منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله - الصفحة 35 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1105 - عددالزوار : 128088 )           »          زلزال في اليمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4739 )           »          ما نزل من القُرْآن في غزوة تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أوليَّات عثمان بن عفان رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          القلب الطيب: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          رائدة صدر الدعوة الأولى السيدة خديجة بنت خويلد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          طريق العودة من تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          ترجمة الإمام مسلم بن الحجاج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          مسيرة الجيش إلى تبوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #341  
قديم 10-05-2025, 02:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (341)
صـ 395 إلى صـ 404






طاعته ولا عبادته، ومن كان إنما يحب الطاعة والعبادة للعوض المخلوق، فهو لا يحب إلا ذلك العوض، ولا يقال: إن هذا يحب الله.
ألا ترى أن الكافر والظالم ومن يبغضه المؤمن قد يستأجر المؤمن على عمل يعمله، فيعمل المؤمن لأجل ذلك العوض، ولا يكون المؤمن محبا للكافر ولا للظالم إذا عمل له بعوض ; لأنه ليس مقصوده إلا العوض. فمن كان لا يريد من الله إلا العوض على عمله، فإنه لا يحبه [قط] [1] إلا كما يحب الفاعل لمن يستأجره [2] ويعطيه العوض [على عمله] [3] ، فإن كل محبوب، إما أن يحب لنفسه، وإما أن يحب لغيره، فما أحب لغيره فالمحبوب في نفس الأمر هو ذلك الغير، وأما هذا فإنما أحب لكونه وسيلة إلى المحبوب، والوسيلة قد تكون مكروهة غاية الكراهة، لكن يتحملها [4] الإنسان لأجل المقصود، كما يتجرع المريض الدواء الكريه لأجل محبته للعافية، ولا يقال: إنه يحب ذلك الدواء الكريه.
فإن كان الرب سبحانه لا يحب إلا لما يخلقه من النعم، فإنه لا يحب، وقد قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} [سورة البقرة: 165] ، فأخبر أن المؤمنين أشد حبا لله من المشركين، وأن المشركين يحبون الأنداد كحب الله.
(1)
قط: ساقطة من (ن) ، (م) .

(2)
و: استأجره.

(3)
على عمله: زيادة في (ح) ، (ب) .

(4)
ن، م، و، (ي) : يحتملها.






ومن المعلوم أن المشركين يحبون آلهتهم محبة قوية، كما قال تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} [سورة البقرة: 93] ، وهذا وإن كان يقال: [إنه] [1] لما يظنونه فيهم من أنها تنفعهم، فلا ريب أن الشيء يحب لهذا ولهذا، ولكن إذا ظن فيه أنه متصف بصفات الكمال كانت محبته [2] أشد، مع قطع النظر عن نفعه.
والحديث الذي يروى: "«أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي»" إسناده ضعيف [3] ; فإن الله يحب أن يحب لذاته، وإن كانت محبته واجبة لإحسانه.
وقول القائل: المحبة للإحسان محبة العامة، وتلك محبة الخاصة - ليس بشيء، بل كل مؤمن فإنه يحب الله لذاته، ولو أنكر ذلك بلسانه. ومن لم يكن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما لم يكن مؤمنا. ومن قال: إني لا أجد [4] هذه المحبة في قلبي لله ورسوله، فأحد الأمرين لازم: إما أن يكون صادقا في هذا الخبر، فلا يكون مؤمنا، فإن أبا جهل وأبا لهب
(1)
إنه: ساقطة من (ن) ، (م) .

(2)
ن، م: المحبة.

(3)
الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في سنن الترمذي 3/329 (كتاب المناقب باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه" . والحديث في: المستدرك 3/149 - 150 (كتاب معرفة الصحابة، باب ومن مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي: "صحيح" . وضعف الألباني الحديث في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" 1/98

(4)
ن: لأجد، وهو خطأ، ر: لا ثم أجد.





وأمثالهما إذا قالوا ذلك كانوا صادقين في هذا الخبر، وهم كفار أخبروا عما في نفوسهم من الكفر، مع أن هؤلاء في قلوبهم محبة الله [1] لكن مع الشرك به، فإنهم اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ; ولهذا أبغضوا الرسول وعادوه ; لأنه دعاهم إلى عبادة الله وحده، ورفض ما يحبونه معه، فنهاهم أن يحبوا شيئا كحبه [2] ، فأبغضوه على هذا. فقد يكون بعض هؤلاء المشركين الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، يفضل ذلك الند على الله في أشياء. وهؤلاء قد يعلمون أن الله أجل وأعظم، لكن تهوى نفوسهم ذلك الند أكثر.
والرب تعالى إذا جعل من يحب الأنداد كحبه مشركين، فمن أحب الند أكثر كان أعظم شركا وكفرا، كما قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [سورة الأنعام: 108] ، فلولا تعظيمهم لآلهتهم على الله لما سبوا الله إذا سبت آلهتهم.
وقال تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} [سورة الأنعام: 136] ، «وقال أبو سفيان يوم أحد: أعل هبل أعل هبل. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "ألا تجيبوه؟ فقالوا: وما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. وقال أبو سفيان: إن لنا العزى، ولا عزى لكم. قال: ألا تجيبوه؟ قالوا:"
(1)
و، ر، ي: محبة لله.

(2)
ح، ب: كحب الله.





وما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم» [1] .
ويوجد كثير من الناس يحلف بند جعله لله، وينذر له، ويوالي في محبته، ويعادي من يبغضه، ويحلف به فلا يكذب، ويوفي بما نذره له [2] ، وهو يكذب إذا حلف بالله، ولا يوفي بما نذره لله، ولا يوالي في محبة الله، ولا يعادي في الله، كما يوالي ويعادي لذلك الند.
فمن قال: إني لا أجد في قلبي أن الله أحب إلي مما سواه، فأحد الأمرين لازم: إما أن يكون صادقا فيكون كافرا مخلدا في النار، من الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، وإما أن يكون غالطا في قوله: لا أجد في قلبي هذا.
والإنسان قد يكون في قلبه معارف وإرادات، ولا يدري أنها في قلبه، فوجود الشيء في القلب شيء، والدراية به شيء آخر ; ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء يطلب تحصيل ذلك في قلبه، وهو حاصل في قلبه، فتراه يتعب تعبا كثيرا لجهله، وهذا كالموسوس [3] في الصلاة ; فإن كل من فعل فعلا باختياره، وهو يعلم ما يفعله [4] ، فلا بد أن ينويه، ووجود ذلك بدون النية - التي هي الإرادة - ممتنع، فمن كان يعلم أنه يقوم إلى الصلاة فهو يريد الصلاة، ولا يتصور أن يصلي إلا وهو يريد الصلاة [5] ،
(1)
سبق هذا الحديث فيما مضى 1/523 وانظر هذا الجزء، ص 21

(2)
ن، م: بما نذر له.

(3)
ن، م: ما فعله.

(4)
و: كالوسوسة.

(5)
و: مريد للصلاة.





فطلب مثل هذا لتحصيل النية من جهله بحقيقة النية ووجودها في نفسه.
وكذلك من كان يعلم أن غدا من رمضان، وهو مسلم يعتقد وجوب الصوم، وهو مريد للصوم [1] ، فهذا نية الصوم. وهو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي شهر رمضان، فليلة العيد يعلم أنه لا يصوم، فلا يريد الصوم ولا ينويه، ولا يتعشى عشاء من يريد الصوم.
وهذا مثل الذي يأكل ويشرب، ويمشي ويركب، ويلبس، إذا كان يعلم أنه يفعل هذه الأفعال، فلا بد أن يريدها، وهذه نيتها، فلو قال بلسانه: أريد أن أضع يدي في هذا الإناء لآخذ لقمة آكلها، كان أحمق عند الناس. فهكذا من يتكلم بمثل هذه الألفاظ في نية الصلاة والطهارة والصيام [2] . ومع هذا فتجد خلقا كثيرا من الموسوسين بعلم وعبادة يجتهد في تحصيل هذه النية أعظم مما يجتهد من يستخرج ما في قعر معدته من القيء، أو من يبتلع الأدوية الكريهة.
وكذلك كثير من المعارف، قد يكون في نفس الإنسان ضروريا وفطريا، وهو يطلب الدليل عليه ; لإعراضه عما في نفسه، وعدم شعوره بشعوره.
فهكذا كثير من المؤمنين يكون في قلبه محبة لله ورسوله، وقد نظر في كلام الجهمية والمعتزلة نفاة المحبة، واعتقد ذلك قولا صحيحا ; لما ظنه من صحة شبهاتهم، أو تقليدا لهم، فصار يقول بموجب ذلك الاعتقاد،
(1)
ن، م، و: يريد الصوم.

(2)
ن: والصوم.





وينكر ما في نفسه.
فإن نافي محبة الله يقول: المحبة لا تكون إلا لما يناسب المحبوب، ولا مناسبة بين القديم والمحدث، وبين الواجب والممكن، وبين الخالق والمخلوق.
فيقال: لفظ المناسبة لفظ مجمل، فإنه يقال: لا مناسبة بين كذا وكذا، أي أحدهما أعظم من الآخر، فلا ينسب هذا إلى هذا. كما يقال: لا نسبة لمال فلان إلى مال فلان، ولا نسبة لعلمه أو جوده أو ملكه [إلى علم فلان وجود فلان وملك فلان،] [1] يراد به أن هذه النسبة حقيرة صغيرة كلا نسبة، كما يقال: لا نسبة للخردلة إلى الجبل، ولا نسبة للتراب إلى رب الأرباب.
فإذا أريد بأنه لا نسبة للمحدث إلى القديم هذا المعنى ونحوه، فهو صحيح، وليست المحبة مستلزمة لهذه النسبة، وإن أريد أن ليس في القديم معنى يحبه لأجله المحدث، فهذا رأس المسألة، فلم قلت: إنه ليس بين المحدث والقديم ما يحب المحدث القديم لأجله؟ ولم قلت: إن القديم ليس متصفا بمحبة ما يحبه من مخلوقاته؟
والمحبة لا تستلزم نقصا، بل هي صفة كمال، بل هي أصل الإرادة. فكل إرادة فلا بد أن تستلزم محبة؛ فإن الشيء إنما يراد ; لأنه محبوب، أو لأنه وسيلة إلى المحبوب. ولو قدر عدم المحبة لامتنعت الإرادة ; فإن المحبة لازمة للإرادة، فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، وكذلك المحبة
(1)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.





مستلزمة للإرادة، فمن أحب شيئا فلا بد أن يتضمن حبه إياه، إرادة لبعض متعلقاته.
ولهذا كان خلقه تعالى لمخلوقاته لحكمة [1] ، والحكمة مرادة محبوبة. فهو خلق ما خلق لمراد محبوب كما تقدم، وهو سبحانه يحب عباده المؤمنين، فيريد الإحسان إليهم، وهم يحبونه فيريدون عبادته [2] [وطاعته] .
و [قد ثبت] في الصحيحين [3] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»" [4] وما من مؤمن إلا وهو يجد في قلبه للرسول من المحبة ما لا يجد [5] لغيره، حتى أنه إذا سمع محبوبا له - من أقاربه وأصدقائه [6] - يسب الرسول، هان عليه عداوته ومهاجرته، بل وقتله لحب الرسول، وإن لم يفعل ذلك لم يكن مؤمنا.
قال تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} [سورة المجادلة: 22] ، [بل قد] .
(1)
ح، ر، ي، ب: بحكمة، و: بحكمته.

(2)
ن، م: ويريدون عبادته (وسقطت: وطاعته) .

(3)
ن، م: وفي الصحيحين.

(4)
سبق هذا الحديث فيما مضى 2/447

(5)
ما لا يجد: كذا في (ر) ، (ب) وفي سائر النسخ: ما لا يوجد.

(6)
ب (فقط) : أو أصدقائه.





قال تعالى [1] : {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} [سورة التوبة: 24] ، فتوعد من كان الأهل والمال أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله.
وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«ثلاث من كن فيه وجد بهن [2] حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار»" [3] .
فوجود حلاوة الإيمان في القلب لا تكون من محبة العوض الذي لم يحصل بعد، بل الفاعل الذي لا يعمل إلا للكراء لا يجد حال العمل إلا التعب والمشقة وما يؤلمه، فلو كان لا معنى لمحبة الله ورسوله إلا محبة
(1)
ن، م: وقال تعالى.

(2)
بهن ساقطة من (و) ، (ب) .

(3)
جاء الحديث بلفظ مقارب عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 1/8 (كتاب الإيمان باب حلاوة الإيمان) ، 1/9 (كتاب الإيمان، باب من كره أن يعود في الكفر. . .) 9/20، (كتاب الإكراه، باب من اختار الضرب. . .) ، مسلم 1/66، (كتاب الإيمان باب بيان خصال. . .) ، سنن ابن ماجه 2/1338 - 1339 (كتاب الفتن باب الصبر على البلاء) . وجاء الحديث عن أنس أيضا ولكن بلفظ: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" ، وذلك في: البخاري 8/14 (كتاب الأدب، باب الحب في الله) .





ما سيصير إليه العبد من الأجر، لم يكن هنا حلاوة إيمان يجدها العبد في قلبه وهو في دار التكليف والامتحان، وهذا خلاف الشرع وخلاف الفطرة التي فطر الله عليها قلوب عباده.
فقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«كل مولود يولد على الفطرة»" [1] وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: "«يقول الله تعالى: خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»" [2] .
فالله فطر عباده على الحنيفية ملة إبراهيم، وأصلها محبة الله وحده، فما من فطرة لم تفسد إلا وهي تجد فيها محبة الله تعالى، لكن قد تفسد الفطرة إما لكبر وغرض فاسد [3] كما في فرعون. وإما بأن يشرك معه غيره في المحبة.
كما قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله} [سورة البقرة: 165] .
وأما أهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين، فإن في
(1)
سبق هذا الحديث فيما مضى 2/307 - 308

(2)
الحديث عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه في مسلم 4/2197 - 2198 (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار) وأوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم. . . وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. . الحديث" وهو - مع اختلاف في اللفظ - في: المسند (ط. الحلبي) 4/162

(3)
و: وعرض آخر.





قلوبهم محبة الله، لا يماثله فيها غيره. ولهذا كان الرب محمودا حمدا مطلقا على كل ما فعله، وحمدا خاصا على إحسانه إلى الحامد، فهذا حمد الشكر، والأول حمده [1] على كل ما فعله.
كما قال: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} [سورة الأنعام: 1] ، {الحمد لله فاطر السماوات والأرض} الآية [سورة فاطر: 1] .
والحمد ضد الذم. والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، والذم خبر بمساوئ المذموم مقرون ببغضه ; فلا يكون حمد لمحمود إلا مع محبته، ولا يكون ذم لمذموم إلا مع بغضه، وهو سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة.
وأول ما نطق به آدم: [الحمد لله رب العالمين] [2] ، وأول ما سمع من ربه: يرحمك ربك، وآخر دعوى أهل الجنة: أن الحمد لله رب العالمين، وأول من يدعى إلى الجنة الحمادون، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب لواء الحمد، آدم فمن دونه تحت لوائه، وهو صاحب المقام المحمود، الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
فلا تكون عبادة إلا بحب المعبود [3] ، [ولا يكون حمد إلا بحب المحمود] [4] ، وهو سبحانه المعبود المحمود.
(1)
ح: حمد.

(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .

(3)
ن، م، ر، ح: يحب للمعبود.

(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، وفي (م) ، (ي) إلا بحب للمحمود.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #342  
قديم 10-05-2025, 02:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (342)
صـ 405 إلى صـ 414






وأول نصف الفاتحة الذي للرب حمده، وآخره عبادته، أوله: {الحمد لله رب العالمين} ، وآخره: {إياك نعبد} . كما ثبت في حديث القسمة: "يقول الله - تبارك وتعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {الحمد لله رب العالمين} ; فيقول الله: حمدني عبدي، يقول العبد: {الرحمن الرحيم} ، فيقول الله تعالى: أثنى علي عبدي، يقول العبد: {مالك يوم الدين} فيقول الله - تبارك وتعالى: مجدني عبدي، يقول العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين} ، فيقول الله تعالى: هذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {اهدنا الصراط المستقيم} إلى آخر السورة. يقول الله تعالى: هؤلاء [1] لعبدي، ولعبدي ما سأل» رواه مسلم [في صحيحه] [2] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم:" «أفضل ما قلت: أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» "[3] فجمع بين التوحيد"
(1)
ب (فقط) : هذا.

(2)
في صحيحه ساقطة من (ن) ، (م) والحديث - مع اختلاف في اللفظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في مسلم 1/296 - 297 (كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة) سنن الترمذي 4/269 - 270 (كتاب التفسير سورة الفاتحة) .

(3)
ذكر السيوطي الحديث في "الجامع الكبير" 1/128 فقال: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك له الحمد وهو على كل شيء قدير. إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي في الأربعين عن علي" ، وذكر العجلوني الحديث في "كشف الخفاء" 1/153 فقال: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له. رواه مالك عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مرسلا، وأخرجه الترمذي وحسنه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وزاد: له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ورواه البيهقي عن أبي هريرة بلفظ: أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل قولي وقول الأنبياء قبلي لا إله إلا الله - الحديث، وزاد بعد: وله الحمد يحيي ويميت وبيده الخير" . ووجدت أن مالكا قد أورد الحديث مرسلا باللفظ الذي ذكره العجلوني في موضعين 1/214 - 215 (كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء) 2/422 - 423 (كتاب الحج، باب جامع الحج) ، وفي التعليق: قال ابن عبد البر: "لا خلاف عن مالك في إرساله، ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج به، وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتج به، وقد جاء مسندا من حديث علي وابن عمرو" . أما الترمذي فقد أورده باللفظ الذي ذكره العجلوني في سننه 5/231 (كتاب الدعوات باب في فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله) ، وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد، وهو إبراهيم الأنصاري المديني، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث" ، وأشار الشيخ أحمد شاكر في تعليقاته في المسند (ط. المعارف) 11/180 إلى الحديث وقال: إن الحديث ذكره المنذري في "الترغيب" من رواية الترمذي ونقل عنه تحسينه، وأما رواية البيهقي للحديث عن أبي هريرة فقد ذكرها السيوطي، وضعفها الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" 1/315






والتحميد. كما قال تعالى: {فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} [سورة غافر 65] .
وكان ابن عباس يقول: إذا قلت: لا إله إلا الله، فقل: الحمد لله رب العالمين، يتأول هذه الآية [1] .
وفي سنن ابن ماجه وغيره، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله»" [2] .
(1)
ذكر هذا الأثر مسندا الطبري في تفسير (ط. بولاق) 24/53 ونص كلامه فيه، عن ابن عباس قال: من قال: لا إله إلا الله، فليقل على أثرها: الحمد لله رب العالمين فذلك قوله: فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين ونقل ابن كثير كلامه في (ط. الشعب) 7/145

(2)
الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/130 (كتاب الدعوات باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة) ، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم، وقد روى علي بن المديني وغير واحد عن موسى بن إبراهيم هذا الحديث" . والحديث في سنن ابن ماجه 2/1249 (كتاب الأدب، باب فضل الحامدين) ، وذكر السيوطي الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 1/362 وحسنه الألباني.






وفي السنن عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم»" [1] .
وقال أيضا: "«كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء»" [2] .
(1)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن أبي داود 4/360 (كتاب الأدب، باب الهدي في الكلام) ، بلفظ: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" ، وقال أبو داود: "رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا" . وروى ابن ماجه الحديث عن أبي هريرة مرفوعا في سننه 1/610 (كتاب النكاح، باب خطبة النكاح) ، ولفظه: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع" ، وجاء في التعليق: وقال السندي: "الحديث قد حسنه ابن الصلاح والنووي، وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك" . وضعف الألباني هاتين الروايتين ورواية ثالثة بألفاظ مقاربة في "ضعيف الجامع الصغير" 4/147 - 148 وتكلم على الحديث كلاما مفصلا في "الإرواء" ، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 1/29 - 32 ط. المكتب الإسلامي بيروت 1399 - 1979 والحديث صحح السيوطي بعض رواياته وحسن النووي بعضها، وانظر ما ذكرته عن الحديث في "جامع الرسائل" 1/108، 2/67 وانظر "كشف الخفاء" لابن العجلوني 2/119؛ المقاصد الحسنة للسخاوي، ص 322

(2)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن أبي داود 361 (كتاب الأدب، باب في الخطبة) ، سنن الترمذي 2/386 (كتاب النكاح، باب ما جاء في خطبة النكاح) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب" المسند (ط. المعارف) 15/170، 16/216 (وصحح الشيخ أحمد شاكر الحديثين وأشار إلى تصحيح السيوطي له) . وصحح الألباني الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 4/172، ورسالة "الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة" ص 56، ط. المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية، بيروت، 1400





فلا بد في الخطب [1] من الحمد لله ومن توحيده ; ولهذا كانت الخطب في الجمع والأعياد وغير ذلك مشتملة على هذين الأصلين، وكذلك التشهد في آخر الصلاة أوله ثناء على الله، وآخره الشهادتان، ولا يكون الثناء إلا على محبوب، ولا التأله إلا لمحبوب، وقد بسطنا [2] الكلام في حقائق هذه الكلمات في مواضع متعددة.
وإذا كان العباد يحمدونه ويثنون عليه ويحبونه، فهو [3] سبحانه أحق بحمد نفسه والثناء على نفسه والمحبة لنفسه، كما قال أفضل الخلق: "«لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»" [4] فلا ثناء من مثن أعظم من ثناء الرب على نفسه، ولا ثناء إلا بحب، ولا حب من محبوب لمحبوب أعظم من محبة الرب لنفسه، وكل ما يحبه من عباده فهو تابع لحبه لنفسه، فهو يحب المقسطين والمحسنين، والصابرين والمؤمنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويفرح بتوبة التائبين، كل ذلك تبعا لمحبته لنفسه [5] ; فإن المؤمن إذا كان يحب ما يحبه من المخلوقات لله ; فيكون حبه للرسول والصالحين تبعا لحبه لله، فكيف الرب تعالى فيما يحبه من مخلوقاته؟ ! .
إنما يحبه تبعا لحبه لنفسه [6] ، وخلق المخلوقات لحكمته التي يحبها.
(1)
ح، ب: الخطبة.

(2)
ن، م: وقد بسط.

(3)
ح، ب: وهو.

(4)
سبق هذا الحديث والتعليق عليه فيما مضى 2/159

(5)
ح، ب: تابع لمحبة نفسه.

(6)
م: لمحبة نفسه.





فما خلق شيئا إلا لحكمة، وهو سبحانه قد قال: {أحسن كل شيء خلقه} [سورة السجدة: 7] ، وقال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [سورة النمل: 88] .
وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به ; ولهذا كانت كلها حسنى، والحسنى بخلاف السوأى، فكلها حسنة، والحسن محبوب ممدوح.
فالمقصود بالخلق ما يحبه ويرضاه، وذلك أمر ممدوح، ولكن قد يكون من لوازم ذلك ما يريده ; لأنه من لوازم ما يحبه ووسائله، فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، كما يمتنع وجود العلم والإرادة بلا حياة، ويمتنع وجود المولود - [مع كونه مولودا] [1] - بلا ولادة.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، حديث الاستفتاح: "«والخير كله [2] بيديك، والشر ليس إليك»" [3] وقد قيل: في تفسيره لا يتقرب به إليك بناء على أنه الأعمال المنهي عنها، وقد قيل:
(1)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .

(2)
كله في (ن) ، (م) ، فقط.

(3)
الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: مسلم 1/534 - 536 (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه) ونصه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض. . الحديث وفيه:" لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك ". وروى أحمد الحديث في مسنده" ط. المعارف "2/134 - 135 (الأرقام 803 - 805) . وانظر مشكاة المصابيح للتبريزي (ط. دمشق) 1/255 - 257 الأذكار للنووي ص 43"





لا يضاف إليك بناء على أنه المخلوق.
والشر المخلوق لا يضاف إلى الله مجردا عن الخير [قط] [1] ، وإنما يذكر على أحد وجوه ثلاثة: إما مع إضافته إلى المخلوق، كقوله: {من شر ما خلق} [سورة الفلق: 2] ، وإما مع حذف الفاعل، كقوله تعالى: {وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا} [سورة الجن: 10] .
ومنه في الفاتحة: {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [سورة الفاتحة: 7] ، فذكر الإنعام مضافا إليه، وذكر الغضب محذوفا فاعله، وذكر الضلال مضافا إلى العبد.
وكذلك قوله: {وإذا مرضت فهو يشفين} [سورة الشعراء: 80] .
وإما أن يدخل في العموم كقوله: {خالق كل شيء} [سورة الأنعام: 102] ; ولهذا إذا ذكر باسمه الخاص قرن بالخير، كقوله في أسمائه الحسنى: الضار، النافع، المعطي، المانع، [الخافض، الرافع، المعز، المذل، فجمع [2] بين الاسمين لما فيه من العموم [3] والشمول الدال على وحدانيته، وأنه وحده يفعل جميع هذه الأشياء ; ولهذا لا يدعى بأحد الاسمين: كالضار، والنافع، والخافض، والرافع، بل يذكران جميعا] [4] . ولهذا كان كل نعمة منه فضلا، وكل نقمة منه عدلا.
(1)
قط: زيادة في (و) .

(2)
و، م: فيجمع.

(3)
لما فيه من العموم: كذا في (ب) فقط. وفي سائر النسخ: لما في العموم.

(4)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .





وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه؟ والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع»" [1] ، فالإحسان بيده اليمنى، والعدل بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين مباركة.
كما [ثبت] في الصحيح [2] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذي يعدلون في أهليهم وما ولوا»" [3] ، ولبسط هذا موضع آخر.
والمقصود هنا أنه سبحانه إذا خلق ما يبغضه ويكرهه، لحكمة يحبها ويرضاها، فهو مريد لكل ما خلقه، وإن كان بعض مخلوقاته إنما خلقه لغيره، وهو يبغضه ولا يحبه.
وهذا الفرق بين المحبة والمشيئة هو مذهب السلف وأهل الحديث والفقهاء، وأكثر متكلمي أهل السنة، كالحنفية والكرامية [4] ،
(1)
سبق هذا الحديث فيما مضى 1/139

(2)
ن، م: كما في الصحيح.

(3)
الحديث - مع اختلاف في اللفظ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في: مسلم 3/1458 (كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل) ، سنن النسائي 8/195 - 196 (كتاب آداب القضاة، باب فضل الحاكم العادل في حكمه) . وأول الحديث فيهما: "إن المقسطين عند الله على منابر. . إلخ" ، والحديث أيضا في: المسند (ط. المعارف) 9/249 - 250، 254

(4)
م: والمالكية.





والمتقدمين من الحنبلية والمالكية والشافعية، كما ذكر ذلك [أبو بكر] [1] : عبد العزيز في كتاب "المقنع" ، وهو أحد قولي الأشعري، وعليه اعتمد أبو الفرج بن الجوزي، ورجحه على قول من قال: لا يحب الفساد للمؤمن، أو لا يحبه دينا.
وذكر أبو المعالي أن هذا قول السلف، وأن أول من جعلهما [2] سواء من أهل الإثبات هو أبو الحسن.
والذين قالوا: هذا من متأخري المالكية والشافعية والحنبلية، كأبي المعالي، والقاضي أبي يعلى وغيرهما، هم في ذلك تبع للأشعري، وبهذا الفرق يظهر أن الإرادة نوعان: إرادة أن يخلق، وإرادة لما أمر به. [فأما المأمور به] [3] فهو مراد إرادة شرعية دينية، [متضمنة] [4] أنه يحب ما أمر به ويرضاه.
وهذا معنى قولنا: يريد [5] من عبده، فهو يريده له كما يريد الأمر الناصح للمأمور المنصوح، يقول: هذا خير لك، وأنفع [لك] [6] ، وهو إذا فعله أحبه الله ورضيه، والمخلوقات مرادة إرادة خلقية كونية، وهذه الإرادة متضمنة لما وقع دون ما لم يقع، وقد يكون الشيء مرادا له غير محبوب، بل أراده لإفضائه إلى وجود ما هو محبوب له، أو لكونه شرطا في وجود ما هو محبوب له.
(1)
أبو بكر: ساقطة من (ن) .

(2)
ن، م: وأول من جعل.

(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .

(4)
متضمنة: ساقطة من (ن) .

(5)
ن، ر، و، ي: يريده.

(6)
لك: ساقطة من (ن) ، (م) .





فهذه الإرادة الخلقية هي المذكورة في قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} [سورة الأنعام: 125] .
وفي قوله: {ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم} [سورة هود: 34] .
وفي قول المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وفي قوله: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [سورة السجدة: 13] ، وأمثال ذلك.
والإرادة الأمرية هي المذكورة في قوله: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [سورة البقرة: 185] .
وفي قوله: {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما - يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا} [سورة النساء: 27 - 28] ، وفي قوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم} [سورة المائدة: 6] ، وأمثال ذلك.
وإذا قيل: الأمر هل يستلزم الإرادة، أم يأمر بما لا يريد؟
قيل: هو لا يستلزم الإرادة الأولى، وهي [1] : إرادة الخلق. فليس كل ما أمر الله به أراد أن يخلقه، وأن يجعل العبد المأمور فاعلا له.
والقدرية تنفي أن يريد ذلك ; لأنه عندهم لا يجعل أحدا فاعلا، ولا
(1)
وهي كذلك في (م) ، (ب) وفي سائر النسخ: وهو.





يخلق فعل أحد.
وأما أهل السنة فعندهم هو الذي جعل الأبرار أبرارا، والمسلمين مسلمين، وعندهم من أمره وجعله فاعلا للمأمور صار فاعلا له، وإن لم يجعله فاعلا [له] [1] لم يصر فاعلا له [2] فأهل الإيمان والطاعة أراد منهم إيمانهم وطاعتهم أمرا وخلقا، فأمرهم بذلك وأعانهم عليه، وجعلهم فاعلين لذلك [3] ، ولولا إعانته لهم على طاعته لما أطاعوه. وأهل الكفر والمعصية أمرهم ولم يجعلهم مطيعين، فلم يرد أن يخلق طاعتهم، لكنه أمرهم بها وأرادها منهم إرادة شرعية دينية ; لكونها منفعة لهم ومصلحة إذا فعلوها، ولم يرد هو أن يخلقها لما في ذلك من الحكمة، وإذا كان يحبها بتقدير وجودها، فقد يكون ذلك مستلزما لأمر يكرهه، أو لفوات ما هو أحب إليه منه، ودفعه أحب إليه من حصول ذلك المحبوب، فيكون ترك هذا المحبوب لدفع المكروه أحب إليه من وجوده، كما أن وجود المكروه المستلزم لوجود المحبوب يجعله مرادا لأجله، إذا كان محبته له أعظم من محبته لعدم المكروه الذي هو الوسيلة [4] .
وليس كل من نصحته بقولك عليك أن تعينه على الفعل الذي أمرته به. فالأنبياء والصالحون دائما ينصحون الناس ويأمرونهم، ويدلونهم على ما إذا فعلوه كان صلاحا لهم، ولم يعاونونهم على أفعالهم، وقد يكونون قادرين، لكن مقتضى حكمتهم أن لا يفعلوا ذلك لأسباب متعددة.
(1)
له: ساقطة من (ن) ، (م) .

(2)
له: ساقطة من (ب) .

(3)
ن، م: له.

(4)
و: وسيلة.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #343  
قديم 10-05-2025, 02:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (343)
صـ 415 إلى صـ 424






والرب تعالى على كل شيء قدير، لكن ما من شيء إلا وله ضد ينافيه، وله لازم لا بد منه ; فيمتنع وجود الضدين معا، أو وجود الملزوم بدون اللازم، كل من الضدين مقدور لله، والله قادر على أن يخلقه، لكن بشرط عدم الآخر، فأما وجود الضدين معا فممتنع [1] لذاته، فلا يلزم من كونه قادرا على كل منهما وجود أحدهما مع الآخر.
والعباد قد لا يعلمون التنافي أو التلازم، فلا يكونون عالمين بالامتناع ; فيظنونه ممكن الوجود، مع حصول المحبوب المطلوب [2] للرب، وفرق بين العلم بالإمكان [وعدم العلم بالامتناع، وإنما عندهم عدم العلم بالامتناع، لا العلم بالإمكان] [3] والعدم لا فاعل له، فأتوا من عدم علمهم، وهو الجهل الذي هو أصل الكفر [4] .
وهو سبحانه إذا اقتضت حكمته خلق شيء، فلا بد من خلق لوازمه ونفي أضداده، فإذا قال القائل: لم لم يجعل [5] معه الضد المنافي؟ أو لم وجد اللازم؟ كان لعدم علمه بالحقائق.
وهذا مثل أن يقول القائل: هلا خلق زيدا قبل أبيه؟ .
فيقال له: يمتنع أن يكون ابنه ويخلق قبله، أو يخلق حتى يخلق أبوه، والناس تظهر لهم الحكمة في كثير من تفاصيل الأمور التي يتدبرونها، كما تظهر لهم الحكمة في ملوحة ماء العين، وعذوبة ماء الفم، ومرارة
(1)
م، ب: فيمتنع.

(2)
ن، م: المطلق.

(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، وفي (ب) ، (ح) : وإنما عندهم عدم العلم بامتناع العلم بالإمكان، وهو تحريف.

(4)
ر: أصل للكفر

(5)
ح، ر، ي: تجعل.






ماء الأذن، وملوحة ماء البحر. وذلك يدلهم على الحكمة فيما لم يعلموا حكمته، فإن من رأى إنسانا بارعا في النحو أو الطب أو الحساب أو الفقه، وعلم أنه أعلم منه بذلك، إذا أشكل عليه بعض كلامه فلم يفهمه، سلم ذلك إليه.
فرب العالمين الذي بهرت العقول حكمته ورحمته، الذي أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، وهو أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، كيف لا يجب على العبد أن يسلم ما جهله [1] من حكمته إلى ما علمه منها؟ ! .
وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع، والمقصود هنا التنبيه على المختلفين في الكتاب، الذين يرد كل منهم قول الآخر، وفي كلام كل منهم حق وباطل، وقد ذكرنا مثالين: مثالا في الأسماء والأحكام والوعد والوعيد، ومثالا في الشرع والقدر.
[الكلام على أن القرآن كلام الله غير مخلوق]
ونذكر مثالا ثالثا في القرآن ; فإن الأئمة والسلف اتفقوا على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، بل هو الذي تكلم به بقدرته ومشيئته، لم يقل أحد منهم إنه مخلوق، ولا إنه قديم.
وصار المختلفون بعدهم على قولين: قوم [2] يقولون: هو مخلوق خلقه [الله] في غيره [3] ، والله لا يقوم به كلام، ويقولون: الكلام صفة فعل لا صفة ذات، ومرادهم بالفعل ما كان منفصلا عن الفاعل غير قائم به، وهذا لا يعقل أصلا، ولا يعرف متكلم لا يقوم به كلامه.
(1)
ن، م: ما جهل.

(2)
ب: فقوم.

(3)
ن، م، و: خلقه في غيره.






وقوم يقولون: بل هو قديم لم يزل قائما بالذات أزلا وأبدا، لا يتكلم لا بقدرته ولا مشيئته، ولم يزل نداؤه لموسى أزليا، وكذلك قوله: يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى.
ثم صار هؤلاء حزبين: حزبا عرفوا أن ما كان قديما لم يزل يمتنع أن يكون حروفا، أو حروفا وأصواتا ; فإن الحروف متعاقبة: الباء قبل السين، والصوت لا يبقى، بل يكون شيئا بعد شيء كالحركة ; فيمتنع أن يكون الصوت الذي سمعه موسى قديما لم يزل ولا يزال ; فقالوا: كلامه معنى واحد قائم بذاته: هو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي عنه، والخبر بكل ما أخبر به، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عبر عنه بالعبرانية [1] كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية [2] كان إنجيلا، وأن ذلك المعنى هو أمر بكل ما أمر به، وهو نهي عن كل ما نهى عنه، وهو خبر بكل ما أخبر به. وكونه أمرا، ونهيا، وخبرا صفات له إضافية، مثل قولنا: زيد أب وعم وخال، ليست أنواعا له، ولا ينقسم الكلام إلى هذا وهذا.
قالوا: والله لم يتكلم بالقرآن العربي، ولا بالتوراة العبرانية [3] ، ولا بالإنجيل السريانية، ولا سمع موسى ولا غيره منه بأذنه صوتا، ولكن القرآن العربي خلقه الله في غيره، أو أحدثه جبريل أو محمد، ليعبر به عما يراد إفهامه من ذلك المعنى [4] الواحد.
(1)
ن، و، ي: بالعبرية.

(2)
م: بالإسرائيلية، و: بالعربية، وكلاهما تحريف.

(3)
ن، و، ي: بالعبرية.

(4)
المعنى: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) .





فقال لهم جمهور الناس: هذا القول مخالف لصريح المعقول وصحيح المنقول، فإنا نعلم بالاضطرار أن معنى آية الكرسي ليس هو معنى آية الدين، ولا معنى: {قل هو الله أحد} ، هو معنى: {تبت يدا أبي لهب} ، وقد عرب الناس التوراة فوجدوا فيها معاني ليست هي المعاني التي في القرآن، ونحن نعلم قطعا أن المعاني التي أخبر الله بها في القرآن في قصة بدر وأحد والخندق ونحو ذلك، لم ينزلها الله على موسى بن عمران، كما لم ينزل على محمد تحريم السبت، ولا الأمر بقتال عباد العجل، فكيف يكون كل كلام الله معنى واحدا [1] ؟ ! .
ونحن نعلم بالاضطرار أن الكلام معانيه وحروفه تنقسم إلى خبر وإنشاء، والإنشاء منه الطلب، والطلب ينقسم إلى أمر ونهي، وحقيقة الطلب غير حقيقة الخبر، فكيف لا تكون هذه أقسام الكلام وأنواعه، بل هو موصوف بها كلها؟ ! .
(* وأيضا فالله تعالى يخبر أنه [لما] [2] أتى موسى الشجرة ناداه، فناداه في ذلك الوقت، لم يناده في الأزل، وكذلك قال: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة *) [3] اسجدوا لآدم} ) . [سورة الأعراف: 11] .
وقال: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [سورة آل عمران: 59] .
وقال: {وإذ قال ربك للملائكة} [سورة البقرة: 30] إلى مواضع كثيرة من
(1)
ن: بمعنى واحد.

(2)
لما ساقطة من (ن) .

(3)
ما بين النجمتين ساقط من (م)





القرآن تبين أنه تكلم بالكلام المذكور في ذلك الوقت، فكيف يكون أزليا أبديا، ما زال ولا يزال؟ ! وكيف يكون لم يزل ولا يزال؟ ! قائلا: {يانوح اهبط بسلام منا} [سورة هود: 48] ، {ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي} [سورة آل عمران: 55] ، يا موسى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا} [سورة طه: 14] ، {ياأيها المزمل - قم الليل إلا قليلا} [سورة المزمل: آية 1 - 2] .
وقال هؤلاء: هذا القرآن العربي ليس هو كلام الله. وقال هؤلاء: كلام الله لا يتعدد ولا يتبعض.
فقال لهم الناس: موسى لما كلمه الله أفهمه كلامه كله أو بعضه؟ إن قلتم: كله ; فقد صار موسى يعلم علم الله، وإن قلتم: بعضه ; فقد تبعض، وهو عندكم واحد لا يتبعض.
وكذلك هذا القرآن العربي هو عندكم ليس كلام الله، ولكنه عبارة عنه، أفهو عبارة عن كله؟ فهذا ممتنع أم عن بعضه؟ فهذا ممتنع أيضا، إلى كلام آخر يطول ذكره هنا.
وقال الحزب الثاني لما رأوا فساد هذا القول:، بل نقول: إن القرآن قديم، وإنه حروف، أو حروف وأصوات، وإن هذا القرآن العربي كلام الله، كما دل على ذلك القرآن والسنة وإجماع المسلمين.
وفي القرآن مواضع كثيرة تبين أن هذا المنزل هو القرآن، وهو كلام الله، وأنه عربي.
وأخذوا يشنعون على أولئك إنكارهم [1] أن يكون هذا كلام الله ; فإن
(1)
ن، م، ب: بإنكارهم.





أولئك أثبتوا قرآنين: قرآنا قديما، وقرآنا مخلوقا. فأخذ هؤلاء يشنعون على أولئك بإثبات قرآنين.
فقال لهم أولئك: فأنتم إذا جعلتم القرآن العربي - وهو قديم - كلام الله، لزم أن يكون مخلوقا، وكنتم موافقين للمعتزلة ; فإن قولكم: إن القرآن العربي قديم. ممتنع في صرائح العقول، ولم يقل ذلك أحد من السلف، ونحن وجميع الطوائف ننكر عليكم هذا القول، ونقول: إنكم ابتدعتموه وخالفتم به المعقول والمنقول، وإلا فكيف تكون السين المعينة المسبوقة بالباء المعينة قديمة أزلية [1] ، وتكون الحروف المتعاقبة قديمة، والصوت [2] الذي كان في هذا الوقت قديما؟ ! .
ولم يقل هذا أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وإن كان بعض المتأخرين من أصحاب مالك والشافعي وأحمد يقولونه، ويقوله ابن سالم وأصحابه [3] ، وطائفة من أهل الكلام والحديث ; فليس في هؤلاء أحد من السلف، وإن كان الشهرستاني ذكر في "نهاية الإقدام" أن هذا قول السلف والحنابلة، فليس هو قول السلف، ولا قول أحمد بن حنبل، ولا أصحابه القدماء، ولا جمهورهم.
فصار كثير من هؤلاء الموافقين للسالمية، وأولئك الموافقين للكلابية، بينهم منازعات ومخاصمات، بل وفتن، وأصل ذلك قولهم جميعا: إن
(1)
ن: قديمة وأزلية.

(2)
و، ر، ي: أو الصوت.

(3)
سبق الكلام عن السالمية 1/156





القرآن قديم. وهي أيضا بدعة لم يقلها أحد من السلف، وإنما السلف كانوا يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود [1] ، وكان قولهم أولا: إنه كلام الله كافيا [2] عندهم. فإن ما كان كلاما لمتكلم لا يجوز أن يكون منفصلا عنه، فإن هذا مخالف للمعقول والمنقول في الكلام، وفي جميع الصفات يمتنع أن يوصف الموصوف بصفة لا تكون قط قائمة به، بل لا تكون إلا بائنة عنه.
وما يزعمه الجهمية والمعتزلة من أن كلامه وإرادته، ومحبته وكراهته، ورضاه وغضبه، وغير ذلك - كل ذلك مخلوقات له منفصلة عنه ; هو مما أنكره السلف عليهم وجمهور الخلف، بل قالوا: إن هذا من الكفر الذي يتضمن تكذيب الرسول [3] ، وجحود ما يستحقه الله من صفاته.
وكلام السلف في رد هذا القول، بل [4] وإطلاق الكفر عليه، كثير منتشر. وكذلك لم يقل السلف: [إن] [5] غضبه على فرعون وقومه قديم، ولا أن فرحه بتوبة التائب قديم.
وكذلك سائر ما وصف به نفسه من الجزاء لعباده على الطاعة والمعصية، من رضاه وغضبه، لم يقل أحد منهم: إنه قديم ; فإن الجزاء لا يكون قبل العمل.
(1)
في هامش (ر) ، (ي) كتب ما يلي: "قال الإمام أحمد: بدأ منه تنزيلا، ويعود إليه حكما" .

(2)
كافيا: كذا في (ب) فقط، وهو الصواب، وفي سائر النسخ: كاف.

(3)
و: الرسل.

(4)
بل: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ب) .

(5)
إن: زيادة في (ب) فقط.





والقرآن صريح بأن أعمالهم كانت سببا لذلك كقوله: {فلما آسفونا انتقمنا منهم} [سورة الزخرف: 55] ، وقوله: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [سورة محمد: 28] ، وقوله: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [سورة آل عمران: 31] ، وأمثال ذلك.
بل قد ثبت في الصحيحين [1] من حديث الشفاعة أن كلا من الرسل يقول: "«إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله»" [2] .
وفي الصحيحين عن زيد بن خالد قال: «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح في إثر سماء كانت من الليل، فلما انفتل من صلاته قال [3] : "أتدرون ماذا قال ربكم الليلة؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهو كافر بي، مؤمن بالكوكب»" [4] .
(1)
ن، م: بل وفي الصحيحين.

(2)
سبق الكلام على حديث الشفاعة فيما مضى 2/401 - 402

(3)
و: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر سماء كانت من الليل فقال.

(4)
الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه في البخاري 1/165 (كتاب الأذان، باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم) مسلم 1/83 - 84 (كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء) سنن أبي داود 4/21 (كتاب الطب، باب في النجوم) ، الموطأ 1/192 (كتاب الاستسقاء باب الاستمطار بالنجوم) .





وفي الصحيح [1] عنه - صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» [2] ."
وفي القرآن والحديث من هذا ما يطول ذكره. وقد بسطنا هذا في كتاب "درء [3] تعارض العقل والنقل" وغيره.
وقد أخبر الله تعالى في القرآن بندائه لعباده في أكثر من عشرة مواضع. والنداء لا يكون إلا صوتا باتفاق أهل اللغة وسائر الناس. والله أخبر: أنه نادى موسى حين جاء الشجرة، فقال: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} [سورة النمل: 8] ، {فلما أتاها نودي ياموسى - إني أنا ربك} [سورة طه: 11 - 12] ، {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة} [سورة القصص: 30] ، {وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين} [سورة الشعراء: 10] ، {وناديناه من جانب الطور الأيمن} [سورة مريم: 52] {هل أتاك حديث موسى - إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى} [سورة النازعات: 15 - 16] ، {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} [سورة القصص: 46] ، {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} [سورة القصص: 62 - 74]
(1)
ب (فقط) : وفي الصحيحين.

(2)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري 8/105 (كتاب الرقاق باب التواضع) ، وأوله فيه: "إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل. . . الحديث" ، وهو عن عائشة رضي الله عنها في: المسند (ط. الحلبي) 6/256

(3)
ن، م: وقد بسطناه في درء. .، و: هذا مبسوط في غير هذا الموضع.





[في موضعين] [1] {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} [سورة القصص: 65] ، {وناداهما ربهما} [سورة الأعراف: 22] .
فمن قال: إنه لم يزل مناديا من الأزل إلى الأبد، فقد خالف القرآن والعقل، ومن قال: إنه بنفسه [2] لم يناد، ولكن خلق نداء في شجرة أو غيرها ; لزم أن تكون الشجرة هي القائلة: إني أنا الله. وليس هذا كقول الناس: نادى الأمير، إذ أمر مناديا ; فإن المنادي عن الأمير يقول: أمر الأمير بكذا، ورسم السلطان بكذا، لا يقول: أنا أمرتكم. ولو قال ذلك لأهانه الناس.
والمنادي قال لموسى: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [سورة طه: 14] ، {إني أنا الله رب العالمين} [سورة القصص: 30] ، وهذا لا يجوز أن يقوله ملك إلا إذا بلغه عن الله، كما نقرأ نحن القرآن، والملك إذا أمره الله بالنداء قال كما [ثبت] في الصحيح [3] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه»" [4] فجبريل إذا
(1)
في موضعين: ساقطة من (ن) ، (م) .

(2)
ر، ح، ي، و: نفسه.

(3)
ن، م: كما في الصحيح.

(4)
الحديث - مع اختلاف في اللفظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/111 (كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة) ، وبقية الحديث: ". . فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" . والحديث أيضا في البخاري 8/14 (كتاب الأدب، باب المقة من الله تعالى) 9/142 (كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة) ، مسلم 4/2030 (كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده) ، سنن الترمذي 4/378 (كتاب تفسير القرآن، سورة مريم) ، المسند (ط. المعارف) 14/48، 16/209، 18/81 - 82 (ط. الحلبي) 2/514





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #344  
قديم 10-05-2025, 02:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (344)
صـ 425 إلى صـ 434






نادى في السماء قال: إن الله يحب فلانا فأحبوه، والله إذا نادى جبريل يقول: يا جبريل إني أحب فلانا.
ولهذا لما نادت الملائكة زكريا قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى} [سورة آل عمران: 39] ، وقال: {وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين} [سورة آل عمران: 42] .
ولا يجوز قط لمخلوق أن يقول: إني أنا الله رب العالمين، ولا يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ والله تعالى إذا خلق صفة في محل كان المحل متصفا بها، فإذا خلق في محل علما أو قدرة أو حياة أو حركة أو لونا أو سمعا أو بصرا كان ذلك المحل هو العالم به، القادر، المتحرك، الحي، المتلون، السميع، البصير، فإن الرب لا يتصف بما يخلقه في مخلوقاته، وإنما يتصف بصفاته القائمة به، بل كل موصوف لا يوصف إلا بما يقوم به، لا بما يقوم بغيره ولم يقم به.
فلو كان النداء مخلوقا في الشجرة ; لكانت هي القائلة: إني أنا الله. وإذا كان ما خلقه الرب [1] في غيره كلاما له، وليس له كلام إلا ما خلقه، لزم أن يكون إنطاقه لأعضاء الإنسان يوم القيامة كلاما له، وتسبيح الحصى كلاما له، وتسليم الحجر على الرسول كلاما له، بل يلزم أن يكون كل كلام في الوجود كلامه ; لأنه قد ثبت أنه خالق كل شيء.
(1)
ن: الله.






وهكذا طرد قول الحلولية الاتحادية كابن عربي، فإنه قال:
وكل كلام في الوجود كلامه ... سواء علينا نثره ونظامه [1]
ولهذا قال سليمان بن داود الهاشمي [2] : من قال: إن قوله: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني} [سورة طه: 14] مخلوق، فقوله من جنس قول فرعون الذي قال: {أنا ربكم الأعلى} [سورة النازعات: 42] ، فإن هذا مخلوق وهذا مخلوق، يقول: إن هذا يوجب أن يكون ما خلق فيه هذا القول هو القائل له، كما كان فرعون هو القائل لما قام به.
قالوا: وقولهم: إن الكلام صفة فعل، فيه تلبيس.
فيقال لهم: أتريدون به أنه مفعول منفصل عن المتكلم؟ أم تريدون به أنه قائم به؟ [3] .
فإن قلتم بالأول فهو باطل، فلا يعرف قط متكلم بكلام، وكلامه مستلزم كونه منفصلا عنه، والفعل أيضا لا بد أن لا يكون قائما بالفاعل، كما قال السلف والأكثرون، وإنما المفعول هو الذي يكون بائنا عنه.
(1)
البيت لابن عربي، وقد ذكره في "الفتوحات المكية" (ط. دار الكتب العربية الكبرى القاهرة 1329) 4/141 ونصه هناك: ألا كل قول في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه والبيت الذي يتلوه: يعم به أسماع كل مكون فمنه إليه بدؤه وختامه

(2)
سليمان بن داود بن داود بن علي الهاشمي، أبو أيوب، روى عن الشافعي وابن عيينة وروى عنه البخاري في كتاب "خلق الأفعال" ، وأبو حاتم وأحمد بن حنبل وغيرهم، ثقة صدوق، توفي ببغداد، سنة 219 (وقيل 220) انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/187 - 188 شذرات الذهب 2/45، العبر 1/376 - 377

(3)
ن: إنه متكلم به، م، ر: إنه قائم.






والمخلوق المنفصل عن الرب ليس هو خلقه إياه، بل خلقه للسماوات [1] والأرض ليس هو نفس السماوات والأرض، والذين قالوا: الخلق هو المخلوق، فروا من أمور ظنوها محذورة، وكان ما فروا إليه شرا مما فروا منه ; فإنهم قالوا: لو كان الخلق غير المخلوق لكان إما قديما وإما حادثا، فإن كان قديما لزم قدم المخلوق، وإن كان حادثا فلا بد له من خلق آخر، فيلزم التسلسل.
فقال لهم الناس: بل هذا منقوض على أصلكم [2] ; فإنكم تقولون: إنه يريد بإرادة قديمة، والمرادات كلها حادثة. فإن كان هذا جائزا فلماذا لا يجوز أن يكون الخلق قديما والمخلوق حادثا؟ وإن كان هذا غير جائز، بل الإرادة تقارن المراد، لزم جواز قيام الحوادث به. وحينئذ فيجوز أن يقوم به خلق مقارن للمخلوق. فلزم فساد قولكم على التقديرين.
وكذلك إذا قيل: إن الخلق حادث. فلم قلتم: إنه محتاج إلى خلق آخر. فإنكم تقولون: المخلوقات كلها حادثة، ولا تحتاج إلى خلق حادث. فلم لا يجوز أن تكون مخلوقة بخلق حادث؟ وهو لا يحتاج إلى خلق آخر.
ومعلوم أن حدوثها بخلق حادث أقرب إلى العقول من حدوثها كلها بلا خلق أصلا ; فإن كان كل حادث يفتقر إلى خلق بطل قولكم، وإن
(1)
ح، ب: السماوات.

(2)
ن: فيقال لهم: بل هذا منصوص على أصلكم، م: فيقال لهم: خالفهم الناس: بل.





كان فيها ما لا يفتقر إلى خلق، جاز أن يكون الخلق نفسه لا يفتقر إلى خلق آخر.
وهذه المواضع مبسوطة في غير هذا الموضع، والمقصود التمثيل بكلام المختلفين في الكتاب، الذين في قول كل واحد منهم حق وباطل، وأن الصواب ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
والناس لهم في طلب العلم والدين طريقان مبتدعان وطريق شرعي، فالطريق الشرعي هو النظر فيما جاء به الرسول والاستدلال بأدلته، والعمل بموجبها ; فلا بد من علم بما جاء به [1] وعمل به، لا يكفي أحدهما.
وهذا الطريق متضمن للأدلة العقلية والبراهين اليقينية ; فإن الرسول بين بالبراهين العقلية ما يتوقف السمع عليه، والرسل بينوا للناس العقليات التي يحتاجون إليها، كما ضرب الله في القرآن من كل مثل، وهذا هو الصراط المستقيم الذي أمر الله عباده أن يسألوه هدايته.
وأما الطريقان المبتدعان: فأحدهما: طريق أهل الكلام البدعي والرأي البدعي ; فإن هذا فيه باطل كثير، وكثير من أهله يفرطون فيما أمر الله به ورسوله من الأعمال، فيبقى هؤلاء في فساد علم وفساد عمل، وهؤلاء منحرفون إلى اليهودية الباطلة.
والثاني: طريق أهل الرياضة والتصوف والعبادة البدعية، وهؤلاء
(1)
ح: من علم ما جاء به.





منحرفون إلى النصرانية الباطلة. فإن هؤلاء يقولون: إذا صفى الإنسان نفسه على الوجه الذي يذكرونه، فاضت عليه العلوم بلا تعلم، وكثير من هؤلاء تكون عبادته [1] مبتدعة، بل مخالفة لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيبقون [2] في فساد من جهة العمل، وفساد من نقص العلم، حيث لم يعرفوا ما جاء به الرسول، وكثير ما يقع من [3] هؤلاء وهؤلاء، وتقدح كل طائفة في الأخرى، وينتحل كل منهم اتباع الرسول.
والرسول ليس ما جاء به موافقا لما قال هؤلاء ولا هؤلاء: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين} [سورة آل عمران: 67] ، وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه على طريقة أهل البدع من أهل الكلام والرأي، ولا على طريقة أهل البدع من أهل العبادة والتصوف، بل كان على ما بعثه الله من الكتاب والحكمة.
[الرد على أهل النظر وأهل الرياضة]
وكثير من أهل النظر يزعمون أنه بمجرد النظر يحصل العلم، بلا عبادة ولا دين ولا تزكية للنفس، وكثير من أهل الإرادة يزعمون أن طريق الرياضة بمجرده تحصل المعارف [4] ، بلا تعلم ولا نظر، ولا تدبر للقرآن والحديث.
(1)
ح، ب، ر: عباداته.

(2)
ح، ب: فيقعون.

(3)
من: كذا في (و) فقط، وفي سائر النسخ: بين.

(4)
ن، م: طريق الرياضة المجردة تحصل المعارف، و: طريق الرياضة بمجرد تحصيل المعارف، ح، ب: طريق الرياضة بمجردها تحصل المعارف.





وكلا الفريقين غالط، بل لتزكية النفس والعمل بالعلم وتقوى الله تأثير عظيم في حصول العلم، لكن مجرد العمل لا يفيد ذلك إلا بنظر وتدبر وفهم لما بعث الله به الرسول. ولو تعبد الإنسان ما عسى أن يتعبد، لم يعرف ما خص الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم - إن لم يعرف ذلك من جهته.
وكذلك لو نظر واستدل ماذا عسى أن ينظر لم يحصل له المطلوب إلا بالتعلم من جهته، ولا يحصل التعلم المطابق [1] النافع إلا مع العمل به، وإلا فقد قال الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} [سورة الصف: 5] .
وقال: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون - ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} [سورة الأنعام: 109 - 110] .
وقال تعالى: {وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم} [سورة النساء: 155] ، وقال تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [سورة المطففين: 14] .
وقال: {أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون} [سورة الأعراف: 100] .
وقال: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا - وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما - ولهديناهم صراطا مستقيما} [سورة النساء: 66 - 68] .
(1)
ح، ب: اللائق.





وقال: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين - يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [سورة المائدة: 15 - 16] .
وقال: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} [سورة آل عمران: 138] .
وقال: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} [سورة البقرة: 2] .
وكذلك لو جاع وسهر وخلا وصمت وفعل ماذا عسى أن يفعل لا يكون مهتديا إن لم يتعبد بالعبادات الشرعية، وإن لم يتلق علم الغيب من جهة الرسول.
قال تعالى لأفضل الخلق الذي كان أزكى الناس نفسا، وأكملهم عقلا قبل الوحي: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا} [سورة الشورى: 52] .
وقال: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب} [سورة سبأ: 50] .
وقال: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى - ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا - ونحشره يوم القيامة أعمى - قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا - قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [سورة طه: 123 - 126] .
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}



[سورة الزخرف: 36] أي: عن الذكر الذي أنزلته. قال المفسرون: يعش عنه فلا يلتفت إلى كلامه ولا يخاف عقابه.
ومنه قوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} [سورة الأنبياء: 50] ، وقوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [سورة الأنبياء: 2] ، وشاهده في الآية الأخرى: {ومن أعرض عن ذكري} [سورة طه: 124] ثم قال: {كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [سورة طه: 126] فكل من عشا عن القرآن فإنه يقيض له شيطان يضله، ولو تعبد بما تعبد.
"ويعش" روي عن ابن عباس: "يعمى" وكذلك قال عطاء وابن زيد بن أسلم، وكذلك أبو عبيدة قال: "تظلم عينه" [1] واختاره ابن قتيبة ورجحه على قول من قال: "يعرض" . والعشا ضعف في البصر، ولهذا قيل: فيه يعش. وقالت طائفة: يعرض، وهو رواية الضحاك عن ابن عباس، وقاله قتادة، واختاره الفراء والزجاج [2] ، وهذا صحيح من جهة المعنى ; فإن قوله: "يعش" ضمن معنى "يعرض" ولهذا عدي بحرف الجار [3] "عن" كما يقال: أنت أعمى عن محاسن فلان، إذا أعرضت فلم تنظر إليها. فقوله: "يعش" أي: يكن [4] أعشى عنها [5] ، وهو دون العمى [6] ، فلم ينظر إليها إلا نظرا ضعيفا.
(1)
ن، ر: عينيه.

(2)
انظر "زاد المسير" لابن الجوزي 7/314 - 315

(3)
ب فقط: الجر.

(4)
يكن: كذا في (ب) فقط، وفي سائر النسخ يكون.

(5)
ح: منها.

(6)
العمى: كذا في (ح) ، (ب) ، وفي سائر النسخ الأعمى.





وهذا حال أهل الضلال الذين لم ينتفعوا بالقرآن، فإنهم لا ينظرون فيه كما ينظرون في كلام سلفهم ; لأنهم يحسبون أنه لا يحصل المقصود، وهم الذين عشوا عنه فقيضت لهم الشياطين، تقترن بهم وتصدهم عن السبيل، وهم يحسبون أنهم مهتدون.
ولهذا لا تجد في كلام من لم يتبع الكتاب والسنة بيان الحق علما وعملا أبدا ; لكثرة ما في كلامه من وساوس الشياطين [1] .
وحدثني غير مرة رجل، وكان من أهل الفضل والذكاء والمعرفة والدين، أنه كان قد قرأ على شخص سماه لي، وهو من أكابر أهل الكلام والنظر، دروسا من "المحصل" لابن الخطيب، وأشياء من "إشارات" ابن سينا. قال: فرأيت حالي قد تغير، وكان له نور وهدى، ورؤيت له منامات سيئة، فرآه صاحب النسخة بحال سيئة، فقص عليه الرؤيا، فقال: هي من كتابك.
وإشارات ابن سينا يعرف جمهور المسلمين الذين يعرفون دين الإسلام أن فيها إلحادا كثيرا، بخلاف "المحصل" يظن كثير من الناس أن فيه بحوثا تحصل المقصود.
قال فكتبت عليه: محصل في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله أصل بلا دين أصل الضلالات والشك المبين فما فيه فأكثره وحي الشياطين
قلت: وقد سئلت أن أكتب على "المحصل" ما يعرف به الحق فيما
(1)
ح، ب: الشيطان.





ذكره، فكتبت من ذلك ما ليس هذا موضعه [1] ، وكذلك تكلمت على ما في الإشارات في مواضع أخر [2] .
والمقصود هنا التنبيه على الجمل، فما [3] في "المحصل" وسائر كتب الكلام المختلف أهله: كتب [4] الرازي وأمثاله من الكلابية ومن حذا حذوهم، وكتب المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء، لا يوجد فيها ما بعث الله به رسله في أصول الدين، بل يوجد فيها حق ملبوس بباطل.
ويكفيك نفس مسألة خلق الرب مخلوقاته لا تجد فيها إلا قول القدرية والجهمية والدهرية: إما العلة التي تثبتها الفلاسفة الدهرية، أو القادر الذي تثبته المعتزلة والجهمية. ثم إن كان من الكلابية أثبت تلك الإرادة الكلابية [5] ، ومن عرف حقائق هذه الأقوال تبين له أنها مع مخالفتها للكتاب والسنة وإجماع السلف مخالفة لصرائح العقول [6] .
وكذلك قولهم في النبوات، فالمتفلسفة تثبت النبوة على أصلهم
(1)
ذكر ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ص 37: "وله كتاب شرح أول المحصل مجلد" ، وذكره ابن القيم في "أسماء مؤلفات ابن تيمية" ص 19 والمقصود كتاب "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" للرازي.

(2)
قال ابن تيمية في "كتاب الصفدية" 2/281: " كما قد كتبنا بعض كلام النظار في ذلك في غير هذا الموضع، في الكلام "المحصل" وعلى " منطق الإشارات "وعلى" المنطق اليوناني ": مصنف كبير ومصنف مختصر وغير ذلك" .

(3)
ن، م: كما.

(4)
ح، ب: وكتب، ر: ككتب.

(5)
ح، ب: ثم إن كان من الكلابية من أثبت تلك الإرادات الكلية، ي، ر: ثم إن كان من الكلابية من أثبت تلك الإرادة الكلية.

(6)
ح، ب: لصريح المعقول.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #345  
قديم 10-05-2025, 02:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (345)
صـ 435 إلى صـ 444






الفاسد: أنها قوة قدسية تختص بها بعض النفوس [1] ; لكونها أقوى نيلا للعلم، وأقوى تأثيرا في العالم، وأقوى تخيلا لما تعقله [2] في صور متخيلة وأصوات متخيلة، وهذه الثلاثة هي عندهم خاصة النبي، ومن اتصف بها فهو نبي القوة القدسية العلمية، والتأثير في الهيولي، وما يتخيله في نفسه من أصوات هي كلام الله، ومن صور هي عندهم ملائكة [الله] [3] .
ومعلوم عند من اعتبر العالم أن هذا القدر يوجد لكثير من آحاد الناس، وأكثر الناس لهم نصيب من هذه الثلاثة، ولهذا طمع كثير من هؤلاء في أن يصير نبيا، ولهذا قال هؤلاء: إن النبوة مكتسبة، وإنما قالوا هذا ; لأنهم لم يثبتوا لله علما بالجزئيات، ولا قدرة، ولا كلاما يتكلم به تنزل به ملائكته [4] .
ثم إن الجهمية والمعتزلة يردون عليهم تارة ردا مقاربا، وتارة ردا ضعيفا ; لكونهم جعلوا صانع العالم يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح، وجعلوا القادر المختار يرجح بلا مرجح، وزعم أكثرهم [5] أنه مع وجود القدرة والداعي التام لا يجب وجود الفعل، ففزعوا [6] من الموجب بالذات. ولفظ الموجب بالذات مجمل، فالذي ادعته المتفلسفة باطل ;
(1)
ح، ب: يختص بها بعض الناس.

(2)
ب فقط: يعقله.

(3)
ن، ب: هي عندهم ملائكة، ح، ي: عندهم هي ملائكة الله، ر: هي عندهم هي ملائكة الله، و: هي ملائكة الله.

(4)
ب: ينزل به ملائكته، و: ينزل ملائكة.

(5)
ن: بعضهم.

(6)
ن، م، ب: ففرعوا.






فإنهم أثبتوا موجبا بذات مجردة عن الصفات يستلزم مفعولاته، حتى لا يتأخر عنه شيء، وأثبتوا له من الوحدة ما يضمنونه نفي صفاته وأفعاله القائمة به، وقالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، والواحد الذي ادعوه لا حقيقة له إلا في الأذهان لا في الأعيان.
والكلام على مذاهبهم وإبطالها مبسوط في موضع آخر، وقد بينا أنهم أكثر الناس تناقضا واضطرابا، وأن دعواهم أنه علة موجبة للمعلول [1] أزلا وأبدا فاسدة من وجوه كثيرة.
وأما إذا قيل: هو موجب بالذات بمعنى أنه يوجب بمشيئته وقدرته ما يريد أن يفعله ; فهذا هو الفاعل بقدرته ومشيئته، فتسمية المسمى له موجبا بذاته نزاع لفظي.
وأكثر الجهمية والقدرية لا يقولون: إنه بقدرته ومشيئته يلزم وجود مقدوره، بل قد يحصل وقد لا يحصل، فيرجح [2] إن حصل بلا مرجح.
وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر، والمقصود هنا أن الجهمية تثبت نبوة لا تستلزم فصل صاحبها ولا كماله، ولا اختصاصه قط بشيء من صفات الكمال، بل يجوز أن يجعل من هو من أجهل [3] الناس نبيا.
ثم الجهمية المحضة عندهم يخلق الله كلاما في غيره فينزل به الملك. وأما الكلابية فعندهم النبوة تعلق المعنى القائم بالذات بالنبي، بمعنى أنت عبدي ورسولي. فيقولون في النبوة من جنس ما قالوه في
(1)
ن، م: للمفعول.

(2)
و: فرجح.

(3)
ح، م، ب: من هو أجهل.






أحكام أفعال العباد: إنه ليس للحكم معنى إلا تعلق المعنى القائم بالذات به، والمعنى القائم بالذات المتعلق به لا يثبتون [1] في الإيمان والتقوى والأعمال الصالحة خاصة تميزت به [2] عن السيئات، حتى أمر بها لأجلها، وكذلك في النبوة.
والمعتزلة ومن وافقهم يثبتون لله شريعة بالقياس على عباده، فيوجبون عليه من جنس ما يجب عليهم، ويحرمون عليه من جنس ما يحرم [3] عليهم، ولا يجعلون أمره ونهيه، وحبه وبغضه، ورضاه وسخطه - له ثأثير في الأعمال، بل صفاتها ثابتة بدون الخطاب، والخطاب مجرد كاشف، بمنزلة الذي يخبر عن الشمس والقمر والكواكب بما هي متصفة به.
والله سبحانه قد أخبر أنه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس، والاصطفاء افتعال من التصفية، كما أن الاختيار افتعال من الخيرة، فيختار من يكون مصطفى. وقد قال: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [سورة الأنعام: 124] [4] فهو أعلم بمن يجعله رسولا ممن لم يجعله رسولا، ولو كان كل الناس يصلح للرسالة [5] لامتنع هذا.
وهو عالم بتعيين الرسول، وأنه أحق من غيره بالرسالة، كما دل القرآن على ذلك. وقد قالت خديجة - رضي الله عنها - لما فجأ الوحي النبي [6]
(1)
ح: لا يثبتونه.

(2)
ب: بها.

(3)
ح: ما يحرمون.

(4)
ن، م، و: حيث يجعل رسالاته.

(5)
ح، ر: يصل إلى الرسالة، ي: يصل للرسالة.

(6)
فجاء الوحي النبي: كذا في (ب) وفي سائر النسخ: بالنبي.





-
صلى الله عليه وسلم - وخاف من ذلك فقالت له: "كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" [1] ، وكانت أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - أعقل وأعلم من الجهمية، حيث رأت أن من جعله الله على هذه الأخلاق الشريفة، المتضمنة لعدله وإحسانه، لا يخزيه الله فإن حكمة الرب تأبى ذلك.

وهؤلاء عندهم هذا لا يعلم، بل قد يخزي من يكون كذلك، وقد ينبأ شر الناس، كأبي جهل وغيره، ولهذا أنكر المازري [2] وغيره على خديجة، كما أنكروا على هرقل استدلاله بما استدل به في حديث أبي سفيان المشهور لما سأل عن صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - [3] .
(1)
سبق الحديث فيما مضى 2/419 - 420

(2)
ح، ر، ي: المازني، وهو أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، محدث ومن فقهاء المالكية، ينسب إلى مازر بجزيرة صقلية، ولد سنة 453 هـ وتوفي سنة 536 هـ، وله كتاب "الكشف والإنباء في الرد على الإحياء للغزالي" ، انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 3/413 الديباج المذهب لابن فرحون ص 279 - 281 شذرات الذهب 4/114 العبر 4/100 - 101، الأعلام 7/164، وانظر سيرة الغزالي ص 72 - 73 - 79 - 81، 109 - 110، 112 - 121

(3)
سبق هذا الحديث فيما مضى 4/434 وقد جاء حديث هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه عن ابن عباس عن أبي سفيان رضي الله عنهم في عدة مواضع في البخاري منها: 1/4 - 6 (كتاب بدء الوحي باب حدثنا أبو اليمان) ، انظر المواضع الأخرى في طبعة د. البغا في الأرقام 51، 2535، 2650، 2738، 2778، إلخ، والحديث في مسلم 3/1393 - 1397 (كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. .) ، المسند (ط. المعارف) 4/110 - 114 وقال أحمد شاكر رحمه الله (ص 110) : "ورواه مسلم في المغازي وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان، والنسائي في التفسير، ولم يخرجه ابن ماجه، كما قال القسطلاني في شرح البخاري 1/70"





والله سبحانه إذا اتخذ رسولا فضله بصفات أخرى لم تكن موجودة فيه قبل إرساله، كما كان يظهر لكل من رأى موسى وعيسى ومحمدا من أحوالهم وصفاتهم بعد النبوة. وتلك الصفات غير الوحي الذي ينزل عليهم، فلا يقال: إن النبوة مجرد صفة إضافية كأحكام الأفعال كما تقوله الجهمية.
ولهذا [لما] [1] صار كثير من أهل النظر - كالرازي وأمثاله - ليس عندهم إلا قول الجهمية والقدرية والفلاسفة، تجدهم في تفسير القرآن، وفي سائر كتبهم، يذكرون أقوالا كثيرة متعددة كلها باطلة، لا يذكرون الحق، مثل تفسيره للهلال [2] ، وقد قال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [سورة البقرة: 189] فذكر قول أهل الحساب فيه، وجعله من أقوال الفلاسفة، وذكر قول الجهمية الذين يقولون: إن القادر المختار يحدث فيه الضوء بلا سبب أصلا ولا لحكمة [3] .
وكذلك إذا تكلم في المطر يذكر قول أولئك الذين يجعلونه حاصلا عن مجرد البخار المتصاعد والمنعقد في الجو، وقول من يقول: إنه أحدثه الفاعل المختار بلا سبب، ويذكر قول من يقول: إنه نزل من
(1)
لما: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ح) ، (ر) ، (ي)

(2)
أي الرازي.

(3)
انظر ما ذكره الرازي في تفسيره "التفسير الكبير" أو "مفاتيح الغيب" ، "ط. عبد الرحمن محمد، القاهرة 1357 1938) 5/132 - 136 وانظر قوله (ص 132) :" وأما السنة فهي عبارة عن الزمان الحاصل من حركة الشمس من نقطة معينة من الفلك بحركتها الحاصلة عن خلاف حركة الفلك، إلى أن تعود إلى تلك النقطة بعينها، إلا أن القوم اصطلحوا على أن تلك النقطة. . إلخ "."





الأفلاك. وقد يرجح [1] هذا القول في تفسيره [2] ، ويجزم بفساده في موضع آخر.
وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة، ولا التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة المسلمين، [بل سائر أهل العلم من المسلمين] [3] من السلف والخلف، يقولون: إن المطر نزل من السحاب.
ولفظ "السماء" في اللغة والقرآن اسم لكل ما علا، فهو اسم جنس للعالي، لا يتعين في شيء إلا بما يضاف إلى ذلك.
وقد قال: {فليمدد بسبب إلى السماء} [سورة الحج: 15] ، وقال: {الذي أنزل من السماء ماء} [سورة الأنعام: 99] ، وقال: {أأمنتم من في السماء} [سورة تبارك: 16] ، والمراد بالجميع العلو، ثم يتعين هنا بالسقف ونحوه، وهنا [4] بالسحاب، وهناك بما فوق العالم كله.
فقوله: {أنزل من السماء ماء} [سورة الأنعام: 99] أي من العلو، مع قطع النظر عن جسم معين. لكن قد صرح في موضع آخر بنزوله من السحاب، كما في قوله: {أفرأيتم الماء الذي تشربون - أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} [سورة الواقعة: 68 - 69] والمزن: السحاب.
(1)
ن، م: رجح.

(2)
انظر مثلا تفسير الرازي 4/223

(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .

(4)
ب: وهناك.





وقوله: {ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله} [سورة النور: 43] ، والودق: المطر، وقال تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله} [سورة الروم: 48] ، فأخبر سبحانه أنه يبسط السحاب في السماء.
وهذا مما يبين أنه لم يرد بالسماء هنا الأفلاك ; فإن السحاب لا يبسط في الأفلاك، بل الناس يشاهدون السحاب يبسط في الجو، وقد يكون الرجل في موضع عال: إما على جبل أو على غيره، والسحاب يبسط أسفل منه، وينزل منه المطر، والشمس فوقه.
والرازي [1] لا يثبت على قول [واحد] [2] ، بل هو دائما ينصر هنا قولا، وهناك ما يناقضه لأسباب تقتضي ذلك.
وكثير من الناس يفهمون من القرآن ما لا يدل عليه، وهو معنى فاسد، ويجعلون ذلك يعارض العقل. وقد بينا في مصنف مفرد "درء تعارض [3] العقل والنقل" وذكرنا فيه عامة ما يذكرون من العقليات في معارضة الكتاب والسنة، وبينا أن التعارض لا يقع إلا إذا كان ما سمى معقولا فاسدا، وهذا هو الغالب على كلام أهل البدع، أو أن يكون [4] ما أضيف
(1)
ر، و، ي: والرازي رحمه الله.

(2)
واحد ساقطة من (ن) ، (ب) .

(3)
و: في مصنف كثير لعل الصواب: كبير مفرد منع تعارض.

(4)
ح، ر، ب، ي: أو يكون.





إلى الشرع ليس منه: إما حديث موضوع، وإما فهم فاسد من نص لا يدل عليه، وإما نقل إجماع باطل.
ومن هذا كثير من الناس ذم الأحكام النجومية، ولا ريب أنها مذمومة بالشرع مع العقل، وأن الخطأ فيها أضعاف الصواب، وأن من اعتمد عليها في تصرفاته، وأعرض عما أمر الله به ورسوله، خسر الدنيا والآخرة.
لكن قد [1] يردونها على طريقة الجهمية ونحوهم بأن يدعوا أنه لا أثر لشيء من العلويات في السفليات أصلا: إما على طريقة [2] الجهمية، لكن تلك لا تنفي العادات الاقترانية، وإن لم تثبت سببا ومسببا وحكمة، وإما بناء على نفي العادة [3] في ذلك.
ثم قد ينازعون [4] في استدارة الأفلاك، ويدعون شكلا آخر. وقد بينا في جواب المسائل التي سئلت عنها في ذلك أن الأفلاك مستديرة عند علماء المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، كما ثبت ذلك عنهم بالأسانيد المذكورة في موضعها، بل قد نقل إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من علماء المسلمين [5] ، الذين هم من أخبر الناس بالمنقولات، كأبي الحسين بن المنادي، أحد أكابر الطبقة الثانية من
(1)
قد: ساقطة من (و)

(2)
ن، م، و: الطريقة.

(3)
و: العبادة، ب: العادات.

(4)
ن، و: تنازعوا.

(5)
انظر ما ذكره ابن تيمية في "المسألة العرشية" في فتاوى الرياض 6/545 - 583، وخاصة 557، وانظر إجابته لمسألة سئل عنها 6/586 - 591





أصحاب الإمام أحمد، وله نحو أربعمائة مصنف [1] ، وأبي محمد بن حزم الأندلسي، وأبي الفرج بن الجوزي.
وقد دل ذلك على الكتاب والسنة، كما قد بسط في "الإحاطة" [2] وغيرها.
وكذلك المطر معروف عند السلف والخلف بأن الله تعالى يخلقه من الهواء ومن البخار المتصاعد، لكن خلقه للمطر من هذا، كخلق الإنسان من نطفة، وخلقه للشجر والزرع من الحب والنوى، فهذا معرفة [3] بالمادة التي خلق منها، ونفس المادة لا توجب ما خلق منها باتفاق العقلاء، بل لا بد مما به يخلق تلك الصورة [4] على ذلك الوجه، وهذا هو الدليل على القادر المختار الحكيم، الذي يخلق المطر على قدر معلوم وقت الحاجة إليه، والبلد الجرز [5] يسوق إليه [6] الماء من حيث أمطر، كما قال:
(1)
أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن المنادي، ولد سنة 256 وتوفي سنة 336، عالم بالتفسير والحديث ومن كبار فقهاء الحنابلة، من أهل بغداد. انظر ترجمته في طبقات الحنابلة 2/3 - 6، البداية والنهاية 11/219، المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد لعبد الرحمن بن محمد العليمي 2/37 - 39 (ط. المدني، بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد 1383 1963) ، مناقب الإمام أحمد (تحقيق الدكتور عبد الله التركي) ص 617، تاريخ بغداد 4/69 - 70، الأعلام 1/103

(2)
ذكر ابن عبد الهادي في كتابه (العقود الدرية) ص 51 من مؤلفات ابن تيمية (الإحاطة الكبرى) وفي ص 52 (والإحاطة الصغرى) .

(3)
ح، ر، ب، ي: معرفته.

(4)
ح: بل لا بد من مادة يخلق تلك الصور، ر: بل لا بد من مادة تخلق تلك الصورة، بل لا بد من ماء به تخلق تلك الصورة، م: بل لا بد من مائه يخلق تلك الصورة.

(5)
في "اللسان" : "وأرض مجروزة وجرز وجرز وجرز: لا تنبت كأنها تأكل النبت أكلا، وقيل: هي التي قد أكل نباتها، وقيل: هي الأرض التي لم يصبها مطر" .

(6)
ح، ب: إليها.





{يسمعون أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون} [سورة السجدة: 27] ، فالأرض الجرز لا [1] تمطر ما يكفيها، كأرض مصر: لو أمطرت المطر المعتاد لم يكفها ; فإنها أرض إبليز [2] . وإن أمطرت كثيرا مثل مطر شهر خربت [3] المساكن، فكان من حكمة الباري ورحمته أن أمطر مطرا أرضا بعيدة، ثم ساق ذلك الماء إلى أرض مصر.
فهذه الآيات [4] يستدل بها على علم الخالق وقدرته ومشيئته وحكمته، وإثبات المادة التي خلق منها المطر والشجر والإنسان والحيوان مما يدل على حكمته [5] .
ونحن لا نعرف شيئا قط خلق إلا من مادة، ولا أخبر الله في كتابه بمخلوق إلا من مادة.
وكذلك كون كسوف الشمس وغيره سببا لبعض الحوادث هو مما دلت عليه النصوص الصحيحة، ففي الصحاح من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "«إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا"
(1)
ح، ر: ما.

(2)
ح، ر: تلين، ي: إبلين، وفي "المعجم الوسيط" الإبليز: "الطين الذي يخلفه نهر النيل على وجه الأرض بعد ذهابه" .

(3)
ح: أخربت.

(4)
ح، ب: الآية.

(5)
ح، ر، و، ي: الحكمة.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #346  
قديم 10-05-2025, 02:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (346)
صـ 445 إلى صـ 454







لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله - عز وجل - يخوف [الله] بهما [1] عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة» "[2] ."
وقد ثبت عنه في الصحاح أنه صلى صلاة الكسوف بركوع زائد في كل ركعة، وأنه طولها تطويلا لم يطوله في شيء من صلوات الجماعات، وأمر عند الكسوف بالصلاة والذكر والدعاء، والعتاقة والصدقة، والاستغفار [3] .
وقوله: "«يخوف الله بهما عباده»" كقوله تعالى: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} [سورة الإسراء: 59] ، ولهذا كانت الصلوات مشروعة عند الآيات عموما، مثل تناثر الكواكب والزلزلة وغير ذلك، والتخويف إنما يكون بما هو سبب للشر المخوف، كالزلزلة والريح العاصف. وإلا فما وجوده كعدمه لا يحصل به تخويف.
فعلم أن الكسوف سبب للشر، ثم قد يكون [4] عنه شر، ثم القول فيه كالقول في سائر الأسباب: هل هو سبب؟ كما عليه جمهور الأمة، أو هو مجرد اقتران عادة كما يقوله الجهمية؟
وهو - صلى الله عليه وسلم - أخبر عند [5] أسباب الشر بما يدفعها من
(1)
ن، ح، ر: يخوف بهما.

(2)
سبق هذا الحديث في هذا الجزء ص 299

(3)
انظر إرواء الغليل 3/126 - 132 وانظر الأحاديث الواردة في ذلك وتعليق الألباني عليها.

(4)
ب: ثم قد لا يكون، و: ثم هل هو قد يكون.

(5)
ب فقط: عن.






العبادات، التي تقوي ما انعقد [1] سببه من الخير، وتدفع أو تضعف ما انعقد سببه من الشر. كما قال: "«إن الدعاء والبلاء ليلتقيان فيعتلجان بين السماء والأرض»" [2] .
والفلاسفة تعترف [3] بهذا، لكن هل ذلك بناء [4] على أن الله يدفع ذلك بقدرته وحكمته، أو بناء على أن القوى النفسانية تؤثر؟ هذا مبني على أصولهم في هذا الباب.
ويحكى عن بطليموس [5] أنه قال: "ضجيج الأصوات، في هياكل العبادات، بفنون اللغات، تحلل [6] ما عقدته الأفلاك الدائرات" ، وعن
(1)
ن: ما اعتقد.

(2)
لم أجد الحديث بهذا اللفظ ولكن روى المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/142 (ط. مصطفى محمد عمارة 1352 1933) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغني حذر عن قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" ، قال المنذري: "رواه البزار والطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، يعتلجان: أي يتصارعان ويتدافعان" .

(3)
و: تعرف

(4)
ن، م: لكن هو بناء.

(5)
بطليموس القلوذي العالم المشهور صاحب كتاب المجسطي في الفلك، إمام في الرياضة، كان في أيام أندرياسيوس وفي أيام أنطميوس من ملوك الروم وبعد أيرقس بمائتين وثمانين سنة، فأما كتاب المجسطي فهو ثلاث عشرة مقالة، وأول من عني بتفسيره وإخراجه إلى العربية يحيى بن خالد بن برمك. انظر عنه: تاريخ الحكماء ص 95 - 98 طبقات الأطباء ص 35 - 38 الفهرست لابن النديم ص [0 - 9] 67 - 268 خطط المقريزي 1/154

(6)
ح، ر: تحل.





أبقراط [1] أنه قال: "واعلم أن طبنا بالنسبة إلى طب أرباب الهياكل كطب العجائز بالنسبة إلى طبنا" .
فالقوم كانوا معترفين بما وراء القوى الطبيعية والفلكية، وليس ذلك مجرد القوى النفسانية، كما يقوله ابن سينا وطائفة [2] ، بل ملائكة ملء [3] العالم العلوي والسفلي، والجن أيضا لا يحصي عددهم إلا الله، والله قد وكل الملائكة بتدبير هذا العالم بمشيئته وقدرته، كما دلت على ذلك الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة، وكما يستدل على ذلك أيضا بأدلة عقلية.
والملائكة أحياء ناطقون، ليسوا أعراضا قائمة بغيرها، كما يزعمه كثير من المتفلسفة. ولا هي مجرد العقول العشرة والنفوس التسعة، بل هذه [4] باطلة بأدلة كثيرة [5] .
(1)
أبقراط Hippocrates طبيب ماهر عاش خمسا وتسعين سنة، تتلمذ في الطب على أسقليمبيوس، تكلم عنه مبشر بن فاتك في كتابه (مختار الحكم) وحنين بن إسحاق في كتابه: "نوادر الفلاسفة" توفي سنة 357 ق. م. انظر: عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 24، طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل ص 16 - 19 تاريخ الحكماء للقفطي ص 90 الفهرست لابن النديم ص 287 - 288.

(2)
ح، ب: وطائفته.

(3)
بل ملائكة ملء: كذا في (و) وهو الصواب، وفي سائر النسخ: بل بمليكه بل.

(4)
ن، م: هي.

(5)
انظر ما ذكرته في كتابي "مقارنة بين الغزالي وابن تيمية" (ط. دار القلم، الكويت 1395 1975) ص 89 - 92 من رد ابن تيمية على الفلاسفة في قولهم: إن الملائكة هي العقول والنفوس ومواضع كلام ابن تيمية في ذلك. وانظر: الرد على المنطقيين، ص 493 - 499 الصفدية 1/196 - 202





وما يثبتونه من المجردات المفارقات لا يحصل معهم منه غير النفس الناطقة ; فإنها تفارق بدنها. وما سوى ذلك فلا يثبت معهم على طريقهم إلا المجردات المعقولة في الأذهان، وهي الكليات المعقولة، ولكنهم يظنون ثبوت ذلك في الخارج، كما يظن شيعة أفلاطون [1] ثبوت المثل الأفلاطونية في الخارج، فتثبت [2] كليات قديمة أزلية أبدية مفارقة [3] كإنسان كلي.
وهذا هو غلطهم [4] ، حيث ظنوا ما هو في الأذهان موجودا في الأعيان، وكذلك ما يثبتونه من الجواهر العقلية، وهي أربعة: العقل، والنفس، والمادة، والصورة، وطائفة منهم كشيعة أفلاطون [5] تثبت جوهرا عقليا هو الدهر، وجوهرا عقليا هو الخير، وتثبت جوهرا عقليا هو المادة الأولى المعارضة للصورة.
وكل هذه العقليات التي يثبتونها إذا حققت غاية التحقيق تبين أنها أمور معقولة في النفس، فيتصورها في نفسه، فهي معقولات في قلبه، وهي مجردة عن جزئياتها الموجودة في الخارج ; فإن العقل دائما ينتزع من الأعيان المعينة المشهودة كليات مشتركة عقلية، كما يتصور زيدا وعمرا وبكرا، ثم يتصور إنسانا مشتركا كليا ينطبق على زيد وعمرو وبكر،
(1)
م، ر، و: أفلاطن.

(2)
ن، و: فيثبت.

(3)
ن، م: مقارنة، وهو خطأ.

(4)
ح، ر: وعلى هذا من غلطهم.

(5)
ن، م، و، ر: أفلاطن.





ولكن هذا المشترك إنما هو في قلبه وذهنه، يعقله بقلبه، ليس في الخارج إنسان مشترك كلي يشترك [1] فيه هذا وهذا، بل كل إنسان يختص بذاته وصفاته، لا يشاركه غيره في شيء مما قام به قط.
وإذا قيل: الإنسانية مشتركة أو الحيوانية، فالمراد أن في هذا حيوانية وإنسانية تشابه ما في هذا من الحيوانية والإنسانية، ويشتركان في مسمى الإنسانية والحيوانية، وذلك المسمى إذا أخذ مشتركا كليا لم يكن إلا في الذهن. وهو تارة يوجد [2] مطلقا بشرط الإطلاق، فلا يكون إلا في الذهن عند عامة العقلاء، إلا من أثبت المثل الأفلاطونية في الخارج. وتارة يوجد [3] مطلقا لا بشرط الإطلاق بحيث يتناول المعينات، وهذا قد يقال: إنه موجود في الخارج، وهو موجود في الخارج معينا مقيدا مخصوصا. فيقال: هذا الإنسان، وهذا الحيوان، وهذا الفرس، وأما وجوده في الخارج [مع] [4] كونه مشتركا في الخارج فهذا باطل.
ولهذا كان من المعروف عندهم أن الكليات ثابتة في الأذهان لا في الأعيان، ومن قال: إن الكلي الطبيعي موجود في الخارج فمعناه الصحيح أن ما هو كلي إذا كان في الذهن يوجد في الخارج، لكن لا يوجد في الخارج كليا، وهذا كما يقال [5] : ما يتصوره الذهن قد يوجد في
(1)
ن، م: مشترك.

(2)
ح، ر: يؤخذ.

(3)
ح، ر: يؤخذ.

(4)
مع: ساقطة من (ن) .

(5)
ح: كما يقول.





الخارج وقد لا يوجد، ولا يراد بذلك أن [1] نفس الصورة الذهنية تكون بعينها في الخارج، ولكن يراد به أن ما يتصور في الذهن قد يوجد في الخارج، كما يوجد أمثاله في الخارج.
كما يتصور الإنسان [2] دارا يبنيها وعملا يعمله، ويقول الرجل لغيره: جئت بما كان في نفسي، وفعلت هذا كما كان في نفسي، وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: "زورت في نفسي مقالة، فجاء أبو بكر في بديهته بأحسن منها" . وهذا كله معروف عند الناس ; فإن الشيء له وجود في نفسه، وله مثال مطابق [له] [3] في العلم، ولفظ يدل على ذلك المثال العلمي، وخط يطابق ذلك اللفظ. ويقال: له وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان [4] ، ووجود عيني، وعلمي، ولفظي، ورسمي، كالشمس الموجودة، والكعبة الموجودة، ثم إذا رأى الإنسان الشمس يمثلها في نفسه، ثم يقول بلسانه: شمس، وكعبة، ثم يكتب بخطه: شمس، وكعبة، فإذا كتب وقيل: هذه الشمس التي في السماء، وهذه الكعبة التي يصلي إليها المسلمون، لم يرد بذلك أن الخط هو الشمس والكعبة، ولكن المعنى معروف.
كما إذا قال [5] : يا زيد، فالمنادي لا ينادي الصوت، وإذا قال: ضربت
(1)
أن: كذا في (م) ، (ب) ، وفي سائر النسخ أنه.

(2)
و: الرجل.

(3)
له ساقطة من (ن) .

(4)
ح، م: البيان.

(5)
ب: قيل.





زيدا، لم يرد أنه ضرب الحروف، لكن قد عرف أنه إذا أطلق الأسماء فالمراد مسمياتها التي جعلت الأسماء دالة عليها، وإذا كتبت الأسماء فالمراد بالخط ما يراد باللفظ. فإذا قيل: لما في الورقة هذه الكعبة من الحجاز، فالمراد المسمى [1] بالاسم اللفظي الذي طابقه الخط.
ومثل هذا كثير يعرفه كل أحد. فإذا قيل لما في النفس: ليس بعينه هو الموجود في الخارج، فهو بهذا الاعتبار، أي: ما تصورته [في] [2] النفس موجود في الخارج، لكن يطابقه مطابقة المعلوم للعلم.
فإذا قيل: الكلي الطبيعي في الخارج، فهو بهذا الاعتبار أي: يوجد في الخارج ما يطابقه الكلي [3] الطبيعي، فإنه المطلق لا بشرط، فيطابق المعينات بخلاف المطلق بشرط الإطلاق، فإن هذا لا يطابق المعينات.
وأما أن يقال: [إن] [4] في الخارج أمرا كليا مشتركا فيه بعينه، هو في هذا المعين وهذا المعين، فهذا [5] باطل قطعا، وإن كان قد قاله طائفة، وأثبتوا ماهيات مجردة في الخارج عن المعينات، وقالوا: إن تلك الماهية غشيتها غواش غريبة، وإن أسباب الماهية غير أسباب الوجود، وهذا قد بسط الكلام عليه في الكلام على المنطق وعلى "الإشارات" وغير ذلك، وبين أن الذي لا ريب فيه أن ما يتصور في الأذهان ليس هو الموجود في
(1)
ح: بالمسمى.

(2)
في ساقطة من (ن) .

(3)
ح: بالكلي.

(4)
إن: ساقطة من (ن) ، (ح) ، (ب) ، (ر) .

(5)
ن: وهذا، وهو تحريف.





الأعيان، فمن عنى بالماهية ما في الذهن، وبالوجود ما في الخارج، فهو مصيب في قوله: الوجود مغاير للماهية، وأما إذا عنى بالماهية ما في الخارج، وبالوجود ما في الخارج، وبالماهية ما في الذهن، وبالوجود ما في الذهن، وادعى أن في الذهن شيئين، وأن في الخارج شيئين: وجود وماهية، فهذا يتخيل [1] خيالا لا حقيقة له. وبهذا التفصيل يزول الاشتباه الحاصل في هذا الموضع.
ولفظ "الماهية" مأخوذ من قول السائل: ما هو؟ وما هو سؤال عما يتصوره المسئول ليجيب عنه، وتلك هي الماهية للشيء في نفسه، والمعنى المدلول عليه باللفظ لا بد أن يكون مطابقا للفظ ; فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة، ودلالة اللفظ على بعض ذلك المعنى بالتضمن، ودلالته على لازم ذلك المعنى بالالتزام [2] .
وليست دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له، كما يظنه بعض الناس، ولا دلالة [3] التضمن استعمال اللفظ في جزء معناه، ولا دلالة [4] الالتزام استعمال اللفظ في لازم معناه.
بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ، وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في
(1)
و: متخيل.

(2)
في هامش (ر) كتب ما يلي: "كلام في أقسام الدلالات الثلاث: المطابقة والتضمن والالتزام" .

(3)
ح، ب، و: ودلالة.

(4)
ح، ب.، و: ودلالة.





معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ، وسمي "معنى" [1] لأنه عنى به [2] أي قصد وأريد بذلك، فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه.
ثم قد يكون اللفظ مستعملا [فيما وضع له، وهو الحقيقة، وقد يكون مستعملا] [3] في غير ما وضع له، وهو المجاز، وقد يكون المجاز من باب استعمال لفظ الجميع في البعض، ومن باب استعمال الملزوم في اللازم، وقد يكون في غير ذلك.
وذلك كله دلالة اللفظ على مجموع المعنى، وهي دلالة المطابقة، سواء كانت الدلالة حقيقة أو مجازية [4] ، أو غير ذلك. ثم ذلك المعنى المدلول عليه اللفظ: إذا كان له جزء فدلالة اللفظ عليه تضمن ; لأن اللفظ تضمن [5] ذلك الجزء، ودلالته على لازم ذلك المعنى هي دلالة الملزوم، وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة ; لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان، سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا.
فالماهية التي يعنيها المتكلم بلفظه دلالة لفظه عليها [دلالة] [6] مطابقة، ودلالته على ما دخل فيها دلالة تضمن، ودلالته على ما يلزمها وهو خارج عنها دلالة الالتزام.
(1)
و: معناه.

(2)
به: زيادة في (ن) .

(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .

(4)
ح، ر: حقيقة أو مجازية، و: حقيقته أو مجازته.

(5)
ح، ر: يضمن.

(6)
دلالة: زيادة في (ب) فقط.





فإذا قيل: الصفات الذاتية الداخلة في الماهية والخارجة عن الماهية، وعني بالداخل ما دل عليه اللفظ بالتضمن، وبالخارج ما دل عليه بالالتزام [1] ، فهذا صحيح.
وهذا الدخول والخروج هو بحسب ما تصوره المتكلم، فمن تصور حيوانا ناطقا فقال: إنسان، كانت دلالته على المجموع مطابقة، وعلى أحدهما تضمن، وعلى اللازم - مثل كونه ضاحكا - التزام، وإذا تصور إنسانا ضاحكا كانت دلالة إنسان على المجموع مطابقة، وعلى أحدهما تضمن، وعلى اللازم مثل كونه [2] ناطقا التزام.
وأما أن تكون الصفات اللازمة للموصوف في الخارج: بعضها داخل في حقيقته وماهيته، [وبعضها خارج عن حقيقته وماهيته] [3] ، والداخل هو الذاتي، والخارج ينقسم إلى لازم للماهية [4] والوجود، وإلى لازم للوجود دون الماهية ; فهذا كله مما قد بسط الكلام عليه [في مواضع] [5] ، وبينا ما في المنطق اليوناني من الأغاليط، التي بعضها من معلمهم الأول، وبعضها من تغيير المتأخرين.
وتكلمنا على ما ذكره أئمتهم في ذلك [واحدا واحدا] [6] كابن سينا
(1)
و: بالإلزام.

(2)
ح، ي، ر: وعلى كونه ضاحكا التزام، و: وعلى كونه ضاحكا إلزام، ن، م: مثل كونه ناطقا التزام.

(3)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .

(4)
ن: إلى اللازم للماهية، ح، و: إلى لازم الماهية.

(5)
في مواضع: ساقطة من (ن) ، (م) .

(6)
واحدا واحدا: ساقطة من (ن) ، (م) .







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #347  
قديم 10-05-2025, 02:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (347)
صـ 455 إلى صـ 464






وأبي البركات وغيرهما، وأنه [1] يوجد من كلامهم أنفسهم [2] ، ومن رد بعضهم على بعض، ما يبين أن ما ذكروه من تقسيم الصفات اللازمة للموصوف إلى هذه الأقسام الثلاثة تقسيم باطل، إلا إذا جعل ذلك باعتبار ما في الذهن من الماهية، لا باعتبار ماهية موجودة في الخارج.
وكذلك ما فرعوه على هذا من أن الإنسان مركب من الجنس والفصل، فإن هذا التركيب [3] ذهني لا حقيقة له في الخارج، وتركبه من الحيوان والناطق من جنس تركبه من الحيوان والضاحك، إذا جعل كل من الصفتين [4] لازما ملزوما، وأريد الضاحك بالقوة والناطق بالقوة [5] .
وأما إذا قيل: [في الخارج] [6] الإنسان مركب من هذا وهذا. فإن أريد به أن الإنسان موصوف بهذا وهذا، فهذا [7] صحيح، وكذلك [8] إذا فرق بين الصفات اللازمة للإنسان، التي لا يكون إنسانا إلا بها، كالحيوانية والناطقية، والضاحكية، وبين ما يعرض لبعض الناس، كالسواد والبياض، والعربية والعجمية، فهذا صحيح.
أما إذا قيل: هو مركب من صفاته اللازمة له، وهي أجزاء له، وهي
(1)
ن: فإنه.

(2)
ح، ب: بأنفسهم.

(3)
و: المركب.

(4)
ح، ر، و: الصنفين.

(5)
ن: وبالناطق بالقوة، وهو تحريف، وسقطت العبارة من (م) .

(6)
في الخارج: ساقطة من (ن) .

(7)
ن: فهو.

(8)
ح، ر، ب، ي: وهكذا.






متقدمة عليه تقدما ذاتيا - فإن الجزء قبل الكل، والمفرد قبل المركب -، وأريد بذلك التركيب في الخارج، فهذا كله تخليط. فإن الصفة تابعة للموصوف، فكيف تكون متقدمة عليه بوجه من الوجوه؟
وإذا قيل: هو مركب من الحيوانية والناطقية، أو من الحيوان والناطق، فإن أريد أنه مركب من جوهرين قائمين بأنفسهما، لزم أن يكون في كل موصوف جواهر كثيرة بعدد صفاته، فيكون في الإنسان جوهر هو جسم، وجوهر هو حساس، وجوهر هو نام، وجوهر هو متحرك بالإرادة، وجوهر هو ناطق.
ومعلوم أن هذا خطأ، بل الإنسان جوهر قائم بنفسه موصوف بهذه الصفات، فيقال: جسم حساس [1] نام متحرك بالإرادة ناطق.
وإن أريد [به] [2] أنه مركب من عرضين، فالإنسان جوهر، والجوهر لا يتركب من أعراض لاحقة له، فضلا عن أن تكون سابقة له متقدمة عليه.
وهذا كله قد بسطناه في مواضع، وإنما كان المقصود هنا أن هؤلاء الفلاسفة كثيرا ما يغلطون في جعل الأمور الذهنية المعقولة في النفس، فيجعلون ذلك بعينه أمورا موجودة في الخارج، فأصحاب فيثاغورس القائلون بالأعداد المجردة في الخارج من هنا كان غلطهم [3] ،
(1)
ن: جسم جوهر حساس، وهو خطأ.

(2)
به ساقطة من (ن) ، (م) ، (و) .

(3)
فيثاغورس Pythagoras فيلسوف ورياضي شهير، عرف حوالي منتصف القرن السادس قبل الميلاد. قال: إن العالم أشبه بعالم الأعداد منه بعالم الماء أو النار أو التراب، وقال: إن الموجودات أعداد وأن العالم عدد ونغم، وقال بالتناسخ، انظر عنه: الملل والنحل 2/78 - 79، تاريخ الحكماء للقفطي ص 258، 259، طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، 1/60 - 68، تاريخ ابن العبري ص 50، تاريخ الفلسفة اليونانية لكرم ص 20 - 26، فجر الفلسفة اليونانية، ص 70 - 92، نشأة الفكر الفلسفي 38 - 60، ربيع الفكر اليوناني ص 106 - 116، الفلسفة عند اليونان ص 69 - 82 Greek Philosophy، pp، 36 - 40.






وأصحاب أفلاطون الذين أثبتوا المثل الأفلاطونية من \ هنا كان غلطهم [1] ، وأصحاب صاحبه أرسطو الذين أثبتوا جواهر معقولة مجردة في الخارج مقارنة للجواهر الموجودة المحسوسة، كالمادة والصورة والماهية الزائدة على الوجود في الخارج، من هنا كان غلطهم [2] .
وهم إذا أثبتوا هذه الماهية، قيل لهم: أهي في الذهن أم في الخارج؟ ففي أيهما أثبتوها ظهر غلطهم، وإذا قالوا: نثبتها مطلقة، مع قطع النظر
(1)
أفلاطون، وجاء في (ن) ، (و) ، (ر) أفلاطن Plato: هو الفيلسوف اليوناني الشهير. ولد 428 ق. م وتوفي سنة 348 ق. م انظر عنه وعن آرائه الملل والنحل 2/94 - 101، تاريخ الحكماء للقفطي ص 17 - 27، طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 78 - 84، أفلاطون للدكتور عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية القاهرة 1954، الفلسفة عند اليونان، ص 165 - 243، تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص 62 - 111، تاريخ الفلسفة الغربية لبرتراند رسل ترجمة د. زكي نجيب محمود ص 176 - 257 Greek Philosophy pp 58 - 255 AE Taylor: Plato، London، 1963

(2)
أرسطو الذي عرف بالمعلم الأول، وهو أشهر فلاسفة اليونان على الإطلاق، ولد سنة 384 ق. م وتوفي سنة 322 ق. م انظر عنه وعن آرائه: الملل والنحل 2/128 - 145 تاريخ الحكماء ص 27 - 53، طبقات الأطباء ص 84 - 105، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص 112 - 209، تاريخ الفلسفة الغربية ص 258 - 331، الفلسفة عند اليونان ص 245 - 364، أرسطو للدكتور عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1944 Greek Philosophy pp، 257 - 380. Ross Aristotle London، 1974.





عن هذا، وهذا أو أعم [1] من هذا وهذا، قيل: عدم نظر الناظر لا يغير الحقائق عما هي عليه في نفس الأمر: إما في الذهن، وإما في الخارج.
وما كان أعم منها فهو أيضا في الذهن ; فإنك إذا قدرت ماهية لا في الذهن، ولا في الخارج لم تكن مقدرا [2] إلا في الذهن. ومعنى ذلك أن هذا التقدير في الذهن، لا أن الماهية التي قيل: عنها ليست في الذهن - هي في الذهن، بل الماهية التي تصورها الإنسان في ذهنه يمكنه تقديرها ليست في ذهنه، مع أن تقديرها ليست في ذهنه هو في ذهنه، وإن كان تقديرا ممتنعا.
بل يجب الفرق بين الماهية المقيدة بكونها في الذهن، وبين الماهية المطلقة التي لا تتقدر بذهن ولا خارج، مع العلم بأن هذه الماهية المطلقة لا تكون أيضا إلا في الذهن، وإن أعرض الذهن عن كونها في الذهن. فكونها في الذهن شيء، والعلم بكونها في الذهن شيء آخر.
وهؤلاء يتصورون [3] أشياء ويقدرونها، وذلك لا يكون إلا في الذهن، لكن حال ما يتصور الإنسان [شيئا] [4] في ذهنه ويقدره، قد لا يشعر بكونه في الذهن، كمن رأى الشيء في الخارج، فاشتغل بالمرئي عن كونه رائيا له. وهذا يشبه ما يسميه بعضهم الفناء، الذي يفنى بمذكوره عن ذكره،
(1)
م، ب: وأعم

(2)
ن، م: لم تكن مقدرة

(3)
ن، م: وهؤلاء يصورون، ح،: وهم لا يتصورون

(4)
شيئا: في (ب) وسقطت من سائر النسخ





وبمحبوبه عن محبته، وبمعبوده عن عبادته، ونحو ذلك، كما يقدر الشيء بخلاف ما هو عليه، كما إذا قدر أن الجبل من ياقوت، والبحر من زئبق، فتقدير الأمور على خلاف ما هي عليه هو تقدير اعتقادات باطلة.
والاعتقادات الباطلة لا [1] تكون إلا في الأذهان، فمن قدر ماهية لا في الذهن ولا في الخارج، فهو مثل من قدر موجودا لا واجبا ولا ممكنا، ولا قديما ولا محدثا، ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره، وهذا التقدير في الذهن.
وقد بسطنا الكلام على ذلك لما بينا فساد احتجاج كثير من أهل النظر بالتقديرات الذهنية على الإمكانات الخارجية، كما يقوله الرازي وغيره: إنا يمكننا أن نقول: الموجود إما داخل العالم، وإما خارج العالم، وإما لا داخل العالم ولا خارجه، وكل [2] موجود إما مباين لغيره وإما محايث له، وإما لا مباين ومحايث ; فهذا يدل على إمكان القسم الثالث.
وكذلك إذا قلنا: الموجود إما متحيز وإما قائم بالمتحيز، وإما لا متحيز، ولا قائم بالمتحيز. وهذا يدل على إمكان القسم [الثالث] [3] وهذا غلط ; فإن هذا كقول القائل: الموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره، وإما لا قائم بنفسه ولا بغيره، فدل على إمكان القسم الثالث، فإن هذا غلط.
(1)
والاعتقادات الباطلة لا: عند هذا الموضع تنتهي نسخة (و) الولايات المتحدة الأمريكية في ص 282 منها، كما بينت ذلك في المقدمة.

(2)
ر، ي: أو كل.

(3)
الثالث: ساقطة من (ن)





وكذلك إذا قيل: إما قديم وإما محدث، وإما لا قديم ولا محدث، وإما واجب وإما ممكن، وإما لا واجب ولا ممكن، وكذلك ما أشبه هذا.
ودخل الغلط على هؤلاء حيث ظنوا أن مجرد تقدير الذهن وفرضه يقتضي إمكان ذلك في الخارج، وليس كذلك، بل الذهن يفرض أمورا ممتنعة، لا يجوز وجودها في الخارج، ولا تكون تلك التقديرات إلا في الذهن لا في الخارج.
وهذه الأمور مبسوطة في موضع آخر، ولكن المقصود هنا ذكر ما اختلف فيه الناس من جهة الذم والعقاب، وبينا أن الحال يرجع إلى أصلين: أحدهما: أن كل ما تنازع فيه الناس: هل يمكن [كل] [1] أحد اجتهاد يعرف به الحق؟ أم [2] الناس ينقسمون إلى قادر على ذلك وغير قادر؟ .
والأصل الثاني: المجتهد العاجز عن معرفة الصواب: هل يعاقبه الله أم لا يعاقب من اتقى الله ما استطاع وعجز عن معرفة بعض الصواب؟
وإذا عرف هذان الأصلان، فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [جميع] [3] ما يطعن به فيهم أكثره كذب، والصدق منه غايته أن يكون ذنبا أو خطأ، والخطأ مغفور، والذنب له أسباب متعددة توجب المغفرة، ولا يمكن أحد [4] أن يقطع بأن واحدا منهم فعل من الذنوب ما يوجب النار
(1)
كل: ساقطة من (ن) .

(2)
ن: بل.

(3)
جميع: ساقطة من (ن) ، (م) .

(4)
ر، ب، ي: أحدا.





لا محالة. وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله، فهذا [1] جواب مجمل [2] .
ثم نحن نتكلم على ما ذكرته الرافضة من المطاعن على وجه التفصيل، كما ذكره أفضل الرافضة في زمنه [3] صاحب هذا الكتاب، لما ذكر أن الكلبي صنف كتابا في "المثالب" [4] .
[مناقشة ابن المطهر على كلامه عن مثالب أبي بكر في زعمه]
قال الرافضي [5] "وقد ذكر غيره منها [6] أشياء كثيرة، ونحن [7] نذكر منها شيئا يسيرا. منها ما رووه [8] عن أبي بكر أنه قال على المنبر: «إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتصم [9] بالوحي، وإن لي شيطانا يعتريني، فإن استقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني» ، وكيف يجوز [10] إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه، مع أن الرعية تحتاج إليه؟" .
(1)
ر، ح، ي: وهذا.

(2)
هنا ينتهي الاستطراد الطويل الذي بدأه ابن تيمية 3/29 (ب) ويعود فيما يلي إلى مناقشة كلام ابن المطهر.

(3)
ح، ب: في زمانه.

(4)
بعد كلمة "المثالب" في (ي) الفصل الرابع عشر وفي (ن) ، (م) : ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، زادت (م) : فصل.

(5)
عبارة قال الرافضي: ساقطة من (م) ، والكلام التالي في (ك) ص 132 (م) .

(6)
ك: منهم.

(7)
ونحن: كذا في (م) ، (ك) ، وفي سائر النسخ: نحن.

(8)
ح، ب: رواه.

(9)
ن، م: كان يعصم.

(10) يجوز: كذا في (ي) (ك) وفي (ح) ، (ر) ، (ب) : تجوز




والجواب: أن يقال: هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق - رضي الله عنه - وأدلها على أنه لم يكن [يريد علوا في الأرض ولا فسادا، فلم يكن] [1] طالب رياسة، ولا كان ظالما، وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله فقال لهم: إن استقمت على طاعة الله فأعينوني عليها، وإن زغت عنها فقوموني، كما قال أيضا: [أيها الناس] [2] أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
والشيطان الذي يعتريه يعتري جميع بني [3] آدم، فإنه ما من أحد إلا [وقد] [4] وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن.
والشيطان يجري من ابن آدم [5] مجرى الدم، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ما من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن "قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال:" وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير "[6] ."
وفي الصحيح عنه قال: «لما مر به بعض الأنصار وهو يتحدث مع
(1)
ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .

(2)
أيها الناس: ساقطة من (ن) ، (م) .

(3)
ن: جميع الناس.

(4)
وقد ساقطة من (ن) ، (م) .

(5)
ر: من بني آدم.

(6)
الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ: ما منكم من أحد إلخ في مسلم 4/2167 - 2168 (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعث سراياه. .) ، سنن الدارمي 2/306 (كتاب الرقاق، باب ما من أحد إلا ومعه قرينه من الجن) ، المسند (ط. المعارف) 5/235 - 236، 293 - 294، 306 6/182 (بلفظ: ما من أحد. .) .





صفية ليلا، قال: "على رسلكما، إنها صفية [1] [بنت حيي] [2]" ثم قال: "إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئا، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»" [3] .
ومقصود الصديق بذلك: إني لست معصوما كالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا حق.
وقول القائل: كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية؟ كلام جاهل بحقيقة الإمامة، فإن الإمام ليس هو ربا لرعيته [4] حتى يستغني عنهم، ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله. وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا، فلا بد له من إعانتهم، ولا بد لهم من إعانته، كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق: إن سلك بهم الطريق اتبعوه، وإن أخطأ عن الطريق [5] نبهوه وأرشدوه، وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم على دفعه، لكن إذا كان أكملهم علما وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم.
(1)
ح، ب: لصفية.

(2)
بنت حيي: ساقطة من (ن) ، (م) .

(3)
الحديث عن صفية بنت حيي أم المؤمنين رضي الله عنها في البخاري 4/124 (كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده) ، وجاء الحديث أيضا في البخاري 3/50 (كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه) 9/70 (كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم. .) . والحديث في سنن أبي داود وسنن ابن ماجه والدارمي ومسند أحمد.

(4)
ح، ب: رب الرعية.

(5)
ح، ر: في الطريق.





وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلوا بصلاته، وإن سها سبحوا به فقوموه إذا زاغ.
وكذلك دليل الحاج إن مشى بهم في الطريق مشوا خلفه، وإن غلط قوموه.
والناس بعد الرسول لا يتعلمون الدين من الإمام [1] ، بل الأئمة والأمة كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة.
ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة، بل قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} الآية [سورة النساء: 59] ، (2 فأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول 2) [2] لا إلى الأئمة وولاة الأمور، وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعا لطاعة الرسول.
ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "«إنما الطاعة في المعروف»" [3] ، وقال: "«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»" [4] ، وقال: "«من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه»" [5] .
(1)
ن: لا يتعلمون الدين إلا من الإمام.

(2)
(2 - 2) ساقطة من (ح) ، (ر) .

(3)
سبق الحديث فيما مضى 1/562، 3/388 [0 - 9] )

(4)
سبق الحديث فيما مضى 3/388 [0 - 9] )

(5)
سبق الحديث فيما مضى 3/388 [0 - 9] )







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #348  
قديم 10-05-2025, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (348)
صـ 465 إلى صـ 474







وقول القائل: كيف تجوز إمامة من يستعين بالرعية على تقويمه، مع أن الرعية تحتاج إليه؟
وارد في كل متعاونين ومتشاركين يحتاج كل منهما إلى الآخر، حتى الشركاء في التجارات والصناعات، وإمام الصلاة هو بهذه المنزلة، فإن المأمومين يحتاجون إليه، وهو يحمل عنهم السهو وكذلك القراءة عند الجمهور، وهو يستعين بهم إذا سها فينبهونه على سهوه ويقومونه، ولو زاغ في الصلاة [1] فخرج عن الصلاة الشرعية لم يتبعوه فيها، ونظائره متعددة.
ثم يقال: استعانة علي برعيته وحاجته إليهم كانت أكثر من استعانة أبي بكر، وكان تقويم أبي بكر لرعيته وطاعتهم له أعظم من تقويم علي لرعيته وطاعتهم له، فإن أبا بكر كانوا إذا نازعوه أقام عليهم الحجة حتى يرجعوا إليه، كما أقام الحجة على عمر في قتال مانعي الزكاة وغير ذلك.
وكانوا إذا أمرهم أطاعوه. وعلي - رضي الله عنه - لما ذكر قوله في أمهات الأولاد وأنه [2] اتفق رأيه ورأي عمر على أن لا يبعن، ثم رأى أن يبعن، فقال له قاضيه عبيدة السلماني: رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة.
وكان يقول: اقضوا كما كنتم تقضون ; فإني أكره الخلاف، حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي.
وكانت رعيته كثيرة المعصية له، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي
(1)
ح، ب: عن الصلاة.

(2)
ح، ر، ب: الأولاد أنه.






يخالفهم فيه، ثم يتبين له أن الصواب كان معهم، كما أشار عليه الحسن بأمور، مثل أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة، وأن لا يخرج إلى الكوفة، وأن لا يقاتل بصفين، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية، وغير ذلك من الأمور.
وفي الجملة فلا يشك عاقل أن السياسة انتظمت لأبي بكر وعمر وعثمان ما لم تنتظم لعلي - رضي الله عنهم -، فإن كان هذا لكمال المتولي وكمال الرعية، كانوا هم ورعيتهم أفضل. وإن كان لكمال المتولي وحده، فهو أبلغ في فضلهم، وإن كان ذلك لفرط نقص رعية علي، كان رعية علي أنقص من رعية أبي بكر - رضي الله عنه - وعمر وعثمان.
ورعيته هم الذين قاتلوا معه، وأقروا بإمامته. ورعية الثلاثة كانوا مقرين بإمامتهم. فإذا كان المقرون بإمامة الثلاثة أفضل من المقرين بإمامة علي، لزم أن يكون كل واحد من الثلاثة أفضل منه.
وأيضا فقد انتظمت السياسة لمعاوية [1] ما لم تنتظم لعلي، فيلزم أن تكون رعية معاوية خيرا من رعية علي، ورعية معاوية شيعة عثمان، وفيهم النواصب المبغضون لعلي، فتكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي، فيلزم على كل تقدير: إما أن يكون الثلاثة أفضل من علي، وإما أن تكون شيعة عثمان والنواصب أفضل من شيعة علي والروافض.
وأيهما كان لزم فساد مذهب الرافضة ; فإنهم يدعون أن عليا أكمل
(1)
ن، م: انتظمت الأمور لمعاوية.






من الثلاثة، وأن شيعته الذين قاتلوا معه أفضل من الذين بايعوا الثلاثة، فضلا عن أصحاب معاوية.
والمعلوم باتفاق الناس أن الأمر انتظم للثلاثة ولمعاوية ما لم ينتظم لعلي، فكيف يكون الإمام الكامل والرعية الكاملة - على رأيهم - أعظم اضطرابا وأقل انتظاما من الإمام الناقص والرعية الناقصة؟ بل من الكافرة والفاسقة على رأيهم؟
ولم يكن في أصحاب علي من العلم والدين والشجاعة والكرم، إلا ما هو دون ما في رعية الثلاثة. فلم يكونوا أصلح في الدنيا ولا في الدين.
ومع هذا فلم يكن للشيعة إمام ذو سلطان معصوم بزعمهم أعظم من علي، فإذا لم يستقيموا معه كانوا أن لا يستقيموا مع من هو دونه أولى وأحرى، فعلم أنهم شر وأنقص [1] من غيرهم.
وهم يقولون: المعصوم إنما وجبت عصمته لما في ذلك من اللطف بالمكلفين والمصلحة لهم. فإذا علم أن مصلحة غير الشيعة في كل زمان خير من مصلحة الشيعة، واللطف لهم أعظم من اللطف للشيعة، علم أن ما ذكروه [2] من إثبات العصمة باطل.
وتبين حينئذ حاجة الأئمة إلى الأمة، وأن الصديق هو الذي قال الحق وأقام العدل أكثر [3] من غيره.
(1)
ح، ر، ب، ي: أنهم أنقص.

(2)
ح: أن ما ذكره.

(3)
ح، ر، ي: أعظم.






[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه والرد عليه]
فصل [1]
قال الرافضي: [2] "وقال: أقيلوني فلست [3] بخيركم، وعلي فيكم [4] . فإن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة لزم الطعن" .
والجواب: أن هذا كذب، ليس في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معلوم، فإنه لم يقل: "وعلي فيكم" ، بل الذي ثبت [5] عنه في الصحيح أنه قال يوم السقيفة: بايعوا أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح، فقال له عمر: بل أنت سيدنا، وخيرنا [6] ، وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال "عمر: كنت [7] والله لأن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم، أحب إلي من تأمري [8] على قوم فيهم أبو بكر [9] ."
ثم لو قال: "وعلي فيكم" لاستخلفه مكان عمر، فإن أمره كان مطاعا.
(1)
ي: الفصل الخامس عشر: وسقطت كلمة فصل من (ح) ، (ر) .

(2)
في (ك) 132 (م) - 133 (م) .

(3)
ن: ليس، ك: لست.

(4)
كتبت عبارة وعلي فيكم في (ك) بين السطرين.

(5)
ب (فقط) : بل الحديث الذي ثبت.

(6)
ن، م: خيرنا وسيدنا.

(7)
ب (فقط) : كان.

(8)
ن، م: من أن أتأمر.

(9)
سبق حديث السقيفة فيما مضى 1/518، 2/50، 51





وأما قوله: "إن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية" .
فيقال: إن ثبت أنه قال ذلك، فإن كونها حقا إما بمعنى كونها جائزة، والجائز يجوز تركه، وإما بمعنى كونها واجبة إذا لم يولوا غيره، ولم يقيلوه. وأما إذا أقالوه وولوا غيره لم تكن واجبة عليه.
والإنسان قد يعقد بيعا أو إجارة، ويكون العقد حقا، ثم يطلب الإقالة وهو لتواضعه وثقل الحمل عليه قد يطلب الإقالة، وإن لم يكن هناك من هو أحق بها منه، وتواضع الإنسان لا يسقط حقه.
فصل [1]
قال الرافضي [2] : وقال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين [3] شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، ولو كانت إمامته صحيحة لم يستحق فاعلها القتل، فيلزم تطرق الطعن إلى عمر. وإن كانت باطلة لزم الطعن عليهما معا "[4] ."
والجواب: أن لفظ الحديث سيأتي. قال فيه: "فلا يغترن امرؤ أن يقول:" إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمت. ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن وقى الله شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر "[5] ومعناه أن بيعة أبي بكر بودر إليها من غير تريث ولا انتظار ; لكونه"
(1)
سقطت كلمة "فصل" من (ح) ، (ر) ، وفي (ي) الفصل السادس عشر

(2)
في (ك) 133 (م) .

(3)
المسلمين ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) ، (ب) .

(4)
ح، ر ي، ب جميعا.

(5)
سيرد هذا الحديث كاملا بعد قليل إن شاء الله.





كان متعينا لهذا الأمر. كما قال عمر: "ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر" .
وكان ظهور فضيلة أبي بكر على من سواه، وتقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على سائر الصحابة أمرا ظاهرا معلوما. فكانت دلالة النصوص على تعيينه تغني عن مشاورة وانتظار وتريث، بخلاف غيره فإنه لا تجوز مبايعته إلا بعد المشاورة والانتظار والتريث، فمن بايع غير أبي بكر عن غير انتظار وتشاور لم يكن له ذلك.
وهذا قد جاء مفسرا في حديث عمر هذا في خطبته المشهورة الثابتة في الصحيح، التي خطب بها مرجعه من الحج في آخر عمره. وهذه الخطبة معروفة عند أهل العلم، وقد رواها البخاري في صحيحه [1] عن ابن عباس، قال [2] : "كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم: عبد الرحمن بن عوف، فبينما [3] أنا في منزله [4] بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلى عبد الرحمن بن عوف [5] ،"
(1)
ن، م: في الصحيح.

(2)
سبق الإشارة إلى هذا الحديث 3/386 (ت 6) والحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في البخاري 8/168 - 170 (كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلى من الزنا إذا زنت) ، وسأقابل النص التالي عليه إن شاء الله، وجاءت قطع من هذا الحديث في مواضع مختلفة في البخاري (انظر ط. دار القلم تحقيق د. مصطفى البغا دمشق وبيروت 1401/1981) ، الأرقام 2330، 3261، 3713، 3796، 6441، 6892

(3)
ن، م، ر، ي: فبينا، ح: فيننا، وهو تحريف.

(4)
ح، في منزلي، وهو خطأ.

(5)
بن عوف: ليست في "البخاري" .





فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد [1] بايعت فلانا، فوالله، ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت؟ فغضب عمر ثم قال [2] : إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، فقال [3] عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ; فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنهم [4] هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا [5] أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة ; فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول مقالتك [6] متمكنا [7] ، فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها [8] على مواضعها، فقال [9] عمر: أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة، قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما كان يوم الجمعة عجلت بالرواح [10] حين زاغت
(1)
لقد: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) .

(2)
ح: فقال.

(3)
البخاري: قال.

(4)
البخاري: فإنهم.

(5)
وأنا: كذا في (ب) والبخاري وفي سائر النسخ: فأنا.

(6)
البخاري: ما قلت.

(7)
ح: مستمكنا.

(8)
ح: ويضعوها.

(9)
ن، م، ر، ي: قال.

(10) البخاري: عجلنا الرواح (وفي نسخة منه، عجلت بالرواح) .




الشمس، حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حوله تمس ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب [1] ، فلما رأيته مقبلا قلت: لسعيد بن زيد [بن عمرو بن نفيل] [2] : ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر علي، وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟ فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذنون [3] قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي: إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما [4] أنزل عليه آية [5] الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: [والله] [6] ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى [إذا أحصن] [7] من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف، ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب
(1)
ح، ب: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(2)
بن عمرو بن نفيل في (ر) ، (ي) البخاري فقط.

(3)
ح، م، ب: المؤذن.

(4)
البخاري مما (وفي قراءة فيه: فيما) .

(5)
البخاري: أنزل الله آية.

(6)
والله: في البخاري (ب) فقط.

(7)
إذا أحصن، في (ب) والبخاري فقط.





الله: [أن] [1] لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم [2] ، ألا إن [3] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "«لا تطروني كما أطرت النصاري عيسى [4] ابن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله»" ثم إنه بلغني أن قائلا منكم [5] يقول: والله، لو مات عمر لبايعت [6] فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة [7] فتمت [8] ، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم [9] من تقطع الأعناق إليه مثل
(1)
أن في (ب) والبخاري فقط.

(2)
البخاري: عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم.

(3)
ب: ألا وإن، البخاري ألا ثم إن.

(4)
البخاري كما أطري عيسى، م: لا تطروني إطراء النصارى عيسى.

(5)
أن قائلا منك: كذا في (ب) والبخاري وفي (ح) ، (ر) ، (ي) : أن قائلا فيكم، وفي (ن) ، (م) : أن فلانا فيكم وفي هامش (ي) كتب ما يلي: "وقال بعض العلماء: إن آية الرجم التي نسخت: قوله تعالى: والشيخ والشيخة إذا زنيا فراجموهم ألبتة. وقد أبقى الله في كتابه نظيرها وهو قوله تعالى: ويدرؤ عنها العذاب [سورة النور: 8] ."

(6)
البخاري: بايعت.

(7)
قال ابن حجر في شرحه للحديث فتح الباري 12/147: "أي: فجأة وزنه ومعناه" ، ثم قال (فتح الباري 12/149) : "الفلتة الليلة التي يشك فيها: هل هي من رجب أو شعبان، وهل من المحرم أو صفر؟ كان العرب لا يشهرون السلاح في الأشهر الحرم، فكان من له ثأر تربص، فإذا جاءت تلك الليلة انتهز الفرصة من قبل أن يتحقق انسلاخ الشهر فيتمكن ممن يريد إيقاع الشر به وهو آمن فيترتب على ذلك الشر الكثير، فشبه عمر الحياة النبوية بالشهر الحرام، والفلتة بما وقع من أهل الردة، ووقى الله شر ذلك ببيعة أبي بكر لما وقع منه من النهوض في قتالهم وإخماد شوكتهم، كذا قال (ابن الأعرابي) والأولى أن يقال: الجامع بينهما انتهاز الفرصة، لكن كان ينشأ عن أخذ الثأر الشر الكثير فوقى الله المسلمين شر ذلك" .

(8)
البخاري: وتمت.

(9)
البخاري: منكم (وفى قراءة فيه: فيكم) .





أبي بكر [1] ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا [2] ، وإنه قد كان من خبرنا [3] حين توفى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن [4] الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما [5] ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر. فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء [6] من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن [لا] [7] تقربوهم. اقضوا أمركم. فقلت: والله، لنأتينهم. فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل [8] بين ظهرانيهم. فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة. فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك [9] .
(1)
قال ابن حجر: "قال الخطابي: يريد أن السابق منكم الذي لا يلحق في الفضل لا يصل إلى منزلة أبي بكر، فلا يطمع أحد أن يقع له مثلما وقع لأبي بكر من المبايعة له أولا في الملأ اليسير، ثم اجتماع الناس عليه وعدم اختلافهم عليه" .

(2)
انظر ما سبق أن ذكرته في معنى هذه العبارة 3/386

(3)
في نسخة من البخاري: من خيرنا. والمعنى أن أبا بكر كان من خير المسلمين حين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

(4)
البخاري: إلا أن.

(5)
ن، م: ومن تبعهما.

(6)
ح، ر، ي: نريد هؤلاء إخواننا.

(7)
لا: ساقطة من (ن) .

(8)
قال ابن حجر: "مزمل بتشديد الميم المفتوحة أي: مغلف" .

(9)
قال ابن حجر: "يوعك بضم أوله وفتح المهملة، أي: يحصل له الوعك وهو الحمى بنافض ولذلك زمل" .







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #349  
قديم 10-05-2025, 02:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (349)
صـ 475 إلى صـ 484






فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر [1] المهاجرين رهط وقد دفت دافة [2] من قومكم، [فإذا هم] [3] يريدون أن يختزلونا [4] من أصلنا وأن يحضنونا [5] من الأمر، فلما سكت أردت [6] أن أتكلم، وكنت زورت [7] مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحد، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك [8] . فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر. والله، ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت. فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف [9] هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب
(1)
ح، ر، ي، ب: معاشر.

(2)
قال ابن حجر: "وقد دفت دافة من قومكم، بالدال المهملة والفاء: أي عدد قليل، وأصله من الدف، وهو السير البطيء في جماعة" .

(3)
فإذا هم: في (ب) والبخاري فقط.

(4)
قال ابن حجر: "يختزلونا: بخاء معجمة وزاي: أي يقتطعونا عن الأمر وينفردوا به دوننا، وقال أبو زيد: خزلته عن حاجته: عوقته عنها، والمراد هنا بالأصل: ما يستحقونه من الأمر" .

(5)
ح، ر، ي: أن يجتثونا، والكلمة غير منقوطة في (ن) ، (م) ، قال ابن حجر: "وأن يحضنونا بحاء مهملة وضاء معجمة، وقع في رواية المستملي: أي يخرجونا، قاله أبو عبيد، وهو كما يقال: حضنه واحتضنه عن الأمر: أخرجه في ناحية عنه واستبد به أو حبسه عنه."

(6)
ح، ر، ي، ن: وأردت.

(7)
قال ابن حجر: "قد زورت، بزاي ثم راء: أي هيأت وحسنت، وفي رواية مالك: رويت من الروية ضد البديهة" .

(8)
قال ابن حجر: على رسلك: بكسر الراء وسكون المهملة ويجوز الفتح أي: على مهلك بفتحتين.

(9)
ن، ح، ر، ي: ولن نعرف.






نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا. فلم أكره مما قال غيرها، كان والله، أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسول لي [1] نفسي عند الموت شيئا لا أجده [2] الآن. فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب [3] ، منا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر. فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعته [4] الأنصار، ونزونا [5] على سعد بن عبادة، فقال قائل [منهم] [6] : قتلتم سعد بن عبادة. فقلت: قتل الله سعد بن عبادة. قال عمر: وإنا والله
(1)
البخاري: إلي، "وفي قراءة: لي" .

(2)
ر: إلا أجده.

(3)
في هامش (ر) ، (ح) كتب ما يلي: (قاله (ح) : القائل هو) ، الحباب بن منذر، ذكره أحمد (ر: الإمام أحمد) ، في المسند، وفي هامش (ي) : "وذكر الإمام أحمد في مسنده أنه الحباب بن المنذر" ، وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في شرح الحديث: "الجذيل تصغير جذل، بكسر الجيم وسكون الذال، وهو العود الذي ينصب للإبل الجربى لتحتك به، وهو تصغير تعظيم، أي أنا ممن يستشفى برأيه، كما تستشفى الإبل الجربى بالاحتكاك بهذا العود، وقيل: أراد أنه شديد البأس صلب المكسر، العذيق: تصغير العذق، بفتح العين وسكون الذال، وهو النخلة، وهو تصغير تعظيم أيضا، المرجب: من الترجيب، وهو أن تعمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع."

(4)
ح، ر، ي، ن: ثم بايعه.

(5)
قال ابن حجر: "ونزونا: بنون وزاي مفتوحة أي: وثبنا" .

(6)
منهم: في (ب) والبخاري فقط.





ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما بايعناهم [1] على ما لا نرضى [2] ، وإما أن نخالفهم [3] فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير [4] مشورة من المسلمين فلا يتابع [5] هو ولا الذي [6] بايعه تغرة أن يقتلا "[7] قال مالك [8] : وأخبرني ابن شهاب عن عروة بن الزبير: أن الرجلين اللذين لقياهما [9] . عويمر [10] (ط. المعارف 1/327. بن ساعدة ومعن بن عدي - وهما ممن شهد بدرا [11] - قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب: أن"
(1)
ح، ر: فإما أن نبايعهم، ي: فإما أن نبايعهم بايعناهم.

(2)
ت: على ما لا يرضى الله.

(3)
البخاري: وإما نخالفهم.

(4)
ح، ب: رجلا من غير، رجلا غير.

(5)
ح، ي، ن: فلا يبايع.

(6)
ح، ب: هو والذي.

(7)
جاء هذا الحديث في البخاري في المواضع التي أشرت إليها، وجاءت قطعة من هذا الحديث الطويل عن عبد الله بن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم في مسلم 3/1317 (كتاب الحدود باب رجم الثيب في الزنا) ، سنن أبي داود 4/203 - 204 (كتاب الحدود، باب في الرجم) ، سنن الترمذي 2/422 - 443 (كتاب الحدود، باب ما جاء في تحقيق الرجم) ، سنن ابن ماجه 2/853 (كتاب الحدود باب الرجم) ، الموطأ 2/823 (كتاب الحدود باب ما جاء في الرجم) ، المسند (ط. المعارف) 1/323 - 327 وجاء الحديث في المسند مطولا وقال الشيخ أحمد شاكر في شرحه للحديث: "وكان هذا الحديث في سنة 23 قبيل مقتل عمر" .

(8)
وهو مالك بن أنس راوي الحديث وإن لم يورده في الموطأ كاملا بل أورد قطعة مختصرة منه، والزيادة التالية في المسند "ط. المعارف" 1/327

(9)
ي: اللذين لقياهما

(10) عويمر كذا في المسند وفي جميع النسخ: عويم
(11) عبارة "وهما ممن شهد بدرا" إيضاح من ابن تيمية: وليست في "المسند" ولا في (م) .




الذي قال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب: الحباب بن المنذر.
وفي صحيح البخاري [1] عن عائشة - رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات، وأبو بكر بالسنح [2] فقام عمر يقول: والله، ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال [3] : "وقال عمر: والله ما كان يقع في قلبي [4] إلا ذاك - وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر [- رضي الله عنه -] [5] فكشف عن رسول - صلى الله عليه وسلم - [فقبله] [6] فقال [7] : بأبي وأمي [8] ، طبت حيا وميتا، والذي نفسي بيده، لا يذيقك الله الموتتين أبدا، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر، وأثنى عليه، وقال [9] : ألا من كان يعبد محمدا [10] فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال الله تعالى [11] : {إنك ميت وإنهم ميتون} "
(1)
ن، م: مسلم، والحديث في البخاري 5/6 - 7 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب لو كنت متخذا خليلا) .

(2)
في البخاري بعد ذلك: قال إسماعيل: بالعالية، وقال ابن حجر فتح الباري 7/29 "تقدم ضبطه في أول الجنائز وأنه بسكون النون، وضبطه أبو عبيد البكري بضمها، وقال: إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي، وبينه وبين المسجد النبوي ميل" .

(3)
في البخاري: قالت.

(4)
البخاري: في نفسي.

(5)
رضي الله عنه: زيادة في (ن) ، (م) ، (ح) ، (ب) ، (ي) .

(6)
فقبله: ساقطة من (ن) ، (م) .

(7)
البخاري: قال.

(8)
البخاري بأبي أنت وأمي.

(9)
ح، ب: فقال.

(10) البخاري: محمدا صلى الله عليه وسلم.
(11) ن: وقال الله، البخاري: وقال.




[سورة الزمر: 30] ، وقال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} [سورة آل عمران: 144] قال: فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير، ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله، ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاما قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله، لا نفعل منا أمير، ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا. ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم [1] أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح، فقال عمر: بل نبايعك أنت. فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة [2] . فقال عمر: قتله الله [3] "."
وفي صحيح البخاري عن عائشة في هذه القصة قالت [4] : "ما كان [5] من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوف عمر الناس، وإن فيهم"
(1)
ن، م، ب: وأرفعهم.

(2)
ر، ح، ي: قتلتم سعدا، ب: قتلتم والله سعدا.

(3)
جاء خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري في عدة أحاديث في: 2/71 \ 72 كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت. .)

(4)
البخاري 5/7 بعد الحديث السابق مباشرة.

(5)
البخاري: فما كانت.





لنفاقا، فردهم الله بذلك، ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى، وعرفهم الحق الذي عليهم "."
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك [1] : أنه سمع خطبة عمر الآخرة [2] حين جلس على المنبر، وذلك الغد من يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم، قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا، يريد بذلك أن يكون آخرهم ; فإن يكن [3] محمد [4] قد مات فإن الله [5] قد جعل بين أظهركم [6] نورا تهتدون به، به هدى الله محمدا [7] ، وإن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثاني اثنين، وإنه [8] أولى المسلمين بأموركم، فقوموا فبايعوه، وكانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة [9] العامة على المنبر "."
وعنه [10] : "قال: سمعت [11] عمر يقول لأبي بكر يومئذ: اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد [المنبر] [12] فبايعه الناس عامة" .
(1)
البخاري 9/81 (كتاب الأحكام باب الاستخلاف) .

(2)
ح، ر، ب، ي: الأخيرة.

(3)
البخاري: فإن يك.

(4)
م، ح، ر: محمدا.

(5)
البخاري: فإن الله تعالى.

(6)
ر، ي: قد جعل لكم بين أظهركم.

(7)
البخاري: محمدا صلى الله عليه وسلم.

(8)
البخاري: فإنه "وفي قراءة، وإنه" .

(9)
ب (فقط) : بيعته.

(10) في: البخاري 9/81 (الحديث التالي مباشرة) .
(11) البخاري: قال الزهري عن أنس بن مالك: سمعت.
(12) المنبر: ساقطة من (ن) ، (م) .




وفي طريق [1] أخرى لهذه الخطبة [2] : "أما بعد فاختار الله لرسوله الذي عنده على الذي عندكم، وهذا الكتاب الذي [3] هدى الله به رسوله [4] ، فخذوا به تهتدوا، لما هدى الله [5] به رسوله - صلى الله عليه وسلم - [6]" .
[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه عند الاحتضار والرد عليه]
(فصل) [7]
قال الرافضي [8] : "وقال أبو بكر عند موته: ليتني كنت سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل للأنصار في هذا الأمر حق، وهذا يدل على أنه في شك من إمامته ولم تقع صوابا" .
والجواب: أن هذا كذب [9] على أبي بكر - رضي الله عنه -، وهو لم يذكر له إسنادا، ومعلوم أن من احتج في أي مسألة كانت بشيء من النقل، فلا بد أن يذكر إسنادا تقوم به الحجة، فكيف بمن يطعن في السابقين الأولين بمجرد حكاية لا إسناد لها؟
ثم يقال: هذا يقدح فيما تدعونه [10] من النص على علي، فإنه لو كان قد
(1)
ن: طريقة.

(2)
في: البخاري 9/91 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، أول الكتاب) ، والحديث عن أنس رضي الله عنه أنه سمع عمر.

(3)
ح، ب: وهذا كتاب الله الذي.

(4)
البخاري: رسولكم.

(5)
البخاري: وإنما هدى الله (وفي قراءة أخرى: لما هدى الله. .) .

(6)
صلى الله عليه وسلم: ليست في البخاري.

(7)
ي: الفصل السابع عشر، وسقطت كلمة فصل من (ح) ، (ر) .

(8)
في (ك) ص 133 (م) .

(9)
ح: كذاب.

(10) ن، م: يدعوه.




نص على علي لم يكن للأنصار فيه حق، ولم يكن في ذلك شك.
(فصل) [1]
قال الرافضي [2] : "وقال عند احتضاره: ليت أمي لم تلدني! يا ليتني [3] كنت تبنة في لبنة، مع أنهم [قد] [4] نقلوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" «ما من محتضر يحتضر إلا ويرى مقعده من الجنة والنار» [5] "."
والجواب: أن تكلمه بهذا عند الموت غير معروف، بل هو باطل بلا ريب، بل الثابت عنه أنه لما احتضر، وتمثلت عنده عائشة بقول الشاعر:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فكشف عن وجهه، وقال: ليس كذلك، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} [سورة ق: 19] .
(1)
ي: الفصل الثامن عشر، وسقطت كلمة "فصل" من (ن) ، (م) ، (ر) ، (ح) .

(2)
في (ك) ص 133 (م) .

(3)
ح، ب: ليتني.

(4)
قد: ليست في (ك) .

(5)
ك: أو النار، ولم أجد حديثا بهذا اللفظ، ولكني وجدت حديثا بمعناه ونصه في البخاري 2/99 \ 100 (كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) . وتكرر الحديث في البخاري 4/117 (كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة) 8/107 (كتاب الرقاق باب سكرات الموت) ، والحديث أيضا في مسلم 4/2199 (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه. .)





ولكن نقل عنه أنه قال في صحته: ليت أمي لم تلدني! ونحو هذا قاله خوفا - إن صح النقل عنه. ومثل هذا الكلام منقول عن جماعة أنهم قالوه خوفا وهيبة من أهوال يوم القيامة، حتى قال بعضهم: لو خيرت بين أن أحاسب وأدخل الجنة، وبين أن أصير ترابا، لاخترت أن أصير ترابا. وروى الإمام أحمد عن أبي ذر أنه قال: والله لوددت أني شجرة تعضد، وقد روى أبو نعيم في "حلية الأولياء" [1] قال: حدثنا سليمان بن أحمد [2] ، حدثنا محمد بن علي الصائغ، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية، حدثنا السري بن يحيى. قال [3] : قال عبد الله بن مسعود: "لو وقفت بين الجنة والنار، فقيل لي: اختر في أيهما تكون، أو تكون رمادا، لاخترت أن أكون رمادا" [4] .
وروى الإمام أحمد بن حنبل [5] : حدثنا يحيى بن سعيد، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال رجل عند عبد الله بن مسعود: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إلي. فقال عبد الله بن مسعود: لكن هاهنا رجل ود أنه إذا مات لم يبعث، يعني نفسه.
والكلام في مثل هذا [6] : هل هو مشروع أم لا؟ له موضع آخر. لكن
(1)
ح، ر، ب، ي: في الحلية، وهذا الأثر في "حلية الأولياء" 1/133

(2)
ح، ر، ي: حدثنا سلمان بن أحمد، والمثبت هو ما في "الحلية" .

(3)
في "الحلية" ، بن يحيى عن الحسن قال.

(4)
الحلية اختر نخيرك من أيهما تكون أحب إليك أو تكون رمادا لأحببت أن أكون رمادا

(5)
بن حنبل: ساقطة من (ح) .

(6)
ح، ر، ي: في مثل هذا الكلام.





الكلام الصادر عن خوف العبد من الله يدل على إيمانه بالله، وقد غفر الله لمن خافه حين أمر أهله بتحريقه وتذرية نصفه في البر ونصفه في البحر، مع أنه لم يعمل خيرا قط. وقال: «والله، لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ; فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه. وقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: من خشيتك يا رب، فغفر له» ، أخرجاه في الصحيحين [1] .
فإذا كان مع شكه في القدرة والمعاد، إذا فعل ذلك غفر له بخوفه من الله، علم أن الخوف من الله من أعظم أسباب المغفرة للأمور الحقيقية، إذا قدر أنها ذنوب.
(فصل) [2]
قال الرافضي [3] : "وقال أبو بكر: ليتني في ظلة بني ساعدة ضربت بيدي على يد [4] أحد الرجلين، فكان [5] هو الأمير، وكنت"
(1)
الحديث بألفاظ مقاربة عن أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري 9/145 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله) مسلم 4/2109 - 2110 (كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى) ، وجاءت أحاديث فيها نفس الخبر مع اختلاف في الألفاظ عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم في البخاري 4/176 (كتاب الأنبياء الباب الأخير: حدثنا أبو اليمان) عن أبي هريرة وأبي سعيد 8/101 (كتاب الرقاق باب الخوف من الله) ، عن حذيفة وأبي سعيد، مسلم 4/2110، 2111 (كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله) حديث 25، 27 والحديث أيضا في سنن ابن ماجه 2/1421 (كتاب الزهد باب ذكر التوبة) ، المسند (ط. الحلبي) 3/77 - 78، 5/4، 383، 407 - 408

(2)
سقطت كلمة "فصل" من (ح) ، (ر) ، وفي (ي) الفصل التاسع عشر.

(3)
في (ك) ص 133 (م)

(4)
يد ساقطة من (ح) .

(5)
ك: وكان.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #350  
قديم 10-05-2025, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,759
الدولة : Egypt
افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الخامس
الحلقة (350)
صـ 485 إلى صـ 495






الوزير ". قال [1] :" وهو يدل على أنه لم يكن صالحا يرتضي لنفسه الإمامة "[2] ."
والجواب: أن هذا إن كان قاله [3] فهو أدل دليل [4] على أن عليا لم يكن هو الإمام، وذلك أن قائل هذا إنما يقوله خوفا من الله أن يضيع حق الولاية، وأنه إذا ولى غيره، وكان وزيرا له، كان أبرأ لذمته، فلو كان علي هو الإمام، لكانت توليته لأحد الرجلين إضاعة للإمامة أيضا، وكان يكون وزيرا لظالم غيره، وكان قد باع آخرته بدنيا غيره، وهذا لا يفعله من يخاف الله، ويطلب براءة ذمته.
وهذا كما لو كان الميت قد وصى بديون، فاعتقد الوارث أن المستحق لها شخص، فأرسلها إليه مع رسوله، ثم قال: يا ليتني [5] أرسلتها مع من هو أدين منه، خوفا أن يكون الرسول الأول مقصرا في الوفاء، تفريطا أو خيانة. وهناك شخص حاضر يدعي أنه المستحق للدين دون ذلك الغائب، فلو علم الوارث أنه المستحق ; لكان يعطيه ولا يحتاج إلى الإرسال به إلى ذلك الغائب.
[كلام الرافضي على عدم خروج أبي بكر وعمر مع جيش أسامة والرد عليه]
(فصل) [6]
قال الرافضي [7] : "وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في"
(1)
بعد الكلام السابق مباشرة.

(2)
ك: يرتضي نفسه للإمامة.

(3)
ح: أنه إن كان هذا قاله.

(4)
ح، ر، ي: فهو من أدل دليل.

(5)
ح، ب: قال ليتني.

(6)
سقطت كلمة فصل من (ح) ، (ر) ، وفي (ي) الفصل العشرون.

(7)
في (ك) ص 133 (م) .






مرض موته، مرة بعد أخرى، مكررا لذلك: «أنفذوا [1] جيش أسامة، لعن الله المتخلف عن جيش أسامة، وكان الثلاثة معه، ومنع أبو بكر وعمر من ذلك» "."
والجواب: أن هذا من الكذب المتفق على أنه كذب عند كل من يعرف السيرة [2] ، ولم ينقل أحد من أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة، وإنما روي ذلك في عمر، وكيف يرسل أبا بكر في جيش أسامة، وقد استخلفه يصلي بالمسلمين مدة مرضه، وكان ابتداء مرضه من يوم الخميس إلى الخميس إلى يوم الاثنين، اثني عشر يوما، ولم يقدم في الصلاة بالمسلمين إلا أبا بكر بالنقل المتواتر، ولم تكن الصلاة التي صلاها أبو بكر بالمسلمين في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة ولا صلاتين، ولا صلاة يوم ولا يومين، حتى يظن ما تدعيه الرافضة من التلبيس، وأن عائشة قدمته بغير أمره، بل كان يصلي بهم مدة مرضه، فإن الناس متفقون [3] على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل بهم في مرض موته إلا أبو بكر، وعلى أنه صلى بهم عدة [4] أيام. وأقل ما قيل: إنه صلى بهم سبعة عشرة صلاة، صلى بهم صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة، وخطب بهم يوم الجمعة.
(1)
انفذوا: كذا في (ب) ، (ك) وفي سائر النسخ: نفذوا.

(2)
ح، ب: السير.

(3)
في هامش (ر) ، (ي) كتب ما يلي: "وجد في أصل الأصل مكتوب بخط مصنفه من هنا إلى عند قوله لكن خرج النبي" .

(4)
ح، ب: مدة.






هذا مما تواترت به الأحاديث الصحيحة، ولم يزل يصلي بهم إلى فجر يوم الاثنين: صلى بهم صلاة الفجر، وكشف النبي - صلى الله عليه وسلم - الستارة، فرآهم يصلون خلف أبي بكر، فلما رأوه كادوا يفتنون في صلاتهم، ثم أرخى الستارة. وكان ذلك آخر عهدهم به، وتوفي يوم الاثنين حين اشتد الضحى قريبا من الزوال.
وقد قيل: إنه صلى بهم أكثر من ذلك من [1] الجمعة التي قبل [2] فيكون قد صلى بهم مدة مرضه كلها، لكن [3] «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة واحدة لما وجد خفة في نفسه، فتقدم وجعل أبا بكر عن يمينه فكان أبو بكر يأتم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - [4] ، والناس يأتمون بأبي بكر» ، وقد كشف الستارة يوم الاثنين صلاة الفجر، وهم يصلون خلف أبي بكر، ووجهه - صلى الله عليه وسلم - كأنه ورقة مصحف، فسر بذلك لما رأى اجتماع الناس في الصلاة خلف أبي بكر، ولم يروه بعدها.
وقد قيل: إن آخر صلاة صلاها كانت خلف أبي بكر. وقيل: صلى خلفه غيرها.
فكيف يتصور أن يأمره بالخروج في الغزاة وهو يأمره بالصلاة بالناس؟ !
(1)
من: ساقطة من (ح) ، (ب) .

(2)
ح، ب: التي قيل، وبعد "قبل" يوجد بياض بمقدار كلمة في (ي) .

(3)
في هامش (ر) أمام هذا الموضع كتب "كتب إلى هنا دون بخط المصنف في أصل الأصل" .

(4)
عند عبارة "صلى الله عليه وسلم" تنتهي ص 241 وكتب في أسفل الصفحة ما يلي: "اعلم أن الذي يلي ربط آخر هذه الورقة، وهو قوله: والناس أول الورقة السادسة بعده فتنبه" ، ووجدت هذه الصفحة في غير مكانها في نسخة (ي) إذا جاءت في ص 252






وأيضا فإنه جهز جيش أسامة قبل أن يمرض، فإنه أمره على جيش عامتهم المهاجرون، منهم عمر بن الخطاب في آخر عهده - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا [1] ثلاثة آلاف، وأمره أن يغير على أهل مؤتة، وعلى جانب فلسطين، حيث أصيب أبوه، وجعفر، وابن رواحة، فتجهز أسامة بن زيد للغزو، وخرج في ثقله إلى الجرف، وأقام بها أياما لشكوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسامة فقال: "«اغد على بركة الله والنصر والعافية. ثم أغر [2] حيث أمرتك أن تغير" قال أسامة: يا رسول الله، قد أصبحت ضعيفا، وأرجو أن يكون الله قد عافاك، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله، فإني إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي نفسي منك قرحة، وأكره أن أسأل عنك الناس "فسكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بأيام، فلما جلس أبو بكر للخلافة أنفذه مع ذلك الجيش، غير أنه استأذنه في [3] أن يأذن لعمر بن الخطاب في الإقامة ; لأنه ذو رأي ناصح للإسلام، فأذن له، وسار أسامة لوجهه الذي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأصاب في ذلك [4] العدو مصيبة عظيمة، وغنم هو وأصحابه، وقتل قاتل أبيه، وردهم الله سالمين إلى المدينة» ."
(1)
ح، ب: وكان.

(2)
ن، م: ثم أغر.

(3)
في: ساقطة من (ح) ، (ر) .

(4)
ذلك: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) .






وإنما أنفذ جيش أسامة أبو بكر الصديق بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: لا أحل راية عقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشار عليه غير واحد أن يرد الجيش خوفا عليهم، فإنهم خافوا أن يطمع الناس في الجيش بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فامتنع أبو بكر من رد الجيش وأمر بإنفاذه، فلما رآهم الناس يغزون عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان ذلك مما أيد الله به الدين، وشد به قلوب المؤمنين، وأذل به الكفار والمنافقين، وكان ذلك من كمال معرفة أبي بكر الصديق، وإيمانه ويقينه وتدبيره [ورأيه] [1] .
[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوله أبدا والرد عليه]
(فصل) [2]
قال الرافضي [3] : "وأيضا لم يول النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ألبتة عملا في وقته، بل ولى عليه عمرو بن العاص تارة وأسامة أخرى، ولما أنفذه [4] بسورة" براءة "رده بعد ثلاثة أيام بوحي من الله، وكيف يرتضي [5] العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي [6] - صلى الله عليه وسلم - بوحي من الله لأداء عشر آيات من" براءة "؟ !" .
(1)
ورأيه: ساقطة من (ن) .

(2)
سقطت كلمة فصل من (ح) ، (ر) ، وفي (ي) الفصل الحادي والعشرون.

(3)
في (ك) ص 134 (م) .

(4)
أنفذه كذا في (ب) ، (ك) وفي سائر النسخ نفذه.

(5)
ح، م، ر، ي، ب: يرضى.

(6)
ح، ب، ي، ر: رسول الله.






والجواب: أن هذا من أبين الكذب ; فإنه من المعلوم المتواتر عند أهل التفسير والمغازي والسير والحديث والفقه وغيرهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمل أبا بكر على الحج عام تسع، وهو أول حج كان في الإسلام من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن قبله حج في الإسلام، إلا الحجة التي أقامها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية من مكة، فإن مكة فتحت سنة ثمان، أقام الحج ذلك العام عتاب بن أسيد، الذي استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل مكة، ثم أمر أبا بكر سنة تسع للحج، بعد رجوع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك، وفيها أمر أبا بكر بالمناداة في الموسم: «أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ، ولم يؤمر النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أبي بكر على مثل هذه الولاية، فولاية أبي بكر كانت من خصائصه ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر على الحج أحدا كتأمير أبي بكر، ولم يستخلف على الصلاة أحدا كاستخلاف أبي بكر، وكان علي من رعيته في هذه الحجة، فإنه لحقه فقال: أمير أو [1] مأمور؟ فقال علي: بل مأمور، وكان علي يصلي خلف أبي بكر مع سائر المسلمين في هذه الولاية، ويأتمر لأمره كما يأتمر له سائر من معه، ونادى علي مع الناس [2] في هذه الحجة بأمر أبي بكر.
وأما ولاية غير أبي بكر فكانت مما يشاركه فيها غيره، كولاية علي
(1)
ب فقط: أم.

(2)
بعد كلمة الناس في أسفل نسخة (ي) كتب ما يلي: "اعلم أن ربط هذه الورقة وهو قوله في هذه الحجة، في الورقة الخامسة قبل هذه الورقة" ووجدت الكلام التالي في ص 244






وغيره، فلم يكن لعلي ولاية إلا ولغيره مثلها، بخلاف ولاية أبي بكر فإنها من خصائصه، ولم يول النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر لا أسامة بن زيد، ولا عمرو بن العاص.
فأما تأمير أسامة عليه فمن [1] الكذب المتفق على كذبه.
وأما قصة عمرو بن العاص، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أرسل عمرا في سرية، وهي غزوة ذات السلاسل [2] ، وكانت إلى بني عذرة، وهم أخوال عمرو، فأمر عمرا ليكون ذلك سببا لإسلامهم، للقرابة التي له منهم، ثم أردفه بأبي عبيدة، ومعه أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين. وقال: "«تطاوعا ولا تختلفا»" فلما لحق عمرا قال: أصلي بأصحابي وتصلي بأصحابك، قال: بل أنا أصلي بكم، فإنما أنت مدد لي. فقال له أبو عبيدة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أطاوعك، فإن عصيتني أطعتك. قال: فإنى أعصيك، فأراد عمرو أن ينازعه في ذلك، فأشار عليه أبو بكر أن لا يفعل [3] ، ورأى أبو بكر أن ذلك أصلح للأمر، فكانوا يصلون خلف عمرو، مع علم كل أحد [4] أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة أفضل من عمرو [5] .
(1)
ح، ب: فهو من.

(2)
قال ابن القيم في (زاد المعاد) 3/386 "وهي وراء وادي القرى بضم السين الأولى وفتحها لغتان، وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان ثم قال 3/387 وذكر ابن إسحاق نزولهم على ماء لجذام يقال له: السلسل. وقال: وبذلك سميت ذات السلاسل."

(3)
ح، ب: أبو بكر لا تفعل، ر، ي: أبو بكر أن لا تفعل.

(4)
ح، ب: كل واحد.

(5)
عبارة "تطاوعا ولا تختلفا" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لم ترد في هذا الحديث وإنما جاءت في حديث آخر عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن وقال لهما: "يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" . وهذا الحديث في البخاري في كتاب الأحكام والجهاد والأدب والمغازي (في طبعة د. البغا في الأرقام: 2873، 4086 - 4088، 5773، 6751) وهو في مسلم 3/1358، 1359 (كتاب الجهاد والسير باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير) وهو في المسند (ط. الحلبي) 4/412، 417 وأما حديث غزوة السلاسل فهوعن عامر الشعبي في المسند (ط. المعارف) 3/151 ونصه: قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش ذات السلاسل، فاستعمل أبا عبيدة على المهاجرين، واستعمل عمرو بن العاص على الأعراب، فقال لهما: تطاوعا. قال: وكانوا يؤمرون أن يغيروا على بكر، فانطلق عمرو فأغار على قضاعة، لأن بكرا أخواله، فانطلق المغيرة بن شعبة إلى أبي عبيدة، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك علينا، وإن ابن فلان قد ارتبع أمر القوم، وليس لك معه أمر، فقال أبو عبيدة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتطاوع، فأنا أطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عصاه عمرو ". قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:" إسناده ضعيف لإرساله، عامر هو ابن شراحيل الشعبي، وهو إمام كبير تابعي ثقة حجة: ولكنه لم يدرك عمرا فأولى أن لم يدرك أبا عبيدة. . . ارتبع أمر القوم: أي: انتظر أن يؤمر عليهم "، وانظر خبر الغزوة في (زاد المعاد) 3/386 - 387، سيرة ابن هشام 4/272 - 274، إمتاع الأسماع ص 352 - 354."






وكان ذلك لفضلهم [1] وصلاحهم ; لأن عمرا كانت إمارته قد تقدمت لأجل ما في ذلك من تألف [2] قومه الذين أرسل إليهم لكونهم أقاربه، ويجوز تولية المفضول لمصلحة راجحة، كما أمر أسامة بن زيد ليأخذ بثأر أبيه زيد بن حارثة، لما قتل في غزوة مؤتة، فكيف والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يؤمر على أبي بكر أحدا في شيء من الأمور؟ !
بل قد علم بالنقل العام المتواتر أنه لم يكن أحد عنده أقرب إليه [3] ولا أخص به، ولا أكثر اجتماعا به ليلا ونهارا، سرا وعلانية، من أبي بكر،
(1)
ح، ب، ي: من فضلهم.

(2)
ح، ب: من تأليف.

(3)
إليه: ساقطة من (ح) ، (ر) ، (ي) .






ولا كان أحد من الصحابة يتكلم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبله، فيأمر وينهى، ويخطب ويفتي، يوقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك راضيا بما يفعل.
ولم يكن ذلك تقدما بين يديه، بل بإذن منه قد علمه، وكان ذلك معونة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتبليغا عنه، وتنفيذا لأمره ; لأنه كان أعلمهم بالرسول وأحبهم [1] إلى الرسول وأتبعهم له.
وأما قول الرافضي: إنه لما أنفذه ببراءة رده بعد ثلاثة أيام، فهذا من الكذب المعلوم أنه كذب ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر أبا بكر على الحج، ذهب كما أمره، وأقام الحج في ذلك العام، عام تسع، للناس ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج، وأنفذ فيه ما أمره به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن المشركين كانوا يحجون البيت، وكانوا يطوفون بالبيت عراة، وكان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين عهود مطلقة، فبعث أبا بكر وأمره أن ينادي: «أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» ، فنادى بذلك من أمره أبو بكر بالنداء ذلك العام، وكان علي بن أبي طالب من جملة من نادى بذلك في الموسم بأمر أبي بكر، ولكن لما خرج أبو بكر أردفه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلي بن أبي طالب لينبذ إلى المشركين العهود.
قالوا: وكان من عادة العرب أن لا يعقد العهود ولا يفسخها إلا المطاع، أو رجل من أهل بيته. فبعث عليا لأجل فسخ العهود التي كانت مع المشركين خاصة، لم يبعثه لشيء آخر، ولهذا كان علي يصلي خلف
(1)
ح، ر، ي: وأخصهم.






أبي بكر، ويدفع بدفعه في الحج، كسائر رعية أبي بكر الذين كانوا معه في الموسم.
وكان هذا بعد غزوة تبوك، واستخلافه له فيها على من تركه بالمدينة، وقوله له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» ؟
ثم بعد هذا أمر أبا بكر على الموسم، وأردفه بعلي مأمورا عليه لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وكان هذا مما دل على أن عليا لم يكن خليفة له، إلا مدة مغيبه عن المدينة فقط. ثم أمر أبا بكر عليه عام تسع، ثم إنه بعد هذا بعث عليا وأبا موسى الأشعري، ومعاذا إلى اليمن، فرجع علي وأبو موسى إليه، وهو بمكة في حجة الوداع، وكل منهما قد أهل بإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأما معاذ فلم يرجع إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
[كلام الرافضي على أبي بكر رضي الله عنه أنه قطع يسار سارق والرد عليه]
(فصل) [1]
قال الرافضي [2] : "وقطع يسار سارق [3] ، ولم يعلم أن القطع لليد اليمنى" [4] .
والجواب: أن قول القائل: إن أبا بكر يجهل هذا من أظهر الكذب. ولو قدر أن أبا بكر كان يجيز ذلك [5] ، لكان ذلك قولا سائغا ;
(1)
سقطت كلمة "فصل" من (ح) ، (ر) ، وفي (ي) : الفصل الثاني والعشرون.

(2)
في (ك) ص 134 (م) .

(3)
ح، ر، ن، م، ي: يد سارق ب: يد السارق، والمثبت من (ك) .

(4)
ر، م: اليمين.

(5)
ذلك ساقطة من (ح) ، (ب) .






لأن القرآن ليس في ظاهره ما يعين اليمين، لكن تعيين [1] اليمين في قراءة ابن مسعود: "فاقطعوا أيمانهما" وبذلك مضت السنة. ولكن أين النقل بذلك عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قطع اليسرى؟ وأين الإسناد الثابت؟ بذلك وهذه كتب أهل العلم بالآثار موجودة ليس فيها ذلك، ولا نقل أهل العلم بالاختلاف ذلك [2] قولا، مع تعظيمهم لأبي بكر - رضي الله عنه -.
[كلام الرافضي على أبي بكر أنه أحرق الفجاءة السلمي بالنار والرد عليه]
(فصل) [3]
قال الرافضي [4] : "وأحرق الفجاءة السلمي بالنار، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن [5] الإحراق بالنار" .
الجواب: أن الإحراق بالنار عن علي أشهر وأظهر منه عن أبي بكر، [وأنه قد ثبت] في الصحيح [6] . أن عليا أتي بقوم زنادقة من غلاة الشيعة، فحرقهم بالنار، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار ; لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "«من بدل دينه فاقتلوه»" [7] .
(1)
ر: تعين.

(2)
ن، م: بالاختلاف في ذلك.

(3)
سقطت كلمة "فصل" من (ح) ، (ر) ، وفي (ي) الفصل الثالث والعشرون.

(4)
في (ك) ص 134 (م) .

(5)
ك: من.

(6)
ي: فإنه قد ثبت في الصحيح، ن، م: ففي الصحيح

(7)
سبق الحديث فيما مضى 1/307 وفي هامش (ر) ، (ي) أمام هذا الموضع كتب: "ومما قال في ذلك علي: لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا"






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 413.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 407.80 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (1.41%)]