاختلفت الروايات هل رجم أو لم يرجم؟ و الألباني يقول: الأرجح أنه لم يرجم، وأن الذين رووا الحديث وهم غير محمد بن يوسف الفريابي ما ذكروا الرجم، وهو الذي يناسب اعترافه، وكونه أراد أن ينقذ غيره فالحكم في ذلك مشكل، وأنا لا أدري ما الراجح في هذه المسألة، هل يرجم باعترافه، أم أنه لا يرجم لكونه حصل منه هذا الذي حصل؟ وهذا فيه تشجيع للذين يحصل منهم شيء، ويؤدي الأمر إلى إتلاف غيرهم، فصنيعهم هذا فيه إنقاذ لغيرهم، فيكون في ذلك مسوغ لترك إقامة الحد عليهم، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث الرجل الذي وقع على المرأة وهي ذاهبة إلى المسجد قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا الفريابي ]. هو محمد بن يوسف الفريابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سماك بن حرب ]. سماك بن حرب ، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن علقمة ]. هو علقمة بن وائل بن حجر ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في رفع اليدين و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه]. هو وائل بن حجر رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، و علقمة بن وائل سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار ، و عبد الجبار لم يسمع من أبيه، وأما علقمة فقد سمع من أبيه، وفي التقريب قال: إنه لم يسمع من أبيه، ولكن الصحيح أنه سمع من أبيه، وفي صحيح مسلم بعض أحاديث من روايته عن أبيه. [ قال أبو داود : رواه أسباط بن نصر أيضاً عن سماك ]. أسباط بن نصر صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك ]. سماك بن حرب مر ذكره. ما جاء في التلقين في الحد شرح حديث: (أن النبي أتي بلص قد اعترف ... فقال رسول الله: ما إخالك سرقت...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التلقين في الحد. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافاً ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت، قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً، فأمر به فقطع وجيء به، فقال: استغفر الله وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال: اللهم تب عليه، ثلاثاً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [ باب في التلقين في الحد ]، يعني: تلقين المعترف شيئاً يخلصه من إقامة الحد عليه، وهذا إنما يكون في أمر مشتبه ومحتمل، ومن شخص قد يكون لا يعرف السرقة من غير السرقة، وما يوجب القطع مما لا يوجب القطع، وقد يظن أن كل شيء يوجب القطع، ومن المعلوم أن القطع لا بد له من شروط: ومنها الحرز، والنصاب.. وما إلى ذلك، وقد يكون الشخص عنده شيء من التغفيل وعدم المعرفة، فما جاء من التلقين فهو في مثل هذا. والحديث الذي أورده أبو داود عن أبي أمية المخزومي رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أتي بلص اعترف أنه سرق، فقال: ما إخالك سرقت! قال: بلى) يعني: ما أظنك سرقت، قال: بلى، وقوله: (ما إخالك سرقت) هذا المقصود من الترجمة، وهو التلقين، يعني: ما أظنك سرقت، لكنه أكد أنه قد سرق، فأمر به فقطعت يده لما حصل منه الاعتراف بالسرقة، ثم بعد ذلك أتي به فقال: (استغفر الله وتب إليه) فاستغفر فقال: (اللهم اغفر له وتب عليه، ثلاثاً) قال ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. والحديث في إسناده أبو المنذر وهو مقبول. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي أتي بلص قد اعترف ... فقال رسول الله: ما إخالك سرقت...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ]. هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي المنذر مولى أبي ذر ]. أبو المنذر مولى أبي ذر مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن أبي أمية المخزومي ]. أبو أمية المخزومي رضي الله عنه صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . إسناد حديث: (أن النبي أتي بلص قد اعترف... فقال رسول الله: ما إخالك سرقت...) من طريق أخرى [ قال أبو داود : رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن عبد الله قال: عن أبي أمية رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود طريقاً أخرى للحديث. قوله: [ رواه عمرو بن عاصم ]. هو صدوق في حفظه شيء، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن همام ]. هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن عبد الله عن أبي أمية ]. إسحاق بن عبد الله , وأبو أمية مر ذكرهما، وهنا قال: رجل من الأنصار، وهناك قال: المخزومي، ومعلوم أن بني مخزوم غير الأنصار، يعني: هو شك في هذه النسبة. وهنا لم يذكر أبا المنذر بين إسحاق بن عبد الله و أبي أمية ، ولا أدري هل سمع إسحاق بن عبد الله من أبي أمية أو لا؟! والإسناد الأول فيه أبو المنذر و الألباني ضعف الحديث، ولعله بسبب هذا. ما جاء في الرجل يعترف بحد ولا يسميه شرح حديث: (أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه عليَّ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه. حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال: حدثني أبو عمار حدثني أبو أمامة رضي الله عنه: (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصبت حداً فأقمه علي قال: توضأت حين أقبلت؟ قال: نعم، قال: هل صليت معنا حين صلينا؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله تعالى قد عفا عنك) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في الرجل يعترف بحد ولا يسميه ]، يعني لا يسمي الحد الذي فعله، وقد يكون حداً وقد يكون غير حد، ومعناه: أنه عمل ذنباً، وهذا الذنب قد يكون من الكبائر التي يكون فيها حد، وقد يكون من الصغائر وهو يستعظمه ويظن أن فيه حداً، وقد أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إني أصبت حداً، فأقمه علي قال: هل توضأت حين قدمت أو أتيت إلى المسجد؟ قال: نعم، قال: هل صليت معنا؟ قال: نعم، قال: اذهب فإن الله قد عفا عنك) وهذا محمول على أنها من الصغائر، وليست المعصية من الكبائر التي فيها حدود، ومعلوم أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر، والحسنات تكفر الصغائر، وأما الكبائر فلا يكفرها إلى التوبة، كما قال الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31] وقال صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، فالصغائر تكفر بالأعمال الصالحة وتكفر بالصلاة، وما جاء في أن الحسنات يذهبن السيئات، إنما يكون ذلك في الصغائر وليس في الكبائر. تراجم رجال إسناد حديث: (أن رجلاً أتى النبي فقال يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه عليَّ...) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا عمر بن عبد الواحد ]. عمر بن عبد الواحد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني أبو عمار ]. هو شداد بن عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي أمامة ]. هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الامتحان بالضرب حديث النعمان بن بشير في حبس المتهم دون ضربه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الامتحان بالضرب. حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بقية حدثنا صفوان حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي (أن قوماً من الكلاعيين سرق لهم متاع فاتهموا أناساً من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فحبسهم أياماً ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان؟ فقال النعمان : ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم فإن خرج متاعكم فذاك، وإلا أخذت من ظهوركم مثلما أخذت من ظهورهم، فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم) قال أبو داود : إنما أرهبهم بهذا القول، أي: لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في الامتحان بالضرب ]، يعني: المتهم هل يمتحن بالضرب ليعرف ما عنده، وليقر أو لا يضرب؟ وهل يحبس أو لا يحبس؟ أورد أبو داود حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي فيه الحبس في التهمة دون الضرب، وأنه جاء جماعة من الكلاعيين إلى النعمان بن بشير رضي الله عنه، واتهموا رجالاً من الحاكة، والحاكة: جمع حائك، وهم الذين يحيكون الثياب، فحبسهم مدة بالتهمة ثم خلى سبيلهم، فقالوا: خليت سبيلهم دون أن تضربهم؟ قال: ما شئتم، إن شئتم أن أضربهم، وإذا لم يظهر شيء بسبب الضرب، أضربكم كما ضربتهم، قالوا: هذا حكمك؟ قال: هذا حكم الله ورسوله، يعني: دل على أن الحكم هو الحبس، وأنه لا يضرب، وأن الضرب إنما يكون بعد الاعتراف، وأما قبل الاعتراف فقد يضرب البريء وهو سليم، فحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه يدل على جواز الحبس دون الضرب، وأخبر بأن هذا حكم الله ورسوله وليس حكمه، وهو إنما حكم بالحبس دون الضرب، وأخبرهم أنهم إن أردوا أن يضربوا، فإذا لم يثبت الذي عليهم بالضرب ولم يعترفوا، فإنه يؤخذ من هؤلاء كما أخذ من أولئك، فيكون قصاصاً؛ لأنهم لا يستحقون الضرب، فإذا ضربوا ولم يترتب على ذلك فائدة، فإن هؤلاء الذين طلبوا ضربهم أيضاً يضربون، وأما الحبس فإنه سائغ، وقد جاء في هذا الحديث أن النعمان حبسهم ولم يضربهم، وقال: إن هذا حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : إنما أرهبهم بهذا القول ]. يعني: بين أن الضرب إيذاء لهم، وإلحاق الضرر بهم، وإنما أرهبهم بهذا الضرب. قوله: [ أي: لا يجب الضرب إلا بعد الاعتراف ]. يعني: أنه لا يستحق الضرب إلا بعد الاعتراف وكون الاعتراف يستوجب ضرباً أو يترتب عليه ضرب. والمقصود به والله أعلم أن المعاقبة إنما تكون بعد الاعتراف. وأبو داود فهم من ذلك أنه يكون من قبيل التعزير، لكن معلوم أن الإنسان السارق لا يضرب إذا ثبت عليه بالاعتراف وإنما يقام عليه الحد. تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير في حبس المتهم دون ضربه قوله: [ حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ]. عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا بقية ]. هو بقية بن الوليد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا صفوان ]. هو صفوان بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا أزهر بن عبد الله الحرازي ]. الأزهر بن عبد الله الحرازي صدوق، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن النعمان بن بشير ]. النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة."
__________________
|
#817
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [495] الحلقة (526) شرح سنن أبي داود [495] من حكمة الله سبحانه وتعالى أن فرض الحدود حفاظاً على أعراض الناس ودمائهم وأموالهم، وجعل لهذه الحدود مقادير تراعى عند إقامة الحد، وندب إلى تعافي الناس للحدود فيما بينهم، كما ندب إلى ستر المسلم إذا أتى حداً من حدود الله إذا كان ممن يعرف عنه الصلاح والمروءة. ما يقطع فيه السارق شرح حديث: (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقطع فيه السارق. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري قال سمعته منه عن عمرة عن عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب ما يقطع فيه السارق ]، يعني: النصاب الذي يقطع به في السرقة إذا بلغه المسروق، وإذا كان دونه فإنه لا يقطع به؛ لكونه شيئاً يسيراً لم يبلغ الحد الذي يستحق معه القطع، أي: أن الترجمة معقودة لبيان المقدار الذي إذا بلغه المسروق فإنه تقطع به يد السارق، وإذا نقص وقل عنه فإن اليد لا تقطع. وقد اختلف العلماء في مقدار ما تقطع به اليد، فمن العلماء من ذهب إلى القطع بالكثير والقليل، وأخذوا بعموم ما جاء في القرآن من قوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، ولم يذكروا فيه مقداراً لما يقطع به. ومن العلماء من أخذ بالتحديد بربع دينار فما زاد على ذلك والثلاثة الدراهم تعادل ربع دينار؛ لأن الدينار كان في ذلك الوقت يعادل اثنا عشر درهماً، ولهذا كان نصاب الذهب يقدر بألف دينار، والدية قدرت بألف دينار وقدرت دية الحر باثني عشر ألف درهم على حساب أن الدينار يعادل اثنا عشر درهماً، ومنهم من قال غير ذلك. والصحيح هو ما جاءت به الأحاديث الصحيحة الثابتة من القطع في ربع دينار فما زاد على ذلك، وما نقص عنه فإنه لا قطع فيه، فيكون المعتبر في ذلك ربع الدينار. قوله: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار) ]. هذا فيه بيان للتحديد، أي: أنه ما كان يقطع في أقل من ربع دينار، وإنما كان يقطع في ربع الدينار وما زاد عليه. قوله: [ (فصاعداً) ]. يعني: فما زاد على ربع الدينار يقطع فيه، وما نقص عن ربع الدينار فإنه لا قطع فيه، فهذا فيه الحد أو التفصيل، وما جاء في القرآن من الإطلاق بينته السنة بهذا الحديث الصحيح وغيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على أن هناك نصاباً يكون القطع به إذا بلغه المسروق، وإذا نقص عنه فإنه لا يقطع به. قوله: [ عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) ]. وهذا يبين الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقطع في ربع الدينار وما زاد عليه، ومعناه أن ما نقص على ذلك أنه لا قطع فيه. تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سفيان عن الزهري ]. سفيان هو ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعته منه عن عمرة ]. يعني: سفيان يقول: إنه سمعه من الزهري عن عمرة ؛ ليرفع تهمه التدليس، والزهري تدليسه قليل ونادر، وأما سفيان فمعروف بالتدليس، وهذا فيه بيان رفع تهمة التدليس عن سفيان . [ عن عمرة ]. هي عمرة بنت عبد الرحمن ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح و وهب بن بيان قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن الشهاب عن عروة و عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) قال أحمد بن صالح : (القطع في ربع دينار فصاعداً) ]. أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى وهو قوله: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) وهذا أيضاً فيه بيان من قوله صلى الله عليه وسلم، والأول فيه بيان من فعله (أن النبي كان يقطع في ربع دينار فصاعداً) وهنا قال: (تقطع) يعني: كلام النبي صلى الله عليه وسلم على أن القطع يكون في ربع دينار فما زاد عليه، وأن ما نقص عليه فإنه لا قطع فيه، ويكون دل على التحديد بربع الدينا ربقوله وفعله، وأن ما زاد عليه يقطع به، وما نقص منه فإنه لا يقطع به، وهذا التحديد من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على بطلان القول بالقطع في الكثير والقليل ولو كان تافهاً يسيراً. تراجم رجال إسناد حديث: (تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ و وهب بن بيان ]. وهب بن بيان ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب ]. وهؤلاء الثلاثة شيوخ لأبي داود اثنان منهم عبروا بحدثنا في الرواية عن ابن وهب ، وأما الشيخ الثالث فإنه عبر بأخبرنا، وهذا هو سبب التحويل بعد الصيغة لبيان الاختلاف في الصيغة، وأن الشيخين الأولين كل منهما يقول: حدثنا ابن وهب ، وأما الشيخ الثالث فإنه لم يقل: حدثنا وإنما قال: أخبرنا ابن وهب . [ وحدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن الشهاب عن عروة و عمرة عن عائشة ]. ابن الشهاب مر ذكره، و عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عمرة مر ذكرها و عائشة مر ذكرها. [ قال أحمد بن صالح : (القطع في ربع دينار فصاعداً) ]. قال أحمد بن صالح -يعني: في روايته-: (القطع في ربع دينار فصاعداً)، وأما وهب بن بيان و ابن السرح فقالا: تقطع. شرح حديث: (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم). والمجن هو: الترس الذي يجعل وقاية في الحرب، وقيمته ثلاثة دراهم، وهي تعادل ربع دينار؛ لأن الدينار اثنا عشر درهماً. وهنا اختلف العلماء هل يرجع إلى الذهب أو إلى الفضة؟ والذي جاء في حديث عائشة يدل على أن الذهب هو الذي يعتبر؛ لأنه قال: (تقطع في ربع دينار فصاعداً) وأما هذا الذي حصل أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم فهذا مخصوص، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن القطع يكون في ربع دينار، إذاً: المرجع في ذلك هو القيمة بالذهب، وأن الدينار سواء نقصت قيمته أو زادت فإن المعتبر هو الربع، وقد يزيد من حيث التفاوت بين الذهب والفضة فإذا اعتبر ربع الدينار فإن المرجع يكون إليه. ثم أيضاً هذه قضية معينة، وأما ذاك ففيه تشريع وبيان؛ لأن المعتبر هو القطع في ربع دينار فصاعداً، وعلى هذا فيكون ذلك ثلاثة دراهم تعادل ربع دينار. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود . شرح حديث (أن النبي قطع في مجن فيمته ثلاثة دراهم) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية أن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه التعبير بالترس، وبيان أنه من صفة النساء، وهو مكان في مسجد خاص بالنساء، والترس: هو المجن، فيكون مطابقاً لما تقدم في الرواية السابقة. تراجم رجال إسناد حديث (أن النبي قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية ]. ابن جريج مر ذكره، وإسماعيل بن أمية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن نافعاً مولى عبد الله بن عمر حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم ]. نافع و ابن عمر مر ذكرهما. شرح حديث (قطع رسول الله يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن أبي السري العسقلاني وهذا لفظه وهو أتم قالا: حدثنا ابن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قال أبو داود : رواه محمد بن سلمة و سعدان بن يحيى عن ابن إسحاق بإسناده ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) وهذا يخالف ما تقدم، ولكن يمكن أن يحمل على أنه اتفق أن ذلك حصل في مجن قيمته كذا، فلا يكون مقياساً، ولا يكون حداً فاصلاً، يعني: ما زاد عنه يعتبر نصاباً، وما نقص عنه لا يكون نصاباً؛ لأنه جاء التنصيص أنه تقطع في ربع دينار فصاعداً، وعلى هذا لا تنافي بين هذا وبين ما تقدم من الأحاديث الدالة على التحديد؛ لأن هذا الحديث ما ذكر تحديداً، وإنما أخبر بأنه اتفق أن المجن يساوي عشرة دراهم أو يساوي ديناراً، فإذاً لا تعارض؛ لأنه لا يوجد تحديد على أنه النصاب، وإنما هذا من جملة ما يقطع به؛ لأن ربع الدينار يقطع به، ونصف الدينار يقطع به، وثلاثة أرباع الدينار يقطع بها، والدينار يقطع به من باب أولى. فلا يعارض ما تقدم من الأحاديث الدالة على أن القطع يكون بالربع وما زاد عليه؛ لأن هذا من جملة ما هو داخل في الزيادة، فإذاً لا يعتبر حداً، ولا يعتبر مقياساً يصار إليه بالتحديد في النصاب في القطع بالسرقة، وإنما التحديد يكون بربع دينار، والشيخ الألباني قال: إنه شاذ، ولكن الشذوذ ليس واضحاً؛ لأنه يكون صحيحاً، ويكون القطع حصل بذلك اتفاقاً بأنه كان يساوي كذا وكذا، وهو لا يعارض الأحاديث السابقة بأن يقال: إن النصاب هو ربع دينار، وإنما اتفق أنه مما زاد على ربع الدينار الذي يكون القطع به، فالقول بشذوذه هذا لو كان يتعلق بتحديد النصاب، والقول بالشذوذ لأنه مخالف للأحاديث لا يصح، فهو لا يخالف الأحاديث الأخرى على ما هي عليه، وإنما اتفق أن قيمة المجن دينار. تراجم رجال إسناد حديث (قطع رسول الله يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ و محمد بن أبي السري العسقلاني ]. محمد بن أبي السري العسقلاني هو محمد بن المتوكل ، وهو صدوق له أوهام كثيرة، أخرج له أبو داود . [ وهذا لفظه وهو أتم قالا: حدثنا ابن نمير ]. هو عبد الله بن نمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أيوب بن موسى ]. أيوب بن موسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي إسناده محمد بن إسحاق ، وهو مدلس وقد روى بالعنعنة، لكنه لو ثبت فلا يعارض الأحاديث السابقة، والشاذ: هو ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه. [ قال أبو داود : رواه محمد بن سلمة و سعدان بن يحيى عن ابن إسحاق بإسناده ]. محمد بن سلمة هو الحراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ و سعدان بن يحيى ]. هو سعدان بن يحيي اللخمي ، وهو صدوق وسط، أخرج له البخاري و النسائي و ابن ماجة . الأسئلة حكم قتل القاتل في بلاد غير إسلامية السؤال: نحن في بلاد أوروبية فهل يجوز لنا إذا قتل أحد أقاربنا أن نقتل القاتل؟ الجواب: أولاً القتل للقاتل لا يجب إلا إذا ثبت أنه هو القاتل، والقتل يكون من السلطان في بلاد فيها سلطان ينفذ الحدود، وإذا كان قتلهم له سيترتب عليه أضرار لهم ولغيرهم فلا ينبغي لهم أن يقدموا على القتل الذي قد ينتج عنه ما هو أكثر من قتيلهم الذي قتل، فإذا كان سيترتب على ذلك أضرار أكثر من ذهاب ذلك القتيل فلا يقدموا. من ينوب السلطان في الحدود السؤال: في باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان، من ينوب السلطان في هذا الزمان؟ الجواب: الذي ينوب السلطان كما هو معلوم القضاة، وكذلك الأمراء الذين تصل إليهم الأمور أولاً، ثم يرفعونها للقضاة ليحكموا فيها فهم نواب للسلطان. دخول الشرطة في نواب السلطان السؤال: هل يدخل في نواب السلطان الشرطة؟ الجواب: الظاهر أنهم يدخلون. حكم إقامة الرجل الصالح الحدود دون السلطان السؤال: ذكر لنا أن من ارتكب حداً فله أن يتصل برجل صالح فيقيم عليه الحد ويشهد عليه الناس، وهذا فيما إذا كان الحد دون القتل فهل هذا الكلام صحيح؟ الجواب: لا نعلم شيئاً يدل على هذا. حكم العفو في الحدود إذا بلغت السلطان السؤال: إذا بلغت الحدود السلطان فهل للمجني عليه أن يعفو؟ الجواب: لا؛ لأن الحديث الذي سبق فيه: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب). ويشكل هذا في قضية القتل إذا جاء وقت القصاص وعفا أصحاب الحق عن القاتل، لكن نقول: إن مسألة القصاص غير مسألة الحدود؛ لأن هذه حقوق للناس، وأما الحدود فهي حقوق لله، والناس لهم أن يعفوا، بل هم مرغبون في العفو، ولهم أن يعفوا بالدية، وأن يأخذوا أكثر من الدية إذا أردوا. حكم عفو المقذوف عن القاذف إذا بلغ السلطان السؤال: هل يسقط حد القذف إذا بلغ السلطان وعفا المقذوف؟ الجواب: هو حق للمقذوف. المقصود بقوله (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك) السؤال: ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال : (لو سترته بثوبك لكان خيراً لك)؟ الجواب: المقصود به: كونه هو الذي أخبره بأن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان هو وليه، وكان قد وصى به أبوه إليه، ولكونه هو الذي يقوم بأموره، وكان وليه في الصغر، فقال له: اذهب واعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل، وقوله: (لو سترته بثوبك) يعني: لو أخفيت أمره ولم تقل له أن يفعل هذا الشيء. حكم الستر على الجاني والمذنب في الحرم السؤال: هل يستحب الستر على الجاني والمذنب في الحرم؟ الجواب: أنا ذكرت في هذا تفصيلاً، وهو أنه إذا كان الإنسان ليس معروفاً بالسوابق، فهذا الستر عليه لا بأس به، وأما إذا كان الإنسان معروفاً بالفسق والفجور والسوابق فهذا لا يستر عليه؛ لأن هذا يمكنه، وأما إذا كانت زلة من هذا الإنسان، ولا يعرف عنه هذا الفعل فهذا من جنس ما تقدم: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) هذا فيما بين الناس، وأما إذا وصلت إلى السلطان فالحد لابد أن يقام. حكم من عمل كبيرة وتاب منها قبل أن تبلغ السلطان السؤال: شخص قام بكبيرة من الكبائر حدها القتل، ولم يعلم به أحد إلا الله عز وجل، وهو الآن تائب فهل يذهب للسلطان ويظهر نفسه؟ الجواب: لا أبداً، إن الله يتوب على من تاب. المراد من قول النبي للمرأة (اذهبي فقد غفر الله لك) السؤال: قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة: (اذهبي فقد غفر الله لك) ألا يكون ذلك لأنها اتهمت رجلاً وهو بريء؟ الجواب: لعل هذا هو السبب؛ لأن فعل الزنا منها ليس بذنب لأنها مكرهة عليه، ولكن الذنب الذي حصل منها هو اتهام البريء. حكم سؤال القاضي من أقر بالزنا عن المرأة التي زنى بها السؤال: هل يسأل القاضي من أقر بالزنا عن المرأة التي زنى بها حتى يقام عليها الحد؟ الجواب: ليس بلازم مادام أنه اعترف بالزنا، وحتى لو أقر على امرأة فاعترافه وإقراره لا يكفي بالنسبة لها حتى تعترف هي. توجيه حول استخدام الجوال وقت الدرس السؤال: نريد منكم توجيهاً حول استخدام الجوال في وقت الدرس، مما يزعج الإخوة والحاضرين. الجواب: ينبغي أن يغلق في المساجد، والإنسان عليه أن ينتهز هذه الفرصة أو هذا الوقت القصير وهو جلوسه في المسجد، ويكون بعيداً عن الاشتغال مع الناس والاتصالات بالناس، فإذا دخل المسجد يغلق الجوال ولا يزعج أحداً ولا يزعجه هو أو يشغله عن ما هو خير، وهذا هو الذي ينبغي للإنسان، وليس هذا عند الدرس فقط، بل حتى لو ما كان عنده أحد، ينبغي أن يكون في المسجد مغلقاً. معنى التلقين في الحد السؤال: مسألة التلقين في الحد ألا يمكن أن يكون المراد بالتلقين: تلقينه الاستغفار والتوبة مثلما قال له: تب واستغفر الله؟ الجواب: لا، التلقين هو قول: ما أظنك فعلت. ما لا قطع فيه شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما لا قطع فيه. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان : أن عبداً سرق ودياً من حائط رجل فغرسه في حائط سيده، فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده، فاستعدى على العبد مروان بن الحكم وهو أمير المدينة يومئذ، فسجن مروان العبد وأراد قطع يده، فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك، فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فقال الرجل: إن مروان أخذ غلامي وهو يريد قطع يده، وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمشى معه رافع بن خديج حتى أتى مروان بن الحكم ، فقال له رافع : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فأمر مروان بالعبد فأرسل، قال أبو داود الكثر: الجمار ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب ما لا قطع فيه ]، أي: فيما إذا أخذ لا تقطع به اليد، لأنه لا يعتبر سرقة. أورد أبو داود رحمه الله في هذا الباب حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، وذلك أن عبداً لرجل أخذ ودياً لإنسان، فغرسه في بستان سيده، ففقد صاحب البستان ذلك الودي فأخذ يلتمسه فوجده في بستان ذلك الرجل، فاستعدى على ذلك العبد صاحب البستان المأخوذ وديه مروان بن الحكم ، وكان أمير المدينة في ذلك الوقت أي: أنه استعان به عليه، فأخذه مروان وحبسه وأراد أن يقطعه، فذهب سيد ذلك العبد إلى رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه يسأله عن هذا الذي فعله عبده، فروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) فطلب منه أن يمشي معه، أي: طلب صاحب البستان -الذي هو سيد العبد الذي أخذ الودي وغرسه في بستانه- أن يمشي معه إلى مروان بن الحكم ، ويخبره بالذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مشى معه وحدثه بالحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعند ذلك أرسله أي: أطلقه من الحبس، والحديث يدل على أن الثمر الذي في النخل إذا كان الإنسان جاء وأخذ منه وأكل فإنه لا قطع عليه؛ لأن هذا مما يحتاج إليه ولاسيما إذا كان في طريق ومر عابر سبيل أو ابن سبيل فوجد ذلك الثمر في نخل ورقى وأكل منه ولم يتخذ معه شيئاً يصحبه معه، فإنه لا قطع عليه في ذلك. وكذلك أيضاً الكثر الذي هو: الجمار، فإنه لا يكون فيه قطع، بمعنى: أنه لو أخذ ودياً وغرسه أو أكل شحمه -الذي هو الجمار، وهو الذي يكون في أصول العسب ويكون ليناً وحلواً- فلا يقطع فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أكل الجمار كما جاء في حديث: (أنه أتي بجمار نخلة فعند ذلك قال عليه الصلاة والسلام: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها أخبرونا ما هي؟) ففكر الناس في شجر البر، ولم يقع في أذهانهم الشجر الذي يكون في البلد، وفهم ذلك عبد الله بن عمر ومنعه من أن يتكلم أنه رأى أباه وغيره من الصحابة الكبار لم يتكلموا، وبعد ذلك أخبر ابن عمر أباه؛ فسر وفرح فرحاً شديداً بهذا الذكاء الذي حصل لابنه. الحاصل: أن الجمار هو الذي يكون في أصول العسب، وهو حلو أبيض لين رقيق، فهو يؤكل ويستفاد منه في النخل الذي يقطع أو الذي ليس له حاجة، وأما إذا كان إليه حاجة فإنه ينقل من مكانه ويغرس في مكان آخر حتى يكون نخلاً. والحاصل: أن الثمر والأخذ منه مما هو على رءوس النخل، وكذلك الكثر الذي هو الجمار فإنه لا قطع فيه، ولكنه إذا أفسد نخلاً على أهله بأن خربه وأخذ جماره فإنه يغرم ويعاقب على ذلك؛ لأنه أفسد مال الغير بغير حق. تراجم رجال إسناد حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك بن أنس ]. مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن يحيى بن حبان ]. محمد بن يحيى بن حبان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ رافع بن خديج ]. رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجاء في بعض الروايات أن محمد بن يحيى بن حبان يروي عن عمه واسع بن حبان ، وإلا فإن محمد بن يحيى بن حبان روايته مرسلة أي: يوجد انقطاع بينه وبين رافع بن خديج . شرح حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد حدثنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الحديث قال: فجلده مروان جلدات وخلى سبيله ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه جلده جلدات وخلى سبيله يعني: تعزيراً على اعتدائه على مال الغير بغير حق. تراجم رجال إسناد حديث (لا قطع في ثمر ولا كثر) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان بهذا الحديث ]. يحيى و محمد بن يحيى بن حبان مر ذكرهما. شرح حديث الأخذ من الثمر المعلق والمحرز قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً من بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة). قال: أبو داود : الجرين الجوخان ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن النبي سئل عن الثمر المعلق، أي: المعلق على رءوس النخل الذي لم يقطع، ولم يؤخذ إلى المكان الذي يحفظ فيه أو يخزن فيه أو ييبس فيه، فقال: من أخذ بفيه، يعني: أنه أكل طعاماً سد به جوعته فليس عليه شيء؛ لأن هذا شيء قد يحتاج الناس إليه ولاسيما عابرو السبيل عندما يمرون بنخل فيه ثمر فيأكلون بأفواههم ولا يحملون شيئاً، فإذا اقتصر على الأكل منه بنفسه دون أن يحمل شيئاً فإنه لا شيء عليه، فقد رخص له في ذلك، وإن اتخذ خبنة، يعني: حمل معه شيئاً في ثيابه أو في غير ثيابه فإن عليه غرامة مثليه والعقوبة، والعقوبة: هي جلدات نكالاً؛ لأنه أخذ شيئاً لا يستحقه، ولكنه لا يقطع به؛ لأنه أبيح الأكل منه في حال الحاجة إليه، فمن أخذ شيئاً زائداً على ذلك وفوق ما أذن له فيه فيؤاخذ بغرامة مثليه والعقوبة جلدات نكالاً. قوله: [ (من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع) ]. أي: بعدما جذ ووضع في الجرين، وهو المكان المخصص له والذي يحفظ فيه وييبس فيه، فإنه يكون أخذه من حرزه، فإذا كان بلغ ثمن المجن فعليه القطع؛ لأنه سرق مالاً من حرزه، فإن كان لم يبلغ النصاب فإنه يغرم مثليه والعقوبة، يعني: كالذي أخذ منه وهو معلق، فإنه يعاقب بمثليه والعقوبة أي: الجلد؛ لأنه لم يصل إلى حد القطع، وإذا وصل إلى حد القطع بأن كان نصاباً فأكثر فإنه يقطع، وإذا كان لم يبلغ نصاباً فإنه يغرم مثليه ويكون أيضاً عليه العقوبة مع ذلك. قوله: [ (ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) ]. يعني: دون النصاب الذي يقطع به في السرقة، فعليه غرامة مثليه والعقوبة.
__________________
|
#818
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث الأخذ من الثمر المعلق والمحرز قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص ]. وهو صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة. وهذا الحديث فيه التصريح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو ، فيكون عندما يأتي: عن شعيب عن أبيه عن جده أن المقصود: عبد الله بن عمرو ؛ لأنه هنا ذكر الجد وسماه، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو فهو متصل. القطع في الخلسة والخيانة شرح حديث (ليس على المنتهب قطع...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القطع في الخلسة والخيانة. حدثنا نصر بن علي أخبرنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج قال: قال أبو الزبير : قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المنتهب قطع، ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب القطع في الخلسة والخيانة ]. والخلسة: هي أخذ الشيء من المكان الظاهر الذي ليس في حرز بخفية، فيأتي الإنسان ويأخذه خلسة، والانتهاب: كونه ينهبه من صاحبه نهباً، فكل هذا لا قطع فيه؛ لأن القطع إنما جاء في السرقة، والسرقة هي أخذ الشيء من حرزه؛ لأن هذا شيء صعب الوصول إليه، أما إذا كان منتهباً فالذي انتهب يمكن أن يعرف فيطالب أو يتابع حتى يوصل إلى الحق الذي أخذه، وكذلك الذي أخذ خلسة إذا كان أمراً ظاهراً فإنه قد يطلع عليه وقد يظهر، بخلاف الذي يأخذ من حرز خفية، فإنه في الغالب لا يطلع عليه؛ ولهذا جاء القطع فيه بالسرقة، وجاء أنه لا قطع على المنتهب، وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله قال: (ليس على المنتهب قطع…)، والمنتهب: هو الذي ينتهب الشيء من صاحبه علانية. ومعلوم أن هذا يمكن أخذ الحق منه برفع أمره إلى السلطان مادام أنه أخذه علانية وهو معروف عنده، فيستطيع أن يتابعه وأن يرفع أمره إلى السلطان فيحصل على حقه، فلا يكون في ذلك قطع، وإنما القطع يكون في السرقة التي فيها خفاء. قوله: [ (ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا) ]. يعني: من انتهب نهبة مشهورة لها شأن وقيمة، ويرفع الناس إليها أبصارهم؛ لأنها لها منزلة وقيمة عندهم، (فليس منا) يعني: فيه تحذير ووعيد شديد في حق من يكون كذلك. تراجم رجال إسناد حديث (ليس على المنتهب قطع...) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قال أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ليس على الخائن قطع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على الخائن قطع) ]. أورد أبو داود الحديث من نفس الطريق فقال: وبهذا الإسناد، أي: الذي تقدم، وبالصفة التي ذكرت قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس على الخائن قطع) والخائن: هو الذي يؤتمن على شيء فيجحده أو يخون فيه أو يخفيه أو يأكله، فالخيانة تكون مع الائتمان؛ لأنه أمين خان وجحد الشيء الذي في حوزته والذي اؤتمن عليه، فليس عليه قطع؛ لأن هذا من جمله الأشياء التي يمكن أن يحاكم بها ويرفع الأمر إلى السلطان، وعند ذلك يحكم القاضي بالشيء الذي يراه، وليس من جنس السرقة التي فيها خفاء والتي يكون فيها أخذ الأموال من غير أن يعرف ذلك الآخذ، إذ إن هذا رجل معروف ائتمن ولكنه خان في أمانته. قوله: [ وبهذا الإسناد قال: قال رسول الله ]. يعني: الذي هو موجود قبله، دون أن يكرر الإسناد ويأتي به، بل أتى بالمتن فقط، واختصر أو أشار إلى الإسناد بقوله: وبهذا الإسناد، الذي مر قبل ذلك، وهذا نادر من فعل أبي داود ، كونه يقول: وبهذا الإسناد. فإن من عادته أن يكرر الأسانيد، ولكنه هنا اكتفى بهذه العبارة عن أن يسوق الإسناد من أوله إلى آخره. وبوب أبو داود فقال: [ باب القطع في الخلسة والخيانة ] فعبر بالقطع، يعني: حكم القطع وهل يقطع أو لا يقطع؟ والجواب: أنه لا يقطع. شرح حديث (... ولا على المختلس قطع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله زاد: (ولا على المختلس قطع) ]. قوله: [ بمثله ]، الذي هو الخيانة، وهو حديث: (ليس على الخائن قطع) ثم قال: وفيه زيادة: (وليس على المختلس قطع)، والمختلس -كما عرفنا- هو الذي يأخذ الشيء الظاهر خفية، والسرقة: هي أخذ الشيء من حرزه، والخائن: هو الذي يكون عنده شيء يؤتمن عليه فيخون فيه ويجحده، ويزعم بأنه ليس عنده. تراجم رجال إسناد حديث (... ولا على المختلس قطع) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. نصر بن علي مر ذكره. [ أخبرنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج و أبو الزبير و جابر قد مر ذكرهم. [ قال أبو داود : هذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير ، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين الزيات ]. قال أبو داود : إن هذين الحديثين لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير ، وهو مدلس، والمدلس إذا لم يصرح بالتحديث يحتمل أن يكون هناك واسطة محذوفة بينه وبين من دلس عنه، وقال هنا: إنه لم يسمعهما، وقال: بلغني عن أحمد بن حنبل أن بين ابن جريج وبين أبي الزبير ياسين بن معاذ الزيات، وهو ضعيف ليس بثقة، يعني: توجد واسطة. [ قال أبو داود : وقد رواهما المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذه طريق أخرى معلقة، وذكر فيها أنه قد رواه عن أبي الزبير غير ياسين الزيات الذي أشار إليه أبو داود فيما بلغه عن الإمام أحمد ، يعني: طريق أخرى. وعلى هذا: فهذا الذي جاء من طريق ابن جريج عن أبي الزبير بالعنعنة قد جاء ما يعضده ويؤيده، فارتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه حجة معمولاً به؛ لأنه جاء ما يؤيده. و ياسين بن معاذ الزيات هذا ضعيف، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه: تهذيب التهذيب في حديث أظنه حديث المهدي قال: وكان هناك ياسين العجلي قال الحافظ ابن حجر : وقد جاء ذكر ياسين غير منسوب عند ابن ماجة فظنه بعض المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به ولم يصنع شيئاً، وإنما هو ياسين العجلي ، وهذا يبين لنا أن التضعيف أو أن الاختلاف في التضعيف والتصحيح تكون بالاختلاف في الأشخاص، وأن من ضعف حديثاً قد يظن أنه يأتي الرجل مهملاً غير منسوب فيظن أنه ذلك الضعيف فيضعف الحديث به، ويكون الواقع أنه ليس هو؛ لأنه جاء من طريق أخرى منسوباً وأنه غير ذلك الضعيف. قوله: [ قال أبو داود : وقد رواهما المغيرة بن مسلم ]. المغيرة بن مسلم صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة . وما ذكره أبو داود ؛ لأنه جاء هنا معلقاً، ولم يأت في المسندات، وكان الإتيان بمن روى له أبو داود في المسندات لا في المعلقات. ما جاء فيمن سرق من حرز شرح حديث قطع النبي ليد سارق خميصة صفوان بن أمية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من سرق من حرز. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عمرو بن حمال بن طلحة حدثنا أسباط عن سماك بن حرب عن حميد بن أخت صفوان عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً فجاء رجل فاختلسها مني، فأخذ الرجل فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به ليقطع، قال: فأتيته فقلت: أتقطعه من أجل ثلاثين درهماً؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب من سرق من حرز ]. يعني: أن القطع يكون فيما سرق من حرز، والحرز يكون مثل البيوت والصناديق والمخابئ أو الجيوب كجيب الإنسان وغيرها من الأحراز التي يحفظ فيها المال، وكذلك هنا في كون الإنسان توسده وجعله وسادة له، واستله من تحته وأخذه فإنه في حرز، وكذلك أيضاً هو في المسجد، ولكن كونه في المسجد هذا لا يعتبر حرزاً؛ لأن المسجد عام للناس، فيكون فيه من الأمور الظاهرة، ولكن كونه قد توسده وجعله له وسادة فهذا هو حرز. قوله: [ (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً فجاء رجل فاختلسها مني) ]. جاء في بعض الروايات أنه توسدها، ومعنى ذلك: أنها كانت في حرز، ومحل الشاهد أنه كان قد توسدها. قوله: [ (فأخذ الرجل فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع) ]. لأنه أخذها من حرز فقال: (أنا أبيعه إياه وأنسئه ثمنها) يعني: أصبر عليه في القيمة، فأنا أملكه إياها وقيمتها ثلاثون درهماً، فأنا أطالبه بها وأجعلها نسيئة، يعني لا آخذ منه ثمنها الآن، وإنما أمهله وآخذ منه ذلك في المستقبل، قال: (فهلا كان ذلك قبل أن تأتيني)، وهذا يبين أن الأمور إذا وصلت إلى السلطان فليس هناك إلا التنفيذ، ولا مجال للشفاعة فيها أو التنازل من صاحب الحق في ذلك، وإنما كان هذا قبل أن تصل إلى السلطان، فإذا وصلت إليه فليس لصاحبه أن يتنازل، وليس لأحد أن يشفع عند السلطان، وليس للسلطان أن يعفو ويسامح. تراجم رجال إسناد حديث قطع النبي ليد سارق خميصة صفوان بن أمية قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا عمرو بن حمال بن طلحة ]. عمرو بن حمال بن طلحة صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ حدثنا أسباط ]. هو أسباط بن نصر ، وهو صدوق كثير الخطأ يغرب، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حميد بن أخت صفوان ]. حميد بن أخت صفوان مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن صفوان بن أمية ]. صفوان بن أمية رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. حديث قطع النبي ليد سارق الخميصة من طرق أخرى وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : ورواه زائدة عن سماك عن جعيد بن حجير قال: نام صفوان . ورواه مجاهد و طاوس : (أنه كان نائماً فجاء سارق فسرق خميصة من تحت رأسه). ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: (فاستله من تحت رأسه؛ فاستيقظ فصاح به فأخذ). ورواه الزهري عن صفوان بن عبد الله قال: (فنام في المسجد وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه، فأخذ السارق فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الطرق في هذا الحديث، وفيها: أنه كان متوسداً له، وأنه استله منه، وهذا هو الحرز، وهو الذي أورده من أجله أبو داود . أما لو كان لم يتوسده فإنه يكون من قبيل الاختلاس، يعني: أخذ الشيء الظاهر بخفية، ولكن كونه يأخذه من تحت رأسه أو يأخذ من جيبه شيئاً فإن هذا أخذ من الحرز فيستحق به القطع. قوله: [ ورواه زائدة عن سماك ]. زائدة بن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وسماك مر ذكره. [ عن جعيد بن حجير ]. هو حميد بن أخت صفوان . [ ورواه مجاهد و طاوس ]. مجاهد بن جبر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ورواه الزهري عن صفوان بن عبد الله ]. محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و صفوان بن عبد الله ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و النسائي و ابن ماجة . وهذا الأخير عن الزهري عن صفوان بن عبد الله قال: (فنام في المسجد). يعني: هذا مرسل فيه انقطاع، لكن هذه الطرق بمجموعها تدل على ثبوت الحديث. ما جاء في القطع في العارية إذا جحدت شرح حديث (أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في القطع في العارية إذا جحدت. حدثنا الحسن بن علي و مخلد بن خالد المعنى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال مخلد : عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : (أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فقطعت يدها) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب القطع في العارية إذا جحدت ]، يعني: حكم القطع، هل تقطع أو لا تقطع؟ وأورد أبو داود رحمه الله بعض الأحاديث في ذلك، وفيها ذكر القطع، وقد جاءت أو أكثر الروايات التي فيها القطع في العارية تدل على أنها سرقت، وأنها متصفة بالسرقة وبجحد العارية، فيكون قطعها بسبب السرقة، وليس بجحد العارية؛ لأن جحد العارية داخل في الخيانة، فقد ثبت أنه لا قطع على خائن؛ لأن الخائن يمكن أن يتوصل إلى ما عنده عن طريق السلطان والوالي، وأما السرقة فهي التي يكون فيها خفاء، فكانت عقوبتها أن تقطع اليد بسبب تلك الجناية. وجاء في بعض الأحاديث ذكر الجحد والقطع، وجاء في بعضها -وهي أكثر الروايات- أنها سرقت وقطعت، وذكر جحد العارية إنما كان من باب التعريف وأنها قد اشتهرت بذلك، فلم يكن القطع لهذا، وإنما كان القطع للسرقة. وقد مر الحديث الذي فيه شفاعة أسامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله؟) قال: (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وجاء فيه أن المخزومية كانت سارقة، فدل على أن القطع إنما هو بسبب السرقة، والعارية جاءت من باب التعريف، وقد جاءت الأحاديث التي تدل على عدم القطع بالخيانة وهذا من هذا القبيل. تراجم رجال إسناد حديث (أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده...) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ و مخلد بن خالد ]. هو مخلد بن خالد الشعيري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ قالا: حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال مخلد : عن معمر ]. ومخلد بن خالد قال: عن معمر ، يعني: روى بالعنعنة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع عن ابن عمر ]. نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث المخزومية التي سرقت من طرق أخرى [ قال أبو داود : رواه جويرية عن نافع عن ابن عمر ، أو عن صفية بنت أبي عبيد زاد فيه (وأن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله؟ ثلاث مرات وتلك شاهدة فلم تقم ولم تتكلم)، ورواه ابن غنج عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قال فيه: (فشهد عليها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه أنه قال: عن ابن عمر أو صفية بنت أبي عبيد و صفية بنت أبي عبيد هي زوجة ابن عمر ، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال: هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله؟). يعني: مما حصل منها من الجناية، وكانت تلك المرأة حاضرة -أي: المخزومية- فلم تقم. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه ابن غنج عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد قال فيه: (فشهد عليها) ]. يعني: أنها ما تابت ولا حصل لها أن تابت أو اعترفت، فشهد عليها بالسرقة، والقطع لا يكون إلا بالاعتراف أو الشهادة. تراجم رجال إسناد حديث المخزومية التي سرقت من طرق أخرى قوله: [ رواه جويرية ]. هو جويرية بن أسماء الضبعي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن نافع عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد ]. يعني: شك هل هو عن ابن عمر أو عن صفية ، و صفية بنت أبي عبيد ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة، وقيل لها رؤية، وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة. [ ورواه ابن غنج ]. هو محمد بن عبد الرحمن بن غنج ، وهو مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد ]. نافع و صفية بنت أبي عبيد مر ذكرهما. شرح حديث (استعارت امرأة -يعني حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو صالح عن الليث قال: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: كان عروة يحدث أن عائشة قالت: (استعارت امرأة -تعني: حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، فباعته، فأخذت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة كانت تستعير المتاع بأسماء أناس يعرفون ولا تعرف، أي: تأتي وتقول: إن آل فلان يريدون منكم كذا وكذا، وهي كاذبة، فتأخذه وتبيعه وتستفيد منه، وأولئك الذين سمتهم هم معروفون للذين استعير منهم، وهم ما طلبوا منها ولا أرسلوها، وإنما هو كذب منها عليهم. قوله: [ (استعارت امرأة -تعني: حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي) ]. يعني: تقول إن أولئك يريدون منكم كذا وكذا فكأنها مندوبة لهم. قوله: [ (فباعته، فأخذت فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال) ]. يعني: قال: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها..) وجاء في تلك الرواية السابقة أنها سرقت. فإذاً: القصة واحدة، وجاء فيها التعبير بالسرقة، وجاء التعبير بالاستعارة والخيانة، فهي متصفة بهذا وهذا، والقطع إنما كان للسرقة ولم يكن من أجل جحد المتاع. تراجم رجال إسناد حديث (استعارت امراة -يعني حلياً- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته..) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا أبو صالح ]. محمد بن يحيى بن فارس مر ذكره و أبو صالح هو عبد الله بن صالح ، وهو صدوق كثير الغلط، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن الليث ]. هو الليث بن سعد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كان عروة يحدث أن عائشة ]. عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حديث: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي بقطع يدها) من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم و محمد بن يحيى قالا:حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) وقص نحو حديث قتيبة عن الليث عن ابن شهاب زاد: (فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم. قوله: [ حدثنا عباس بن عبد العظيم ]. هو عباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و محمد بن يحيى قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً. الأسئلة حكم تنزيل الآيات القرآنية على يهود ونصارى اليوم السؤال: يهود اليوم هل تنزل عليهم الآيات القرآنية التي تخص اليهود أم يقال: إن هؤلاء يهود بالاسم فقط وهم علمانيون لا دين لهم، ولا تشملهم الآيات التي تتحدث عن اليهود؟ الجواب: اليهود والنصارى منذ قديم الزمان وإلى الآن هم يهود ونصارى، وهم أهل كتاب، يعني: اليهود ينتمون إلى موسى، والنصارى ينتمون إلى عيسى، ومعلوم أن الشرك والكفر كان موجوداً فيهم؛ وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن نزل في بيان ما عندهم، وأن النصارى قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، واليهود قالوا: عزير ابن الله، وأنهم مشركون وكفار، فالأحكام السابقة تجري فيهم الآن، وهي أنهم أهل الكتاب وهم يهود ونصارى، وغير ذلك. حكم نسخ الأقراص المشتملة على العلوم الشرعية المشروطة بالحلف على أنها نسخ أصلية السؤال: ما رأيكم في نسخ الأقراص التي تحتوي على كتب شرعية علماً بأن بعض الأقراص نسخها يحتاج إلى أن يحلف الناسخ بأن هذه النسخة هي النسخة الأصلية؟ الجواب: إذا كان الأمر كذلك، وأنه لابد من حلف، فلا يجوز له أن يحلف كاذباً، وإنما عليه أن يكون صادقاً. حكم جلوس العروسين أمام النساء السؤال: نحن مؤسسة نعمل في الزينة، ويوجد عندنا عمل (كوش) أفراح، وهي تستعمل في قصور الأفراح غالباً، وقد يجلس على هذه (الكوشة) العروسة فقط، وقد يجلس عليها العروسان أمام الحضور من النساء، فهل يجوز عمل مثل هذه (الكوش)؟ الجواب: هذه أشياء غريبة وأسماؤها غريبة، فالاسم والمسمى غريبان، وكون العروس والعروسة يكونان أمام النساء هذا سفه! حكم من خرج للجهاد من غير إذن الوالدين فقتل السؤال: من خرج للجهاد من غير إذن الوالدين فقتل هل يعتبر شهيداً؟ الجواب: أمره إلى الله. حكم من فر أثناء القتال فقتل السؤال: من فر أثناء القتال فقتل هل يعتبر شهيداً؟ الجواب: الفرار من الزحف من الكبائر إذا لم يكن متحيزاً إلى فئة، وهو من السبع الموبقات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، فكون الإنسان يفر ويقتل وهو في حال فراره فإنه يعتبر مرتكباً هذه الكبيرة، ولا يكون شهيداً. العلاقة بين قول أبي داود: باب ما لا قطع فيه، وقوله: باب القطع في الخلسة والخيانة السؤال: في الباب السابق الذي درسناه قال: باب ما لا قطع فيه، وذكر حديث الثمر والكثر، ثم قال: باب القطع في الخلسة والخيانة، وقلتم: إن المراد أنه لا يقطع، فلماذا ما ذكره في الباب الأول الذي هو: باب ما لا قطع فيه؟ الجواب: كأن ذاك عام وهذا خاص، ولو ذكره تحت ذلك الباب لصار دخوله مناسباً، فكأنه أراد أن يقصر ذلك على الشيء الذي يتعلق بالثمر والكثر والشجر، وأما الخلسة فلكون لها هيئات تخصها فذكرها ونص عليها بأسمائها، وأما من ناحية العموم فإنه يشمل هذا وهذا؛ لأن الكل لا قطع فيه، وإنما أراد أن يجعل العام لوحده والخاص لوحده. إعراب حديث (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً) السؤال: حديث: (كنت نائماً في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثين درهماً) فهل يوجه جر (ثلاثين) على الجر بالمجاورة؛ لأن (ثلاثين) جاورت الهاء المجرورة، أو نخرجها على أنها مضافة لشيء محذوف تقديره: بقيمة ثلاثين؟ الجواب: مادام أنه موجود في بعض النسخ (ثلاثين) فقد اتضح المقصود، يعني: كأن الهاء زائدة من ثمنها، والأصل ثمن ثلاثين. ذكر التعزير في حديث العبد الذي أخذ ودياً فأدبه مروان السؤال: حديث العبد الذي أرسله مروان بعدما جاء رافع بن خديج وحدثه، كيف أرسله ومثل هذا عليه تعزير حتى يؤدب وينزجر عن هذا الفعل؟ الجواب: قد جاء ذكر التعزير في الرواية الثانية وفيها أنه جلده. حكم الأخذ من ثمر النخيل الذي في الشوارع العامة السؤال: هل يجوز للإنسان أن يأكل من ثمر النخل الذي يكون في طريق عامة، وهو غير مملوك؟ الجواب: نعم يجوز، ولكن لا يحمل شيئاً منه؛ لأن هذا فيه جهة مسئولة عنه، وهي البلديات، ولكن كون الإنسان يحتاج إلى أن يأكل منه فإن وله ذلك، ولكن كونه يجذه ويذهب يبيعه فلا يمكن. وإذا كانوا يتركونه حتى يتساقط، فليذهب إلى البلدية ويستأذنهم، ويأتي الطرق من أبوابها. حكم التيمم في ساحة الحرم الخارجي السؤال: هل يجوز التيمم في ساحة الحرم الخارجي؟ الجواب: يجوز للإنسان أن يتيمم في الساحات وعلى الجدران، كل ذلك جائز، والرسول تيمم على جدار."
__________________
|
#819
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [496] الحلقة (527) شرح سنن أبي داود [496] إن الحدود في الإسلام إنما شرعت جبراً للنقص الذي طرأ على المسلم نتيجة مقارفته لهذا الحد، وزجراً له ولغيره من الناس عن الوقوع في هذا الحد، ولما كان هذا الأمر يستلزم حضور العقل فقد عفي عن كل من لم يحضر عقله وإدراكه عند ذلك كالمجنون والصبي. ما جاء في المجنون يسرق أو يصيب حداً شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً]، أي: ما حكمه؟ هل يقطع أو هل يقام عليه الحد؟ والمجنون إذا كان حصل منه الذي يقتضي إقامة الحد في حال جنونه فإنه لا حد عليه؛ لأنه غير مكلف وغير مؤاخذ؛ ولأن عقله ليس معه، وأما إن كان يصحو ويحصل له الجنون في فترات متقطعة، فإنه إذا حصل ذلك في حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه فعل وهو مكلف. فإذاً: فيه تفصيل، إن كان حصل في حال جنونه وعدم صحوه فإنه لا يؤاخذ ولا يكلف، ولا يقام عليه الحد، وإن حصل في حال سلامته من الجنون، وفي حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لكونه فعل الأمر المحرم الذي يكون عليه الحد في حال تكليفه. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصغير حتى يكبر)، يعني: حتى يصل إلى سن البلوغ. ومعنى: (رفع القلم)، يعني: أنه رفع الإثم والمؤاخذة عليه في حال صغره، وحال جنونه، وحال نومه، فإنه لا يكون مؤاخذاً، وهذا فيما يتعلق بالإثم، وفيما يتعلق بكتابة الشر، يعني: رفع ذلك عنه فإنه لا يؤاخذ، وأما بالنسبة للثواب والحسنات، فإن ذلك يحصل له كما جاء في حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً، وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجرٌ)، يعني: هو له حج، وهي لها أجر، لكونها حجّجته، ولكونها نوت الحج عنه. وعلى هذا فلا يؤاخذ على ما يحصل منه في حال جنونه، وفي حال صغره، وفي حال نومه؛ لأنه قد رفعت عنه المؤاخذة، وكتابة الشرور والأعمال السيئة؛ لأنه ليس من أهل التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصحيح حتى يكبر). تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم الليلة. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا حماد بن سلمة ]. هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن حماد ]. هو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. هو الأسود بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: (أُتي عمر رضي الله عنه بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين!أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بمجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فلما ذُهِب بها لترجم مُر بها على علي فسأل عنها وأُخبر، فجاء إلى عمر وقال له: أما علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ؟ قال: بلى، فقال: فما بالها؟ قال: لا شيء) يعني: أنه لا شيء عليها يعني: أنه رجع عن اجتهاده إلى أنه لا يقام عليها حد. ومن المعلوم أن عمر رضي الله عنه لا يعقل أن يكون أمر برجمها وهي قد أتت ذلك في حال جنونها؛ لأنه لا مؤاخذة على مجنون، وإنما يكون الأمر أنها تصحو ويحصل لها الجنون في فترات متقطعة، فيكون ذلك على اعتبار أنه قد حصل منها في حال صحوها، وهذا هو الذي يُستحق به إقامة الحد، وأما إن كان في حال الجنون ممن يصحو ويحصل له الجنون، فإنه لا يقام عليه الحد إذا حصل فعل المنكر في حال جنونه؛ لأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم؛ ولكنه إذا كان في حال سلامته من الجنون في بعض الأوقات، ثم أتى الأمر المنكر، فإن هذا هو الذي يقام عليه الحد، فعمر رضي الله عنه لعله رأى أن هذا كان في حال صحوها، وفي حال سلامتها من الجنون، وأنه لما جيء بها، أو كلمه علي رضي الله عنه في شأنها فقال: إن القلم رفع، معناه: أن ذلك قد حصل منها حال جنونها، والحدود تدرأ بالشبهات، وهذه شبهة، فعند ذلك عمر رضي الله عنه قال: لا شيء عليها، ثم أرسلها وتركها ولم يحدّها. وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء عن عمر ، فلما ذكر علي له ذلك، رأى أن هذا مما تدرأ به الحدود، وترك إقامة الحد عليها. قوله: [ عن ابن عباس قال: (أُتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم فمُر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت: أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلْها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ]. وعلى هذا فيكون عمر رضي الله عنه إنما كان فعل ذلك لأنه رأى أن ذلك في حال صحوها أو في حال مقاربتها للصحو، وقد استشار بعض الناس في ذلك، ولعله أشير عليه بذلك، وكان عمر رضي الله عنه يستشير فيما لا نص فيه؛ ولكن لما كانت المسألة فيها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات أشار عليه علي بذلك، فإنه قال: لا شيء، أي: لا شيء عليها. فكان تغير اجتهاده من كونه يرجمها إلى كونه لا يرجمها، وأن ذلك من الشبهات التي تدرأ بها الحدود. وفي مخاطبة علي رضي الله عنه لعمر بقوله: (يا أمير المؤمنين!) دليل على ما كان عليه علي رضي الله عنه من رضا بولاية الشيخين قبله؛ وكذلك ولاية عثمان قبله، وأنه كان يخاطبهم بإمرة المؤمنين، وأنه لم يحصل منه شيء يخالف ما هم عليه، وأنه قد أخذ منه شيء، وأن الحق كان له، فلم يحصل شيء من ذلك، ولم يطالب علي رضي الله عنه بشيء أخذ منه، بل كان يتابعهم ويصلي وراءهم، ويغزو معهم ويقوم بالشيء الذي يطلب منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فالقول بأن الحق له، وأن أولئك -أي: الصحابة الذين قبله أبو بكر و عمر و عثمان - إنما هم مغتصبون هذا من البهتان، وهذا من الكذب، و علي رضي الله عنه من أشجع الناس، ولو كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الحق له ما كان يخفيه، ولو كان عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم علم بأن الحق لعلي ما كان أحد منهم يقدم على ترك شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الذي حصل من علي يدل على أنه ليس عنده تأثر وتألم، وأنه حيل بينه وبين ما يستحق، فالذي حصل من مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي هذا هو الذي أراده الله شرعاً وقدراً، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وجاء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء). قوله: [ (أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء) ]. قوله: (لا شيء) لأنه تغير اجتهاده عما كان من قبل من أجل درء الحدود بالشبهات. قوله: [ (قال: فأرسلها قال: فأرسلها قال: فجعل يكبر) ]. يعني: يقول: الله أكبر، وقد كانوا يكبرون عند الأمور العظيمة والمستحسنة، بينما الناس في هذا الزمان يصفقون، وفيما مضى كانوا يكبرون، والتكبير ذكر، والتصفيق ليس مما شرع، وليس مما جاء شيء يدل عليه، فالسنة عند ذكر الأمور المستحسنة هو التكبير كما جاء في هذا الأثر عن عمر ، وكما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة -أو ثلث أهل الجنة- فكبروا وقالوا: الله أكبر)، يعني: أنه أعجبهم وفرحوا وسروا فصاروا يكبرون. تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثانية قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي ظبيان ]. هو الحصين بن جندب الجنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المكثر من الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن العجيب الغريب: أنه ظهر في هذا الزمان شخص ابتلي بالنيل من الصحابة والكلام عليهم، فزعم أن العباس بن عبد المطلب ليس بصحابي، وأن ابنه عبد الله بن عباس ليس بصحابي، وهذا من عجائب الزمان كون إنسان يتفوه بمثل هذا الكلام ويقوله، فإن هذا من أبطل الباطل، وقد نادى على نفسه بالخزي في هذه الحياة الدنيا، فإن القول بأن العباس ليس بصحابي خزي على من يقوله. [ عن علي ]. هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: أتي عمر ]. هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع عن الأعمش نحوه، وقال أيضاً: (حتى يعقل)، وقال: (وعن المجنون: حتى يفيق)، قال: فجعل عمر رضي الله عنه يكبر ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، مع اختلاف في بعض العبارات من حيث الترادف. قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ]. يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وقد مر ذكره. حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق رابعة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمعنى عثمان ، قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت، قال: فخلى عنها) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو ابن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن مهران ]. سليمان بن مهران هو الأعمش ، وهنا ذكر باسمه، وفيما مضى ذكر بلقبه، ومن أنواع علوم الحديث معرفة الألقاب للمحدثين، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى، فيظن أن سليمان بن مهران غير الأعمش ، ومن عرف أن الأعمش لقب لسليمان بن مهران فسواء جاء ذكر الأعمش أو جاء ذكر سليمان بن مهران عرف أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه. [ عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي]. وقد مر ذكرهم. شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق خامسة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن أبي الأحوص ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي قال: أُتي عمر رضي الله عنه بامرأة قد فجرت فأمر برجمها فمر علي رضي الله عنه فأخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر قال: ادعوا لي علياً ، فجاء علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ)، وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها قال: فقال عمر : لا أدري، فقال: علي رضي الله عنه: وأنا لا أدري ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى في قصة المرأة المجنونة التي زنت، وفيه: أن علياً رضي الله عنه قال: لعل التي أتاها أتاها في حال بلائها، يعني: في حال جنونها، وكونها مبتلاة؛ لأنها تجن وتصحو، فلعله حصل ذلك في حال جنونها، ومعنى ذلك: أنها غير مكلفة، فقال عمر : لا أدري، أنه حصل في حال جنونها، ثم قال علي : لا أدري أنه حصل في حال صحوها، إذاً: فالمسألة محتملة، والحدود تدرأ بالشبهات، فترك عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليها. تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق خامسة قوله: [ حدثنا هناد ]. هو هناد بن السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الأحوص ]. هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب ]. عثمان بن أبي شيبة و جرير مر ذكرهما، و عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، و جرير ممن روى عنه بعد الاختلاط، ولكنه كما هو معلوم موافق للروايات الأخرى، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح إلا قوله: (لعل الذي أتاها أتاها في حال بلائها) يعني: إن هذا مما انفرد به عطاء بن السائب في هذه الطريق، وأما ما عدا ذلك فهو موجود في الطريق الأخرى، ولا إشكال في هذه الجملة أيضاً من ناحية أن علياً رضي الله عنه ذكر الاحتمال وأشار إليه، و عمر رضي الله عنه لو علم أن الذي حصل هو في حال البلاء لا يمكن أن يقيم عليها حداً وهي فاقدة العقل، ولكن لعله ظن أو علم بأنه حصل في حال صحوها؛ ولهذا قال: (لا أدري) يعني: أنه حصل في حال كذا، ثم قال علي : لا أدري أنه إنما حصل في حال صحوها، وما دام الأمر فيه اشتباه: فإن الحدود تدرأ بالشبهات. [ عن عطاء بن السائب ]. عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي ]. أبو ظبيان مر ذكره، وهناد -وهو أحد الشيخين- زاد الجنبي ، أي: زيادة على أبي ظبيان ، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: أبو ظبيان فقط، ولم يقل: الجنبي ، يعني: هذا فيه إشارة إلى الفرق بين ما جاء عن شيخي أبي داود أحدهما قال: أبو ظبيان الجنبي ، والثاني قال: أبو ظبيان فقط، ولم يأت بزيادة الجنبي . معنى قوله (فخلى سبيلها) الواردة في الحديث قوله: [ فخلى سبيلها ]، لعل المقصود -على ما جاء في الروايات السابقة- أنه حال بينها وبين القتل، ويمكن أنه قال: اتركوها ولا ترجموها، وإذا كان المقصود أنه أمر بإطلاقها، ففيه نكارة؛ لأن معناه: أنه تصرف دون الرجوع إلى الإمام، ولكن الذي مر في الروايات السابقة: أنه جيء بها، أو أنه قال: لا ترجموها، فيمكن أن يكون أنه أرسلها، ويمكن أن يكون المقصود بذلك كونه قال: لا ترجموها، وأنه حال بينها وبين الرجم، فيمكن أن يكون هذا هو الإرسال، وإذا كان الأمر كذلك فلا إشكال، وإن كان المقصود أنه أطلقها وتركها دون مراجعة الإمام، نقول: هذا لا شك أن فيه نكارة؛ لكن الألباني الذي أنكره هو الكلام الأخير وهو قوله: (لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها) أي: في حال جنونها. ذكر من روى عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه الذين عرفت روايتهم عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم سبعة، وقد سبق أن عرفنا أن الحافظ ابن حجر في آخر ترجمة عطاء بن السائب في تهذيب التهذيب، ذكر أن هؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط، ومنهم سفيان الثوري و شعبة ، و حماد بن زيد ، وذكر ستة، وذكر الشيخ الألباني السابع وهو الأعمش. وأما أبو الأحوص و جرير فليسا من هؤلاء الذين عرف أنهم رووا قبل الاختلاط، والمختلط تعتبر رواية من روى عنه قبل الاختلاط. قوله: [ عن أبي ظبيان قال: هناد : الجنبي ، قال: أُتي عمر بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها.. ]. وهو مرسل ولكنه مطابق لما تقدم إلا في بعض الألفاظ الجديدة. شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة..) من طريق سادسة، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) ]. أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل)، وهو مثل ما تقدم، وهو الذي جاء عن علي رضي الله عنه، وتذكيره لعمر به. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ] . هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الضحى ]. هو مسلم بن صبيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علي ]. علي رضي الله عنه قد مر ذكره. وأبو الضحى لم يدرك علياً ، وألفاظ الحديث مرت في الأحاديث السابقة. حديث (رفع القلم عن ثلاثة..) من طريق أخرى معلقة، وتراجم رجال إسناده [ قال أبو داود : رواه ابن جريج عن القاسم بن يزيد عن علي رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم زاد فيه: (والخرف) ]. أورد أبو داود طريقاً معلقة زاد فيها: (والخرف)، يعني: الذي بلغ من الكبر ما حصل منه التخريف، فهو بسبب الهرم والكبر صار لا يعقل من غير أن يكون به جنون، فإذاً: حكمه حكم المجنون، وهو مماثل له، فإذا حصل منه شيء فهو في حال خرفه لا يقام عليه الحد كالمجنون، وإن كان تحصل له الإفاقة أحياناً، ويحصل له البلاء أحياناً أخرى، فما كان في حال خرفه لا يؤاخذ عليه، وما كان في حال رجوع عقله وذاكرته فإنه يؤاخذ كما يؤاخذ المجنون لو ثبت أنه حصل في حال صحوه. [ قال أبو داود : رواه ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن يزيد ]. القاسم بن يزيد مجهول، أخرج له ابن ماجة . [ عن علي ]. علي رضي الله عنه. وهذا سند منقطع، وفيه راو مجهول أيضاً. ما جاء في الغلام يصيب الحد شرح حديث عطية القرظي (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الغلام يصيب الحد. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان أخبرنا عبد الملك بن عمير حدثني عطية القرظي، قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في الغلام يصيب حداً]. الغلام الصغير الذي لم يبلغ لا يقام عليه الحد كما سبق أن مر في المجنون؛ لأنه داخل في حديث الثلاثة الذين رفع عنهم القلم، وهو غير مكلف، ولا يؤاخذ فلا يقام عليه الحد، وإنما يقام الحد على البالغ، والبلوغ يحصل بالنسبة للذكور بثلاثة أمور: أولها: الاحتلام، فلو احتلم في سن مبكرة، فإن احتلامه يدل على بلوغه، وأنه قد بلغ بذلك، وبعض الصغار يحتلمون في سن مبكرة كما جاء عن المغيرة بن مقسم الضبي أنه احتلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقيل: عمرو بن العاص أكبر من ابنه عبد الله بثلاث عشرة سنة. وذكر أيضاً عن الشافعي أنه قال: هناك جدة عمرها واحد وعشرون سنة، فيحصل الاحتلام قبل سن الخامسة عشرة، فإذا وجد الاحتلام قبل هذه السن فإنه يكون بالغاً بذلك، وكذلك إذا نبت شعر خشن عند القبل فإنه يكون علامة على البلوغ. الأمر الثالث: إذا لم يحصل منه احتلام، ولم يحصل منه إنبات شعر، فإنه بتمام خمس عشرة سنة يكون قد بلغ الحلم، وحصل البلوغ وتجاوز سن الصغر، والمرأة تزيد على هذه الأمور الثلاثة بالحيض، فإذا حصل لها الحيض قبل أن تبلغ سن الخامسة عشرة فإنها تكون قد بلغت بذلك. أورد أبو داود حديث عطية القرظي رضي الله عنه، وكان في سبي بني قريظة، ومعلوم أن بني قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ ، بأن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك) يعني: بحكم الله، ولمعرفة من بلغ ومن لم يبلغ لا يسألونهم عن السن؛ لأنهم غير مأمونين على بيان السن، فاليهود يكذبون لو سئلوا، وقد يدعون صغر السن ويقولون هذه المقالة من أجل أن يسلموا من القتل، فكانوا يفتشون عن عوراتهم، فإذا وجدوا الشعر قد نبت اعتبروه من المقاتلة فقتل، وإذا كان لم ينبت اعتبروه من الذرية فصار سبياً، فعطية رضي الله عنه فتشوه ووجدوا أنه لم ينبت، فتركوه ولم يقتلوه فصار من السبي، وقد أورد أبو داود حديث عطية وهو يدل على أن البلوغ يحصل بنبات الشعر الخشن الذي يكون حول القبل. تراجم رجال إسناد حديث عطية القرظي (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون فمن أنبت الشعر قتل...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عبد الملك بن عمير ]. هو عبد الملك بن عمير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عطية القرظي ]. عطية القرظي رضي الله عنه، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب السنن، وهذا رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود . إسناد حديث (كنت من سبي بني قريظة...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير بهذا الحديث، قال: فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني من السبي ]. وهذا مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. هو وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك بن عمير ]. عبد الملك بن عمير مر ذكره. شرح حديث ابن عمر (أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: أخبرني نافع عن ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) ]. وهذا يدل على أن بلوغ خمس عشرة سنة يكون معها البلوغ، ويدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على الجهاد في سبيل الله، فالصغير يرغب في الجهاد؛ ولكنه إذا لم يبلغ لا يمكنونه من ذلك، فقد عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وعمره أربع عشرة سنة فلم يجزه، وعرض عليه وعمره خمس عشرة سنة فأجازه، فدل على أن البلوغ يكون ببلوغ خمس عشرة سنة، فالحديث الأول يدل على أن البلوغ يكون بالإنبات، وهذا يدل على أن البلوغ يكون بهذه السن.
__________________
|
#820
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله ]. هو عبيد الله بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الصحابي الجليل، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وغزوة أحد يقال: إنها في السنة الثالثة، والخندق كانت في السنة الخامسة، ولعلّ ذلك كان في أول هذه وفي آخر هذه، فكان الفرق سنة واحدة، يكون بها بلغ خمس عشرة سنة. حديث ابن عمر (أن النبي عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة...) من طريق أخرى، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله بن عمر قال: قال نافع : حَدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه: أن نافعاً حدث به عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، يعني: بلوغه خمس عشرة سنة. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عمر قال: قال نافع ]. عبيد الله بن عمر و نافع قد مر ذكرهما. ما جاء في الرجل يسرق في الغزو أيقطع شرح حديث (لا تقطع الأيدي في السفر...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن عياش بن عباس القتباني عن شييم بن بيتان و يزيد بن صبح الأصبحي عن جنادة بن أبي أمية قال: (كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتي بسارق يقال: له مصدر قد سرق بختية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ]. قال أبو داود : [باب في الرجل يسرق في الغزو أيقطع؟]. وهذه الترجمة معقودة لبيان من حصل منه ذلك هل يقطع أو لا يقطع؟ ولهذا أتى بها على الاستفهام، أيقطع أو لا يقطع؟ وكونه في الغزو جاء الحديث بأنه لا يقطع، وعدم القطع فيه لاحتمالين: أنه توجد شبهة؛ وذلك أنه قد تكون السرقة من الغنيمة، والغنيمة للإنسان فيها نصيب، والحدود تدرأ بالشبهات. الاحتمال الثاني: أن قطعه قد يلحقه بالكفار، فربما يغره الشيطان ويلعب عليه فيلحق بالكفار، فيكون ذلك سبباً في ارتداده وبعده وإلحاقه بالكفار، فمن أجل ذلك جاء ما يدل على أنه لا يقطع لهذه الاحتمالات. قوله: [ عن جنادة بن أبي أمية قال: (كنا مع بسر بن أرطأة رضي الله عنه في البحر فأُتي بسارق يقال: له مصدر قد سرق بختية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ]. وهذا مبني على أنه لعله كان في غزو، والترجمة كما هو معلوم في الغزو، ومعلوم أن الغزو لا يكون إلا في السفر، وهنا جاء ذكر السفر، فيحتمل أن يكون ذلك في غزو، وفيه أن بسر بن أرطأة رضي الله عنه أُتي برجل قد سرق بختية، والبختية: نوع من أنواع الإبل، وهي البخت التي تأتي من العجم، ومنهم من قال: من خراسان. قوله: [ (لا تقطع الأيدي في السفر. ولولا ذلك لقطعته) ]. ولعل ذلك -كما عرفنا- كان في الغزو، وأما ما يتعلق بالسفر فإن الحدود تقام على من كان حاضراً أو من كان مسافراً، ولكن فيما يتعلق بالغزو فإنه تكون فيه تلك الاحتمالات، فقد يكون سرق من الغنيمة وله فيها نصيب، والحدود فيها شبهات، أو أنه يلحق بالكفار، والناس قد غزو الكفار وذهبوا إليهم، وقد يكون ذلك القطع سبباً في لحوقه بهم. تراجم رجال إسناد حديث (لا تقطع الأيدي في السفر...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وحيوة بن شريح اثنان، أحدهما حمصي والثاني مصري ، والحمصي هو من شيوخ أبي داود ، فعندما يأتي في شيوخ أبي داود : حدثنا حيوة بن شريح ، فالمقصود به الحمصي، وعندما يأتي بينه وبينه واسطتان، أو واسطة فالمراد بها المصري، الذي هو حيوة بن شريح هذا. [ عن عياش بن عباس القتباني ]. عياش بن عباس القتباني ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن شييم بن بيتان ]. شييم بن بيتان ثقة، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ و يزيد بن صبح الأصبحي ]. يزيد بن صبح الأصبحي مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن جنادة بن أبي أمية ]. جنادة بن أبي أمية مختلف في صحبته، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنا مع بسر بن أرطأة ]. بسر بن أرطأة رضي الله عنه، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي. الأسئلة التعليق على كلام الخطابي في علة عدم قطع السارق في الغزو السؤال: يقول الخطابي : هو يشبه أن يكون إنما أسقط عنه الحد؛ لأنه لم يكن إماماً وإنما كان أميراً أو صاحب جيش، وأمير الجيش لا يقيم الحدود في أرض الحرب على مذاهب بعض الفقهاء إلا أن يكون الإمام أو يكون أميراً واسع المملكة. الجواب: لكن قوله: (لولا أنه في سفر لقطعته) يفيد بأن الذي منعه من قطعه كونه في سفر أو كونه في غزو، ولكن لا شك أن الحدود لا يقيمها إلا الإمام أو من ينيبه. الحكم إذا عاد السارق من الغزو السؤال: لا تقطع الأيدي في السفر فإذا رجعوا من السفر فما الحكم؟ الجواب: معلوم أنها تقطع في السفر في غير الغزو، وأما الغزو فإن فيه الشبهة وفيه الاحتمال المعلوم، وإذا كانت المسألة لا شبهة فيها، وقد يكون أنه ما سرق من الغنيمة، وإنما سرق من رفقائه، ومن حرز في حقائب رفقائه، وهذا هو الذي يستبعد ما يتعلق بأن السرقة أنها تكون من الغنيمة، يبقى بعد ذلك شبهة احتمال لحوقه بالكفار. وإذا عاد من الغزو ولم تكن هناك شبهة كأن تكون من الغنيمة فإنه يقطع، والجمهور على أنه يقطع في الحضر والسفر، لكن فيما يتعلق بالغزو إذا كان فيه احتمال السرقة هي الغنيمة فإنها شبهة تدرأ بها الحدود، وإن كان ليس كذلك، وقطعه في الغزو قد يؤدي إلى ضرر أكبر فإنه يؤجل ويؤخر. ما جاء في قطع النباش شرح حديث أبي ذر (... كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في قطع النباش. حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا ذر ! قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فقال: كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف -يعني: القبر- ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، أو ما خار الله ورسوله، قال: عليك بالصبر، أو قال: تصبر). قال أبو داود : قال حماد بن أبي سليمان : يقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في قطع النباش ]، والنباش: هو الذي ينبش القبور، ويسرق الأكفان من الموتى، وكثير من العلماء اعتبروا القبر حرزاً، وكونه يفتح القبر ويستخرج منه الكفن فيكون سرق من حرز، وقد أورد أبو داود الحديث هنا؛ لأنه سمى القبر بيتاً، ومعنى ذلك: أن من نبش القبر واستخرج ما فيه فقد استخرج شيئاً من حرز فيقطع بسبب ذلك؛ ولهذا أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي باب في قطع النباش، وأورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه. قوله: [ (كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟) ]. البيت: الذي هو القبر، بالوصيف: يعني: أنه يشترى بالعبد، أو أنه يحفر القبر وأجرته عبد يدفع له، وذلك لكثرة الموتى، ولحاجة الناس إلى اتخاذ القبور، وأنهم مضطرون إلى أن يدفعوا في مقابل ذلك الوصيف، أو أن الأراضي تضيق على الناس ولا يكون هناك أماكن يدفن بها، فيحتاجون إلى شراء أماكن القبور، أو البقعة التي يدفن فيها الميت ويحفر له فيها قبر يدفن فيه، فتكون قيمتها بالوصيف أي: بالعبد. و أبو داود رحمه الله أورد هذا الحديث؛ لأنه سمى القبر: بيتاً، ومعنى ذلك: أن من فتح القبر فهو مثل الذي فتح الباب أو كسر ودخل البيت وأخرج ما فيه، فهذا بيت وهذا بيت، هذا بيت للحي، وهذا بيت للميت. تراجم رجال إسناد حديث (.. كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف؟...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن أبي عمران ]. مسدد و حماد بن زيد مر ذكرهما، وأبو عمران هو الجوني ، وهو عبد الملك بن حبيب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المشعث بن طريف ]. المشعث بن طريف مقبول، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن الصامت ]. عبد الله بن الصامت ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي ذر ]. هو جندب بن جنادة رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والحديث سبق أن مر بنا في كتاب الفتن. والذي ينبش القبور من أجل أن يحصل على الأكفان هذا يدل على قساوة قلبه والعياذ بالله! والحديث سبق أن مر بنا أنه صحيح، و الألباني صححه. [ قال أبو داود : قال حماد بن أبي سليمان : يقطع النباش؛ لأنه دخل على الميت بيته ]. يعني: دخل على الميت بيته فأخذ كفنه، فالقبر هو بيت الميت، كما أن القصر أو البنيان الذي يسكنه الإنسان بيت الحي، وقد سبق أن ذكرت في تلك المناسبة الكلام الذي ذكره بعض العلماء ناصحاً بعض الولاة، حيث قال له: فاعمر قبرك كما عمرت قصرك. فقوله العالم الناصح لذلك الوالي: اعمر قبرك كما عمرت قصرك أي: اعمره بالأعمال الصالحة التي تفعلها حتى تلقاها بعد الموت، فهذه عمارة القبور، كما جاء في الحديث: (.. يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله)، فيرجع اثنان ويبقى عمله، ويجد الثواب على ذلك في قبره قبل يوم البعث والنشور، كما جاء في حديث البراء أنه إذا كان من الموفقين: (.. يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها ونعيمها، فيكون كذلك حتى تقوم الساعة ..). الأسئلة حكم أخذ جثة الميت وبيعها لطلبة كلية الطب السؤال: بعض الناس في بلادنا يسرق الجثة كاملة ويبيعها لطلبة كلية الطب فهل حده القطع؟ الجواب: هذا أسوأ من النباش، الذي يريد الكفن يجني على الميت، أما الذي يفعل هذا الفعل فهو أسوأ منه بلا شك؛ لأنه أخذ الرجل وكفنه. حكم نبش قبور الكفار لأجل أخذ الحلي منهم السؤال: في بلادنا قبور للنصارى يدفنون موتاهم بحليهم، فيعمد بعض المسلمين فينبشونها ويأخذون ما فيها، فهل تقطع أيديهم؟ وهل صحيح أن قبر الكافر لا حرمة له؟ الجواب: الكافر لا حرمة له، ولكن إذا كان يترتب على الفاعلين مضرة فلا يجوز لهم أن يقدموا على ذلك، ولكن لا تقطع أيديهم؛ لأن هذا مال مضيع، أما الكفن فنعم هذا مكانه، ولا بد منه، وأما المال والذهب فلا تكون في القبور، فإذا كان لا يترتب عليه مضرة وأمكن أخذه فلا بأس، ولا يقال: إنه مال محفوظ في حرز. علة عدم القطع في السفر السؤال: ألا تكون العلة في عدم القطع في حالة السفر هي كون الرجل في السفر يحتاج إلى ذلك كاضطرار الأكل من البستان؛ لأن الإنسان في السفر قد يكون مضطراً إلى الأخذ للأكل كما اضطر من يدخل البستان ليأكل منه، فلا قطع في ثمر ولا كثر؟ الجواب: هذا ليس بواضح؛ لأن الإنسان قد يضطر حتى في البلد، ومسألة الاضطرار لا تكون مسوغاً، والإنسان يمكن أن يأتي الأمور من أبوابها، ويطلب أو يستقرض أو يسأل، ولكن هذا يمكن أن يكون جشعاً وطمعاً ويريد أن يحصل المال بأي وسيلة. ضابط إدراك الركوع بعد الإمام للمسبوق السؤال: من جاء والإمام راكع، هل يدرك الركعة بأن يسبح ولو تسبيحة واحدة أم أن الإدراك يكون بالطمأنينة؟ الجواب: إذا استقر المأموم المسبوق في الركوع قبل أن يسمع: سمع الله لمن حمده من الإمام، فقد أدرك الركوع. معنى قول النبي (هل من امرأة تائبة إلى الله عز وجل ورسوله؟) السؤال: جاء في الحديث: (هل من امرأة تائبة إلى الله عزّ وجل ورسوله؟) ومن المعلوم أن التوبة عبادة فكيف يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ورسوله؟). الجواب: المراد من ذكر الرسول أنها تتوب إلى الله عز وجل؛ ولكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أنه هو المقيم لشرع الله، وهو المنفذ لحدود الله. حكم التكبير بصوت جماعي عند الإعجاب بالموعظة السؤال: في بلادنا إذا سُرّ الناس بما يقوله الواعظ، يقول أحدهم: تكبير، فيقول الباقون: الله أكبر، فما الحكم؟ الجواب: ما يحتاج إلى أن يقال: تكبير، ولكن إذا أعجبهم شيء يقولون: الله أكبر مباشرة، دون أن يلقنهم أحد؛ لأنه قد يكون هناك شيء لا يحتاج إلى تكبير ولا يستحق ذلك. حكم المسحور يعمل المحرمات السؤال: هل المسحور أو الذي به صرع له حكم المعذورين؟ وهل إذا فعل إثماً ثم عُلم أنه مسحور وفعل هذا بغير إرادته لا يقام عليه الحد؟ الجواب: إذا كان فاقد العقل فإنه لا يقام عليه الحد، وأما إذا لم يكن فاقد العقل، وإنما يحصل له شيء من تلك العوارض وعقله موجود معه فإنه يقام عليه الحد، حتى لو كان عنده ألم أو اكتئاب وعدم ارتياح، لكن الشيء الذي يعذر فيه هو فقدان العقل. حكم تأديب السارق بالضرب قبل تسليمه الشرطة السؤال: هل للذي سرق منه أن يقوم بتأديب السارق بالضرب قبل تسليمه للشرطة في البلاد التي لا تطبق الشرع؟ الجواب: ليس للإنسان أن يضربه؛ لأنه لو ضربه يمكن أن يبادله ذاك بضرب أشد، وقد يحصل ضرر أكبر من ضرر السرقة. حكم مناداة الشخص برموز لا تدل على اسمه السؤال: نحن في أندونيسيا من عادتنا أن ننادي إخواننا بأسمائهم مختصرة -فمثلاً- إذا كان الرجل اسمه عبد الرحمن، نناديه: (من!)، وإذا كان عبد الله نناديه (دل) فهل يجوز هذا؟ الجواب: ليس هناك تناسق بين (من) و(عبد الرحمن) لو كان الاسم (منصور) فيمكن يناديه: (من) لأنه بعض (منصور)، فأقول: نادوا بالأسماء كاملة خير لكم. حكم الصبي إذا فعل محظوراً من محظورات الإحرام السؤال: الصبي إذا فعل محظوراً من محظورات الإحرام في الحج أو في العمرة، هل يجب عليه ما يجب على المكلف أو يجب على وليه؟ الجواب: يجب على وليه أن يقوم بما يلزم عليه، كما يقوم بما يلزم على نفسه؛ لأنه هو الذي جعله يدخل في هذا النسك أو مكنه من الدخول في النسك. ما جاء في السارق يسرق مراراً شرح حديث (جيء بسارق إلى النبي فقال اقتلوه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السارق يسرق مراراً. حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي حدثنا جدي عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: (جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق، فقال: اقطعوه، ثم أُتي به الرابعة فقال: اقتلوه فقالوا: يا رسول الله! إنما سرق قال: اقطعوه فأتي به الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في السارق يسرق مراراً ]، يعني: يتكرر منه السرقة، وإذا تكررت السرقة من السارق في المرة الأولى تقطع يده اليمنى، وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى، وبعد ذلك قال بعض أهل العلم: إنه يحبس ويسجن، وبعضهم قال: إنه إذا عاد الثالثة تقطع اليد اليسرى، وإذا عاد الرابعة قطعت رجله اليمنى، ثم إن عاد فإنه يسجن أو يجلد. فأبو داود رحمه الله أورد في هذا الباب حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: أُتي بسارق فقال: اقتلوه، فقالوا: إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطعوا يده اليمنى، ثم سرق مرة أخرى فقال: اقتلوه، فقالوا: إنما سرق، قال: اقطعوه، فقطع، حتى جاء الرابعة وقطع، وفي الخامسة قال: اقتلوه، قال: فقتلوه وسحبوه ورموه في بئر وألقوا عليه الحجارة. وهذا الحديث في متنه نكارة، وفي إسناده ضعف، أما الضعف الذي في إسناده: فإن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث. والنكارة فيه من جهة: أنه من أول وهلة قال: (اقتلوه، ثم قيل: إنما سرق، قال: اقطعوه)، ثم تكرر ذلك أربع مرات، وفي كلها يأمر بالقتل، فيقولون: إنما سرق، ثم بعد ذلك يأمر بالقطع، وفي الأخيرة قال: اقتلوه؛ لأنه ما بقي مجال للقطع، فعند ذلك قتلوه وألقوه في بئر، وألقوا عليه الحجارة. والنكارة الثانية: من جهة أنهم ألقوه في البئر، ورموا عليه الحجارة، ومعلوم أنه إن كان مسلماً فإنه لا يعامل هذه المعاملة ولا يهان هذه الإهانة. وكثير من العلماء قالوا بعدم ثبوت الحديث وأنه ضعيف، وأنه لو صح يُحمل على أنه تعزير، وأن للإمام أن يعزر فيما إذا كان الشخص من المفسدين في الأرض، وأن التخلص منه يكون بقتله دفعاً لإفساده وضرره. ومنهم من قال: إن هذه المعاملة -وهي كونه يلقى، ويهان هذه الإهانة- أنه يكون مع سرقته مرتداً، ويكون ذلك مثل ما حصل للعرنيين الذين ارتدوا وساقوا النعم، وقتلوا الراعي ومثّلوا به، فالنبي صلى الله عليه وسلم عاملهم تلك المعاملة. لكن يبقى الإشكال في قضية قوله: (اقتلوه) فقالوا: إنما سرق، فقال: (اقطعوه)، ثم في المرة الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة .. وهكذا. ولهذا فالذي يبدو والله أعلم أن الحديث ضعيف، والسبب في ذلك ما في متنه من النكارة، وما في إسناده من الضعف، و النسائي لما أورده في سننه قال: هذا حديث منكر. و الألباني حسنه في سنن أبي داود ؛ ولكنه لم يذكره في صحيح سنن النسائي ، ولم يذكره في ضعيفه، بل ذكر الباب الذي هو فيه، وهو قطع اليدين والرجلين، ولم يذكر تحته حديثاً لا في الصحيح ولا في الضعيف، فالذي يبدو أنه حديث منكر في متنه، وضعيف في سنده، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث (جيء بسارق إلى النبي فقال اقتلوه..) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي ]. محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا جدي ]. هو عبيد بن عقيل ، وهو صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ]. مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير لين الحديث، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث كما قلت: إن صح فهو محمول على التعزير، فيكون مثل شارب الخمر بعد المرة الثالثة، فإن قتله من باب التعزير. ما جاء في تعليق يد السارق في عنقه شرح حديث (أتي رسول الله بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعليق يد السارق في عنقه. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عمر بن علي حدثنا الحجاج عن مكحول عن عبد الرحمن بن محيريز قال: (سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق أمن السنة هو؟ قال: أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في تعليق يد السارق في عنقه ]، يعني: هل يشرع أو لا يشرع؟ أورد أبو داود حديثاً ضعيفاً، وهو حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فأمر بقطع يده، ثم أمر بتعليق يده في عنقه). ومعلوم أن تعليقها في العنق من أجل الزجر والردع، ومعلوم أن مجرد رؤية اليد المقطوعة يكفي في الزجر والردع، بالنسبة له وبالنسبة لغيره، أما هو فقد قطعت يده، وخسرها بسبب السرقة، فذلك يكون سبباً في عدم تكرار ذلك منه، وغيره إذا رأى يده المقطوعة فإنه يبتعد ويحذر أن يقع في السرقة، حتى لا يعامل هذه المعاملة، ومعلوم أن هذه العلامة مستمرة وليست مؤقتة، بخلاف تعليق اليد، فإنها تعلق مدة يوم أو يومين وإلا فإنها تنتن ولا تبقى، ولكن مشاهدة اليد المقطوعة هذا مستمر، والمقصود: أن يحصل الزجر بمشاهدة تلك اليد التي قطعت. ومعلوم أن الحدود هي جوابر وزواجر، فهي جوابر للنقص الذي قد حصل من الذي أقيم عليه الحد، حتى لا يعاقب عليه في الآخرة، وإنما يعاقب عليه في الدنيا بهذا الحد، ويكفيه ذلك ولا تتكرر عليه العقوبة، وزواجر أيضاً له ولغيره، فهو لا يعود ولا يتكرر منه ذلك لئلا يزاد في عقوبته، وغيره كذلك ينزجر حتى لا يعامل بهذه المعاملة. قوله: [ عن عبد الرحمن بن محيريز قال: (سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في العنق للسارق أمن السنة هو؟ قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) ]. يعني: أنه لما سئل فضالة بن عبيد ، هل ذلك من السنة؟ ذكر الحديث، وأن الرسول أمر بتعليقها في عنقه؛ لكن الحديث ضعيف بسبب الحجاج بن أرطأة . تراجم رجال إسناد حديث (أتي رسول الله بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمر بن علي ]. هو عمر بن علي بن عطاء بن المقدم ، وهو ثقة وكان يدلس شديداً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحجاج ]. هو الحجاج بن أرطأة ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وهنا مع كونه كثير الخطأ روى بالعنعنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مكحول ]. هو مكحول الشامي ، وهو ثقة كثير الإرسال، وهذا أيضاً روى بالعنعنة، فهذه أيضاً علة أخرى، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن محيريز ]. عبد الرحمن بن محيريز ثقة، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب السنن. [ عن فضالة بن عبيد ]. فضالة بن عبيد رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. ما جاء في بيع المملوك إذا سرق شرح حديث (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في بيع المملوك إذا سرق. حدثنا موسى -يعني ابن إسماعيل - حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب في المملوك إذا سرق ]، والمملوك إذا سرق يعامل معاملة غيره من السراق، فإذا سرق من حرز وبلغ ما يسرقه نصاباً فأكثر فإنه يعامل كغيره من السراق الأحرار، فتقطع يده، وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش). والنش: عشرون درهماً، ومقداره نصف أوقية؛ لأن نصاب الفضة (200) درهم، والنصاب (5) أواق، والأوقية (40) درهماً، أي: (40 × 5 ) والألباني ضعف الحديث، ولكن يبدو أنه ليس بضعيف؛ وذلك لأن رجاله لا بأس بهم، وأيضاً يشهد له الحديث الذي قال: (بعها ولو بحبل من شعر) متفق عليه، قوله: (ولو بحبل من شعر) فيه تزهيد فيها، وأنها تباع برخص، كما جاء في هذا الحديث أنه يباع ولو بنش، وهو عشرون درهماً. تراجم رجال إسناد حديث (إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش) قوله: [ حدثنا موسى -يعني ابن إسماعيل- ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عوانة ]. هو أبو عوانة وضاح بن عبد الله اليشكري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن أبي سلمة ]. وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة في عصر التابعين، على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثرهم على الإطلاق. والسبعة هم: أبو هريرة ، و ابن عمر ، و ابن عباس ، و أبو سعيد الخدري ، و جابر بن عبد الله ، و أنس بن مالك ، وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة. والكلام عند أهل العلم على عمر بن أبي سلمة ؛ لأنه تضعيف من قبل أهل العلم، وإذا أخذنا بكلمة الحافظ فهو الذي يمشي مع الحديث، أما إذا أخذنا بكلام المتقدمين فإن فيه تضعيفاً."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |