شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4564 - عددالزوار : 1382908 )           »          5 حاجات خلى بالك منها قبل شراء شفاط المطبخ.. احذر من مستوى الضوضاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          طريقة عمل كيك آيس كريم بخطوات بسيطة.. لو عندك حد عيد ميلاده قرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كيف تجعل طفلك يتمتع بشخصية مستقلة؟.. 5 خطوات هتساعدك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          وصفات طبيعية لعلاج تقشر اليدين.. خليهم زى الحرير وأنعم كمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          جددى إطلالتك الكلاسيكية بـ 5 رسومات عيون مميزة ومناسبة للصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إزاى تستغلى الصيف والحر وتخسرى وزنك الزائد؟.. 4 خطوات هتساعدك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          طريقة عمل تشيز كيك الزبادى بالفراولة بدون فرن.. حلوى خفيفة وسريعة التحضير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          5 أطعمة تحافظ على رشاقة جسمك وزيادة كولاجين بشرتك.. خليها فى روتينك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          طريقة عمل سلطة المانجو والأفوكادو مع صوص الليمون.. انتعاش فى لقمة صغيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > ملتقى اخبار الشفاء والحدث والموضوعات المميزة > رمضانيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19-02-2023, 02:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 776الى صــ 785
(54)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(24)








857 - وعن ليلى امرأة بشير بن الخصاصية: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصوم
يوم الجمعة ولا أكلم ذلك اليوم أحداً؟ فقال: «لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها أو في أو في شهر, وأما [أن] لا تكلم أحداً؛ فلعمري؛ لأن تكلم بمعروف وتنهى عن منكر خير من أن تسكت». رواه أحمد.
858 - وعن قيس بن أبي حازم؛ قال: «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس, فقال لها: زينب! فأبت أن تتكل
م. فقال: ما بال هذه؟ قالوا: حجت مصمتة. فقال لها: تكلمي؛ فإن هذا لا يحل, هذا من عمل الجاهلية. فتكلمت». رواه البخاري.
فقد بينت الأخبار أن هذا منهي عنه في الصوم والإِحرام وفي غيرها.
ويتوجه أن يباح هذا للمعتكف؛ لأنه بمنزلة الطائف والمصلي؛ خلاف الصائم والمحرم. . . .

وأما قول مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: رقم 26]؛ أي:صمتاً؛ فذاك كان في شريعة من قبلنا, وقد نسخ ذلك في شرعنا.
قال ابن عقيل وغيره من أصحابنا: ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً عن الكلام؛ لأنه استعمال له في غير ما وضع له؛ فأشبه استعمال المصحف في التوسد والوزن ونحو ذلك.

859 - وقد جاء: «لا تناظر بكتاب الله».
قيل: معناه: لا تتكلم به عن الشيء تراه كأنك ترى رجلاً قد جاء في وقته, فتقول: لقد جئت على قدر يا موسى.
قال ابن عقيل: كان أبو إسحاق الخراز صالحاً, وكان من عادته الإِمساك عن الكلام في شهر رمضان, فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض له من الحوائج, فيقول في إذنه: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ} , ويقول لابنه في عشية الصوم: {مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا}؛ آمراً له أن يشتري البقل. فقلت له: هذا تعتقده عبادة وهو معصية. فصعب عليه, فقلت: إن هذا القرآن العزيز نزل في بيان أحكام شرعية, فلا يستعمل في أ
عراض دنيوية, وما هذا إلا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف. فهجرني ولم يصغ إلى الحجة.
* فصل:
قال أحمد في رواية حنبل: يعود المريض, ولا يجلس, ويقضي الحاجة, ويعود إلى معتكفه, ولا يشتري ولا يبيع؛ إلا أن يشتري ما لا بد له منه؛ طعام أو نحو ذلك.
وقال في رواية المروذي: لا ينبغي له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل.
وقال أبو طالب: سألت أحمد عن المعتكف يعمل عمله من الخياطة وغيره؟ قال: ما يعجبني. قلت: إن كان يحتاج؟ قال: إن كان يحتاج؛ فلا يعتكف.

قال أصحابنا: ولا يتجر, ولا يصنع صناعة؛ لسببين:
أحدهما: أن التجارة والصناعة تشغل عن مقصود الاعتكاف, فلا يفعله في المسج
د, ولا إذا خرج منه لحاجة.
والثاني: أن ذلك ممنوع منه في المسجد.
فأما البيع والشراء؛ فقال القاضي وابن عقيل: لا يجوز ذلك في المسجد, سواء في ذلك اليسير - مثل الثوب ونحوه - والكثير, وكذلك لا يجوز له فعل الخياطة فيه, سواء كان محتاجاً أو غيره, وسواء قل أو كثر؛ لأن في ذلك فعل معيشة في المس
جد, وكذلك الرقوع ونحوه. . . فيمنع من البيع والشراء في المسجد مطلقاً, ويحتمل كلام أحمد. . . .
فأما خارج المسجد؛ فيجوز له أن يشتري ما لا بدَّ منه.
فأما شراء خادم لأهله وكسوة ونحو ذلك مما لا يتكرر أو شراء طعام لهم. . . .
وإذا خاط ثوبه أو رقعه أو فعل نحو ذلك مما لا يتكسب به؛ فقيل: يجوز اليسير منه.
[وإذا كان به حاجة إلى الاكتساب والاتجار؛ فلا يعتكف].

قال أصحابنا: وله أن يتزوج في المسجد, وأن يزوج غيره, وأن يشهد النكاح؛ لأنها عبادة لا تحرم الطيب, فلم تمنع النكاح والصيام, وعكسه الإِحرام أو العدة. . . .
وإذا اتجر أو اكتسب في المسجد؟ فهل يبطل اعتكافه؟. . . .
وإن فعل ذلك خروجاً لأمد قضاء الحاجة أو خروجاً يمتد للحيض والفتنة. . . .


* فصل:
ويجوز للمعتكف أن يغسل رأسه ويرجله حال الاعتكاف:
860 - لما روي عن عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم و
هي حائض, وهو معتكف في المسجد, وهي في حجرتها, يناولها رأسه, وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان إذا كان معتكفاً». متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري: «إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل رأسه وهو في المسجد, فأرجله, وكان يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً».
وفي لفظ له: «كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف, فأغسله وأنا حائض».
قال ابن عقيل: ويجوز غسل جسده والتنظيف بأنواع التنظ
يف.
وفي معنى ذلك أخذ الشارب وتقليم الأظفار والاغتسال؛ لأن هذا من باب النظافة والطهارة, وهذا مما يستحب للمعتكف.
قال ابن عقيل: لأنها عبادة لا تحرم الطيب, والطيب أكثر من التنظيف, فكان من طريق الأولى أن لا يحرم الغسل والتنظيف.
وأما الطيب:

فقال في رواية المروذي: لا يتطيب المعتكف, ولا يقرئ في المسجد وهو معتكف.
وكذلك ذكر أبو بكر. ذكرها القاضي في بعض المواضع.
وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما: لا يحرم عليه الطيب؛ لأن الاعتكاف لا يحر
م عقد النكاح فلا يحرم الطيب.
قالوا: والمستحب له أن لا يلبس الرفيع من الثياب, ولا يتطيب؛ لأنها عبادة تختص بلبث في مكان مخصوص, فلم يكن الطيب والرفيع من الثياب فيها مشروعاً؛ كالحج.
فإن كان المعتكف قد حبس نفسه باعتكافه كما حبس المحرم نفسه بإحرامه, وهذا لأن الاعتكاف يحرم الوطء وما دونه, والطيب من دواعيه, فإذا لم يحرمه؛ فلا أقل من أن لا يستحب.
وأن يخرج إلى المصلى في ثياب اعتكافه, ولا يجدد ثياباً غيرها حتى يرجع إلى المصلى, ولا يحرم
عليه شيء من اللباس المباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف إلى أن مات, ولم ينقل عنه أنه تجرد لاعتكافه.
قالوا: وله أن يأكل ما شاء كالمحرم.
وقال أبو بكر: يمنع نفسه عن التلذذ بما هو مباح قبل الاعتكاف.


مسألة:
ولا يخرج من المسجد إلا لما لا بد له منه؛ إلا أن يشترط.
وجملة ذلك أن الاعتكاف هو لزوم المسجد للعبادة, فمتى خرج منه لغير فائدة؛ بطل اعتكافه, سواء طال لبثه أو لم يطل؛ لأنه لم يبق عاكفاً في المسجد.

861 - وقد روت عائشة رضي الله عنها: «أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي ح
ائض, وهو معتكف في المسجد, وهي في حجرتها, يناولها رأسه, وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان إذا كان معتكفاً». متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً.
862 - وقد تقدم قولها: «لا يخرج لحاجة؛ إلا لما لا بد له منه». رواه أبو داوود.
فأما خروجه لما لا بد له منه مما يعتاد الاحتياج إليه, ولا يطول زمانه, وهو حاجة الإِنسان, وصلاة
الجمعة؛ فيجوز, ولا يقطع عليه اعتكافه, ولا يبطله, ويكون في خروجه في حكم المعتكف بحيث لا يقطع عليه التتابع المشروع وجوباً واستحباباً.

ولا تجوز له المباشرة, ولا ينبغي أن يشتغل إلا بالقرب وما يعنيه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: رقم 187]؛ فنهى عن المباشرة لمن اعتكف في المسجد, وإن كان في غيره؛ لأن المباشرة في نفس المسجد لا تحل للعاكف ولا غيره.
فعلم من هذا أن العاكف في المسجد قد يكون في حكم العاكف مع خروجه منه, حتى تحرم عليه المباشرة.
وقد ذكرت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان؛ تع
ني: الغائط والبول, كُني عنهما بالحاجة؛ لأن الإِنسان يحتاج إليهما لا محالة.
وتقدم الدليل على أن له أن يخرج للجمعة.
ومثل هذا المصلي صلاة الخوف إذا استدبر القبلة ومشى مشياً كثيراً؛ فإنه لا يخرج عن حكم الصلاة - وإن كانت هذه الأفعال تنافي الصلاة - [لكنها] أبيحت للضرورة.

وكذلك؛ الطائف إذا صلى في أثناء صلاة مكتوبة أقيمت أو جنازة حضرت؛ فإنه طواف واحد, وإن تخلله هذا العمل المشروع.
وكذلك إذا قطع الموالاة في قراءة الفاتحة لاستماع قراءة الإِمام ونحو ذلك.
وفي معنى ذلك كل ما يحتاج إلى الخروج له, وهو ما يخاف من تركه ضرراً في دينه أو دنياه, فيدخل في ذلك الخروج لفع
ل واجب وترك محرم وإزالة ضرر؛ مثل: الحيض, والنفاس, وغسل الجنابة, وأداء شهادة تعينت عليه, وإطفاء حريق, ومرض شديد, وخوف على نفسه من فتنة وقعت, وجهاد تعين, وشهود جمعة, وسلطان أحضره, وحضور مجلس حكم, وقضاء عدم الوفاء, وغير ذلك؛ فإنه يجوز له الخروج لأجله, ولا يبطل اعتكافه, لكن منه ما يكون في حكم المعتكف إذا خرج بحيث يحسب له من مدة الاعتكاف ولا يقضيه - وهو ما لا يطول زمانه -, ومنه ما ليس كذلك - وهو ما يطول زمانه -؛ كما سنذكر إن شاء الله تعالى.
ويدل على جواز الخروج لا يعرض من الحاجات, وإن لم يكن معتاداً, مع احتسابه من المدة


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-02-2023, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 786الى صــ 795
(55)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(25)



863 - ما روى علي بن الحسين: أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان, فتحدثت عنده ساعة, ثم قامت تنقلب, فقام النبي صلى الله علي
ه وسلم معها يقلبها, حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة؛ مرَّ رجلان من الأنصار, فسلما عللا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي». فقالا: سبحان الله! وكَبُر عليهما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من الإِنسان مجرى الدم, وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئاً». رواه الجماعة إلا الترمذي.
وفي رواية متفق عليها: وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد.

وفي لفظ للبخاري: كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عنده أزواجه, فرحن, فقال لصفية بنت حيي: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» , وكان بيتها في دار أسامة بن زيد, فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها, فلقيه رجلان. . . (وذكر الحديث).
وهذا صريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معها من المسجد, وأن قولها: «حتى بلغت باب المسجد عند باب أ
م سلمة»؛ تعني: باباً غير الباب الذي خرج منه؛ فإن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت شرقي المسجد وقبلته, وكان للمسجد عدة أبواب, أظنها ستة, فيمر على الباب بعد الباب, والرجلان رأيا النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المرأة خارج المسجد؛ فإنه لو كان في المسجد؛ لم يحتج إلى هذا الكلام.
وقوله: «لا تعجلي حتى أنصرف معك» , وقيامه معها ليقلبها: دليل على أن مكانها كان بينه وبين المسجد مسافة يخاف فيها من
سير المرأة وحدها ليلاً, وذلك والله أعلم قبل أن يتخذ حجرتها قريباً من المسجد, ولهذا قال: «كان مسكنها في دار أسامة».
وهذا كله مبين لخروجه من المسجد؛ فإن خروجه إلى مجرد باب المسجد لا فائدة فيه, ولا خصوص لصفية فيه لو كان منزلها قريباً دون سائر أزواجه, فهذا خروج للخوف على أهله, فيلحق به كل حاجة.

ولا يجوز أن يقال: اعتكافه كان تطوعاً, وللمتطوع أن يدع الاعتكاف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ اعتكافه مما ينقصه, ولهذا كان لا يدخله إلا لحاجة, ويصغي رأسه إلى عائشة لترجله, ولا يدخل.
ولأنه لو ترك الاعتكاف ساعة؛ لم يكن قد اعتكف العشر الأواخر, وهو صلى الله عليه وسلم كان يعت
كف العشر الأواخر.
ثم إنه كان يقضي هذا الاعتكاف إذا فاته؛ فكيف يفسده أو يترك منه شيئاً؟!
على أن أحداً من الناس لم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان ترك اعتكافه بخروجه مع صفية؛ فإن العمدة في صفة الاعتكاف فرضه ونفله على اعتكافه صلى الله عليه وسلم, كيف وقد كان إذا عمل عملاً أثبته صلى الله عليه وسلم.

* فصل:
وأما عيادة المريض وشهود الجنازة؛ ففيه روايتان منصوصتان:

إحداهما: يجوز.

قال في رواية ابن الحكم: المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة.
864 - ويروى عن عاصم بن ضمرة, عن علي رضي الله عنه «المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة». وعاصم بن ضمرة عندي حجة.
وقال حرب: سل أحمد عن المعتكف يشهد الجنازة ويعود المريض ويأتي الجمعة؟ قال: نعم. ويتطوع في مسجد الجامع؟ قال: نعم؛ أرجو أن لا يضره. قيل: فيشترط المعتكف الغداء أو العشاء في منزله؟ فكره ذلك. قيل: فيشترط الخياطة في المسجد؟ قال: لا أدري. قيل: فهل يكون اعتكاف إلا بصيام؟ قال: قد اختلفوا فيه.

وكذلك نقل عن الأثرم: يخرج لصلاة الجنازة.
وقال في رواية حنبل: ويعود المريض, ولا يجلس, ويقضي الحاجة, ويعود إلى معتكفه, ولا يشتري, ولا يبيع؛ إلا أن يشتري ما لا بد له منه؛ طعام أو نحو ذلك, وأما التجارة والأخذ والعطاء؛ فلا يجوز شيء من ذلك
.
والرواية الثانية: لا يجوز ذلك إلا بشرط.

قال في رواية المروذي في المعتكف: يشترط أن يعود المريض ويتبع الجنازة؟ قال: أرجو. كأنه لم ير به بأساً.
ويشبه أن تكون هي الآخرة؛ لأن ابن الحكم قديم.
وهذه اختيار عامة أصحابنا: الخرقي, وأبي بكر, وابن أبي موسى, والقاضي, وأصحابه, وغيرهم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان.
فعلم أن هذه سنة الاعتكاف, وفعله يفسر الاعتكاف المذكور في القرآن.

وقد تقدم حديث عائشة رضي الله عنها على المعتكف: «أن لا يعود مريضاً, ولا يشهد جنازة, ولا يمس امرأة, ولا يباشرها, ولا يخرج إلا لما لا بد منه».

865 - وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة, والمريض فيه, فما أسأل عنه إلا وأنا مارة». متفق عليه.
866 - وعنها؛ قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف, فيمر كما هو, ولا يعرج يسأل عنه». رواه أبو داوود, عن ليث بن أبي سليم, عن ابن القاسم, عن أبيه, عن عائشة.
وفي لفظ: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المريض وهو معتكف».
ولأنه خروج لما له منه بد, فلم يجز؛ كما لو خرج لزيارة والديه أو صديقه أو طلب العلم ونحو
ذلك من القرب.
فعلى هذا: إذا خرج لحاجة؛ فله أن يسأل عن المريض في طريقه, ولا يجلس عنده, ولا يقف أيضاً, بل يسأل عنه مارّاً؛ لأنه [مقيم] لغير حاجة.
وقد ذكر عائشة مثل ذلك.
وقول أحمد: «يعود المريض ولا يجلس»: دليل على جواز الوقوف؛ إلا أ
ن يحمل على الرواية الأخرى.
ووجه الرواية الأولى: ما احتج به أحمد, وهو ما رواه عاصم بن ضمرة, عن علي رضي الله عنه؛ قال: «إذا اعتكف الرجل؛ فليشهد الجمعة, وليحضر الجنازة, وليعد المريض, وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم».
867 - وعن عبد الله بن يسار: «أن عليّاً أعان ابن أخيه جعدة بن هبيرة بسبع مائة درهم من عطائه أن يشتري خادماً, فقال له: ما منعك أن تبتاع خادماً؟! فقال: إني كنت معتكفاً. قال: وما عليك لو خرجت إلى ال
سوق فابتعت؟!».
868 - وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له [و] إن لم يشترط: عيادة المريض, ولا يدخل سقفاً, ويأتي الجمعة, ويشهد الجنازة, ويخرج في الحاجة».
869 - قال: وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد». رواهن سعيد.

870 - وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض». رواه ابن ماجه, وراويه متروك الحديث.
وأيضاً؛ فإن هذا خروج لحاجة لا تتكرر في الغالب, فلم يخرج به عن كونه معتكفاً؛ كالواجبات.
وذلك أن عيادة المريض من الحقوق التي تجب للمسلم على المسلم, وكذلك عيادة المريض. . .؛ فعلى
هذه الرواية هل يقعد عنده؟. . . .
وإن تعين عليه الصلاة على الجنازة, وأمكنه فعلها في المسجد؛ لم يجز الخروج إليها, وإن لم يمكنه؛ فله الخروج إليها.
وكذلك يخرج لتغسيل الميت وحمله ودفنه إذا تعيَّن ع
ليه.
وأما إذا شرط ذلك؛ فيجوز في المنصوص المشهور كما تقدم.
وقال في رواية الأثرم: يشترط المعتكف أن يأكل في أهله, ويجوز الشرط في الاعتكاف.
وحكى الترمذي وابن المنذر عن أحمد. . . .
871 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لضباعة: «حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني؛ فإن لك على ربك ما اشترطت».
عام, فإذا كان الإِحرام الذي هو ألزم العبادات بالشروع يجوز مخالفة موجبه بالشرط؛ فالا
عتكاف أولى.
872 - [وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له إن لم يشترط: عيادة المريض, ولا يدخل سقفاً, ويأتي الجمعة, ويشهد الجنازة, ويخرج في الحاجة».]
وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد». رواه سعيد.


* فصل:
قال أبو بكر: لا يقرأ القرآن, ولا يكتب الحديث, ولا يجالس العلماء,
ولا يتطيب, ولا يشهد جنازة, ولا يعود مريضاً؛ إلا أن يشترط في اعتكافه.
ذكر ابن حامد والقاضي وغيرهما: أن له أن يشترط كل ما في فعله قربة؛ مثل: العيادة, وزيارة بعض
أهله, وقصد بعض العلماء.
وقسموا الخروج ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يجوز بالشرط ودونه ولا يبطل الاعتكاف.
وهو الخروج لما لا بد منه من قضاء الحاجة والخوف والمرض ونحو ذلك مما تقدم.
والثاني: ما لا يجوز الخروج إليه إلا بشرط.
وهو عيادة المريض, وزيارة الوالدة, واتباع الجنازة.

والثالث: ما لا يجوز الخروج إليه بشرط وبغير شرط, ومتى خرج إليه؛ بطل اعتكافه.
وهو اشتراط ما لا قربة فيه؛ كالفرجة والنزهة والبيع في الأسواق.
وكذا لو شرط أن يجامع متى شاء.

قال بعض أصحابنا: وكذا إن شرط التجارة في المسجد أو التكسب بالصنعة فيه أو خارجاً منه.
وأما المنصوص عن أحمد, والذي ذكره قدماء وأصحابه؛ فهو اشتراط عيادة المريض واتباع الجنازة.
قال ابن عقيل: وزاد ابن حامد فقال: ولا بأس أن يشترط زيارة أهله لأنه لما كان له أن ي
شترط قطعه والخروج منه؛ كان له أن يشترط تحلل القربة له.
قال: والجواب عما ذكره ابن حامد: أنه ليس إذا ملك أن يقطع الاعتكاف, يملك أن يشترط شيئاً يبطل مثله الاعتكاف مع عدم الشرط؛ كما أنه يجوز أن يشترط يوماً ويوماً لا, ولا يملك أن يطأ في اليوم الذي لم ينذر اعتكافه, ومع هذا لا يملك أن يطأ.
فأما اشتراط المباح؛ على ما ذكره القاضي: لا يجوز.
وقال بعض أصحابنا: يجوز شرط ما يحتاج إليه؛ كالأكل والمبيت في المنزل؛ لأن الاعتكاف يجب بعقده, فكان الشرط إليه فيه كالوقف.
ولأنه لا يختص بقدر, فإذا شرط الخروج؛ فكأنه نذر القدر الذي أقامه.

أما الأكل؛ ففيه عن أحمد روايتان؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما المبيت؛ فقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن المعتكف يشترط أن يأكل في أهله؟ قال: إذا اشترط؛ فنعم. قيل له: وتجيز الشرط في الاعتكاف؟ قال: نعم. قلت له: فيبيت في أهله؟ قال: إذا كان تطوعاً؛ جاز.

فأخذ بعض أصحابنا من هذا جواز شرط المبيت لجواز شرط الأكل, [و] ليس بجيد؛ فإن أحمد أجاز الأكل بالشرط مطلقاً, وأجاز المبيت في الأهل إذا كان متطوعاً, ولم يعلقه بشرط, فعلم أنه لا يجوز في النذر.
وليس هذا لأجل الشرط, بل لأن التطوع له تركه متى شاء؛ فإذا بات في أهله؛ كأنه يعتكف النهار دون الليل.
ولو نذر أن يعتكف عشرة أيام يبيت بالليل عند أهله؛ يكون قد نذر اعتكاف الأيام دون الليالي, فيكون اعتكاف كل يوم اعتكافاً جديداً يحتاج إلى نية مستأنفة.
وإذا خرج بالليل؛ لم يكن معتكفاً, حتى لو جامع أهله فيه؛ كان له ذلك.
فأما جواز المبيت في أهله, مع كونه معتكفاً؛ فهذا إخراج للاعتكاف عن حقيقته. . . .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-02-2023, 05:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 806الى صــ 815
(57)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(27)


* فصل:
ويبطل الاعتكاف أيضاً بالردة؛ لأن الردة تبطل جميع العبادات من الطهارة والصلاة والصوم والإِحرام؛ فكذلك الاعتكاف؛ لأن الكافر ليس من أهل العبادات.
فإن عاد. . . .ويبطل أيضاً بالسكر؛ لأن السكران ممنوع من دخول المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُو
ا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: آية 43]. . . .
فأما إن زال عقله بغير النوم من جنون أو إغماء. . . .


* فصل:
وإذا ترك الاعتكاف بالخروج من المعتكف: فإما أن يكون نذراً أو تطوعاً: أما النذر؛ فأربعة أقسام:
أحدها: أن يكون نذراً معيناً, مثل أن يقول: لله عليَّ أن أعتكف هذا الشهر, أو هذا العشر, أو العشر الأو
اخر من رمضان. . . ونحو ذلك؛ ففيه روايتان, ويقال: وجهان مبنيان على روايتين منصوصتين في الصيام:
أحدهما: يبطل ما مضى من اعتكافه, وعليه أن يبتدئ الاعتكاف, فيعتكف ما بقي من المدة, ويصله باعتكاف ما فوته منها؛ لأنه وجب عليه أن يعتكف تلك الأيام متتابعة, فإذا بطا الاعتكاف؛ قطع التتابع؛ فعليه أن يأتي به في القضاء متتابعاً؛ لأن القضاء يحكي الأداء, ووجب عليه أن يعتكف ما بقي من المدة لأجل التعيين, وهذا أولى من الصوم؛ لأن الصوم عبادات يتخللها [ما ينافيها, فإذا أفطر يوم؛ لم يلزم منه فطر يوم آخر؛ بخلاف] الاعتكاف؛ فإنه عبادة واحدة متواصلة, فإذا أبطل آخرها؛ بطل أولها؛ كالإِحرام وصوم اليوم الواحد والصلاة.
والرواية الثانية: لا يبطل ما مضى من اعتكافه, بل يبني عليه ويقضي ما تركه, وإن شاء قضاه متتابعاً, وإن ش
اء متفرقاً, وإن شاء وصله بالمدة المنذورة, وإن شاء فصله عنها؛ لأن التتابع إنما وجب تبعاً للتعيين في الوقت, فإذا فات التعيين؛ سقط التتابع لسقوطه؛ كمن أفطر يوماً من رمضان؛ فإنه يبني على ما صام منه, ويقضي يوماً مكان ما ترك, وعليه كفارة يمين لما فوته من التعيين في نذره رواية واحدة.

القسم الثاني: أن ينذر اعتكاف الوقت المعين متتابعاً, بأن يقول: عليَّ أن أعتكف هذا العشر متتابعاً, فإذا ترك بعضه؛ كان عليه استئناف الاعتكاف, فيعتكف ما بقي, ويصله بالقضاء.
الثالث: أن ينذر اعتكافاً متتابعاً غير معين؛ مثل أن يقول: عليَّ أن أعتكف عشرة أيام متتابعة أو شهر
اً متتابعاً, فإذا ترك بعضه؛ كان عليه أن يستأنف الاعتكاف في أي وقت كان, ولا كفارة عليه.
الرابع: أن ينذر اعتكافاً مطلقاً غير متتابع, مثل أن يقول: عليَّ اعتكاف عشرة أيام متفرقة, فإذا ترك اعتكاف بعضها؛ لم يبطل غير ذلك اليوم. . . .
وأما إذا أبطله بالوطء والسكر ونحوهما:
فقال ابن عقيل وكثير من متأخري أصحابنا: هو كما لو أبطله بالخروج من معتكفه.
فإن كان مشروطاً فيه التتابع؛ فعليه الاستئناف؛ رواية واحدة؛ لفوات التتابع المشروط فيه, لا لفساد ما مضى منه.
وإن لم يشترط فيه التتابع؛ فهل يبني أو يستأنف؟ على وجهين, مع وجوب الكفارة فيهما.
ولفظ ابن عقيل: هل يبطل ما مضى منه. على روايتين:

إحداهما: يبطل. لأنها عبادة واحدة, فيبطل لما مضى منها بالوطء فيما بقي؛ كالطواف.
والثانية: لا يبطل الماضي.
لأنه عبادة بنفسه؛ بدليل أنه يصح أن يفرد بالنذر والنفل, وإن لم يكن معيناً؛ فعليه القضاء والاستئناف.
وإن كان متتابعاً بغير كفارة. . . .

والذي ذكره قدماء الأصحاب مثل الخرقي وأبي بكر وابن أبي موسى وغيرهم أن عليه القضاء والاستئناف. وهذا هو المنصوص عنه.
قال في رواية حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً, وليس هو واجب فتجب عليه الكفارة.

وكذلك قال أيضاً: إذا وطئ المعتكف؛ بطل اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
وهذا أجود؛ لأنه إذا نذر اعتكاف العشر, وجامع فيه؛ فإن الجماع يبطل اعتكافه, فيبطل ما مضى منه؛ لأن الاعتكاف المتتابع عبادة واحدة, فإذا طرأ عليها ما يبطلها؛ أبطل ما مضى منها؛ كالإِحرام والصيام.
وأيضاً؛ فإن مدة الوطء قليلة؛ فلو قيل: إن ما قبله صحيح, وما يفعل بعده صحيح؛ لم يبق معنى قولنا: يبطل اعتكافه؛ إلا وجوب قضاء ذلك الزمن اليسير, وهذا لا يصح.
وأيضاً. . .

وكون ما قبل الوطء يصح إفراده بالنذر والفعل لا يلزم منه أن يكون عبادة إذا ضم إلى غيره؛ كما لو صلى أربع ركعات؛ فإنه إذا أحدث في آخر ركعة؛ بطل ما مضى, ولو خرج منه؛ لصح, وكذلك لو جامع المحرم في لحج بعد الطواف والسعي؛ بطل, وإن كان يصح إفراده ما مضى عمرة.
وإفساد العبادة يخالف تركها, والخروج من المسجد ترك محض.


* فصل:
قال ابن أبي موسى: لو نذر اعتكاف العشر الأواخر من رمضان, ثم أفسده؛ لزمه أن يقضيه من قابل في مثل وقته.
وهذا أخذه من قول أحمد في رواية حنبل وابن منصور: إذا وقع المعتكف على امرأته؛ انتقض
اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
وهذا لأن الاعتكاف هذه الأيام أفضل من غيرها.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصها بالاعتكاف, ويوقظ فيه أهله, ويحيي الليل, ويشد المئزر, وفيها ليلة القدر, فلا يقوم مقامها إلا ما أشبهها,, وهو العشرين العام القابل؛ كما قلنا فيما إذا [عين] مكاناً مخصوصاً بالسفر إليه مثل المسجد الحرام؛ لم يجزه الاعتكاف إلا فيه, ولو أفسد الاعتكاف الواجب فيه؛ لم يجزه قضاؤه إلا فيه.
ولا يرد على هذا قضاء النبي صلى الله عليه وسلم لاعتكافه في شوال؛ لأنه لم يكن واجباً عليه, على أنه
قد اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين, ولم يكن في الرمضان الذي كان مسافراً فيه, فلعله قضاه من ثانية.
فإن قيل: فقد قلتم: إذا أفسد اعتكاف الأيام المعينة؛ لزم إتمام باقيها, إما بناء أو ابتداء؛ لأجل التعيين.

قلنا: إذا كان ما بعدها مساوياً لها, فأما هنا؛ فإن العشر إلى العشر أقرب من شوال إلى العشر.
وقال القاضي: إذا قلنا: يصح الاعتكاف بغير صوم, وفاته, فنذر اعتكاف شهر رمضان؛ لزمه اعتكاف شهر بلا صوم؛ فإن أراد أن يقضيه في رمضان آخر؛ أجزأه وكذلك إن قضاه في غير رمضان.

وإن قلنا: لا يصح بغير صوم؛ لزمه قضاء شهر بصوم, فإن أراد أن يقضيه في رمضان آخر؛: فعلى وجهين:
أحدهما: لا يجزيه؛ لأنه ما فاته؛ لزمه اعتكاف شهر بصوم, فلم يجعل صيام رمضان واقعاً عليه.
والثاني: لا يجزيه؛ لأنه لم يلزمه بالنذر صيام, وإنما وجب ذلك عن رمضان, وهو ظاهر قوله في رواية حنبل: عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك.
وبمكن الجمع بين القولين بأن تحمل مسألة ابن أبي موسى على ما إذا نذر اعتكاف شهر مطلق, ومس
ألة القاضي على ما إذا نذر اعتكاف هذا العشر.
* فصل:
فإن كان الاعتكاف الذي أفسده تطوعاً؛ فلا قضاء فيه. ذكره الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وعامة أصحابنا.
قال في رواية أبي داوود: المعتكف ببغداد إذا وقع فتنة يدع اعتكافه, وليس عليه
شيء, إنما هو تطوع. . . .
وقال أبو بكر: إذا جامع الرجل؛ بطل اعتكافه, ويستقبل, فإن كان نذراً؛ كان عليه كفارة يمين والقضاء لما أفسده.
وظاهر هذا أن عليه أن يستقبل التطوع, ولا كفارة فيه.
وهكذا نقل حنبل: إذا واقع المعتكف أهله؛ بطل اعتكافه, وكان عليه أيام مكان ما أفسده, ويستقبل ذلك, ولا كفارة عليه إذا كان الذي واقع ليلاً, ليس هو واجباً فتجب عليه الكفارة.
فجعل عليه استقبال القضاء مطلقاً, وخص الكفارة بالواجب.
وكذلك قوله في رواية حنبل وابن منصور: إذا واقع المعتكف امرأته؛ انتقض اعتكافه, وعليه الاعتكاف من قابل.
وفي لفظ: والمعتكف يقع بأهله يبطل اعتكافه, وعليه الاعتكاف
من قابل.
ولم يفرق بين النذر والتطوع.
وهذا يحتمل شيئين:
أحدهما: أنه ليس له أن يخرج من الاعتكاف لغير عذر.
والثاني: أنه ليس له أن يطأ مع نية الاعتكاف؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: آية 187].
مسألة:

وأن يسأل عن المريض أو غيره في طريقه ولم يعرج عليه
880 - وذلك لقول عائشة رضي الله عنها: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة, والمريض فيه, فما أسأل عنه؛ إلا وأنا مارة». رواه مسلم.
881 - وقد تقدم أنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك.
ولأن سؤاله عن المريض كلام فيه مصلحة وقربة ولا يحبسه عن اعتكافه, فجاز كغيره من الكلام المباح, ومثل هذا أن يأمر أهله بحاجة أو يسأل عما يعنيه, لكن لا يجلس عند المريض ولا يعرج إليه إذا لم يكن على طريقه.
قال القاضي وابن عقيل: يسأل عنه مارّاً ولا يقيم للمسألة عنه؛ لأنه يقيم لغير حاجة, ولم يشترط ذلك في اعتكافه, وهذا على قولنا: لا يجوز للمعتكف أن يعود المريض بغير شرط.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-02-2023, 10:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 816الى صــ 825
(58)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(28)




* فصل:
في تفصيل الأسباب المبيحة للخروج وأحكامها.
أحدها: الخروج لحاجة الإِنسان من البول والغائط, وهو في خروجه في حكم المعتكف؛ بحيث لا يقطع خروجه تتابع الاعتكاف المشروط فيه, بل يحسب له من أوقات الاعتكاف.
ولو جامع في مخرجه؛ بطل اعتكافه.
ويستحب له أن يتحرى الاعتكاف في مسجد تكون المطهرة قريبة
منه لئلا يطول زمن خروجه.
قال في رواية المروذي: اعتكف في ذلك الجانب, وهو أصلح من أجل السقاية, ومن اعتكف في هذا الجانب؛ فلا بأس أن يخرج إلى الشط إذا كانت له حاجة, ولا يعجبني أن يتوضأ في المسجد.

قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن الاعتكاف في المسجد الكبير أعجب إليك أو مسجد الحي؟ قال: المسجد الكبير. وأرخص لي أن أعتكف في غيره. قلت: فأين ترى أن أعتكف في هذا الجانب أو في هذا الجانب؟ قال: في ذاك الجانب هو أصلح. قلت: فمن اعتكف في هذا الجانب ترى أن يخرج إلى الشط يتهيأ؟ قال: إذا كان له حاجة لا بد له من ذلك. قلت: يتوضأ الرجل في المسجد؟ قال: لا يعجبني أن يتوضأ في المسجد.

قال القاضي: [يكره] الطهارة في المسجد كما يكره غسل اليد؛ لأنه يتمضمض ويستنشق فربما تنخع فيه.
وإذا خرج من المسجد, وله منزلان, أو هناك مطهرتان, إحداهما أقرب من الأخرى, وهو يمكنه الوضوء في الأقرب بلا مشقة؛ فليس له المضي إلى الأبعد. قاله أبو بكر.
وإن كان هناك مطهرة أقرب من منزله يمكنه التنظف فيها؛ لم يكن له المضي إلى
منزله. قاله القاضي وغيره. لأنه له من ذلك بدّاً.
وإن لم يمكنه التنظف فيها؛ فله المضي إلى منزله.
وقال بعض أصحابنا: إن كان يحتشم من دخولها, أو فيه نقيصة عليه ومخالفة لعادته؛ فله المضي إلى منزله؛ لما فيه من المشقة عليه في ترك مروءته, هذا إذا كان منزله قريباً من معتكفه.

فأما إن تفاحش بُعده؛ فقال القاضي: لا يمضي إليه؛ أنه خرج عن عادة المعتكفين, وليس عليه أن يشرع المشي, بل يمشي على عادته.
وقد قال أحمد في رواية المروذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه, ولا يؤويه إلا سقف المسجد, ولا ينبغي له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل. . . .
فأما البول في المسجد؛ فلا يجوز, وإن بال في طست ونحوه. . .
.
وإن أراد أن يفصد أو يحتجم لحاجة؛ فله أن يخرج من المسجد كما يخرج لحاجة الإِنسان, ولا يجوز أن يفعل ذلك في المسجد لحاجة ولا لغيرها. قاله القاضي.
كما لا يجوز له أن يبول في الطشت؛ لأن هواء المسجد تابع للمسجد في الحرمة, بدليل أنه لا يجوز له أن يترك في أرضه نجاسة, ولا يجوز أن يعلق في هوائه نجاسة, مثل ميتة يعلقها, أو قنديل فيه خم
ر أو دم.
قال ابن عقيل: ويحتمل التجويز مع الضرورة؛ كما ورد في المستحاضة.
فأما مع القدرة على الخروج؛ فلا. وهذا قول بعض أصحابنا: أنه إذا لم يمكن التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف؛ ألحق بالمستحاضة.
فعلى هذا يجوز لمن به سلس البول. . . .

فإن كان في المسجد نهر جارٍ أو برك يفيض ماؤها إلى بلاليع ونجو ذلك؛ جاز غسل اليد, وإزالة الوسخ فيها.
فأما الفصد والبول ونحو ذلك؛ فلا يجوز على ما ذكره أصحابنا.
وإذا خرج لحاجة الإِنسان, فدخل في طريقه إلى مسجد آخر ليتم فيه بقية اعتكافه؛ جاز, فإن دخل فيه ليمكث فيه بعض مدة الاعتكاف ثم يعود. . . .
وكذلك إن خرج من مسجد إلى مسجد آخر, وليس بينهما ما ليس ب
مسجد؛ لأنه لا يتعين للاعتكاف بقعة واحدة.
وإن ذهب إلى مسجد هو أبعد منه عن بيته ومسجده الأول؛ بطل اعتكافه؛ لأنه مشى إليه لغير عذر, فأشبه ما لو خرج إليه ابتداء.
وأما الوضوء؛ ففي كراهته في المسجد روايتان:
فإن خرج من المسجد لتجديد الطهارة؛ بطل اعتكافه؛ لأن له منه بدّاً.
وإن خرج للتوضي عن حدث؛ لم يبطل, سواء كان في وقت صلاة أو لم يكن؛ لأن به إليه حاجة, وهو من تمام سنن الاعتكاف, ولأن الوضوء لا بد منه, وإنما يتقدم وقته.

وإن توضأ للشك في بقاء طهارته, أو خرج لغسل الجمعة؛ فقيل: لا يجوز ذلك. . . .
* فصل:
وأما خروجه للجمعة.

فقال القاضي: يكون خروجه بقدر ما يصلي [أربعاً قبل الجمعة وأربعاً بعدها] , ثم يوافي معتكفه, فيبني على ما مضى.
وكذلك قال ابن عقيل: لا يستحب له الإِطالة, ولكنه يصلي الجمعة, وإن أحب أن يتنفل؛ تنفل بأربع, وعاد إلى معتكفه, ولا يزيد على ذلك.
وقال ابن عقيل: يحصل أن يكون بضيق الوقت, وأفضل من البكور إلى الجمعة؛ لأنه إن كان نذراً؛ فهو واجب, والبكور ليس بواجب, وإن كان تطوعاً؛ فقد ترجح الاعتكاف بتقدمه على الجمعة.

وقال أحمد في رواية أبي داوود: يركع بعد الجمعة في المسجد بقدر ما كان يركع. قيل له: فيتعجل إلى الجمعة؟ قال: أرجو.
قال القاضي: وظاهر هذا جواز التقديم إلى الجمعة؛ لأنه بالتقديم هو في مسجد أيضاً.
وقد قيل له في رواية حرب: وقيل: يتطوع في المسجد الجامع؟ قال: نعم
؛ أرجو أن لا يضره.
فقد نص أنه يصلي بعد الجمعة سنتها الراتبة. قدَّرها القاضي وابن عقيل بأربع, وقال أحمد: يركع كعادته. وأطلق التطوع في الرواية الأخرى.
وعلى ما قالوه: الأفضل أن يعجل الرجوع إلى معتكفه, ويكره له المقام بعد السنة الراتبة.
وقيل: يحتمل أن يكون الخيرة إليه في تعجيل الرجوع وتأخيره؛ كما لو نوى إتمام الاعتكاف في الجامع؛ لأنه في مكان يصلح للاعتكاف, [وهذا ليس بشيء؛ لأن المكان إن صلح للاعتكاف] , فليس هو معتكفاً فيه حتى ينوي
الاعتكاف فيه.
ولو نوى الاعتكاف فيه؛ لم يجز له العود إلى معتكفه الأول لغير حاجة, فإذا كان من نيته العود إلى معتكفه؛ لم يكن بمقامه فيه معتكفاً, بل يكون مصلياً للجمعة, فلا يزيد على القدر المشروع, فإن زاد. . . .


* فصل:
وإذا جوزنا له الخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة بغير شرط أو كان قد اشترطه؛ فإنه لا يزيد على المسنون, وهو اتباعها من حين كان يخرج من دارها إلى أن يؤذن بالانصراف, وأن يجلس عند المريض, ما جرى به العرف, فإن لم يعلم حين خروجها؛ فهل ينتظرها. . . .
* فصل:
قال في رواية المروذي: يجب على المعتكف أن يحفظ لسانه, ولا يؤويه إلا سقف المسجد, ولا ينبغي
له إذا اعتكف أن يخيط أو يعمل, وذلك لما روي:
882 - عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: «لا يدخل المعتكف تحت سقف». ذكره ابن المنذر.
883 - وعن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون للمعتكف أن يشترط هذه الخصال, وهي له إن لم يشترط: عيادة المريض, ولا يدخل سقفاَ, ويأتي الجمعة, ويشهد الجنازة, ويخرج في الحاجة».

وكان إبراهيم يقول: «لا يدخل المعتكف سقيفة إلا لحاجة أو سقف المسجد».
ومعنى هذا انه لا يؤويه سقف مسكن.
فأما في حال مروره في طريقه أو في حال دخوله إلى منزله إذا آواه الباب أو دخل الكنيف ونحو ذلك مما يحتاج إليه؛ فلا بأس به.
وهذا لأن مقامه تحت السقف دخول إلى المساكن وإقامة فيها, وذلك يخالف حال المقيم في المسجد.

884 - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الحيض أن يقمن في رحبة المسجد؛ لئلا يقمن في مساكنهن.
فعلى هذا الحائض. . . .
* فصل:
قال الخرقي وابن أبي موسى: ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإِنسان أو صلاة الجمعة.
وقال غيرهما من أصحابنا: يخرج للاغتسال من الجنابة, لكن. . . .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-02-2023, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 826الى صــ 835
(59)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(29)




* فصل:
قال الخرقي وابن أبي موسى: ولا يخرج من معتكفه إلا لحاجة الإِنسان أو صلاة الجمعة.
وقال غيرهما من أصحابنا: يخرج للاغتسال من الجنابة, لكن. . . .

* فصل:
وأما الأكل؛ فالمنصوص عن أحمد أن عليه أن يأكل في المسجد؛ إلا أن يشترط الأكل في أهله؛ ففيه روايتان منصوصتان:
أحدهما: ليس له ذلك.
قال حرب: قيل لأحمد: فيشترط للمعتكف الغداء والعشاء في منزله؟ فكره ذلك.

وذلك لأنه شرط الخروج من المسجد لغير قربة, فلم يجز ذلك؛ كما لو شرط الخروج للجماع وللبيع والشراء أو النوم.
والثانية: له ذلك.
قال في رواية الأثرم: يشترط المعتكف أن يأكل في أهله.
ويجوز الشرط في الاعتكاف؛ لأنه شرط للخروج لما هو محتاج إليه, فأشبه شرط الخروج لعيادة
المريض أولى؛ لأنه ربما كان عليه كلفة في الأكل والشرب في منزله.
وهذه الرواية. . . .
فأما إن خرج من المعتكف لقضاء الحاجة ونحوها مما يجيز الخروج, فأكل عند أهله:فقال ابن حامد: يأكل في بيته اللقمة واللقمتين مع أهله, فأما جميع أكله؛ فلا؛ لأن ذاك يسير, لا يعد به معرضاً عن الاعتكاف؛ لأن تناول اللقمة واللقمتين لا يمنعه
المرور في طريقه, فأشبه مساءلته عن المريض في طريقه.
وقال غيره: ليس له ذلك؛ لأنه لبث في غير معتكفه لما له منه بُد, فأشبه اللبث لمحادثة أهله.
فأما إن أكل وهو مارٌّ؛ فلا بأس بذلك؛ لأنه لا احتباس فيه.

وقال القاضي: يتوجه أن يقال: له أن يخرج للأكل في بيته؛ لأن الأكل في المسجد دناءة وسقوط مروءة, ولأنه قد يخفي جنس قوته عن الناس, ويكره أن يطلع, مثل الشعير والذرة.
قال القاضي وابن عقيل: إذا خرج لحاجة, فأراد أن يقيم للأكل؛ فالحكم فيه وفي الخروج للأكل ابتداء واحد.
قال شيخنا: يجوز أن يأكل اليسير في بيته؛ مثل اللقمة واللقمتين مع أهله, فأما
جميع أكله؛ فلا.
وهذا والله أعلم غلط على ابن حامد؛ فإنه يجوز الخروج ابتداء, وإنما يجوز الأكل الي
سير إذا خرج لحاجة؛ كما يجوز السؤال عن المريض في طريقه.
وقال أبو الخطاب: إذا خرج لما لا بد منه من الأكل والشرب وقضاء حاجة الإِنسان؛ لم يبطل اعتكافه, والصواب المنصوص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان, وهذا يقتضي أنه كان يأكل في المسجد, ولأن الخروج من المسجد مناف للاعتكاف؛ فلا يباح منه إلى القدر الذي تدعو إليه الحاجة, ولا حاجة إلى الخروج للأكل والشرب.
وإذا أراد أن يأكل في المسجد؛ وضع مائدة أو غيرها؛ لئلا يقع من طعامه فتات يلوث المسجد
ويسقط فيه شيء من إدامه؛ كالدبس والعسل, والأولى أن يغسل يده في الطست ليصب الماء خارج المسجد لئلا يلوث, ولو خرج لغسل يده؛ بطل اعتكافه. قال القاضي.
وقال ابن عقيل: إذا احتاج إلى غسل يده؛ خرج من المسجد كما يخرج للفصد والحجامة؛ لأن المسجد تجب صيانته من الأدران والأوساخ.
فأما إذا احتاج إلى الخروج بأن لا يكون له من يشتري له الطعام فيحتاج أن يخرج ليشتريه. . . .
وإن صنع له في داره طعام, ولم يكن له من يأتي به. . . .


* فصل:
وأما إذا تعينت عليه شهادة أو أحضره سلطان بحق؛ مثل أن يخرجه لإِقامة حد في زنى أو سرقة, أو بغير حق؛ مثل أن يخرجه لأخذ ماله؛ لم يبطل اعتكافه. وقد أباح الله تعالى إخراج المعتدة لإِقامة الحد
عليها.
فإن خرج مختاراً للأداء؛ بطل اعتكافه, سواء قد تعين عليه التحمل أو لم يتعين.
* فصل:
وإذا حاضت المرأة أو نفست؛ فإنه يجب أن تخرج من المسجد؛ لأن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض, لا سيما إن كانت قد نذرت الصوم في الاعتكاف, أو قلنا: لا يصح إلا بصوم؛ فإن الحيض لا يصح معه الصوم, ولأن الاعتكاف من جنس الصلاة والطواف, فنافاه الحيض.
قال في رواية حنبل: والمعتكفة إذا حاضت؛ اعتزلت المسجد حتى تطهر؛ فإذا طهرت؛ قضت ما عليها من الاعتكاف والصوم ولا كفارة عليها.
وكذلك قال أبو بكر: إذا حاضت؛ خرجت, فإذا طهرت؛ رجعت, فبنت على اع
تكافها.
قال القاضي: إذا خرجت من المسجد؛ كان لها المضي إلى منزلها لتقضي حيضها ثم تعود. نص عليه.
وقال الخرقي وابن أبي موسى وغيرهما: تضرب خباء في الرحبة.
قال القاضي: وهذا على طريق الاختيار؛ لتكون بقرب المسجد.

885 - وذلك لما روى عبد الرزاق, ثنا الثوري, عن المقدام بن شريح, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «كن المعتكفات إذا حضن؛ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من المسجد, وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن».
رواه المحاملي وابن بطة وغيرهما.
وظاهر كلام الخرقي الوجوب على ظاهر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهن بضرب الأخبية, ولأن رحبة المسجد فناؤه ومختصة به؛ فمقامها فيها ضرب من العكوف؛ بخلاف ذهابها إلى دارها؛ فإنه خروج عنه بالكلية من غير ضرورة, ولأن
الخروج من المسجد إنما يباح للحاجة, والحكم المقيد بالحاجة مقدر بقدرها, وإنما يحتاج في الخروج إلى الرحبة خاصةً؛ ذهابها إلى منزلها لا حاجة إليه, ولهذا قالوا: إذا أمكن حاجة الإِنسان في مكان قريب من المسجد؛ لم يجز له أن يذهب إلى منزله. . . .
فإن لم يكن للمسجد رحبة أو كانت رحبة لا يمكنها المقام فيها؛ جاز ل
ها الذهاب إلى منزلها.
وهل تدخل تحت السقوف؟
قال أصحابنا: لها ذلك.
وإذا خرجت من المسجد؛ فهل هي في حكم المعتكفة بحيث تحرم عليها لو خرجت لحاجة الإِنسان ونحو ذلك مما يقصد زمانه. . . .

والحيض لا يبطل ما مضى من الاعتكاف, سواء كان اعتكافها زماناً لا يخلو من الحيض أو أمكن أن ينفك من الحيض, مثل أن تنذر اعتكاف خمسة عشر يوماً, أو لم يمكن؛ مثل أن تنذر اعتكاف شهر ونحو ذلك؛ فإذا طهرت؛ بنت على ما قبل الحيض, ولم تستأنف الاعتكاف, سواء كان الاعتكاف معيناً؛ مثل أن يقول: هذا العشر, أو مطلقاً؛ مثل أن يقول: عشرة أيام, ولا كفارة عليها إن كان منذوراً. نص عليه, وهو قول عامة الأصحاب.
قال بعضهم: لا نعلم فيه خلافاً؛ لأنه خروج لأمر معتاد, فأشبه الخروج للجم
عة والجنازة وحاجة الإِنسان.
وطريقة بعض أصحابنا أنه إن كان معيناً؛ بنت, وعليها الكفارة في أحد الوجهين, وإن كان مطلقاً؛ فلها الخيار بين أن تبني وتكفر وبين أن تستأنف؛ إلحاقاً لخروج الحائض بخروج المعتدة والخروج لفتنة والنفير ونحو ذلك؛ لأنه خروج يطول زمانه, فأشبه الخروج للفتنة ونحو ذلك.
ولا تحتسب بمدة الحيض من الاعتكاف على ما نص عليه في رواية حنبل, وهو قول عامة أصحابه أبي بكر وابن أبي موسى والقاضي وأصحابه وغيرهم.
بل إن كان نذراً معيناً أو مطلقاً؛ فعليها قضاء مدة الحيض, وإن لم يكن نذراً؛ لم يكن عليها قضا
ء, لكن لا يتم لها اعتكاف المدة التي نوتها إلا بالقضاء.
وظاهر كلام الخرقي أنها إذا أقامت في الرحبة حسب لها من الاعتكاف كما يحسب [له من الاعتكاف خروجه للحاجة والجمعة, ويتوجه أن يحسب] مطلقاً, ويتوجه أن لا قضاء عليها.
وإن لم يحسب من الاعتكاف, لا سيما إن كانت المدة التي نذرتها مما لا تنفك عن الحيض؛ فإن مدة الحيض تقع مستثناة بالشرع والنية والنذر
ووجه الأول: أنه زمن يطول. . . .

فأما المستحاضة؛ فإنها تقيم في المسجد:
886 - لما تقدم عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «اعتكفت مع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة, فكانت ترى الحمرة والصفرة, وربما وضعت الطست وهي تصلي». رواه البخاري.
ولأن أكثر ما في ذلك أنها محدثة, ولأنه يخرج منها نجاسة لا يمكن الاحتراز منها لا تلوث المسجد؛ فإن الواجب عليها أن تتحفظ من تلويث المسجد: إما بالتحفظ, أو وضع شيء تحتها.
فإن لم تكن صيانة المسجد منها؛ خرجت منه؛ لأنه عذر, وكانت كالتي خرجت. . . .
[ثم إن طالت مدته]. . .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25-02-2023, 10:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان





شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 836الى صــ 844
(60)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(30)



* فصل:
وإذا وجبت عليها عدة وفاة وهي معتكفة؛ فإنها تخرج لتعتد في منزلها, وإن كان الاعتكاف منذوراً؛ لأن قضاء العدة في منزلها أمر واجب, فخرجت من اعتكافها إليه؛ كخروج الرجل للجمعة, وخروجها لمجلس الحاكم, وأداء الشهادة, وذك لأن الاعتكاف وإن كان واجباً, لكن يقدم عليه قضاء العدة في منزل الزوج لوجوه:
أحدها: أن هذه الأشياء وجبت بالشرع, فتقدمت على ما وجب بالنذر؛ لأن نذره لو جاز أن يت
ضمن إسقاط ما يجب بالشرع؛ لكان له أن يسقط إيجاب الشرع عن نفسه, وهذا لا يكون.
الثاني: أن قضاء العدة في منزل الزوج يتعلق بها حق لله تعالى وحق للزوج؛ فيأخذ شبهاً من الجمعة ومن أداء الشهادة, فيكون أوكد مما ليس فيه إلا مجرد حق الله تعالى.

الثالث: أن الاعتكاف يمكن استدراك ما فات منه بالقضاء؛ بخلاف المكث في منزلها؛ فإنها لا يقضى بعد انقضاء العدة.
الرابع: أن الاعتكاف يجوز تركه للعذر, وهذا عذر من الأعذار.
فأما عدة الطلاق الرجعي - إذا قلنا: هي كالمتوفى عنها على المنصوص -, وعدة الطلاق البائن - إ
ذا قلنا بوجوبها في منزلها على رواية, أو اختار الزوج إسكانها في منزله في الرجعي والبائن -؛ فينبغي أنه إن كان الاعتكاف بإذنه. . . , وعليها قضاء ما تركه من الاعتكاف إن كان واجباً,ويستحب لها قضاؤه إن كان مستحبّاً بغير تردد؛ لأنها تركت الاعتكاف لأمر غير معتاد, وهو مما يطول زمانه.
وظاهر ما ذكره القاضي في «خلافه»: أنه ليس عليها استئناف الاعتكاف؛ كما لو أخرجها السلطان إلى مسجد آخر, أو خرجت لصلاة الجمعة.
ثم إن كان معيناً؛ فإنها تبني على ما مضى, وفي الكفارة وجهان حكاهما ابن أبي موسى, أحدهما: عليها الكفارة. قاله الخرقي.

وإن كان مطلقاً؛ فقيل: لها الخيار بين أن تبني وتكفر وبين أن تستأنف الاعتكاف.
وقال القاضي: إذا قال: لله عليَّ أن أعتكف شهراً متتابعاً. وخرج منه لعذر؛ لم يبطل اعتكافه, وإن خرج بغير عذر؛ بطل اعتكافه وابتدأ.

والأعذار التي [لا] تبطل: إما فعل واجب, أو ما يخاف عليه فيه الضرر؛ كال
خوف والمرض والكفارة على ما تقدم.

* فصل:
وإذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه أو ماله أو أهله الحاضر عنده أو الغائب؛ فله أن يخرج, سواء كان واجباً أو تطوعاً.
قال أحمد في رواية أبي داوود: المعتكف ببغداد إذا وقعت فتنق؛ يدع اعتكافه, ويخرج, وليس عليه شيء, إنما هو تطوع, والمعتكف ينفر إذا سمع النفير.
وذلك لأن ما وجب بأصل الشرع من الجمعة والجماعة يجوز تركه بمثل
هذا؛ فما وجب بالنذر أولى.
ثم إن كان تطوعاً؛ فإن أحب أن يتمه, وإن أحب أن لا يتمه.
وإن كان واجباً بالنذر معيناً؛ مثل: هذا الشهر؛ فإنه يبني على ما مضى, ويقضى ما تركه.
وهل يجب في القضاء أن يكون متصلاً متتابعاً؟ أو يجوز أن يفرقه ويقطعه؟ على وجهين, وعليه كفارة يمين لفوات التعيين في المشهور عند أصحابنا.

وذكر ابن عقي لان أحمد نص فيمن خرج لفتنة: يكفر كفارة يمين ويبني؛ لأن هذا قطع للاعتكاف بأمر غير معتاد, وهو لحظة.
ومما يبد. . . .
وإن كان مطلقاً غير متتابع, مثل عشرة أيام؛ فإنه يبني على ما فعل, لكن يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله؛ لأن التتابع في اليوم الواحد واجب.
وإن كان مطلقاً متتابعاً؛ فله الخيار أن يستأنف ولا كفارة عليه, أو يبني على ما فعل وعليه الكفارة. هذا هو المشهور في المذهب.
وروى. . . .

ولو خاف انهدام المسجد عليه, أو انهدم بحيث لم يمكنه الاعتكاف؛ فإنه يخرج فيتمه في غيره, ولا يبطل اعتكافه, ولا كفارة عليه.
ومثل هذا إذا مرض مرضاً لا يمكنه المقام منه في المسجد؛ كالقيام المتدارك وسلس البول والإِغماء, أو يمكنه القيام بمشقة شديدة, بأن يحتاج إلى خدمة وفراش؛ فله ترك الاعتكاف, ويكون كما لو تركه للخوف.

وإن كان مرضاً خفيفاً؛ كالحمى الخفيفة ووجع الضرس والرأس؛ فهذا لا يخرج لأجله؛ فإن خرج؛ استأنف.
[وإن] احتاج إلى ما يأكل, وليس له شيء, فاحتاج إلى اكتساب أو اتِّجار. . . .
قال القاضي وابن عقيل: متى خرج خروجاً جائزاً لحق وجب عليه؛ كإقامة الشهادة أو العدة والنفير والحيض والجمعة والمرض الذي لا يمكن معه المقام؛ فلا كفارة عليه. وإن كان لغير واجب؛ كالخروج من فتنة أو لمر
ض يمكن معه المقام بغير مشقة؛ فعليه الكفارة؛ لأنه خرج لحظ نفسه. وتأول كلام الخرقي.
* فصل:
وإذا تعيَّن عليه الخروج للجهاد؛ بأن يحضر عدو يخافون كلبه, أو يستنفر الإِمام استنفاراً عامّاً؛ فإنه يخرج ويدع اعتكافه؛ كما قلنا في الخروج لقضاء العدة وأشد؛ لأن الجهاد من أعظم الواجبات, والتخلف عنه من أعظم المفاسد.
ثم إذا قضى غزوه, وكان تطوعاً؛ فله الخيار بين أن يقضيه أو لا يقضيه,والأفضل أن يقضيه.
وإن كان نذراً؛ فعلى ما ذكرنا في الخروج لقضاء العدة: يبني إن كان معيناً, وفي الكفارة وجهان حكاهما ابن أبي موسى في العدة.
أحدهما: يجب. قاله الخرقي وغيره.
والثاني: لا يجب. قاله القاضي. وفرَّق بين الخروج الواجب كالنفير وال
عدة وبين الخروج. . . .
وإن كان مطلقاً؛ فهو بالخيار بين أن يستأنف وبين أن يبني. . . .
وإن لم يكن الجهاد متعيناً؛ فهل يجوز الخروج إليه؛ كصلاة الجنازة وعيادة المريض؟ وأولى. . . لم يجز له الخروج عند أصحابنا, مع أن الجهاد والرباط أفضل من الاعتكاف.
وقال في رواية الأثرم: الخروج إلى عبادان أحب إليَّ من الاعتكاف, وليس يعدل الجهاد والرباط شيء. . . .
فإذا كان الاعتكاف تطوعاً, فعرض [له] جنازة أو مريض يعاد ونحو ذلك؛ فقال بعض أصحابنا: إتمام اعتكافه أفضل:
887 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرج على مريض.

ولم يكن واجباً عليه, ولأن إتمام العبادة التي شرع فيها أفضل من إنشاء عبادة أخرى؛ لأن إتمامها واجب عند بعض العلماء, ومؤكد الاستحباب عند بعضهم.
888 - وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إذا دعي وكان صائماً أن يصلي, ولم يأمره بالأكل.

* فصل:
ويستحب لمن اعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى المصلى في ثياب اعتكافه.
قال في رواية الأثرم: يخرج من معتكفه إلى المصلى.
وقال في رواية المروذي: لا يلبس ثيابه يوم العيد, ويشهد العيد في ثيابه التي اعتكف فيها. وذكر ذلك عن أبي قلابة.
889 - وذلك لما روي عن إبراهيم؛ قال: «كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضا
ن أن ينام ليلة الفطر في المسجد, ثم يغدو إلى المصلى من المسجد».
890 - وعن أيوب: «أن أبا قلابة اعتكف في مسجد قومه, فغدوت عليه غداة الفطر وهو في المسجد, فأتى بجويرية مزينة, فأقعدها في حجره, ثم أعتقها, ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلى».
رواهما سعيد.
891 - 892 - وذكر القاضي عن ابن عمر والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبي قلابة مثل ذلك.
وذلك لأن يوم العيد يوفى الناس أجر أعمالهم, وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصوام, والصوام. . . ,فاستحب له أن يصل اعتكافه بعيده؛ كما استحب للمحرم أن يصل إحرامه بعيده.

فأقعدها في حجره, ثم أعتقها, ثم خرج كما هو من المسجد إلى المصلى».
رواهما سعيد.
891 - 892 - وذكر القاضي عن ابن عمر والمطلب بن عبد الله بن حنطب وأبي قلابة مثل ذلك.
وذلك لأن يوم العيد يوفى الناس أجر أعمالهم, وفي ليلة الفطر ينزل جوائز للصوام, والصوام. . . ,فاستحب له أن يصل اعتكافه بعيده؛ كما استحب للمحرم أن يصل إحرامه بعيده.
انتهى المجلد الثاني
وهو آخر كتاب الصيام
ويليه
كتاب الحج




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 09-03-2022, 12:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 331الى صــ 345
(22)
المجلد الاول
كتاب الصيام














345 - فإن هؤلاء الذين قالوا: يطعم عنه, هم الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الولي يصوم عنه مولِّيه» , وبينوا أنما هو النذر كما سيأتي.
ولأن الصوم المفروض قد جعل الله له بدلاً في الحياة, وهو الإِطعام, فوجب أن يكون له بدلاً بعد الموت مثل بدله في الحياة؛ كسائر الفرائض.
فإن معنى البدل لا يختلف بالحياة والموت, ولهذا لمَّا كان البدل في الحج عن المعضوب أن يحج عنه غيره؛ كان البدل في الميت أن يحج عنه غيره.

ولأن إيجاب الله إنما هو ابتلاء وامتحان للمكلف, وهو المخاطب بهذا الفرض, وكل ما كان أقرب إليه؛ كان أحق بأداء الفرض منه مما هو أبعد منه.
فإذا كان قادراً ببدنه؛ لم يجز أداؤه بماله, وإذا كان قادراً بماله؛ لم يجز أداؤه ببدن غيره؛ لأن ماله أحق بأداء الفرض منه منْ بدن غيره.
فلو جاز أن يصوم عنه الولي؛ لكان قد أدى الفرض ببدن غيره دون ماله. . . .
ولأن الله قد أوجب عليه الصوم, والولي لا يوجب عليه شيئاً يكله إلى غيره, وإذا أوجبنا من ماله؛ كان ديناً في التركة.
فعلى هذا: إن كان له تركة؛ أطعم عنه تركته, فإن أطعم رجل عنه من غير ماله بإذن الولي أو بغير إذنه, أو لم يكن له مال, فتبرع رجل بالإِطعام عنه. . . .
فإن لم يكن له تركة, فأحب أحد أن يصوم عنه, فقال القاضي: لا يجزئ الصوم عنه, ويحتمل كلام أحمد أنه يجزئ؛ لأنه سمَّاه ديناً.

* فصل:
فإن فرط حتى أدركه رمضان الثاني قبل أن يصوم, ومات في أثناء ذلك الرمضان أو بعده قبل أن يصوم:
فقال القاضي في «المجرد» وأصحابه كابن عقيل وأبي الخطاب: يطعم عنه لكل يوم مسكيناً؛ لأنه قد وجب عليه القضاء والكفارة لو عاش؛ فإذا مات قبل القضاء؛ لزمه عنه كفارتان: كفارة لتأخير القضاء, وكفارة لتفويته.

ولا فرق على هذا بين أن يفوت بين وقت القضاء برمضان واحد أو رمضانات.
والمنصوص عن أحمد: أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة؛ لأنه لا يجب في اليوم الواحد بدلان من جنس واحد؛ كما لم يجب في شيء من الأيام صوم يومين, ولأنه إذا أدرك رمضان الثاني؛ فإنما وجبت عليه الكفارة لترك القضاء في وقته, وهذا بعينه هو المقتضي لوجوب الكفارة بالموت, وإذا كان السببان من جنس واحد؛ تداخل موجبهما.
المسألة الثالثة: أن الصوم المنذور إذا مات قبل فعله؛ فإنه يصام عنه, بخلاف صوم رمضان وصوم الكفارة, وسواء كان معيناً أو مطلقاً.
هذا منصوص أحمد في غير موضع, وهو قول عامة أصحابه.

وقال ابن عقيل: عندي أن الصوم لا يفعل عنه؛ لأنه لا تدخله النيابة في الحياة للعجز؛ فكذلك بعد الموت؛ كالصلاة, وعكسه الحج.
346 - لما روى سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صوم نذر, أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟». قالت: نعم. قال: «فصومي عن أمك». رواه الجماعة إلا أبا داوود.
347 - وفي رواية صحيحة لأحمد والنسائي: أن امرأة ركبت البحر, فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهراً, فأنجاها الله, فلم تصم حتى ماتت, فجاءت قرابة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت ذلك, فقال: «صومي عنها».
348 - وفي رواية ابن ماجه والترمذي؛ قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين؟ قال: «أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه؟». قالت: نعم. قال: «فحق الله أحق». قال الترمذي: حديث حسن.
349 - وفي رواية متفق عليها: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله! أمي ماتت وعليها صوم شهر, أفأقضيه عنها؟ فقال: «لو كان على أمك دين أكنت تقضيه عنها؟». قال: نعم. قال: «فدين الله أحق أن يقضى».
فهذه الرواية المطلقة منهم من يقول: «رجل» , ومنهم من يقول: «امرأة» , وأكثرهم يقول: «أمي»؛ قد فسِّرت في الروايات المتقدمة أن الصوم كان نذراً.

350 - ورواية من روى شهرين متتابعين كأنها وهم.
351 - وعن عبيد الله بن عبد الله, عن ابن عباس: أن سعد بن عبادة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه, فقال: «اقضه عنها». رواه الجماعة.

وفي لفظ: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقضه عنها». فكانت سنة بعد.
352 - وعن عائشة؛ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام؛ صام عنه وليه». متفق عليه.
353 - وعن بريدة بن الحصيب قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أتته امرأة, فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية, وإنها ماتت. فقال: «وجب أجرك, وردها عليك الميراث». فقالت: يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر, أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عنها». قالت: إنها لم تحج قط, أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها». رواه أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي وصححه.
354 - وفي رواية لمسلم: صوم شهرين.
فهذه الأحاديث نصوص في أن النذر يصام عن الميت, وظاهر بعضها أن جميع الصوم كذلك؛ لأن حديث عائشة عام, وفي حديث بريدة وبعض ألفاظ ابن عباس: أنها قالت: يا رسول الله! إنه كان عليها صوم شهر؛ أفأصوم عنها؟ فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالصوم عنها, ولم يستفصل هل من رمضان أو غيره, وذَكر معنى يعم رمضان وغيره, وهو كونه ديناً, فإن صوم رمضان دين في ذمة من وجب عليه, ودين الآدمي يقضى عن الميت؛ فدين الله أحق, وجمع بينه وبين الحج في نسق واحد.
لكن هذه الأحاديث إنما هي على وجهها في النذر:
أما حديث ابن عباس: فقد صرح فيه بذلك, والمطلق منه محمول على المفسر؛ فإنه حديث واحد إسناداً ومتناً.
وكذلك حديث بريدة: فإن قولها: «صوم شهر» بصيغة التنكير, تشعر بأنه غير رمضان, لا سيما رواية من روى: «شهرين».
والذي يدل على ذلك أنه قد تقدم عن عائشة وابن عباس وعن ابن عمر موقوفاً ومرفوعاً: أنهم قالوا في صوم رمضان: لا يقضى عنه, بل يطعم عنه لكل يوم مسكيناً.
وابن عباس وعائشة رويا هذين الحديثين وهما أعلم بمعنى ما رويا من غيرهما؛ فلو لم يكن معناه عندهما في غير رمضان؛ لما جاز لهما خلافه.

وليس الحديث نصّاً حتى يعارض بين الرأي والرواية.
وأما كونه ديناً؛ فصحيح, لكن وفاء الدين من تركة الميت وماله أولى من وفائه من بدن غيره, ولأن صوم رمضان لم يجب فيه الصوم عيناً, وإنما وجب الصوم مع القدرة والإِطعام مع العجز, فصار الدين عليه أحد شيئين.
وهذا الواجب يصلح عن قوله: «وعليه صيام»؛ فإن العاجز عن قضاء رمضان ليس عليه صيام, وإنما عليه فدية؛ فالواجب عليه أحد شيئين, وفيه نظر.
والفرق بين رمضان والنذر: أن النذر محله الذمة، وقد وجب بإيجابه, وهو لم يوجب على نفسه إلا الصوم فقط؛ فإذا فُعل عنه؛ فقد أُدِّيَ عنه نفس ما أوجبه, ولو أُطعِم عنه؛ لم يكن قد أُدِّيَ عنه الواجب.
ولهذا يصح أن ينذر ما يطيقه وما لا يطيقه؛ فإذا عجز عنه؛ فهو في عهدته.
والصوم إنما أوجبه الله سبحانه على بدن المكلف؛ فإذا عجز؛ ففي ماله, فإذا عجز عن الأصل؛ انتقل إلى البدل الذي شرعه الله سبحانه.
ولهذا لم يوجب الله عليه من الصوم إلا ما يطيقه, وكذلك كل صوم وجب بإيجاب الله؛ فإنه بدله الإِطعام, وإن كان سبب وجوبه من المكلف كصوم الكفارة؛ بخلاف النذر.
نص عليه احمد في رواية ابن منصور فيمن مات وعليه صيام من دم التمتع أو كفارة يطعم عنه.
وكذلك نقل حنبل عنه فيمن مات وعليه نذر صيام شهر؛ صام عنه؛ فإن مات وعليه صيام شهر من كفارة؛ يطعم عنه, النذر فيه الوفاء.
وكذلك نقل المروذي صوم السبعة.
* فصل:
ويصام النذر عنه, سواء تركه لعذر أو لغير عذر.
قال القاضي: أومأ أحمد إلى هذا في رواية عبد الله والميموني والفضل وابن منصور.
قال في رواية عبد الله في رجل مرض في رمضان: إن استمر المرض حتى مات؛ ليس عليه شيء؛ فإن كان نذر؛ صام عنه وليه إذا هو مات.
لأن النذر محله الذمة, وهو أجبه على نفسه, ولم يشترط القدرة, والله سبحانه قد شرط فيما أوجبه على خلقه القدرة.
ولهذا قد يجب على الإِنسان من الديون بفعل نفسه ما يعجز عنه, ولا يجب عليه بإيجاب الله عليه إلا ما يقدر عليه.

ولهذا لو تكفَّل من الدين بما لا يقدر عليه؛ لزمه في ذمته.
وعلى هذا؛ فلا فرق بين أن ينذر وهو مريض فيموت مريضاً, أو ينذر صوم شهر ثم يموت قبل مضي شهر.
وقد ذكر القاضي في موقع من «خلافه» وابن عقيل: أنه لا يلزم أن يقضي عنه من النذر إلا ما أمكنه أن يفعله صحيحاً مقيماً؛ اعتباراً بقضاء رمضان.

فأما إذا نذر الحج وهو لا يجد زاداً ولا راحلة بعد ذلك:
فقال القاضي: إن وجد في الثاني؛ لزمه الحج بالنذر السابق, وإن لم يجد؛ لم يلزمه؛ كالواجب بأصل الشرع؛ كما قلنا في الصوم سواءً.
فإن لم يكن له تركة يصام عنه منها؛ لم يلزمه صوم ولا حج, ويكون بمنزلة مَنْ عليه دين ولم يخلف وفاء.
وهذا الصوم لا يجب على الولي, بل يخير بين أن يصوم وبين أن يدفع من [يطعم] عن الميت عن كل يوم مسكيناً إن كان له تركة, فإن لم يكن له تركة؛ لم يلزم الوارث. قاله القاضي في «خلافه».
فعلى هذا: لو تبرع الولي أو غيره بالإِطعام عنه دون الصيام. . . .
وقال في «المجرد» وابن عقيل وغيرهما: هذا القضاء لا يلزم الورثة, كما لا يلزمهم أن يقضوا دينه, وإنما الكلام فيه: هل يصح قضاؤه عنه؟
قال ابن عقيل: إذا قضوا عنه؛ صح, لكنه لا يلزمهم القضاء والصوم عنه الأقرب فالأقرب استحباباً. قال أحمد: يصوم أقرب الناس إليه ابنه أو غيره. وقال أيضاً: يصوم عنه واحد.
قال القاضي: وظاهر هذا أنه لا يختص القضاء بجميع الورثة, بل يصوم أحدهم, وهو الأقرب فالأقرب.
وهل تعتبر الولاية والقرابة؟. . . .
ف|إن صام غير الولي عنه بإذنه؛ جاز, وإن صام بغير إذنه؛ جاز أيضاً فيما ذكره القاضي, كما لو كان عليه دين يصح أن يقضيه الولي وغيره, وظاهر كلام أحمد. . . .
قال في رواية حنبل: إذا نذر أن يصوم شهراً, فحيل بينه وبين ذلك من مرض أو علة حتى يموت؛ صام عنه مليه النذر, وأطعم لكل يوم مسكيناً لتفريطه.
وإن عجز عن الصوم المنذور لكبر أو مرض لا يرجى برؤه:
فقال: لا يمتنع أن نقول: يصح الصوم عنه كما نقول في الحج إذا عجز عنه في حال الحياة: يحج عنه.
وقال الخرقي: يطعم عنه ولا يصام عنه.
وعلى هذا؛ فلا كفارة فيه.
والمنصوص عن أحمد: وجوب الكفارة والإِطعام؛ لأن التعيين قد فات.
قيل: ليس فيه إلا كفارة يمين فقط
* مسألة:
وإن نذر الصوم في حال الكبر واليأس من البرء.
فقيل: لا ينعقد نذره.
وظاهر المذهب: أنه ينعقد موجباً لما يجب إذا نذر ثم عجز عن الكفارة والإِطعام أو عن أحدهما.
* فصل:
وإذا صام عنه أكثر من واحد في يوم:
فقال أحمد في رواية أبي طالب, وقد ذكر له فيمن كان عليه صوم شهر: هل يصوم عشرة أنفس شهراً؟
355 - فقال: طاووس يقول ذلك. قيل له: فما تقول أنت؟ قال: بصوم واحد.

قال القاضي: فمنع الاشتراك؛ كالحجة المنذورة تصح بالنيابة فيها من واحد ولا تصح من الجماعة.
وقال بعض أصحابنا: يجوز أن يصوم عنه جماعة في يوم واحد, ويجزئ عن عدتهم من الأيام, وحُمِل كلام أحمد على نذر مقتضاه التتابع؛ لأن لفظ الشهر في إحدى الروايتين يقتضي التتابع.
المسألة الرابعة: إذا نذر غير الصوم من عتقٍ أو صدقة أو هدي أو حج؛ فإنه يجوز أن يفعله عنه وليه, روايةً واحدة, أوصى أو لم يوص.

356 - لما روى عبد الله بن عمرو: أنَّ العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن يذبح مئة بدنة, وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين, وأن عمراً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: «أما أبوك؛ فلو أقرَّ بالتوحيد, فصمت عنه وتصدقت؛ نفعه ذلك». رواه أحمد.
357 - وعن سعيد بن جبير, عن ابن عباس؛ قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إن أختي نذرت أن تحج, وإنها ماتت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟». قال: نعم. قال: «فاقض الله؛ فهو أحق بالقضاء». رواه أحمد والبخاري.
358 - وفي لفظ للبخاري: إن أمي نذرت أن تحج, فلم تحج حتى ماتت, أفأحج عنها؟ قال: «حجي عنها, أرأيت لو كان على أمك دين؛ ألست قاضيه؟». قالت: نعم. قال: «اقضوا الله؛ فالله أحق بالوفاء».
ولأن هذه الأمور يجوز أن تفعل عنه من هذه العبادات ما وجب بالشرع بعد موته بدون إذنه؛ فلأن يفعل عنه ما وجب بالنذر أولى وأحرى.
وأما الصلاة المنذورة والقرآن والذكر والدعاء؛ فهل يفعل بعد الموت؟
على روايتين:
أحدهما: لا يجوز.
لأنه لا تجوز النيابة فيها ببدن ولا مال, فلم تجب النيابة فيها بعد الموت؛ كالأيمان.
ولأنه لا مدخل للبدل في المشروع منها, فلم يدخل في المنذور.
ولأن العبادات المنذورة يحتذى بها حذو العبادات المشروعة, ولا يجوز أن تفعل بالنذر ما لم يكن له أصل في الشرع, وعكسه الصوم؛ فإن للبدل فيه مدخلاً؛ كما ذكره الشيخ.

والثانية: يفعل عنه بعد الموت.
وهو اختيار أبي بكر والخرقي.
قال القاضي: وهو الصحيح؛ لما رَوَى ابن عباس.
359 - ولأن سعد بن عبادة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه؟ قال: «اقضه عنها». رواه الجماعة.
ولا يخلو إما أن يكون سعد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى هذا السؤال ولم يستفصله, فيكون كأنه قال: إذا كان عليها نذر؛ فاقضه عنها؛ لأن السؤال كالمعاد في الجواب, وهذا عام مطلق في جميع النذور.
أو يكون قد سأله عن نذر معين من صوم ونحوه, فيكون إخبار ابن عباس: أنه أمره أن يقضي عنها النذر, ولم يعين ابن عباس أي نذر, هو دليل على أنه فهم أن مناط الحكم عموم كونه نذراً, لا خصوص ذلك المنذور, وأن كل النذور مستوية في هذا الحكم, وابن عباس أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم ومقصوده.
وأيضاً؛ فقد جاء مفسراً من حديث ابن عباس:
360 - أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أمر رجلاً وامرأة أن تقضي نذر صوم كان على أمه وأخته».
ووجَّهه النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا دين من الديون, وأن الله أحق أن يوفى دينه, وأحق أن يقبل الوفاء, وهذه علة تعم جميع الديون الثابتة في الذمة لله.
وأيضاً؛ فإنه لا فرق بين الصلاة والصيام؛ فإنها عبادة بدنية لا يجوز الاستنابة في فرضها بحال, والصوم كذلك؛ فإذا جاز قضاء الصوم المنذور عينا؛ فكذلك الصلاة المنذورة, نعم؛ الصوم دخلت النيابة فيه بالمال بخلاف الصلاة, لكن هذا لا أثر له في دخول النيابة ببدن الغير؛ فإنهما مستويان فيه.
وأيضاً؛ فإن النذور محلها ذمة العبد, فصارت. . . .

وأما الاعتكاف:
فالمنصوص عن أحمد في رواية ابن إبراهيم وحنبل: إذا نذر أن يعتكف, فمات قبل أن يعتكف؛ ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه.
وكذلك قال أصحابنا, ولم يذكروا خلافاً؛ إلحاقاً له بالصوم؛ فإنه به أشبه منه بالصلاة.
وعلى قول ابن عقيل في منع النيابة في الصوم يمتنع في الاعتكاف.
361 - وقد روي عن عامر بن مصعب؛ قال: «اعتكفت عائشة عن أخيها بعدما مات». رواه سعيد.
وإذا نذر فعل طهارة:
فقال القاضي وابن عقيل: لا تفعل عنه؛ لأنها غير مقصودة في نفسها.
باب ما يفسد الصوم
مسألة:
ومن أكل أو شرب أو استعط أو وصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو استقاء أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أو كرر النظر حتى أنزل أو حجم أو احتجم عامداً ذاكراً لصومه؛ فسد, وإن فعله ناسياً أو مكرهاً؛ لم يفسد.
في هذا الكلام فصول:
أحدها: أن الصوم يفسد بالجماع كما تقدم.
ويفسد بالأكل والشرب؛ فإن حقيقة الصوم هو الإِمساك عن الأكل والشرب والجماع توابع لذلك.
وهذا من العلم العام المستفيض الذي توارثته الأمة خلفاً عن سلف.
والأصل فيه قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ. . .} إلى قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ. . .} الآية [البقرة: 187].

فأذن في الرفث والأكل والشرب إلى تبين الفجر, وأمر بإتمام الصيام عن هذه الأشياء إلى الليل.
362 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كل عمل ابن آدم له؛ إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به, يدع طعامه وشهوته من أجلي».
363 - وقال: «من لم يدع قول الزور والعمل به؛ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». متفق عليه.
وسواء في ذلك جميع المأكولات والمشروبات من الأغذية والأدوية وغيرها؛ مثل الثلج والبرد.
وسواء في ذلك الطعام والشراب المعتادان, اللذان يحصل بهما الاقتيات وغيرهما.
ولو استفَّ تراباً أو ابتلع حصاة؛ أفطر.

قال أحمد في رواية أبي الصقر: إذا بلع الصائم خاتماً أو ذهباً أو فضة أو جوزة بقشرها أو خرزة أو حبة لؤلؤ أو طيناً متعمداً؛ فعليه القضاء ولا كفارة, ولا قضاء عليه ما لم يتعمد.
364 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتِّقاء الكحل الذي يدخل من العين إلى الحلق, وليس في الكحل تغذية, فعلم أنه لا يشترط في الداخل أن يكون مما يغذي في العادة.
الفصل الثاني: أن الواصل إلى الجوف يفطر من أي موضع دخل, لا يختص ذلك بمدخل دون مدخل, كما لم يختص بداخل دون داخل في ذلك.
ولا بُد عند أصحابنا: أن يصل إلى البطن أو ما بينه وبين البطن مجرى نافذ.
هذا كلام أحمد وعامة أصحابه, وهو الذي حرره القاضي في كتبه المعتمدة: أن المفطر وصول الواصل إلى الجوف من أي وضع كان.
فإذا استعط بدهن أو ماء أو غيرها, بأن أدخله في أنفه, فوصل إلى دماغه؛ أفطر, سواء تيقن وصوله إلى حلقه وجوفه أو لم يتحققه؛ بناءً على أن بين الدماغ والجوف مجرى؛ فما يصل إلى الدماغ لا بد أن يصل إلى الحلق ويصل إلى الجوف, والحكمة إذا خفيت؛ أقيمت المظنة مقامها؛ كالنوم مع الحدث.
وذكر القاضي في بعض المواضع وغيره: أن نفس الوصول إلى الدماغ مفطر؛ لأنه جوف يقع الاغتذاء بالواصل إليه, فأشبه الجوف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-03-2022, 10:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان


شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 391الى صــ 405
(26)
المجلد الاول
كتاب الصيام





ويدل على ذلك أن فيه القيء والاحتلام, ومعلوم أنه لو استقاء أو استمنى؛ أفطر؛ فكذلك إذا احتجم, أو أنه محمول على ما إذا احتجم ساهياً [أو حُجم] بغير اختياره؛ [فإنه قرنه بالقيء والاحتلام, وهما يخرجان من المرء بغير اختياره]؛ فكذلك ما ذكر معهما ينبغي أن يكون كذلك.
455 - وأما حديث أنس أن الرخصة بعد النهي؛ فضعيف.
فإن في الذي جوده الدارقطني خالد بن مخلد: قال أحمد: له أحاديث مناكير, ولعل هذا من [أنكرها].

456 - لأن أنساً ذكر أنهم كانوا يكرهون ذلك لأجل الجهد كما رواه البخاري, وهذه الكراهة باقية.
457 - ولأن أحمد روى بإسناده, عن هشام بن محمد؛ قال: «كان أنس إذا شق عليه الدم في الصوم؛ أرسل إلى الحجام عند غروب الشمس, فوضع المحاجم, وإذا غربت شرط».
ولو كان عنده إذن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لم يفعل مثل ذلك.
ومخالفة البصريين له مع أنهم أصحاب أنس.
وأن الكراهة بعد موت جعفر. . . .

ثم من أصحابنا من سلك فيها مسلك التعبد الصرف, ورأى خروجها عن مسالك القياس, وجعلها موضع استحسان, فقدم فيه النص على القياس. وهذه طريقة ابن عقيل.
ومنهم من سلك فيها ضرباً من التعليل.
فقال القاضي: استدعاء شيء من بدنه نهى عنه نهياً يختص بالصوم فأفسد الصوم؛ كاستدعاء القيء, [وهو أن الاحتجام] استخراج ما به قوام البدن, فجاز أن يفطر به كاستخراج القيء والمني والمذي ودم الحيض.
وهذا لأن الصائم لما مُنع من الأكل والشرب ليحصل حكمة الصوم التي هي التقوى؛ كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] , وللنفس على الإِنسان حق لا بد من رعايته؛ راعى الشرع جانب حق النفس وحفظ القوة؛ حسماً لمادة الغلو في الدين والمروق منه, وتحصيلاً لمصلحة الاغتذاء التي لا بد منها أيضاً.
458 - فنهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال.
459 - 460 - وأمر بتعجيل الفطر, وتأخير السحور.
461 - وجعل أفضل الصيام صيام يوم وفطر يوم.
462 - وقال: «لكنِّي أصوم وأفطر وأقوم وأنام؛ فمن رغب عن سنتي؛ فليس مني».
463 - وقال: «من صام الدهر؛ فلا صام ولا أفطر».
ومنه جماعة من أصحابه من تكثير الصيام؛ منهم:464 - عبد الله بن عمرو.
465 - والنمر بن تولب.
466 - والباهلي.
وعاب على منْ قال: أما أنا؛ فأصوم لا أفطر.

كل ذلك تعديلاً وأخذاً بخيار الأمور التي هي أوساطها.
فإذا كان هذا مصلحة جليلة قد شهد الشرع بالاعتبار, وكان الصائم إذا خرج منه [القيء] خلا من الغذاء الذي هو مادته؛ فإذا استخرج منه الدم الذي به قوام بدنه, وإليه استحال الغذاء؛ ضعف بذلك, وإذا خرج منه المني الذي هو صفاوة الدم؛ ضعف أيضاً.
وكذلك إذا خرج دم الحيض؛ منعه الشارع من استخراج هذه الأشياء لما منعه من استدخال ما يكون خلفاً منها وبدلاً عنها, وصار المقصود الأصلي من الصوم هو الكف عن الإِدخال, والكف عن الإِخراج تابع له ومطلوب في ضمنه.
فأما ما غلب عنه المرء من هذه الأشياء؛ مثل أن يذرعه القيء, أو يرعف, أو يجرح جرحاُ بغير اختياره, أو يحتلم, ونحو ذلك؛ لم يفطر به.
لأنه بمنزلة ما يدخل جوفه من الغبار والدقيق ونحو ذلك.
ولأن امتناعه من هذه الأشياء لا يدخل تحت قدرته.
وأما دم الحيض: فلما كان له أوقات معلومة يمكن الاحتراز عن الصوم فيها لا تتكرر دائماً؛ صار الامتناع [في] الصوم معه [في] جملة ما يقدر عليه الإِنسان.
ولهذا إذا صار دم استحاضة, وهو الخارج عن الأمر المعتاد؛ لم يمنع صحة الصوم, وخرج عن هذا استخراج البول والغائط ونحوهما من وجهين:
أحدهما: أن ذلك فضلة محضة, فليس هو من قياس البدن الذي يخاف أن يورث ضعفاً.
الثاني: أن خروجه أمر طبيعي لا يمكن الاحتراز منه, وما كان من هذا الباب؛ لا يفطر؛ كذرع القيء والاحتلام وأولى.
وهذا معنى حسن, وقد نبه عليه بعض الآثار المتقدمة
إلا بذكر فرع المسألة.
* فصل:
ويفطر بالحجامة في جميع البدن. نص عليه.
مثل أن يحتجم في يده أو ساقه أو عضده أو رأسه أو قفاه.
وإن شرط بالمشرط ولم يخرج الدم؛ أفطر على ما ذكره ابن عقيل؛ فإنه قال: الحجامة نفس الشرط, يتعلق الإِفطار على الاسم.
فعلى هذا الإِفطار يسبق الدم.

وإن ركب المحاجم. . .؛ كما لو بل المحرم رأسه قبل التحلل ثم حلقه بعده.
وعلى ذكره القاضي: لا بفطر. وهو أصح؛ لأن الحجامة هي الامتصاص أيضا؛ يقال: ما حجم الصبي ثدي أمه؛ أي: ما مصه.
والحِجَام: ما يُجعل في خطم البعير لئلا يعض, يقال: حجمت البعير أو أحجمه: إذا جعلت على فِيْهِ حجاماً.
فالقارورة تحجم الدم عن أن يسيل.
وأيضاً؛ فإن الشرط أخص. . . .
فإن شرط وأخرج الدم من غير محجمة يمتص بها, مثل الشرط في الأذن؛ فقياس المذهب الفكر بها؛ لأن وضع المحجمة على العضو لا أثر له في الفطر.

ولهذا يجوز أن توضع المحاجم على العضو ويلين قبل غروب الشمس, ثم يقع الشرط بعد غروبها. قال أصحابنا: لأن التليين وتركيب المحاجم مقدمات.
وأما الفصاد وجرح العضو باختياره وبط الدمامل ونحو ذلك؛ فقال أكثر أصحابنا منهم القاضي وابن عقيل: لا يفطر.
لأنه لا نص فيه, ولا يمكن إثبات الحكم فيه قياساً؛ لجواز أن يكون في الحجامة معنى يختصه, ولأن الدم منه ما يخرج بنفسه وهو دم الحيض والاستحاضة والنفاس ومنه ما يخرج بالإِخراج.
ثم الأول يفطر بعضه دون بعض, فيجوز أن يكون الثاني كذلك, وهو لا يبطل القياس المتقدم؛ لأن التعليل للنوع والجواز, فلا ينتقض بأعيان المسائل. . . .
وقيل: يفطر الفصاد, وهذا أقيس. . . .
وأما الجرح والاسترعاف؛ فلا يكاد العاقل يفعله بنفسه, فيحتمل. . . .
وأما بط الدماميل والقروح؛ فتلك دماء فضلات لا يضعف خروجها.
وأما الحاجم: فظاهر قول الخرقي هو ظاهر القياس فيه؛ فإن ما ذكرنا من المعنى مفقود فيه.
لكن المذهب أنه يفطر؛ كما هو منصوص في الحديث؛ فإن الدلالة على فطرهما دلالة واحدة, ويلوح فيه أشياء:
أحدها: أن الحجامة لما لم تمكن إلا من اثنين؛ جاز أن يجعل الشرع فعل أحدهما الذي لا يتم فطر الآخر إلا به فِطراً, وأن يجعل تفطير الصائم فطراً؛ كما قيل في الجماع, وهذا بخلاف الإِطعام والإِسقاء؛ فإن ذلك يمكن أن يكون من واحد, فليس فعل الآخر شرطاً في وجوده.
467 - وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائماً؛ فله مثل أجره؛ من غير أن ينقص من أجره شيء».
فإذا كان المعين له على صومه بعشائه بمنزلة الصائم؛ جاز أن يكون المفسد لصومه بمنزلة المفطر.
468 - وكذلك قوله: «من جهز غازياً؛ فقد غزا, ومن خلفه في أهله بخير؛ فقد غزا».
وضد ذلك من صدَّ عن سبيل الله بالتثبيط عن الجهاد؛ فإنه بمنزلة المحارب لله ورسوله.
469 - كما قال صلى الله عليه وسلم: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله؛ فقد ضاد الله في أمره».
وخص الحاجم بهذا من بين [الطاعم] والمسقي؛ فإنه لو امتنع عن حجمه؛ لم يفطر؛ بخلاف المطعم والمسقي؛ فإنَّ أكْل ذلك وشربه غير منوط بفعل غيره. نعم يشبه هذا ما لو مكنت المرأة زوجها من أن يطأها دون الفرج, فأنزل هو, ولم تنزل هي. وطرد هذا أن منْ حجم من ليس بصائم لا يفطر, وهذا الوجه ليس بذاك. . . .
ومنها: أن الحاجم إذا امتص المحجم بعد شرط العضو؛ جاز أن يسبق شيء من الدم إلى حلقه ولا يشعر به, والحكمة إذا كانت خفية؛ أقيمت المظنة الظاهرة مقامها؛ كالنوم مع الحدث, ولهذا لو امتص الحجم عند وضعه قبل الشرط؛ لم يفطر؛ كما جاء في الحديث: «أنه كان وضع المحاجم قبل الغروب, ثم شرط بعد الغروب». . . .

فعلى هذا؛ لو شرط بدون مص مثل ما شرط الأذن, وقلنا. يفطر المشروط؛ فإن الشارط هنا لا يفطر, وكذلك الفاصد.
ومنها: أن الحجامة في الأصل لما كانت إخراج دم, وهي من الصناعات الرديئة, ولهذا كره كسبها.
الفصل السادس: أن منْ فعل هذه الأشياء ناسياً لصومه؛ لم يفطر.
ولا يختلف المذهب في الأكل والشرب ونحوهما مما فيه القضاء فقط, وقد تقدم ذكر المباشرة. والله أعلم.
وأما الحجامة إذا فعلها ناسياً.
فالمنصوص أنه لا يفطر.
قال حرب: قلت لأحمد: فاستحجم ناسياً؟ قال: لا شيء.
وذكر ابن عقيل فيها وجهين:
أحدهما: كذلك؛ لأنها ليست بأكثر من الأكل.

الثاني: يفطر؛ لأن الفطر بها ثبت على خلاف القياس, والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل في قوله: «أفطر الحاجم والمحجوم» , ولم يستفصل عن حال اللذين مرَّ بهما, وفي الاستقاء. . . .
470 - والأصل في ذلك ما روى محمد بن سيرين, عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم, فأكل أو شرب؛ فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه». رواه الجماعة.
وفي رواية أبي داوود: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم؟ فقال: «الله أطعمك وسقاك».
وفي هذا الحديث الدلالة من وجوه:
أحدها: أنه أمره بإتمام الصوم تخصيصاً له بهذا الحكم بقوله: «من أكل أو شرب ناسياً» , فعلم أن هذا إتمامٌ لصوم صحيح, إذ لو كان المراد به وجوب الإِمساك؛ لم يكن بين العامد والناسي فرق.
الثاني: أنه قال: «فليتم صومه» , وصومه هو الصوم الصحيح المجزئ.
وقد أمر بإتمامه, فعلم أن الصوم الذي بعد الأكل تمام للصوم الذي قبله, ولو أراد وجوب الإِمساك [فقط]؛ لقال: فليتم صياماً, أو: فليصم بقية يومه. . . ونحو ذلك؛ كما قال لأهل عاشوراء.
الثالث: أنه لم يأمره بالقضاء, وقد جاء مستفتياً له عما يجب عليه شاكّاً في الأكل مع النسيان؛ هل يفسد أو لا يفسد؟ ومعلوم أنه لو كان واجباً؛ لذكره,لم يجز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
الرابع: أنه علل أمره بالإِتمام بأن الله أطعمه وسقاه, ولو لم يكن مقصوده إتمام الصوم الصحيح؛ لم يصح التعليل بهذا؛ فإنه إذا أفسد الصوم في رمضان؛ وجب الإِمساك, وإن لم يكن الله أطعمه وسقاه بغير قصد من التعبد ولا إرادة؛ فلا بد أن يكون لهذه العلة أثر في هذا الحكم, ولا يكون لها أثراً؛ إلا أن يكون الصوم صحيحاً.
الخامس: أنه قال: «الله أطعمك وسقاك»؛ تعليلاً وجواباً.
ومعلوم أن إطعام الله وإسقاءه للعبد على وجهين:

أحدهما: أنه خلق له الطعام والشراب والحركة التي بها يأكل ويشرب, وعلى هذا؛ فالعامد والناسي وجميع الخلق الله أطعمهم وسقاهم؛ كما قال إبراهيم {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} [الشعراء: 79].
وهذا المعنى لم يقصده النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه قدر مشترك بين المتعمد والناسي, وهو بمنزلة قوله: أنت أكلت وشربت؛ فهي حكاية حال محضة.
والثاني: أن يطعمه ويسقيه بغير قصد من العبد ولا عمد؛ كما في هذه الصورة؛ فإنه لو ذكر أنه صائم؛ لم يأكل ولم يشرب, لكن أنساه الله تعالى صومه, وقيض له الطعام والشراب, فصار غير مكلف؛ لأجل النسيان, فأضيف الفعل إلى الله تعالى قدراً وشرعاً, فسقط قلم التكليف عن هذا الفعل.
وفعل الله تعالى لا يتوجه إليه تكليف؛ فإن إطعامه وإسقاءه لا يكون منهيًاً عنه, والمكلف لم يوجد منه ما يخفي عنه؛ فالصوم باقٍ بحاله.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أطعمك وسقاك»: معناه: لا صنع لك في هذا الفعل, وإنما هو فعل الله فقط؛ فلا حرج عليك فيه ولا إثم؛ فأتمم صومك.
471 - السادس: ما روي في لفظ: «إذا أكل الصائم أو شرب ناسياً؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليه, ولا قضاء عليه». رواه الدارقطني وقال: إسناد صحيح كلهم ثقات.
472 - وفي لفظ: «من أفطر يوماً في رمضان ناسياً؛ فلا قضاء عليه ولا كفارة». رواه الدارقطني وقال: تفرد به ابن مرزوق - وهو ثقة- عن الأنصاري.

473 - وأيضاً: عن أم حكيم بنت دينار, عن مولاتها أم إسحاق: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتي بقصعة من ثريد, فأكلت معه, ومعه ذو اليدين, فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقاً, فقال: «يا أمّ إسحاق! أصيبي من هذا». فذكرت أني كنت صائمة, فتركت يدي لا أقدمها ولا أؤخرها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لكِ؟». قلت: كنت صائمة فنسيت. فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتمي صومك؛ فإنما هو رزق ساقه الله إليك». رواه الإِمام أحمد وأبو بكر عبد العزيز.

ولأن الصوم من باب الترك؛ فإن الواجب فيه الإِمساك عن المفطرات, وليس فيه فعل ظاهر يفعله, وإذا كان الفطر من باب المنهيات؛ فإن الإِنسان إذا فعل ما نهي عنه ناسياً أو مخطئاً؛ كان وجود ذلك الفعل كعدمه في حق الله تعالى.
474 - لقوله تعالى {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}. قال الله تعالى: «قد فعلت».
475 - ولقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان».
فإذا لم يؤاخذ العبد بهذا الأكل؛ كان صومه باقياً على صحته, هذا هو الأغلب.
وقد يستثنى منه مواضع تغلظ, مثل الحلق والتقليم وقتل الصيد في الإِحرام؛ لأنه من باب الإِتلاف, ومثل الكلام في الصلاة على رواية؛ لأنه بغير هيئة الصلاة, ولا يفرق في [مبطلاتها] بين العمد والسهو, ومثل الجماع في الصيام والإِحرام لتغلظ جنسه, ولأنه يشبه الإِتلاف, ولأنه لا يكاد يقع فيه النسيان؛ لكونه غير معتاد, وغير ذلك من الأحكام والأسباب, وإلا فالأصل ما قدمناه.
فعلى هذا: لا فرق بين الأكل الكثير والقليل.
الفصل السابع: أن من فعلها مكرهاً لم يفسد صومه أيضاً.

وهو نوعان:
أحدهما: أن لا يكون له فعل في الأكل والشرب ونحوهما, مثل أن يُفتح فوه [ويوضع] الطعام والشراب فيه, أو يُلقى في ماء فيدخل إلى أنفه وفمه, أو يرش عليه ماء فيدخل مسامعه, أو يُحجم كرهاً, أو يداوي مأمومة أو جائفة بغير اختياره, أو يجرح جرحاً نافذاً إلى جوفه بغير اختياره, ونحو ذلك.
فهذا لا يفطر في المنصوص عنه الذي عليه أصحابه.
قال في رواية ابن القاسم في الذباب يدخل حلق الصائم والرجل يرمي بالشيء فيدخل حلق الآخر: وكل أمر غلب عليه؛ فليس عليه قضاء ولا غيره, وهذا كله سواء ذكر أو لم يذكر. قلت له: فرق بين مَنْ توضأ للفريضة وبين من توضأ للتطوع؛ فإنهم يفرقون بينهما. قال: هو سواء إذا لم يتعمد وإنما غلب عليه.
وقد يتبرد بالماء في الضرورة من شدة الحر.
والذي عليه أكثر أصحابنا الفرق بين أن يستكرهها على الوطء أو يستكرهها على الأكل والشرب.
وخرَّج ابن عقيل رواية [أخرى] أن الإِكراه على الأكل والشرب يفطر كالاستكراه على الوطء.
فأما الاحتلام وذرع القيء؛ فإنه لا يفطر قولاً واحداً.
وأما إذا أكره على الأكل بالضرب أو الحبس أو الوعيد حيث يكون إكراهاً, حتى أكل بنفسه؛ فهل يفسد صومه؟ فيه وجهان ذكرهما القاضي في «خلافه».
أحدهما: لا يفطر أيضاً, وهو قول القاضي في «المجرد» وأبي الخطاب وغيرهما.
الثاني: يفطر هنا, وهو قول ابن عقيل.

وينبغي أن يكون في جواز الفطر هنا روايتان؛ كالروايتين في جواز أكل الدم والميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر. والله تعالى أعلم.
الفصل الثامن: أنه إنما اشترط أن يفعله عامداً ذاكراً لصومه.
فالعامد خرج به المخطئ والمكره.
فإذا فعل جاهلاً:
فإما أن يجهل أن ذلك الوقت من نهار رمضان؛ مثل أن يعتقد أن ذلك اليوم ليس من رمضان, أو يعتقد أن الفجر لم يطلع؛ فإن هذا يفطر؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإما أن يجهل ذلك الشيء مفطر؛ فذكر أبو الخطاب أنه لا يفطر.
476 - 477 - لأن عدي بن حاتم ورجلاً من المسلمين كانوا يأكلون حتى يتبين لهم العقال الأبيض من العقال الأسود؛ معتقدين أن ذلك معنى قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] , ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء؛ لكونهم غير عالمين بأن الأكل في هذا الوقت مفطراً.

لأن الجهل أشد عذراً من النسيان؛ فإن الناسي قد كان علم ثم ذكر, والجاهل لم يعلم أصلاً؛ فإذا كان النسيان عذراً في منع الإِفطار؛ فالجهل أولى.
ولأن الصوم من باب الترك, ومن فعل من نهي عنه جاهلاً بالنهي عنه؛ لم يستحق العقوبة, فيكون وجود الفعل منه كعدمه؛ فلا يفطر؛ كالناسي.
والمنصوص عن أحمد فيمن احتجم جاهلاً بالحديث: أنه يفطر.

ولذلك ذكر القاضي [في مسألة تطيبه في الحج ناسياً] وغيره من أصحابنا: أن العالم بحظره والجاهل سواء؛ قال: لأن كل عبادة حظر فيها معنى من المعاني؛ فإن حكم العالم بحظره والجاهل به سواء.
478 - لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالذي يحتجم, فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم» , ولم يكن يعلم أن ذلك منهي عنه.
ولأن من أفطر جاهلاً؛ لم يقصد فعل [العبادة] التي أمر بها, فتبقى في عهدته حتى يقضيها؛ كمن ترك الصوم جاهلاً بوجوبه, أو ترك تبييت النية جاهلاً بأن اليوم من رمضان أو ناسياً؛ بخلاف من قصد الكف والإِمساك عن الطعام, ثم أكله ناسياً لصومه؛ فإن له نظراً صحيحاً, وفعله الذي صدر لا يقدح فيه.
والصوم, وإن كان [تركاً, لكن يشبه] الأفعال من حيث وجوب النية فيه؛ بخلاف ترك جميع المحرمات؛ فإنه يكفي في عدم الإِثم عدم الفعل, وهنا لا بد من قصد الامتثال, فله شبه بالمأمورات من وجه, وبالمنهيات من وجه.
ومن أمر بترك الأكل والشرب, فلم يقصد ذلك ولم يرده؛ لم يمتثل ما أمر به البتة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-01-2023, 11:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,590
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان







شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
من صــ 576الى صــ 585
(34)
المجلد الثانى
كتاب الصيام
(4)




643 - وعن الحكم بن الأعرج؛ قال: «انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم, فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت الهلال المحرم؛ فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً. قلت: هكذا كان محمد يصو
مه. قال: نعم». رواه مسلم وأبو داوود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح.
ومعنى هذا والله أعلم: صم التاسع والعاشر كما ذكره الإِمام أحمد عنه رواه سعيد وغيره.
635 - [وما روى عمرو بن دينار] , سمع عطاء, سمع ابن عباس يقول: «صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود».
636 - وعن شعبة مولى ابن عباس؛ قال: «كان ابن عباس يصوم عاشوراء في السفر,
ويوالي بين اليومين؛ فرقاً أن يفوته». رواه حرب.
637 - عن إسماعيل بن علية؛ قال: ذكروا عند ابن أبي نجيح [أن ابن عباس كان يقول: يوم عا
شوراء يوم التاسع. فقال ابن نجيح:] إنما قال ابن عباس: «أكره أن يصوم يوماً فارِداً, ولكن صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً».
رواه داوود بن عمرو عنه.

638 - وعن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: «أنه كان يصوم يومين لعاشوراء احتياطاً أن لا يفوته». رواه أبو زرعة الدمشقي عن أبي صالح عن معاوية بن صالح عنه.
639 - يحقق ذلك ما روى. . . عن ابن عباس؛ قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاش
وراء العاشر من المحرم». رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
640 - وقد روى داوود بن علي, عن أبيه, عن جده ابن عباس؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا يوم عاشوراء, وخالفوا فيه اليهود, صوموا قبله يوماً أو بعده يوماً».
[رواه أحمد وسعيد ولفظه: «صوموا يوماً قبله أو بعده»].
فإن صام عاشوراء مفرداً؛ فهل يكره؟
قال بعض أصحابنا: لا يكره. . . .
والأشبه بكلامه أنه يكره:
لأنه أمر بصوم اليومين لمن أراد صوم عاشوراء, وأخذ بأثر ابن عباس,
وابن عباس كان يكره إفراده, ويأمر بصوم اليومين مخالفة لليهود.

ولأنه إفراد يوم يعظمه غير أهل الإِسلام, فكره؛ كإفراد النيروز والمهرجان.
ولأن التشبه بأهل الكتاب مكروه, وقطع التشبه بهم مشروع ما وجد إلى ذلك سبيل؛ فإذا صيم وحده؛ كان فيه تشبيه بأهل الكتاب. . . .
قال أبو الخطاب: ويستحب صوم عشر المحرم, وآكدها تاسوعا وعاشوراء. . . .


* فصل:
قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم: سمعنا في الحديث: «من وسع على عياله يوم عاشو
راء؛ أوسع الله عليه سائر سنته».
قال ابن عيينة: قد جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيراً.
641 - وقال في رواية صالح: ابن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم ابن المنتشر - قال أبي: ثقة صدوق - أنه بلغه: «من وسع على عياله يوم عاشوراء؛ وسع الله عليه سائر سنته».
642 - وقد روي في حديث مرفوع من حديث أيوب, عن سليمان بن مينا, عن رجل, عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وسع على أهله يوم عاشوراء؛ وسع الله عليه سائر
سنته». رواه حرب.
643 - وروى أيضاً من حديث إبراهيم بن علقمة, عن عبد الله؛ مثله مرفوعاً, و
قال: هذا حديث منكر.
وقال: سئل أحمد عن هذا الحديث «من وسع على أهله يوم عاشوراء»؟ فلم يره شيئاً.
مسألة:

ويستحب صيام أيام البيض.
وجملة ذلك أنه يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ فإنها تعدل صوم الدهر, ويستحب أن يكون يوم الاثنين والخميس, وأفضل ذلك أن يكون من أوسطه, وهي أيام البيض.
قال حرب: سمعت أحمد يقول: من صام ثلاثة أيام من الشهر فقد صام الشهر ك
له. يقول بتوكيد.
644 - وقال في رواية عبد الله, [عن] عبد الملك بن قتادة بن ملحان, عن أبيه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام أيام البيض: ثلاث عشرة, وأربع عشرة, وخمس عشرة».
قيل له: فصيام ثلاثة أيام من كل شهر يصام من أول الشهر؟ قال: «نعم, ولكن يك
ون قصده لهذه».
وقال في رواية عبد الله, [عن] هنيدة الخزاعي, عن أمه؛ قالت: دخلت على أم سلمة, فسألتها عن الصيام؟ فقالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس». . . .
645 - وذلك لما تقدم عن عبد الله بن عمرو: أن النبي صلى الله عليه و
سلم قال له: «صم من الشهر ثلاثة أيام؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها, وذلك مثل صيام الدهر». متفق عليه.
646 - وتقدم أيضاً عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ثلاث من كل شهر, ورمضان إلى رمضان؛ فهذا صيام الدهر». رواه مسلم وغيره.

وتقدم أيضاً قوله للباهلي: «صم ثلاثة أيام من كل شهر». . . .
647 - وعن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ قال: أوصاني خليلي بثلاث لن أدعهن. . . .
648 - وعن أبي هريرة مثله.

649 - وعن معاوية بن قرة, عن أبيه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر [وقيامه]». رواه أحمد.
650 - وعن أبي العلاء بن الشخير, عن رجل من بني أقيش؛ قال: معه كتاب للنبي صلى الله عليه وسلم, ويقال: اسمه النمر بن تولب؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«من سره أن يذهب كثير من وحر صدره؛ فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام من
كل شهر». وفي رواية: «صيام ثلاثة أيام من الشهر يذهبن وحر الصدر». رواه أحمد والنسائي وفيه قصة رواها أبو داوود.
651 - وعن أبي نوفل بن أبي عقرب, عن أبيه: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ع
ن الصوم؟ فقال: «صم يوماً من كل شهر». فاستزاده قال: بأبي وأمي إني أجدني أقوى؛ فزدني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أجدني قويّاً, إني أجدني قويّاً». فما كاد أن يزيده, فاستزاده, فقال: «صم يومين من كل شهر». قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إني أجدني قويّاً, فما كاد أن يزيده, فلما ألحَّ عليه؛ قال: «صم ثلاثة أيام من كل شهر». رواه أحمد والنسائي.
652 - وعن معاذة العدوية: أنها سألت عائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: «نعم». فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: «لم يكن يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم».
رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي, وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقد تقدم عنه من رواية حفصة وغيرها أنه لم يكن يدع صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
653 - وعن عبد الله؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من غرة كل [هلال] , وقلما كان يفطر يوم الج
معة». رواه الخمسة وقال الترمذي حسن غريب. إلا أن أبا داوود لم يذكر إلا صوم الثلاثة, وابن ماجه لم يذكر إلا صوم الجمعة.
654 - وعن هنيدة الخزاعي, عن أمه؛ قالت: دخلت على أم سلمة, فسألتها عن الصيام؟ فقالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر, أولها الاثنين والخميس». رواه أبو داوود, وذكره أحمد.
655 - وقد تقدم من حديث هنيدة, عن امرأته, عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصوم نحو ذلك.
656 - وعن حفصة؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عل
يه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى». رواه أبو داوود والنسائي.
وإنما اختيرت البيض.
657 - ولما روي عن أبي ذر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر! إذا صمت من الشهر ثلاثة؛ فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة». رواه أحمد والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20-02-2023, 11:59 PM
فيصل عز الدين فيصل عز الدين غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
مكان الإقامة: egypt
الجنس :
المشاركات: 1
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الصيام --- متجدد فى رمضان

ما شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 197.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 191.19 كيلو بايت... تم توفير 5.86 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]