|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#461
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [262] الحلقة (294) شرح سنن أبي داود [262] اختلف أهل العلم من الصحابة وغيرهم في المبتوتة هل على زوجها السكنى والنفقة أم لا؟ فذهبت طائفة إلى وجوب السكنى والنفقة على الزوج، وأنكرت طائفة ومنهم عمر رضي الله عنه ذلك، وتأولوا ما جاء في ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أهمية الفقه والتفقه في دين الله سبحانه، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين. ما جاء فيمن أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس شرح أثر عمر (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس رضي الله عنها. حدثنا نصر بن علي أخبرني أبو أحمد حدثنا عمار بن زريق عن أبي إسحاق قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا؟) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب من أنكر ذلك على فاطمة ، يعني: روايتها أن المطلقة المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة، وقد سبق أن مر أن ممن أنكر ذلك أيضاً على فاطمة عائشة وكذلك مروان بن الحكم ، وسيذكرهم هنا، وذكر قبل ذلك عمر رضي الله عنه. قوله: [ عن أبي إسحاق قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال: أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال: (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري أحفظت ذلك أم لا؟) ]. وقول عمر رضي الله عنه: (كتاب ربنا) يعني: ما جاء في القرآن في قوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ [الطلاق:6] أي: وهي من المطلقات، إذاً: فلها السكنى، وكان عمر رضي الله عنه ينقل عنه أن لها السكنى والنفقة معاً، والمسألة خلافية، فعدد من الصحابة منهم ابن عباس قالوا: إنها لا سكنى لها ولا نفقة، كما جاء في حديث فاطمة ، و عمر رضي الله عنه وغيره قالوا: لها السكنى والنفقة، والقول الثالث: أن لها السكنى دون النفقة، وقد ذكرنا أن الصحيح هو ما دل عليه حديث فاطمة بنت قيس : من أنها لا سكنى لها ولا نفقة. وقوله: (وسنة نبينا) قال بعض أهل العلم: إن هذا غير محفوظ ولا ثابت؛ لأنه لم يأت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن لها النفقة، بل الذي جاءت به السنة أنها لا نفقة لها، وقد جاء في بعض الروايات: أنه إنما تكون النفقة لمن تكون لها رجعة، وأما المبتوتة والبائنة فهذه لا سبيل للمطلَّق إليها، إذاً: فلا سكنى لها ولا نفقة. ويمكن أن يحمل قوله: (سنة نبينا) على الطريقة، أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم طريقته القرآن، فقد جاءت سنته وفقاً لما جاء في القرآن. فيمكن أن يقال: إن المقصود بالسنة: الطريقة، وتكون من جنس قوله: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم موافقة لما جاء في القرآن، فقد قالت عائشة : (كان خلقه القرآن)، فكل ما هو في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو سنة؛ لأن السنة لها أربعة إطلاقات: الأول: تأتي السنة ويراد بها الكتاب والسنة، فكل ما جاء في الكتاب والسنة فهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: طريقته، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)؛ ، فليس المقصود بقوله (سنتي) ما جاء في الحديث فقط، بل ما جاء في الكتاب والسنة جميعاً. والإطلاق الثاني: أن السنة يراد بها الحديث خاصة دون القرآن، وهذا من أمثلته ما يذكره شراح الحديث وكذلك الفقهاء عندما يجملون الأدلة على المسألة المعينة ثم يفصلونها فيما بعد، فيقولون: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، فأما الكتاب فقول الله تعالى كذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وأما الإجماع فقد حكى فلان الإجماع على كذا، وأما المعقول فالمعنى كذا وكذا. فحيث عطفت السنة على الكتاب فإنه يراد بها خصوص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم. والإطلاق الثالث: أن السنة يراد بها ما يقابل البدعة، كأن يقال: هذه سنة وهذه بدعة، ويقال: هذا سني وهذا بدعي، فما يقابل البدعة يقال له: السنة، ومنه المؤلفات التي ألفها العلماء المتقدمون في العقيدة باسم السنة، مثل السنة لابن أبي عاصم ، والسنة لمحمد بن نصر المروزي ، والسنة لللاكائي ، والسنة للطبراني ، والسنة لعبد الله ابن الإمام أحمد ، وغيرها من المؤلفات التي هي باسم السنة، والمراد بها: ما يعتقد طبقاً للسنة ومجانباً البدعة، وكذلك أبو داود رحمة الله عليه له كتاب في كتاب السنن اسمه: (كتاب السنة)، وهو في العقيدة، وأورد فيه مائة وخمسين حديثاً تقريباً كلها في العقيدة، فالمقصود بالسنة العقيدة أو ما يعتقد طبقاً للسنة. والإطلاق الرابع في اصطلاح الفقهاء: أن السنة يراد بها المندوب أو المستحب، فعندما يأتي في كتب الفقه: يسن كذا، ويندب كذا، ويستحب كذا -وهي بمعنى واحد- أي: أنه ليس بركن ولا واجب، فما لم يكن ركناً ولا واجباً يقال له: سنة، ويقال له: مستحب، ويقال له: مندوب، وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهو ما يطلبه الشارع طلباً غير جازم، فما كان هكذا فإنه يقال له: السنة، وهذا في اصطلاح الفقهاء. إذاً: فقول عمر رضي الله عنه: (كتاب ربنا وسنة نبينا) يمكن أن يقال: المقصود بالسنة طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما يشمل الكتاب والسنة. تراجم رجال إسناد أثر عمر (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة...) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو أحمد ]. هو أبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمار بن زريق ]. عمار بن زريق لا بأس به، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنت في المسجد الجامع مع الأسود ]. الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح أثر عائشة (إن فاطمة بنت قيس كانت في مكان وحش … ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابن وهب قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لقد عابت ذلك عائشة رضي الله عنها أشد العيب -يعني: حديث فاطمة بنت قيس - وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها، فلذلك رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. ذكر المصنف رحمه الله تعالى عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت على فاطمة ذلك وقالت: إنما كان خروجها من أجل أنها كانت في مكان وحش، أي: في مكان غير مأمون، فمن أجل ذلك خرجت من بيت زوجها، وإلا فإن لها سكنى، فهذا هو الذي يقتضيه كلام عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها. ومعلوم أن فاطمة رضي الله عنها أخبرت بخبرها وبالشيء الذي جرى لها، وكانت تقول: أي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟! تعني: أن ما جاء في القرآن مطابق لما جاء عنها، وأنه إنما هو في الرجعية التي تعتبر زوجة، وقد ذكرنا فيما مضى: أن الصحيح هو ما دل عليه حديث فاطمة بنت قيس : أنه لا سكنى للمطلقة المبتوتة ولا نفقة. والكلام الذي قالته عائشة من التعليل لذلك غير واضح، وما جاء عن فاطمة بنت قيس هو أوضح وأبين، والتعويل على رواية الراوي أولى لاسيما وأنها عندما ذكر لها ما ذكر من الاعتراض عليها قالت: بيني وبينكم كتاب الله، ثم قالت: وأي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟ تراجم رجال إسناد أثر عائشة ( إن فاطمة كانت في مكان وحش .... ) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ]. عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. وأبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، و أبو الزناد لقب كما سبق أن ذكرنا، وهو يكنى بأبي عبد الرحمن ، أي: يكنى بابنه الذي جاء في هذا الإسناد؛ فأبو الزناد كنيته: أبو عبد الرحمن ولقبه: أبو الزناد واسمه: عبد الله بن ذكوان . [ عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: لقد عابت ذلك عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر عائشة (أما إنه لا خير لها في ذلك ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عروة بن الزبير أنه قيل لعائشة رضي الله عنها: ألم تري إلى قول فاطمة ؟ قالت: (أما إنه لا خير لها في ذلك) ]. أورد أبو داود الأثر السابق من طريق أخرى، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قيل لها: ألم تري إلى قول فاطمة ؟ أي: أن المطلقة المبتوتة لا سكنى لها ولا نفقة، فقالت: (أما إنه لا خير لها في ذلك) أي: أن تذكر شيئاً قد جاء القرآن بخلافه، وهذا كما فهمت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، تعني: أنه كان الأولى لها ألا تفعل ذلك، ولكن لا تنافي بين ما جاء في القرآن وما جاء في قول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ لأن فاطمة هي صاحبة القصة، وقد أفنت بذلك وأخذت بفتواها، وهذه الفتوى التي أخبرت بها لا حظ لها فيها؛ لأنها تتعلق بشيء لا مصلحة لها فيه، وإنما تخبر بالذي حصل، فحظها أن يكون لها سكنى ونفقة، وهي تخبر بأنه: لا سكنى لها ولا نفقة، والقرآن إنما هو في الرجعية التي للزوج حق الرجوع إليها، وأما المطلقة فإنه لا سبيل إليها، وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة: (إنما النفقة والسكنى لمن له الرجوع إليها، أو لمن للزوج سبيل إليها). فهذا يدل على أن النفقة والسكنى تكون من أجل أن لها صلة بالزوج، وأما المطلقة المبتوتة فإنها لا صلة لها، فقوله: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ [الطلاق:6] إنما هو في الرجعيات، وكذلك يكون في المطلقات طلاقاً بائناً إذا كن حوامل، وقد جاء في نفس حديث فاطمة رضي الله عنها: (إلا أن تكوني حاملاً)، وهذا يدل على أن المطلقة المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى. تراجم رجال إسناد أثر عائشة (أما إنه لا خير لها في ذلك ) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير أنه قيل لعائشة ]. عروة و عائشةمر ذكرهما. شرح أثر سليمان بن يسار في خروج فاطمة أنه قال (إنما كان ذلك من سوء الخلق)، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد حدثنا أبي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة رضي الله عنها قال: (إنما كان ذلك من سوء الخلق) ]. أورد المصنف هذا الأثر عن سليمان بن يسار وفيه أنه قال: (إنما كان ذلك من سوء الخلق) يعني: أنها كانت لَسِنَة، كما سيأتي في بعض الروايات، أي: أنها كانت لسنة وكان بينها وبين أحمائها وحشة وسوء تفاهم فلذلك أخرجوها، وهكذا فهم أو ظن، ولكن الصحيح كما جاء عنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها من التصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس لك سكنى ولا نفقة). قوله: [ حدثنا هارون بن زيد ]. هو هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن سفيان عن يحيى بن سعيد ]. سفيان مر ذكره، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح أثر عائشة في إنكارها خروج المبتوتة من بيت زوجها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد و سليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم البتة، فانتقلها عبد الرحمن ، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت له: (اتق الله واردد المرأة إلى بيتها)، فقال مروان في حديث سليمان : إن عبد الرحمن غلبني، وقال مروان في حديث القاسم : أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس ؟ فقالت عائشة : (لا يضرك ألا تذكر حديث فاطمة )، فقال مروان : إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر ]. أورد أبو داود أثر عائشة رضي الله عنها أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق زوجته ابنة عبد الرحمن بن الحكم ، و عبد الرحمن بن الحكم هو أخو مروان بن الحكم ، وبت طلاقها، وأن أباها عبد الرحمن أخرجها ونقلها من بيت زوجها إلى بيته أو إلى بيت آخر، فقالت عائشة لمروان : اتق الله وارجع المرأة إلى بيت زوجها، تعني: لأن لها السكنى ، فقال مروان : إن عبد الرحمن غلبني، يعني: لم يوافق على إرجاعها؛ لأنه أبوها، وقيل المقصود: إنه غلبه بالحجة، وفي هذا إشارة إلى أن مروان رجع عن قوله فيما مضى بأن المطلقة لا سكنى لها ولا نفقة، وأن ذلك إنما يكون إذا كان هناك مانع يمنع وإلا فإن الأصل أن لها السكنى والنفقة، فقالت عائشة رضي الله عنها عندما ذكرها بقصة فاطمة بنت قيس قالت: (لا يضرك ألا تذكر حديث فاطمة ) تعني: أنه لا يعول على حديث فاطمة، وإنما يعول على القرآن كما فهمت رضي الله عنها وأرضاها، فقال: إن كان بك الشر فحسبك ما كان بين هذين من الشر. يعني: إن كان مرادك الشر الذي حصل من فاطمة بينها وبين أحمائها فحسبك ما جرى بين هذين من الشر، يعني: بين يحيى وبين زوجته ابنة عبد الرحمن ، ومراده: إن كان المراد ما يتعلق بقصة فاطمة بنت قيس أن هناك شراً بينها وبين أحمائها وأنها انتقلت بسبب ذلك فحسبك الذي جرى بين هذين، فقد جرى بينهم مثل الذي جرى بين أولئك. تراجم رجال إسناد أثر عائشة في إنكارها خروج المبتوتة من بيت زوجها قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس الإمام المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري مر ذكره. [ عن القاسم بن محمد و سليمان بن يسار ]. القاسم بن محمد و سليمان بن يسار هما من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وقد مر ذكرهما. شرح أثر سعيد بن المسيب في إنكار حديث فاطمة بنت قيس في عدم السكنى والنفقة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا جعفر بن برقان حدثنا ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب فقلت: فاطمة بنت قيس طلقت فخرجت من بيتها؟ فقال سعيد : تلك امرأة فتنت الناس؛ إنها كانت لسنة فوضعت على يدي ابن أم مكتوم الأعمى ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن سعيد بن المسيب أنه ذكر له قصة فاطمة بنت قيس فقال: إنها فتنت الناس، وإنها كانت لسنة، وإنها وضعت عند عبد الله بن أم مكتوم حتى تنتهي من عدتها، وهذا فيه إشارة إلى ما تقدم من سوء التفاهم الذي حصل بينها وبين أحمائها أهل زوجها، وأنها إنما خرجت لذلك، وأن المرأة المبتوتة لها سكنى ونفقة، ولكن هذا كله لا يعني شيئاً مع تصريح فاطمة بالحكم الذي حكم عليها به، وهو شيء لا حظ لها فيه، وهي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناظر عليه، وتقول: بيني وبينكم كتاب الله، أي شيء يحدثه الله بعد الثلاث؟ وقوله: [ فدفعت إلى سعيد ]. يعني: أنه أحيل إلى سعيد . تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب في إنكار حديث فاطمة بنت قيس في عدم السكنى والنفقة قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ]. أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جعفر بن برقان ]. جعفر بن برقان صدوق يهم في حديث الزهري ، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ميمون بن مهران ]. ميمون بن مهران ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: قدمت المدينة فدفعت إلى سعيد بن المسيب ]. سعيد بن المسيب ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة الفرق بين التثبت ورد خبر الآحاد السؤال: هل في إنكار عمر رضي الله عنه و عائشة و مروان حديث فاطمة بنت قيس هل في هذا حجة لمن ينكر خبر الآحاد؟ الجواب: ليس في هذا حجة، و عمر رضي الله عنه -كما هو معلوم- كان يستثبت، وله في ذلك قصص مشهورة معروفة، مثل قصته مع أبي موسى الأشعري في الاستئذان، فقد استأذن ثلاثاً ورجع، فأنكر عليه عمر ذلك وقال: ائتني بشاهد، يقصد بذلك الاستثبات. عدة المطلقة المبتوتة السؤال: ما هي عدة المطلقة المبتوتة؟ الجواب: عدتها مثل عدة المطلقة الرجعية، فالمطلقات عدتهن واحدة. صلة عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام بأبي حفص بن المغيرة السؤال: ما صلة عياش بن أبي ربيعة و الحارث بن هشام بأبي حفص بن المغيرة ؟ الجواب: هما من جماعته من بني مخزوم. ميراث المبتوتة السؤال: هل ترث المرأة المبتوتة إذا كانت في العدة إذا مات زوجها؟ الجواب: يقولون: إذا طلقها في مرض موته المخوف وكان قصده حرمانها من الميراث فإنها ترث، ويعامل بنقيض قصده، وأما إذا لم يكن كذلك فإنه لا توارث بينهما. حكم نظر المرأة إلى الرجل السؤال: هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل؛ فإن فاطمة بنت قيس كانت تنظر إلى ابن أم مكتوم ؟ الجواب: هذا ليس فيه دليل، وقد أمر القرآن النساء بغض البصر، كما قال عز وجل: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، وهكذا الرجال مأمورون بأن يغضوا من أبصارهم سواءً كانوا مبصرين أو غير مبصرين، فالمرأة لا تنظر إلى الرجل، وليس في سكنى فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم دليل على أنها تنظر إليه، والمقصود من ذلك أنه لا يستطيع النظر إليها ولو كانت على هيئة فيها شيء من التبذل، فإنه لا سبيل للأعمى إلى أن ينظر إليها، ولهذا قال: (تضعين ثيابك) يعني: فلا يراك، وأما الإنسان الذي يرى فقد يقع نظره فجأة من غير قصد، وأما هذا فلا سبيل له إلى ذلك بقصد أو بدون قصد. أثر المعاصي والذنوب السؤال: هل هذه الأمراض التي نزلت بهذه الأمة هي بسبب المعاصي والذنوب؟ الجواب: لا شك أن كل بلاء وشر فإنما سببه المعاصي والذنوب، كما قال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] يعني: أن الله عز وجل لا يغير ما بقوم من شدة ومن بأس ونحو ذلك حتى يغيروا ما بأنفسهم، أي: بأن يستقيموا على طاعة الله. سبب اختلاف روايات الحديث السؤال: كيف تختلف روايات وألفاظ الحديث الواحد والقصة واحدة؟ الجواب: كل راوٍ يروي على حسب ما تحمل، وقد يكون هناك رواية بالمعنى، أي: أن الراوي حفظ المعنى ولم يتقن اللفظ فرواه بالمعنى، وهذا شأن الرواية بالمعنى، فالإنسان قد لا يتقن اللفظ ولكنه يعرف المعنى تماماً فيعبر عنه بعبارة من عند نفسه، فهذه هي الرواية بالمعنى، وبسببها يحصل اختلاف الروايات."
__________________
|
#462
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [263] الحلقة (295) شرح سنن أبي داود [263] يجوز للمرأة المبتوتة أن تخرج في حال عدتها بالليل دون النهار لحاجتها، وهل لها السكنى والنفقة أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك، وقد وردت أحاديث وآثار في هذا وفي هذا، وقال بكلا القولين جماعات من أهل العلم، فعلى المسلم الذي تواجهه هذه المسألة أن يتحرى القول الراجح فيها. ولا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على الزوج أربعة أشهر وعشراً. ما جاء في المبتوتة تخرج بالنهار شرح حديث (اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المبتوتة تخرج بالنهار. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: طُلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجد نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها: (اخرجي فجدي نخلك، لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في المبتوتة تخرج بالنهار، أي: أن المطلقة المبتوتة في حال عدتها تخرج في النهار دون الليل، وأورد في ذلك حديث جابر رضي الله عنه أن خالته طلقت ثلاثاً، وأنها جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تستفتيه في الخروج نهاراً من أجل جداد نخلها، والجداد هو: قطع التمر، فقال لها الرسول: (اخرجي إلى نخلك؛ لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً) وهذا يدل على جواز الخروج للمطلقة المبتوتة في النهار دون الليل، وأما المطلقة الرجعية -كما هو معلوم- فهي زوجة تكون في بيت زوجها كحالتها قبل أن يحصل لها الطلاق، أي: أنها لا تخرج إلا بإذنه، وأما المطلقة المبتوتة فلا علاقة له بها، فشرع لها أن تخرج في النهار دون الليل. تراجم رجال إسناد حديث (اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي ... ) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرنا أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. التفريق بين الليل والنهار في خروج المبتوتة أثناء عدتها والتفرقة بين الليل والنهار إنما هو لأن الخروج في النهار أسهل وأوضح والناس بحاجة إلى الخروج فيه، لاسيما في مثل هذا العمل الذي لا يكون إلا بالنهار وهو الجداد، وقد جاء في القرآن ما يدل على ذلك، كما في قصة أصحاب الجنة الذين قال الله عز وجل عنهم: إذ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم:17-19]، ولهذا كره بعض أهل العلم الحصاد والجداد بالليل؛ لأنه لا يكون هناك مجال للمساكين أن يأتوا ويعطوا شيئاً من ذلك، فالخروج في النهار أسهل من الخروج في الليل. فالمعتدة المبتوتة يلزمها البقاء في البيت كالمعتدة في الوفاة، ولا تخرج إلا بالنهار، هذا هو مقتضى حديث جابر هذا. نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث شرح أثر ابن عباس في نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بآية المواريث قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث. حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض لهن من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بما فرض لها من الميراث، والمتاع: هو أن يصير لها نفقة وأن تعطى شيئاً مدة عدتها، فنسخ ذلك بما جعل لها من الميراث؛ لأن الميت إذا مات فإنه بمجرد موته ينتقل المال إلى الورثة وهي من جملتهم، فهي تنفق على نفسها من ميراثها، ولا ينفق عليها من رأس المال، وإنما كلٌّ له حقه، وحقها من الميراث هو الربع أو الثمن، فتنفق على نفسها من ذلك، والمتاع الذي كان يوصى به من أنه ينفق عليها منه طيلة عدتها نسخ بآية المواريث، كما أن الاعتداد بالحول الكامل جاء نسخه بالاعتداد بأربعة أشهر وعشر، وهذا مما جاء فيه الناسخ متقدماً على المنسوخ في الذكر وفي التلاوة؛ لأن آية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، متقدمة على آية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، فنسخ الله ذلك بآية الميراث. وقوله: (بما فرض لهن من الربع والثمن) يعني: أن الزوجات فرض لهن الربع والثمن ينفقن على أنفسهن منه، ولا يلزم أن ينفق عليهن من رأس المال مدة العدة. وقوله: (ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً)، أي: نسخ كونها تعتد حولاً كاملاً إلى أن تكون العدة أربعة أشهر وعشراً فقط. والمتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت مثلاً في بيت زوجها فتعتد في بيت زوجها، ولا يستأجر لها من رأس المال، فحيث يكون له بيت وهي ساكنة فيه فإنها تمكث فيه أربعة أشهر وعشراً. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ متاع المتوفى عنها زوجها بآية المواريث قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. هو أحمد بن محمد بن ثابت المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد ]. علي بن الحسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. إحداد المتوفى عنها زوجها شرح حديث: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إحداد المتوفى عنها زوجها. حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنهما أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة: قالت زينب : دخلت على أم حبيبة رضي الله عنها حين توفي أبوها أبو سفيان رضي الله عنه فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). قالت زينب : ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). قالت زينب : وسمعت أمي - أم سلمة رضي الله عنها- تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)، قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتفتض به، فقلَّما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعدُ ما شاءت من طيب أو غيره. قال أبو داود : الحفش: بيت صغير ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب إحداد المتوفى عنها زوجها، وإحداد المرأة هو: امتناعها من الطيب ومن الزينة في مدة العدة، وزمن العدة هو أربعة أشهر وعشر إذا كانت حائلاً -أي: غير حامل- ووضع الحمل إذا كانت حاملاً سواء طالت المدة أم قصرت، وإن كانت غير حامل فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشر. وأورد أبو داود حديث زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى وفيه أن حميد بن نافع يروي عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة، قالت زينب : دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية، ثم مست بعارضيها، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). فهذا هو الحديث الأول من الأحاديث الثلاثة التي حدثت بها زينب بنت أبي سلمة رضي الله تعالى عنها، وفِيه: أن أم حبيبة تفعل هذا الفعل ليس من أجل أنها ترغب في أن تستعمل الطيب، وإنما من أجل أن تبتعد عن الشيء الذي فيه مخالفة لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الإحداد والامتناع من الطيب، فهي تقصد بذلك تنفيذ وتطبيق السنة، وأنها لا تكون محدة وممتنعة من الزينة والطيب من أجل ميت غير الزوج؛ لأن الزوج هو الذي يحد عليه أربعة أشهر وعشراً، فتمتنع المرأة من الزينة ومن الطيب فيها، وأما غيره فليس لها أن تزيد على الثلاثة أيام التي هي أيام الحزن والمصيبة التي حلت بأهل الميت. وقوله: (تؤمن بالله واليوم الآخر) ذكر فيه الإيمان بالله عز وجل لأنه هو الأساس، وذكر الإيمان باليوم الآخر لأنه يوم الجزاء والحساب. وفيه: التنبيه على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فالإنسان أمامه ثواب وعقاب، فيستعد لذلك اليوم من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، لذلك نصّ على الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله، والإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر هما من أصول الإيمان الستة وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فقوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) هذا فيما يتعلق بالنواهي، ويأتي أيضاً في الترغيب: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، فذكر اليوم الآخر من أجل الترغيب ومن أجل تحصيل الثواب، ويذكر في الترهيب من أجل الحذر من العقاب. وفيه: بيان أن العدة هي أربعة أشهر وعشر، وأن الإحداد إنما يكون أيضاً في العدة، ومن المعلوم أن العدة والإحداد إنما يبدأان من الوفاة، فلو لم تعلم المرأة بوفاة زوجها إلا بعد أن تمضي مدة من العدة فإنها تعتد الباقي، ولو لم يأت الخبر إلا بعد أربعة أشهر وعشر فإنها تكون قد مضت عدتها ولا يلزمها أن تأتي بعدة جديدة، فالعدة هي أربعة أشهر وعشر من وفاة الزوج سواء عُلم بذلك أو لم يعلم، وإذا كان قد مضى بعض الوقت فإنها تعتد الباقي، أي: تجلس المرأة الباقي وتمتنع من الطيب والزينة في الباقي، ولو خرجت من العدة قبل أن تعلم بوفاة الزوج فإن العدة تكون قد انتهت ومضت. وقوله: [ قالت زينب : ودخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: والله! ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) ]. فهذا الحديث كما أنه جاء عن أم حبيبة فقد جاء أيضاً عن زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، إذاً فقد جاء عن اثنتين من أمهات المؤمنين. وقولها: ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر) هذا فيه بيان أنه قاله على المنبر، وهذا يدل على إعلان السنن وتبيينها على المنابر وفي الخطب كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. وقوله: [ قالت زينب : وسمعت أمي أم سلمة تقول: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: لا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي أربعة أشهر وعشر) ]. وسبب منعها من الاكتحال أن الكحل من الزينة وعليها أن تجتنب الزينة، فإذا كان هناك علاج بغير الزينة فلا بأس به، فالمحذور هو أن تعالجها بشيء من الزينة كالكحل، فدل هذا على أن المرأة تجتنب الزينة ولو كان ذلك لحاجة ولأمر يقتضيه. ثم قال: (إنما هي أربعة أشهر وعشر) يعني: أنها مدة قصيرة بالنسبة لما كان عليه أهل الجاهلية، فإنهن كن في الجاهلية يمكثن سنة كاملة وهنّ بحال سيئة من الابتعاد عن الزينة والابتعاد عن النظافة، فلا تأخذ المعتدة شعراً، ولا تقلم ظفراً سنة كاملة، فتكون على هيئة كريهة وقبيحة، وأما الأربعة أشهر والعشر فإنها مدة قليلة يقللها صلى الله عليه وسلم بالنسبة لما كان في الجاهلية. وقوله: [ (وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) ]. قيل: إن المقصود بذلك: أنها كانت إذا مضى الحول وقد بقيت على هذه الهيئة الكريهة، وصبرت على هذا الأذى وهذه المشقة فإنها ترمي بالبعرة، وهذا معناه: أن هذه المدة التي قطعتها من أجل الوفاء للزوج لا تساوي هذه البعرة التي ترمي بها، وأنه شيء يسير، أي: أن هذا الذي عملته من المكث هذه المدة الطويلة في مسكن ضيق مظلم صغير لا يساوي شيئاً في جانب حق الزوج والوفاء به، وأن البقاء هذه المدة على هذه الهيئة لا يساوي هذه البعرة، وأن المدة التي مضت سهلة عليها كهذه البعرة التي ترمي بها بيدها. وقوله: [ قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طائر- فتفتض به فقلَّما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد، ما شاءت من طيب أو غيره ]. الحفش: هو مكان ضيق تجلس فيه ولا تخرج ولا تمس طيباً ولا تأخذ شعراً، ولا تقلم أظفاراً، وتكون في ذلك المكان أيضاً في حر وفي عرق، وتبقى هذه المدة الطويلة فتكون مثل الجيفة، فإذا مضى الحول أُعطيتْ طائراً أو حماراً أو شاة فقلَّما تفتض بشيء إلا مات؛ أي: بسبب نتن رائحتها، ومعنى تفتض به: أي: تدلك به جسدها، فلشدة النتن الذي كان على جسدها خلال هذه السنة من أولها إلى آخرها فإنها لو أخذت طائراً حياً ودلكت به جسدها فإنه يموت من شدة هذه الرائحة، وهذا واضح بالنسبة للطائر، وأما بالنسبة للحمار وللشاة فلعل المقصود به أنها لو فعلت ذلك برأسه فإنه يموت؛ لشدة الرائحة الكريهة. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ... ) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر ]. عبد الله بن أبي بكر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حميد بن نافع ]. حميد بن نافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زينب بنت أبي سلمة ]. زينب بنت أبي سلمة ربيبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قالت: دخلت على أم حبيبة ]. هي أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، وكذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها حديثها عند أصحاب الكتب الستة. وكذلك أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها، وحديثها أيضاً عند أصحاب الكتب الستة. ما جاء في المتوفى عنها تنتقل شرح حديث: ( ... امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المتوفى عنها تنتقل. حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة : أن الفريعة بنت مالك بن سنان -وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما- أخبرتها: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي؛ فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم، قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في المتوفى عنها تنتقل، يعني: من بيت زوجها إلى أهلها أو إلى مكان آخر، يعني: هل لها ذلك أو ليس لها ذلك؟ وأورد أبو داود حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما: أن زوجها كان له أعبد وأنهم أبقوا -أي: هربوا- فلحقهم، فلما أدركهم قتلوه في مكان يقال له: القدوم، هو قريب من المدينة، وأنها جاءت تستأذن في الانتقال إلى أهلها، فأذن لها صلى الله عليه وسلم، ولما كانت في الحجرة أو في المسجد دعاها فقال: ماذا قلت؟ فأعادت الذي قالت، ثم قال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، يعني: امكثي في البيت الذي كنت فيه امكثي فيه حتى يبلغ الكتاب أجله، أي: حتى تمضي الأربعة أشهر والعشر التي هي مدة العدة، أو وضع الحمل إذا كانت المرأة المتوفى عنها حاملاً، وهذا يدل على أنها لا تنتقل وأنها تبقى في بيت زوجها أو المكان الذي هي فيه مع زوجها، ولكن إذا كان هناك مصلحة في الانتقال أو كان هناك خوف عليها من البقاء في ذلك المكان كأن يكون موحشاً أو أنه غير مأمون فلها أن تنتقل، وإلا فإن الأصل أنها لا تنتقل، وإنما تعتد في بيت زوجها. وقولها: [ قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به ]. يعني: لما كانت خلافة عثمان بعث إليها فحدثته بالحديث فاتبعه وقضى به، أي: أنه كان يفتي بأن المرأة تعتد في بيت زوجها عدة الوفاة.
__________________
|
#463
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: ( ... امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله .... ) [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ]. سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة ]. عمته زينب بنت كعب بن عجرة مقبولة، ويقال: لها صحبة، أخرج لها أصحاب السنن. [ أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري ]. الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن. ما جاء فيمن رأى التحول أثر ابن عباس: ( نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من رأى التحول. حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا موسى بن مسعود حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال: قال عطاء : قال ابن عباس رضي الله عنهما: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله تعالى: (( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ))، قال عطاء : إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت؛ لقول الله تعالى: (( فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ )). قال عطاء : ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، تعتد حيث شاءت ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب من رأى التحول، يعني: أنها تتحول من مكان إلى مكان. ثم أورد أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن هذه الآية: (( مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )) نُسخت، فنُسخ الأجل بالحول إلى أربعة أشهر وعشر، ونُسخ المتاع وكذلك السُكنى إذا كان هناك استئجار وتحمل مال بالميراث الذي شرعه الله للمرأة المتوفى عنها. ولكن إذا كان له بيت وهي ساكنة فيه فإن عليها أن تبقى فيه، كما جاء في حديث الفريعة الذي فيه: أنه أمرها أن تعتد في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله. وعلى هذا فالذي نسخ هو الحول، وكذلك نسخ وجوب السُكنى، بمعنى: أنه لا يتحمل أحد شيئاً من أجل إسكانها، ولا يستأجر لها مكاناً إذا لم يكن له مكان يسكن فيه، وأيضاً من حيث المتاع -وهو الإنفاق عليها مدة العدة- فإنه لا نفقة لها؛ لأنها تنفق على نفسها من نصيبها من الميراث. قوله: [ (إن شاءت اعتدت في بيت أهله وسكنت في وصيتها) ]، يعني: قوله: (( وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ))، أي: الذي أوصى لها فيه، وهذا قتد نسخ. فإن شاءت بقيت في المكان الذي أوصى لها فيه، وإن شاءت خرجت لقوله: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240]، وهذا إن كان له بيت تسكن فيه فإنها تبقى في مكانها، وأما إن لم يكن له بيت فليس على ورثته أن يستأجروا لها مكاناً تسكن فيه، وإنما تستأجر هي من ميراثها. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت ... ) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا موسى بن مسعود ]. أحمد بن محمد المروزي مرّ ذكره، و موسى بن مسعود صدوق سيئ الحفظ، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ حدثنا شبل ]. هو شبل بن عباد المكي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن ابن أبي نجيح ]. هو عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن عباس ]. ابن عباس قد مرّ ذكره. الأسئلة معنى وصل الصفوف وقطعها السؤال: قال صلى الله عليه وسلم: (من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لتصلي على الذين يصلون الصفوف)، كيف يكون الوصل؟ وكيف يكون القطع؟ الجواب: يكون الوصل بإتمام الصف الأول فالأول بحيث لا ينشأ الصف الثاني إلا إذا اكتمل الأول، ولا ينشأ الصف الثالث إلا إذا اكتمل الثاني، ولا ينشأ الصف الرابع إلا إذا اكتمل الثالث... وهكذا. ويكون وصل الصفوف أيضاً بالتقارب والتراصّ في الصفوف وألا يكون فيها فُرَج، ويكون التراصّ والتقارب إلى جهة الإمام، ولا يكون إلى أحد طرفي الصف وإنما يتجه الناس إلى جهة الإمام، فإذا كانوا من جهة اليمين تراصّوا وتقاربوا إلى جهة اليسار، وإذا كانوا في يسار الصف فإنهم يتراصون إلى جهة اليمين، أي: إلى جهة الإمام. فوصل الصفوف يكون بملء الصفوف والتقارب وعدم وجود فُرَج، وكذلك يتحاذون بلا تقدم ولا تأخر. وقطع الصفوف هو: عدم وصلها وعدم المبالاة بذلك. حكم عقد الدروس قبل خطبة الجمعة السؤال: في إحدى الدول العربية تفرض وزارة الشئون الدينية على الخطباء إقامة درس قبل خطبتي الجمعة، مع اعتقاد أولئك الخطباء عدم جواز ذلك للنهي الوارد فيه، فهل يجوز إقامة ذلك الدرس من باب مصلحة الإمامة والخطابة في تلك المساجد لنشر السنة والتوحيد فيها، وعدم تركها لأهل الأهواء؟ الجواب: جاء النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وإذا كان الأمر كما ذكر السائل وأنه يترتب على عدم التنفيذ الحيلولة بينه وبين الصلاة والخطبة والإمامة، وأن الأمر يئول إلى أن يصل إلى مثل هذه المهمات من فيهم شر ومن لا خير فيهم، فيمكن للإنسان أن يفعل من ذلك شيئاً يسيراً وفي وقت يسير جداً، مثل أن يستغرق خمس دقائق أو قريباً من ذلك من أجل تلك المصلحة؛ لأن مثل هذا الوقت أو مثل هذه الفترة القصيرة يحصل بها الإبقاء على هذه المصلحة العظيمة، وفي نفس الوقت لم يَطل ذلك الوقت الذي يحصل به الانشغال عن الصلاة والاستعداد والتهيؤ لها، والاشتغال بقراءة القرآن وبالصلاة، حيث يصلي الإنسان ما شاء قبل الخطبة كما في الحديث الوارد في ذلك، فلا بأس بفعل ذلك إذا كان الوقت يسير جداً. حكم من سبّ الله عز وجل السؤال: هل الرجل الجاهل الذي يسب الله عز وجل نكفره ابتداءً كالعالم بحكم السب، أم أننا لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة وبيان المحجة؟ الجواب: كيف تقام الحجة على سب الله؟! وكيف يقال: إن هذا يجوز أو لا يجوز؟! فسبّ الله ليس فيه جهل، فمن سب الله عز وجل فهو كافر، إلا إذا كان سَبْقَ لسان دون قصد فهو معذور، وأما أن يتلفظ الإنسان ويتفوّه بسب الله عز وجل فليس له حجة، فهذا أمر لا يجوز وليس هناك أحد عنده شك أن سبّ الله لا يجوز. حكم التكفير بدون إقامة الحجة السؤال: هل هذا القول صحيح: نحن نُكفّر مطلقاً دون إقامة الحجج؟ الجواب: من الذي يُكَفّر مطلقاً دون إقامة الحجج؟! فهناك أمور خفية يمكن أن تقام فيها الحجة، وهناك أمور ليست خفية كالسبّ الذي ذكرناه، فهذا كيف تقام فيه الحجة؟ فإن هذا لا يجوز، أعني: أن يسب الإنسان الله عز وجل الذي خَلَقَه. نقصان العمل لا ينفي وجود أصل الإيمان السؤال: بعض الناس يقول: إن العمل ركن في مسمى الإيمان، فالذين لا يأتون بكل الأعمال ليسوا بمسلمين ولا يصلى عليهم، ما صحة هذا الزعم؟ الجواب: هذا قول باطل؛ لأن الأعمال ليست كلها فرائض، بل فيها سنن، واعتقاد الإنسان أنه لابد أن يأتي بالسنن والأعمال الصالحة كلها، وإن لم يأت بها فإنه يكون كافراً أو غير مؤمن هذا قول باطل؛ لأن الأعمال ليست كلها على حد سواء، بل هي متفاوته، ففيها قسم يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهي السنن والمستحبات. علاقة العمل بالإيمان السؤال: نريد التفصيل في العمل: هل هو شرط كمال، أو شرط صحة، أو ركن في مسمى الإيمان؟ الجواب: الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ولكنها متفاوتة، ففيها أمور متحتمة وفيها أمور مستحبة، والأعمال يزيد بها الإيمان وينقص بنقصانها، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ومعلوم أن هذه الزيادة التي تحصل تكون بالواجبات وبالمستحبات، والتفاوت يكون بذلك، والأعمال ليست على حد سواء، ففيها نوع إذا ذهب لا يذهب الإيمان معه، وفيها نوع إذا ذهب فإنه يذهب معه الإيمان، فالأعمال مثل جسم الإنسان، حيث إن في جسم الإنسان شيء إذا قطع مات معه الإنسان، وهناك شيء إذا قطع يبقى الإنسان حياً. حكم تارك الصلاة السؤال: هناك من يقول: لا شيء من الأعمال يكفر به الإنسان إذا تركه حتى الصلاة إذا كان مقراً بها، ويكون إيمانه ناقصاً، وهو مستوجب للعقاب، فهل هذا من قول أهل السنة؟ الجواب: تارك للصلاة تهاوناً وكسلاً فيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بكفره، ومنهم من قال بعدم كفره، والذين قالوا بعدم كفره يقولون: إنه مستحق للوعيد، وإنه على خطر، ولا يقال: إنهم من أهل الإرجاء؛ لأن القائلين بالإرجاء يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فبدعة الإرجاء فيها تحلل من الدين ومن التكاليف؛ لأن عندهم أنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وعندهم أن الناس كلهم على حد سواء في الإيمان، فلا فرق بين أتقى الناس وأفجر الناس، فما دام أنهم مسلمون فكلهم سواء في الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم هو ما يكون في القلب فقط، فالقائلون من العلماء بأن تارك الصلاة لا يكفر كثيرون قديماً وحديثاً فلا يقال: إنهم مرجئة أو إنهم من أهل الإرجاء. حكم إقامة جماعتين في مسجد السؤال: تأخرت عن صلاة المغرب ولم أدرك صلاة الجماعة مع الإمام فصليت مع الجماعة الثانية، فأنكر علي أحد الإخوة وقال: إنه من المتيقن أن في الجهة المقابلة من المسجد توجد جماعة أخرى، ولكني لم أرها، فهل يجوز أن أصلي مع الجماعة الثانية حيث لم أشاهد الجماعة الأخرى؟ الجواب: أنت معذور ولا شك في ذلك، وإذا كان المسجد كبيراً مثل المسجد النبوي ودخل إنسان من الباب الغربي وهناك جماعة عند الباب الشرقي فما يدريه أن هناك جماعة؟ لكنه إذا رأى جماعة فإنه يذهب إليها، وإذا لم ير فله أن يصلي مع غيره جماعة. وإذا دخل مثلاً من الجهة الشرقية ووجد جماعة فيصلي معهم ولا يلزمه أنه يذهب إلى أقصى المسجد لا إلى الجهة الغربية ولا إلى الجهة الشمالية ولا إلى الجهة الشرقية، وإلا فمعناه أنه لن يصلي، بل سيبقى يطوف بالمسجد ويدور عليه جميعاً من أوله إلى آخره يفتش عن جماعة حتى يجيء العشاء وهو لم يحصل ولم يصل المغرب. تحول المبتوتة من بيت زوجها السؤال: جاء في صحيح مسلم عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: قلت يا رسول الله! إن زوجي طلقني ثلاثاً وأخاف أن يقتحم علي، فأمرها فتحولت، ففي هذا الحديث ذكر سبب التحول؟ الجواب: لكن جاء في الحديث أنه قال: (لا سكنى لك ولا نفقة)، جاء هذا عنها في روايات متعددة، وهذا الذي حصل هو شيء آخر، فمع كونها لا سكنى لها ولا نفقة حصل لها ما يخاف عليها منه، ومجرد إخبارها بأن الرسول قال: (لا سكنى لك ولا نفقة) كافٍ في تحولها. حكم قسمة الميراث قبل انتهاء العدة السؤال: هل يجوز قسمة الميراث قبل انتهاء العدة؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأنه يستحق بمجرد الوفاة، فيمكن قسمة الميراث وكل يأخذ نصيبه سواء المعتدة أو غيرها. حكم تنكيس الأعلام السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليالٍ)، هل يدخل في هذا النهي ما يحصل من تنكيس الأعلام؟ الجواب: تنكيس الأعلام من الأمور المحدثة فلا يجوز، ومثل هذه أمور محدثة مبتدعة. الأمور التي يكون فيها الإحداد السؤال: بماذا يكون الإحداد في الوفاة؟ الجواب: يكون الإحداد بترك الزينة والطيب وترك الخروج أيضاً إلا للضرورة. بيان ممن يكون الإحداد السؤال: هل يكون الإحداد على كل من توفي عنها زوجها سواء كانت مدخولاً بها أو غير مدخول؟ الجواب: نعم، كل من توفي عنها زوجها مدخولاً بها أو غير مدخول فإنها تحد، وقد سبق أن مر قصة المرأة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام: (عليها العدة، ولها الميراث، ولها مهر المثل). حكم اعتداد الأمة السؤال: هل على الأمة عدة؟ الجواب: الإماء ليس عليهن عدد، فإذا مات سيدها فلا عدة عليها؛ لأن الاعتداد إنما هو للزوجات فقط. عموم حديث: ( بريق بعضنا، وتربة أرضنا ... ) السؤال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (بريق بعضنا، وتربة أرضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا)، هل هذا التراب خاص بتربة معينة؟ الجواب: الذي يبدو أنه عام، وأنه يقال في كل مكان. حكم لبس الحزام المخيط للمحرم السؤال: هل يجوز للمريض الذي يلبس على وسطه حزاماً به خيط أن يقوم بأداء العمرة دون أن يخلع هذا الحزام؟ الجواب: الحزام ليس فيه بأس سواءً لبسه أولاً أو لبسه في الآخر، فوجود الحزام ولو كان مخيطاً لا يؤثر، فللإنسان أن يستعمله فإنه لا يؤثر على الإحرام. بيان كيف تعمل الحائض إذا أرادت أن تعتمر السؤال: ماذا تفعل المرأة إن كانت على حال حيض قبل أداء العمرة، أو خافت أن تسافر لأداء العمرة فتحيض بعد السفر؟ الجواب: إذا كانت المرأة تعرف أن سفرهم غالباً أو عادة سيكون قبل انتهاء حيضها فإنها لا تدخل في العمرة، وإن كانت تعلم بأن خروجها أو انتهاء عادتها قبل وقت سفرهم فإنها تدخل في الإحرام، وإذا وصلوا مكة تبقى في سكنها ولا تدخل المسجد، فإذا طهرت تغتسل وتدخل وتطوف. حكم لبس المعتدة اللباس الأبيض السؤال: هل ورد في السنة لبس المعتدة التي مات عنها زوجها اللباس الأبيض طيلة هذه المدة؟ الجواب: لا نعلم شيئاً في هذا، والشيء الذي يمنع هو الزينة، فالأولى ألا تفعله المرأة. حكم تسريح المعتدة شعرها السؤال: هل تسريح المعتدة شعرها يعد من الزينة؟ الجواب: لا، ليس من الزينة؛ لأنها لو بقيت بدون أن تسرح شعرها فستكون على حالة تشبه أحوال النساء في الجاهلية. حكم استعمال المعتدة الصابون المعطر وحكم تقليم أظفارها السؤال: هل اغتسال المعتدة بصابون معطر من الزينة؟ وهل تقلم أظفارها؟ الجواب: لا تستعمل الطيب، واغتسالها بالصابون لا بأس به لكن تستعمل شيئاً لا طيب فيه، وتقليم الأظفار ليس فيه بأس، فلها أن تقلم أظفارها. حكم بيع الأشياء الموقوفة السؤال: رأيت أحد الباعة يبيع كتاباً مكتوباً عليه: وقف لله تعالى، فهل يجوز له ذلك؟ الجواب: لا يجوز بيع ما هو موقوف، فالذي كتب عليه (وقف) لا يجوز بيعه، وإنما للإنسان أن يستفيد منه، وإذا استغنى عنه فإنه يعطيه غيره بدون بيع. حكم الاستناد على المصاحف السؤال: هل يجوز أن يستند الإنسان على المصاحف؟ الجواب: لا يجوز الاستناد على المصاحف."
__________________
|
#464
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [264] الحلقة (296) شرح سنن أبي داود [264] من الأمور الشرعية التي يجب معرفتها -وخاصة على النساء- مسائل العدد والطلاق، فمعرفة هذه المسائل مهمة؛ حتى لا يقع الرجل أو المرأة في الحرام وفيما لا يحل؛ فإن مسائل الزواج إذا لم يتحر فيها قد يقع فيها محاذير عظيمة، لذا يجب معرفتها حتى لا يقع الإنسان فيها. ما تجتنبه المعتدة في عدتها شرح حديث أم عطية ( لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها. حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني هشام بن حسان ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله -يعني: ابن بكر السهمي - عن هشام -وهذا لفظ ابن الجراح - عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها بنبذة من قسط أو أظفار). قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً)، وزاد يعقوب : (ولا تختضب) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي: باب فيما تجتنبه المعتدة في عدتها، وقد ذكرنا فيما مضى أن الإحداد هو الامتناع من الزينة والطيب، فالمرأة المعتدة للوفاة تجتنب الطيب، وتجتنب استعمال الزينة في الثياب وغيرها، ولا تلبس ثياب الزينة سواءً كانت مصبوغة أو غير مصبوغة، وإنما تلبس لباساً لا زينة فيه، ولا تتجمل، ولا تتطيب، ولا تكتحل ولا تختضب، فكل هذه الأمور التي هي زينة تجتنبها المرأة المعتدة للوفاة. وأورد أبو داود حديث أم عطية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)، وقد سبق أن مر هذا الحديث عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها، وعن زينب بنت جحش ، وعن أم حبيبة كل منهما جاء عنها مثل ما جاء في حديث أم عطية : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد أكثر من ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً). وذكرنا فيما مضى أن قوله: (أربعة أشهر وعشراً) إنما هو لغير الحامل، وأما الحامل فإن انتهاء عدتها يكون بوضع الحمل، وأجلها هو وضع الحمل طالت المدة أم قصرت، وأما غير الحامل فسواء كانت ممن تحيض أو كانت صغيرة أو آيسة، أو كانت مدخولاً بها أو غير مدخولاً بها فكل واحدة منهن تعتد أربعة أشهر وعشراً. وقوله: (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب)، يعني: أنه مصبوغ للزينة، وقوله: (إلا ثوب عصب) قيل: هو الذي جمعت خيوطه قبل أن ينسج وحزمت وصبغت ثم بعد ذلك نسجت، يعني: أنه لم يصبغ وهو منسوج فيكون مصبوغاً للزينة، وإنما صبغت خيوطه قبل أن ينسج، وقد ربط وحزم وصبغ محزوماً مربوطاً ثم فك الحزام ونسج، فمثل ذلك مستثنى؛ لأن الصبغ لم يكن بعد النسيج ولم يفعل للزينة، وإنما فعل في أول الأمر بحيث كانت خيوطه مصبوغة. قوله: (ولا تكتحل)، لأن الاكتحال زينة، وقد سبق أن مر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن امرأة جاءت تسأل عن بنتها توفي زوجها فقالت: إنها اشتكت عينها أفنكحلها؟ قال: (لا)، ثم ذكر قصة المرأة في الجاهلية وأنها كانت تمكث المدة الطويلة، وأن الإسلام إنما جاء بأربعة أشهر وعشر) وهي قليلة. قوله: (ولا تمس طيباً إلا أدنى طهرتها) يعني: إذا جاء طهرها من الحيض فإنها تستعمل نوعاً من الطيب تضعه في مكان النتن حتى يذهب أثر الرائحة المنتنة، وإلا فإنها لا تتطيب، وهذا مستثنى من منع استعمالها للطيب، ويكون قوله: (طيباً) مخصوصاً وليس أي طيب تستعمله المرأة في هذه الحال. قوله: (بنبذة من قسط أو أظفار) يعني: بشيء يسير من قسط أو أظفار، والمقصود بذلك: نوع من الطيب معروف عندهم. [ قال يعقوب مكان عصب: (إلا مغسولاً). يعقوب هو شيخ أبي داود الأول، وهو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي . وقوله: [ وزاد يعقوب : (ولا تختضب) ]. يعني: أن يعقوب زاد على الشيخ الثاني قوله: (ولا تختضب)، وهذا فيه النهي عن الخضاب؛ لأن الخضاب زينة وجمال تتجمل المرأة به. تراجم رجال إسناد حديث أم عطية ( لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج ... ) قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ]. يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري ؛ لأنه توفي سنة (252هـ)، ومثله محمد بن بشار و محمد بن المثنى فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وكانت وفاتهم جميعاً في سنة واحدة قبل وفاته بأربع سنوات. [ حدثنا يحيى بن أبي بكير ]. يحيى بن أبي بكير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إبراهيم بن طهمان ]. إبراهيم بن طهمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني هشام بن حسان ]. هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني ]. لفظة (ح) للتحول من إسناد إلى إسناد، و عبد الله بن الجراح القهستاني صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ عن عبد الله يعني: ابن بكر السهمي ]. عبد الله بن بكر السهمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام،وهذا لفظ ابن الجراح ]. يعني: عبد الله بن الجراح الذي في الإسناد الثاني، والإسناد الأول أنزل من الإسناد الثاني؛ لأن أبا داود بينه وبين هشام بن حسان ثلاثة أشخاص، وفي الإسناد الثاني بينه وبينه شخصان اثنان، والغالب أن الإسناد العالي يذكر أولاً، ثم يذكر الإسناد النازل، ولكنه هنا عكس القضية، ولعل السبب في ذلك أن الإسناد النازل فيه شخص متكلم فيه وهو: عبد الله بن الجراح وهو شيخه، وأما رجال الإسناد الأول: يعقوب بن إبراهيم الدورقي عن يحيى بن أبي بكير عن إبراهيم بن طهمان فكل هؤلاء ثقات خرج لهم أصحاب الكتب الستة. إذاً: ففي النازل قوة؛ فأحياناً يقدم النزول على العلو لقوة في النازل ولضعف في العالي، أو لشيء من الكلام في العالي، ولهذا يقول -أظنه السيوطي-: وربما يعرض للمفوق ما يجعله مساوياً أو قدما يعني: أن النازل قد يعرض له شيء يجعله مقدماً، كأن يكون الرجال كلهم ثقات، والعالي يكون فيه شيء من الضعف. [ عن حفصة ]. حفصة بنت سيرين ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أم عطية ]. أم عطية هي نسيبة بنت كعب رضي الله تعالى عنها صحابية، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ( لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج ... ) من طريق أخرى وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله و مالك بن عبد الواحد المسمعي قالا: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام عن حفصة عن أم عطية رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهما. قال المسمعي : قال يزيد : ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب)، وزاد فيه هارون : (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب) ]. أورد أبو داود حديث أم عطية من طريق أخرى وأحال على الرواية السابقة فقال: بهذا الحديث وليس بمثل حديثهما، يعني: ليس مماثلاً له تماماً؛ لأن قوله: (بهذا الحديث) قد يفهم منه أنه مساوٍ له، ولكنه قال: وليس في تمام حديثهما، يعني: أنه ليس مطابقاً له تماماً. وقوله: [ قال المسمعي : قال يزيد : ولا أعلمه إلا قال فيه: (ولا تختضب) ]. يزيد هو ابن هارون شيخ المسمعي هذا، قال: ولا أعلمه إلا قال: (ولا تختضب)، يعني: أن هذه زيادة من جهة المسمعي ، وهناك زيادة من جهة يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهنا قال: (لا أعلمه إلا قال) وكأن المسألة فيها شك وليس فيها جزم من جهة المسمعي . وقوله: [ وزاد فيه هارون : (ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب) ]. هارون هو شيخه الأول، وهو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، وروايته هذه مثل رواية الشيخ الثاني في الإسناد الأول الذي قال: (إلا ثوب عصب)، يعني: أنه استثنى ثوب عصب. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ و مالك بن عبد الواحد المسمعي ]. مالك بن عبد الواحد المسمعي ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ قالا: حدثنا يزيد بن هارون ]. يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن حفصة عن أم عطية ]. هشام و حفصة و أم عطية قد مر ذكرهم في الإسناد السابق. شرح حديث أم سلمة ( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها في بيان أمور تجتنبها المحدة وهي: أنها لا تلبس المعصفر من الثياب، وهو الذي صبغ بالعصفر، ولا الممشق: وهو الذي صبغ بصبغ يقال له: المشق أو الممشق. وقوله: (ولا الحلي) يعني: لا تلبس الحلي ولا تلبس الزينة. وقوله: (ولا تختضب) يعني: لا تختضب بالحناء في اليدين أو الرجلين. وقوله: (ولا تكتحل) الكحل قد مرت روايات متعددة فيه؛ ونهي عنه لأنه زينة. تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة ( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ... ) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال: حدثني بديل ]. يحيى بن أبي بكير و إبراهيم بن طهمان مر ذكرهما، و بديل هو ابن ميسرة ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن الحسن بن مسلم ]. الحسن بن مسلم بن يناق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن صفية بنت شيبة ]. صفية بنت شيبة لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن أم سلمة ]. هي هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء -قال أحمد : الصواب: بكحل الجلاء- فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة رضي الله عنها فسألتها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة : (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال: ما هذا يا أم سلمة ؟! فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله! ليس فيه طيب، قال: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟! قال: بالسدر تغلفين به رأسك) ]. أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه: أن المغيرة بن الضحاك قال: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء، والجلاء قيل: هو الأثمد الذي يجلو العينين ويجملهما، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه المنع من ذلك، وفيه: أن امرأة جاءت وقالت: إن ابنتها مات زوجها وأنها تشتكي عينها أفنكحلها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر)، ثم ذكر العمل الذي كانوا يعملونه في الجاهلية من أن المرأة كانت تمكث سنة كاملة في حالة سيئة، وأن الإسلام جاء بأمر يسير وشيء سهل ومدة تعتبر ثلث المدة التي كانت في الجاهلية تقريباً. وهذا الحديث فيه أنها تستعمل الكحل إذا كان في أمر لابد منه، وأنها تضعه بالليل وتمسحه بالنهار، وكذلك ما ذكرته أم سلمة عن استعمالها للصبر في عينيها عندما مات أبو سلمة وهي في عدتها منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يشب الوجه) يعني: أنه يجمل ويظهر الوجه بمظهر حسن، وأمرها بأن تفعله بالليل وتمسحه بالنهار. ولكن هذا الحديث مخالف للحديث الذي مر وهو صحيح فقد منعها فيه من الاكتحال، وأيضاً هذا الحديث في إسناده مجهولان ومقبول، إذاً فهو ليس بحجة ولا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أم سلمة ؛ لأن الإسناد إليها فيه هاتان المجهولتان والرجل المقبول الذي دونهما، والمقبول لا يحتج به إلا إذا وجد من يعضده، ولو وُجد من يعضد هذا فإنه لا حجة فيه؛ لأن الإسناد فيه هاتان المرأتان المجهولتان، إذاً فالحديث غير صحيح فلا يعارض الحديث الذي سبق أن تقدم في أن المرأة لا تكتحل، وأنها إنما كانت تريد أن تفعل ذلك للعلاج في أمر لابد منه، ولهذا قالت: اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال: (لا). تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني مخرمة ]. هو مخرمة بن بكير ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. أبوه هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت المغيرة بن الضحاك ]. المغيرة بن الضحاك مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها ]. أم حكيم بنت أسيد مجهولة، أخرج لها أبو داود و النسائي ، وكذلك أمها مجهولة، أخرج لها أبو داود . [ عن أم سلمة ]. أم سلمة مر ذكرها. عدة الحامل شرح حديث سبيعة الأسلمية في عدة الحامل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في عدة الحامل. حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استفتته، فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة -وهو من بني عامر بن لؤي، وهو ممن شهد بدراً- فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة؛ لعلك ترتجين النكاح؟ إنك والله! ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي. قال ابن شهاب : ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في عدة الحامل، والأربعة الأشهر والعشر التي مرت هي في عدة الحوائل اللاتي هن غير حوامل، سواءً كانت الواحدة منهن آيسة من الحيض بأن تجاوزت سن المحيض أو أنها لم تبلغ سن المحيض لصغرها، وسواء كانت مدخولاً بها، أو غير مدخولاً بها فإن هؤلاء يعتددن بأربعة أشهر وعشر. أما الحوامل فإن عدتهن تختلف عن عدة الحوائل؛ وذلك بأن عدتهن وضع الحمل طالت المدة أو قصرت، فقد تكون ساعة وقد تكون ثلاث سنين، وذلك إذا بقي الحمل هذه المدة الطويلة، فقد وجد في بعض الرواة من مكث في بطن أمه ثلاث سنين، كما ذكروا ذلك في ترجمة محمد بن عجلان المدني . فالحاصل: أن الحامل عدتها وضع الحمل طالت المدة أو قصرت، فقد تكون ساعة واحدة وقد تكون ثلاث سنين، فالمعتبر هو وضع الحمل، أي: أن انتهاء العدة يكون بوضع الحمل، وإذا كانت في النفاس فلها أن تتزوج كما ذكره المصنف عن الزهري ؛ لأنها ليست في العدة، والزواج يكون بعد العدة؛ إلا أنها لا يقربها زوجها؛ لأن النفساء مثل الحائض لا تجامع. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث سبيعة الأسلمية رضي الله عنها أن زوجها توفي، وزوجها هو سعد بن خولة رضي الله عنه توفي في حجة الوداع، وذكرت أنها ما لبثت حتى ولدت، أي: أنها ولدت بعده بوقت يسير، وأنها لما تعلت -يعني: انتهت- من نفاسها وطهرت تجملت، فجاءها أبو سلمة بن بعكك وقال: لعلك تريدين النكاح؟ لست بفاعلة حتى تمضي عليك أربعة أشهر وعشر. وقال بعض العلماء: إنها تعتد أكثر الأجلين، فإن بلغت مدة الحمل أربعة أشهر وعشراً فإنها تكون متفقة مع المدة، وإن زادت فإنها تنتظر حتى تضع، ومعنى هذا: أنها لو وضعت قبل أن تبلغ أربعة أشهر وعشراً فإنها تنتظر حتى تكمل أربعة أشهر وعشراً، ولكن حديث سبيعة الأسلمية هذا واضح الدلالة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها قد خرجت من عدتها بوضع الحمل، وأن لها أن تنكح إذا أرادت ولو لم تبلغ أربعة أشهر وعشراً؛ لأن الأربعة الأشهر والعشر هذه إنما تكون للحوائل دون الحوامل، وأما الحوامل فعدتهن وضع الحمل طالت المدة أو قصرت. تراجم رجال إسناد حديث سبيعة الأسلمية في عدة الحامل قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ]. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين الذين يأتي ذكرهم كثيراً فيقال: الفقهاء السبعة، أو قال به الفقهاء السبعة، أو هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة، وهذا يغني عن عدهم وسردهم، ومنهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري ]. عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري مقبول، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية ]. سبيعة الأسلمية رضي الله تعالى عنها صحابية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . العمل بالمكاتبة عند المحدثين هذا الحديث فيه العمل بالكتابة والمكاتبة، وهذا شيء معروف عند المحدثين، وهي من طرق التحمل والأداء، وكيفية ذلك أن يكتب الواحد إلى الآخر بالحكم أو بالحديث، وقد سبق أن مرت قصة وراد كاتب المغيرة الذي كتب إلى معاوية في قصة الذكر بعد السلام من الصلاة، ففيها الكتابة، وهذا أيضاً فيه الكتابة، وهي تأتي في أعلى الأسانيد وفي أوساط الأسانيد وفي أول الأسانيد، وسبق أن مر إسناد قال فيه أبو داود : كتب إلي فلان، وهو أحد شيوخه، و البخاري أيضاً له في صحيحه موضع واحد عن محمد بن بشار قال فيه: كتب إلي محمد بن بشار ، وهو من صغار شيوخه، فالمكاتبة طريق من الطرق التي يعول عليها في تحمل وأداء الحديث. شرح أثر ابن مسعود ( من شاء لاعنته، لأنزلت سورة النساء القصرى ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء ، قال عثمان : حدثنا وقال ابن العلاء : أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: (من شاء لاعنته، لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر وعشر) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن عبد الله بن مسعود قال: من شاء لاعنته، يعني: باهلته، وهذا معناه أنه متوثق ومطمئن إلى الشيء الذي يتكلم فيه، وأن نزول سورة النساء القصرى -وهي سورة الطلاق- بعد الأربعة أشهر وعشر، يعني: كما هو في سورة البقرة، وجاء في سورة الطلاق: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، فقال: إن هذه متأخرة عن هذه، وليس هذا نسخاً وإنما هو تخصيص. ثم أيضاً الواضح الجلي أن سورة الطلاق فيها علامة طلاق وليس فيها عدة وفاة، والذي في سورة البقرة هي عدة وفاة، وأما سورة الطلاق فليس فيها ذكر شيء عن الوفاة، وإنما هي كلها في المطلقات، لكن الأمر الواضح في الدلالة على أن المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل إذا كانت حاملاً هو حديث سبيعة الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو العمدة وهو الذي يعول عليه، وأما ذاك فهو محتمل؛ لأنه جاء عن طريق القياس والإلحاق، وأما هذا فهو نص في عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً، والنبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأنها قد انتهت عدتها بوضع حملها، وأن لها أن تنكح إذا شاءت.
__________________
|
#465
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد أثر ابن مسعود ( من شاء لاعنته، لأنزلت سورة النساء القصرى ... ) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في عمل اليوم والليلة ولم يخرج له في السنن. [ و محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال عثمان : حدثنا، وقال ابن العلاء : أخبرنا أبو معاوية ]. أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. هو الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسلم ]. هو مسلم بن صبيح أبو الضحى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. هو مسروق بن الأجدع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي صحابي جليل، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الفرق بين حدثنا وأخبرنا قوله: (قال عثمان : حدثنا، وقال ابن العلاء : أخبرنا) هذا من القليل عند أبي داود أو من النادر عند أبي داود ، أعني: أن يذكر الفرق بين الروايات فيما إذا كانت بالتحديث أو بالإخبار، نعم قد يذكر كثيراً الفرق بين (عن) و(حدثنا وأخبرنا)، لأن الرواية بالعنعنة والرواية بالتحديث بينهما فرق كبير، فيقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، لكن كونه يقول: قال فلان: حدثنا، وقال فلان: أخبرنا فهذا قل أن يذكره، والغالب أن حدثنا يستعملونها فيما سمع من لفظ الشيخ، فإذا كان الشيخ يقرأ وهم يسمعون فإنهم يستعملون حدثنا، وإذا كان يُقرأ عليه وهو يسمع وهم يسمعون فإنهم يعبرون عنه بأخبرنا. ومن العلماء من لا يفرق بين (حدثنا) و(أخبرنا) بل يجعل التعبير واحداً، فيستعمل حدثنا أو أخبرنا في هذا وفي هذا، لكن من العلماء من يفرق بين (حدثنا) و(أخبرنا)، والذي يستعمل هذا التفريق بكثرة هو الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، فإنه كثيراً ما يقول: قال فلان: حدثنا، وقال فلان: أخبرنا، والإمام مسلم رحمة الله عليه عنده عناية تامة في سوق الأسانيد والمتون بألفاظها والمحافظة على الألفاظ، وعدم الاشتغال بالرواية بالمعنى بالنسبة للمتون. والحافظ ابن حجر في ترجمته في (تهذيب التهذيب) قال: حصل للإمام مسلم حظ عظيم مفرط في هذا؛ بحيث إنه يحافظ على ألفاظ الأحاديث ولا يشتغل بالرواية بالمعنى، وذكر أعمالاً تميز بها في صحيحه فقال: إنه حصل له حظ عظيم مفرط في صحيحه في المحافظة على الألفاظ وسياقها في أسانيدها ومتونها، وبيان كون هذا يعبر بكذا وهذا يعبر بكذا. باب في عدة أم الولد شرح حديث عمرو بن العاص ( لا تلبسوا علينا سنة نبينا ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في عدة أم الولد. حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: لا تلبسوا علينا سنة -قال ابن المثنى - سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر) يعني: أم الولد ]. ثم أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب عدة أم الولد، وأم الولد هي: الأمة التي وطأها سيدها وحملت منه وولدت، فإذا ولدت فإنها تكون أم ولد ليس له أن يبيعها، وإنما تبقى في ملكه وبعد موته تعتق، ولهذا احتاج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في بعض الغزوات إلى العزل فكان الواحد منهم يعزل عن الأمة؛ لأنه يخشى أنها تحمل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد فلا يتمكن من بيعها والتصرف فيها، فتبقى معه ولكنها أمة، ولا تصير حرة إلا بعد وفاته، أي: أنها تعتق بعد وفاته، وقد قال بعض أهل العلم بمقتضى ما جاء في حديث عمرو بن العاص هذا الذي فيه: (سنة نبينا: عدة أم الولد أربعة أشهر وعشر). وقال بعض أهل العلم: إن هذا إنما يكون فيما لو أعتقها وجعل عتقها صداقها فإنها تكون زوجة، وأما ما دام أنها ليست بزوجة له فإنها من الإماء، والنص الذي جاء في القرآن في قوله عز وجل: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234] إنما هو في عدة الأزواج وليس في الإماء. وقال بعض أهل العلم قال: إن عدتها حيضة واحدة يستبرأ بها رحمها؛ لأنها ليست زوجة، والاعتداد بأربعة أشهر وعشر إنما هو للزوجات كما جاء في القرآن. فالحديث فيه أن عدتها -أي: أم الولد- أربعة أشهر وعشر، ولكن قيل: إن هذا فيما لو أعتقها وجعل عتقها صداقها وهي أم ولده فإنها بذلك تكون من الزوجات، وعند ذلك تكون عدتها عدة غيرها من الزوجات، وأما إذا كانت من الإماء وليست من الزوجات فإن عدتها ليست عدة الزوجات، وإذا أرادت أن تتزوج فإنها تستبرئ بحيضة بعد وفاة سيدها؛ لاستبراء رحمها. تراجم رجال إسناد حديث عمرو بن العاص ( لا تلبسوا علينا سنة نبينا ... ) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. أن محمد بن جعفر حدثهم ]. محمد بن جعفر غندر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب: الزمن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الأعلى ]. هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطر ]. مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن رجاء بن حيوة ]. رجاء بن حيوة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن قبيصة بن ذؤيب ]. قبيصة بن ذؤيب الخزاعي المدني له رؤية، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن العاص ]. عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، أخرج له أصحاب الكتب الستة. المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجاً غيره شرح حديث ( .... لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجاً غيره. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته -يعني: ثلاثاً- فتزوجت زوجاً غيره فدخل بها، ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول؟ قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها) ]. أورد أبو داود باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح زوجا ًغيره، أي: ويطلقها، ويكون ذلك النكاح نكاح رغبة لا نكاح تحليل، فعند ذلك يحل لزوجها الأول أن يرجع إليها بثلاث تطليقات يستأنفها؛ لأنه استنفذ ثلاث تطليقات فلا تحل له إلا بعد زوج، فإذا رجع إليها بعد أن يتوفى عنها الزوج الثاني أو يطلقها وتخرج من العدة ويكون الزواج زواج رغبة وليس زواج تحليل تحل له، أي: أنها لا تحل للأول إلا بعد أن يطلقها أو يموت عنها زوجها الثاني الذي ذاقت عسيلته وذاق عسيلتها، وذوق العسيلة قالوا: إنما يكون بالاستمتاع بها بالجماع في الفرج الذي يكون معه إيجاب الغسل، والذي يكون فيه الحد، هذا هو المقصود بذوق العسيلة، ومنهم من قال: إنه المني، يعني: حصول الإنزال، لكن الحد يمكن أن يكون من غير إنزال، فما دام أنه أولج وحصل منه الإيلاج والجماع فإنه يحصل الحد بذلك، والله تعالى يقول: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230] يعني: إن طلقها الطلقة الثالثة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويطلقها ذلك الزوج الثاني. تراجم رجال إسناد حديث ( ... لا تحل للأول حتى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها ) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم ]. أبو معاوية و الأعمش قد مر ذكرهما، و إبراهيم هو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود ]. الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ما جاء في تعظيم الزنا شرح حديث ( يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تزاني حليلة جارك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعظيم الزنا. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: فقلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك، قال: قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك، قال: وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68] الآية) ]. أورد أبو داود باب تعظيم الزنا، يعني: بيان خطورته؛ لأن فيه إفساد الفراش، وفيه اختلاط الأنساب، ويلحق بالزوج من ليس من أولاده، ففيه أمور خطيرة وسيئة تترتب على ذلك، فهو أمر خطير وعظيم وليس بالأمر الهين. وأورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، وهذا هو أعظم ذنب، فأظلم الظلم وأبطل الباطل وأعظم الذنوب الشرك بالله عز وجل، وهو أن يعبد العبد مع الله غيره وأن يشرك مع الله غيره بالعبادة، وهنا في هذه الجملة قال صلى الله عليه وسلم: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، فأشار إلى الخلق؛ لأن الخالق هو الذي يجب أن يعبد، وكيف يعبد الإنسان مع الله من كان مخلوقاً كائناً بعد أن لم يكن؟! فالمخلوق كان معدوماً فأوجده الله، والعبادة إنما تكون للخالق وحده لا شريك له. فقوله صلى الله عليه وسلم: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) فيه تنبيه إلى سوء وفساد عقول الذين يشركون مع الله غيره مع أنه هو الخالق وحده لا شريك له، كما أنه المتفرد بالخلق والإيجاد، فهو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له. ولهذا فإن كون الإقرار بأن الله هو الخالق الرزاق المحيي المميت هذا مما أقر به الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك لم يدخلهم في الإسلام ولم ينفعهم؛ لأنهم لم يفردوا العبادة لله عز وجل، ولم يخصوا الله عز وجل بالعبادة التي هي مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، والتي هي معنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى. فالكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، وأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت، ولكنهم كانوا غير مقرين بالألوهية، ولهذا يقولون كما حكى الله عز وجل عنهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] أي: أنهم يجعلون مع الله آلهة أخرى، ويعبدون مع الله مخلوقات كانت بعد أن لم تكن، والعبادة لا تكون مقبولة عند الله إلا إذا كانت خالصة لله، ومطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن فقد شرط الإخلاص وحصل الشرك ردت على صاحبها ولو كان العمل الذي أتي به حسناً ومطابقاً للسنة، فإنه يرد لكونه أشرك مع الله فيه غيره، وكذلك لو أن العمل كان خالصاً لله ولكنه مبني على بدعة وعلى مخالفة السنة فإنه يكون مردوداً على صحابه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهذه الرواية متفق عليها، وفي لفظ لمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني: فهو مردود عليه. فلابد من الإخلاص ولابد من المتابعة، فتجريد الإخلاص لله وحده هو مقتضى: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم هو مقتضى: (أشهد أن محمد رسول الله)، فالشهادتان متلازمتان لابد منهما ولا تكفي واحدة عن الأخرى، وكذلك مقتضى الشهادتين: إخلاص العبادة لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لابد منهما جميعاً، وإذا اختل أحد هذين الشرطين فإن العمل يكون مردوداً على صاحبه وغير مقبول عند الله عز وجل. ثم إنه يأتي كثيراً في القرآن تقرير توحيد الربوبية، وليس المقصود من تقريره إثباته على أحد ينكره، بل الذين خوطبوا بذلك هم أناس مقرون به، وهم كفار قريش الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا مقرين بتوحيد الربوبية، ولكنه يقرر ذلك من أجل الإلزام بتوحيد الألوهية، ولهذا يقولون: توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، ومعنى مستلزم: أن من أقر بأن الله خالق رازق يلزمه أن يعبد الله وحده، ولهذا قال في الحديث: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك)، وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أي: أن الذي يعبد الله وحده ويخصه بالعبادة لا يمكن أن ينكر أن يكون الله هو الخالق والرازق وحده، بل هو مقر بهذا ضمناً، فتوحيد الألوهية إذا وجد فإن توحيد الربوبية موجود، وتوحيد الربوبية قد يوجد ولا يوجد توحيد الألوهية كما هو شأن الكفار الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا يأتي في القرآن كثيراً تقرير توحيد الربوبية للإلزام بتوحيد الألوهية، كما قال الله عز وجل: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا [النمل:60]، هذا السياق كله من أجل: أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ [النمل:60]، أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا [النمل:61]، أتُي بهذا كله من أجل (( أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ))، أي: هل الذي يتفرد ويستقل بهذا ولا يشاركه أحد يجعل معه آلهة؟ فأين العقول؟ وكيف تضيع العقول؟ وكيف تعبد آلهة كانت بعد أن لم تكون؟ فالآلهة التي عبدها الكفار كانت عدماً فأوجدها الله، ثم مع هذا يجعل لها نصيب من العبادة! بل العبادة يجب أن تكون للذي استقل، وانفرد بالخلق والإيجاد، فكما أن الله عز وجل هو المتفرد بالخلق والإيجاد فيجب أن يفرد بالعبادة، ولهذا يأتي كثيراً في القرآن تقرير هذا المعنى، والمقصود منه الإلزام لهؤلاء؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية. فقوله: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) هذا تنبيه وإشارة إلى أن الخالق هو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له. وقوله: (أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك)، فقد كانوا يقتلون أولادهم خشية الفقر، والله عز وجل يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ [الإسراء:31]، وهذا في سورة الإسراء، وقال في سورة الأنعام: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151]، ففي سورة الإسراء قال: (( خَشْيَةَ إِمْلاقٍ )) يعني: أن الفقر متوقع وليس بواقع، ولهذا قدم الأولاد فقال: (( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ )) فالأولاد قد يكونون سبباً في رزق الوالد، فقدم الأولاد على الوالدين للإشارة إلى أن الأولاد قد يكونون سبباً في رزق الوالدين. وفي سورة الأنعام قال عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام:151] يعني: من الفقر، فلما كان الفقر واقعاً قدم الوالدين على الأولاد فقال: (( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )). قوله: (قال: ثم أي؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك)، فالزنا خطير، ولكنه إذا كان مع حليلة الجار فإنه يكون أسوء وأسوء؛ لأن الجار له حق، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وجاءت أحاديث كثيرة في إكرام الجار والنهي عن إيذائه، فإذا كان الزنا في حد ذاته أمر خطير وأمر عظيم فإنه إذا كان مع حليلة الجار يكون أسوأ وأسوأ، ويكون أشد وأعظم. وقوله: (وأنزل الله تصديق ذلك -أي: تصديق نبيه- فقال: (( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ )) )، وهذه الآية فيها نفس الترتيب الذي جاء في الحديث. وقوله: (تصديق ذلك) لا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ويتكلم من عند نفسه، وأن كلامه ليس من عند الله، لا، فالحديث والسنة من عند الله، والقرآن من عند الله، فالكل من عند الله، كما قال عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، وقد جاءت أحاديث كثيرة تدل على أن السنة وحي من الله، كما في الحديث الصحيح الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم قال: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، يعني: أن هذا الاستثناء جاء به جبريل منبهاً ومبيناً أنه يستثنى الدين، فالسنة وحي من الله عز وجل، والحديث قد يكون في القرآن ما يطابقه، كما جاء عن بعض السلف عند قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، جاء أنه قال: إن هذا الحديث تأملته فوجدت مصداقه في كتاب الله، قال الله عز وجل: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17] يعني: أن هذا الحكم تطابق عليه القرآن والسنة، وليس معنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء ليس من عند الله، بل كل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه تراجم رجال إسناد حديث ( يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تزاني حليلة جارك...) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة مشهور بكنيته، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شرحبيل ]. عمرو بن شرحبيل ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ عن عبد الله ]. عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قد مر ذكره. الأسئلة حكم دعاء الأبناء على والدهم الظالم لأمهم السؤال: ما حكم دعاء الأبناء على والدهم بحجة أنه ظلم أمهم الكفيفة؛ حيث يقول لها: هؤلاء أولادك أولاد زنا وليسوا بأولادي، فيشتمها ويضربها، فهم يدعون عليه، فهل يعتبر هذا من العقوق ومن كبائر الذنوب؟ الجواب: هذا الذي يقوله من سوء الخلق ومن الكلام القبيح، وبدل أن يأتوا بشيء فيه سب له أو دعاء عليه عليهم أن ينصحوه، وبذلك يكونون قد بروا به حيث أحسنوا إليه بأن يبتعد عن هذا الكلام القبيح الذي يقوله والذي يتسبب في كونهم يدعون عليه، فالأولى في حقهم ألا يدعوا عليه، وإنما ينصحونه ويدعون الله له أن يوفقه، وأن يهديه، وأن يجنبه سوء الخلق، وأن يجعله على خلق حسن. حكم استبدال الذهب بذهب أقل مع دفع الفارق نقداً السؤال: اشتريت ذهباً وتبين أن مقاسه ليس صحيحاً لمن اشتريته له، ثم استبدلته بذهب أصغر منه وأرجع لي الباقي للفرق بين السعرين نقداً، فما الحكم؟ الجواب: هذا معناه أنه استقاله البيعة السابقة، ثم اشترى شيئاً آخر أصغر، فيبدو أنه لا بأس بهذا؛ لأن هذا استقاله البيعة ثم اشترى منه شيئاً جديداً، ودفع إلى المشتري المبلغ الزائد. حكم أخذ الولي من مال اليتيم السؤال: هل يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم إذا كان مضطراً بالمعروف؟ وهل يرد المال الذي أخذه إذا أيسرت في حالته المادية؟ الجواب: ولي اليتيم كما جاء في القرآن يأكل بالمعروف في مقابل قيامه بالمحافظة عليه، ولكنه يحسن إليه ويحفظ ماله، والأولى ألا يأخذ شيئاً، ولكن إذا أكل بالمعروف في مقابل عمله وكان ذلك باعتدال وعدم زيادة، فلا بأس بذلك كما جاء في القرآن. وإذا أيسر لا يرده؛ لأن هذا في مقابل عمله، وأما إذا اقترض منه شيئاً فيرده. عدة الأمة السؤال: أليست عدة الإماء على النصف من عدة الحرائر؟ الجواب: هذا في الإماء المزوجات، وأما الإماء المملوكات فليس عليهن عدة وإنما عليهن استبراء الرحم فقط، والمزوجات هن اللاتي يكون عليهن عدة كما سبق أن مر في كلام بعض أهل العلم، فالطلاق ينظر فيه إلى الرجال ولا ينظر إلى النساء، والعدد ينظر فيها إلى النساء ولا ينظر إلى الرجال. عدة أم الولد السؤال: ما الذي ترجحونه في عدة أم الولد؟ الجواب: الذي يظهر أن عدتها حيضة؛ لأنه ليس هناك نص يدل على أنها أكثر من ذلك؛ والآية التي جاءت في العدد إنما هي في الزوجات وهذه ليست زوجة، إلا إذا صارت زوجة باعتبار المعنى الذي أشرت إليه، وقد قاله بعض أهل العلم أنه إذا أعتقها وجعل عتقها صداقها فإنها تكون أم ولد إذا مات عنها."
__________________
|
#466
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [265] الحلقة (297) شرح سنن أبي داود [265] الصيام ركن من أركان الإسلام، ولا يتم إسلام المرء إلا به، ومن جحده كان كافراً، والصيام سهل ويسير على من يسره الله عليه، وإذا حصلت معه مشقة فقد أباح الشرع معها الفطر والقضاء على من يستطيع القضاء، والفدية على من لا يستطيع القضاء. مبدأ فرض الصيام شرح حديث ابن عباس: (.. فكان الناس إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الصوم. باب مبدأ فرض الصيام. حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، فكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر، فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ [البقرة:187] الآية، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخّص لهم ويسّر ]. أخّر أبو داود رحمه الله كتاب الصوم عن النكاح وعن الطلاق وعن اللقطة، والمعروف من عمل المصنفين أن العبادات -ومنها الصوم- تكون متتابعة في البداية، ثم بعدها تأتي المعاملات التي منها النكاح والطلاق وغير ذلك، وهذا الترتيب على خلاف ما هو مألوف ومعروف من تقديم العبادات على المعاملات. والصوم في اللغة: الإمساك، فأيّ إمساك يقال له: صوم. وفي الشرع: هو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. هذا هو الصوم الشرعي، وعلى هذا فإن الصوم الشرعي جزء من جزئيات المعنى اللغوي للصوم؛ لأن المعنى اللغوي واسع يدخل فيه أيّ إمساك، وأما الصوم الشرعي فهو إمساك مخصوص، وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية أجزاءً من المعاني اللغوية. ومثله في هذا الحج، فالحج لغة: القصد، أيّ قصد، وفي الشرع: هو قصد مكة؛ لأداء أعمال مخصوصة. والعمرة لغة: الزيارة، أيّ زيارة، وفي الشرع: هي زيارة البيت العتيق للطواف والسعي فيه. وهكذا نجد أن المعاني اللغوية تكون واسعة، والمعاني الشرعية أجزاء من تلك المعاني الواسعة. قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183]، وكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حُرم عليهم الطعام والشراب والنساء، وصاموا إلى القابلة) أي: كان الناس لما نزل قول الله عز وجل الذي فيه فرض الصيام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يحرم عليهم الطعام والشراب والنساء بعد صلاة العشاء، وهذه الآية لا تعني المماثلة في مقدار الصيام، وإنما تعني أنه فُرِضَ عليكم كما فُرض على من قبلكم، وإن كان هناك فرق بين ما فرض عليكم وما فرض على من قبلكم، فالذين قبلنا كان عندهم صيام ونحن عندنا صيام، لكن ليس معنى ذلك أن صيامنا مثل صيامهم تماماً، وأن المقدار الذي فرض علينا هو نفسه الذي فرض عليهم، وإنما المقصود: المماثلة في الجملة لا في التفاصيل والجزئيات؛ حيث شُرع لهم صيام وشُرع لنا صيام. وكان المسلمون في أول الأمر إذا صلى أحدهم العتمة -أي: العشاء- ثم نام، فإنه لا يحل له أن يأكل شيئاً، ولا أن يجامع أهله، بل يستمر من ذلك الوقت إلى الليلة الآتية صائماً، فيجمع بين صيام الليل والنهار، وكان فيهم من يشتهي أهله بعدما يقوم من النوم، فأنزل الله عز وجل بعد ذلك الرخصة، وأن الامتناع من الأكل والشرب والجماع إنما هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما الليل فيجوز لهم فيه أن يأكلوا ما شاءوا سواء ناموا أم لم يناموا، ويجوز لهم أن يجامعوا سواء حصل منهم النوم أم لم يحصل، فذلك جائز في الليل سواء كان في أوله، أو وسطه، أو آخره، وسواء حصل النوم أو لم يحصل النوم، فالأمر في ذلك واسع، وهو رخصة من الله عز وجل، ونسخ الله ذلك التحريم بقوله: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة:187] الآية. قوله: (إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء) أي: إذا صلوا العشاء وناموا كما جاء ذلك مبيناً في الروايات الأخرى، وأما بدون نوم فإنه لا يحرم عليهم شيء. قوله: (فاختان رجل نفسه، فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر) أي: ظلم نفسه، وأقدم على الشيء الذي مُنع منه. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (.. فكان الناس إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء...) قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن شبويه ]. هو أحمد بن محمد بن شبويه المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن حسين بن واقد ]. علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو حسين بن واقد ، وهو ثقة له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. هو يزيد بن أبي سعيد النحوي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ( كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي أخبرنا أبو أحمد أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال: (كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها، وإن صرمة بن قيس الأنصاري رضي الله عنه أتى امرأته وكان صائماً فقال: عندِك شيء؟ قالت: لا، لعلي أذهب فأطلب لك شيئاً، فذهبت وغلبته عينه، فجاءت فقالت: خيبةً لك، فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، وكان يعمل يومه في أرضه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، قرأ إلى قوله: مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187]) ]. أورد أبو داود حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (كان الرجل إذا صام ونام لم يأكل إلى مثلها) يعني: أنه إذا نام في الليل بعد أن يفطر عند الغروب فإنه لا يأكل إلى الغد، أي: أنه يصل الليل بالنهار كما سبقت الإشارة إليه في الحديث السابق، وكان صرمة بن قيس يعمل في أرض له، فأتى امرأته وكان صائماً فلم يجد عندها شيئاً، فذهبت تبحث له عن طعام، فرجعت وقد نام، فأنزل الله عز وجل الآية التي رخص الله تعالى لهم فيها بأن يأكلوا ويشربوا وأن يجامعوا إلى طلوع الفجر، وأنه لا حرج عليهم في ذلك، فهي رخصة وتيسير من الله سبحانه وتعالى. تراجم رجال إسناد حديث ( كان الرجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها ... ) قوله: [ حدثنا نصر بن علي بن نصر الجهضمي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أحمد ]. هو أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي إسحاق ]. هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية ) شرح حديث نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ قوله تعالى: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)). حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر -يعني ابن مضر - عن عمرو بن الحارث عن بكير عن يزيد مولى سلمة عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت هذه الآية التي بعدها فنسختها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب نسخ قول الله عز وجل: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، والمقصود من ذلك: أن الصوم لما شرع في أول الأمر كان على التخيير، فمن أراد أن يصوم صام، ومن أراد ألا يصوم ويطعم عن كل يوم مسكين فعل، وبعد ذلك نسخ هذا الحكم وجاء الإلزام بالصيام، ولم يعد هناك تخيير بين الصوم والفدية، فمن كان مستطيعاً فعليه أن يصوم وليس له أن يتحول عن الصيام إلى غيره، ومن كان غير مستطيع لكونه مريضاً أو مسافراً فعدة من أيام أخر، أي: يصوم أياماً أخر بدل هذه التي لم يصمها من الشهر. وقوله: (( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))، يعني: أنه يقضي إذا أفطر لعذر، أما لغير عذر فلا يجوز له أن يفطر، وليس له أن يتحول من الصيام إلى الفدية، بل ليس هناك إلا الصيام، وإنما كان التخيير بين الصيام وبين ترك الصيام والفدية في أول الأمر، ثم نسخ بالآية التي بعدها وهي قوله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة:185]، حتى قال: (( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )). وقوله: (( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) فيها دلالة على أنه إذا كان الشهر ناقصاً فإن الذي يقضي إنما يقضي على عدة الشهر ولا يقضي شهراً كاملاً، أي: يقضي مثل الأداء، وحيث كان الشهر ناقصاً فإن القضاء يكون تسعة وعشرين، لقوله تعالى: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )) أي: يصوم عدة الأيام التي صامها الناس قضاءً في أيام أخر، فالحكم الذي كان موجوداً أول الأمر من التخيير نسخ وصار الإلزام بالصيام. تراجم رجال إسناد حديث نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا بكر يعني: ابن مضر ]. بكر بن مضر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عمرو بن الحارث ]. عمرو بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يزيد مولى سلمة ]. هو يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سلمة بن الأكوع ]. سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح أثر ابن عباس في بيان نسخ الفدية والإلزام بالصيام قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى وتم له صومه، فقال عز وجل: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، وقال: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:185] ]. وهذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه هو مثل ما تقدم أنه كان في أول الأمر من شاء أن يفتدي افتدى، ومن شاء أن يصوم صام، وأنه بعد ذلك جاء الإلزام بالصيام وعدم التخيير. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في بيان نسخ الفدية والإلزام بالصيام قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد حدثني علي بن حسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر رجال هذا الإسناد في الإسناد الأول. من قال بإثبات الفدية للشيخ والحبلى شرح أثر ابن عباس في الفدية: (أثبتت للحبلى والمرضع) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: هي مثبَتَة للشيخ والحبلى. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة أن عكرمة حدثه أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أثبتت للحبلى والمرضع) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة بعنوان: من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى، أي الآية: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ )) يعني: أنها مثبتة غير منسوخة، وأن المقصود بها الشيخ الكبير والحبلى، فهم يفطرون ويفدون، فالشيخ الكبير يفطر ويفدي ولا يلزمه صيام، وأما الحبلى فإنها تفطر وتقضي، وعليها مع القضاء فدية أيضاً؛ لأنها أفطرت لمصلحة غيرها، وهو الجنين الذي تخاف عليه من قصور الغذاء وقلة الغذاء بالصيام. فالمقصود بالترجمة أن الآية غير منسوخة، ولكن المقصود بها الشيخ الكبير، فإن له أن يترك الصيام ويفدي؛ لأنه لا يستطيع، وكذلك الحبلى، إلا أن الحبلى كما هو معلوم لا تترك الصيام من حيث القضاء؛ لأنها قادرة على القضاء، وأما الشيخ الكبير فإنه لا يقدر؛ لأن الزمان بالنسبة له واحد، فلا يستطيع القضاء لهرمه وكبره، وكلما تقدمت به السن كلما ازداد ضعفاً وعدم قدرة. وقوله: (أثبتت للحبلى والمرضع) يعني: أنها لم تنسخ وأن الحكم باقٍ. وقوله: (( يُطِيقُونَهُ )) أي: يشق عليهم، وفي بعض القراءات: (يطوَّقونه)، يعني: يشق عليهم، أي: يتكلفونه. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في الفدية: (أثبتت للحبلى المرضع) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عكرمة حدثه أن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس مر ذكرهما. شرح أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن عروة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً مقدار نصف صاع، والحبلى والمرضع إذا خافتا -قال أبو داود : يعني: على أولادهما- أفطرتا وأطعمتا) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه ما تقدم من أن المرأة الكبيرة والشيخ الكبير يفديان بدل الصيام؛ لأنهما لا يستطيعان الصيام، وهو كذلك في حق الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما فإنهما يفطران ويفديان مع القضاء. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) قوله: [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد ]. هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أ صحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره."
__________________
|
#467
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [266] الحلقة (298) شرح سنن أبي داود [266] لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة في ذلك الوقت كانت أمة أمية لا تحسب ولا تكتب، وهذا في غالبها، وإلا فهناك قلة من المؤمنين كانوا يعرفون الكتابة والحساب، وبيّن أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يوماً، وقد يكون ثلاثين يوماً. الشهر يكون تسعاً وعشرين شرح حديث: ( إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الشهر يكون تسعاً وعشرين. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو -يعني: ابن سعيد بن العاص - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وخنس سليمان أصبعه في الثالثة، يعني: تسعاً وعشرين وثلاثين ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب الشهر يكون تسعاً وعشرين، والمقصود من هذا: بيان أن الشهر لا يكون ثلاثين دائماً وإنما يكون ثلاثين ويكون تسعاً وعشرين، فلا ينقص الشهر العربي عن تسعة وعشرين ولا يزيد عن ثلاثين، فهو إما هكذا وإما هكذا. وأورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وأشار بيديه العشر ثلاث مرات وخنس إصبعاً في الثالثة، يعني: تسعة وعشرين، وجاء أيضاً أنه فعل ذلك مرتين، فمرة يكون ثلاثين ومرة يكون تسعة وعشرين، فإنه قال: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا)، وبهذا يصير ثلاثين بدون قبض إصبع، ثم قال: (ويكون هكذا وهكذا وهكذا، وقبض إصبعاً) يعني: أنه يكون تسعة وعشرين. وقوله: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) الأمية: نسبة إلى الأميين، والمقصود بذلك كثير منهم، ولا يعني ذلك أنه لا توجد الكتابة والقراءة فيهم، بل كانت ففيهم ولكن بقلة، والحكم هنا الغالب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم، وقد جاء بهذا القرآن الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا، وهو من عند الله عز وجل، وكونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب هذا من أوضح الأدلة على أنه أتى بالقرآن من عند الله عز وجل، ولهذا يقول الله وجل: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48]، أي: لو أنه كان قارئاً كاتباً فيمكن أن يأتي به من عند نفسه، لكنه كان لا يقرأ ولا يكتب صلى الله عليه وسلم. ثم إن الله عز وجل جعل الأمور والعبادات مبنية على أمور مشاهدة ومعاينة لا يختص بها الحاذق والفطن، وإنما الكل يعرفها، فالعبادات أنيطت بأمور مشاهدة ومعاينة، فالصلاة أنيطت بطلوع الشمس وغروبها وزوالها، ومغيب الشفق.. وهكذا، فالحضري والبدوي يعرف ذلك، وكذلك الصيام يعرف بأنه يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويكون برؤية الهلال، وكل هذه الأمور تشاهد وتعاين ولا تتوقف على حساب ولا على خلق ولا على فطنة. تراجم رجال إسناد حديث: ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ... ) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأسود بن قيس ]. الأسود بن قيس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن عمرو يعني: ابن سعيد بن العاص ]. هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين)، قال: فكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نظر له فإن رؤي فذاك، وإن لم ير ولم يَحُل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً، قال: فكان ابن عمر يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر تسع وعشرون) يعني: أحياناً ولا يكون دائماً تسعة وعشرين، وإنما يكون تسعة وعشرين ويكون ثلاثين، فأحياناً كذا وأحياناً كذا، ولهذا ينظر الهلال به، فإن رئي ليلة الثلاثين فالشهر تسعة وعشرون وإلا فتكمل العدة. وقوله: (الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه) يعني: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان، ولا تفطروا حتى تروا هلال شوال، وهذا معناه أن الأمر منوط برؤية الهلال لا بالحساب، فينظر ليلة الثلاثين من شعبان فإن رئي الهلال صام الناس وإن لم يروه أكملوا عدة شعبان، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً)، وهذا يبين أنه إن رؤي ليلة الثلاثين صار الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ أُكمل الشهر، كاملاً ثم يصبح الناس صائمين بعد الثلاثين؛ لإكمال العدة، فالشهر لا يزيد عن ثلاثين كما أنه لا ينقص عن تسع وعشرين. وقوله: (فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين) يعني: إن غم عليكم فاعتبروه ثلاثين، وأكلموا عدة شهر شعبان، وكذلك رمضان، فإن رئي الهلال سواء هلال رمضان أو هلال شعبان ليلة الثلاثين اعتبر الشهر ناقصاً، وإن لم يُرَ تُكمل العدة ويكون الشهر كاملاً. وقوله: [ وكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعاً وعشرين نُظر له، فإن رئي فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً، قال: فكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب ]. يعني: أن ابن عمر كان يحتاط لرمضان في أوله فيما إذا كان هناك غيم وقتر يمنع من رؤية الهلال، فكان يأمر أن ينظر له الهلال، فإذا كان الجو صحواً ولم ير الهلال فإنه يكمل العدة؛ لأنه لم ير الهلال والجو صحو، وإن كان هناك احتمال أن يكون الهلال موجوداً ولكنه حال دونه الغيم أو القتر فإنه يصبح صائماً، ولكنه في آخر الشهر يفطر مع الناس، ولا يحسب هذا الحساب، بمعنى: أنه يكمل ثلاثين وبعد ذلك يفطر ولو كانت العدة ما كملت، وإنما كان يفعل ذلك احتياطاً، لكن الحديث واضح في أنه إذا غم الهلال على الناس فإنهم يحسبونه ثلاثين ما دام أنهم لم يروا الهلال سواء كان الجو صحواً أو كان غائماً فإنهم يكملون العدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين). إذاً فـ ابن عمر وبعض أهل العلم يقولون: إنه يصام إذا هناك غيم في السماء في ليلة الشك، ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) يدل على أنه لا يصام، وأن الناس يكملون العدة سواء كان الجو صحواً ولم يروا الهلال، أو كان غيماً لا سبيل لهم فيه إلى رؤية الهلال. تراجم رجال إسناد حديث: ( الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ... ) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. هو سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب وروى عنه سليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني فالمقصود به حماد بن زيد، فإنه يأتي حماد غير منسوب كثيراً وهو محتمل أن يكون ابن زيد ويحتمل أن يكون ابن سلمة ، ومعرفة ذلك تكون بمعرفة التلاميذ، فمثلاً: سليمان بن داود لا يروي إلا عن حماد بن زيد ، و سليمان بن حرب لا يروي إلا عن حماد بن زيد ، و موسى بن إسماعيل التبوذكي لا يروي إلا عن حماد بن سلمة وهكذا. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره. شرح أثر عمر بن عبد العزيز في بيان متى يبدأ صيام رمضان قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا عبد الوهاب حدثني أيوب قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البصرة: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، زاد: وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا إلا أن يروا الهلال قبل ذلك ]. أورد أبو داود هذا الحديث المرسل عن عمر بن عبد العزيز ، ولكنه مطابق لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر وعن غيره. وقوله: (بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حديث ابن عمر ) يعني: نحو حديث ابن عمر الذي تقدم. وقوله: [ وزاد: وإن أحسن ما يقدر له أنا إذا رأينا هلال شعبان لكذا وكذا فالصوم إن شاء الله لكذا وكذا، إلا أن تروا الهلال قبل ذلك ]. يعني: أن تكمل العدة، إلا أن يروا الهلال قبل ذلك فإن الشهر يكون تسعة وعشرين، وعلى ذلك يكون ناقصاً. تراجم رجال إسناد أثر عمر بن عبد العزيز في بيان متى يبدأ صيام رمضان قوله: [ حدثنا حميد بن مسعدة ]. حميد بن مسعدة صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أيوب قال: كتب عمر بن عبد العزيز ]. أيوب قد مر ذكره. و عمر بن عبد العزيز هو الخليفة المشهور، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( لما صمنا مع النبي تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن منيع عن ابن أبي زائدة عن عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: (لما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أنهم صاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين وصاموا تسعة وعشرين، أي: أنهم صاموا أشهراً ناقصة وأشهراً كاملة، وأن الأشهر الناقصة كانت أكثر من الكاملة، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم صام تسعة رمضانات؛ لأن رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة، فصام الرسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة الثانية إلى السنة العاشرة، فأكثر هذه الأشهر كما جاء في حديث ابن مسعود كانت ناقصة، أي: أنها كانت تسعة وعشرين. تراجم رجال إسناد حديث: ( لما صمنا مع النبي تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين ) قوله: [ حدثنا أحمد بن منيع ]. أحمد بن منيع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن أبي زائدة ]. هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عيسى بن دينار ]. عيسى بن دينار ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و أبو داود و الترمذي . [ عن أبيه ]. أبوه هو دينار ، وهو مقبول، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) و أبو داود و الترمذي . [ عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار ]. عمرو بن الحارث بن أبي ضرار رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن مسعود ]. ابن مسعود رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: ( شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن يزيد بن زريع حدثهم قال: حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة) ]. أورد أبو داود حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة)، وقوله: (شهرا عيد)، يعني: أن كلاً منهما له عيد، فهناك عيد الفطر وعيد الأضحى، فعيد الفطر هو في شوال، فالعيد ليس من شهر رمضان، وإنما هو من الشهر الذي يليه، فقيل لرمضان: شهر عيد وإن كان العيد ليس منه لأنه مقارب له ومتصل به، وهذا كما جاء: (المغرب وتر النهار)، مع أن صلاة المغرب في أول الليل ولكنها متصلة بالنهار، فقيل لها: وتر النهار لقرب أدائها أو وقتها من النهار، فكذلك عيد الفطر هو قريب من شهر الصيام؛ لأنه متصل به مباشرة، فهو أول يوم من شوال، ولهذا نسب العيد إلى الفطر فقيل: عيد الفطر، أي: الفطر من رمضان. وعيد الأضحى هو الذي يكون فيه نحر الأضاحي تقرباً إلى الله عز وجل. وقوله: (شهرا عيد لا ينقصان)، قيل: إنهما يكونان كاملين، وهذا يكون في بعض الأحوال، وقيل: إن معنى ذلك أنهما لا ينقصان في الأجر وإن حصل نقصان في العدد، فالناس إذا صاموا تسعاً وعشرين يحصلون الأجر كاملاً، ولا يقال: إنه لو كان ثلاثين يصير أكثر أجراً وإذا كان تسعة وعشرين يصير أقل أجراً، بل الأجر يكون كاملاً سواءً صام الإنسان تسعة وعشرين أو ثلاثين، فهو شهر كامل سواءً كان تسعة وعشرين أو ثلاثين.
__________________
|
#468
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: ( شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أن يزيد بن زريع حدثهم ]. يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثنا خالد الحذاء ]. خالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ]. عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. أبوه هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. إذا أخطأ القوم الهلال شرح حديث: ( وفطركم يوم تفطرون ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا أخطأ القوم الهلال. حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد في حديث أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة رضي الله عنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه قال: (وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منىً منحر، وكل فجاج مكة منحر، وكل جمع موقف) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أخطأ القوم الهلال، يعني: إذا حصل خطأ بأن كان الهلال موجوداً وهم لم يعرفوا أنه طلع، ففاتهم شيء من الشهر، وكذلك إذا حصل نقص فيه فصاموا يوماً ليس من الشهر، فإن صيامهم معتبر، فالصوم يوم يصوم الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وكذلك الحج لو أنهم أخطئوا في الهلال ووقفوا بعرفة في غير يوم عرفة فإن وقوفهم صحيح وحجهم صحيح، ولا يقال: إن عليهم أن يقضوا؛ لأن الحج يوم يحج الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والصوم يوم يصوم الناس، فحصول الخطأ الذي جاء عن اجتهاد لا يؤثر ولا يكون عملهم جميعاً غير صواب، وليس عليهم أن يقضوا، فحجهم صحيح وكذلك صيامهم صحيح. وقوله: (وكل عرفة موقف) يعني: لا يظن أن الموقف هو المكان الذي وقف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، بل أي مكان من عرفة حصل فيه الوقوف فإنه يصح الوقوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وقفت ههنا وعرفة كلها موقف) يعني: ليس مكان وقوفه هو محل الوقوف فقط، وإنما عرفة كلها مكان للوقوف. وقوله: (وكل منى منحر)، فالرسول نحر في مكان معين من منى، وهذا لا يعني أن النحر لا يكون إلا في هذا المكان، بل إذا حصل النحر في أي مكان من منى فقد حصل النحر؛ لأن منى كلها منحر، ولا يقتصر الأمر على المكان الذي نحر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم من منى. وقوله: (وكل فجاج مكة منحر)، أي: كما أن منى كلها منحر فمكة كلها منحر، فنحر الهدي يكون في منى ويكون في مكة، ولكن كونه في منى هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بمنى، وكون النحر يكون بمكة هو الأصل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وفجاج مكة منحر). وقوله: (وكل جمْع موقف)، فالرسول صلى الله عليه وسلم وقف في مزدلفة في مكان معين، وليس الأمر مقتصراً على مكان وقوفه صلى الله عليه وسلم، بل كل جمع موقف، وأي مكان من جمع -وهو مزدلفة- بات فيه الإنسان ووقف فيه فإن ذلك صحيح ولا ضير عليه في ذلك ولا نقص. تراجم رجال إسناد حديث: ( وفطركم يوم تفطرون ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن زيد . [ في حديث أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وقد مر ذكره. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. الأسئلة حكم تغطية الرأس في الصلاة السؤال: هل هناك حديث يدل على أن تغطية الرأس في الصلاة من السنة؟ الجواب: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه بالعمامة، ولكن كون تغطية الرأس شرطاً لا أعلم شيئاً يدل عليه. ومعلوم أن هذا في غير الإحرام؛ لأن الإحرام لابد فيه من كشف الرأس. حكم تخصيص أول جمعة من رجب بأعمال صالحة السؤال: ما حكم من يخصص أول جمعة من رجب بعمل صالح وصوم وعمرة؟ الجواب: هذا من البدع المحدثة في الدين، وهذه هي التي يسمونها صلاة الرغائب، وهي لا صحة لها. حكم الجهر بالذكر بعد كل صلاة السؤال: هل الجهر بالذكر بعد كل صلاة مفروضة سنة؟ الجواب: نعم هو سنة، فقد جاء ذلك في حديث ابن عباس . حكم حجز مكان في حلقة العلم في المسجد السؤال: هل يجوز لي أن أضع الكرسي في الحلقة قبل الصلاة لأحجز المكان؟ الجواب: لا يناسب للإنسان أن يفعل هذا؛ لأن معنى هذا أن الأرض تفرش بالكراسي. أهمية الحرص على إدراك الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد النبوي السؤال: هل الأفضل أن أدرك تكبيرة الإحرام في مسجد حينا أو أن تفوتني ركعة أو ركعتان وأصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي؟ الجواب: إذا كان الإنسان يريد أن يصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فعليه أن يذهب مبكراً؛ حتى يدرك الفضيلة من أولها، وأما أن يعود نفسه على التأخر ثم يفوته شيء من الصلاة فهذا لا ينبغي. عدة الأمة الآيسة السؤال: إذا طلقت الأمة وكانت آيسة فما عدتها؟ الجواب: عدتها شهران. الحكم على حديث: ( من أتى مسجدي ليعلِّم أو يتعلم كان كأجر المجاهد ) السؤال: ما صحة الحديث: (من أتى مسجدي ليعلِّم أو يتعلم كان كأجر المجاهد)؟ الجواب: هذا الحديث ثابت، وهو إما صحيح أو حسن. سبب تأخير أبي داود لكتاب الصيام على كتاب النكاح السؤال: هل يصح أن يقال: إن سبب تأخير أبي داود لكتاب الصيام عن كتاب النكاح وما يتبعه هو ملاحظته لحديث: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم)، حيث جاء الصيام بعد النكاح؟ الجواب: لا يبدو أن هذا هو السبب، فقد جاء في الحديث: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيته الحرام)، فجاءت هذه الأركان في حديث واحد وكلها عبادات، وإنما ذكر الصوم من أجل العلاج لمن لا يستطيع النكاح، وليس المقصود صيام رمضان. كيفية قضاء الحامل السؤال: امرأة عليها صيام شهر رمضان وهي حامل وربما تضع في رمضان الثاني، فهل يكفي أن تعطي فدية بدلاً عن الصوم؟ الجواب: الصوم لازم لها، ولا تكفي الفدية عن الصيام في حقها، وإنما تقضي فيما بعد. حكم حلف الرجل على خبر كذب فيه على زوجته السؤال: رجل فتح درجاً في البيت لزوجته خشية وجود حاجة فيه لا ترضي الله، ولما سألته زوجته عن ذلك حلف لها أنه لم يفتحه؛ خشية حصول المشاكل بينهما، فما الحكم؟ الجواب: لا يحلف لها أنه لم يفتحه، وإنما يعتذر بعذر آخر، أو يذكر لها أنه فتحه لأمر من الأمور الأخرى، وأما أن يحلف وهو كاذب فهذا لا يصلح. بيان من يجوز له وطء الأمة السؤال: متى يكون وطء الأمة للسيد؟ وهل لغيره من الرجال أن يطأها بإذن سيدها؟ الجواب: للسيد أن يطأها فهي مملوكته وسريته، وأما غيره فلا يجوز له إلا عن طريق الزواج، وأما أن يعطيها أحداً، أو أن يرخص لأحد أن يطأها فليس له ذلك، وإنما يكون وطؤها بملك اليمين أو بالتزويج؛ لقوله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:6-7]. ضابط حقوق المرأة على نفسها في الصيام حتى تفطر السؤال: ما هو الضابط في خوف المرأة على نفسها، فقد تقول المرأة: إنها خائفة على نفسها، وهي خائفة على ولدها؟ يكون خوفها على نفسها إذا كانت مريضة، أو كان عندها أمر يخصها، وقد تكون صحيحة سليمة ولكنها تخشى النقص على ولدها، فإذا خافت على نفسها فلا تطعم؛ لأنها مثل المريض والمسافر يقضي وليس عليه إطعام، وأما إذا كان الخوف على غيرها فهذا هو الذي فيه الإطعام. عدم ثبوت كتابة النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية السؤال: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في صلح الحديبية؟ الجواب: لا، لم يرد. كيفية إثبات عدد إيام الشهور السؤال: إثبات عدد أيام الشهور هل يكون برؤية الهلال كشهر رمضان أم يكون بالحساب؟ الجواب: غير رمضان من حيث الثبوت الشرعي لا يكون إلا من طريق الهلال، وأما بالنسبة فيما يتعارف عليه الناس فالأمر في ذلك واسع، أي: أنه قد يكون تسعة وعشرين أو ثلاثين، لكن من حيث العدة لا يكون إلا عن طريق الهلال، فالاحتياط أن يكون الشهر كاملاً، إلا في شيء يثبت به الهلال مثل رمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة؛ فإن هذه الأشهر يعمل على إثباتها شرعاً؛ من أجل الإحكام الشرعية المتصلة بها وهي: الصيام والحج، وأما إذا كان في أثناء السنة فإنك تجد عند الناس كثير من التقاويم، وتجد هذا ناقصاً وهذا كاملاً. كيفية صيام أهل البلدان مع اختلاف المطالع السؤال: في قضية اختلاف المطالع نجد أن بعض البلدان تصوم وبعض البلدان لا تصوم، وبعض البلدان تفطر للعيد وبعضها لا تفطر، فمن نتبع؟ وبمن نقتدي؟ الجواب: الأولى أن يكون الناس متحدين في الصيام، ولكن حيث لا يتم ذلك ولا يتيسر ذلك فإن كل بلد عليهم أن يرجعوا إلى علمائهم، فإذا رأى علماؤهم أنهم يتابعون بلداً تابعوا، وإذا رأوا أنهم يتمسكون أو يتقيدون برؤيتهم فإن لهم ذلك، ولا ينبغي أن يكون أهل البلد الواحد مختلفين، بل ينبغي أن يكونوا متفقين، فإن وافقوا غيرهم جميعاً فذاك، وإن رأوا أنهم يكون لهم رؤيتهم فلهم ذلك. حكم استخدام المنظار للمساعدة على رؤية الهلال السؤال: ما حكم استخدام المنظار للمساعدة على رؤية الهلال؟ الجواب: استخدام المنظار من أجل تحديد المكان والجهة حتى ينظر إلى الهلال في جهة معينة لا بأس به. حكم من صام رمضان أكثر من ثلاثين يوماً بسبب سفره من بلد إلى آخر السؤال: سافرت إلى إحدى الدول خارج المملكة في شهر رمضان فزاد علي يوم في الصيام؛ بسبب فارق التوقيت، فصمت واحداً وثلاثين يوماً، فما الحكم؟ الجواب: ليس للإنسان أن يصوم أكثر من ثلاثين؛ لأن الصيام لا يكون إلا ثلاثين، فلا يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين، فعليه أن يفطر ثم يعيّد مع الناس الذين تأخر عيدهم. ثبوت هلال شهر رمضان بشاهد واحد السؤال: هل يثبت هلال رمضان بشاهد واحد وكذلك شوال؟ الجواب: شهر رمضان يثبت بالواحد؛ لأنه جاء ما يدل عليه، وأما شوال فقد ذُكر أنه لابد من شاهدين، وأنا لا أذكر ما هو الدليل على هذا. حكم اعتبار الحساب الفلكي في الصيام السؤال: هل من البدعة اعتبار الصيام بالحساب الفلكي؟ الجواب: لاشك أن هذا خلاف السنة، فالسنة أن الصيام يكون بالرؤية، فالتعويل على غير ذلك مخالف للسنة."
__________________
|
#469
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [267] الحلقة (299) شرح سنن أبي داود [267] لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاط ويتحفظ في شهر شعبان ما لا يتحفظ في غيره، فكان يهتم بحساب هذا الشهر عند دخوله وخروجه حتى يعلم متى يدخل رمضان، فإذا ظهر هلال رمضان أصبح صائماً، وإذا لم يظهر أكمل عدة شعبان ثلاثين، وكذلك في آخر رمضان، إذا ظهر هلال شوال أصبح مفطراً وإلا أكمل عدة رمضان ثلاثين. إذا أغمي الشهر شرح حديث: ( كان رسول الله يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا أغمي الشهر. حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي حدثني معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب إذا أغمي الشهر، أي: إذا كان هناك غيم أو قتر يحول دون رؤيته، فالذي ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إن لم يرُ هلال رمضان فتكمل عدة شعبان ثلاثين، وإن كانت العدة لرمضان فيكمل رمضان ثلاثين، وإن رئي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان أصبح الناس صائمين، ويكون ذلك أول يوم من رمضان، وإذا رئي هلال شوال ليلة الثلاثين من رمضان أصبح الناس مفطرين، وهذا هو الحكم الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره) يعني: أنه كان يجتهد ويعتني بمعرفة دخوله ما لا يعتني بغيره من الشهور الأخرى التي ليست كرمضان أو ذي الحجة؛ لأن ذا الحجة يعتنى بمعرفته من أجل الحج، ورمضان يعتنى بمعرفته من أجل الصيام، ولكن شهر شعبان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني فيه بمعرفة دخوله؛ من أجل أن يحسب الحساب حتى يعرف يوم الثلاثين، فإذا ثبت دخول شعبان في ليلة معينة فإنه سيبحث عن هلال رمضان في ليلة الثلاثين. فقوله: (يتحفظ) أي: أنه يعتني ويحرص ويجتهد لمعرفة وثبوت دخوله من أجل العدة والحساب؛ لأنه إذا لم يعرف دخول الشهر فلن يعرف الحساب، ولن يعرف الثلاثين، ولكن إذا عُرف أنه دخل في الليلة الفلانية فإن الناس يعدون إلى التسعة والعشرين، وإذا جاءت ليلة الثلاثين بحثوا عن الهلال فيها، فإن رأوه أصبحوا صائمين وإلا أكملوا العدة. وقوله: (ثم يصوم لرؤية رمضان) يعني: إذا رؤي ليلة الثلاثين من شعبان وثبت دخول الشهر صارت من رمضان وليست من شعبان، ويصير شعبان تسعة وعشرين. وقوله: (فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً ثم صام) يعني: إن غم هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان وكان الهلال لا يرى من الغيم والقتر فتكمل العدة ثلاثين، ثم بعد ذلك يصبح الإنسان صائماً بعد الثلاثين؛ لأنه لم يثبت هلال شعبان، فإذا جاءت ليلة الثلاثين من شعبان يبحث عن الهلال إن كان الجو صحواً فإن رؤي وإلا أكملوا العدة، وإن كان غيماً ولا مجال للبحث عن الهلال فإنهم يكملون العدة كما لو كان صحواً ولم يروه، وعلى هذا فالاجتهاد والعناية تكون بدخول شعبان؛ من أجل الحساب لرمضان حتى تعرف ليلة الثلاثين، فإذا دخل -مثلاً- في يوم الجمعة فتصير الجمعة تسعة وعشرين؛ لأن الشهر إذا دخل في يوم ينخصم به إذا كان ناقصاً غير كامل فاليوم الذي يدخل فيه الشهر يوافق ثمانية من الشهر، ويوافق خمسة عشر من الشهر، ويوافق اثنين وعشرين من الشهر، ويوافق تسعة وعشرين من الشهر، فإذا دخل الشهر في يوم الجمعة يبحث عن الهلال ليلة السبت، ولا يبحث عنه ليلة الجمعة؛ لأن الجمعة تعتبر تسعة وعشرين، ولكن ليلة السبت هي ليلة الثلاثين، فيبحث عن الهلال إن كان صحواً، وإذا لم يوجد أصبح الناس مفطرين؛ لأنه لم يرُ الهلال، وإن كان غيم فإنهم يكملون العدة. تراجم رجال إسناد حديث ( كان رسول الله يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ... ) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي ]. عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني معاوية بن صالح ]. هو معاوية بن صالح بن حدير صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن أبي قيس ]. عبد الله بن أبي قيس ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ قال: سمعت عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( لا تقدَّموا الشهر حتى تروا الهلال ... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) ]. أورد أبو داود حديث حذيفة رضي الله عنه: (لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة). وقوله: (حتى تروا الهلال) يعني: لا تتقدموه بصيام حتى تكملوا عدة شعبان ثلاثين ليلة، وبعد ذلك يجب أن تصبحوا صائمين بعد إكمال الثلاثين؛ لأنه إذا ثبت دخول شعبان في ليلة وكملت الثلاثين فبعدها يكون الصيام؛ لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين. قوله: (أو تروا الهلال) يعني: قبل إكمال العدة ثلاثين، فإذا مضت تسعة وعشرون ورأيتم الهلال في ليلة تسعة وعشرين فصوموا، ويصير شهر شعبان ناقصاً وليس بكامل، وإن لم تروا الهلال فتكملون العدة ولا تسبقون شهر رمضان بصيام من أجل الاحتياط لرمضان، فليس لكم ذلك، بل تكملون العدة أو ترون الهلال ليلة الثلاثين. وقوله: (ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) يعني: إذا كملت عدة شعبان ثلاثين صمتم اليوم الذي بعد الثلاثين، أو رؤي الهلال ليلة ثلاثين صمتم ذلك اليوم وصار شعبان تسعة وعشرين، ثم بعد ذلك تحسبون من هذا اليوم الذي دخل فيه رمضان، فلا تفطروا حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال؛ فإن كملت العدة لأنكم لم تروا الهلال فأفطروا بعد يوم ثلاثين، وإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين فمعنى ذلك أن شهر رمضان صار تسعة وعشرين فتصبحون مفطرين. فالكلام الذي يقال في نهاية شهر رمضان كالكلام الذي يقال في نهاية شهر شعبان، إلا أن شهر شعبان نهي عن تقدم الصيام فيه من أجل رمضان، فالصيام يكون للرؤية أو لإكمال العدة، والإفطار يكون لإكمال العدة أو للرؤية. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال ... ) قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير بن عبد الحميد الضبي ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور بن المعتمر ]. هو منصور بن المعتمر الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ربعي بن حراش ]. ربعي بن حراش ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، هو صحابي بن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. طريق أخرى لحديث: ( لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال ... ) [ قال أبو داود : ورواه سفيان وغيره عن منصور عن ربعي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسم حذيفة ]. ذكر أبو داود للحديث إسناداً آخر معلقاً، وقال: إن ربعي قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم حذيفة ، يعني: كالإسناد الأول، ولكنه لم يسم حذيفة ، وعدم تسميته له لا يؤثر؛ لأنه ما دام قيل: إنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسواءً عرف أو لم يعرف فلا يضر، وقد يكون حذيفة ؛ لأنه هو الذي جاء في الإسناد، فيكون أبهمه في موضع وسماه في موضع، ولا يعتبر هذا من قبيل المرسل، وإنما هو من قبيل المتصل، ولكنه في الإسناد الأول ذكر الصحابي باسمه وفي الإسناد الثاني لم يذكره، ولكنه ذكر أنه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والجهالة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر، فإن كان المقصود به حذيفة فالإسنادان صحابيهما واحد، وإن كان صحابياً آخر فيكون حديثاً آخر. وقوله: [ قال أبو داود : ورواه سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ثقة فقيه وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور قد مر ذكره. [ عن ربعي ]. ربعي قد مر ذكره. إن غمّ عليكم فصوموا ثلاثين شرح حديث: ( .. فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين. حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا حسين عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقدموا الشهر بصيام يوم ولا يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا والشهر تسع وعشرون) ]. أورد أبو داود باب من قال: فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين، يعني: إذا غم عليكم هلال شوال فصوموا ثلاثين، أي: أكملوا عدة رمضان، وهذا معناه: أنه في حال الغيم والقترة في ليلة الثلاثين فالناس يكملون العدة ويعتبر الشهر ثلاثين ليلة. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لا تتقدموا رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم) يعني: إذا كان من عادة الإنسان أنه يصوم يوماً ويفطر يوماً ثم صادف أن اليوم الذي يصومه هو يوم الثلاثين فله أن يصوم، فإن كان من عادته أن يصوم الخميس أو الإثنين وكان الخميس يوم ثلاثين فله أن يصوم؛ لأن هذا شيء لا علاقة له بالاحتياط للشهر، وإنما هذا شيء معتاد ومستمر عليه، فهو يصوم الإثنين والخميس من كل شهر، فوافق أن يوم الثلاثين أو يوم التسعة والعشرين كان يوم الإثنين أو الخميس فإنه يصوم ذلك اليوم؛ لأن هذا شيء قد اعتاده وواظب عليه. وقوله: (ولا تصوموا حتى تروه) أي: لا تصوموا رمضان حتى تروا هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان أو تكملوا العدة، كما سبق أن ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ لشعبان ثم يكمل العدة إلا أن يرى الهلال قبل إكمال العدة. وقوله: (ثم صوموا حتى تروه) أي: ثم صوموا بعد ثبوت دخول شهر رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، أو أكملوا عدة شعبان؛ فإذا لم تروا الهلال أو غم عليكم الهلال ليلة الثلاثين فابدءوا بالصيام، ثم واصلوا إلى ليلة الثلاثين، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من رمضان فأفطروا، وإن لم ير فأكملوا العدة ثلاثين ثم أصبحوا مفطرين. وقوله: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا)، وهذا بالنسبة لآخر شهر رمضان، فإن غم هلال شوال بأن حصل سحاب أو غيم غطى وحجب الهلال فإنكم تكملون العدة ثلاثين، ثم تصبحون مفطرين. وقوله: (والشهر تسع وعشرون) يعني: في بعض الأحوال وليس دائماً، فقد يكون تسعة وعشرين وقد يكون ثلاثين. طرق أخرى لحديث: ( .. فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين...) وتراجم رجال أسانيدها [ قال أبو داود : رواه حاتم بن أبي صغيرة و شعبة و الحسن بن صالح عن سماك بمعناه لم يقولوا: (ثم أفطروا) ]. ذكر أبو داود الحديث من طرق أخرى، وهو بمعنى الحديث المتقدم، لم يقولوا: (فإن حال دونه غمامة فأتموا العدة ثلاثين ثم أفطروا). يعني: أن كلمة: (ثم أفطروا) لم تأت في الرواية الثانية، فهو يكون الصيام في أول الشهر، ويكون الإفطار في آخر الشهر، أي: أفطروا لهلال شوال وصوموا لهلال رمضان، ومعنى هذا: أن ذكر الإفطار الذي يعتبر في نهاية الشهر لم يأت في الرواية الثانية، وعلى هذا فإن النتيجة بالنسبة لأول الشهر وآخر الشهر تكون واحدة وهي: أنه يكون الصيام ويكون الإفطار، فإن رؤي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان صام الناس، وإن لم يروه أكملوا العدة وصاموا بعد ذلك، فدخول شهر رمضان يكون إما برؤية الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، ويكون شعبان ناقصاً، أو أنهم لم يروا الهلال وأكملوا العدة وصاموا بعد إكمال الثلاثين، وبعد ذلك يفطرون إذا رأوا الهلال ليلة الثلاثين، وإن غم عليهم أكملوا العدة ثلاثين ثم أفطروا. قوله: [ رواه حاتم بن أبي صغيرة ]. حاتم بن أبي صغيرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و الحسن بن صالح ]. هو الحسن بن صالح بن صالح بن حي ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك بمعناه ]. سماك مر ذكره. [ قال أبو داود : وهو حاتم بن مسلم بن أبي صغيرة ، و أبو صغيرة زوج أمه ]. هذا تعريف لحاتم الذي ذكر بكنية أبيه في قوله: ابن أبي صغيرة ، وهنا قال: إنه ابن مسلم و أبو صغيرة زوج أمه. ما جاء في التقدم شرح حديث: ( أن رسول الله قال لرجل: هل صمت من شعبان .... ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التقدم. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، و سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن عمران بن حصين : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: هل صمت من شهر شعبان شيئاً؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يوماً)، وقال أحدهما: (يومين) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في التقدم، يعني: تقدم رمضان بالصيام، وهذه الترجمة تخالف ما تقدم من أنه لا يتقدم رمضان بيوم أو يومين، فذلك فيه نهي وهذا فيه الجواز، والتوفيق بين ما مضى وبين ما هنا أن ذلك التقدم إنما يكون في حق من كان ناذراً صيام آخر الشهر، أو كانت له عادة، كمن يصوم يوماً ويفطر يوماً، أو يصوم يوم الإثنين والخميس، فإنه يصوم عادته التي هو مستمر عليها، وليس صيامه من أجل الاحتياط في رمضان. وقوله: (فصم يوماً أو يومين) جاء في بعض الروايات أنه قال: (من سرر الشهر)، وسرر الشهر هو: آخره، وبهذا تتضح المخالفة لما تقدم، وإلا لو كان أي يوم من شعبان من أوله أو من وسطه فهذا ليس فيه إشكال، وإنما الإشكال في آخره، فقد جاء في بعض الروايات التنصيص على سرر الشهر، وسرر الشهر هو: آخر الشهر على القول الصحيح، فيحمل هذا على من كانت له عادة وترك تلك العادة ظناً أن ذلك لا يصلح ولا يجوز؛ فإنه يستمر على عادته ويقضي ذلك الذي فاته أو ذلك الذي تركه ظناً منه أنه لا يصام ما دام أن فيه تقدماً لرمضان بيوم أو يومين، ويأتي بدل ذلك الذي تركه وهو معتاده أو أنه ناذر له وظن أنه لا يجوز فإن عليه أن يأتي بقضائه في شوال. تراجم رجال إسناد حديث: ( أن رسول الله قال لرجل: هل صمت من شعبان ... ) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وفي الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمران بن حصين ]. عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و سعيد الجريري ]. هو سعيد بن إياس الجريري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العلاء ]. هو أبو العلاء بن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف عن عمران بن حصين ]. مطرف و عمران بن حصين مر ذكرهما. وسعيد الجريري إذا كان معطوفاً على ثابت فالإسناد الثاني أنزل، وإذا كان معطوفاً على حماد فهما مستويان. شرح حديث: ( صوموا الشهر وسره ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي من كتابه حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة قال: قام معاوية رضي الله عنه في الناس بدير مسحل الذي على باب حمص فقال: أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا، وأنا متقدم بالصيام فمن أحب أن يفعله فليفعله، قال: فقام إليه مالك بن هبيرة السبئي فقال: يا معاوية ! أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم شيء من رأيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره) ]. أورد أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه: (أنه قام في الناس في دير مسحل الذي على باب حمص) وهذا مكان خاطب الناس وحدثهم فيه، وقال: (أيها الناس! إنا قد رأينا الهلال يوم كذا وكذا وأنا متقدم بالصيام)، يعني: هلال شعبان، وقوله: (يوم كذا وكذا وإني متقدم بالصيام) يعني: في نهاية شعبان، وهذا فيه ما دلت عليه الترجمة من التقدم، وهذا فيه مخالفة لما سبق أن مر من النهي عن التقدم. وقوله: (إنّا رأينا الهلال يوم كذا وكذا) يعني: هلال شعبان، وهذا فيه أنهم كانوا يحسبون الحساب من أول الشهر. وقوله: (وإني متقدم) يعني: متقدم بالصيام قبل رمضان. قوله: (فمن أحب أن يفعله فليفعله) يعني: من أحب أن يصوم مثل ما أصوم فليفعل ذلك، فقال له مالك بن هبيرة السبئي : أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رأيك؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا الشهر وسره). قيل: إن المقصود بقوله: (الشهر) يعني: أول الشهر؛ لأنه يطلق على الهلال شهر، وهذا معناه: أنهم يصومون أول شعبان. وقوله: (وسره) فسر بأنه آخره، وقد جاء التفسير بأنه وسطه، وجاء التفسير بأنه أوله، ولكن الصحيح أن المقصود بالسر أو السرر: آخر الشهر، فيقال لآخره: السرر، ويقال له: السر، ويقال للأيام الأخيرة من الشهر: أيام الاستسرار؛ لأن القمر يستسر فيها، أي: يختفي فيها، ويقال للأيام التي في وسط الشهر: ليالي الإبدار، وهي ليالي أيام البيض؛ لأن القمر يكون فيها بدراً متكاملاً، وفي آخر الشهر يختفي ويستسر، وغالباً ما يكون الكسوف للقمر في ليالي الإبدار، ويكون كسوف الشمس في آخر الشهر في أيام الاستسرار، وقد يكون في غير ذلك لكن هذا هو الغالب، وأيام الاستسرار هي الأيام التي في آخر الشهر: يوم (28، 29، 30)، وليالي الإبدار هي: (13، 14، 15) وهي أيام البيض، وقيل لها أيام البيض لأن لياليها بيض، فإن إضاءة القمر فيها واضحة وعامة. قول معاوية رضي الله عنه: (صوموا الشهر وسره) أي: أول الشهر وآخره، لكن كما هو معلوم أن النهي قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في التقدم، وهذا فيه التجويز، وقد جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بعض الأحاديث لرجل: (صمت من سرر الشهر؟ قال: لا، قال: صم من شوال)، ويكون ذلك -كما أسلفنا- محمولاً على ما إذا كان من عادته ثم تركه خشية أنه لا يجوز. وحديث معاوية رضي الله عنه هذا ذكر الألباني أنه ذكره في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه ذكر في (صحيح الجامع) أنه حسن، وعزاه إلى صحيح سنن أبي داود ، وذكر أنه صحيح، ففيه تناقض بين ما جاء في ضعيف السنن الموجود بأيدينا وبين ما في (صحيح الجامع) وإحالته إلى صحيح أبي داود ، ولعله يقصد بصحيح أبي داود المؤلف الكبير الذي فيه استيفاء التخريج والطرق والشواهد، وهو بخلاف هذه الطبعة الموجودة التي ليس فيها إلا مجرد الإشارة إلى أن هذا صحيح أو ضعيف، فإن كان ضعيفاً فلا إشكال، ولا يعارض ما تقدم، وإن كان صحيحاً فهو مثل ما جاء في قصة الرجل الذي قال: (صمت من سرر شعبان قال: لا، قال: فإذا أفطرت رمضان فصم يومين)، ويكون ذلك محمولاً على من كان له عادة، وهذا حتى يتفق مع الأحاديث التي فيها النهي عن التقدم. ثم أيضاً لو لم يكن هناك هذا فإن الاحتياط هو عدم الصيام؛ لأن الأخذ بالنهي أولى من الأخذ بالرخصة والإذن، فالإنسان إذا لم يصم أكثر ما في الأمر أنه ترك سنة ولم يترك واجباً، فلا يلحقه إثم، ولكنه إذا صام وقد جاء النهي فإنه يكون متعرضاً للإثم، فعلى الإنسان ألا يتعرض للإثم في سبيل أن يفعل شيئاً هو سنة، وقد جاء عن عمار أنه قال: (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين). تراجم رجال إسناد حديث: ( صوموا الشهر وسره ) [ حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي من كتابه ]. إبراهيم بن العلاء الزبيدي مستقيم الحديث إلا في حديث واحد، أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا الوليد بن مسلم ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن العلاء ]. عبد الله بن العلاء أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة ]. أبو الأزهر المغيرة بن فروة مقبول، أخرج له أبو داود . [ قال: قام معاوية ]. هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أمير المؤمنين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح أثر الأوزاعي في تفسير سر الشهر، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي في هذا الحديث قال: قال الوليد : سمعت أبا عمرو -يعني: الأوزاعي - يقول: سرّه: أوله. ]. لما ذكر الحديث السابق الذي فيه أن معاوية رضي الله عنه قال: (صوموا الشهر وسره) ذكر أثراً عن الأوزاعي أنه قال: (سر الشهر: أوله)، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه يكون مكرراً مع قوله: (صوموا الشهر وسره)؛ لأن المقصود بالشهر أوله، فيكون قوله: (صوموا الشهر وسره) مكرراً، فالتفسير هذا غير صحيح. قوله: [ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ]. سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي صدوق يخطئ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ قال: قال الوليد ]. الوليد قد مر ذكره. [ سمعت أبا عمرو يعني: الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، وهو ثقة فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح أثر سعيد بن عبد العزيز في تفسير سر الشهر، وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عبد الواحد قال: حدثنا أبو مسهر قال: كان سعيد -يعني: ابن عبد العزيز - يقول: سرّه: أوله. ]. ذكر المصنف أثراً آخراً عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي أنه قال: سره: أوله، وهو مثل ما تقدم عن الأوزاعي . قوله: [ حدثنا أحمد بن عبد الواحد ]. أحمد بن عبد الواحد صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبو مسهر ]. أبو مسهر هو عبد الأعلى بن مسهر ، وقد وافقت كنيته اسم أبيه، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كان سعيد يعني: ابن عبد العزيز ]. سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد)، ومسلم وأصحاب السنن. ذكر بعض الأقوال في تفسير سر الشهر [ قال أبو داود : وقال بعضهم: سره: وسطه، وقالوا: آخره ]. يعني: إنه فسر بهذا وبهذا، ولكن الأقرب: أن السر هو الآخر، وهو السَّرر والاستسرار، وكلها تكون في الآخر، وإن كان في وسط الشهر فهي أيام البيض، وهي -كما هو معلوم- في وسط الشهر، وقد جاء في بعض الروايات: (سرّة الشهر)، والسرة هي الوسط."
__________________
|
#470
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصيام شرح سنن أبي داود [268] الحلقة (300) شرح سنن أبي داود [268] دخول شهر رمضان يكون برؤية هلاله، أو بإتمام عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً، ومما ينبغي معرفته أنه لا يجوز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا لمن كان له صوم معتاد؛ وذلك حتى لا يدخل في رمضان ما ليس منه. إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة شرح أثر ابن عباس في استقلال أهل كل بلد برؤيتهم قال رحمه الله تعالى: [ باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل -يعني: ابن جعفر - أخبرني محمد بن أبي حرملة أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها بعثته إلى معاوية رضي الله عنه بالشام، قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام، فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني ابن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة، قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية ، قال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ]. أورد أبو داود باب إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة، يعني: ما الحكم؟ هل يلزمهم أن يصوموا تبعاً لهم؟ أو أنهم يعتمدون على رؤيتهم، ويبحثون عن الهلال، فإن وجدوه مثلهم صاموا مثلهم، وإلا فإنهم يعتمدون على رؤيتهم؟ هذا هو المقصود بالترجمة. والخلاف في هذه المسألة مشهور، فكثير من أهل العلم قالوا: إنه إذا رئي الهلال في بلد فإنه يلزم الناس جميعاً أن يصوموا، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) خطاب لعموم المسلمين، وبعض أهل العلم يرى -كما جاء عن ابن عباس هنا في الحديث الذي ذكره المصنف- أنه يكون لهم رؤيتهم، حيث قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا يدل أنه فهم من قوله: (صوموا لرؤيته) أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، وإلى هذا يشير قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه حين قال: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فالخلاف إنما هو في فهم النص هل هو خطاب لعموم الناس، أو أنه خطاب لكل أهل قطر وجهة أن يستقلوا برؤيتهم؟ والذي يظهر في مثل هذا أن المسلمين لو اجتمعوا واتحدوا في صيامهم فلاشك أن هذا هو الأولى، ولكن إذا لم يحصل ولم يتأت ذلك فإن كل بلد يعولون على ما يفتيهم به علماؤهم، فإن وافقوا أهل بلد معين تابعوهم في ذلك، وإن رأوا أنهم يستقلون برؤيتهم فلهم ذلك. وقوله: (أن كريباًًًً -وهو مولى ابن عباس - ذهب إلى الشام لحاجة لأم الفضل بنت الحارث الهلالية، وهي امرأة العباس وأخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وعن الصحابة أجمعين، فقضى حاجته ثم رجع، وحصل أنه رئي هلال رمضان ليلة الجمعة، وقال: رأيته ورآه الناس، فلما رجع وأخبر ابن عباس بذلك قال: (أرأيته؟ قال: نعم رأيته ورآه الناس، فقال: نكمل العدة ولا نفطر حتى نراه، فقال: ألا تكتفي برؤية معاوية وأهل الشام، فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: في قوله: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)، وعلى هذا فالاستدلال محتمل، فليس بواضح في أن هناك نصاً على أن كل أهل بلد لهم رؤيتهم، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأولى فيها ما أشرت إليه، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في استقلال أهل كل بلد برؤيتهم قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إسماعيل يعني: ابن جعفر ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، وإسماعيل بن جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني محمد بن أبي حرملة ]. محمد بن أبي حرملة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرني كريب ]. كريب مولى ابن عباس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وابن عباس مر ذكره. ومقتضى قول ابن عباس هذا يدل على أن المطالع تختلف على اختلاف الأماكن. شرح أثر الحسن البصري في إلزام أهل بلد بالصيام إذا رأى الهلال أهل بلد آخر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثني أبي حدثنا الأشعث عن الحسن في رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين، وشهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد، فقال: لا يقضي ذلك اليوم الرجل ولا أهل مصره، إلا أن يعلموا أن أهل مصر من أمصار المسلمين قد صاموا يوم الأحد فيقضونه ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهذا فيه أن رؤية أهل أي بلد تلزم البلاد الأخرى أن تكون مثلهم؛ لأنه لما سئل عن رجل كان بمصر من الأمصار فصام يوم الإثنين -يعني: أنه صام يوم الإثنين وصام أهل ذلك القطر يوم الإثنين- ثم شهد رجلان أنهما رأيا الهلال ليلة الأحد- يعني: أنه فاتهم يوم بناءً على رؤية هذين- فقال الحسن : إن كان أهل قطر من الأقطار صاموا يوم الأحد فيلزم هؤلاء أن يقضوا يوم الأحد، وإلا فإنه لا يلزمهم. وهذا هو قول الحسن رحمة الله عليه، وإلا فإن الأمر مثل ما ذكرت: إذا رأى الهلال من يثبت به الشهر سواء أن كان واحداً في أول الشهر أو اثنين في آخر الشهر كما سيأتي فإن المعتبر هو الثبوت، ولو تبين أن الناس أصبحوا ولم يبلغهم الخبر إلا في النهار فإنهم يمسكون بقية اليوم، ويقضونه فيما بعد. تراجم رجال إسناد أثر الحسن البصري في إلزام أهل بلد بالصيام إذا رأى الهلال أهل بلد آخر قوله: [ حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. هو معاذ بن معاذ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأشعث ]. هو الأشعث بن عبد الملك الحمراني ، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. كراهية صيام يوم الشك شرح أثر عمار: ( من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية صوم يوم الشك. حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن صلة قال: كنا عند عمار رضي الله عنه في اليوم الذي يشك فيه، فأتي بشاة فتنحى بعض القوم، فقال عمار : (من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب كراهية الصوم يوم الشك، ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، وهو اليوم الذي يحتمل أن يكون من رمضان ويحتمل أن يكون من شعبان، ولم يُر الهلال. إذاً: فيكون من شعبان؛ بناءً على ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من إكمال العدة، فهذا هو الحكم سواء كان الجو صحواً ولم يروا الهلال، أو كان غيماً ولا سبيل إلى رؤية الهلال، فإنهم يكملون العدة، ومن صام ذلك اليوم احتياطاً لرمضان فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. أما إذا كان صيامه إياه لعادة كان قد اعتادها كمن اعتاد صيام الإثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم، فإنه لا يدخل في ذلك، لأن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم مقيد بقوله: (إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه)، يعني: أنه ليس نهياً عاماً، بل استثني منه من كان له عادة، فإن ذلك لا يؤثر على صيام العادة، وإنما المحذور هو الصيام للاحتياط لرمضان. تراجم رجال إسناد أثر عمار: (من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ]. محمد بن عبد الله بن نمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو خالد الأحمر ]. أبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن قيس ]. عمرو بن قيس ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي إسحاق ]. أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صلة ]. هو صلة بن زفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: كنا عند عمار ]. عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم ربط صيام المسلمين بصيام أهل مكة السؤال: رأيت كتاباً عنوانه ومضمونه يحث المسلمين على الصيام مع أهل مكة، فهل هذا كلام صحيح؟ الجواب: قلت سابقاً: إن الأولى أن يصوم المسلمون صوماً واحداً، فإذا رأى علماء أهل بلد أنهم يتابعون أي بلد فلهم ذلك، وإن رأوا أنهم يستقلون برؤيتهم فلهم ذلك. حكم الصلاة في ثوب النوم السؤال: ما حكم الصلاة في ثوب النوم؟ الجواب: إذا كان طاهراً وليس فيه شيء من الأذى فلا بأس بذلك، ولكن كون الإنسان يكون لباسه جيداً وحسناً في الصلاة لا سيما إذا ذهب إلى المسجد هو الأولى، وبعض الناس يذهب إلى المسجد بهيئة سيئة لا يقابل بها الضيوف الذين يأتون إليه، وهذا لا يليق، وإنما يتجمل الإنسان إذا أراد الصلاة؛ لقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] أي: عند كل صلاة، فكون الإنسان يتجمل ويكون على هيئة حسنة هذا هو الذي ينبغي، وأما من حيث الجواز فالصلاة في أي شيء طاهر جائزة، ولكن كونه لا يقابل الضيوف بلباس معين ثم يهون عليه أن يذهب به إلى المسجد فهذا ليس جيداً. حكم تخصيص شهر رجب بميزات خاصة السؤال: هل لشهر رجب ميزة خاصة كالصيام، أو الاحتفال فيه بحادثة الإسراء والمعراج، أو بعمرة رجبية؟ الجواب: ليس لشهر رجب شيء يخصه إلا أنه من الأشهر الحرم، والأشهر الحرم أربعة: واحد في وسط السنة وهو رجب، وثلاثة في آخرها، وهي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فهي ثلاثة مسرودة شهر الحج، وشهر قبله، وشهر بعده، وشهر في وسط السنة منفرد ومستقل ليس متصلاً بالأشهر الأخرى من الحرم وهو شهر رجب، فهذه هي الأشهر الأربعة الحرم. وكونه يخص بصيام أو بقيام أو بعمل خاص ليس هناك شيء يدل على ذلك، وأما قصة الإسراء والمعراج فليس هناك شيء يدل على ثبوتها في ليلة معينة بعينها، ولو ثبت شيء من ذلك فليس لأحد أن يخصها بشيء؛ لأن التخصيص بالعبادة يتوقف على الدليل، ولا دليل يدل على شيء من ذلك. حكم إفطار الحامل والمرضع السؤال: ما المرجح في مسألة الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو على نفسيهما؟ الجواب: الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما فإنهما يفطران ويقضيان ولا يفديان؛ لأنهما من جنس المريض والمسافر، فالمريض يفطر ويقضي وليس عليه فدية، والمسافر يفطر ويقضي وليس عليه فدية، وأما إذا خافتا على ولديهما فإنهما يقضيان ويفديان؛ لأن إفطارهما لمصلحة غيرهما لا لمصلحتهما. الفرق بين الأمة المطلقة وأم الولد في العدة السؤال: الأمة المطلقة تعتد بشهرين، وأم الولد ذكرتم أنها تعتد بحيضة واحدة، فما الفرق؟ الجواب: تلك زوجة وهذه أمة، فالمقصود بالأمة هنا الأمة المزوجة، وأما أم الولد فهي أمة فإنه يطؤها لكونها سرية وليست زوجة له، ولكنه لما أولدها لم يكن له أن يبيعها أو أن يتصرف فيها، وتبقى أمة حتى يموت، وإذا مات تعتق بعد موته، وتستبرأ بحيضة. والأمة المطلقة الآيسة تعتد بشهرين، والتي هي ذات حيض تعتد بحيضتين. حكم نسبة الرجل إلى زوج أمه السؤال: حاتم بن أبي صغيرة قال أبو داود : إن أبا صغيرة زوج أمه، يعني: أنه ليس أباً له، فكيف ينسب إليه وقد جاء النهي عن ذلك؟ الجواب: يمكن أنه اشتهر بذلك، وهذا كما جاء عن بعض الصحابة أنهم اشتهروا بنسبتهم إلى أشخاص آخرين، مثل المقداد بن الأسود . حكم من صام في بلد وسافر إلى بلد آخر فأفطر قبل إتمامه صيام شهر السؤال: إذا صام شخص في بلد وسافر إلى بلد آخر أفطر أهله قبل البلد الذي صام فيه، فهل يفطر معهم أم يصوم علماً أنه في هذه الحالة يكون قد صام ثمانية وعشرين يوماً؟ الجواب: ليس للإنسان أن يصوم ثمانية وعشرين يوماً، ولكن إذا عيدوا يعيد معهم ويقضي يوماً. حكم صيام آخر شعبان السؤال: شخص عادته قبل شعبان صيام الإثنين والخميس فقط، ولما دخل شعبان أكثر من الصيام فيه كما هو السنة، حتى إنه لم يفطر من أوله إلا يوماً أو يومين، فإذا كان اليوم الأخير من شعبان غير يوم الإثنين والخميس هل يصومه باعتبار عادته في شعبان، أو لا يصومه باعتبار عادته قبل شعبان؟ الجواب: يسرد الصوم الشهر كاملاً، ولا يصح أنه يصوم آخر الشهر، وإنما يمكن أن يصوم أوله ويفطر، وقد جاء في الحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)، وهذا فيما إذا كان الإنسان لم يبدأ الصيام إلا بعد، وأما من صام من أول الشهر فيمكن أن يصوم من آخره، ولكن كونه يترك آخر الشهر أولى من تركه أول الشهر. لا يجوز العمل بالحساب في الصيام والفطر السؤال: إذا اختلف علماء البلد بأن كان بعضهم يعمل برؤية الهلال، والبعض الآخر بالحساب، والبعض الثالث يتبعون بلاد الحرمين، فما العمل؟ الجواب: أولاً العمل بالحساب لا يجوز، وأما العمل بالرؤية والعمل بالمتابعة فإنه سائغ، والمعتبر هم العلماء الذين يرجع إليهم ويعول عليهم، وغيرهم يكون تبعاً لهم. الرجوع إلى القاضي في تقدير أجرة الناظر على الوقف إذا اختلفت العملة والزمن السؤال: رجل أوقف أرضاً قبل مائة وخمسين سنة، وجعل للناظر عليها أجرة شهرية مقدارها عشرون قرشاً، وفي ذاك الوقت كان القرش له قيمته، ولكن الآن في الوقت الحاضر اختلف الأمر فما العمل؟ وكم يجعل للناظر؟ الجواب: يُرجع إلى القاضي فيقدر الشيء الذي يراه. حكم زواج الرجل بامرأة رابعة قبل انتهاء عدة مطلقته الأولى السؤال: رجل تحته أربع نسوة فطلق واحدة منهن، وأثناء عدتها نكح امرأة جديدة، فما الحكم؟ الجواب: لا يجوز ذلك حتى تخرج المطلقة من العدة؛ لأنه يكون بذلك قد جمع بين خمس نسوة، فالمطلقة زوجة له ما دامت في العدة، وبذلك يكون قد جمع بين خمس، فالعقد غير صحيح، وإن كان متعمداً وعالماً فإنه يستحق العقوبة، وتجديد العقد لابد منه؛ لأنه وقع في وقت لا يجوز فيه إيقاعه؛ والإنسان بذلك يكون قد جمع بين خمس نسوة في وقت واحد؛ لأن المطلقة طلاقاً رجعياً لا تزال في عصمته حتى تخرج من العدة، ولهذا لا يجوز للإنسان أن ينكح بدلاً منها إلا بعد أن تخرج المطلقة من العدة؛ لئلا يكون جامعاً بين خمس نسوة. والمطلقة البائنة أيضاً عليها عدة، والذي يبدو أن الإنسان لا يتزوج إلا بعد إكمال العدة. حكم الحج عن المتهاون بالصلاة السؤال: رجل متهاون بالصلاة، فأحياناً يصلي وأحياناً لا يصلي، ثم مات، فهل يجوز أن أحج له؛ لأن ورثته طلبوا مني ذلك؟ الجواب: لا تحج عنه. حكم رفع الإصبع بين السجدتين السؤال: هل ورد حديث برفع الإصبع بين السجدتين؟ الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على هذا، ولم يثبت شيء إلا في التشهد، وأما بين السجدتين فليس فيه إلا وضع اليدين على الفخذين بدون قبض للخنصر والبنصر وتحليق الإبهام على الوسطى كما في التشهد، والهيئة بين السجدتين هي وضع اليدين جميعاً على الفخذين."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |