فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4991 - عددالزوار : 2110354 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4569 - عددالزوار : 1388264 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 12123 )           »          أهم تيارات التكفير والعنف ودور الدعوة السلفية في مواجهتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 345 )           »          سبيل التأسي بدراسة حديث اللهم إني ظلمت نفسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 212 )           »          العلي الأعلى المتعال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          حـقـــوق المعلـم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          إشارات تربوية رائعة لابن القيم الجوزية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المواقع الأثرية في غزة..معالم راسخة في الأرض (3300ق.م) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          تساؤلات بخصوص الرضاعة الطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-01-2022, 06:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (50)

من صــ 85 الى صـ
ـ 91

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}. وَقَوْلُهُ: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَمُجَرَّدُ ذَلِكَ الْعِلْمِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ وَلَا ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ وُجُودِ الْأَفْعَالِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا: لِنَرَى. وَكَذَلِكَ الْمُفَسِّرُونَ قَالُوا: لِنَعْلَمَهُ مَوْجُودًا بَعْدَ أَنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ وَهَذَا الْمُتَجَدِّدُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلنُّظَّارِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمُتَجَدِّدُ هُوَ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَعْلُومِ فَقَطْ وَتِلْكَ نِسْبَةٌ عَدَمِيَّةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:
بَلْ الْمُتَجَدِّدُ عِلْمٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ وَوُجُودِهِ وَهَذَا الْعِلْمُ غَيْرُ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} فَقَدْ أَخْبَرَ بِتَجَدُّدِ الرُّؤْيَةِ فَقِيلَ نِسْبَةٌ عَدَمِيَّةٌ وَقِيلَ الْمُتَجَدِّدُ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ. وَالْكَلَامُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَمَنْ قَالَ هَذَا وَهَذَا وَحُجَجُ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ بُسِطَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَعَامَّةُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُتَجَدِّدَ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَهَذَا مِمَّا هَجَرَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ عَلَى نَفْيِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِقَوْلِ ابْنِ كُلَّابٍ فَرَّ مِنْ تَجَدُّدِ أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ وَقَالَ بِلَوَازِمِ ذَلِكَ، فَخَالَفَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ مَا أَوْجَبَ ظُهُورَ بِدْعَةٍ اقْتَضَتْ أَنْ يَهْجُرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَيُحَذِّرَ مِنْهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَارِثَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ. والمتأخرون مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلِ وَأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَةَ ابْنِ كُلَّابٍ وَأَتْبَاعِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَةَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ؛ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ تَقَدُّمَ عِلْمِ اللَّهِ وَكِتَابَتِهِ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ حَقٌّ وَالْقَوْلُ بِحُدُوثِ ذَلِكَ قَوْلٌ مَهْجُورٌ كَمَا قَالَهُ النَّاظِمُ إنْ كَانَ قَدْ أَرَادَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُنَافِي أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ فَإِنَّ كَوْنَهُ خَالِقًا لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ لَا يُنَافِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ. فَكَيْفَ الْعِلْمُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَ الْعَبْدِ مَجْبُورًا لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا فِعْلَ كَمَا تَقُولُهُ الْجَهْمِيَّة الْمُجْبِرَةُ.
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ:
عَنْ صَالِحِي بَنِي آدَمَ وَالْمَلَائِكَةِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟
فَأَجَابَ:

بِأَنَّ صَالِحِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ كَمَالِ النِّهَايَةِ وَالْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ بِاعْتِبَارِ الْبِدَايَةِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ الْآنَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مُنَزَّهُونَ عَمَّا يُلَابِسُهُ بَنُو آدَمَ مُسْتَغْرِقُونَ فِي عِبَادَةِ الرَّبِّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الْآنَ أَكْمَلُ مِنْ أَحْوَالِ الْبَشَرِ. وَأَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَصِيرُ صَالِحُو الْبَشَرِ أَكْمَلَ مِنْ حَالِ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَتَبَيَّنُ سِرُّ التَّفْضِيلِ وَتَتَّفِقُ أَدِلَّةُ الْفَرِيقَيْنِ وَيُصَالَحُ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى حَقِّهِ (*).
وَسُئِلَ: عَنْ " الْمُطِيعِينَ " مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ؟
فَأَجَابَ:

قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ: يَا رَبِّ جَعَلْت بَنِي آدَمَ يَأْكُلُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَشْرَبُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ فَاجْعَلْ لَنَا الْآخِرَةَ كَمَا جَعَلْت لَهُمْ الدُّنْيَا قَالَ: لَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَعَادُوا عَلَيْهِ قَالَ: لَا أَفْعَلُ ثُمَّ أَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ: وَعِزَّتِي لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْت بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْت لَهُ: كُنْ فَكَانَ} ذَكَرَهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد فِي كِتَابِ " السُّنَنِ " (*) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ فَقِيلَ لَهُ: وَلَا جِبْرِيلُ وَلَا ميكائيل فَقَالَ لِلسَّائِلِ: " أَتَدْرِي مَا جِبْرِيلُ وَمَا ميكائيل؟ إنَّمَا جِبْرِيلُ وميكائيل خَلْقٌ مُسَخَّرٌ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَمَا عَلِمْت عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " مُصَنَّفٌ " مُفْرَدٌ ذَكَرْنَا فِيهِ الْأَدِلَّةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)
(فَصْلٌ)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - بَعْدَ كَلَامٍ سَبَقَ -:

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {الرَّحْمَنِ} {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}. و {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}. وَقَالَ: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}. فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْإِنْسَانَ الْمَنْطِقَ كَمَا يُلْهِمُ غَيْرَهُ.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ إذَا كَانَ قَدْ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَعَرَضَ الْمُسَمَّيَاتِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا جَمِيعُ النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ تِلْكَ اللُّغَاتِ اتَّصَلَتْ إلَى أَوْلَادِهِ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا بِهَا فَإِنَّ دَعْوَى هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا يُنْقَلُ عَنْهُ بَنُوهُ وَقَدْ أَغْرَقَ اللَّهُ عَامَ الطُّوفَانِ جَمِيعَ ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ فِي السَّفِينَةِ وَأَهْلُ السَّفِينَةِ انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ إلَّا أَوْلَادَ نُوحٍ وَلَمْ يَكُونُوا يَتَكَلَّمُونَ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ الْأُمَمُ بَعْدَهُمْ.
فَإِنَّ " اللُّغَةَ الْوَاحِدَةَ " كَالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَالْأَنْوَاعِ مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللَّهُ، وَالْعَرَبُ أَنْفُسُهُمْ لِكُلِّ قَوْمٍ لُغَاتٌ لَا يَفْهَمُهَا غَيْرُهُمْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُنْقَلَ هَذَا جَمِيعُهُ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا فِي السَّفِينَةِ وَأُولَئِكَ جَمِيعُهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَسْلٌ وَإِنَّمَا النَّسْلُ لِنُوحِ وَجَمِيعُ النَّاسِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: سَامُ وحام ويافث كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}.
فَلَمْ يَجْعَلْ بَاقِيًا إلَّا ذُرِّيَّتَهُ وَكَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ أَوْلَادَهُ ثَلَاثَةٌ ". رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلَاثَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْطِقُوا بِهَذَا كُلِّهِ وَيَمْتَنِعُ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ هَذِهِ اللُّغَةَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ، وَإِذَا كَانَ النَّاقِلُ ثَلَاثَةً؛ فَهُمْ قَدْ عَلَّمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَأَوْلَادُهُمْ عَلَّمُوا أَوْلَادَهُمْ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَلَتْ. وَنَحْنُ نَجِدُ بَنِي الْأَبِ الْوَاحِدِ يَتَكَلَّمُ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْهُمْ بِلُغَةِ لَا تَعْرِفُهَا الْأُخْرَى وَالْأَبُ وَاحِدٌ، لَا يُقَالُ:

إنَّهُ عَلَّمَ أَحَدَ ابْنَيْهِ لُغَةً وَابْنَهُ الْآخَرَ لُغَةً؛ فَإِنَّ الْأَبَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا ابْنَانِ وَاللُّغَاتُ فِي أَوْلَادِهِ أَضْعَافُ ذَلِكَ. وَاَلَّذِي أَجْرَى اللَّهُ عَلَيْهِ عَادَةَ بَنِي آدَمَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ لُغَتَهُمْ الَّتِي يُخَاطِبُونَهُمْ بِهَا أَوْ يُخَاطِبُهُمْ بِهَا غَيْرُهُمْ فَأَمَّا لُغَاتٌ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِهَا فَلَا يُعَلِّمُونَهَا أَوْلَادَهُمْ.
__________
Q (*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 37):
وهذا الكلام ذكره ابن القيم رحمه الله في (بدائع الفوائد) 3/ 163 عن شيخه رحمه الله، وعنه نقل، لوجود تعليقه على الفتوى.
Q (*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 256): لعله: السنة



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-01-2022, 02:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (52)

من صــ 99 الى صـ
ـ 105



فصل في المسألة المشهورة بين الناس في " التفضيل بين الملائكة والناس "
قال شيخ الإسلام:

الكلام إما أن يكون في التفضيل بين الجنس: الملك والبشر؛ أو بين صالحي الملك والبشر.
أما الأول وهو أن يقال: أيما أفضل: الملائكة أو البشر؟ فهذه كلمة تحتمل أربعة أنواع: (*)
النوع الأول أن يقال: هل كل واحد من آحاد الناس أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة؟ فهذا لا يقوله عاقل فإن في الناس: الكفار والفجار والجاهلين والمستكبرين والمؤمنين وفيهم من هو مثل البهائم والأنعام السائمة بل الأنعام أحسن حالا من هؤلاء كما نطق بذلك القرآن في مواضع مثل قوله تعالى. {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}
وقال وثالثها: أن هؤلاء لهم العقاب والنكال والخزي على ما يأتونه من الأعمال الخبيثة فهذا يقتل وهذا يعاقب وهذا يقطع وهذا يعذب ويحبس هذا في العقوبات المشروعة. وأما العقوبات المقدرة فقوم أغرقوا وقوم أهلكوا بأنواع العذاب وقوم ابتلوا بالملوك الجائرة: تحريقا وتغريقا وتمثيلا وخنقا وعمى. والبهائم في أمان من ذلك. ورابعها: أن لفسقة الجن والإنس في الآخرة من الأهوال والنار والعذاب والأغلال وغير ذلك مما أمنت منه البهائم ما بين فضل البهائم على هؤلاء إذا أضيف إلى حال هؤلاء. وخامسها: أن البهائم جميعها مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم مسبحة بحمده قانتة له وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " {أنه ليس على وجه الأرض شيء إلا وهو يعلم أني رسول الله إلا فسقة الجن والإنس} ". النوع الثاني أنه يقال: مجموع الناس أفضل من مجموع الملائكة من غير توزيع الأفراد وهذا على القول بتفضيل صالحي البشر على الملائكة فيه نظر؛ لا علم لي بحقيقته فإنا نفضل مجموع القرن الثاني على القرن الثالث مع علمنا أن كثيرا من أهل القرن الثالث أفضل من كثير من أهل القرن الثاني.
النوع الثالث أنا إذا قابلنا الفاضل بالفاضل والذي يلي الفاضل بمن يليه من الجنس الآخر فأي القبيلين أفضل؟ فهذا مع القول بتفضيل صالحي البشر يقال: لا شك أن المفضولين من الملائكة أفضل من كثير من البشر وفاضل البشر أفضل من فاضليهم لكن التفاوت الذي بين " فاضل الطائفتين " أكثر والتفاوت بين " مفضولهم " هذا غير معلوم والله أعلم بخلقه. النوع الرابع أن يقال: حقيقة الملك والطبيعة الملكية أفضل أم حقيقة البشر والطبيعة البشرية؟ وهذا كما أنا نعلم أن حقيقة الحي إذ هو حي أفضل من الميت وحقيقة القوة والعلم من حيث هي كذلك أفضل من حقيقة الضعف والجهل وحقيقة الذكر أفضل من حقيقة الأنثى وحقيقة الفرس أفضل من حقيقة الحمار وكان في نوع المفضول ما هو خير من كثير من أعيان النوع الفاضل: كالحمار والفأرة والفرس الزمن والمرأة الصالحة مع الرجل الفاجر والقوي الفاجر مع الضعيف الزمن.
والوجه في انحصار القسمة في هذه الأنواع - فإن كثيرا من الكلمات المهمة تقع الفتيا فيها مختلفة والرأي مشتبها لفقد التمييز والتفضيل - أن كل شيء إما أن نقيده من جهة الخصوص أو العموم أو الإطلاق. فإذا قلت: بشر وملك. إما أن تريد هذا البشر الواحد فيكون خاصا أو جميع جنس البشر فيكون عاما أو تريد البشر مطلقا مجردا عن قيد العموم والخصوص وضبطه القليل والكثير والنوع الأول في التفضيل عموما وخصوصا والثاني عموما والثالث خصوصا والرابع في الحقيقة المطلقة المجردة. فنقول حينئذ: المسألة على هذا الوجه لست أعلم فيها مقالة سابقة مفسرة وربما ناظر بعض الناس على تفضيل الملك وبعضهم على تفضيل البشر وربما اشتبهت هذه المسألة بمسألة التفضيل بين الصالح وغيره. لكن الذي سنح لي - والله أعلم بالصواب - أن حقيقة الملك أكمل وأرفع وحقيقة الإنسان أسهل وأجمع.
وتفسير ذلك: أنا إذا اعتبرنا الحقيقتين وصفاتهما النفسية والتبعية: اللازمة الغالبة الحياة والعلم والقدرة: في اللذات والشهوات وجدنا أولا خلق الملك أعظم صورة ومحله أرفع وحياته أشد وعلمه أكثر وقواه أشد وطهارته ونزاهته أتم ونيل مطالبه أيسر وأتم وهو عن المنافي والمضاد أبعد لكن تجد هذه الصفات للإنسان - بحسب حقيقته - منها أوفر حظا ونصيبا من الحياة والخلق والعلم والقدرة والطهارة وغير ذلك. وله أشياء ليست للملك من إدراكه دقيق الأشياء: حسا وعقلا وتمتعه بما يدركه ببدنه وقلبه وهو يأكل ويشرب وينكح ويتمنى ويتغذى ويتفكر إلى غير ذلك من الأحوال التي لا يشاركه فيها الملك. لكن حظ الملك من القدر المشترك الذي بينهما أكثر وما اشتركا فيه من الأمور أفضل بكثير مما اختص به الإنسان. " مثاله ": مثل رجل معه مائة دينار وآخر معه خمسون درهما أو خمسون دينارا أو خمسون فلسا وإذا كان الأمر كذلك ففصل الجواب كما سبق. وإن أردت الإطلاق: فالحقيقة الملكية بلوازمها أفضل من الحقيقة الإنسانية بلوازمها هذا لا شك فيه فإنما يلزم حقيقة الإنسان من حياة وحس وعلم وعمل ونيل لذة وإدراك شهوة ليست بشيء.
وإنما تعددت أصنافه إلى ما يشبه حقيقة الملك؛ كحال من علم من كل شيء طرفا ليس بالكثير إلى حال من أتقن العلم بالله وبأسمائه وآياته ولا يشبه حال من معه درهم إلى حال من معه درة ولا يشبه حال من يسوس الناس كلهم إلى حال من يسوس إنسانا وفرسا. وقد دل على هذا دلالة بينة قوله تعالى {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} فدل على أنهم لم يفضلوا على الجميع وقوله: {ممن} للتبعيض. فإن قلت: هذا الاستدلال مفهوم للمخالف وأنت مخالف لهذا منازع فيه.
فيقال لك: تخصيص الكثير بالذكر لا يدل على مخالفة غيره بنفي ولا إثبات وأيضا فإن مفهومه: أنهم لم يفضلوا على ما سوى الكثير فإذا لم يفضلوا فقد يساوون بهم وقد يفضل أولئك عليهم فإن الأحوال ثلاثة: إما أن يفضلوا على من بقي أو يفضل أولئك عليهم أو يساوون بهم.
قال: واختلاف الحقائق والذوات لا بد أنها تؤثر في اختلاف الأحكام والصفات وإذا اختلفت حقيقة البشر والملك فلا بد أن يكون أحد الحقيقتين أفضل فإن كونهما متماثلتين متفاضلتين ممتنع. وإذا ثبت أن أحدهما أفضل بهذه القضية المعقولة؛ وثبت عدم فضل البشر بتلك الكلمة الإلهية؛ ثبت فضل الملك وهو المطلوب.
وقد ذكر جماعة من المنتسبين إلى السنة: أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة. وذهبت المعتزلة إلى تفضيل الملائكة على البشر وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء ومنهم من يقف ولا يقطع فيهما بشيء. وحكي عن بعض متأخريهم أنه مال إلى قول المعتزلة وربما حكي ذلك عن بعض من يدعي السنة ويواليها. وذكر لي عن بعض من تكلم في أعمال القلوب أنه قال: أما الملائكة المدبرون للسموات والأرض وما بينهما والموكلون ببني آدم؛ فهؤلاء أفضل من هؤلاء الملائكة. وأما الكروبيون الذين يرتفعون عن ذلك فلا أحد أفضل منهم وربما خص بعضهم نبينا صلى الله عليه وسلم. واستثناؤه من عموم البشر إما تفضيلا على جميع أعيان الملائكة أو على المدبرين منهم أمر العالم.
هذا ما بلغني من كلمات الآخرين في هذه المسألة. وكنت أحسب أن القول فيها محدث حتى رأيتها أثرية سلفية صحابية فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول فيها فقلنا حينئذ بما قاله السلف فروى أبو يعلى الموصلي في " كتاب التفسير " المشهور له عن عبد الله بن سلام - وكان عالما بالكتاب الأول والكتاب الثاني - إذ كان كتابيا وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة ووصية معاذ عند موته وأنه أحد العلماء الأربعة الذين يبتغى العلم عندهم. قال: ما خلق الله خلقا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم الحديث عنه. قلت:
ولا جبرائيل ولا ميكائيل قال: يا ابن أخي أوتدري ما جبرائيل وميكائيل؟ إنما جبرائيل وميكائيل خلق مسخر مثل: الشمس والقمر؛ وما خلق الله تعالى خلقا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم. وروى عبد الله في " التفسير " (*) وغيره عن معمر عن زيد بن أسلم أنه قال: {قالت الملائكة: يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون فاجعل لنا الآخرة. فقال: وعزتي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان}.
__________

Qقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 38 - 43):
وأريد أن أنبه إلى أمرين:
الأمر الأول: أن هذه الرسالة أشك في نسبتها لشيخ الإسلام رحمه الله، فمن قرأ للشيخ وعرف نفسه في رسائله وفتاواه سيعرف هذا جيدا، فإما أن يكون أصلها للشيخ رحمه الله وخلط كلامه بكلام غيره ولم يميز بين الكلامين، أو أنها لأحد تلاميذه المتأثرين به، ونحو ذلك، أما أن تكون جميع هذه الرسالة للشيخ فهو مما أستبعده والله أعلم، فالطريقة التي كتبت بها هذه الرسالة مغايرة لطريقة الشيخ في الجملة، وسأذكر هنا بعض الأمثلة على ذلك:
1 - ص 359 (هذا هو العجب العجيب).
2 - ص 364 (فافهم هذا فإن تحته سر)
3 - ص 365، 366 (فافهم هذا فإنه مجلاة شبهة ومصفاة كدر).
4 - ص 366 (والله أكبر كبيرا)
5 - ص 374، 375 (فلا تلجن باب إنكار، ورد وإمساك وإغماض ردا لظاهره وتعجبا من باطنه حفظا لقواعدك التي كتبتها بقواك وضبطتها بأصولك التي عقلتك عن جناب مولاك، إياك مما يخالف المتقدمين من التنزيه وتوق التمثيل والتشبيه، ولعمري إن هذا هو الصراط المستقيم، الذي هو أحد من السيف، وأدق من الشعر، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور).
6 - ص 352 (لا علم لي بحقيقته) وص 353 (هذا غير معلوم والله أعلم بخلقه)، وص 354 (لكن الذي سنح لي والله أعلم بالصواب)، وص 361 (ولعل ذلك والله أعلم بحقائق الأمور)، ص 364 (ولا حاجة بنا إلى تفسير كلام ربنا بآرائنا والله أعلم بتفسيره).
7 - ص 374 (وهذا بحر يغرق فيه السابح، لا يخوضه إلا كل مؤيد بنور الهداية، وإلا وقع إما في تمثيل، أو في تعطيل. فليكن ذو اللب على بصيرة أن وراء علمه مرماة بعيدة، وفوق كل ذي علم عليم)
8 - ص 375 (ولو ثبت أن علم البشر في الدنيا لا يكون إلا على أيدى الملائكة وهو والله باطل).
9 - ص 379 (فهذا هداك الله وجه التفضيل بالأسباب المعلومة، ذكرنا منه أنموذجا) وص 381 (فاعلم - نو الله قلبك وشرح صدرك للإسلام -).
ثانيا: وصف المخالفين له بما لم يعهد عنه، نحو:
1 - ص 358 (وقد قال بعض الأغبياء: إن السجود إنما كان لله وجعل آدم قبلة لهم).
2 - ص 362 (فاعلم أن المقالة أولا ليس معها ما يوجب قبولها، لا مسموع، ولا معقول، إلا خواطر، وسوانح، ووساوس، مادتها من عرش إبليس).
3 - ص 363 (ومن اختلج في سره وجه الخصوص بعد هذا التحقيق والتوكيل فليعز نفسه في الاستدلال بالقرآن والفهم، فإنه لا يثق بشئ يؤخذ منه، ياليت شعري! لو كانت الملائكة كلهم سجدوا وأراد الله أن يخبرنا بذلك، فأي كلمة أتم وأعم، أم يأتي قول يقال: أليس هذا من أبين البيان؟)
4 - ص 376 (وليس كما زعم هذا الغبي).
5 - ص 391 (وهذا من أوضح الكلام لمن له فقه بالعربية ونعوذ بالله من التنطع).
ثالثا: قوله ص 379 في معرض تفضيله صالحي البشر على الملائكة (وأين هم عن الذين: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}؟ وأين هم ممن يدعون إلى الهدى ودين الحق؛ ومن سن سنة حسنة؟ وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أمتي من يشفع في أكثر من ربيعة ومضر)؟ وأين هم من الأقطاب، والأوتاد، والأغواث، والأبدال، والنجباء؟).
وقد علق الجامع على رحمه الله على الجملة الأخيرة بقوله (هكذا بالأصل)، وهذا يدل على أنه استنكر مثل هذه العبارة، والشيخ رحمه الله له كلام على إبطال هذه الأسماء وأنها لم ترد في الكتاب ولا في السنة، ومن ذلك:
قوله في الفتاوى 11/ 433 (أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل الغوث الذي بمكة،
والأوتاد الأربعة والأقطاب السبعة والأبدال الأربعين والنجباء الثلاثمائة: فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى؛ ولا هي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، ولا ضعيف. . . الخ الفتوى وهي طويلة مفصلة).
وقال في (المنهاج) 1/ 93 (وأيضا فجميع هذه الألفاظ لفظ الغوث والقطب والأوتاد والنجباء وغيرها لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد معروف أنه تكلم بشيء منها ولا أصحابه ولكن لفظ الأبدال تكلم به بعض السلف ويروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف).
وفي الجملة: فهذه الرسالة نفسها ليس نفس شيخ الإسلام رحمه الله في رسائله، والله أعلم.
الأمر الثاني: أنه حصل تصحيفات يسيرة في هذه الرسالة، ومن ذلك:
1 - ص 353 (وكان في نوع المفضول ما هو خير من كثير من أعيان النوع الفاضل؛ كالحمار والفأرة والفرس الزمن، والمرأة الصالحة مع الرجل الفاجر)
قلت: (كالحمار والفأرة) صوابه: (كالحمار الفاره)
2 - ص 357 (وروى عبد الله في (التفسير))، وذكر هذا الأثر سابقا ص 244 وقال فيه (عبد الله في (السنن)) وجاء في ص 369 (السنة) وهو الأظهر، والله أعلم.
3 - ص 360 (والبهائم لا تعبد الله)، ولعله: لا تعبد إلا الله.
4 - ص 364 (وإذا كانت القصة قد تكررت وليس فيها ما يدل على الخصوص فليس دعوى الخصوص فيها من البهتان).
قلت: ويظهر أن العبارة: (كان دعوى الخصوص فيها من البهتان) أو (فإن دعوى الخصوص)، ونحو ذلك.
5 - ص 368: ذكر الدليل الثامن، ثم في السطر الثاني عشر قال: (ثم ذكر ما رواه الخلال. . .)، وهذا يجل على أمرين:
الأول: حصول اختصار، لأن (الدليل التاسع) و (العاشر) لم تذكر مسبوقة بالرقم - وإن كانت قد ذكرت أحاديث -، وإنما ذكر ص 370 (الدليل الحادي عشر).
والثاني: أن هذه النسخة متصرف فيها.
6 - ص 369 (فلا يقول مثل هذا القول إلا عن. . . [وأشار الجامع رحمه الله إلى أن هنا بياضا في الأصل] بين والكذب على الله عز وجل أعظم من الكذب على رسوله).
قلت: ويظهر أن العبارة (إلا عن علم بين) أو نحوها.
7 - ص 373 (وأما الملائكة فإن حالهم اليوم شبيهة بحالهم بعد ذلك، فإن ثوابهم متصل وليست الجنة مخلوقة، وتصديق. . .).
قلت: ويظهر أن العبارة (وليست الجنة مخلوقة لهم).
8 - ص 347 (إن إجلاسه على العرش منكرا) والصواب: (منكر)
9 - ص 387: (ولا يقال إنه لما لم يقرن بالإنكار دل على أنه حق، فإن قولهن {ما هذا بشرا } خطأ. وقولهن: {إن هذا إلا ملك كريم} خطأ أيضا في غيبتهن عنه أنه بشر وإثباتهن أنه ملك، وإن لم يقرن بالإنكار، [دل على أنه حق، وأن قولهن: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} خطأ في نفيهن عنه البشرية وإثباتهن له الملائكية، وإن لم يقرن بالإنكار] لغيبة عقولهن عند رؤيته، فلم يلمن في تلك الحال على ذلك).
قلت: والذي يظهر أن ما بين المعقوفتين مكرر، والله أعلم.
Q (*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 256): لعله: السنة


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-01-2022, 02:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (53)

من صــ 106 الى صـ
ـ 112


وَكَذَلِكَ قِصَّةُ سُجُودِ الْمَلَائِكَةِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ لِآدَمَ وَلَعْنُ الْمُمْتَنِعِ عَنْ السُّجُودِ لَهُ وَهَذَا تَشْرِيفٌ وَتَكْرِيمٌ لَهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ: إنَّ السُّجُودَ إنَّمَا كَانَ لِلَّهِ وَجَعْلِ آدَمَ قِبْلَةً لَهُمْ يَسْجُدُونَ إلَيْهِ كَمَا يَسْجُدُ إلَى الْكَعْبَةِ؛ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَفْضِيلٌ لَهُ عَلَيْهِمْ؛ كَمَا أَنَّ السُّجُودَ إلَى الْكَعْبَةِ لَيْسَ فِيهِ تَفْضِيلٌ لِلْكَعْبَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ حُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ حُرْمَتِهَا وَقَالُوا: السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ بَلْ كُفْرٌ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَفَرْضِهِ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُسْمَعُ قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وُجُوهٌ: - أَحَدُهَا: قَوْلُهُ لِآدَمَ: وَلَمْ يَقُلْ: إلَى آدَمَ. وَكُلُّ حَرْفٍ لَهُ مَعْنَى وَمِنْ التَّمْيِيزِ فِي اللِّسَانِ أَنْ يُقَالَ: سَجَدْت لَهُ وَسَجَدْت إلَيْهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وَقَالَ {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى: أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ وَأَمَّا الْكَعْبَةُ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُصَلِّي إلَى عَنَزَةٍ وَلَا يُقَالُ لِعَنَزَةِ وَإِلَى عَمُودِ شَجَرَةٍ وَلَا يُقَالُ لِعَمُودِ وَلَا لِشَجَرَةِ؛ وَالسَّاجِدُ لِلشَّيْءِ يَخْضَعُ لَهُ بِقَلْبِهِ وَيَخْشَعُ لَهُ بِفُؤَادِهِ؛ وَأَمَّا السَّاجِدُ إلَيْهِ فَإِنَّمَا يُوَلِّي وَجْهَهُ وَبَدَنَهُ إلَيْهِ ظَاهِرًا كَمَا يُوَلِّي وَجْهَهُ إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي إذَا أَمَّهُ كَمَا قَالَ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}. وَالثَّانِي: أَنَّ آدَمَ لَوْ كَانَ قِبْلَةً لَمْ يَمْتَنِعْ إبْلِيسُ مِنْ السُّجُودِ أَوْ يَزْعُمْ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ. فَإِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ تَكُونُ أَحْجَارًا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَفْضِيلٌ لَهَا عَلَى الْمُصَلِّينَ إلَيْهَا وَقَدْ يُصَلِّي الرَّجُلُ إلَى عَنَزَةَ وَبَعِيرٍ وَإِلَى رَجُلٍ وَلَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفَضَّلٌ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَرَّ الشَّيْطَانُ؟ هَذَا هُوَ الْعَجَبُ الْعَجِيبُ وَالثَّالِثُ:
أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ آدَمَ قِبْلَةً فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَكَانَتْ الْقِبْلَةُ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ أَفْضَلَ مِنْهُ بِآلَافِ كَثِيرَةٍ إذْ جُعِلَتْ قِبْلَةً دَائِمَةً فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّلَوَاتِ؛ فَهَذِهِ الْقِصَّةُ الطَّوِيلَةُ الَّتِي قَدْ جُعِلَتْ عَلَمًا لَهُ وَمِنْ أَفْضَلِ النِّعَمِ عَلَيْهِ وَجَاءَتْ إلَى الْعَالِمِ بِأَنَّ اللَّهَ رَفَعَهُ بِهَا وَامْتَنَّ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَهُ كَالْكَعْبَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ مَا أُوتِيَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْبِ مِنْ الرَّحْمَنِ أَفْضَلُ بِكَثِيرِ مِنْ الْكَعْبَةِ؛ وَالْكَعْبَةُ إنَّمَا وُضِعَتْ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ؛ أَفَيُجْعَلُ مِنْ جَسِيمِ النِّعَمِ عَلَيْهِ أَوْ يُشَبَّهُ بِهِ فِي شَيْءٍ نَزْرًا قَلِيلًا جِدًّا هَذَا مَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَجُوزُ السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: إنْ قِيلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ فَهِيَ كَلِمَةٌ عَامَّةٌ تَنْفِي بِعُمُومِهَا جَوَازَ السُّجُودِ لِآدَمَ وَقَدْ دَلَّ دَلِيلٌ خَاصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ سَجَدُوا لَهُ وَالْعَامُّ لَا يُعَارِضُ مَا قَابَلَهُ مِنْ الْخَاصِّ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمَلَائِكَةِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا دَلِيلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَمَا الْحُجَّةُ فِيهِ؟
وَثَالِثُهَا أَنَّهُ حَرَامٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ حَرَامٌ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَالثَّانِي حَقٌّ وَلَا شِفَاءَ فِيهِ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُحَرَّمَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ؟ وَرَابِعُهَا: أَبُو يُوسُفَ وَإِخْوَتُهُ خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَيُقَالُ: كَانَتْ تَحِيَّتَهُمْ؛ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ السُّجُودَ حَرَامٌ مُطْلَقًا؟ وَقَدْ كَانَتْ الْبَهَائِمُ تَسْجُدُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبَهَائِمُ لَا تَعْبُدُ اللَّهَ. فَكَيْفَ يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْ السُّجُودِ لِشَيْءِ عِبَادَتُهُ؟ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا} لِعِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَعْبُدَ.

وَسَابِعُهَا (1): وَفِيهِ التَّفْسِيرُ أَنْ يُقَالَ: أَمَّا الْخُضُوعُ وَالْقُنُوتُ بِالْقُلُوبِ وَالِاعْتِرَافُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ فَهَذَا لَا يَكُونُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْدَهُ وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ بَاطِلٌ. وَأَمَّا السُّجُودُ فَشَرِيعَةٌ مِنْ الشَّرَائِعِ إذْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَسْجُدَ لَهُ وَلَوْ أَمَرَنَا أَنْ نَسْجُدَ لِأَحَدِ مِنْ خَلْقِهِ غَيْرِهِ لَسَجَدْنَا لِذَلِكَ الْغَيْرِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذْ أَحَبَّ أَنْ نُعَظِّمَ مَنْ سَجَدْنَا لَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ لَمْ يَجِبْ أَلْبَتَّةَ فِعْلُهُ فَسُجُودُ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ وَطَاعَةٌ لَهُ وَقُرْبَةٌ يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إلَيْهِ وَهُوَ لِآدَمَ تَشْرِيفٌ وَتَكْرِيمٌ وَتَعْظِيمٌ. وَسُجُودُ إخْوَةِ يُوسُفَ لَهُ تَحِيَّةٌ وَسَلَامٌ أَلَا تَرَى أَنَّ يُوسُفَ لَوْ سَجَدَ لِأَبَوَيْهِ تَحِيَّةً لَمْ يُكْرَهْ لَهُ.

وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ آدَمَ سَجَدَ لِلْمَلَائِكَةِ بَلْ لَمْ يُؤْمَرْ آدَمَ وَبَنُوهُ بِالسُّجُودِ إلَّا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ - لِأَنَّهُمْ أَشْرَفُ الْأَنْوَاعِ وَهُمْ صَالِحُو بَنِي آدَمَ لَيْسَ فَوْقَهُمْ أَحَدٌ يُحْسِنُ السُّجُودُ لَهُ إلَّا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَهُمْ أَكْفَاءٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ مَزِيَّةٌ بِقَدْرِ مَا يَصْلُحُ لَهُ السُّجُودُ وَمَنْ سِوَاهُمْ فَقَدْ سَجَدَ لَهُمْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِلْأَبِ الْأَقْوَمُ وَمِنْ الْبَهَائِمِ لِلِابْنِ الْأَكْرَمُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَمْ يَسْبِقْ لِآدَمَ مَا يُوجِبُ الْإِكْرَامَ لَهُ بِالسُّجُودِ فَلَغْوٌ مِنْ الْقَوْلِ هذي بِهِ بَعْضُ مَنْ اعْتَزَلَ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ نَعَمْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عَلَى عِبَادِهِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ مِنْهُمْ وَلَوْ كَانَتْ بِسَبَبِ مِنْهُمْ فَهُوَ الْمُنْعِمُ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ الْمُنْعِمُ بِهِ وَيَشْكُرُهُمْ عَلَى نِعَمِهِ؛ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى بَيَانِهِ هَاهُنَا.
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} فَإِنَّهُ إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ فَالْقَصْدُ مِنْهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْفَضْلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَعْبُدُ غَيْرَهُ ثُمَّ هَذَا عَامٌّ وَتِلْكَ الْآيَةُ خَاصَّةٌ فَيُسْتَثْنَى آدَمَ ثُمَّ يُقَالُ: السُّجُودُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُجُودُ عِبَادَةٍ مَحْضَةٍ وَسُجُودُ تَشْرِيفٍ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَ قُلْت إنَّهُ كَذَلِكَ؟ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَوَّلِينَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ سَجَدُوا لِآدَمَ مَلَائِكَةٌ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ؛ لَا مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ دُونَ الكروبيين وَانْتَحَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاسْتَنْكَرَ سُجُودَ الْأَعْلَيَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ مَعَ عَدَمِ الْتِفَاتِهِمْ إلَى مَا سِوَى اللَّهِ وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ: " إنَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ خَلْقٌ لَا يَدْرُونَ: أَخُلِقَ آدَمَ أَمْ لَا "؟ وَنَزَعَ بِقَوْلِهِ: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} وَالْعَالُونَ هُمْ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ وَمَلَائِكَةُ السَّمَاءِ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَوَّلًا لَيْسَ مَعَهَا مَا يُوجِبُ قَبُولَهَا؛ لَا مَسْمُوعٌ وَلَا مَعْقُولٌ إلَّا خَوَاطِرُ وَسَوَانِحُ وَوَسَاوِسُ مَادَّتُهَا مِنْ عَرْشِ إبْلِيسَ يَسْتَفِزُّهُمْ بِصَوْتِهِ لِيَرُدَّ عَنْهُمْ النِّعْمَةَ الَّتِي حَرَصَ عَلَى رَدِّهَا عَنْ أَبِيهِمْ قَدِيمًا أَوْ مَقَالَةٌ قَدْ قَالَهَا مَنْ يَقُولُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ لَكِنَّ مَعَنَا مَا يُوجِبُ رَدَّهَا مِنْ وُجُوهٍ. أَحَدُهَا:
أَنَّهُ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْلِيدِ فَتَقْلِيدُهُمْ أَوْلَى. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَخِلَافُ نَصِّهِ فَإِنَّ الِاسْمَ الْمَجْمُوعَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُوجِبُ اسْتِيعَابَ الْجِنْسِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} فَسُجُودُ الْمَلَائِكَةِ يَقْتَضِي جَمِيعَ الْمَلَائِكَةِ هَذَا مُقْتَضَى اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ فَالْعُدُولُ عَنْ مُوجِبِ الْقَوْلِ الْعَامِّ إلَى الْخُصُوصِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَصْلُحُ لَهُ وَهُوَ مَعْدُومٌ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَالَ: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ وَالِاسْتِغْرَاقَ لَكَانَ تَوْكِيدُهُ بِصِيغَةِ كُلٍّ مُوجِبَةً لِذَلِكَ وَمُقْتَضِيَةً لَهُ ثُمَّ لَوْ لَمْ يُفِدْ تِلْكَ الْإِفَادَةَ لَكَانَ قَوْلُهُ أَجْمَعُونَ تَوْكِيدًا وَتَحْقِيقًا بَعْدَ تَوْكِيدٍ وَتَحْقِيقٍ وَمَنْ نَازَعَ فِي مُوجِبِ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُنَازِعُ فِيهَا بَعْدَ تَوْكِيدِهَا بِمَا يُفِيدُ الْعُمُومَ بَلْ إنَّمَا يُجَاءُ بِصِيغَةِ التَّوْكِيدِ قَطْعًا لِاحْتِمَالِ الْخُصُوصِ وَأَشْبَاهِهِ. وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ السَّلَف أَنَّهُ قَالَ:
مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً إلَّا فِي الْقُرْآنِ مَا يَرُدُّهَا وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ: {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} جِيءَ بِهِ لِزَعْمِ زَاعِمٍ يَقُولُ: إنَّمَا سَجَدَ لَهُ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لَا كُلُّهُمْ وَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ رَدًّا لِمَقَالَةِ هَؤُلَاءِ. وَمَنْ اخْتَلَجَ فِي سِرِّهِ وَجْهَ الْخُصُوصِ بَعْدَ هَذَا التَّحْقِيقِ وَالتَّوْكِيدِ فَلْيَعُزْ نَفْسَهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْقُرْآنِ وَالْفَهْمِ فَإِنَّهُ لَا يَثِقُ بِشَيْءِ يُؤْخَذُ مِنْهُ يَا لَيْتَ شِعْرِي لَوْ كَانَتْ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ سَجَدُوا وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُخْبِرَنَا بِذَلِكَ فَأَيُّ كَلِمَةٍ أَتَمُّ وَأَعَمُّ أَمْ يَأْتِي قَوْلٌ يُقَالُ: أَلَيْسَ هَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْبَيَانِ؟.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَكَرَّرَتْ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ {وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ} وَكَذَلِكَ فِي مُحَاجَّةِ مُوسَى وَآدَمَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقَوْلَ الْعَامَّ إذَا قُرِنَ بِهِ الْخَاصُّ وَجَبَ أَنْ يُقْرَنَ بِهِ الْبَيَانُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ السَّامِعُ فِي اعْتِقَادِ الْجَهْلِ؛ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِشَيْءِ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ دَلِيلُ تَخْصِيصٍ فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِالْعُمُومِ. وَقَالَ آخَرُونَ - وَهُوَ الْأَصْوَبُ -: يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ لَكِنْ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ وَإِذَا كَانَتْ الْقِصَّةُ قَدْ تَكَرَّرَتْ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِ فَلَيْسَ دَعْوَى الْخُصُوصِ فِيهَا مِنْ الْبُهْتَانِ. وَأَمَّا إنْكَارُهُمْ لِسُجُودِ الكروبيين فَلَيْسَ بِشَيْءِ لِأَنَّهُمْ سَجَدُوا طَاعَةً وَعِبَادَةً لِرَبِّهِمْ وَزَادَ قَائِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ آدَمَ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْجُدُوا وَالْحِكَايَاتُ الْمُرْسَلَةُ لَا تُقِيمُ حَقًّا وَلَا تَهْدِمُ بَاطِلًا؛ وَتَفْسِيرُهُمْ {الْعَالِينَ} بالكروبيين قَوْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِلَا عِلْمٍ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ عَنْ إمَامٍ مُتَّبَعٍ. وَلَا فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ: {أَسْتَكْبَرْتَ} أَطَلَبْت أَنْ تَكُونَ كَبِيرًا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ؟ أَمْ كُنْت عَالِيًا قَبْلَ ذَلِكَ؟ وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّهِ بِآرَائِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِتَفْسِيرِهِ. وَهَاهُنَا (سُؤَالٌ ثَالِثٌ وَهُوَ: أَنَّ السُّجُودَ لَهُ قَدْ يَكُونُ السَّاجِدُونَ سَجَدُوا لَهُ مَعَ فَضْلِهِمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْفَاضِلَ قَدْ يَخْدُمُ الْمَفْضُولَ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى غَيْرُ مُسْتَنْكَرَةٍ؛ فَإِنَّ سَيِّدَ الْقَوْمِ خَادِمُهُمْ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ النَّاسِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ لَكِنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَعُودُ إلَيْهِ ثَوَابُهَا وَتَمَامُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ يَحْصُلُ بِنَفْعِ خَلْقِهِ فَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يُورَدَ عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِتَدْبِيرِهِمْ لَنَا فَفَضَّلَهُمْ عَلَيْنَا لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِمْ لَنَا وَأَمَّا نَفْسُ السُّجُودِ فَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلسُّجُودِ لَهُ إلَّا مُجَرَّدَ تَعْظِيمٍ وَتَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ وَلَا يَصْلُحُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ أَسْفَلَ مِمَّنْ دُونَهُ وَتَحْتَهُ فِي الشَّرَفِ وَالْمُحَقَّقُ؛ لَا الْمُتَوَهَّمُ؛ فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّ تَحْتَهُ سِرًّا.
__________

Q (1) هكذا بالأصل


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-01-2022, 03:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (54)

من صــ 113 الى صـ
ـ 118



الدَّلِيلُ الثَّانِي: قَوْلُهُ قَصَصًا عَنْ إبْلِيسَ: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}؟. فَإِنَّ هَذَا نَصٌّ فِي تَكْرِيمِ آدَمَ عَلَى إبْلِيسَ إذْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ لَهُ. الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَلَائِكَةُ لَمْ يَخْلُقْهُمْ بِيَدِهِ بَلْ بِكَلِمَتِهِ وَهَذَا يَقُولُهُ جَمِيعُ مَنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ سُنِّيُّهُمْ وَمُبْتَدِعُهُمْ - بَلْ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ فَإِنَّ النَّاسَ فِي يَدَيْ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: -
أَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ: يَدَا اللَّهِ صِفَتَانِ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ حُكْمُهَا حُكْمُ جَمِيعِ صِفَاتِهِ:

مِنْ حَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكَلَامِهِ. فَيُثْبِتُونَ جَمِيعَ صِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهَا أَنْبِيَاؤُهُ وَإِنْ شَارَكَتْ أَسْمَاءُ صِفَاتِهِ أَسْمَاءَ صِفَاتِ غَيْرِهِ. كَمَا أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً قَدْ يُسَمَّى بِهَا غَيْرُهُ مِثْلُ: رَءُوفٌ رَحِيمٌ عَلِيمٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَلِيمٌ صَبُورٌ شَكُورٌ قَدِيرٌ مُؤْمِنٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ كَبِيرٌ مَعَ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالتَّنْزِيهِ وَنِسْبَةُ صِفَاتِهِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ خَلْقِهِ إلَيْهِ وَالنِّسْبَةُ وَالْإِضَافَةُ تُشَابِهُ النِّسْبَةَ وَالْإِضَافَةَ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ جَاءَ الِاشْتِرَاكُ فِي أَسْمَائِهِ وَأَسْمَاءِ صِفَاتِهِ كَمَا شُبِّهَتْ الرُّؤْيَةُ بِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ تَشْبِيهًا لِلرُّؤْيَةِ لَا لِلْمَرْئِيِّ كَمَا ضَرَبَ مَثَلَهُ مَعَ عِبَادِهِ الْمَمْلُوكِينَ كَمَثَلِ بَعْضِ خَلْقِهِ مَعَ مَمْلُوكِيهِمْ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ مِجْلَاةُ شُبْهَةٍ وَمِصْفَاةُ كَدَرٍ فَجَمِيعُ مَا نَسْمَعُهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَيُضَافُ: مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ:
هُوَ كَمَا يَلِيقُ بِاللَّهِ وَيَصْلُحُ لِذَاتِهِ. وَالْفَرِيقَانِ الْآخَرَانِ - أَهْلُ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ -: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَدٌ كَيَدِي - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ - وَأَهْلُ النَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ يَقُولُونَ: الْيَدَانِ هُمَا: النِّعْمَتَانِ وَالْقُدْرَتَانِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا. وَبِكُلِّ حَالٍ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ لِآدَمَ فَضِيلَةً وَمَزِيَّةً لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ إذْ خَلَقَهُ بِيَدِهِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنَّ ذَلِكَ مَعْدُودٌ فِي النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى آدَمَ حِينَ قَالَ لَهُ مُوسَى: " خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ ". وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَهُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فِي النِّعَمِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ دُونَ الَّذِي شُورِكَ فِيهَا فَهَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ كَمَا ذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: " {لَا أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْت بِيَدَيَّ كَمَنْ قُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ} ".
(الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى تَفْضِيلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِقَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وَاسْمُ {الْعَالَمِينَ} يَتَنَاوَلُ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ نَظَرٌ؟ لِأَنَّ أَصْنَافَ الْعَالَمِينَ قَدْ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ أَصْنَافِ الْخَلْقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْآدَمِيُّونَ فَقَطْ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} وَهُمْ كَانُوا لَا يَأْتُونَ الْبَهَائِمَ وَلَا الْجِنَّ. وَقَدْ يُرَادُ بِالْعَالَمِينَ أَهْلُ زَمَنٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}. فَقَوْلُهُ: {إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} الْآيَةَ. تَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بَنُو آدَمَ فَقَطْ.
وَلِلْمُحْتَجِّ بِهَا أَنْ يَقُولَ: اسْمُ الْعَالَمِينَ عَامٌّ لِجَمِيعِ أَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ اللَّهُ وَهِيَ آيَاتٌ لَهُ وَدَلَالَاتٌ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا أُولُو الْعِلْمِ مِنْهُمْ مِثْلُ: الْمَلَائِكَةُ فَيَجِبُ إجْرَاءُ الِاسْمِ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ يُوجِبُ الْخُصُوصَ. وَقَدْ احْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الْآيَةَ. وَهُوَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ بَلْ هُوَ بِالضِّدِّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. (الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: {إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِ الْخَلِيفَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
" أَوَّلُهُمَا " أَنَّ الْخَلِيفَةَ يُفَضَّلُ عَلَى مَنْ هُوَ خَلِيفَةٌ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ وَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يُفَضَّلَ عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. " وَثَانِيهُمَا ": أَنَّ الْمَلَائِكَةَ طَلَبَتْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ الِاسْتِخْلَافُ فِيهِمْ وَالْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ حَيْثُ قَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} الْآيَةَ. فَلَوْلَا أَنَّ الْخِلَافَةَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ أَعْلَى مِنْ دَرَجَاتِهِمْ لَمَّا طَلَبُوهَا وَغَبَطُوا صَاحِبَهَا.
الدَّلِيلُ السَّابِعُ (1): تَفْضِيلُ بَنِي آدَمَ عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ حِينَ سَأَلَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِلْمِ الْأَسْمَاءِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ؛ وَاعْتَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَهَا فَأَنْبَأَهُمْ آدَمَ بِذَلِكَ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
وَالدَّلِيلُ الثَّامِنُ (2): وَهُوَ أَوَّلُ الْأَحَادِيثِ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {لَزَوَالُ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ وَالْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ عِنْدَهُ} ".
وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ {أَبِي هُرَيْرَةَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ كَلَامًا قَالَ فِي آخِرِهِ: اُدْنُوا وَوَسِّعُوا لِمَنْ خَلْفَكُمْ فَدَنَا النَّاسُ وَانْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنُوَسِّعُ لِلْمَلَائِكَةِ أَوْ لِلنَّاسِ؟ قَالَ: لِلْمَلَائِكَةِ إنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَعَكُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيكُمْ وَلَا مِنْ خَلْفِكُمْ وَلَكِنْ عَنْ أَيْمَانِكُمْ وَشَمَائِلِكُمْ. قَالُوا: وَلَمْ لَا يَكُونُونَ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا؟ أَمِنْ فَضْلِنَا عَلَيْهِمْ أَوْ مَنْ فَضْلِهِمْ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ. أَنْتُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ} ".

رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَفِيهِ الْقَطْعُ بِفَضْلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ لَكِنْ لَا يُعْرَفُ حَالُ إسْنَادِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ إسْنَادِهِ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي " كِتَابِ السُّنَّةِ " عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رويم قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَنْصَارِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا: رَبَّنَا خَلَقْتنَا وَخَلَقْت بَنِي آدَمَ فَجَعَلْتهمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَلْبَسُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ وَيَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ وَيَنَامُونَ وَيَسْتَرِيحُونَ وَلَمْ تَجْعَلْ لَنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَاجْعَلْ لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةَ}. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ مَوْقُوفًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ.

وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ زِيدَ فِي عِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَوَرَعِهِ حَتَّى إنْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لَيَدَعُ مَجَالِسَ قَوْمِهِ وَيَأْتِيَ مَجْلِسَهُ فَلَامَهُ الزُّهْرِيُّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّمَا يَجْلِسُ حَيْثُ يَنْتَفِعُ؛ أَوْ قَالَ يَجِدُ صَلَاحَ قَلْبِهِ. وَقَدْ كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ نَحْوُ أَرْبَعُمِائَةِ طَالِبٍ لِلْعِلْمِ أَدْنَى خَصْلَةٍ فِيهِمْ الْبَاذِلُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الدُّنْيَا وَلَا يَسْتَأْثِرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يَقُولُ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ إلَّا عَنْ. . . (3) بَيِّنٍ وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمُ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِهِ. وَأَقَلُّ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ السَّلَف الْأَوَّلِينَ كَانُوا يَتَنَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ: أَنَّ صَالِحِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ وَلَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إنَّمَا ظَهَرَ الْخِلَافُ بَعْدَ تَشَتُّتِ الْأَهْوَاءِ بِأَهْلِهَا وَتَفَرُّقِ الْآرَاءِ فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ كَالْمُسْتَقِرِّ عِنْدَهُمْ.
الدَّلِيلُ الْحَادِي عَشَرَ (4): أَحَادِيثُ الْمُبَاهَاةِ مِثْلُ: {إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَعَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَيُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ بِالْحَاجِّ وَكَذَلِكَ يُبَاهِي بِهِمْ الْمُصَلِّينَ يَقُولُ: اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى} وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَالْمُبَاهَاةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْأَفَاضِلِ. فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْأَخْبَارُ رَوَاهَا آحَادٌ غَيْرُ مَشْهُورِينَ وَلَا هِيَ بِتِلْكَ الشُّهْرَةِ فَلَا تُوجِبُ عِلْمًا وَالْمَسْأَلَةُ عِلْمِيَّةٌ. قُلْنَا: " أَوَّلًا " مَنْ قَالَ إنَّ الْمُطْلَقَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الْيَقِينُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَقِيضُهُ؟ بَلْ يَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ الْغَالِبُ وَهُوَ حَاصِلٌ. ثُمَّ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:
عِلْمِيَّةٌ؟ أَتُرِيدُ أَنَّهُ لَا عِلْمَ؟ فَهَذَا مُسْلِمٌ. وَلَكِنْ كُلُّ عَقْلٍ رَاجِحٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ فَإِنَّهُ عِلْمٌ وَإِنْ كَانَ فِرْقَةٌ مِنْ النَّاسِ لَا يُسَمَّوْنَ عِلْمًا إلَّا مَا كَانَ يَقِينًا لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَاضَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} وَقَدْ اسْتَوْفَى الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنْ أُرِيدَ عِلْمِيَّةٌ: لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الِاسْتِيقَانُ؛ فَهَذَا لَغْوٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَوَجَبَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ فِي كُلِّ أَمْرٍ غَيْرِ عِلْمِيٍّ إلَّا بِالْيَقِينِ وَهُوَ تَهَافُتٌ بَيِّنٌ.
__________

Q (1، 2) هكذا بالأصل
Q (1) بياض بالأصل
قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42):
يظهر أن العبارة (إلا عن علم بين) أو نحوها.
Q (4) هكذا بالأصل

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-01-2022, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (55)

من صــ 119 الى صـ
ـ 125


ثم نقول: هي بمجموعها وانضمام بعضها إلى بعض ومجيئها من طرق متباينة قد توجب اليقين لأولي الخبرة بعلم الإسناد وذوي البصيرة بمعرفة الحديث ورجاله فإن هذا علم اختصوا به كما اختص كل قوم بعلم؛ وليس من لوازم حصول العلم لهم حصوله لغيرهم إلا أن يعلموا ما علموا مما به يميزون بين صحيح الحديث وضعيفه.
والعلوم على اختلاف أصنافها وتباين صفاتها لا توجب اشتراك العقلاء فيها لا سيما السمعيات الخبريات وإن زعم فرقة من أولي الجدل أن الضروريات يجب الاشتراك فيها فإن هذا حق في بعض الضروريات؛ لا في جميعها مع تجويزنا عدم الاشتراك في شيء من الضروريات لكن جرت سنة الاشتراك بوقوع الاشتراك في بعضها فغلط أقوام فجعلوا وجوب الاشتراك في جميعها فجحدوا كثيرا من العلم الذي اختص به غيرهم.
ثم نقول: لو فرضنا أنها لا تفيد العلم وإنما تفيد ظنا غالبا؛ أو أن المطلوب هو الاستيقان؛ فنقول: المطلوب حاصل بغير هذه الأحاديث وإنما هي مؤكدة مؤيدة لتجتمع أجناس الأدلة على هذه المقالة.
الدليل الثاني عشر (1): قد كان السلف يحدثون الأحاديث المتضمنة فضل صالحي البشر على الملائكة وتروى على رءوس الناس ولو كان هذا منكرا لأنكروه فدل على اعتقادهم ذلك. وهذا إن لم يفد اليقين القاطع فإن بعض الظن لم يقصر عن القوي الغالب وربما اختلف ذلك باختلاف الناس واختلاف أحوالهم.
الدليل الثالث عشر (2): وهو البحث الكاشف عن حقيقة المسألة - وهو أن نقول: التفضيل إذا وقع بين شيئين فلا بد من معرفة الفضيلة ما هي؟ ثم ينظر أيهما أولى بها؟.
وأيضا فإنا إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهايتهم وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ونالوا الزلفى وسكنوا الدرجات العلى وحياهم الرحمن وخصهم بمزيد قربه وتجلى لهم؛ يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم. فلينظر الباحث في هذا الأمر فإن أكثر الغالطين لما نظروا في الصنفين رأوا الملائكة بعين التمام والكمال ونظروا الآدمي وهو في هذه الحياة الخسيسة الكدرة التي لا تزن عند الله جناح بعوضة وليس هذا بالإنصاف. فأقول: فضل أحد الذاتين على الأخرى إنما هو بقربها من الله تعالى ومن مزيد اصطفائه وفضل اجتبائه لنا وإن كنا نحن لا ندرك حقيقة ذلك. هذا على سبيل الإجمال وعلى حسب الأمور التي هي في نفسها خبر محض وكمال صرف مثل الحياة والعلم والقدرة والزكاة والطهارة والطيب والبراءة من النقائص والعيوب فنتكلم على الفضلين: (أما الأول: فإن جنة عدن خلقها الله تعالى وغرسها بيده ولم يطلع على ما فيها ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا وقال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون.
جاء ذلك في أحاديث عديدة وأنه ينظر إليها في كل سحر وهي داره فهذه كرامة الله تعالى لعباده المؤمنين التي لم يطلع عليها أحد من الملائكة ومعلوم أن الأعلين مطلعون على الأسفلين من غير عكس ولا يقال: هذا في حق المرسلين فإنها إنما بنيت لهم لكن لم يبلغوا بعد إبان سكناها وإنما هي معدة لهم؛ فإنهم ذاهبون إلى كمال ومنتقلون إلى علو وارتفاع وهو جزاؤهم وثوابهم. وأما الملائكة فإن حالهم اليوم شبيهة بحالهم بعد ذلك فإن ثوابهم متصل وليست الجنة مخلوقة (3)
وتصديق هذا قوله تعالى {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}. فحقيقة ما أعده الله لأوليائه غيب عن الملائكة وقد غيب عنهم أولا حال آدم في النشأة الأولى وغيرها. وفضل عباد الله الصالحين يبين فضل الواحد من نوعهم؛ فالواحد من نوعهم إذا ثبت فضلهم على جميع الأعيان والأشخاص ثبت فضل نوعهم على جميع الأنواع إذ من الممتنع ارتفاع شخص من أشخاص النوع المفضول إلى أن يفوق جميع الأشخاص والأنواع الفاضلة فإن هذا تبديل الحقائق وقلب الأعيان عن صفاتها النفسية؛ لكن ربما فاق بعض أشخاص النوع الفاضل مع امتياز ذلك عليه بفضل نوعه وحقيقته كما أن في بعض الخيل ما هو خير من بعض الخيل ولا يكون خيرا من جميع الخيل. إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون: أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه ربه على العرش معه. روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد؛ في تفسير:
{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة قال ابن جرير: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه لا يقول إن إجلاسه على العرش منكرا (4) - وإنما أنكره بعض الجهمية ولا ذكره في تفسير الآية منكر -. وإذا ثبت فضل فاضلنا على فاضلهم ثبت فضل النوع على النوع أعني صالحنا عليهم.
" وأما الذوات " فإن ذات آدم خلقها الله بيده وخلقها الله على صورته ونفخ فيه من روحه ولم يثبت هذا لشيء من الذوات وهذا بحر يغرق فيه السابح لا يخوضه إلا كل مؤيد بنور الهداية وإلا وقع إما في تمثيل أو في تعطيل. فليكن ذو اللب على بصيرة أن وراء علمه مرماة بعيدة وفوق كل ذي علم عليم. وليوقن كل الإيقان بأن ما جاءت به الآثار النبوية حق ظاهرا وباطنا وإن قصر عنه عقله ولم يبلغه علمه
{فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} فلا تلجن باب إنكار ورود إمساك وإغماض - ردا لظاهره وتعجبا من باطنه - حفظا لقواعدك التي كتبتها بقواك وضبطتها بأصولك التي عقلتك عن جناب مولاك. إياك مما يخالف المتقدمين من التنزيه وتوق التمثيل والتشبيه ولعمري إن هذا هو الصراط المستقيم؛ الذي هو أحد من السيف؛ وأدق من الشعر ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
وأما الصفات التي تتفاضل فمن ذلك الحياة السرمدية والبقاء الأبدي في الدار الآخرة وليس للملك أكثر من هذا؛ وإن كانت حياتنا هذه منغوصة بالموت فقد أسلفت أن التفضيل إنما يقع بعد كمال الحقيقتين حتى لا يبقى إلا البقاء وغير ذلك من العلم الذي امتازت به الملائكة.
فنقول: غير منكر اختصاص كل قبيل من العلم بما ليس للآخر فإن الوحي للرسل على أنحاء كما قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} فبين أن الكلام للبشر على ثلاثة أوجه: منها واحد يكون بتوسط الملك. ووجهان آخران ليس للملك فيهما وحي وأين الملك من ليلة المعراج ويوم الطور وتعليم الأسماء وأضعاف ذلك؟.
ولو ثبت أن علم البشر في الدنيا لا يكون إلا على أيدي الملائكة - وهو والله باطل - فكيف يصنعون بيوم القيامة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " {فيفتح الله علي من محامده والثناء عليه بأشياء يلهمنيها لم يفتحها على أحد قبلي} ". وإذا تبين هذا: أن العلم مقسوم من الله؛ وليس كما زعم هذا الغبي بأنه لا يكون إلا بأيدي الملائكة على الإطلاق وهو قول بلا علم بل الذي يدل عليه القرآن أن الله تعالى اختص آدم بعلم لم يكن عند الملائكة وهو علم الأسماء الذي هو أشرف العلوم وحكم بفضله عليهم لمزيد العلم فأين العدول عن هذا الموضع إلى بنيات الطريق؟ ومنها القدرة. وزعم بعضهم أن الملك أقوى وأقدر وذكر قصة جبرائيل بأنه شديد القوى وأنه حمل قرية قوم لوط على ريشة من جناحه فقد آتى الله بعض عباده أعظم من ذلك فأغرق جميع أهل الأرض بدعوة نوح وقال النبي صلى الله عليه وسلم " {إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره} " {ورب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره} وهذا عام في كل الأشياء وجاء تفسير ذلك في آثار: إن من عباد الله من لو أقسم على الله أن يزيل جبلا أو الجبال عن أماكنها لأزالها وأن لا يقيم القيامة لما أقامها وهذا مبالغة. ولا يقال:
إن ذلك يفضل بقوة خلقت فيه وهذا بدعوة يدعوها لأنهما في الحقيقة يؤولان إلى واحد هو مقصود القدرة ومطلوب القوة وما من أجله يفضل القوي على الضعيف. ثم هب أن هذا في الدنيا فكيف تصنعون في الآخرة؟ وقد جاء في الأثر: " {يا عبدي أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون يا عبدي أنا الحي الذي لا يموت أطعني أجعلك حيا لا تموت} " وفي أثر: " {إن المؤمن تأتيه التحف من الله: من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت} " فهذه غاية ليس وراءها مرمى كيف لا وهو بالله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي؟ فلا يقوم لقوته قوة. وأما الطهارة والنزاهة والتقديس والبراءة عن النقائص والمعائب والطاعة التامة الخاصة لله التي ليس معها معصية ولا سهو ولا غفلة وإنما أفعالهم وأقوالهم على وفق الأمر فقد قال قائل من أين للبشر هذه الصفات؟ وهذه الصفات على الحقيقة هي أسباب الفضل كما قيل: لا أعدل بالسلامة شيئا. فالجواب من وجوه:
أحدها: إنا إذا نظرنا إلى هذه الأحوال في الآخرة كانت في الآخرة للمؤمنين على أكمل حال وأتم وجه وقد قدمنا أن الكلام ليس في تفضيلهم في هذه الحياة فقط بل عند الكمال والتمام والاستقرار في دار الحيوان وفيه وجه قاطع لكل ما كان من جنس هذا الكلام فأين هم من أقوام تكون وجوههم مثل القمر ومثل الشمس لا يبولون ولا يتمخطون ولا يبصقون ما فيهم ذرة من العيب ولا من النقص
__________

Q (1) هكذا بالأصل
Q (2) هكذا بالأصل
Q (3) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42):
يظهر أن العبارة: (وليست الجنة مخلوقة لهم).
Q (4) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42):
الصواب: منكر



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 24-01-2022, 04:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (56)

من صــ 126 الى صـ
ـ 132


الوجه الثاني: إن هذا بعينه هو الدليل على فضل الآدمي والملائكة مخلوقون على طريقة واحدة وصفة لازمة لا سبيل إلى انفكاكهم عنها والبشر بخلاف ذلك.
(الوجه الثالث: أن ما يقع من صالحي البشر من الزلات والهفوات ترفع لهم به الدرجات وتبدل لهم السيئات حسنات فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ومنهم من يعمل سيئة تكون سبب دخول الجنة ولو لم يكن - العفو أحب إليه لما ابتلي بالذنب أكرم الخلق عليه وكذلك فرحه بتوبة عبيده وضحكه من علم العبد أنه لا يغفر الذنوب إلا الله فافهم هذا فإنه من أسرار الربوبية وبه ينكشف سبب مواقعة المقربين الذنوب.
(الوجه الرابع: ما روي:" أن الملائكة لما استعظمت خطايا بني آدم ألقى الله تعالى على بعضهم الشهوة فواقعوا الخطيئة " وهو احتجاج من الله تعالى على الملائكة، وأما العبادة فقد قالوا إن الملائكة دائمو العبادة والتسبيح ومنهم قيام لا يقعدون وقعود لا يقومون وركوع لا يسجدون وسجود لا يركعون {يسبحون الليل والنهار لا يفترون}.
والجواب: أن الفضل بنفس العمل وجودته لا بقدره وكثرته كما قال تعالى: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} وقال: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا} ورب تسبيحة من إنسان أفضل من ملء الأرض من عمل غيره وكان إدريس يرفع له في اليوم مثل عمل جميع أهل الأرض؛ وإن الرجلين ليكونان في الصف وأجر ما بين صلاتهما كما بين السماء والأرض.
وقد روي:" {أن أنين المذنبين أحب إلي من زجل المسبحين} ". وقد قالوا: إن علماء الآدميين مع وجود المنافي والمضاد أحسن وأفضل. ثم هم في الحياة الدنيا وفي الآخرة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس؛ وأما النفع المتعدي والنفع للخلق وتدبير العالم فقد قالوا هم تجري أرزاق العباد على أيديهم وينزلون بالعلوم والوحي ويحفظون ويمسكون وغير ذلك من أفعال الملائكة. والجواب:
أن صالح البشر لهم مثل ذلك وأكثر منه ويكفيك من ذلك شفاعة الشافع المشفع في المذنبين وشفاعته في البشر كي يحاسبوا وشفاعته في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة. ثم بعد ذلك تقع شفاعة الملائكة وأين هم من قوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}؟ وأين هم عن الذين: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}؟ وأين هم ممن يدعون إلى الهدى ودين الحق؛ ومن سن سنة حسنة؟ وأين هم من قوله صلى الله عليه وسلم " {إن من أمتي من يشفع في أكثر من ربيعة ومضر} "؟ وأين هم من الأقطاب والأوتاد والأغواث؛ والأبدال والنجباء؟ (1).
فهذا - هداك الله - وجه التفضيل بالأسباب المعلومة؛ ذكرنا منه أنموذجا نهجنا به السبيل وفتحنا به الباب إلى درك فضائل الصالحين من تدبر ذلك وأوتي منه حظا رأى وراء ذلك ما لا يحصيه إلا الله وإنما عدل عن ذلك قوم لم يكن لهم من القول والعلم إلا ظاهره ولا من الحقائق إلا رسومها؛ فوقعوا في بدع وشبهات وتاهوا في مواقف ومجازات وها نحن نذكر ما احتجوا به.
(الحجة الأولى: قوله تعالى {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون} والذي يريد إثبات ذل الأعاظم وانقياد الأكابر: إنما يبدأ بالأدنى فالأدنى مترقيا إلى الأعلى فالأعلى ليرقى المخاطب في فهم عظمة من انقيد له وأطيع درجة درجة؛ وإلا فلو فوجئ بانقياد الأعظم ابتداء: لما حصل تبين مراتب العظمة؛ ولو وقع ذكر الأدنى بعد ذلك ضائعا؛ بل يكون رجوعا ونقصا. ولهذا جرت فطرة الخلق أن يقال: فلان لا يأتيني وفلان يأتيني أي كيف يستنكف عن الإتيان إلي؟ وفلان أكرم منه وأعظم وهو يأتيني ولا يقال لا يأبى فلان أن يكرمك ولا من هو فوقه.
فالانتقال من المسيح إلى الملائكة دليل على فضلهم؛ كيف وقد نعتوا بالقرب الذي هو عين الفضائل و " الجواب ": زعم القاضي أن هذا ليس من عطف الأعلى على الأدنى؛ وإنما هو عطف ساذج. قال: وذلك أن قوما عبدوا المسيح وزعموا أنه ابن الله سبحانه وقوما عبدوا الملائكة وزعموا أنها بنات الله كما حكى الله تعالى عن الفريقين فبين الله تعالى في هذه: أن هؤلاء الذين عبدتموهم من دوني هم عبادي لن يستنكفوا عن عبادتي وأنهما لو استنكفا عن عبادتي لعذبتهما عذابا أليما والمسيح هو الظاهر وهو من نوع البشر وهذا الكلام فيه نظر. والله أعلم بحقيقته.
ثم نقول: إن كان هذا هو المراد فلا كلام وإن أريد أن الانتقال من الأدنى إلى الأعلى: فاعلم - نور الله قلبك وشرح صدرك للإسلام - أن للملائكة خصائص ليست للبشر؛ لا سيما في الدنيا. هذا ما لا يستريب فيه لبيب أنهم اليوم على مكان وأقرب إلى الله وأظهر جسوما وأعظم خلقا وأجمل صورا وأطول أعمارا وأيمن آثارا إلى غير ذلك من الخصال الحميدة مما نعلمه ومما لا نعلمه. وللبشر أيضا خصائص ومزايا؛ لكن الكلام في مجموع كل واحدة من المزيتين أيهما أفضل: هذا طريق ممهد لهذه الآية وما بعدها.
وهو وراء ذلك؛ فحيث جرى ما يوجب تفضيل الملك فلما تميزوا به واختصوا به من الأمور التي لا تنبغي لمن دونهم فيها أن يتفضل عليهم فيما هو من أسبابها. وذلك أن المسيح لو فرض استنكافه عن عبادة الله: فإنما هو لما أيده الله من الآيات كما أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى وغير ذلك؛ ولأنه خرج في خلقه عن بني آدم وفي عزوفه عن الدنيا وما فيها: أعطي الزهد؛ وما من صفة من هذه الصفات إلا والملائكة أظهر منه فيها فإنهم كلهم خلقوا من غير أبوين ومن غير أم؛ وقد كان فرس جبريل يحيى به التراب الذي يمر عليه؛ وعلم ما يدخر العباد في بيوتهم على الملائكة سهل.
وفي حديث {أبرص وأقرع وأعمى: أن الملك مسح عليهم فبرءوا} " فهذه الأمور التي من أجلها عبد المسيح وجعل ابن الله عز وجل للملائكة منها أوفر نصيب وأعلى منها وأعظم مما للمسيح وهم لا يستنكفون عن عبادته فهو أحق خلق أن لا يستنكف؛ وأما القرب من الله والزلفى لديه فأمور وراء هذه الآيات.
وأيضا فأقصى ما فيها تفضيلهم على المسيح؛ إذ هو في هذه الحياة الدنيا؛ وأما إذا استقر في الآخرة وكان ما كان مما لست أذكر: فمن أين يقال إنهم هناك أفضل منه؟.
(الحجة الثانية: قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك} ومثله في هود فالاحتجاج في هذا من وجوه: - أحدها: أنه قرن استقرار خزائنه وعلم الغيب بنفي القول بأنه ملك وسلبها عن نفسه في نسق واحد فإذا كان حال من يعلم الغيب ويقدر على الخزائن أفضل من حال من لا يكون كذلك: وجب أن يكون حال الملك أفضل من حال من ليس بملك وإن كان نبينا كما في الآية. وثانيها: أنه إنما نفى عن نفسه حالا أعظم من حاله الثابتة ولم ينف حالا دون حاله؛ لأن من اتصف بالأعلى فهو على ما دونه أقدر؛ فدل على أن حال الملك أفضل من حاله أن يكون ملكا وهو المطلوب.
وثالثها: ما ذكر القاضي أنه لولا ما استقر في نفوس المخاطبين من أن الملك أعظم؛ لما حسن مواجهتهم بسلب شيء هو دون مرتبته وهذا الاعتقاد الذي كان في نفوس المخاطبين: أمر قرروا عليه ولم ينكره عليهم فثبت أنه حق. والجواب من وجوه: (أحدها: أنه نفى أن يكون عالما بالغيب وعنده خزائن الله ونفى أن يكون ملكا لا يأكل ولا يشرب ولا يتمتع؛ وإذا نفى ذلك عن نفسه: لم يجب أن يكون الملك أفضل منه ألا ترى أنه لو قال: ولا أنا كاتب ولا أنا قارئ لم يدل على أن الكاتب والقارئ أفضل ممن ليس بكاتب ولا قارئ فلم يكن في الآية حجة.
وأيضا ما قال القاضي إنهم طلبوا صفات الألوهية وهي العلم والقدرة والغنى: وهي: أن يكون عالما بكل شيء قديرا على كل شيء غنيا عن كل شيء - فسلب عن نفسه صفات الألوهية ولهذا قالوا: {مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} وقال تعالى: محتجا عنه: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} فكأنهم أرادوا منه صفة الملائكة أن يكون متلبسا بها فإن الملائكة صمد لا يأكلون ولا يشربون والبشر لهم أجواف يأكلون ويشربون؛ فكان الأمر إلى هذه الصفة وهذا بين إن شاء الله.
(وثانيها: أن الآخر أكمل في أمر من الأمور فنفى عن نفسه حال الملك في ذلك ولم يلزم أن يكون له فضيلة يمتاز بها وقد تقدم مثل هذا فيما ذكر من حال الملك وعظمته وأنه ليس للبشر من نوعه مثله؛ ولكن لم لا قلت من غير نوعه للبشر ما هو أفضل منه؟. ولهذا إذا سئل الإنسان عما يعجز عنه: قد يقول لست بملك وإن كان المؤمن أفضل من حال الجن والملك من الملوك. (وثالثها أن أقصى ما فيه تفضيل الملك في تلك الحال ولو سلم ذلك لم ينف أن يكون فيما بعد أفضل من الملك؛ ولهذا تزيد قدرته وعلمه وغناه في الآخرة وهذا كما لو قال الصبي:

لا أقول إني شيخ ولا أقول إني عالم ومن الممكن ترقيه إلى ذلك وأكمل منه. (الحجة الثالثة: قول إبليس لآدم وحواء: {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} تقديره كراهة أن تكونا أو لئلا تكونا؛ فلولا أن كونهما ملكين حالة هي أكمل من كونهما بشرين: لما أغراهما بها ولما ظنا أنها هي الحالة العليا؛ ولهذا قرنها بالخلود والخالد أفضل من الفاني والملك أطول حياة من الآدمي فيكون أعظم عبادة وأفضل من الآدمي.
__________
Q (1) هكذا بالأصل



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 24-01-2022, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (57)

من صــ 133 الى صـ
ـ 139



والجواب من وجوه:

أحدها: ما ذكره القاضي أن قوله: {إلا أن تكونا ملكين} ظن أن الملائكة خير منهما كما ظن أنه خير من آدم وكان مخطئا. وقوله: {أو تكونا من الخالدين} ظنا منه أنهما يؤثران الخلود؛ لما في ذلك من السلامة من الأمراض والأسقام والأوجاع والآفات والموت؛ لأن الخالد في الجنة هذه حاله ولم يخرج هذا مخرج التفضيل على الأنبياء ألا ترى أن الحور والولدان المخلوقين في الجنة خالدون فيها وليسوا بأفضل من الأنبياء؟ وثانيها أن الملك أفضل من بعض الوجوه وكذلك الخلود آثر عندهما فمالا إليه.
وثالثها: أن حالهما تلك كانت حال ابتداء لا حال انتهاء فإنهما في الانتهاء قد صارا إلى الخلود الذي لا حظر فيه ولا معه ولا يعقبه زوال وكذلك يصيران في الانتهاء إلى حال هي أفضل وأكمل من حال الملك الذي أراداها أولا وهذا بين.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} فبدأ بهم والابتداء إنما يكون بالأفضل والأشرف فالأفضل والأشرف كما بدأ بذلك في قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فبدأ بالأكمل والأفضل.
والجواب: أن الابتداء قد يكون كثيرا بغير الأفضل بل يبتدأ بالشيء لأسباب متعددة كما في قوله تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم} ولم يدل ذلك على أن نوحا أفضل من إبراهيم والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل؛ وكذلك قوله: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} لا يدل على أن المسلم أفضل من المؤمن؛ فلعله - والله أعلم - إنما بدأ بهم لأن الملائكة أسبق خلقا ورسالة؛ فإنهم أرسلوا إلى الجن والإنس؛ فذكر الأول فالأول: في الخلق والرسالة: على ترتيبهم في الوجود. وقد قال تعالى: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} والذكور أفضل من الإناث.
وقال: {والتين والزيتون} {والشمس وضحاها} الآيات. و {فيهما فاكهة ونخل ورمان} إلى غير ذلك ولم يدل التقديم في شيء من هذه المواضع على فضل المبدوء به فعلم أن التقديم ليس لازما للفضل.
(الحجة الخامسة: قوله تعالى {فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} فدل على أن الملك أفضل من البشر وهن إنما أردن أن يتبين لهن حال هي أعظم من حال البشر. وقد أجابوا عنه بجوابين.
أحدهما أنهن لم يعتقدن أن الملائكة أحسن من جميع النبيين وإن لم يروهم لمخبر أخبرهم فسكن إلى خبره فلما هالهن حسنه قلن: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} لأن هذا الحسن ليس بصفة بشر. وثانيهما: أنهن اعتقدن أن الملائكة خير من النبيين فكان هذا الاعتقاد خطأ منهن ولا يقال إنه لما لم يقرن بالإنكار دل على أنه حق فإن قولهن:
{ما هذا بشرا} خطأ. وقولهن: {إن هذا إلا ملك كريم} خطأ أيضا في غيبتهن (*) عنه أنه بشر وإثباتهن أنه ملك وإن لم يقرن بالإنكار: دل على أنه حق وأن قولهن: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} خطأ في نفيهن عنه البشرية وإثباتهن له الملائكية؛ وإن لم يقرن بالإنكار لغيبة عقولهن عند رؤيته فلم يلمن في تلك الحال على ذلك. وأقول أيضا: إن النسوة لم يكن يقصدن أنه نبي؛ بل ولا أنه من الصالحين إذ ذاك ولم يشهدن له فضلا على غيره من البشر في الصلاح والدين وإنما شهدن بالفضل في الجمال والحسن وسباهن جماله فشبهنه بحال الملائكة وليس هذا من التفضيل في شيء من الذي نريد.
ثم نقول: إذا كان التفضيل بالجمال حقا: فقد ثبت أن أهل الجنة تدخل الزمرة الأولى ووجوههم كالشمس والذين يلونهم كالقمر الحديث؛ فهذه حال السعداء عند المنتهى وإن كان في الجمال والملك تفضيل: فإنما هو في هذه الحياة الدنيا؛ لعلم علمه النساء وأكثر الناس.
وأما ما فضل الله عباده الصالحين وما أعده الله من الكرامة: فأكثر الناس عنه بمعزل ليس لهم نظر إليه وكذلك ما آتاهم الله من العلم الذي غبطتهم الملائكة به من أول ما خلقهم وهو مما به يفضلون. فهذا الجواب وما قبله.
(الحجة السادسة: قوله تعالى {إنه لقول رسول كريم} {ذي قوة عند ذي العرش مكين} {مطاع ثم أمين} فهذه صفة جبرائيل. ثم قال: {وما صاحبكم بمجنون} فوصف جبرائيل بالكرم والرسالة والقوة والتمكين عنده وأنه مطاع وأنه أمين فوصفه بهذه الصفات الفاضلة ثم عطف عليه بقوله: {وما صاحبكم بمجنون} فأضاف الرسول البشري إلينا وسلب عنه الجنون وأثبت له رؤية جبرائيل ونفى عنه البخل والتهمة وفي هذا تفاوت عظيم بين البشر والملائكة وبين الصفات والنعم وهذا قاله بعض المعتزلة زل به عن سواء السبيل. والجواب: أولا: أين هو من قوله: {ألم نشرح لك صدرك} إلى آخرها وقوله: {والضحى} {والليل إذا سجى}؟ وقوله: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} الآيات: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}؟.
وأين هو عن قصة المعراج التي تأخر فيها جبرائيل عن مقامه؟ ثم أين هو عن الخلة؟ وهو التقريب؛ فهذا نزاع من لم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم قدره.
ثم نقول ثانيا: لما كان جبرائيل هو الذي جاء بالرسالة وهو صاحب الوحي وهو غيب عن الناس؛ لم يروه بأبصارهم ولم يسمعوا كلامه بآذانهم وزعم زاعمون أن الذي يأتيه شيطان يعلمه ما يقول أو أنه إنما يعلمه إياه بعض الإنس. أخبر الله العباد أن الرسول الذي جاء به ونعته أحسن النعت.
وبين حاله أحسن البيان وذلك كله إنما هو تشريف لمحمد صلى الله عليه وسلم ونفى عنه ما زعموه وتقرير للرسالة؛ إذ كان هو صاحبه الذي يأتي بالوحي فقال: {إنه لقول رسول كريم} أي أن الرسول البشري لم ينطق به من عند نفسه وإنما هو مبلغ يقول ما قيل له؛ فكان في اسم الرسول إشارة إلى محض التوسط والسعاية.
ثم وصفه بالصفات التي تنفي كل عيب؛ من القوة والمكنة والأمانة والقرب من الله سبحانه فلما استقر حال الرسول الملكي بين أنه من جهته وأنه لا يجيء إلا بالخير. وكان الرسول البشري معلوم ظاهره عندهم وهو الذي يبلغهم الرسالة ولولا هؤلاء لما أطاقوا الأخذ عن الرسول الملكي؛ وإنما قال: {صاحبكم} إشارة إلى أنه قد صحبكم سنين قبل ذلك ولا سابقة له بما تقولون فيه وترمونه؛ من الجنون والسحر وغير ذلك؛ وأنه لولا سابقته وصحبته إياكم لما استطعتم الأخذ عنه؛ ألا تسمعه يقول:{ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} - تمييزا - من المرسلين؛ ثم حقق رسالته بأنه رأى جبرائيل وأنه مؤتمن على ما يأخذه عنه فقام أمر الرسالة بهاتين الصفتين وجاء على الوجه الأبلغ والأكمل والأصلح. وقد احتجوا بآيات تقدم التنبيه على مقاصدها؛ من وصف الملائكة بالتسبيح والطاعة والعبادة وغير ذلك.
(الحجة السابعة: الحديث المشهور الصحيح عن الله عز وجل أنه قال: {من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه} ".
والملأ الذي يذكر الله الذاكر فيه هم: (الملائكة وقد نطق الحديث بأنهم أفضل من الملأ الذين يذكر العبد فيهم ربه وخير منهم وقد قال بعضهم: وكم من ملإ ذكر الله فيه والرسول حاضر فيهم؛ بل وقع ذلك في مجالس الرسول كلهم فأين العدول عن هذا الحديث الصحيح الجواب:
أن هذا الحديث صحيح وهو أجود وأقوى ما احتجوا به وقد أجابوا عنه بوجهين:
أحدهما أضعف من الآخر وهو أن الخير يجوز أن يرجع إلى الذكر لا إلى المذكور فيهم تقديره ذكرته ذكرا خيرا من ذكره لأن ذكر الله كلامه وهذا ليس بشيء فإن الخير مجرور صفة للملإ وقد وصل بقوله منهم ولم يقل منه ولولا ذلك المعنى لقيل ذكرته في ملإ خيرا منه بالنصب وصلة الضمير الذكر. وهذا من أوضح الكلام لمن له فقه بالعربية ونعوذ بالله من التنطع.
(وثانيهما أنه محمول على ملأ خير منه ليس فيهم نبي فإن الحديث عام عموما مقصودا شاملا كيف لا؛ والأنبياء والأولياء هم أهل الذكر ومجالسهم مجالس الرحمة؟ فكيف يجيء استثناؤهم؟ لكن هنا أوجه متوجهة: - (أحدها: " أن الملأ الأعلى " الذين يذكر الله من ذكره فيهم: هم صفوة الملائكة وأفضلهم والذاكر فيهم للعبد هو الله يقال ينبغي أن يفرض على موازنة أفضل بني آدم يجتمعون في مجلس نبيه صلى الله عليه وسلم وإن كان أفضل البشر لكن الذين حوله ليس أفضل من بقي من البشر الفضلاء فإن الرسل والأنبياء أفضل منهم.
(وثانيها: أن مجلس أهل الأرض إن كان فيه جماعة من الأنبياء يذكر العبد فيهم ربه: فالله تعالى يذكر العبد في جماعات من الملائكة أكثر من أولئك فيقع الخير للكثرة التي لا يقوم لها شيء فإن الجماعة كلما كثروا كانوا خيرا من القليل. (وثالثها: أنه لعله في الملإ الأعلى جماعة من الأنبياء يذكر الله العبد فيهم؛ فإن أرواحهم هناك.
__________

Q (*) قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 42 - هامش):
كذا، وهو تصحيف صوابه: نفيهن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24-01-2022, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (58)

من صــ 140 الى صـ
ـ 146


ورابعها: أن من الناس من فرق بين الخير والأفضل فيقال الخير للأنفع

وخامسها: أنه لا يدل على أن الملأ الأعلى أفضل من هؤلاء الذاكرين إلا في هذه الدنيا وفي هذه الحال لأنهم لم يكملوا بعد ولم يصلحوا أن يصيروا أفضل من الملأ الأعلى فالملأ الأعلى خير منهم في هذه الحالة كما يكون الشيخ العاقل خيرا من عامة الصبيان لأنه إذ ذاك فيه من الفضل ما ليس في الصبيان ولعل في الصبيان في عاقبته أفضل منه بكثير ونحن إنما نتكلم على عاقبة الأمر ومستقره. فليتدبر هذا فإنه جواب معتمد إن شاء الله؛ والله سبحانه أعلم بحقائق خلقه وأفاضلهم وأحكم في تدبيرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا ما تيسر تعليقه وأنا عجلان في حين من الزمان والله المستعان وهو المسئول أن يهدي قلوبنا ويسدد ألسنتنا وأيدينا والحمد لله رب العالمين.
(وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35)
(فصل في الرد على ابن إسرائيل وشيخه)

قال ابن إسرائيل الأمر أمران: أمر بواسطة وأمر بغير واسطة فالأمر الذي بالوسائط رده من شاء الله وقبله من شاء الله والأمر الذي بغير واسطة لا يمكن رده وهو قوله تعالى {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}. فقال له فقير: إن الله قال لآدم بلا واسطة: لا تقرب الشجرة - فقرب وأكل.
فقال: صدقت وذلك أن آدم إنسان كامل؛ ولذلك قال شيخنا علي الحريري: آدم صفي الله تعالى كان توحيده ظاهرا وباطنا فكان قوله لآدم " لا تقرب الشجرة " ظاهرا وكان أمره " كل " باطنا فأكل فكذلك قوله تعالى. وإبليس كان توحيده ظاهرا فأمر بالسجود لآدم فرآه غيرا فلم يسجد. فغير الله عليه وقال: {اخرج منها}.
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وأما ما ذكره عن شيخه من أن آدم كان توحيده ظاهرا وباطنا فكان قوله " لا تقرب " ظاهرا وكان أمره " بكل " باطنا. فيقال: إن أريد بكونه قال " كل " باطنا أنه أمره بذلك في الباطن أمر تشريع ودين: فهذا كذب وكفر وإن كان أراد أنه خلق ذلك وقدره وكونه: فهذا قدر مشترك بين آدم وبين سائر المخلوقات فإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
وإن قيل: إن آدم شهد الأمر الكوني القدري وكان مطيعا لله بامتثاله له. كما يقول هؤلاء: إن العارف الشاهد للقدر يسقط عنه الملام. فهذا مع أنه معلوم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام فهو كفر باتفاق المسلمين.
فيقال: الأمر الكوني يكون موجودا قبل وجود المكون لا يسمعه العبد وليس امتثاله مقدورا له بل الرب هو الذي يخلق ما كونه بمشيئته وقدرته والله تعالى ليس له شريك في الخلق والتكوين. والعبد وإن كان فاعلا بمشيئته وقدرته والله خالق كل ذلك فتكوين الله للعبد ليس هو أمرا لعبد موجود في الخارج يمكنه الامتثال وكذلك ما خلقه من أحواله وأعماله: خلقه بمشيئته وقدرته و: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} فكل ما كان من المكونات فهو داخل في هذا الأمر.
وأكل آدم من الشجرة وغير ذلك من الحوادث: داخل تحت هذا كدخول آدم؛ فنفس أكل آدم هو الداخل تحت هذا الأمر كما دخل آدم. فقول القائل: إنه قال لآدم في الباطن: " كل " مثل قوله إنه قال للكافر اكفر وللفاسق افسق والله لا يأمر بالفحشاء ولا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر ولا يوجد منه خطاب باطن ولا ظاهر للكفار والفساق والعصاة: بفعل الكفر والفسوق والعصيان وإن كان ذلك واقعا بمشيئته وقدرته وخلقه وأمره الكوني فالأمر الكوني ليس هو أمرا للعبد أن يفعل ذلك الأمر بل هو أمر تكوين لذلك الفعل في العبد أو أمر تكوين لكون العبد على ذلك الحال.
فهو سبحانه الذي خلق الإنسان هلوعا {إذا مسه الشر جزوعا} {وإذا مسه الخير منوعا} وهو الذي جعل المسلمين مسلمين كما قال الخليل: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} فهو سبحانه جعل العباد على الأحوال التي خلقهم عليها وأمره لهم بذلك أمر تكوين بمعنى أنه قال لهم كونوا كذلك فيكونون كذلك كما قال للجماد: كن فيكون.
فأمر التكوين لا فرق فيه بين الجماد والحيوان وهو لا يفتقر إلى علم المأمور ولا إرادته ولا قدرته لكن العبد قد يعلم ما جرى به القدر في أحواله كما يعلم ما جرى به القدر في أحوال غيره وليس في ذلك علم منه بأن الله أمره في الباطن؛ بخلاف ما أمره في الظاهر بل أمره بالطاعة باطنا وظاهرا ونهاه عن المعصية باطنا وظاهرا وقدر ما يكون فيه من طاعة ومعصية باطنا وظاهرا وخلق العبد وجميع أعماله باطنا وظاهرا وكون ذلك بقوله " كن " باطنا وظاهرا.

[قاعدة: وليس في القدر حجة لابن آدم ولا عذر بل القدر يؤمن به ولا يحتج به والمحتج بالقدر فاسد العقل والدين متناقض]

فإن القدر إن كان حجة وعذرا: لزم أن لا يلام أحد؛ ولا يعاقب ولا يقتص منه وحينئذ فهذا المحتج بالقدر يلزمه - إذا ظلم في نفسه وماله وعرضه وحرمته - أن لا ينتصر من الظالم ولا يغضب عليه ولا يذمه؛ وهذا أمر ممتنع في الطبيعة لا يمكن أحد أن يفعله فهو ممتنع طبعا محرم شرعا.
ولو كان القدر حجة وعذرا: لم يكن إبليس ملوما ولا معاقبا ولا فرعون وقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الكفار ولا كان جهاد الكفار جائزا ولا إقامة الحدود جائزا ولا قطع السارق ولا جلد الزاني ولا رجمه ولا قتل القاتل ولا عقوبة معتد بوجه من الوجوه.
ولما كان الاحتجاج بالقدر باطلا في فطر الخلق وعقولهم: لم تذهب إليه أمة من الأمم ولا هو مذهب أحد من العقلاء الذين يطردون قولهم فإنه لا يستقيم عليه مصلحة أحد لا في دنياه ولا آخرته ولا يمكن اثنان أن يتعاشرا ساعة واحدة؛ إن لم يكن أحدهما ملتزما مع الآخر نوعا من الشرع فالشرع نور الله في أرضه وعدله بين عباده.
لكن الشرائع تتنوع: فتارة تكون منزلة من عند الله كما جاءت به الرسل وتارة لا تكون كذلك ثم المنزلة: تارة تبدل وتغير - كما غير أهل الكتاب شرائعهم - وتارة لا تغير ولا تبدل وتارة يدخل النسخ في بعضها وتارة لا يدخل.
وأما القدر: فإنه لا يحتج به أحد إلا عند اتباع هواه فإذا فعل فعلا محرما بمجرد هواه وذوقه ووجده؛ من غير أن يكون له علم بحسن الفعل ومصلحته استند إلى القدر كما قال المشركون: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء} قال الله تعالى: {كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون} {قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} فبين أنهم ليس عندهم علم بها كانوا عليه من الدين وإنما يتبعون الظن.
والقوم لم يكونوا ممن يسوغ لكل أحد الاحتجاج بالقدر فإنه لو خرب أحد الكعبة؛ أو شتم إبراهيم الخليل أو طعن في دينهم لعادوه وآذوه كيف وقد عادوا النبي صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من الدين وما فعله هو أيضا من المقدور.
فلو كان الاحتجاج بالقدر حجة لكان للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فإن كان كل ما يحدث في الوجود فهو مقدر فالمحق والمبطل يشتركان في الاحتجاج بالقدر إن كان الاحتجاج به صحيحا ولكن كانوا يتعمدون على ما يعتقدونه من جنس دينهم وهم في ذلك يتبعون الظن ليس لهم به علم بل هم يخرصون. {وموسى لما قال لآدم: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم عليه السلام - فيما قال لموسى - لم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين عاما؟ فحج آدم موسى} لم يكن آدم عليه السلام محتجا على فعل ما نهي عنه بالقدر ولا كان موسى ممن يحتج عليه بذلك فيقبله بل آحاد المؤمنين لا يفعلون مثل هذا فكيف آدم وموسى؟.
وآدم قد تاب مما فعل واجتباه ربه وهدى وموسى أعلم بالله من أن يلوم من هو دون نبي على فعل تاب منه فكيف بنبي من الأنبياء؟ وآدم يعلم أنه لو كان القدر حجة لم يحتج إلى التوبة ولم يجر ما جرى من خروجه من الجنة وغير ذلك ولو كان القدر حجة لكان لإبليس وغيره وكذلك موسى يعلم أنه لو كان القدر حجة لم يعاقب فرعون بالغرق ولا بنو إسرائيل بالصعقة وغيرها كيف وقد قال موسى {رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي}
وقال: {أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} وهذا باب واسع. وإنما كان لوم موسى لآدم من أجل المصيبة التي لحقتهم بآدم من أكل الشجرة؛ ولهذا قال: {لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة}؟ واللوم لأجل المصيبة التي لحقت الإنسان نوع واللوم لأجل الذنب الذي هو حق الله نوع آخر

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 24-01-2022, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (59)

من صــ 147 الى صـ
ـ 153


فإن الأب لو فعل فعلا افتقر به حتى تضرر بنوه فأخذوا يلومونه لأجل ما لحقهم من الفقر: لم يكن هذا كلومه لأجل كونه أذنب. والعبد مأمور أن يصبر على المقدور ويطيع المأمور وإذا أذنب استغفر. كما قال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وقال تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه}. قال طائفة من السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.

فمن احتج بالقدر على ترك المأمور وجزع من حصول ما يكرهه من المقدور فقد عكس الإيمان والدين وصار من حزب الملحدين المنافقين وهذا حال المحتجين بالقدر. فإن أحدهم إذا أصابته مصيبة عظم جزعه وقل صبره فلا ينظر إلى القدر ولا يسلم له وإذا أذنب ذنبا أخذ يحتج بالقدر فلا يفعل المأمور ولا يترك المحظور ولا يصبر على المقدور ويدعي مع هذا أنه من كبار أولياء الله المتقين وأئمة المحققين الموحدين وإنما هو من أعداء الله الملحدين وحزب الشيطان اللعين.
وهذا الطريق إنما يسلكه أبعد الناس عن الخير والدين والإيمان تجد أحدهم أجبر الناس إذا قدر وأعظمهم ظلما وعدوانا وأذل الناس إذا قهر وأعظمهم جزعا ووهنا؛ كما جربه الناس من الأحزاب البعيدين عن الإيمان بالكتاب والمقاتلة من أصناف الناس.
والمؤمن إن قدر عدل وأحسن وإن قهر وغلب صبر واحتسب كما قال كعب بن زهير في قصيدته التي أنشدها للنبي صلى الله عليه وسلم - التي أولها بانت سعاد إلخ - في صفة المؤمنين: - ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم يوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا وسئل بعض العرب عن شيء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيته يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر. وقد قال تعالى: {قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} وقال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} وقال تعالى: {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} وقال تعالى:
{وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} فذكر الصبر والتقوى في هذه المواضع الأربعة فالصبر يدخل فيه الصبر على المقدور والتقوى يدخل فيها فعل المأمور وترك المحظور. فمن رزق هذا وهذا فقد جمع له الخير بخلاف من عكس فلا يتقي الله بل يترك طاعته متبعا لهواه ويحتج بالقدر ولا يصبر إذا ابتلي ولا ينظر حينئذ إلى القدر فإن هذا حال الأشقياء كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به.
(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)
[فصل البرهان العاشر " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " والجواب عليه]
فصل. قال الرافضي: " البرهان العاشر: قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} [سورة البقرة: 37].

روى [الفقيه] ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن ابن عباس، قال: «سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. قال: سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه، فتاب عليه». وهذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها، فيكون هو الإمام لمساواته النبي - صلى الله عليه وسلم - في التوسل به إلى الله تعالى ". والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل، فقد عرف أن مجرد رواية ابن المغازلي لا يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم.
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم، وذكره أبو الفرج بن الجوزي في " الموضوعات " عن طريق الدارقطني، فإن له كتبا في الأفراد والغرائب. قال الدارقطني: " تفرد به عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي المقدام، لم يروه عنه غير حسن الأشقر. قال يحيى بن معين: عمرو بن ثابت ليس ثقة ولا مأمونا. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات ". الثالث: أن الكلمات التي تلقاها آدم قد جاءت مفسرة في قوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [سورة الأعراف: 23]. وقد روي عن السلف هذا وما يشبهه، وليس في شيء من النقل الثابت عنهم ما ذكره من القسم. الرابع: أنه معلوم بالاضطرار أن من هو دون آدم من الكفار والفساق إذا تاب أحدهم إلى الله تاب الله عليه، وإن لم يقسم عليه بأحد. فكيف يحتاج آدم في توبته إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين لا مؤمن ولا كافر. وطائفة قد رووا أنه توسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى قبل توبته، وهذا كذب. وروي عن مالك في ذلك حكاية في خطابه للمنصور، وهو كذب على مالك، وإن كان ذكرها القاضي عياض في " الشفاء ".
الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر أحدا بالتوبة بمثل هذا الدعاء، بل ولا أمر أحدا بمثل هذا الدعاء في توبة ولا غيرها، بل ولا شرع لأمته أن يقسموا على الله بمخلوق ولو كان هذا الدعاء مشروعا لشرعه لأمته.
السادس: أن الإقسام على الله بالملائكة والأنبياء أمر لم يرد به كتاب ولا سنة، بل قد نص غير واحد من أهل العلم - كأبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما - على أنه لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق. وقد بسطنا الكلام على ذلك.
السابع: أن هذا لو كان مشروعا فآدم نبي كريم، كيف يقسم على الله بمن هو أكرم عليه منه؟ ولا ريب أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل من آدم، لكن آدم أفضل من علي وفاطمة وحسن وحسين. الثامن: أن يقال: هذه ليست من خصائص الأئمة، فإنها قد ثبتت لفاطمة.
وخصائص الأئمة لا تثبت للنساء. وما لم يكن من خصائصهم لم يستلزم الإمامة، فإن دليل الإمامة لا بد أن يكون ملزوما لها، يلزم من وجوده استحقاقها، فلو كان هذا دليلا على الإمامة لكان من يتصف به يستحقها، والمرأة لا تكون إماما بالنص والإجماع.
(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (42)
نهي عنهما، والثاني لازم للأول مقصود بالنهي، فمن لبس الحق بالباطل كتم الحق وهو معاقب علي لبسه الحق بالباطل، وعلي كتمانه الحق، فلا يقال: النهي عن جمعهما فقط، لأنه لو كان هذا صحيحا لم يكن مجرد كتمان الحق موجبا للذم، ولا مجرد لبس الحق بالباطل موجبا للذم، وليس الأمر كذلك، فإن كتمان أهل الكتاب ما أنزل الله من البينات والهدي من بعد ما بينه للناس يستحقون به العقاب باتفاق المسلمين، وكذلك لبسهم الحق الذي أنزله الله بالباطل الذي ابتدعوه، وجمع بينهما بدون إعادة حرف النفي لأن اللبس مستلزم للكتمان، ولم يقتصر علي الملزوم لأن اللازم مقصود بالنهي.
فهذا يبين لك بعض ما في القرآن من الحكم والأسرار، وإنما كان اللبس مستلزما للكتمان لأن من لبس الحق بالباطل، كما فعله أهل الكتاب ـ حيث ابتدعوا دينا لم يشرعه الله، فأمروا بما لم يأمر به، ونهوا عما لم ينه عنه، وأخبروا بخلاف ما أخبر به ـ فلابد له أن يكتم من الحق المنزل ما يناقض بدعته، إذ الحق المنزل الذي فيه خبر بخلاف ما أخبر به إن لم يكتمه لم يتم مقصوده، وكذلك الذي فيه إباحة لما نهي عنه أو إسقاط لما أمر به.
والحق المنزل إما أمر ونهي وإباحة، وإما خبر، فالبدع الخبرية كالبدع المتعلقة بأسماء الله تعالي وصفاته والنبيين واليوم الآخر لا بد أن يخبروا فيها بخلاف ما أخبر الله به، والبدع الأمرية، كمعصية الرسول المبعوث إليهم ونحو ذلك، لا بد أن يأمروا فيها بخلاف ما أمر الله به، والكتب المتقدمة تخبر عن الرسول النبي الأمي وتأمر باتباعه.
والمقصود هنا الاعتبار، فإن بني إسرائيل قد ذهبوا أو كفروا، وإنما ذكرت قصصهم عبرة لنا، وكان بعض السلف يقول: إن بني إسرائيل ذهبوا، وإنما يعني أنتم، ومن الأمثال السائرة: إياك أعني واسمعي يا جارة فكان فيما خاطب الله بني إسرائيل عبرة لنا: أن لا نلبس الحق بالباطل، ونكتم الحق.
والبدع التي يعارض بها الكتاب والسنة التي يسميها أهلها كلاميات وعقليات وفلسفيات، أو ذوقيات ووجديات وحقائق وغير ذلك، لا بد أن تشمل علي لبس حق بباطل وكتمان حق، وهذا أمر موجود يعرفه من تأمله، فلا تجد قط مبتدعا إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه، ويبغضها، ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها، ويبغض من يفعل ذلك، كما قال بعض السلف: ما ابتدع أحد بدعة إلا نزعت حلاوة الحديث من قلبه.
ثم إن قوله الذي يعارض به النصوص لا بد له أن يلبس فيه حقا بباطل، بسبب ما يقوله من الألفاظ المجملة المتشابهة.
(فصل)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح، بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق.
وبسبب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات، وقيل فيهم: إنهم يلبسون الحق بالباطل.

وهكذا أهل الكتاب معهم حق وباطل، ولهذا قال تعالى لهم: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} [سورة البقرة: 42]، وقال: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} [سورة البقرة: 85]، وقال عنهم: {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا} [سورة النساء: 150]، وقال عنهم:{وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم} [سورة البقرة: 91].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 24-01-2022, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,835
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
المجلد الثالث
الحلقة (60)

من صــ 154 الى صـ
ـ 160


وذلك لأنهم ابتدعوا بدعا خلطوها بما جاءت به الرسل، وفرقوا دينهم وكانوا شيعا، فصار في كل فريق منهم حق وباطل، وهم يكذبون بالحق الذي مع الفريق الآخر، ويصدقون بالباطل الذي معهم.
وهذا حال أهل البدع كلهم ;
فإن معهم حقا وباطلا، فهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل فريق يكذب بما مع الآخر من الحق ويصدق بما معه من الباطل، كالخوارج والشيعة ; فهؤلاء يكذبون بما ثبت من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويصدقون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويصدقون بما ابتدعوه من تكفيره وتكفير من يتولاه ويحبه. وهؤلاء يصدقون بما روي في فضائل علي بن أبي طالب، ويكذبون بما روي في فضائل أبي بكر وعمر، ويصدقون بما ابتدعوه من التكفير والطعن في أبي بكر وعمر وعثمان.
ودين الإسلام وسط بين الأطراف المتجاذبة. فالمسلمون وسط في التوحيد بين اليهود والنصارى، فاليهود تصف الرب بصفات النقص التي يختص بها المخلوق، ويشبهون الخالق بالمخلوق.
كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق السماوات والأرض تعب. وهو سبحانه الجواد الذي لا يبخل والغني الذي لا يحتاج إلى غيره، والقادر الذي لا يمسه لغوب. والقدرة والإرادة والغنى عما سواه هي صفات الكمال التي تستلزم سائرها.
والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: المسيح ابن الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، {وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}.
فالمسلمون وحدوا الله ووصفوه بصفات الكمال، ونزهوه عن جميع صفات النقص، ونزهوه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات، فهو موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص، وليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
وكذلك في النبوات ; فاليهود تقتل بعض الأنبياء، وتستكبر عن اتباعهم، وتكذبهم وتتهمهم بالكبائر. والنصارى يجعلون من ليس بنبي ولا رسول نبيا ورسولا، كما يقولون في الحواريين: إنهم رسل، بل يطيعون أحبارهم ورهبانهم كما تطاع الأنبياء. فالنصارى تصدق بالباطل، واليهود تكذب بالحق.
ولهذا كان في مبتدعة أهل الكلام شبه من اليهود، وفي مبتدعة أهل التعبد شبه من النصارى ; فآخر أولئك الشك والريب، وآخر هؤلاء الشطح والدعاوى الكاذبة، لأن أولئك كذبوا بالحق فصاروا إلى الشك، وهؤلاء صدقوا بالباطل فصاروا إلى الشطح، فأولئك كظلمات في بحر لجي، يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، وهؤلاء كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
فمبتدعة أهل العلم والكلام طلبوا العلم بما ابتدعوه، ولم يتبعوا العلم المشروع ويعملوا به، فانتهوا إلى الشك المنافي للعلم، بعد أن كان لهم علم بالمشروع، لكن زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، وكانوا مغضوبا عليهم.
ومبتدعة العباد طلبوا القرب من الله بما ابتدعوه في العبادة، فلم يحصل لهم إلا البعد منه ; فإنه ما ازداد مبتدع اجتهادا إلا ازداد من الله تعالى بعدا.
والبعد عن رحمته، هو اللعنة وهو غاية النصارى. وأما الشرائع فاليهود منعوا الخالق أن يبعث رسولا بغير شريعة الرسول الأول، وقالوا: لا يجوز أن ينسخ ما شرعه. والنصارى جوزوا لأحبارهم أن يغيروا من الشرائع ما أرسل الله بهم رسوله، فأولئك عجزوا الخالق، ومنعوه ما تقتضيه قدرته وحكمته في النبوات والشرائع. وهؤلاء جوزوا للمخلوق أن يغير ما شرعه الخالق، فضاهوا المخلوق بالخالق.
وكذلك في العبادات ; فالنصارى يعبدونه ببدع ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان. واليهود معرضون عن العبادات، حتى في يوم السبت الذي أمرهم الله أن يتفرغوا فيه لعبادته، إنما يشتغلون فيه بالشهوات. فالنصارى مشركون به واليهود مستكبرون عن عبادته.
والمسلمون عبدوا الله وحده بما شرع، ولم يعبدوه بالبدع. وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به جميع النبيين، وهو أن يستسلم العبد لله لا لغيره، وهو الحنيفية دين إبراهيم. فمن استسلم له ولغيره كان مشركا، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر.
وقد قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [سورة النساء: 48].
وقال: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} [سورة غافر: 60].

والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة إلا بقول فاسد، لا ينفردون قط بقول صحيح. وكل من كان عن السنة أبعد، كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر. وليس في الطوائف المنتسبين إلى السنة أبعد عن آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرافضة.
(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:

وأما قرنه بين الصلاة والزكاة في القرآن فكثير جدا. فبالقيام بالصلاة والزكاة والصبر يصلح حال الراعي والرعية إذا عرف الإنسان ما يدخل في هذه الأسماء الجامعة: يدخل في الصلاة ذكر الله تعالى ودعاؤه وتلاوة كتابه وإخلاص الدين له والتوكل عليه. وفي الزكاة الإحسان إلى الخلق بالمال والنفع: من نصر المظلوم وإغاثة الملهوف وقضاء حاجة المحتاج. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {كل معروف صدقة} فيدخل فيه كل إحسان.
ولو ببسط الوجه والكلمة الطيبة. ففي الصحيحين: عن عدي بن حاتم رضي الله عنه " قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم {ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئا قدمه وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئا قدمه فينظر أمامه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل فإن لم يجد فبكلمة طيبة}.
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقى}. وفي السنن {عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن}. وروي {عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم سلمة: يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة}.
(فصل في الإسلام والإيمان والإحسان)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

وجعل دينه ثلاث درجات: إسلام ثم إيمان ثم إحسان. وجعل الإسلام مبنيا على أركان خمسة: ومن آكدها الصلاة " وهي خمسة فروض وقرن معها الزكاة فمن آكد العبادات الصلاة وتليها الزكاة ففي الصلاة عبادته وفي الزكاة الإحسان إلى خلقه فكرر فرض الصلاة في القرآن في غير آية ولم يذكرها إلا قرن معها الزكاة.
من ذلك قوله تعالى {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وقال: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} وقال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.
وفي الصحيحين: من حديث أبي هريرة ورواه مسلم من حديث عمر " {أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت} وعنه قال صلى الله عليه وسلم {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله}.
{ولما بعث معاذا إلى اليمن قال له: إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب}.
فصل:
وجاء ذكر الصلاة والزكاة في القرآن مجملا فبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وإن بيانه أيضا من الوحي؛ لأنه سبحانه أنزل عليه الكتاب والحكمة.
ثم قال رحمه الله تعالى -::

فقد سمى الله الزكاة صدقة وزكاة. ولفظ الزكاة في اللغة يدل على النمو والزرع يقال فيه: زكا إذا نما ولا ينمو إلا إذا خلص من الدغل. فلهذا كانت هذه اللفظة في الشريعة تدل على الطهارة: {قد أفلح من زكاها} {قد أفلح من تزكى} نفس المتصدق تزكو وماله يزكو يطهر ويزيد في المعنى. وقد أفهم الشرع أنها شرعت للمواساة ولا تكون المواساة إلا فيما له مال من الأموال فحد له أنصبة ووضعها في الأموال النامية فمن ذلك ما ينمو بنفسه؛ كالماشية والحرث.

وما ينمو بتغير عينه والتصرف فيه كالعين وجعل المال المأخوذ على حساب التعب فما وجد من أموال الجاهلية هو أقله تعبا ففيه الخمس ثم ما فيه التعب من طرف واحد فيه نصف الخمس وهو العشر فيما سقته السماء وما فيه التعب من طرفين فيه ربع الخمس وهو نصف العشر فيما سقي بالنضح وما فيه التعب في طول السنة كالعين ففيه ثمن ذلك وهو ربع العشر.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 327.39 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 321.51 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.80%)]