|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية من صــ 331الى صــ 345 (22) المجلد الاول كتاب الصيام ![]() 345 - فإن هؤلاء الذين قالوا: يطعم عنه, هم الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الولي يصوم عنه مولِّيه» , وبينوا أنما هو النذر كما سيأتي. ولأن الصوم المفروض قد جعل الله له بدلاً في الحياة, وهو الإِطعام, فوجب أن يكون له بدلاً بعد الموت مثل بدله في الحياة؛ كسائر الفرائض. فإن معنى البدل لا يختلف بالحياة والموت, ولهذا لمَّا كان البدل في الحج عن المعضوب أن يحج عنه غيره؛ كان البدل في الميت أن يحج عنه غيره. ولأن إيجاب الله إنما هو ابتلاء وامتحان للمكلف, وهو المخاطب بهذا الفرض, وكل ما كان أقرب إليه؛ كان أحق بأداء الفرض منه مما هو أبعد منه. فإذا كان قادراً ببدنه؛ لم يجز أداؤه بماله, وإذا كان قادراً بماله؛ لم يجز أداؤه ببدن غيره؛ لأن ماله أحق بأداء الفرض منه منْ بدن غيره. فلو جاز أن يصوم عنه الولي؛ لكان قد أدى الفرض ببدن غيره دون ماله. . . . ولأن الله قد أوجب عليه الصوم, والولي لا يوجب عليه شيئاً يكله إلى غيره, وإذا أوجبنا من ماله؛ كان ديناً في التركة. فعلى هذا: إن كان له تركة؛ أطعم عنه تركته, فإن أطعم رجل عنه من غير ماله بإذن الولي أو بغير إذنه, أو لم يكن له مال, فتبرع رجل بالإِطعام عنه. . . . فإن لم يكن له تركة, فأحب أحد أن يصوم عنه, فقال القاضي: لا يجزئ الصوم عنه, ويحتمل كلام أحمد أنه يجزئ؛ لأنه سمَّاه ديناً. * فصل: فإن فرط حتى أدركه رمضان الثاني قبل أن يصوم, ومات في أثناء ذلك الرمضان أو بعده قبل أن يصوم: فقال القاضي في «المجرد» وأصحابه كابن عقيل وأبي الخطاب: يطعم عنه لكل يوم مسكيناً؛ لأنه قد وجب عليه القضاء والكفارة لو عاش؛ فإذا مات قبل القضاء؛ لزمه عنه كفارتان: كفارة لتأخير القضاء, وكفارة لتفويته. ولا فرق على هذا بين أن يفوت بين وقت القضاء برمضان واحد أو رمضانات. والمنصوص عن أحمد: أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة؛ لأنه لا يجب في اليوم الواحد بدلان من جنس واحد؛ كما لم يجب في شيء من الأيام صوم يومين, ولأنه إذا أدرك رمضان الثاني؛ فإنما وجبت عليه الكفارة لترك القضاء في وقته, وهذا بعينه هو المقتضي لوجوب الكفارة بالموت, وإذا كان السببان من جنس واحد؛ تداخل موجبهما. المسألة الثالثة: أن الصوم المنذور إذا مات قبل فعله؛ فإنه يصام عنه, بخلاف صوم رمضان وصوم الكفارة, وسواء كان معيناً أو مطلقاً. هذا منصوص أحمد في غير موضع, وهو قول عامة أصحابه. ![]() وقال ابن عقيل: عندي أن الصوم لا يفعل عنه؛ لأنه لا تدخله النيابة في الحياة للعجز؛ فكذلك بعد الموت؛ كالصلاة, وعكسه الحج. 346 - لما روى سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم نذر, أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟». قالت: نعم. قال: «فصومي عن أمك». رواه الجماعة إلا أبا داوود. 347 - وفي رواية صحيحة لأحمد والنسائي: أن امرأة ركبت البحر, فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهراً, فأنجاها الله, فلم تصم حتى ماتت, فجاءت قرابة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت ذلك, فقال: «صومي عنها». 348 - وفي رواية ابن ماجه والترمذي؛ قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين؟ قال: «أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه؟». قالت: نعم. قال: «فحق الله أحق». قال الترمذي: حديث حسن. 349 - وفي رواية متفق عليها: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله! أمي ماتت وعليها صوم شهر, أفأقضيه عنها؟ فقال: «لو كان على أمك دين أكنت تقضيه عنها؟». قال: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يقضى». فهذه الرواية المطلقة منهم من يقول: «رجل» , ومنهم من يقول: «امرأة» , وأكثرهم يقول: «أمي»؛ قد فسِّرت في الروايات المتقدمة أن الصوم كان نذراً. 350 - ورواية من روى شهرين متتابعين كأنها وهم. 351 - وعن عبيد الله بن عبد الله, عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه, فقال: «اقضه عنها». رواه الجماعة. وفي لفظ: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقضه عنها». فكانت سنة بعد. 352 - وعن عائشة؛ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام؛ صام عنه وليه». متفق عليه. 353 - وعن بريدة بن الحصيب قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أتته امرأة, فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية, وإنها ماتت. فقال: «وجب أجرك, وردها عليك الميراث». فقالت: يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر, أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها». قالت: إنها لم تحج قط, أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها». رواه أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي وصححه. 354 - وفي رواية لمسلم: صوم شهرين. فهذه الأحاديث نصوص في أن النذر يصام عن الميت, وظاهر بعضها أن جميع الصوم كذلك؛ لأن حديث عائشة عام, وفي حديث بريدة وبعض ألفاظ ابن عباس: أنها قالت: يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر؛ أفأصوم عنها؟ فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم عنها, ولم يستفصل هل من رمضان أو غيره, وذَكر معنى يعم رمضان وغيره, وهو كونه ديناً, فإن صوم رمضان دين في ذمة من وجب عليه, ودين الآدمي يقضى عن الميت؛ فدين الله أحق, وجمع بينه وبين الحج في نسق واحد. لكن هذه الأحاديث إنما هي على وجهها في النذر: أما حديث ابن عباس: فقد صرح فيه بذلك, والمطلق منه محمول على المفسر؛ فإنه حديث واحد إسناداً ومتناً. وكذلك حديث بريدة: فإن قولها: «صوم شهر» بصيغة التنكير, تشعر بأنه غير رمضان, لا سيما رواية من روى: «شهرين». والذي يدل على ذلك أنه قد تقدم عن عائشة وابن عباس وعن ابن عمر موقوفاً ومرفوعاً: أنهم قالوا في صوم رمضان: لا يقضى عنه, بل يطعم عنه لكل يوم مسكيناً. وابن عباس وعائشة رويا هذين الحديثين وهما أعلم بمعنى ما رويا من غيرهما؛ فلو لم يكن معناه عندهما في غير رمضان؛ لما جاز لهما خلافه. ![]() وليس الحديث نصّاً حتى يعارض بين الرأي والرواية. وأما كونه ديناً؛ فصحيح, لكن وفاء الدين من تركة الميت وماله أولى من وفائه من بدن غيره, ولأن صوم رمضان لم يجب فيه الصوم عيناً, وإنما وجب الصوم مع القدرة والإِطعام مع العجز, فصار الدين عليه أحد شيئين. وهذا الواجب يصلح عن قوله: «وعليه صيام»؛ فإن العاجز عن قضاء رمضان ليس عليه صيام, وإنما عليه فدية؛ فالواجب عليه أحد شيئين, وفيه نظر. والفرق بين رمضان والنذر: أن النذر محله الذمة، وقد وجب بإيجابه, وهو لم يوجب على نفسه إلا الصوم فقط؛ فإذا فُعل عنه؛ فقد أُدِّيَ عنه نفس ما أوجبه, ولو أُطعِم عنه؛ لم يكن قد أُدِّيَ عنه الواجب. ولهذا يصح أن ينذر ما يطيقه وما لا يطيقه؛ فإذا عجز عنه؛ فهو في عهدته. والصوم إنما أوجبه الله سبحانه على بدن المكلف؛ فإذا عجز؛ ففي ماله, فإذا عجز عن الأصل؛ انتقل إلى البدل الذي شرعه الله سبحانه. ولهذا لم يوجب الله عليه من الصوم إلا ما يطيقه, وكذلك كل صوم وجب بإيجاب الله؛ فإنه بدله الإِطعام, وإن كان سبب وجوبه من المكلف كصوم الكفارة؛ بخلاف النذر. نص عليه احمد في رواية ابن منصور فيمن مات وعليه صيام من دم التمتع أو كفارة يطعم عنه. وكذلك نقل حنبل عنه فيمن مات وعليه نذر صيام شهر؛ صام عنه؛ فإن مات وعليه صيام شهر من كفارة؛ يطعم عنه, النذر فيه الوفاء. وكذلك نقل المروذي صوم السبعة. * فصل: ويصام النذر عنه, سواء تركه لعذر أو لغير عذر. قال القاضي: أومأ أحمد إلى هذا في رواية عبد الله والميموني والفضل وابن منصور. قال في رواية عبد الله في رجل مرض في رمضان: إن استمر المرض حتى مات؛ ليس عليه شيء؛ فإن كان نذر؛ صام عنه وليه إذا هو مات. لأن النذر محله الذمة, وهو أجبه على نفسه, ولم يشترط القدرة, والله سبحانه قد شرط فيما أوجبه على خلقه القدرة. ولهذا قد يجب على الإِنسان من الديون بفعل نفسه ما يعجز عنه, ولا يجب عليه بإيجاب الله عليه إلا ما يقدر عليه. ولهذا لو تكفَّل من الدين بما لا يقدر عليه؛ لزمه في ذمته. وعلى هذا؛ فلا فرق بين أن ينذر وهو مريض فيموت مريضاً, أو ينذر صوم شهر ثم يموت قبل مضي شهر. وقد ذكر القاضي في موقع من «خلافه» وابن عقيل: أنه لا يلزم أن يقضي عنه من النذر إلا ما أمكنه أن يفعله صحيحاً مقيماً؛ اعتباراً بقضاء رمضان. ![]() فأما إذا نذر الحج وهو لا يجد زاداً ولا راحلة بعد ذلك: فقال القاضي: إن وجد في الثاني؛ لزمه الحج بالنذر السابق, وإن لم يجد؛ لم يلزمه؛ كالواجب بأصل الشرع؛ كما قلنا في الصوم سواءً. فإن لم يكن له تركة يصام عنه منها؛ لم يلزمه صوم ولا حج, ويكون بمنزلة مَنْ عليه دين ولم يخلف وفاء. وهذا الصوم لا يجب على الولي, بل يخير بين أن يصوم وبين أن يدفع من [يطعم] عن الميت عن كل يوم مسكيناً إن كان له تركة, فإن لم يكن له تركة؛ لم يلزم الوارث. قاله القاضي في «خلافه». فعلى هذا: لو تبرع الولي أو غيره بالإِطعام عنه دون الصيام. . . . وقال في «المجرد» وابن عقيل وغيرهما: هذا القضاء لا يلزم الورثة, كما لا يلزمهم أن يقضوا دينه, وإنما الكلام فيه: هل يصح قضاؤه عنه؟ قال ابن عقيل: إذا قضوا عنه؛ صح, لكنه لا يلزمهم القضاء والصوم عنه الأقرب فالأقرب استحباباً. قال أحمد: يصوم أقرب الناس إليه ابنه أو غيره. وقال أيضاً: يصوم عنه واحد. قال القاضي: وظاهر هذا أنه لا يختص القضاء بجميع الورثة, بل يصوم أحدهم, وهو الأقرب فالأقرب. وهل تعتبر الولاية والقرابة؟. . . . ف|إن صام غير الولي عنه بإذنه؛ جاز, وإن صام بغير إذنه؛ جاز أيضاً فيما ذكره القاضي, كما لو كان عليه دين يصح أن يقضيه الولي وغيره, وظاهر كلام أحمد. . . . قال في رواية حنبل: إذا نذر أن يصوم شهراً, فحيل بينه وبين ذلك من مرض أو علة حتى يموت؛ صام عنه مليه النذر, وأطعم لكل يوم مسكيناً لتفريطه. وإن عجز عن الصوم المنذور لكبر أو مرض لا يرجى برؤه: فقال: لا يمتنع أن نقول: يصح الصوم عنه كما نقول في الحج إذا عجز عنه في حال الحياة: يحج عنه. وقال الخرقي: يطعم عنه ولا يصام عنه. وعلى هذا؛ فلا كفارة فيه. والمنصوص عن أحمد: وجوب الكفارة والإِطعام؛ لأن التعيين قد فات. قيل: ليس فيه إلا كفارة يمين فقط * مسألة: وإن نذر الصوم في حال الكبر واليأس من البرء. فقيل: لا ينعقد نذره. وظاهر المذهب: أنه ينعقد موجباً لما يجب إذا نذر ثم عجز عن الكفارة والإِطعام أو عن أحدهما. * فصل: وإذا صام عنه أكثر من واحد في يوم: فقال أحمد في رواية أبي طالب, وقد ذكر له فيمن كان عليه صوم شهر: هل يصوم عشرة أنفس شهراً؟ 355 - فقال: طاووس يقول ذلك. قيل له: فما تقول أنت؟ قال: بصوم واحد. قال القاضي: فمنع الاشتراك؛ كالحجة المنذورة تصح بالنيابة فيها من واحد ولا تصح من الجماعة. وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يصوم عنه جماعة في يوم واحد, ويجزئ عن عدتهم من الأيام, وحُمِل كلام أحمد على نذر مقتضاه التتابع؛ لأن لفظ الشهر في إحدى الروايتين يقتضي التتابع. المسألة الرابعة: إذا نذر غير الصوم من عتقٍ أو صدقة أو هدي أو حج؛ فإنه يجوز أن يفعله عنه وليه, روايةً واحدة, أوصى أو لم يوص. ![]() 356 - لما روى عبد الله بن عمرو: أنَّ العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن يذبح مئة بدنة, وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين, وأن عمراً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: «أما أبوك؛ فلو أقرَّ بالتوحيد, فصمت عنه وتصدقت؛ نفعه ذلك». رواه أحمد. 357 - وعن سعيد بن جبير, عن ابن عباس؛ قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إن أختي نذرت أن تحج, وإنها ماتت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟». قال: نعم. قال: «فاقض الله؛ فهو أحق بالقضاء». رواه أحمد والبخاري. 358 - وفي لفظ للبخاري: إن أمي نذرت أن تحج, فلم تحج حتى ماتت, أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها, أرأيت لو كان على أمك دين؛ ألست قاضيه؟». قالت: نعم. قال: «اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء». ولأن هذه الأمور يجوز أن تفعل عنه من هذه العبادات ما وجب بالشرع بعد موته بدون إذنه؛ فلأن يفعل عنه ما وجب بالنذر أولى وأحرى. وأما الصلاة المنذورة والقرآن والذكر والدعاء؛ فهل يفعل بعد الموت؟ على روايتين: أحدهما: لا يجوز. لأنه لا تجوز النيابة فيها ببدن ولا مال, فلم تجب النيابة فيها بعد الموت؛ كالأيمان. ولأنه لا مدخل للبدل في المشروع منها, فلم يدخل في المنذور. ولأن العبادات المنذورة يحتذى بها حذو العبادات المشروعة, ولا يجوز أن تفعل بالنذر ما لم يكن له أصل في الشرع, وعكسه الصوم؛ فإن للبدل فيه مدخلاً؛ كما ذكره الشيخ. والثانية: يفعل عنه بعد الموت. وهو اختيار أبي بكر والخرقي. قال القاضي: وهو الصحيح؛ لما رَوَى ابن عباس. 359 - ولأن سعد بن عبادة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه؟ قال: «اقضه عنها». رواه الجماعة. ولا يخلو إما أن يكون سعد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى هذا السؤال ولم يستفصله, فيكون كأنه قال: إذا كان عليها نذر؛ فاقضه عنها؛ لأن السؤال كالمعاد في الجواب, وهذا عام مطلق في جميع النذور. أو يكون قد سأله عن نذر معين من صوم ونحوه, فيكون إخبار ابن عباس: أنه أمره أن يقضي عنها النذر, ولم يعين ابن عباس أي نذر, هو دليل على أنه فهم أن مناط الحكم عموم كونه نذراً, لا خصوص ذلك المنذور, وأن كل النذور مستوية في هذا الحكم, وابن عباس أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم ومقصوده. وأيضاً؛ فقد جاء مفسراً من حديث ابن عباس: 360 - أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أمر رجلاً وامرأة أن تقضي نذر صوم كان على أمه وأخته». ووجَّهه النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا دين من الديون, وأن الله أحق أن يوفى دينه, وأحق أن يقبل الوفاء, وهذه علة تعم جميع الديون الثابتة في الذمة لله. وأيضاً؛ فإنه لا فرق بين الصلاة والصيام؛ فإنها عبادة بدنية لا يجوز الاستنابة في فرضها بحال, والصوم كذلك؛ فإذا جاز قضاء الصوم المنذور عينا؛ فكذلك الصلاة المنذورة, نعم؛ الصوم دخلت النيابة فيه بالمال بخلاف الصلاة, لكن هذا لا أثر له في دخول النيابة ببدن الغير؛ فإنهما مستويان فيه. وأيضاً؛ فإن النذور محلها ذمة العبد, فصارت. . . . ![]() وأما الاعتكاف: فالمنصوص عن أحمد في رواية ابن إبراهيم وحنبل: إذا نذر أن يعتكف, فمات قبل أن يعتكف؛ ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه. وكذلك قال أصحابنا, ولم يذكروا خلافاً؛ إلحاقاً له بالصوم؛ فإنه به أشبه منه بالصلاة. وعلى قول ابن عقيل في منع النيابة في الصوم يمتنع في الاعتكاف. 361 - وقد روي عن عامر بن مصعب؛ قال: «اعتكفت عائشة عن أخيها بعدما مات». رواه سعيد. وإذا نذر فعل طهارة: فقال القاضي وابن عقيل: لا تفعل عنه؛ لأنها غير مقصودة في نفسها. باب ما يفسد الصوم مسألة: ومن أكل أو شرب أو استعط أو وصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أو كرر النظر حتى أنزل أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه؛ فسد, وإن فعله ناسياً أو مكرهاً؛ لم يفسد. في هذا الكلام فصول: أحدها: أن الصوم يفسد بالجماع كما تقدم. ويفسد بالأكل والشرب؛ فإن حقيقة الصوم هو الإِمساك عن الأكل والشرب والجماع توابع لذلك. وهذا من العلم العام المستفيض الذي توارثته الأمة خلفاً عن سلف. والأصل فيه قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ. . .} إلى قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. . .} الآية [البقرة: 187]. فأذن في الرفث والأكل والشرب إلى تبين الفجر, وأمر بإتمام الصيام عن هذه الأشياء إلى الليل. 362 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له؛ إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به, يدع طعامه وشهوته من أجلي». 363 - وقال: «من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». متفق عليه. وسواء في ذلك جميع المأكولات والمشروبات من الأغذية والأدوية وغيرها؛ مثل الثلج والبرد. وسواء في ذلك الطعام والشراب المعتادان, اللذان يحصل بهما الاقتيات وغيرهما. ولو استفَّ تراباً أو ابتلع حصاة؛ أفطر. ![]() قال أحمد في رواية أبي الصقر: إذا بلع الصائم خاتماً أو ذهباً أو فضة أو جوزة بقشرها أو خرزة أو حبة لؤلؤ أو طيناً متعمداً؛ فعليه القضاء ولا كفارة, ولا قضاء عليه ما لم يتعمد. 364 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتِّقاء الكحل الذي يدخل من العين إلى الحلق, وليس في الكحل تغذية, فعلم أنه لا يشترط في الداخل أن يكون مما يغذي في العادة. الفصل الثاني: أن الواصل إلى الجوف يفطر من أي موضع دخل, لا يختص ذلك بمدخل دون مدخل, كما لم يختص بداخل دون داخل في ذلك. ولا بُد عند أصحابنا: أن يصل إلى البطن أو ما بينه وبين البطن مجرى نافذ. هذا كلام أحمد وعامة أصحابه, وهو الذي حرره القاضي في كتبه المعتمدة: أن المفطر وصول الواصل إلى الجوف من أي وضع كان. فإذا استعط بدهن أو ماء أو غيرها, بأن أدخله في أنفه, فوصل إلى دماغه؛ أفطر, سواء تيقن وصوله إلى حلقه وجوفه أو لم يتحققه؛ بناءً على أن بين الدماغ والجوف مجرى؛ فما يصل إلى الدماغ لا بد أن يصل إلى الحلق ويصل إلى الجوف, والحكمة إذا خفيت؛ أقيمت المظنة مقامها؛ كالنوم مع الحدث. وذكر القاضي في بعض المواضع وغيره: أن نفس الوصول إلى الدماغ مفطر؛ لأنه جوف يقع الاغتذاء بالواصل إليه, فأشبه الجوف.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية من صــ 391الى صــ 405 (26) المجلد الاول كتاب الصيام ![]() ويدل على ذلك أن فيه القيء والاحتلام, ومعلوم أنه لو استقاء أو استمنى؛ أفطر؛ فكذلك إذا احتجم, أو أنه محمول على ما إذا احتجم ساهياً [أو حُجم] بغير اختياره؛ [فإنه قرنه بالقيء والاحتلام, وهما يخرجان من المرء بغير اختياره]؛ فكذلك ما ذكر معهما ينبغي أن يكون كذلك. 455 - وأما حديث أنس أن الرخصة بعد النهي؛ فضعيف. فإن في الذي جوده الدارقطني خالد بن مخلد: قال أحمد: له أحاديث مناكير, ولعل هذا من [أنكرها]. 456 - لأن أنساً ذكر أنهم كانوا يكرهون ذلك لأجل الجهد كما رواه البخاري, وهذه الكراهة باقية. 457 - ولأن أحمد روى بإسناده, عن هشام بن محمد؛ قال: «كان أنس إذا شق عليه الدم في الصوم؛ أرسل إلى الحجام عند غروب الشمس, فوضع المحاجم, وإذا غربت شرط». ولو كان عنده إذن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يفعل مثل ذلك. ومخالفة البصريين له مع أنهم أصحاب أنس. وأن الكراهة بعد موت جعفر. . . . ![]() ثم من أصحابنا من سلك فيها مسلك التعبد الصرف, ورأى خروجها عن مسالك القياس, وجعلها موضع استحسان, فقدم فيه النص على القياس. وهذه طريقة ابن عقيل. ومنهم من سلك فيها ضرباً من التعليل. فقال القاضي: استدعاء شيء من بدنه نهى عنه نهياً يختص بالصوم فأفسد الصوم؛ كاستدعاء القيء, [وهو أن الاحتجام] استخراج ما به قوام البدن, فجاز أن يفطر به كاستخراج القيء والمني والمذي ودم الحيض. وهذا لأن الصائم لما مُنع من الأكل والشرب ليحصل حكمة الصوم التي هي التقوى؛ كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] , وللنفس على الإِنسان حق لا بد من رعايته؛ راعى الشرع جانب حق النفس وحفظ القوة؛ حسماً لمادة الغلو في الدين والمروق منه, وتحصيلاً لمصلحة الاغتذاء التي لا بد منها أيضاً. 458 - فنهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال. 459 - 460 - وأمر بتعجيل الفطر, وتأخير السحور. 461 - وجعل أفضل الصيام صيام يوم وفطر يوم. 462 - وقال: «لكنِّي أصوم وأفطر وأقوم وأنام؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني». 463 - وقال: «من صام الدهر؛ فلا صام ولا أفطر». ومنه جماعة من أصحابه من تكثير الصيام؛ منهم:464 - عبد الله بن عمرو. 465 - والنمر بن تولب. 466 - والباهلي. وعاب على منْ قال: أما أنا؛ فأصوم لا أفطر. ![]() كل ذلك تعديلاً وأخذاً بخيار الأمور التي هي أوساطها. فإذا كان هذا مصلحة جليلة قد شهد الشرع بالاعتبار, وكان الصائم إذا خرج منه [القيء] خلا من الغذاء الذي هو مادته؛ فإذا استخرج منه الدم الذي به قوام بدنه, وإليه استحال الغذاء؛ ضعف بذلك, وإذا خرج منه المني الذي هو صفاوة الدم؛ ضعف أيضاً. وكذلك إذا خرج دم الحيض؛ منعه الشارع من استخراج هذه الأشياء لما منعه من استدخال ما يكون خلفاً منها وبدلاً عنها, وصار المقصود الأصلي من الصوم هو الكف عن الإِدخال, والكف عن الإِخراج تابع له ومطلوب في ضمنه. فأما ما غلب عنه المرء من هذه الأشياء؛ مثل أن يذرعه القيء, أو يرعف, أو يجرح جرحاُ بغير اختياره, أو يحتلم, ونحو ذلك؛ لم يفطر به. لأنه بمنزلة ما يدخل جوفه من الغبار والدقيق ونحو ذلك. ولأن امتناعه من هذه الأشياء لا يدخل تحت قدرته. وأما دم الحيض: فلما كان له أوقات معلومة يمكن الاحتراز عن الصوم فيها لا تتكرر دائماً؛ صار الامتناع [في] الصوم معه [في] جملة ما يقدر عليه الإِنسان. ولهذا إذا صار دم استحاضة, وهو الخارج عن الأمر المعتاد؛ لم يمنع صحة الصوم, وخرج عن هذا استخراج البول والغائط ونحوهما من وجهين: أحدهما: أن ذلك فضلة محضة, فليس هو من قياس البدن الذي يخاف أن يورث ضعفاً. الثاني: أن خروجه أمر طبيعي لا يمكن الاحتراز منه, وما كان من هذا الباب؛ لا يفطر؛ كذرع القيء والاحتلام وأولى. وهذا معنى حسن, وقد نبه عليه بعض الآثار المتقدمة إلا بذكر فرع المسألة. * فصل: ويفطر بالحجامة في جميع البدن. نص عليه. مثل أن يحتجم في يده أو ساقه أو عضده أو رأسه أو قفاه. وإن شرط بالمشرط ولم يخرج الدم؛ أفطر على ما ذكره ابن عقيل؛ فإنه قال: الحجامة نفس الشرط, يتعلق الإِفطار على الاسم. فعلى هذا الإِفطار يسبق الدم. وإن ركب المحاجم. . .؛ كما لو بل المحرم رأسه قبل التحلل ثم حلقه بعده. وعلى ذكره القاضي: لا بفطر. وهو أصح؛ لأن الحجامة هي الامتصاص أيضا؛ يقال: ما حجم الصبي ثدي أمه؛ أي: ما مصه. والحِجَام: ما يُجعل في خطم البعير لئلا يعض, يقال: حجمت البعير أو أحجمه: إذا جعلت على فِيْهِ حجاماً. فالقارورة تحجم الدم عن أن يسيل. وأيضاً؛ فإن الشرط أخص. . . . فإن شرط وأخرج الدم من غير محجمة يمتص بها, مثل الشرط في الأذن؛ فقياس المذهب الفكر بها؛ لأن وضع المحجمة على العضو لا أثر له في الفطر. ![]() ولهذا يجوز أن توضع المحاجم على العضو ويلين قبل غروب الشمس, ثم يقع الشرط بعد غروبها. قال أصحابنا: لأن التليين وتركيب المحاجم مقدمات. وأما الفصاد وجرح العضو باختياره وبط الدمامل ونحو ذلك؛ فقال أكثر أصحابنا منهم القاضي وابن عقيل: لا يفطر. لأنه لا نص فيه, ولا يمكن إثبات الحكم فيه قياساً؛ لجواز أن يكون في الحجامة معنى يختصه, ولأن الدم منه ما يخرج بنفسه وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس ومنه ما يخرج بالإِخراج. ثم الأول يفطر بعضه دون بعض, فيجوز أن يكون الثاني كذلك, وهو لا يبطل القياس المتقدم؛ لأن التعليل للنوع والجواز, فلا ينتقض بأعيان المسائل. . . . وقيل: يفطر الفصاد, وهذا أقيس. . . . وأما الجرح والاسترعاف؛ فلا يكاد العاقل يفعله بنفسه, فيحتمل. . . . وأما بط الدماميل والقروح؛ فتلك دماء فضلات لا يضعف خروجها. وأما الحاجم: فظاهر قول الخرقي هو ظاهر القياس فيه؛ فإن ما ذكرنا من المعنى مفقود فيه. لكن المذهب أنه يفطر؛ كما هو منصوص في الحديث؛ فإن الدلالة على فطرهما دلالة واحدة, ويلوح فيه أشياء: أحدها: أن الحجامة لما لم تمكن إلا من اثنين؛ جاز أن يجعل الشرع فعل أحدهما الذي لا يتم فطر الآخر إلا به فِطراً, وأن يجعل تفطير الصائم فطراً؛ كما قيل في الجماع, وهذا بخلاف الإِطعام والإِسقاء؛ فإن ذلك يمكن أن يكون من واحد, فليس فعل الآخر شرطاً في وجوده. 467 - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائماً؛ فله مثل أجره؛ من غير أن ينقص من أجره شيء». فإذا كان المعين له على صومه بعشائه بمنزلة الصائم؛ جاز أن يكون المفسد لصومه بمنزلة المفطر. 468 - وكذلك قوله: «من جهز غازياً؛ فقد غزا, ومن خلفه في أهله بخير؛ فقد غزا». وضد ذلك من صدَّ عن سبيل الله بالتثبيط عن الجهاد؛ فإنه بمنزلة المحارب لله ورسوله. 469 - كما قال صلى الله عليه وسلم: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله؛ فقد ضاد الله في أمره». وخص الحاجم بهذا من بين [الطاعم] والمسقي؛ فإنه لو امتنع عن حجمه؛ لم يفطر؛ بخلاف المطعم والمسقي؛ فإنَّ أكْل ذلك وشربه غير منوط بفعل غيره. نعم يشبه هذا ما لو مكنت المرأة زوجها من أن يطأها دون الفرج, فأنزل هو, ولم تنزل هي. وطرد هذا أن منْ حجم من ليس بصائم لا يفطر, وهذا الوجه ليس بذاك. . . . ومنها: أن الحاجم إذا امتص المحجم بعد شرط العضو؛ جاز أن يسبق شيء من الدم إلى حلقه ولا يشعر به, والحكمة إذا كانت خفية؛ أقيمت المظنة الظاهرة مقامها؛ كالنوم مع الحدث, ولهذا لو امتص الحجم عند وضعه قبل الشرط؛ لم يفطر؛ كما جاء في الحديث: «أنه كان وضع المحاجم قبل الغروب, ثم شرط بعد الغروب». . . . ![]() فعلى هذا؛ لو شرط بدون مص مثل ما شرط الأذن, وقلنا. يفطر المشروط؛ فإن الشارط هنا لا يفطر, وكذلك الفاصد. ومنها: أن الحجامة في الأصل لما كانت إخراج دم, وهي من الصناعات الرديئة, ولهذا كره كسبها. الفصل السادس: أن منْ فعل هذه الأشياء ناسياً لصومه؛ لم يفطر. ولا يختلف المذهب في الأكل والشرب ونحوهما مما فيه القضاء فقط, وقد تقدم ذكر المباشرة. والله أعلم. وأما الحجامة إذا فعلها ناسياً. فالمنصوص أنه لا يفطر. قال حرب: قلت لأحمد: فاستحجم ناسياً؟ قال: لا شيء. وذكر ابن عقيل فيها وجهين: أحدهما: كذلك؛ لأنها ليست بأكثر من الأكل. الثاني: يفطر؛ لأن الفطر بها ثبت على خلاف القياس, والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل في قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» , ولم يستفصل عن حال اللذين مرَّ بهما, وفي الاستقاء. . . . 470 - والأصل في ذلك ما روى محمد بن سيرين, عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم, فأكل أو شرب؛ فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه». رواه الجماعة. وفي رواية أبي داوود: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم؟ فقال: «الله أطعمك وسقاك». وفي هذا الحديث الدلالة من وجوه: أحدها: أنه أمره بإتمام الصوم تخصيصاً له بهذا الحكم بقوله: «من أكل أو شرب ناسياً» , فعلم أن هذا إتمامٌ لصوم صحيح, إذ لو كان المراد به وجوب الإِمساك؛ لم يكن بين العامد والناسي فرق. الثاني: أنه قال: «فليتم صومه» , وصومه هو الصوم الصحيح المجزئ. وقد أمر بإتمامه, فعلم أن الصوم الذي بعد الأكل تمام للصوم الذي قبله, ولو أراد وجوب الإِمساك [فقط]؛ لقال: فليتم صياماً, أو: فليصم بقية يومه. . . ونحو ذلك؛ كما قال لأهل عاشوراء. الثالث: أنه لم يأمره بالقضاء, وقد جاء مستفتياً له عما يجب عليه شاكّاً في الأكل مع النسيان؛ هل يفسد أو لا يفسد؟ ومعلوم أنه لو كان واجباً؛ لذكره,لم يجز تأخير البيان عن وقت الحاجة. الرابع: أنه علل أمره بالإِتمام بأن الله أطعمه وسقاه, ولو لم يكن مقصوده إتمام الصوم الصحيح؛ لم يصح التعليل بهذا؛ فإنه إذا أفسد الصوم في رمضان؛ وجب الإِمساك, وإن لم يكن الله أطعمه وسقاه بغير قصد من التعبد ولا إرادة؛ فلا بد أن يكون لهذه العلة أثر في هذا الحكم, ولا يكون لها أثراً؛ إلا أن يكون الصوم صحيحاً. الخامس: أنه قال: «الله أطعمك وسقاك»؛ تعليلاً وجواباً. ومعلوم أن إطعام الله وإسقاءه للعبد على وجهين: ![]() أحدهما: أنه خلق له الطعام والشراب والحركة التي بها يأكل ويشرب, وعلى هذا؛ فالعامد والناسي وجميع الخلق الله أطعمهم وسقاهم؛ كما قال إبراهيم {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79]. وهذا المعنى لم يقصده النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قدر مشترك بين المتعمد والناسي, وهو بمنزلة قوله: أنت أكلت وشربت؛ فهي حكاية حال محضة. والثاني: أن يطعمه ويسقيه بغير قصد من العبد ولا عمد؛ كما في هذه الصورة؛ فإنه لو ذكر أنه صائم؛ لم يأكل ولم يشرب, لكن أنساه الله تعالى صومه, وقيض له الطعام والشراب, فصار غير مكلف؛ لأجل النسيان, فأضيف الفعل إلى الله تعالى قدراً وشرعاً, فسقط قلم التكليف عن هذا الفعل. وفعل الله تعالى لا يتوجه إليه تكليف؛ فإن إطعامه وإسقاءه لا يكون منهيًاً عنه, والمكلف لم يوجد منه ما يخفي عنه؛ فالصوم باقٍ بحاله. فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أطعمك وسقاك»: معناه: لا صنع لك في هذا الفعل, وإنما هو فعل الله فقط؛ فلا حرج عليك فيه ولا إثم؛ فأتمم صومك. 471 - السادس: ما روي في لفظ: «إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليه, ولا قضاء عليه». رواه الدارقطني وقال: إسناد صحيح كلهم ثقات. 472 - وفي لفظ: «من أفطر يوماً في رمضان ناسياً؛ فلا قضاء عليه ولا كفارة». رواه الدارقطني وقال: تفرد به ابن مرزوق - وهو ثقة- عن الأنصاري. 473 - وأيضاً: عن أم حكيم بنت دينار, عن مولاتها أم إسحاق: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتي بقصعة من ثريد, فأكلت معه, ومعه ذو اليدين, فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقاً, فقال: «يا أمّ إسحاق! أصيبي من هذا». فذكرت أني كنت صائمة, فتركت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لكِ؟». قلت: كنت صائمة فنسيت. فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتمي صومك؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليك». رواه الإِمام أحمد وأبو بكر عبد العزيز. ولأن الصوم من باب الترك؛ فإن الواجب فيه الإِمساك عن المفطرات, وليس فيه فعل ظاهر يفعله, وإذا كان الفطر من باب المنهيات؛ فإن الإِنسان إذا فعل ما نهي عنه ناسياً أو مخطئاً؛ كان وجود ذلك الفعل كعدمه في حق الله تعالى. 474 - لقوله تعالى {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. قال الله تعالى: «قد فعلت». 475 - ولقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان». فإذا لم يؤاخذ العبد بهذا الأكل؛ كان صومه باقياً على صحته, هذا هو الأغلب. وقد يستثنى منه مواضع تغلظ, مثل الحلق والتقليم وقتل الصيد في الإِحرام؛ لأنه من باب الإِتلاف, ومثل الكلام في الصلاة على رواية؛ لأنه بغير هيئة الصلاة, ولا يفرق في [مبطلاتها] بين العمد والسهو, ومثل الجماع في الصيام والإِحرام لتغلظ جنسه, ولأنه يشبه الإِتلاف, ولأنه لا يكاد يقع فيه النسيان؛ لكونه غير معتاد, وغير ذلك من الأحكام والأسباب, وإلا فالأصل ما قدمناه. فعلى هذا: لا فرق بين الأكل الكثير والقليل. الفصل السابع: أن من فعلها مكرهاً لم يفسد صومه أيضاً. ![]() وهو نوعان: أحدهما: أن لا يكون له فعل في الأكل والشرب ونحوهما, مثل أن يُفتح فوه [ويوضع] الطعام والشراب فيه, أو يُلقى في ماء فيدخل إلى أنفه وفمه, أو يرش عليه ماء فيدخل مسامعه, أو يُحجم كرهاً, أو يداوي مأمومة أو جائفة بغير اختياره, أو يجرح جرحاً نافذاً إلى جوفه بغير اختياره, ونحو ذلك. فهذا لا يفطر في المنصوص عنه الذي عليه أصحابه. قال في رواية ابن القاسم في الذباب يدخل حلق الصائم والرجل يرمي بالشيء فيدخل حلق الآخر: وكل أمر غلب عليه؛ فليس عليه قضاء ولا غيره, وهذا كله سواء ذكر أو لم يذكر. قلت له: فرق بين مَنْ توضأ للفريضة وبين من توضأ للتطوع؛ فإنهم يفرقون بينهما. قال: هو سواء إذا لم يتعمد وإنما غلب عليه. وقد يتبرد بالماء في الضرورة من شدة الحر. والذي عليه أكثر أصحابنا الفرق بين أن يستكرهها على الوطء أو يستكرهها على الأكل والشرب. وخرَّج ابن عقيل رواية [أخرى] أن الإِكراه على الأكل والشرب يفطر كالاستكراه على الوطء. فأما الاحتلام وذرع القيء؛ فإنه لا يفطر قولاً واحداً. وأما إذا أكره على الأكل بالضرب أو الحبس أو الوعيد حيث يكون إكراهاً, حتى أكل بنفسه؛ فهل يفسد صومه؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي في «خلافه». أحدهما: لا يفطر أيضاً, وهو قول القاضي في «المجرد» وأبي الخطاب وغيرهما. الثاني: يفطر هنا, وهو قول ابن عقيل. ![]() وينبغي أن يكون في جواز الفطر هنا روايتان؛ كالروايتين في جواز أكل الدم والميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر. والله تعالى أعلم. الفصل الثامن: أنه إنما اشترط أن يفعله عامداً ذاكراً لصومه. فالعامد خرج به المخطئ والمكره. فإذا فعل جاهلاً: فإما أن يجهل أن ذلك الوقت من نهار رمضان؛ مثل أن يعتقد أن ذلك اليوم ليس من رمضان, أو يعتقد أن الفجر لم يطلع؛ فإن هذا يفطر؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وإما أن يجهل ذلك الشيء مفطر؛ فذكر أبو الخطاب أنه لا يفطر. 476 - 477 - لأن عدي بن حاتم ورجلاً من المسلمين كانوا يأكلون حتى يتبين لهم العقال الأبيض من العقال الأسود؛ معتقدين أن ذلك معنى قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء؛ لكونهم غير عالمين بأن الأكل في هذا الوقت مفطراً. لأن الجهل أشد عذراً من النسيان؛ فإن الناسي قد كان علم ثم ذكر, والجاهل لم يعلم أصلاً؛ فإذا كان النسيان عذراً في منع الإِفطار؛ فالجهل أولى. ولأن الصوم من باب الترك, ومن فعل من نهي عنه جاهلاً بالنهي عنه؛ لم يستحق العقوبة, فيكون وجود الفعل منه كعدمه؛ فلا يفطر؛ كالناسي. والمنصوص عن أحمد فيمن احتجم جاهلاً بالحديث: أنه يفطر. ولذلك ذكر القاضي [في مسألة تطيبه في الحج ناسياً] وغيره من أصحابنا: أن العالم بحظره والجاهل سواء؛ قال: لأن كل عبادة حظر فيها معنى من المعاني؛ فإن حكم العالم بحظره والجاهل به سواء. 478 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالذي يحتجم, فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» , ولم يكن يعلم أن ذلك منهي عنه. ولأن من أفطر جاهلاً؛ لم يقصد فعل [العبادة] التي أمر بها, فتبقى في عهدته حتى يقضيها؛ كمن ترك الصوم جاهلاً بوجوبه, أو ترك تبييت النية جاهلاً بأن اليوم من رمضان أو ناسياً؛ بخلاف من قصد الكف والإِمساك عن الطعام, ثم أكله ناسياً لصومه؛ فإن له نظراً صحيحاً, وفعله الذي صدر لا يقدح فيه. والصوم, وإن كان [تركاً, لكن يشبه] الأفعال من حيث وجوب النية فيه؛ بخلاف ترك جميع المحرمات؛ فإنه يكفي في عدم الإِثم عدم الفعل, وهنا لا بد من قصد الامتثال, فله شبه بالمأمورات من وجه, وبالمنهيات من وجه. ومن أمر بترك الأكل والشرب, فلم يقصد ذلك ولم يرده؛ لم يمتثل ما أمر به البتة.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#10
|
|||
|
|||
![]() ما شاء الله
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |