تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 32 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لا يستوون عند الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 671 )           »          أثر العربية في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 4878 )           »          الابتلاء ورفع الدرجات وتكفير السيئات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 53 - عددالزوار : 24209 )           »          بيان خطأ تفويض معاني آيات وأحاديث الصفات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 7 )           »          بيان القرآن وتبيينه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أهمية منصات التعلم الإلكترونية في التنمية المهنية للمعلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الستر في زمن الفضائح الرقمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من أخلاق التوكل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          إنَّا سنُرضيك في أُمتِك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #311  
قديم 14-08-2022, 11:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (311)
صــ 255 إلى صــ 261

[ ص: 255 ] والرابع : وإنه لمتيقن لوعدنا ، قاله الضحاك .

والخامس : وإنه لحافظ لوصيتنا ، قاله ابن السائب .

والسادس : وإنه لعالم بما علمناه ، أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضاه الله، قاله مقاتل .

والسابع : وإنه لذو علم لتعليمنا إياه ، قاله الفراء .
ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون

قوله تعالى : " ولما دخلوا على يوسف " يعني إخوته " آوى إليه أخاه " يعني بنيامين ، وكان أخاه لأبيه وأمه ، قاله قتادة ، وضمه إليه وأنزله معه . قال ابن قتيبة : يقال : آويت فلانا إلي ، بمد الألف : إذا ضممته إليك ، وأويت إلى بني فلان ، بقصر الألف : إذا لجأت إليهم .

وفي قوله : " قال إني أنا أخوك " قولان :

أحدهما : أنهم لما دخلوا عليه حبسهم بالباب ، وأدخل أخاه ، فقال له : ما اسمك ؟ فقال : بنيامين ، قال : فما اسم أمك ؟ قال : راحيل بنت لاوي ، فوثب إليه فاعتنقه ، فقال : " إني أنا أخوك " ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وكذلك قال ابن إسحاق : أخبره أنه يوسف .

والثاني : أنه لم يعترف له بذلك ، وإنما قال : أنا أخوك مكان أخيك الهالك ، قاله وهب بن منبه . وقيل : إنه أجلسهم كل اثنين على مائدة ، فبقي بنيامين وحيدا يبكي ، وقال : لو كان أخي حيا لأجلسني ، معه فضمه يوسف إليه ، وقال : إني أرى هذا وحيدا ، فأجلسه معه على مائدته . فلما جاء الليل ، نام كل اثنين على منام ، فبقي وحيدا ، فقال يوسف : هذا ينام معي . فلما خلا به ، [ ص: 256 ] قال هل لك أخ من أمك ؟ قال : كان لي أخ من أمي فهلك ، فقال : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ، فقال : أيها الملك ، ومن يجد أخا مثلك ؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف ، وقام إليه فاعتنقه ، وقال : " إني أنا أخوك " يوسف " فلا تبتئس " قال قتادة : لا تأس ولا تحزن ، وقال الزجاج : لا تحزن ولا تستكن . قال ابن الأنباري : " تبتئس " تفتعل ، من البؤس ، وهو الضر والشدة ، أي : لا يلحقنك بؤس بالذي فعلوا .

قوله تعالى : " بما كانوا يعملون " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم كانوا يعيرون يوسف وأخاه بعبادة جدهما أبي أمهما للأصنام ، فقال : لا تبتئس بما كانوا يعملون من التعيير لنا ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : لا تحزن بما سيعملون بعد هذا الوقت حين يسرقونك ، فتكون " كانوا " بمعنى " يكونون " قال الشاعر :


فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع لمن كان بعدي من القصائد مصنعا


وقال آخر :


وانضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخا دم وذبائح


أراد : فقد كان ، وهذا مذهب مقاتل .

والثالث : لا تحزن بما عملوا من حسدنا ، وحرصوا على صرف وجه أبينا عنا ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن إسحاق .
[ ص: 257 ] فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم

قوله تعالى : " فلما جهزهم بجهازهم " قال المفسرون : أوفى لهم الكيل ، وحمل لـ " بنيامين " بعيرا باسمه كما حمل لهم ، وجعل السقاية في رحل أخيه ، وهي الصواع ، فهما اسمان واقعان على شيء واحد ، كالبر والحنطة ، والمائدة والخوان . وقال بعضهم : الاسم الحقيقي : الصواع ، والسقاية وصف ، كما يقال : كوز ، وإناء ، فالاسم الخاص : الكوز . قال المفسرون : جعل يوسف ذلك الصاع مكيالا لئلا يكال بغيره . وقيل : كال لإخوته بذلك ، إكراما لهم . قالوا : ولما ارتحل إخوة يوسف وأمعنوا ، أرسل الطلب في أثرهم ، فأدركوا وحبسوا ، " ثم أذن مؤذن " قال الزجاج : أعلم معلم ، يقال : آذنته بالشيء ، فهو مؤذن به ، أي : أعلمته ، وآذنت : أكثرت الإعلام بالشيء ، يعني : أنه إعلام بعد إعلام . " أيتها العير " يريد : أهل العير ، فأنث لأنه جعلها للعير . قال الفراء : لا يقال : عير ، إلا لأصحاب الإبل . وقال أبو عبيدة : العير الإبل المرحولة المركوبة . وقال ابن قتيبة : العير : القوم على الإبل .

فإن قيل : كيف جاز ليوسف أن يسرق من لم يسرق ؟ فعنه أربعة أجوبة :

أحدها : أن المعنى : إنكم لسارقون يوسف حين قطعتموه عن أبيه وطرحتموه في الجب ، قاله الزجاج .

[ ص: 258 ] والثاني : أن المنادي نادى وهو لا يعلم أن يوسف أمر بوضع السقاية في رحل أخيه ، فكان غير كاذب في قوله ، قاله ابن جرير .

والثالث : أن المنادي نادى بالتسريق لهم بغير أمر يوسف .

والرابع : أن المعنى : إنكم لسارقون فيما يظهر لمن لم يعلم حقيقة أخباركم ، كقوله : ذق إنك أنت العزيز الكريم [الدخان :49] أي : عند نفسك ، لا عندنا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كذب إبراهيم ثلاث كذبات " أي : قال قولا يشبه الكذب ، وليس به .

قوله تعالى : " قالوا " يعني : إخوة يوسف " وأقبلوا عليهم " فيه قولان :

أحدهما : على المؤذن وأصحابه . والثاني : أقبل المنادي ومن معه على إخوة يوسف بالدعوى . " ماذا تفقدون " ما الذي ضل عنكم ؟ " قالوا نفقد صواع الملك " قال الزجاج : الصواع هو الصاع بعينه ، وهو يذكر ويؤنث ، وكذلك الصاع يذكر ويؤنث . وقد قرئ : " صياع " بياء ، وقرئ : " صوغ " بغين معجمة ، وقرئ : " صوع " بعين غير معجمة مع فتح الصاد ، وضمها ، وقرأ أبو هريرة : " صاع الملك " وكل هذه لغات ترجع إلى معنى واحد ، إلا أن الصوغ ، بالغين المعجمة ، مصدر صغت ، وصف الإناء به ، لأنه كان مصوغا من ذهب .

واختلفوا في جنسه على خمسة أقوال :

أحدها : أنه كان قدحا من زبرجد . والثاني : أنه كان من نحاس ، رويا عن ابن عباس . والثالث : أنه كان شربة من فضة مرصعة بالجوهر ، قاله عكرمة . [ ص: 259 ] والرابع : كان كأسا من ذهب ، قاله ابن زيد . والخامس : كان من مس ، حكاه الزجاج .

وفي صفته قولان :

أحدهما : أنه كان مستطيلا يشبه المكوك . والثاني : أنه كان يشبه الطاس .

قوله تعالى : " ولمن جاء به " يعني الصواع " حمل بعير " من الطعام " وأنا به زعيم " أي : كفيل لمن رده بالحمل ، يقوله المؤذن .
قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين

قوله تعالى : " قالوا تالله " قال الزجاج : " تالله " بمعنى : والله ، إلا أن التاء لا يقسم بها إلا في الله عز وجل . ولا يجوز : تالرحمن لأفعلن ، ولا : تربي لأفعلن . والتاء تبدل من الواو ، كما قالوا في وراث : تراث ، وقالوا : يتزن ، وأصله : يوتزن ، من الوزن . قال ابن الأنباري : أبدلت التاء من الواو ، كما أبدلت في التخمة والتراث والتجاه ، وأصلهن من الوخمة والوراث والوجاه ، لأنهن من الوخامة والوراثة والوجه . ولا تقول العرب : تالرحمن ، كما قالوا : تالله ، لأن الاستعمال في الإقسام كثر بالله ، ولم يكن بالرحمن ، فجاءت التاء بدلا من الواو في الموضع الذي يكثر استعماله .

قوله تعالى : " لقد علمتم " يعنون يوسف " ما جئنا لنفسد في الأرض " أي : لنظلم أحدا أو نسرق .

فإن قيل : كيف حلفوا على علم قوم لا يعرفونهم ؟

[ ص: 260 ] فالجواب من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنهم قالوا ذلك ، لأنهم ردوا الدراهم ولم يستحلوها ، فالمعنى : لقد علمتم أنا رددنا عليكم دراهمكم وهي أكثر من ثمن الصاع ، فكيف نستحل صاعكم ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

والثاني : لأنهم لما دخلوا مصر كعموا أفواه إبلهم وحميرهم حتى لا تتناول شيئا ، وكان غيرهم لا يفعل ذلك ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث : أن أهل مصر كانوا قد عرفوهم أنهم لا يظلمون أحدا .

قوله تعالى : " فما جزاؤه " المعنى : قال المنادي وأصحابه : فما جزاؤه . قال الأخفش : إن شئت رددت الكناية إلى السارق ، وإن شئت رددتها إلى السرق .

قوله تعالى : " إن كنتم كاذبين " أي : في قولكم ، " وما كنا سارقين " . " قالوا " يعني إخوة يوسف " جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه " أي : يستعبد بذلك ، قال ابن عباس : وهذه كانت سنة آل يعقوب .
فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم

قوله تعالى : " فبدأ بأوعيتهم " قال المفسرون : انصرف بهم المؤذن إلى يوسف ، وقال : لا بد من تفتيش أمتعتكم ، " فبدأ " يوسف " بأوعيتهم قبل وعاء أخيه " لإزالة التهمة ، فلما وصل إلى وعاء أخيه ، قال : ما أظن هذا أخذ شيئا ، فقالوا : والله لا نبرح حتى تنظر في رحله ، فهو أطيب لنفسك . فلما فتحوا متاعه وجدوا الصواع ، فذلك قوله " ثم استخرجها " .

[ ص: 261 ] وفي هاء الكناية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى السرقة ، قاله الفراء . والثاني : إلى السقاية ، قاله الزجاج . والثالث : إلى الصواع على لغة من أنثه ، ذكره ابن الأنباري . قال المفسرون : فأقبلوا على بنيامين ، وقالوا : أي شيء صنعت ؟! فضحتنا وأزريت بأبيك الصديق ، فقال : وضع هذا في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم ، وقد كان يوسف أخبر أخاه بما يريد أن يصنع به .

قوله تعالى : " كذلك كدنا ليوسف " فيه أربعة أقوال :

أحدها : كذلك صنعنا له ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : احتلنا له ، والكيد : الحيلة ، قاله ابن قتيبة .

والثالث : أردنا ليوسف ، ذكره ابن القاسم .

والرابع : دبرنا له بأن ألهمناه ما فعل بأخيه ليتوصل إلى حبسه . قال ابن الأنباري : لما دبر الله ليوسف ما دبر من ارتفاع المنزلة وكمال النعمة على غير ما ظن إخوته ، شبه بالكيد من المخلوقين ، لأنهم يسترون ما يكيدون به عمن يكيدونه .

قوله تعالى : " ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك " في المراد بالدين هاهنا قولان :

أحدهما : أنه السلطان ، فالمعنى : في سلطان الملك ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنه القضاء ، فالمعنى : في قضاء الملك ، لأن قضاء الملك أن من سرق إنما يضرب ويغرم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وبيانه أنه لو أجرى أخاه على حكم الملك ما أمكنه حبسه ، لأن حكم الملك الغرم والضرب فحسب ، فأجرى الله على ألسنة إخوته أن جزاء السارق الاسترقاق ، فكان ذلك مما كاد الله ليوسف لطفا حتى أظفره بمراده بمشيئة الله ، فذلك معنى قوله : " إلا أن يشاء الله " وقيل : إلا أن يشاء الله إظهار علة يستحق بها أخاه .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #312  
قديم 15-08-2022, 12:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (312)
صــ 262 إلى صــ 268


[ ص: 262 ] قوله تعالى : " نرفع درجات من نشاء " وقرأ يعقوب " يرفع درجات من يشاء " بالياء فيهما . وقرأ أهل الكوفة " درجات " بالتنوين ، والمعنى : نرفع الدرجات بصنوف العطاء ، وأنواع الكرامات ، وأبواب العلوم ، وقهر الهوى ، والتوفيق للهدى ، كما رفعنا يوسف . " وفوق كل ذي علم عليم " أي : فوق كل ذي علم رفعه الله بالعلم من هو أعلم منه حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى ، والكمال في العلم معدوم من غيره .

وفي مقصود هذا الكلام ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : يوسف أعلم من إخوته ، وفوقه من هو أعلم منه .

والثاني : أنه نبه على تعظيم العلم ، وبين أنه أكثر من أن يحاط به .

والثالث : أنه تعليم للعالم التواضع لئلا يعجب .
قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون

قوله تعالى : " قالوا " يعني : إخوة يوسف " إن يسرق " يعنون بنيامين " فقد سرق أخ له من قبل " يعنون يوسف . قال المفسرون : عوقب يوسف ثلاث مرات ، قال للساقي : " اذكرني عند ربك " فلبث في السجن بضع سنين ، وقال للعزيز : " ليعلم أني لم أخنه بالغيب " فقال له جبريل : ولا حين هممت ؟ فقال : " وما أبرئ نفسي " وقال لإخوته : " إنكم لسارقون " ، فقالوا : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل " .

[ ص: 263 ] وفي ما عنوا بهذه السرقة سبعة أقوال :

أحدها : أنه كان يسرق الطعام من مائدة أبيه في سني المجاعة ، فيطعمه للمساكين ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني : أنه سرق مكحلة لخالته ، رواه أبو مالك عن ابن عباس .

والثالث : أنه سرق صنما لجده أبي أمه ، فكسره وألقاه في الطريق ، فعيره إخوته بذلك ، قاله سعيد بن جبير ، ووهب بن منبه ، وقتادة .

والرابع : أن عمة يوسف - وكانت أكبر ولد إسحاق - كانت تحضن يوسف وتحبه حبا شديدا ، فلما ترعرع ، طلبه يعقوب ، فقالت : ما أقدر أن يغيب عني ، فقال : والله ما أنا بتاركه ، فعمدت إلى منطقة إسحاق ، فربطتها على يوسف تحت ثيابه ، ثم قالت : لقد فقدت منطقة إسحاق ، فانظروا من أخذها ، فوجدوها مع يوسف ، فأخبرت يعقوب ذلك ، وقالت : والله إنه لي أصنع فيه ما شئت ، فقال : أنت وذاك ، فما قدر عليه يعقوب حتى ماتت ، فذاك الذي عيره به إخوته ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد .

والخامس : أنه جاءه سائل يوما ، فسرق شيئا ، فأعطاه السائل ، فعيروه بذلك . وفي ذلك الشيء ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان بيضة ، قاله مجاهد . والثاني : أنه شاة ، قاله كعب . والثالث : دجاجة ، قاله سفيان بن عيينة .

والسادس : أن بني يعقوب كانوا على طعام ، فنظر يوسف إلى عرق ، فخبأه ، فعيروه بذلك ، قاله عطية العوفي ، وإدريس الأودي . قال ابن الأنباري : وليس في هذه الأفعال كلها ما يوجب السرقة ، لكنها تشبه السرقة ، فعيره إخوته بذلك عند الغضب .

[ ص: 264 ] والسابع : أنهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه ، قاله الحسن . وقرأ أبو رزين ، وابن أبي عبلة : " فقد سرق " بضم السين وكسر الراء وتشديدها .

قوله تعالى : " فأسرها يوسف في نفسه " في هاء الكناية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى الكلمة التي ذكرت بعد هذا ، وهي قوله : " أنتم شر مكانا " ، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنها ترجع إلى الكلمة التي قالوها في حقه ، وهي قولهم : " فقد سرق أخ له من قبل " ، وهذا معنى قول أبي صالح عن ابن عباس ، فعلى هذا يكون المعنى : أسر جواب الكلمة فلم يجبهم عليها .

والثالث : أنها ترجع إلى الحجة ، المعنى : فأسر الاحتجاج عليهم في ادعائهم عليه السرقة ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " أنتم شر مكانا " فيه قولان :

أحدهما : شر صنيعا من يوسف لما قدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم ، قاله ابن عباس .

والثاني : شر منزلة عند الله ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " والله أعلم بما تصفون " فيه قولان :

أحدهما : تقولون ، قاله مجاهد . والثاني : بما تكذبون ، قاله قتادة . قال الزجاج : المعنى : والله أعلم أسرق أخ له ، أم لا؟ . وذكر بعض المفسرين أنه لما استخرج الصواع من رحل أخيه ، نقر الصواع ، ثم أدناه من أذنه ، فقال : إن صواعي هذا يخبرني أنكم كنتم اثني عشر رجلا ، وأنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه ، فقال بنيامين : أيها الملك ، سل صواعك عن أخي ، أحي هو ؟ فنقره ، ثم قال : [ ص: 265 ] هو حي ، وسوف تراه ، فقال : سل صواعك ، من جعله في رحلي ؟ فنقره ، وقال : إن صواعي هذا غضبان ، وهو يقول : كيف تسألني عن صاحبي وقد رأيت مع من كنت ؟ فغضب روبيل ، وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لم يطاقوا ، فإذا مس أحدهم الآخر ذهب غضبه ، فقال : والله أيها الملك لتتركنا ، أو لأصيحن صيحة لا يبقى بمصر امرأة حامل إلا ألقت ما في بطنها ، فقال يوسف لابنه : قم إلى جنب روبيل فامسسه ، ففعل الغلام ، فذهب غضبه ، فقال روبيل : ما هذا ؟! إن في هذا البلد من ذرية يعقوب ؟ قال يوسف : ومن يعقوب ؟ فقال : أيها الملك ، لا تذكر يعقوب ، فإنه إسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله . فلما لم يجدوا إلى خلاص أخيهم سبيلا ، سألوه أن يأخذ منهم بديلا به ، فذلك قوله : " يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا " أي : في سنه ، وقيل : في قدره ، " فخذ أحدنا مكانه " أي : تستعبده بدلا عنه . " إنا نراك من المحسنين " فيه قولان :

أحدهما : فيما مضى . والثاني : إن فعلت . " قال معاذ الله " قد سبق تفسيره [يوسف :33] والمعنى : أعوذ بالله أن نأخذ بريئا بسقيم .

فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين

قوله تعالى : " فلما استيأسوا منه " أي : أيسوا .

[ ص: 266 ] وفي هاء " منه " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى يوسف ، فالمعنى : يئسوا من يوسف أن يخلي سبيل أخيهم .

والثاني : إلى أخيهم ، فالمعنى : يئسوا من أخيهم .

قوله تعالى : " خلصوا نجيا " أي : اعتزلوا الناس ليس معهم غيرهم ، يتناجون ويتناظرون ويتشاورون ، يقال : قوم نجي ، والجمع أنجية ، قال الشاعر :


إني إذا ما القوم كانوا أنجيه واضطربت أعناقهم كالأرشيه


وإنما وحد " نجيا " لأنه يجري مجرى المصدر الذي يكون للاثنين ، والجمع والمؤنث بلفظ واحد . وقال الزجاج : انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم وليس معهم أخوهم .

قوله تعالى : " قال كبيرهم " فيه قولان :

أحدهما : أنه كبيرهم في العقل ، ثم فيه قولان : أحدهما : أنه يهوذا ، ولم يكن أكبرهم سنا ، وإنما كان أكبرهم سنا روبيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك ، ومقاتل . والثاني : أنه شمعون ، قاله مجاهد .

والثاني : أنه كبيرهم في السن وهو روبيل ، قاله قتادة ، والسدي .

قوله تعالى : " ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله " في حفظ [ ص: 267 ] أخيكم ورده إليه " ومن قبل ما فرطتم في يوسف " قال الفراء : " ما " في موضع رفع ، كأنه قال : ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف ، وإن شئت جعلتها نصبا ، المعنى : ألم تعلموا هذا ، وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف ، وإن شئت جعلت " ما " صلة ، كأنه قال : ومن قبل فرطتم في يوسف . قال الزجاج : وهذا أجود الوجوه ، أن تكون " ما " لغوا .

قوله تعالى : " فلن أبرح الأرض " أي : لن أخرج من أرض مصر ، يقال : برح الرجل براحا : إذا تنحى عن موضعه . " حتى يأذن لي " قال ابن عباس : حتى يبعث إلي أن آتيه ، " أو يحكم الله لي " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أو يحكم الله لي ، فيرد أخي علي . والثاني : يحكم الله لي بالسيف ، فأحارب من حبس أخي . والثالث : يقضي في أمري شيئا ، " وهو خير الحاكمين " أي : أعدلهم وأفضلهم .

قوله تعالى : " إن ابنك سرق " وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وابن أبي سريج عن الكسائي : " سرق " بضم السين وتشديد الراء وكسرها .

قوله تعالى : " وما شهدنا إلا بما علمنا " فيه قولان :

أحدهما : وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمنا ، لأنا رأينا المسروق في رحله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلا بما علمنا من دينك ، قاله ابن زيد .

وفي قوله : " وما كنا للغيب حافظين " ثمانية أقوال :

أحدها : أن الغيب هو الليل ، والمعنى : لم نعلم ما صنع بالليل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وهذا يدل على أن التهمة وقعت به ليلا .

[ ص: 268 ] والثاني : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال عكرمة ، وقتادة ، ومكحول ، قال ابن قتيبة : فالمعنى : لم نعلم الغيب حين أعطيناك الموثق لنأتينك به أنه يسرق فيؤخذ .

والثالث : لم نستطع أن نحفظه فلا يسرق ، رواه عبد الوهاب عن مجاهد .

والرابع : لم نعلم أنه سرق للملك شيئا ، ولذلك حكمنا باسترقاق السارق ، قاله ابن زيد .

والخامس : أن المعنى : قد رأينا السرقة قد أخذت من رحله ، ولا علم لنا بالغيب فلعلهم سرقوه ، قاله ابن إسحاق .

والسادس : ما كنا لغيب ابنك حافظين ، إنما نقدر على حفظه في محضره ، فإذا غاب عنا ، خفيت عنا أموره .

والسابع : لو علمنا من الغيب أن هذه البلية تقع بابنك ما سافرنا به ، ذكرهما ابن الأنباري .

والثامن : لم نعلم أنك تصاب به كما أصبت بيوسف ، ولو علمنا لم نذهب به ، قاله ابن كيسان .
واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون

قوله تعالى : " واسأل القرية " المعنى : قولوا لأبيكم : سل أهل القرية " التي كنا فيها " يعنون مصر " والعير التي أقبلنا فيها " أي : وأهل العير ، وكان قد صحبهم قوم من الكنعانيين . قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون المعنى : وسل القرية والعير فإنها تعقل عنك لأنك نبي ، والأنبياء قد تخاطبهم الأحجار والبهائم ، فعلى هذا تسلم الآية من إضمار .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #313  
قديم 15-08-2022, 12:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (313)
صــ 269 إلى صــ 275


[ ص: 269 ] قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم

قوله تعالى : " قال بل سولت لكم أنفسكم " في الكلام اختصار ، والمعنى : فرجعوا إلى أبيهم فقالوا له ذلك ، فقال لهم هذا ، وقد شرحناه في أول السورة [يوسف :18] .

واختلفوا لأي علة قال لهم هذا القول ، على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه ظن أن الذي تخلف منهم ، إنما تخلف حيلة ومكرا ليصدقهم ، قاله وهب بن منبه .

والثاني : أن المعنى : سولت لكم أنفسكم أن خروجكم بأخيكم يجلب نفعا ، فجر ضررا ، قاله ابن الأنباري .

والثالث : سولت لكم أنه سرق ، وما سرق .

قوله تعالى : " عسى الله أن يأتيني بهم جميعا " يعني : يوسف وبنيامين وأخاهما المقيم بمصر . وقال مقاتل : أقام بمصر يهوذا وشمعون ، فاراد بقوله : " أن يأتيني بهم " يعني الأربعة

قوله تعالى : " إنه هو العليم " أي : بشدة حزني ، وقيل : بمكانهم ، " الحكيم " فيما حكم علي .
وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم

قوله تعالى : " وتولى عنهم " أي : أعرض عن ولده أن يطيل معهم الخطب ، وانفرد بحزنه ، وهيج عليه ذكر يوسف " وقال يا أسفى على يوسف " قال ابن [ ص: 270 ] عباس : يا طول حزني على يوسف . قال ابن قتيبة : الأسف : أشد الحسرة . قال سعيد بن جبير : لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء قبلهم إنا لله وإنا إليه راجعون [البقرة :156] ، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب ، إذ يقول : " يا أسفى على يوسف " .

فإن قيل : هذا لفظ الشكوى ، فأين الصبر ؟

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أنه شكا إلى الله تعالى ، لا منه . والثاني : أنه أراد به الدعاء ، فالمعنى : يارب ارحم أسفي على يوسف . وذكر ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال : نداء يعقوب الأسف في اللفظ من المجاز الذي يعنى به غير المظهر في اللفظ ، وتلخيصه : يا إلهي ارحم أسفي ، أو أنت راء أسفي ، وهذا أسفي ، فنادى الأسف في اللفظ ، والمنادى في المعنى سواه ، كما قال : " يا حسرتنا " والمعنى : يا هؤلاء تنبهوا على حسرتنا ، قال : والحزن ونفور النفس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثم ولم يشك إلا إلى ربه ، فلما كان قوله : " يا أسفى " شكوى إلى ربه ، كان غير ملوم . وقد روي عن الحسن أن أخاه مات ، فجزع الحسن جزعا شديدا ، فعوتب في ذلك ، فقال : ما وجدت الله عاب على يعقوب الحزن حيث قال : " يا أسفى على يوسف "

قوله تعالى : " وابيضت عيناه من الحزن " أي : انقلبت إلى حال البياض . وهل ذهب بصره ، أم لا ، فيه قولان :

أحدهما : أنه ذهب بصره ، قاله مجاهد .

والثاني : ضعف بصره لبياض تغشاه من كثرة البكاء ، ذكره الماوردي . وقال مقاتل : لم يبصر بعينيه ست سنين .

[ ص: 271 ] قال ابن عباس : وقوله : " من الحزن " أي : من البكاء ، يريد أن عينيه ابيضتا لكثرة بكائه ، فلما كان الحزن سببا للبكاء ، سمي البكاء حزنا . وقال ثابت البناني : دخل جبريل على يوسف ، فقال : أيها الملك الكريم على ربه ، هل لك علم بيعقوب ؟ قال : نعم . قال : ما فعل ، قال : ابيضت عيناه ، قال : ما بلغ حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : فهل له على ذلك من أجر ؟ قال : أجر مائة شهيد . وقال الحسن البصري : ما فارق يعقوب الحزن ثمانين سنة ، وما جفت عينه ، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره .

قوله تعالى : " فهو كظيم " الكظيم بمعنى الكاظم ، وهو الممسك على حزنه فلا يظهره ، قاله ابن قتيبة ، وقد شرحنا هذا عند قوله : والكاظمين الغيظ [آل عمران :134] .
قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .

قوله تعالى : قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف قال ابن الأنباري : معناه : والله ، وجواب هذا القسم " لا " المضمرة التي تأويلها : تالله لا تفتأ ، فلما كان موضعها معلوما خفف الكلام بسقوطها من ظاهره ، كما تقول العرب : والله أقصدك أبدا ، يعنون : لا أقصدك ، قال امرؤ القيس :

[ ص: 272 ]
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي


يريد : لا أبرح ، وقالت الخنساء :


فأقسمت آسى على هالك أو أسأل نائحة مالها


أرادت : لا آسى ، وقال الآخر :


لم يشعر النعش ما عليه من الـ ـعرف ولا الحاملون ما حملوا
تالله أنسى مصيبتي أبدا ما أسمعتني حنينها الإبل


وقرأ أبو عمران ، وابن محيصن ، وأبو حيوة : " قالوا بالله " بالباء ، وكذلك كل قسم في القرآن . وأما قوله : " تفتأ " فقال المفسرون وأهل اللغة : معنى " تفتأ " تزال ، فمعنى الكلام : لا تزال تذكر يوسف ، وأنشد أبو عبيدة :


فما فتئت خيل تثوب وتدعي ويلحق منها لاحق وتقطع


وأنشد ابن القاسم :


فما فتئت منا رعال كأنها رعال القطا حتى احتوين بني صخر


قوله تعالى : " حتى تكون حرضا " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه الدنف ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال ابن قتيبة : يقال : [ ص: 273 ] أحرضه الحزن ، أي : أدنفه . قال أبو عبيدة : الحرض : الذي قد أذابه الحزن أو الحب ، وهي في موضع محرض . وأنشد :


إني امرؤ لج بي حب فأحرضني حتى بليت وحتى شفني السقم


أي : أذابني . وقال الزجاج : الحرض : الفاسد في جسمه ، والمعنى : حتى تكون مدنفا مريضا .

والثاني : أنه الذاهب العقل ، قاله الضحاك عن ابن عباس . وقال ابن إسحاق : الفاسد العقل . قال الزجاج : وقد يكون الحرض : الفاسد في أخلاقه .

والثالث : أنه الفاسد في جسمه وعقله ، يقال : رجل حارض وحرض ، فحارض يثني ويجمع ويؤنث ، وحرض لا يجمع ولا يثنى ، لأنه مصدر ، قاله الفراء .

والرابع : أنه الهرم ، قاله الحسن ، وقتادة ، وابن زيد .

قوله تعالى : " أو تكون من الهالكين " يعنون الموتى .

فإن قيل : كيف حلفوا على شيء يجوز أن يتغير ؟

فالجواب : أن في الكلام إضمارا ، تقديره : إن هذا في تقديرنا وظننا .

قوله تعالى : " إنما أشكو بثي " قال ابن قتيبة : البث : أشد الحزن ، سمي بذلك لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثه ،

قوله تعالى : " إلى الله " المعنى : إني لا أشكو إليكم ، وذلك لما عنفوه بما تقدم ذكره . وروى الحاكم أبو عبد الله في " صحيحه " من حديث أنس بن [ ص: 274 ] مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان ليعقوب أخ مؤاخ ، فقال له ذات يوم : يا يعقوب ، ما الذي أذهب بصرك ؟ وما الذي قوس ظهرك ؟ قال : أما الذي أذهب بصري ، فالبكاء على يوسف ، وأما الذي قوس ظهري ، فالحزن على بنيامين ، فأتاه جبريل ، فقال : يا يعقوب إن الله يقرئك السلام ويقول لك : أما تستحي أن تشكو إلى غيري ؟ فقال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، فقال جبريل : الله أعلم بما تشكو ، ثم قال يعقوب : أي رب ، أما ترحم الشيخ الكبير ؟ أذهبت بصري ، وقوست ظهري ، فاردد علي ريحاني أشمه شمة قبل الموت ، ثم اصنع بي يا رب ما شئت ، فأتاه جبريل ، فقال : يا يعقوب ، إن الله يقرأ عليك السلام ويقول : أبشر ، فوعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك ، اصنع طعاما للمساكين ، فإن أحب عبادي إلي المساكين ، وتدري لم أذهبت بصرك ، وقوست ظهرك ، وصنع إخوة يوسف بيوسف ما صنعوا ، لأنكم ذبحتم شاة ، فأتاكم فلان المسكين وهو صائم ، فلم تطعموه منها . فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغداء أمر مناديا فنادى : ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب ، وإذا كان صائما ، أمر مناديا فنادى : من كان صائما فليفطر مع يعقوب . وقال وهب بن منبه : أوحى الله تعالى إلى يعقوب : أتدري لم عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة ؟ قال : لا ، [ ص: 275 ] قال : لأنك شويت عناقا وقترت على جارك ، وأكلت ولم تطعمه . وذكر بعضهم أن السبب في ذلك أن يعقوب ذبح عجل بقرة بين يديها ، وهي تخور فلم يرحمها .

فإن قيل : كيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكا ؟

فقد ذكر المفسرون عنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك عن أمر الله تعالى ، وهو الأظهر .

والثاني : لئلا يظن الملك بتعجيل استدعائه أهله ، شدة فاقتهم .

والثالث : أنه أحب بعد خروجه من السجن أن يدرج نفسه إلى كمال السرور . والصحيح أن ذلك كان عن أمر الله تعالى ، ليرفع درجة يعقوب بالصبر على البلاء . وكان يوسف يلاقي من الحزن لأجل حزن أبيه عظيما ، ولا يقدر على دفع سببه .

قوله تعالى : " وأعلم من الله ما لا تعلمون " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأنا سنسجد له ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أعلم من سلامة يوسف ما لا تعلمون . قال ابن السائب : وذلك أن ملك الموت أتاه ، فقال له يعقوب : هل قبضت روح ابني يوسف ؟ قال : لا .

والثالث : أعلم من رحمة الله وقدرته مالا تعلمون ، قاله عطاء .

والرابع : أنه لما أخبره بنوه بسيرة العزيز ، طمع أن يكون هو يوسف ، قاله السدي ، قال : ولذلك قال لهم : " اذهبوا فتحسسوا " . وقال وهب بن منبه : لما قال له ملك الموت : ما قبضت روح يوسف ، تباشر عند ذلك ، ثم أصبح ، فقال لبنيه : " اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه " قال أبو عبيدة : " تحسسوا " أي : تخبروا والتمسوا في المظان .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #314  
قديم 15-08-2022, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (314)
صــ 276 إلى صــ 282



[ ص: 276 ] فإن قيل : كيف قال : " من يوسف " والغالب أن يقال : تحسست عن كذا ؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري :

أحدهما : أن المعنى : عن يوسف ، ولكن نابت عنها " من " كما تقول العرب : حدثني فلان من فلان ، يعنون عنه .

والثاني : أن " من " أوثرت للتبعيض ، والمعنى : تحسسوا خبرا من أخبار يوسف .

قوله تعالى : " ولا تيأسوا من روح الله " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : من رحمة الله ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والثاني : من فرج الله ، قاله ابن زيد . والثالث : من توسعة الله ، حكاه ابن القاسم . قال الأصمعي : الروح : الاستراحة من غم القلب . وقال أهل المعاني : لا تيأسوا من الروح الذي يأتي به الله ، " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " لأن المؤمن يرجو الله في الشدائد .
فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين

[ ص: 277 ] قوله تعالى : " فلما دخلوا عليه " في الكلام محذوف ، تقديره : فخرجوا إلى مصر ، فدخلوا على يوسف فـ " قالوا : يا أيها العزيز " وكانوا يسمون ملكهم بذلك ، " مسنا وأهلنا الضر " يعنون الفقر والحاجة " وجئنا ببضاعة مزجاة " .

وفي ماهية تلك البضاعة سبعة أقوال :

أحدها : أنها كانت دراهم ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنها كانت متاعا رثا كالحبل والغرارة ، رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس . والثالث : كانت أقطا ، قاله الحسن . والرابع : كانت نعالا وأدما ، رواه جويبر عن الضحاك . والخامس : كانت سويق المقل ، روي عن الضحاك أيضا . والسادس : حبة الخضراء وصنوبر ، قاله أبو صالح . والسابع : كانت صوفا وشيئا من سمن ، قاله عبد الله بن الحارث .

وفي المزجاة خمسة أقوال :

أحدها : أنها القليلة . روى العوفي عن ابن عباس قال : دراهم غير طائلة ، وبه قال مجاهد ، وابن إسحاق ، وابن قتيبة . قال الزجاج : تأويله في اللغة أن التزجية : الشيء الذي يدافع به ، يقال : فلان يزجي العيش ، أي : يدفع بالقليل ويكتفي به ، فالمعنى : جئنا ببضاعة إنما ندافع بها ونتقوت ، وليست مما يتسع به ، قال الشاعر :

[ ص: 278 ]
الواهب المائة الهجان وعبدها عوذا تزجي خلفها أطفالها


أي : تدفع أطفالها .

والثاني : أنها الرديئة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . قال أبو عبيدة : إنما قيل للرديئة : مزجاة ، لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة ممن ينفقها ، قال : وهي من الإزجاء ، والإزجاء عند العرب : السوق والدفع ، وأنشد :


ليبك على ملحان ضيف مدفع وأرملة تزجي مع الليل أرملا


أي : تسوقه .

والثالث : الكاسدة ، رواه الضحاك أيضا عن ابن عباس .

والرابع : الرثة ، وهي المتاع الخلق ، رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس .

والخامس : الناقصة ، رواه أبو حصين عن عكرمة .

قوله تعالى : " فأوف لنا الكيل " أي : أتمه لنا ولا تنقصه لرداءة بضاعتنا .

قوله تعالى : " وتصدق علينا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : تصدق علينا بما بين سعر الجياد والرديئة ، قاله سعيد بن جبير ، والسدي . قال ابن الأنباري : كان الذي سألوه من المسامحة يشبه التصدق ، وليس به .

والثاني : برد أخينا ، قال ابن جريج ، قال : وذلك أنهم كانوا أنبياء ، والصدقة لا تحل للأنبياء .

[ ص: 279 ] والثالث : وتصدق علينا بالزيادة على حقنا ، قاله ابن عيينة ، وذهب إلى أن الصدقة قد كانت تحل للأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، حكاه أبو سليمان الدمشقي ، وأبو الحسن الماوردي ، وأبو يعلى بن الفراء .

قوله تعالى : " إن الله يجزي المتصدقين " أي : بالثواب . قال الضحاك : لم يقولوا إن الله يجزيك إن تصدقت علينا ، لأنهم لم يعلموا أنه مؤمن .

قوله تعالى : " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه " في سبب قوله لهم هذا ، ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه أخرج إليهم نسخة الكتاب الذي كتبوه على أنفسهم ببيعه من مالك بن ذعر ، وفي آخر الكتاب : " وكتب يهوذا " فلما قرؤوا الكتاب اعترفوا بصحته وقالوا : هذا كتاب كتبناه على أنفسنا عند بيع عبد كان لنا ، فقال يوسف عند ذلك : إنكم تستحقون العقوبة ، وأمر بهم ليقتلوا ، فقالوا : إن كنت فاعلا ، فاذهب بأمتعتنا إلى يعقوب ، ثم أقبل يهوذا على بعض إخوته ، وقال : قد كان أبونا متصل الحزن لفقد واحد من ولده ، فكيف به إذا أخبر بهلكنا أجمعين ؟ فرق يوسف عند ذلك وكشف لهم أمره ، وقال لهم هذا القول ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

الثاني : أنهم لما قالوا : " مسنا وأهلنا الضر أدركته الرحمة ، فقال لهم هذا ، قاله ابن إسحاق .

والثالث : أن يعقوب كتب إليه كتابا : إن رددت ولدي ، وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك ، فبكى ، وقال لهم هذا .

وفي هل قولان :

أحدهما : أنها استفهام لتعظيم القصة لا يراد به نفس الاستفهام . قال ابن [ ص: 280 ] الأنباري : والمعنى : ما أعظم ما ارتكبتم ، وما أسمج ما آثرتم من قطيعة الرحم وتضييع الحق ، وهذا مثل قول العربي : أتدري من عصيت ؟ هل تعرف من عاديت ؟ لا يريد بذلك الاستفهام ، ولكن يريد تفظيع الأمر ، قال الشاعر :


أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي


لم يرد الاستفهام ، إنما أراد أن هذا غير مرجو عندهم . قال : ويجوز أن يكون المعنى : هل علمتم عقبى ما فعلتم بيوسف وأخيه من تسليم الله لهما من المكروه ؟ وهذه الآية تصديق قوله : " لتنبئنهم بأمرهم " .

والثاني : أن " هل " بمعنى " قد " ذكره بعض أهل التفسير .

فإن قيل : فالذي فعلوا بيوسف معلوم ، فما الذي فعلوا بأخيه ، وما سعوا في حبسه ولا أرادوه ؟

فالجواب من وجوه : أحدها : أنهم فرقوا بينه وبين يوسف ، فنغصوا عيشه بذلك . والثاني : أنهم آذوه بعد فقد يوسف . والثالث : أنهم سبوه لما قذف بسرقة الصاع .

وفي قوله : " إذ أنتم جاهلون " أربعة أقوال :

أحدها : إذ أنتم صبيان ، قاله ابن عباس . والثاني : مذنبون ، قاله مقاتل . والثالث : جاهلون بعقوق الأب ، وقطع الرحم ، وموافقة الهوى . والرابع : جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف ، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى : " أإنك لأنت يوسف " قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، وابن محيصن : " إنك " على الخبر ، وقرأه آخرون بهمزتين محققتين ، وأدخل بعضهم بينهما ألفا .

[ ص: 281 ] واختلف المفسرون ، هل عرفوه ، أم شبهوه ؟ على قولين :

أحدهما : أنهم شبهوه بيوسف ، قاله ابن عباس في رواية .

والثاني : أنهم عرفوه ، قاله ابن إسحاق . وفي سبب معرفتهم له ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه تبسم ، فشبهوا ثناياه بثنايا يوسف ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : أنه كانت له علامة كالشامة في قرنه ، وكان ليعقوب مثلها ، ولإسحاق مثلها ، ولسارة مثلها ، فلما وضع التاج عن رأسه ، عرفوه ، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثالث : أنه كشف الحجاب ، فعرفوه قاله ابن إسحاق .

قوله تعالى : " قال أنا يوسف " قال ابن الأنباري : إنما أظهر الاسم ، ولم يقل : أنا هو ، تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته ، فكأنه قال : أنا المظلوم المستحل منه ، المراد قتله ، فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني ، ولهذا قال : " وهذا أخي " وهم يعرفونه ، وإنما قصد : وهذا المظلوم كظلمي .

قوله تعالى : " قد من الله علينا " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : بخير الدنيا والآخرة . والثاني : بالجمع بعد الفرقة . والثالث : بالسلامة ثم بالكرامة .

قوله تعالى : " إنه من يتق ويصبر " قرأ ابن كثير في رواية قنبل : " من يتقي ويصبر " بياء في الوصل والوقف ، وقرأ الباقون بغير ياء في الحالين .

وفي معنى الكلام أربعة أقوال :

أحدها : من يتق الزنى ويصبر على البلاء . والثاني : من يتق الزنى ويصبر [ ص: 282 ] على العزبة . والثالث : من يتق الله ويصبر على المصائب ، رويت هذه الأقوال عن ابن عباس . والرابع : يتق معصية الله ويصبر على السجن ، قاله مجاهد .

قوله تعالى : " فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " أي : أجر من كان هذا حاله .

قوله تعالى : " لقد آثرك الله علينا " أي : اختارك وفضلك .

وبماذا عنوا أنه فضله فيه ؟ أربعة أقوال :

أحدها : بالملك ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثاني : بالصبر ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : بالحلم والصفح عنا ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . والرابع : بالعلم والعقل والحسن وسائر الفضائل التي أعطاه .

قوله تعالى : " وإن كنا لخاطئين " قال ابن عباس : لمذنبين آثمين في أمرك . قال ابن الأنباري : ولهذا اختير " خاطئين " على " مخطئين " وإن كان " أخطأ " على ألسن الناس أكثر من " خطئ يخطأ " لأن معنى خطئ يخطأ ، فهو خاطئ : آثم ، ومعنى أخطأ يخطئ ، فهو مخطئ : ترك الصواب ولم يأثم ، قال الشاعر :


عبادك يخطأون وأنت رب بكفيك المنايا والحتوم


أراد : يأثمون . قال : ويجوز أن يكون آثر " خاطئين " على " مخطئين " لموافقة رؤوس الآيات ، لأن " خاطئين " أشبه بما قبلها .

وذكر الفراء في معنى " إن " قولين :

أحدهما وقد كنا خاطئين . والثاني : وما كنا إلا خاطئين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #315  
قديم 15-08-2022, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (315)
صــ 283 إلى صــ 289



قوله تعالى : " لا تثريب عليكم اليوم " قال أبو صالح عن ابن عباس : لا أعيركم بعد اليوم بهذا أبدا . قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم ، لأنه أول أوقات العفو ، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة . وقال ثعلب : قد ثرب [ ص: 283 ] فلان على فلان : إذا عدد عليه ذنوبه . وقال ابن قتيبة : لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم ، وأصل التثريب : الإفساد ، يقال : ثرب علينا إذا أفسد ، وفي الحديث : " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ، ولا يثرب " أي : لا يعيرها بالزنى . قال ابن عباس : جعلهم في حل ، وسأل الله المغفرة لهم . وقال السدي : لما عرفهم نفسه ، سألهم عن أبيه ، فقالوا : ذهبت عيناه ، فأعطاهم قميصه ، وقال : " اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا " وهذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف لما ألقي في الجب ، وكان من الجنة ، وقد سبق ذكره [يوسف :18،25،26،27،28] .

قوله تعالى : " يأت بصيرا " قال أبو عبيدة : يعود مبصرا .

فإن قيل : من أين قطع على الغيب ؟

فالجواب : أن ذلك كان بالوحي إليه ، قاله مجاهد .

قوله تعالى : " وأتوني بأهلكم أجمعين " قال الكلبي : كان أهله نحوا من سبعين إنسانا .
ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون

قوله تعالى : " ولما فصلت العير " أي : خرجت من مصر متوجهة إلى كنعان . وكان الذي حمل القميص يهوذا . قال السدي : قال يهوذا ليوسف : أنا الذي حملت القميص إلى يعقوب بدم كذب فأحزنته ، وأنا الآن أحمل قميصك لأسره ، فحمله ، قال ابن عباس : فخرج حافيا حاسرا يعدو ، ومعه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها .

[ ص: 284 ] قوله تعالى : " قال أبوهم " يعني يعقوب لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده " إني لأجد ريح يوسف " . ومعنى أجد : أشم ، قال الشاعر :


وليس صرير النعش ما تسمعونه ولكنها أصلاب قوم تقصف وليس فتيق المسك ما تجدونه
ولكنه ذاك الثناء المخلف


فإن قيل : كيف وجد يعقوب ريحه وهو بمصر ؟ ولم يجد ريحه من الجب وبعد خروجه منه ، والمسافة هناك أقرب ؟

فعنه جوابان : أحدهما : أن الله تعالى أخفى أمر يوسف على يعقوب في بداية الأمر لتقع البلية التي يتكامل بها الأجر ، وأوجده ريحه من المكان النازح عند تقضي البلاء ومجيء الفرج .

والثاني : أن هذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف على ما سبق بيانه ، فلما نشره فاحت روائح الجنان في الدنيا فاتصلت بيعقوب ، فعلم أن الرائحة من جهة ذلك القميص . قال مجاهد : هبت ريح فضربت القميص ، ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة ، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص ، فمن ثم قال : " إني لأجد ريح يوسف " . وقيل : إن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل البشير فأذن لها ، فلذلك يستروح كل محزون إلى ريح الصبا ، ويجد المكروبون لها روحا ، وهي ريح لينة تأتي من ناحية المشرق ، قال أبو صخر الهذلي :


إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر


قال ابن عباس : وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ثمانين فرسخا .

[ ص: 285 ] قوله تعالى : " لولا أن تفندون " فيه خمسة أقوال :

أحدها : تجهلون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

والثاني : تسفهون ، رواه عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، وقتادة ، ومجاهد في رواية . وقال في رواية أخرى : لولا أن تقولوا : ذهب عقلك

والثالث : تكذبون ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضحاك .

والرابع : تهرمون ، قاله الحسن ، ومجاهد في رواية . قال ابن فارس : الفند : إنكار العقل من هرم .

والخامس : تعجزون ، قاله ابن قتيبة . وقال أبو عبيدة : تسفهون وتعجزون وتلومون ، وأنشد :


يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي فليس ما فات من أمر بمردود


قال ابن جرير : وأصل التفنيد : الإفساد ، وأقوال المفسرين تتقارب معانيها ، وسمعت الشيخ أبا محمد ابن الخشاب يقول : قوله : " لولا أن تفندون " فيه إضمار ، تقديره : لأخبرتكم أنه حي .

قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم

قوله تعالى : " قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم " قال ابن عباس : بنو بنيه خاطبوه بهذا ، وكذلك قال السدي : هذا قول بني بنيه ، لأن بنيه كانوا بمصر .

وفي معنى هذا الضلال ثلاثة أقوال :

[ ص: 286 ] أحدها : أنه بمعنى الخطإ ، قاله ابن عباس ، وابن زيد . والثاني : أنه الجنون ، قاله سعيد بن جبير . والثالث : الشقاء والعناء ، قاله مقاتل . يريد بذلك شقاء الدنيا .
فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم

قوله تعالى : " فلما أن جاء البشير " فيه قولان :

أحدهما : أنه يهوذا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال وهب بن منبه ، والسدي ، والجمهور . والثاني : أنه شمعون ، قاله الضحاك .

فإن قيل : ما الفرق بين قوله هاهنا : " فلما أن جاء " وقال في موضع : فلما جاءهم [البقرة :89] .

فالجواب : أنهما لغتان لقريش خاطبهم الله بهما جميعا ، فدخول " أن " لتوكيد مضي الفعل ، وسقوطها للاعتماد على إيضاح الماضي بنفسه ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " ألقاه " يعني القميص " على وجهه " يعني يعقوب " فارتد بصيرا " ، الارتداد : رجوع الشيء إلى حال قد كان عليها . قال ابن الأنباري : إنما قال ارتد ، ولم يقل : رد ، لأن هذا من الأفعال المنسوبة إلى المفعولين ، كقولهم : طالت النخلة ، والله أطالها ، وتحركت الشجرة ، والله حركها : قال الضحاك : رجع إليه بصره بعد العمى ، وقوته بعد الضعف ، وشبابه بعد الهرم ، وسروره بعد الحزن .

وروى يحيى بن يمان عن سفيان قال : لما جاء البشير يعقوب ، قال : على أي دين تركت يوسف ؟ قال : على الإسلام ، قال : الآن تمت النعمة .

[ ص: 287 ] قوله تعالى : " ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون " فيه أقوال قد سبق ذكرها قبل هذا بقليل .

قوله تعالى : " يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا " سألوه يستغفر لهم ما أتوا ، لأنه نبي مجاب الدعوة . " قال سوف أستغفر لكم ربي " في سبب تأخيره لذلك ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه أخرهم لانتظار الوقت الذي هو مظنة الإجابة ، ثم فيه ثلاثة أقوال :أحدها : أنه أخرهم إلى ليلة الجمعة ، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال وهب : كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة . والثاني : إلى وقت السحر من ليلة الجمعة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال طاووس : فوافق ذلك ليلة عاشوراء . والثالث : إلى وقت السحر ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عمر ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل . قال الزجاج : إنما أراد الوقت الذي هو أخلق لإجابة الدعاء ، لا أنه ضن عليهم بالاستغفار ، وهذا أشبه بأخلاق الأنبياء عليهم السلام .

والقول الثاني : أنه دفعهم عن التعجيل بالوعد . قال عطاء الخراساني : طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ، ألا ترى إلى قول يوسف : " لا تثريب عليكم اليوم " وإلى قول يعقوب : " سوف أستغفر لكم ربي " .

والثالث : أنه أخرهم ليسأل يوسف ، فإن عفا عنهم ، استغفر لهم ، قاله الشعبي . وروي عن أنس بن مالك أنهم قالوا : يا أبانا إن عفا الله عنا ، وإلا فلا [ ص: 288 ] قرة عين لنا في الدنيا ، فدعا يعقوب وأمن يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة ، ثم جاء جبريل فقال : إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك ، وعفا عما صنعوا به ، واعتقد مواثيقهم من بعد على النبوة . قال المفسرون : وكان يوسف قد بعث مع البشير إلى يعقوب جهازا ومائتي راحلة ، وسأله أن يأتيه بأهله وولده ، فلما ارتحل يعقوب ودنا من مصر ، استأذن يوسف الملك الذي فوقه في تلقي يعقوب ، فأذن له ، وأمر الملأ من أصحابه بالركوب معه ، فخرج في أربعة آلاف من الجند ، وخرج معهم أهل مصر .

وقيل : إن الملك خرج معهم أيضا . فلما التقى يعقوب ويوسف ، بكيا جميعا فقال يوسف : يا أبت بكيت علي حتى ذهب بصرك ، أما علمت أن القيامة تجمعني وإياك ؟ قال : أي بني ، خشيت أن تسلب دينك فلا نجتمع .

وقيل : إن يعقوب ابتدأه بالسلام ، فقال : السلام عليكم يا مذهب الأحزان .
فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين

قوله تعالى : " فلما دخلوا على يوسف " يعني : يعقوب وولده .

وفي هذا الدخول قولان :

أحدهما : أنه دخول أرض مصر ، ثم قال لهم : " ادخلوا مصر " يعني البلد .

والثاني : أنه دخول مصر ، ثم قال لهم : " ادخلوا مصر " أي : استوطنوها .

وفي قوله : " آوى إليه أبويه " قولان :

أحدهما : أبوه وخالته ، لأن أمه كانت قد ماتت ، قاله ابن عباس والجمهور .

والثاني : أبوه وأمه ، قاله الحسن ، وابن إسحاق .

[ ص: 289 ] وفي قوله : " إن شاء الله آمنين " أربعة أقوال :

أحدها : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، فالمعنى : سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله ، إنه هو الغفور الرحيم ، هذا قول ابن جريج .

والثاني : أن الاستثناء يعود إلى الأمن . ثم فيه قولان : أحدهما : أنه لم يثق بانصراف الحوادث عنهم . والثاني : أن الناس كانوا فيما خلا يخافون ملوك مصر ، فلا يدخلون إلا بجوارهم .

والثالث : أنه يعود إلى دخول مصر ، لأنه قال لهم هذا حين تلقاهم قبل دخولهم ، على ما سبق بيانه .

والرابع : أن " إن " بمعنى : " إذ " كقوله : إن أردن تحصنا [النور: 33] . قال ابن عباس : دخلوا مصر يومئذ وهم نيف وسبعون من ذكر وأنثى . وقال ابن مسعود : دخلوا وهم ثلاثة وتسعون ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #316  
قديم 15-08-2022, 12:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (316)
صــ 290 إلى صــ 296


ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين

قوله تعالى : " ورفع أبويه على العرش " في " أبويه " قولان قد تقدما في [ ص: 290 ] الآية التي قبلها . والعرش هاهنا : سرير المملكة ، أجلس أبويه عليه " وخروا له " يعني : أبويه وإخوته .

وفي هاء له قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى يوسف ، قاله الجمهور . قال أبو صالح عن ابن عباس : كان سجودهم كهيأة الركوع كما يفعل الأعاجم . وقال الحسن : أمرهم الله بالسجود لتأويل الرؤيا . قال ابن الأنباري : سجدوا له على جهة التحية ، لا على معنى العبادة ، وكان أهل ذلك الدهر يحيى بعضهم بعضا بالسجود والانحناء ، فحظره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أنس بن مالك قال : " قال رجل : يا رسول الله ، أحدنا يلقى صديقه ، أينحني له ؟ قال لا " .

والثاني : أنها ترجع إلى الله ، فالمعنى : وخروا لله سجدا ، رواه عطاء ، والضحاك عن ابن عباس ، فيكون المعنى : أنهم سجدوا شكرا لله إذ جمع بينهم وبين يوسف .

قوله تعالى : " هذا تأويل رؤياي " أي : تصديق ما رأيت ، وكان قد رآهم في المنام يسجدون له ، فأراه الله ذلك في اليقظة .

واختلفوا فيما بين رؤياه وتأويلها على سبعة أقوال :

أحدها : أربعون سنة ، قاله سلمان الفارسي ، وعبد الله بن شداد بن الهاد ، ومقاتل . والثاني : اثنتان وعشرون سنة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثالث : ثمانون سنة ، قاله الحسن ، والفضيل بن عياض . والرابع : ست وثلاثون سنة ، [ ص: 291 ] قاله سعيد بن جبير ، وعكرمة ، والسدي . والخامس : خمس وثلاثون سنة ، قاله قتادة . والسادس : سبعون سنة ، قاله عبد الله بن شوذب . السابع : ثماني عشرة سنة ، قاله ابن إسحاق .

قوله تعالى : " وقد أحسن بي " أي : إلي . والبدو : البسط من الأرض . وقال ابن عباس : البدو : البادية ، وكانوا أهل عمود وماشية .

قوله تعالى : " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " أي : أفسد بيننا . قال أبو عبيدة : يقال : نزغ بينهم ينزغ ، أي : أفسد وهيج ، وبعضهم يكسر زاي ينزغ . " إن ربي لطيف لما يشاء " أي : عالم بدقائق الأمور . وقد شرحنا معنى " اللطيف " في (الأنعام :102) .

فإن قيل : قد توالت على يوسف نعم خمسة ، فما اقتصاره على ذكر السجن ، وهلا ذكر الجب ، وهو أصعب ؟

فالجواب من وجوه :

أحدها : أنه ترك ذكر الجب تكرما ، لئلا يذكر إخوته صنيعهم ، وقد قال : " لا تثريب عليكم اليوم " .

والثاني : أنه خرج من الجب إلى الرق ، ومن السجن إلى الملك ، فكانت هذه النعمة أوفى .

والثالث : أن طول لبثه في السجن كان عقوبة ، له بخلاف الجب ، فشكر الله على عفوه .

قال العلماء بالسير : أقام يعقوب بعد قدومه مصر أربعا وعشرين سنة . وقال بعضهم : سبع عشرة سنة في أهنإ عيش ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى يوسف [ ص: 292 ] أن يحمل إلى الشام حتى يدفنه عند أبيه إسحاق ، ففعل به ذلك ، وكان عمره مائة وسبعا وأربعين سنة . ثم إن يوسف تاق إلى الجنة ، وعلم أن الدنيا لا تدوم فتمنى الموت ، قال ابن عباس ، وقتادة : ولم يتمن الموت نبي قبله ، فقال : " رب قد آتيتني من الملك " يعني : ملك مصر " وعلمتني من تأويل الأحاديث " وقد سبق تفسيرها [يوسف :6] .

وفي " من " قولان :

أحدهما : أنها صلة ، قاله مقاتل . والثاني : أنها للتبعيض ، لأنه لم يؤت كل الملك ، ولا كل تأويل الأحاديث .

قوله تعالى : " فاطر السماوات والأرض " قد شرحناه في (الأنعام :6) .

" أنت وليي " أي : الذي تلي أمري . " توفني مسلما " قال ابن عباس : يريد : لا تسلبني الإسلام حتى تتوفاني عليه . وكان ابن عقيل يقول : لم يتمن يوسف الموت ، وإنما سأل أن يموت على صفة ، والمعنى : توفني إذا توفيتني مسلما ، قال الشيخ : وهذا الصحيح .

قوله تعالى : " وألحقني بالصالحين " والمعنى : ألحقني بدرجاتهم ، وفيهم قولان :

أحدهما : أنهم أهل الجنة ، قاله عكرمة .

والثاني : آباؤه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، قاله الضحاك ، قالوا : فلما احتضر يوسف ، أوصى إلى يهوذا ، ومات ، فتشاح الناس في دفنه ، كل يحب أن يدفن في محلته رجاء البركة ، فاجتمعوا على دفنه في النيل ليمر الماء عليه ويصل إلى الجميع ، فدفنوه في صندوق من رخام ، فكان هنالك إلى أن حمله موسى حين خرج من مصر ودفنه بأرض كنعان . قال الحسن : مات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة . وذكر مقاتل أنه مات بعد يعقوب بسنتين .
[ ص: 293 ] ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون

قوله تعالى : " ذلك من أنباء الغيب " أي : ذلك الذي قصصنا عليك من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عنك ، فأنزله الله عليك دليلا على نبوتك . " وما كنت لديهم " أي : عند إخوة يوسف " إذ أجمعوا أمرهم " أي : عزموا على إلقائه في الجب " وهم يمكرون " بيوسف ، وفي هذا احتجاج على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ، لأنه لم يشاهد تلك القصة ، ولا كان يقرأ الكتاب ، وقد أخبر عنها بهذا الكلام المعجز ، فدل على أنه أخبر بوحي .
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين

قوله تعالى : " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " قال ابن الأنباري : إن قريشا واليهود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف وإخوته ، فشرحها شرحا شافيا ، وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم ، فخالفوا ظنه ، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعزاه الله تعالى بهذه الآية . قال الزجاج : ومعناها : وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم . " وما تسألهم عليه " أي : على القرآن وتلاوته وهدايتك إياهم " من أجر إن هو " أي : ما هو إلا تذكرة لهم لما فيه صلاحهم ونجاتهم .
وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون

قوله تعالى : " وكأين " أي : وكم " من آية " أي : علامة ودلالة تدلهم [ ص: 294 ] على توحيد الله ، من أمر السموات والأرض ، " يمرون عليها " أي : يتجاوزونها غير متفكرين ولا معتبرين .
وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون

قوله تعالى : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " فيهم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم المشركون ، ثم في معناها المتعلق بهم قولان : أحدهما : أنهم يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وهم يشركون به ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، والشعبي ، وقتادة . والثاني : أنها نزلت في تلبية مشركي العرب ، كانوا يقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : أنهم النصارى ، يؤمنون بأنه خالقهم ورازقهم ، ومع ذلك يشركون به ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أنهم المنافقون ، يؤمنون في الظاهر رئاء الناس ، وهم في الباطن كافرون ، قاله الحسن .

فإن قيل : كيف وصف المشرك بالإيمان ؟

فالجواب : أنه ليس المراد به حقيقة الإيمان ، وإنما المعنى : أن أكثرهم ، مع إظهارهم الإيمان بألسنتهم ، مشركون .
أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون

قوله تعالى : " أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله " قال ابن قتيبة : الغاشية : المجللة تغشاهم . وقال الزجاج : المعنى : يأتيهم ما يغمرهم من العذاب . والبغتة : الفجأة من حيث لم تتوقع .
[ ص: 295 ] قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين

قوله تعالى : " قل هذه سبيلي " المعنى : قل يا محمد للمشركين : هذه الدعوة التي أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها ، سبيلي ، أي : سنتي ومنهاجي . والسبيل تذكر وتؤنث ، وقد ذكرنا ذلك في (آل عمران :195) . " أدعو إلى الله على بصيرة " أي : على يقين . قال ابن الأنباري : وكل مسلم لا يخلو من الدعاء إلى الله عز وجل ، لأنه إذا تلا القرآن فقد دعا إلى الله بما فيه . ويجوز أن يتم الكلام عند قوله : " إلى الله " ، ثم ابتدأ فقال : " على بصيرة أنا ومن اتبعني " .

قوله تعالى : " وسبحان الله " المعنى : وقل : سبحان الله تنزيها له عما أشركوا .
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون

قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا " هذا نزل من أجل قولهم : هلا بعث الله ملكا ، فالمعنى : كيف تعجبوا من إرسالنا إياك ، وسائر الرسل كانوا على مثل حالك " يوحى إليهم " وقرأ حفص عن عاصم : " نوحي " بالنون . والمراد بالقرى : المدائن . وقال الحسن : لم يبعث الله نبيا من أهل البادية ، ولا من الجن ، ولا من النساء ، قال قتادة : لأن أهل القرى أعلم وأحلم من أهل العمود .

قوله تعالى : " أفلم يسيروا في الأرض " يعني : المشركين المنكرين نبوتك " فينظروا " إلى مصارع الأمم المكذبة فيعتبروا بذلك . " ولدار الآخرة " يعني : الجنة " خير " من الدنيا " للذين اتقوا " الشرك . قال الفراء : أضيفت الدار إلى الآخرة ، وهي الآخرة ، لأن العرب قد تضيف الشيء إلى نفسه إذا [ ص: 296 ] اختلف لفظه ، كقوله : لهو حق اليقين [الواقعة :96] والحق : هو اليقين ، وقولهم : أتيتك عام الأول ، ويوم الخميس .

قوله تعالى : " أفلا يعقلون " قرأ أهل المدينة ، وابن عامر ، وحفص ، والمفضل ، ويعقوب : " تعقلون " بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء ، والمعنى : أفلا يعقلون هذا فيؤمنوا .
حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين

قوله تعالى : " حتى إذا استيئس الرسل " المعنى متعلق بالآية الأولى ، فتقديره : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ، فدعوا قومهم ، فكذبوهم ، وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى إذا استيأس الرسل ، وفيه قولان :

أحدهما : استيأسوا من تصديق قومهم ، قاله ابن عباس .

والثاني : من أن نعذب قومهم ، قاله مجاهد . " وظنوا أنهم قد كذبوا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " كذبوا " مشددة الذال مضمومة الكاف ، والمعنى : وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم ، فيكون الظن هاهنا بمعنى اليقين ، هذا قول الحسن ، وعطاء ، وقتادة . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " كذبوا " خفيفة ، والمعنى : ظن قومهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر ، لأن الرسل لا يظنون ذلك . وقرأ أبو رزين ، ومجاهد ، والضحاك : " كذبوا " بفتح الكاف والذال خفيفة ، والمعنى : ظن قومهم أيضا أنهم قد كذبوا ، قاله الزجاج .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #317  
قديم 15-08-2022, 12:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (317)
صــ 297 إلى صــ 303


قوله تعالى : " جاءهم نصرنا " يعني : الرسل " فننجي من نشاء " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : " فننجي " بنونين ، الأولى [ ص: 297 ] مضمومة والثانية ساكنة والياء ساكنة . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر ، وحفص ، جميعا عن عاصم ، ويعقوب : " فنجي " مشددة الجيم مفتوحة الياء بنون واحدة ، يعني : المؤمنين ، نجوا عند نزول العذاب .
لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

قوله تعالى : " لقد كان في قصصهم " أي : في خبر يوسف وإخوته ، وروى عبد الوارث كسر القاف ، وهي قراءة قتادة ، وأبي الجوزاء . " عبرة " أي : عظة " لأولي الألباب " أي : لذوي العقول السليمة ، وذلك من وجهين :

أحدهما : ما جرى ليوسف من إعزازه وتمليكه بعد استعباده ، فإن من فعل ذلك به ، قادر على إعزاز محمد صلى الله عليه وسلم وتعلية كلمته .

والثاني : أن من تفكر ، علم أن محمدا صلى الله عليه وسلم مع كونه أميا ، لم يأت بهذه القصة على موافقة ما في التوراة من قبل نفسه ، فاستدل بذلك على صحة نبوته .

قوله تعالى : " ما كان حديثا يفترى " في المشار إليه قولان :

أحدهما أنه القرآن ، قاله قتادة .

والثاني : ما تقدم من القصص ، قاله ابن إسحاق ، فعلى القول الأول ، يكون معنى قوله : " ولكن تصديق الذي بين يديه " : ولكن كان تصديقا لما بين يديه من الكتب " وتفصيل كل شيء " يحتاج إليه من أمور الدين " وهدى " بيانا [ ص: 298 ] " ورحمة لقوم يؤمنون " أي : يصدقون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . وعلى القول الثاني وتفصيل كل شيء من نبإ يوسف وإخوته .
[ ص: 299 ]
سُورَةُ الرَّعْدِ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا


اخْتَلَفُوا فِي نُزُولِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعَطَاءٌ ، وَقَتَادَةُ . وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْهَا ، قَوْلُهُ : وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [الرَّعْدُ :31] ، وَقَوْلُهُ : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا [الرَّعْدِ :43] .

وَالثَّانِي : أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، رَوَاهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيّ ُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ جَابِرُ ابْنُ زَيْدٍ . وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، إِلَّا آيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِمَكَّةَ ، وَهُمَا قَوْلُهُ : وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ . . إِلَى آخِرِهَا [الرَّعْدِ :31] . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَدَنِيُّ مِنْهَا قَوْلُهُ : هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ إِلَى قَوْلِهِ : لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ [الرَّعْدِ :14] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ ص: 300 ] الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : " آلمر " قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ (الْبَقَرَةِ) جُمْلَةً مِنَ الْكَلَامِ فِي مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّ مَعْنَاهَا : أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى ، رَوَاهُ أَبُو الضُّحَى عَنْهُ . وَالثَّانِي : أَنَا اللَّهُ أَرَى ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ . وَالثَّالِثُ : أَنَا اللَّهُ الْمَلِكُ الرَّحْمَنُ ، رَوَاهُ عَطَاءٌ عَنْهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ " فِي " تِلْكَ " قَوْلَانِ ، وَفِي " الْكِتَابِ " قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ (يُونُسَ) .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ " يَعْنِي : الْقُرْآنَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْوَحْيِ " وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي : أَهْلَ مَكَّةَ . قَالَ الزَّجَّاجُ : لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، عَرَّفَ الدَّلِيلَ الَّذِي يُوجِبُ التَّصْدِيقَ بِالْخَالِقِ فَقَالَ : " اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ " قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ : الْعَمَدُ : مُتَحَرِّكُ الْحُرُوفِ بِالْفَتْحَةِ ، وَبَعْضُهُمْ يُحَرِّكُهَا بِالضَّمَّةِ ، لِأَنَّهَا جَمْعُ عَمُودٍ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ، لِأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ هِجَاؤُهَا أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ الثَّالِثُ مِنْهَا أَلِفٌ أَوْ يَاءٌ أَوْ وَاوٌ ، فَجَمِيعُهُ مَضْمُومُ الْحُرُوفِ ، نَحْوُ رَسُولٍ ، وَالْجَمْعُ : رُسُلٌ ، وَحِمَارٌ ، وَالْجَمْعُ : حُمُرٌ ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ أَسَامٍ اسْتَعْمَلُوا جَمِيعَهَا بِالْحَرَكَةِ وَالْفَتْحَةِ ، نَحْوُ عَمُودٍ ، وَأَدِيمٍ ، وَإِهَابٍ ، قَالُوا : أَدَمٌ ، [ ص: 301 ] وَأَهَبٌ . وَمَعْنَى " عَمَدٍ " : سَوَارٍ ، وَدَعَائِمُ ، وَمَا يَعْمِدُ الْبِنَاءَ . وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ : " بِغَيْرِ عُمُدٍ " بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ .

وَفِي قَوْلِهِ : " تَرَوْنَهَا " قَوْلَانِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَاءَ الْكِنَايَةِ تَرْجِعُ إِلَى السَّمَوَاتِ ، فَالْمَعْنَى : تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ ، وَالْجُمْهُورُ . وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : " تَرَوْنَهَا " خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ ، وَالْمَعْنَى : رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِلَا دِعَامَةٍ تُمْسِكُهَا ، ثُمَّ قَالَ : " تَرَوْنَهَا " أَيْ : مَا تُشَاهِدُونَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ ، يُغْنِيكُمْ عَنْ إِقَامَةِ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِ .

وَالثَّانِي : أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الْعَمَدِ ، فَالْمَعْنَى : إِنَّهَا بِعَمْدٍ لَا تَرَوْنَهَا ، رَوَاهُ عَطَاءٌ ، وَالضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَالَ : لَهَا عَمَدٌ عَلَى قَافٍ ، وَلَكِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ الْعَمَدَ ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ " أَيْ : ذَلَّلَهُمَا لِمَا يُرَادُ مِنْهُمَا " كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى " أَيْ : إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ ، وَهُوَ فَنَاءُ الدُّنْيَا . " يُدَبِّرُ الأَمْرَ " أَيْ : يُصَرِّفُهُ بِحِكْمَتِهِ . " يُفَصِّلُ الآيَاتِ " أَيْ : يُبَيِّنُ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْبَعْثِ لِكَيْ تُوقِنُوا بِذَلِكَ . وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ ، وَقَتَادَةُ ، وَالنَّخَعِيُّ : " نُدَبِّرُ الْأَمْرَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ " بِالنُّونِ فِيهِمَا .
[ ص: 302 ] وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون

قوله تعالى : " وهو الذي مد الأرض " قال ابن عباس : بسطها على الماء .

قوله تعالى : " وجعل فيها رواسي " قال الزجاج : أي جبالا ثوابت ، يقال : رسا الشيء يرسو رسوا ، فهو راس : إذا ثبت . و " جعل فيها زوجين اثنين " أي : نوعين . والزوج : الواحد الذي له قريب من جنسه ، قال المفسرون : ويعني بالزوجين : الحلو والحامض ، والعذب والملح ، والأبيض والأسود .

قوله تعالى : " يغشي الليل النهار " قد شرحناه في (الأعراف :54) .
وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون

قوله تعالى : " وفي الأرض قطع متجاورات " فيها قولان :

أحدهما : أنها الأرض السبخة ، والأرض العذبة ، تنبت هذه ، وهذه إلى جنبها لا تنبت ، هذا قول ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، والضحاك .

والثاني : أنها القرى المتجاورات ، قاله قتادة ، وابن قتيبة ، وهو يرجع إلى معنى الأول .

قوله تعالى : " وزرع ونخيل " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : " وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان " رفعا في الكل . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " وزرع ونخيل صنوان [ ص: 303 ] وغير صنوان " خفضا في الكل . قال أبو علي : من رفع ، فالمعنى : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات ، وفي الأرض زرع ، ومن خفض حمله على الأعناب ، فالمعنى : جنات من أعناب ، ومن زرع ، ومن نخيل .

قوله تعالى : " صنوان وغير صنوان " هذا من صفة النخيل . قال الزجاج : الصنوان : جمع صنو وصنو ، ومعناه : أن يكون الأصل واحدا وفيه النخلتان والثلاث والأربع . وكذلك قال المفسرون : الصنوان : النخل المجتمع وأصله واحد ، وغير صنوان : المتفرق . وقرأ أبو رزين ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وابن جبير ، وقتادة : " صنوان " بضم الصاد . قال الفراء : لغة أهل الحجاز " صنوان " بكسر الصاد ، وتميم وقيس يضمون الصاد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #318  
قديم 15-08-2022, 12:03 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الرَّعْدِ
الحلقة (318)
صــ 304 إلى صــ 310



قوله تعالى : " تسقى بماء واحد " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو " تسقى " بالتاء ، " ونفضل " بالنون . وقرأ حمزة ، والكسائي ، " تسقى " بالتاء أيضا ، لكنهما أمالا القاف . وقرأ الحسن " ويفضل " بالياء . وقرأ عاصم ، وابن عامر " يسقى " بالياء ، " ونفضل " بالنون ، وكلهم كسر الضاد . وروى الحلبي عن عبد الوارث ضم الياء من " يفضل " وفتح الضاد ، " بعضها " برفع الضاد . وقال الفراء : من قرأ " تسقى " بالتاء ذهب إلى تأنيث الزرع ، والجنات ، والنخيل ، ومن كسر ذهب إلى النبت ، وذلك كله يسقى بماء واحد ، وأكله مختلف حامض وحلو ، ففي هذا آية . قال المفسرون : الماء الواحد : ماء المطر ، والأكل : الثمر ، بعضه أكبر من بعض ، وبعضه أفضل من بعض ، وبعضه حامض وبعضه حلو ، إلى غير ذلك ، وفي هذا دليل على بطلان قول الطبائعيين ، لأنه لو كان حدوث الثمر على طبع الأرض والهواء والماء ، وجب أن يتفق ما يحدث لاتفاق ما أوجب [ ص: 304 ] الحدوث ، فلما وقع الاختلاف ، دل على مدبر قادر ، " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " أنه لا تجوز العبادة إلا لمن يقدر على هذا .
وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

قوله تعالى : " وإن تعجب " أي : من تكذيبهم وعبادتهم مالا ينفع ولا يضر بعدما رأوا من تأثير قدرة الله عز وجل في خلق الأشياء ، فإنكارهم البعث موضع عجب . وقيل : المعنى وإن تعجب بما وقفت عليه من القطع المتجاورات وقدرة ربك في ذلك ، فعجب جحدهم البعث ، لأنه قد بان لهم من خلق السموات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة .

قوله تعالى : " أإذا كنا ترابا " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو " آيذا كنا ترابا آينا " جميعا بالاستفهام ، غير أن أبا عمرو يمد الهمزة ثم يأتي بالياء ساكنة ، وابن كثير يأتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد . وقرأ نافع " آيذا " مثل أبي عمرو ، واختلف عنه في المد ، وقرأ " إنا لفي خلق " مكسورة على الخبر . وقرأ عاصم ، وحمزة " أإذا كنا " " أإنا " بهمزتين فيهما . وقرأ ابن عامر " إذا كنا ترابا " مكسورة الألف من غير استفهام ، " آإنا " يهمز ثم يمد ثم يهمز على وزن : عاعنا . وروي عن ابن عامر أيضا " أإذا " بهمزتين لا ألف بينهما .

والأغلال جمع غل ، وفيها قولان : أحدهما : أنها أغلال يوم القيامة ، قاله الأكثرون . والثاني : أنها الأعمال التي هي أغلال ، قاله الزجاج .
[ ص: 305 ] ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال

قوله تعالى : " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة " اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها نزلت في كفار مكة ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب ، استهزاء منهم بذلك ، قاله ابن عباس .

والثاني : في مشركي العرب ، قاله قتادة .

والثالث : في النضر بن الحارث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، قاله مقاتل .

وفي السيئة والحسنة قولان :

أحدهما : بالعذاب قبل العافية ، قاله ابن عباس ، ومقاتل .

والثاني : بالشر قبل الخير ، قاله قتادة .

فأما " المثلات " فقرأ الجمهور بفتح الميم . وقرأ عثمان ، وأبو رزين ، وأبو مجلز ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والحسن ، وابن أبي عبلة برفع الميم .

ثم في معناها قولان :

أحدهما : أنها العقوبات ، قاله ابن عباس . وقال الزجاج : المعنى : قد تقدم [ ص: 306 ] من العذاب ما هو مثله وما فيه نكال ، لو أنهم اتعظوا . وقال ابن الأنباري : المثلة : العقوبة التي تبقي في المعاقب شينا بتغيير بعض خلقه ، من قولهم : مثل فلان بفلان ، إذا شان خلقه بقطع أنفه أو أذنه ، أو سمل عينيه أو نحو ذلك .

والثاني : أن المثلات : الأمثال التي ضربها الله عز وجل لهم ، قاله مجاهد ، وأبو عبيدة .

قوله تعالى : " وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم " قال ابن عباس : لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا ، وشديد العقاب للمصرين على الشرك . وقال مقاتل : لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب ، وإنه لشديد العقاب إذا عذب .

فصل

وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به [النساء :48] ، والمحققون على أنها محكمة .

قوله تعالى : " لولا أنزل عليه آية من ربه " " لولا " بمعنى هلا ، والآية التي طلبوها ، مثل عصا موسى وناقة صالح . ولم يقنعوا بما رأوا ، فقال الله تعالى : " إنما أنت منذر " أي : مخوف عذاب الله ، وليس لك من الآيات شيء .

وفي قوله : " ولكل قوم هاد " ستة أقوال :

[ ص: 307 ] أحدها : أن المراد بالهادي : الله عز وجل ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، والنخعي ، فيكون المعنى : إنما إليك الإنذار ، والله الهادي .

والثاني : أن الهادي : الداعي ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثالث : أن الهادي النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن ، وعطاء ، وقتادة ، وابن زيد ، فالمعنى : ولكل قوم نبي ينذرهم .

والرابع : أن الهادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ، قاله عكرمة ، وأبو الضحى ، والمعنى : أنت منذر ، وأنت هاد .

والخامس : أن الهادي : العمل ، قاله أبو العالية .

والسادس : أن الهادي : القائد إلى الخير أو إلى الشر ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

وقد روى المفسرون من طرق ليس فيها ما يثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية ، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره ، فقال : " أنا المنذر " ، وأومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : " أنت الهادي يا علي بك يهتدى من بعدي " . قال المصنف : " وهذا من موضوعات الرافضة .

[ ص: 308 ] ثم إن الله تعالى أخبرهم عن قدرته ، ردا على منكري البعث ، فقال : " الله يعلم ما تحمل كل أنثى " أي : من علقة أو مضغة ، أو زائد أو ناقص ، أو ذكر أو أنثى ، أو واحد أو اثنين أو أكثر ، " وما تغيض الأرحام " أي : وما تنقص ، " وما تزداد " وفيه أربعة أقوال :

أحدها : ما تغيض : بالوضع لأقل من تسعة أشهر ، وما تزداد : بالوضع لأكثر من تسعة أشهر ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، ومقاتل ، وابن قتيبة ، والزجاج .

والثاني : وما تغيض : بالسقط الناقص ، وما تزداد : بالولد التام ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وعن الحسن كالقولين .

والثالث : وما تغيض : بإراقة الدم في الحمل حتى يتضاءل الولد ، وما تزداد : إذا أمسكت الدم فيعظم الولد ، قاله مجاهد .

والرابع : ما تغيض الأرحام : من ولدته من قبل ، وما تزداد : من تلده من بعد ، روي عن قتادة ، والسدي .

قوله تعالى : " وكل شيء عنده بمقدار " أي : بقدر . قال أبو عبيدة : هو مفعال من القدر . قال ابن عباس : علم كل شيء فقدره تقديرا .

قوله تعالى : " عالم الغيب والشهادة " قد شرحنا ذلك في (الأنعام :6) . و " الكبير " بمعنى : العظيم ، ومعناه : يعود إلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلو ، فهو أكبر من كل كبير ، لأن كل كبير يصغر بالإضافة إلى عظمته . ويقال : " الكبير " الذي كبر عن مشابهة المخلوقين .

فأما " المتعال " فقرأ ابن كثير " المتعالي " بياء في الوصل والوقف ، وكذلك [ ص: 309 ] روى عبد الوارث عن أبي عمرو ، وأثبتها في الوقف دون الوصل ابن شنبوذ عن قنبل ، والباقون بغير ياء في الحالين . والمتعالي هو المتنزه عن صفات المخلوقين ، قال الخطابي : وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه . وروي عن الحسن أنه قال : المتعالي عما يقول المشركون .
سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار

قوله تعالى : " سواء منكم " قال ابن الأنباري : ناب " سواء " عن مستو ، والمعنى : مستو منكم " من أسر القول " أي : أخفاه وكتمه " ومن جهر به " أعلنه وأظهره ، والمعنى : أن السر والجهر سواء عنده .

قوله تعالى : " ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " فيه قولان :

أحدهما : أن المستخفي : هو المستتر المتواري في ظلمة الليل ، والسارب بالنهار : الظاهر المتصرف في حوائجه . يقال : سربت الإبل تسرب : إذا مضت في الأرض ظاهرة ، وأنشدوا :


أرى كل قوم قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب


[ ص: 310 ] أي : ذاهب . ومعنى الكلام : أن الظاهر والخفي عنده سواء ، هذا قول الأكثرين . وروى العوفي عن ابن عباس : " ومن هو مستخف " قال : صاحب ريبة بالليل ، فإذا خرج بالنهار ، أرى الناس أنه بريء من الإثم .

والثاني : أن المستخفي بالليل : الظاهر ، والسارب بالنهار : المستتر ، يقال : انسرب الوحش : إذا دخل في كناسه ، وهذا قول الأخفش ، وذكره قطرب أيضا ، واحتج له ابن جرير بقولهم : خفيت الشيء : إذا أظهرته ، ومنه أكاد أخفيها [طه :15] بفتح الألف ، أي : أظهرها ، قال : وإنما قيل للمتواري : سارب ، لأنه صار في السرب مستخفيا .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #319  
قديم 15-08-2022, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الرَّعْدِ
الحلقة (319)
صــ 311 إلى صــ 317


له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال

قوله تعالى : " له معقبات " في هاء له أربعة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس .

والثاني : إلى الملك من ملوك الدنيا ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثالث : إلى الإنسان ، قاله الزجاج .

والرابع : إلى الله تعالى ، ذكره ابن جرير ، وأبو سليمان الدمشقي .

وفي المعقبات قولان :

أحدهما : أنها الملائكة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة في آخرين . قال الزجاج : والمعنى : للإنسان ملائكة يعتقبون ، يأتي بعضهم بعقب بعض . وقال أكثر المفسرين : هم الحفظة ، اثنان بالنهار [ ص: 311 ] واثنان بالليل ، إذا مضى فريق ، خلف بعده فريق ، ويجتمعون عند صلاة المغرب والفجر . وقال قوم ، منهم ابن زيد : هذه الآية خاصة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عزم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على قتله ، فمنعه الله منهما ، وأنزل هذه الآية .

والقول الثاني : أن المعقبات حراس الملوك الذين يتعاقبون الحرس ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وعكرمة . وقال الضحاك : هم السلاطين المشركون المحترسون من الله تعالى .

وفي قوله : " يحفظونه من أمر الله " سبعة أقوال :

أحدها : يحرسونه من أمر الله ولا يقدرون ، هذا على قول من قال : هي في المشركين المحترسين من أمر الله .

والثاني : أن المعنى : حفظهم له من أمر الله ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، فيكون تقدير الكلام : هذا الحفظ مما أمرهم الله به .

والثالث : يحفظونه بأمر الله ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وعكرمة . قال اللغويون : والباء تقوم مقام " من " ، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض .

[ ص: 312 ] والرابع : يحفظونه من الجن ، قاله مجاهد ، والنخعي . وقال كعب : لولا أن الله تعالى وكل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم ، إذا لتخطفتكم الجن . وقال مجاهد : ما من عبد إلا وملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فإذا أراده شيء ، قال : وراءك وراءك ، إلا شيء قد قضي له أن يصيبه . وقال أبو مجلز : جاء رجل من مراد إلى علي عليه السلام ، فقال : احترس فإن ناسا من مراد يريدون قتلك ، فقال : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، وإن الأجل جنة حصينة .

والخامس : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والمعنى : له معقبات من أمر الله يحفظونه ، قاله أبو صالح ، والفراء .

والسادس : يحفظونه لأمر الله فيه حتى يسلموه إلى ما قدر له ، ذكره أبو سليمان الدمشقي ، واستدل بما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : يحفظونه من أمر الله ، حتى إذا جاء القدر خلوا عنه ، وقال عكرمة : يحفظونه لأمر الله .

والسابع : يحفظون عليه الحسنات والسيئات ، قاله ابن جريج . قال الأخفش : وإنما أنث المعقبات لكثرة ذلك منها ، نحو النسابة ، والعلامة ، ثم ذكر في قوله : " يحفظونه " لأن المعنى مذكر .

قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم " أي : يسلبهم نعمه " حتى يغيروا ما بأنفسهم " فيعملوا بمعاصيه . قال مقاتل : ويعني بذلك كفار مكة .

قوله تعالى : " وإذا أراد الله بقوم سوءا " فيه قولان :

أحدهما : أنه العذاب . والثاني : البلاء .

قوله تعالى : " فلا مرد له " أي : لا يرده شيء ولا تنفعه المعقبات .

[ ص: 313 ] " وما لهم من دونه " يعني : من دون الله " من وال " أي : من ولي يدفع عنهم العذاب والبلاء .
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال

قوله تعالى : " هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا " فيه أربعة أقوال :

أحدها : خوفا للمسافر وطمعا للمقيم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال قتادة : فالمسافر خاف أذاه ومشقته والمقيم يرجو منفعته .

والثاني : خوفا من الصواعق وطمعا في الغيث ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الحسن .

والثالث : خوفا للبلد الذي يخاف ضرر المطر وطمعا لمن يرجو الانتفاع به ، ذكره الزجاج .

والرابع : خوفا من العقاب وطمعا في الثواب ، ذكره الماوردي . وكان ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد يقول : إن هذا وعيد شديد لأهل الأرض .

قوله تعالى : " وينشئ السحاب الثقال " أي : ويخلق السحاب الثقال بالماء . قال الفراء : السحاب ، وإن كان لفظه واحدا ، فإنه جمع واحدته سحابة ، جعل نعته على الجمع ، كما قال : متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان [الرحمن :76] ولم يقل : أخضر ، ولا حسن .
ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال

قوله تعالى : " ويسبح الرعد بحمده " فيه قولان : [ ص: 314 ] أحدهما : أنه اسم الملك الذي يزجر السحاب ، وصوته : تسبيحه ، قاله مقاتل .

والثاني : أنه الصوت المسموع . وإنما خص الرعد بالتسبيح ، لأنه من أعظم الأصوات . قال ابن الأنباري : وإخباره عن الصوت بالتسبيح مجاز ، كما يقول القائل : قد غمني كلامك .

قوله تعالى : " والملائكة من خيفته " في هاء الكناية قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، وهو الأظهر . قال ابن عباس : يخافون الله ، وليس كخوف ابن آدم ، لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره ، ولا يشغله عن عبادة الله شيء .

والثاني : أنها ترجع إلى الرعد ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء " اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها نزلت في أربد بن قيس ، وعامر بن الطفيل ، أتيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان الفتك به ، فقال : " اللهم اكفنيهما بما شئت " ، فأما أربد فأرسل الله عليه صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته ، وأما عامر فأصابته غدة فهلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، هذا قول الأكثرين ، منهم ابن جريج ، وأربد هو أخو لبيد بن ربيعة لأمه .

[ ص: 315 ] والثاني : أنها نزلت في رجل جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حدثني يا محمد عن إلهك : أياقوت هو ؟ أذهب هو ؟ فنزلت على السائل صاعقة فأحرقته ، ونزلت هذه الآية ، قاله علي عليه السلام . قال مجاهد : وكان يهوديا . وقال أنس بن مالك : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض فراعنة العرب يدعوه إلى الله تعالى ، فقال للرسول : وما الله ، أمن ذهب هو ، أم من فضة ، أم من نحاس ؟ فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " ارجع إليه فادعه " فرجع ، فأعاد عليه الكلام ، إلى أن رجع إليه ثالثة ، فبينما هما يتراجعان الكلام ، إذ بعث الله سحابة حيال رأسه ، فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه ، ونزلت هذه الآية .

والثالث : أنها في رجل أنكر القرآن وكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله عليه صاعقة فأهلكته ، ونزلت هذه الآية ، قاله قتادة .

قوله تعالى : " وهم يجادلون في الله " فيه قولان :

أحدهما : يكذبون بعظمة الله ، قاله ابن عباس .

والثاني : يخاصمون في الله ، حيث قال قائلهم : أهو من ذهب ، أم من فضة ؟ على ما تقدم بيانه .

قوله تعالى : " وهو شديد المحال " فيه خمسة أقوال :

[ ص: 316 ] أحدها : شديد الأخذ ، قاله علي عليه السلام .

والثاني : شديد المكر ، شديد العداوة ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : شديد العقوبة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وقال مجاهد في رواية عنه : شديد الانتقام . وقال أبو عبيدة : شديد العقوبة والمكر والنكال ، وأنشد للأعشى :


فرع نبع يهتز في غصن المجـ ـد ، غزير الندى ، شديد المحال

إن يعاقب يكن غراما وإن يعـ
ـط جزيلا فإنه لا يبالي


وقال ابن قتيبة : شديد المكر واليد ، وأصل المحال : الحيلة

والرابع : شديد القوة ، قاله مجاهد . قال الزجاج : يقال : ماحلته محالا : إذا قاويته حتى تبين له أيكما الأشد ، والمحل في اللغة : الشدة .

والخامس : شديد الحقد ، قاله الحسن البصري فيما سمعناه عنه مسندا من طرق ، وقد رواه عنه جماعة من المفسرين منهم ابن الأنباري ، والنقاش ، ولا يجوز هذا في صفات الله تعالى . قال النقاش : هذا قول منكر عند أهل الخبر والنظر في اللغة لا يجوز أن تكون هذه صفة من صفات الله عز وجل . والذي أختاره في هذا ما قاله علي عليه السلام : شديد الأخذ ، يعني : أنه إذا أخذ الكافر والظالم لم يفلته من عقوباته .
[ ص: 317 ] له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال

قوله تعالى : " له دعوة الحق " فيه قولان :

أحدهما : أنها كلمة التوحيد ، وهي : لا إله إلا الله ، قاله علي ، وابن عباس ، والجمهور ، فالمعنى: له من خلقه الدعوة الحق ، فأضيفت الدعوة إلى الحق ، لاختلاف اللفظين .

والثاني : أن الله عز وجل هو الحق ، فمن دعاه دعا الحق ، قاله الحسن .

قوله تعالى : " والذين يدعون من دونه " يعني : الأصنام يدعونها آلهة . قال أبو عبيدة : المعنى : والذين يدعون غيره من دونه .

قوله تعالى : " لا يستجيبون لهم " أي : لا يجيبونهم .

قوله تعالى : " إلا كباسط كفيه إلى الماء " فيه خمسة أقوال :

أحدها : أنه العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه ، قاله علي عليه السلام ، وعطاء .

والثاني : أنه الرجل العطشان قد وضع كفيه في الماء وهو لا يرفعهما ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أنه العطشان يرى خياله في الماء من بعيد ، فهو يريد أن يتناوله فلا يقدر عليه ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والرابع : أنه الرجل يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا ، قاله مجاهد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #320  
قديم 15-08-2022, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الرَّعْدِ
الحلقة (320)
صــ 318 إلى صــ 324


والخامس : أنه الباسط كفيه ليقبض على الماء حتى يؤديه إلى فيه ، لا يتم [ ص: 318 ] له ذلك ، والعرب تقول : من طلب ما لا يجد فهو القابض على الماء ، وأنشدوا :


وإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله


أي : لم تحمله ، والوسق : الحمل ، وقال آخر :


فأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد


هذا قول أبي عبيدة ، وابن قتيبة .

قوله تعالى : " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ، فيه قولان :

أحدهما : وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال ، لأن أصواتهم محجوبة عن الله ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : وما عبادة الكافرين الأصنام إلا في خسران وباطل ، قاله مقاتل .
ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال

قوله تعالى : " ولله يسجد من في السماوات " أي : من الملائكة ، ومن في الأرض من المؤمنين " طوعا وكرها " .

وفي معنى سجود الساجدين كرها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه سجود من دخل في الإسلام بالسيف ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنه سجود ظل الكافر ، قاله مقاتل .

[ ص: 319 ] والثالث : أن سجود الكاره تذلله وانقياده لما يريده الله منه من عافية ومرض وغنى وفقر .

قوله تعالى : " وظلالهم " أي : وتسجد ظلال الساجدين طوعا وكرها ، وسجودها : تمايلها من جانب إلى جانب ، وانقيادها للتسخير بالطول والقصر ، قال ابن الأنباري : قال اللغويون : الظل ما كان بالغدوات قبل انبساط الشمس ، والفيء ما كان بعد انصراف الشمس ، وإنما سمي فيئا ، لأنه فاء ، أي : رجع إلى الحال التي كان عليها قبل أن تنبسط الشمس ، وما كان سوى ذلك فهو ظل ، نحو ظل الإنسان ، وظل الجدار ، وظل الثوب ، وظل الشجرة ، قال حميد بن ثور :


فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق


وقال لبيد :


بينما الظل ظليل مونق طلعت شمس عليه فاضمحل


وقال آخر :


أيا أثلات القاع من بطن توضح حنيني إلى أظلالكن طويل


وقيل : إن الكافر يسجد لغير الله ، وظله يسجد لله . وقد شرحنا معنى الغدو والآصال في (الأعراف :7) .
[ ص: 320 ] قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار

قوله تعالى : " قل من رب السماوات والأرض قل الله " إنما جاء السؤال والجواب من جهة ، لأن المشركين لا ينكرون أن الله خالق كل شيء ، فلما لم ينكروا ،كان كأنهم أجابوا . ثم ألزمهم الحجة بقوله : " قل أفاتخذتم من دونه أولياء " يعني : الأصنام توليتموهم فعبدتموهم وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، فكيف لغيرهم ؟ ثم ضرب مثلا للذي يعبد الأصنام والذي يعبد الله بقوله : " قل هل يستوي الأعمى والبصير " يعني المشرك والمؤمن " أم هل تستوي الظلمات والنور " وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " تستوي " بالتاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " يستوي " بالياء . قال أبو علي : التأنيث حسن ، لأنه فعل مؤنث ، والتذكير سائغ ، لأنه تأنيث غير حقيقي . ويعني بالظلمات والنور : الشرك والإيمان . " أم جعلوا لله شركاء " قال ابن الأنباري : معناه : أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ، فتشابه خلق الله بخلق هؤلاء ؟ وهذا استفهام إنكار ، والمعنى : ليس الأمر على هذا ، بل إذا فكروا علموا أن الله هو المنفرد بالخلق ، وغيره لا يخلق شيئا .

قوله تعالى : " قل الله خالق كل شيء " قال الزجاج : قل ذلك وبينه بما أخبرت به من الدلالة في هذه السورة مما يدل على أنه خالق كل شيء ، وقد ذكرنا في (يوسف :39) معنى الواحد القهار .
[ ص: 321 ] أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد

قوله تعالى : " أنزل من السماء ماء " يعني : المطر " فسالت أودية " وهي جمع واد ، وهو كل منفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر فيسيل " بقدرها " أي : بمبلغ ما تحمل ، فإن صغر الوادي ، قل الماء ، وإن هو اتسع ، كثر . وقرأ الحسن ، وابن جبير ، وأبو العالية ، وأيوب ، وابن يعمر ، وأبو حاتم عن يعقوب : " بقدرها " بإسكان الدال . وقوله : " فسالت أودية " توسع في الكلام ، والمعنى : سالت مياهها ، فحذف المضاف ، وكذلك قوله : " بقدرها " أي : بقدر مياهها . " فاحتمل السيل زبدا رابيا " أي : عاليا فوق الماء ، فهذا مثل ضربه الله عز وجل . ثم ضرب مثلا آخر ، فقال : " ومما توقدون عليه في النار " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " توقدون عليه " بالتاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم بالياء . قال أبو علي : من قرأ بالتاء ، فلما قبله من الخطاب ، وهو قوله : " أفاتخذتم " ، ويجوز أن يكون خطابا عاما للكافة ، ومن قرأ بالياء فلأن ذكر الغيبة قد تقدم في قوله : " أم جعلوا لله شركاء " .

[ ص: 322 ] ويعني بقوله : " ومما توقدون عليه " ما يدخل إلى النار فيذاب من الجواهر " ابتغاء حلية " يعني : الذهب والفضة " أو متاع " يعني : الحديد والصفر والنحاس والرصاص تتخذ منه الأواني والأشياء التي ينتفع بها ، " زبد مثله " أي : له زبد إذا أذيب مثل زبد السيل ، فهذا مثل آخر .

وفيما ضرب له هذان المثلان ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه القرآن ، شبه نزوله من السماء بالماء ، وشبه قلوب العباد بالأودية تحمل منه على قدر اليقين والشك ، والعقل والجهل ، فيستكن فيها ، فينتفع المؤمن بما في قلبه كانتفاع الأرض التي يستقر فيها المطر ، ولا ينتفع الكافر بالقرآن لمكان شكه وكفره ، فيكون ما حصل عنده من القرآن كالزبد وكخبث الحديد لا ينتفع به .

والثاني : أنه الحق والباطل ، فالحق شبه بالماء الباقي الصافي ، والباطل مشبه بالزبد الذاهب ، فهو وإن علا على الماء فإنه سيمحق ، كذلك الباطل ، وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال ، فإن الله سيبطله .

والثالث : أنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فمثل المؤمن واعتقاده وعمله كالماء المنتفع به ، ومثل الكافر واعتقاده وعمله كالزبد .

قوله تعالى : " كذلك " أي : كما ذكر هذا ، يضرب الله مثل الحق والباطل . وقال أبو عبيدة : كذلك يمثل الله الحق ويمثل الباطل .

فأما الجفاء ، فقال ابن قتيبة : هو ما رمى به الوادي إلى جنباته ، يقال : أجفأت القدر بزبدها : إذا ألقته عنها . قال ابن فارس : الجفاء : ما نفاه السيل ، ومنه اشتقاق الجفاء . وقال ابن الأنباري : " جفاء " أي : باليا متفرقا . قال ابن عباس : إذا مس الزبد لم يكن شيئا .

[ ص: 323 ] قوله تعالى : " وأما ما ينفع الناس " من الماء والجواهر التي زال زبدها " فيمكث في الأرض " فينتفع به " كذلك " يبقى الحق لأهله .

قوله تعالى : " للذين استجابوا لربهم " يعني : المؤمنين ، " والذين لم يستجيبوا له " يعني : الكفار . قال أبو عبيدة : استجبت لك واستجبتك سواء ، وهو بمعنى : أجبت .

وفي الحسنى ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها الجنة ، قاله ابن عباس ، والجمهور . والثاني : أنها الحياة والرزق ، قاله مجاهد . والثالث : كل خير من الجنة فما دونها ، قاله أبو عبيدة .

قوله تعالى : " لافتدوا به " أي : لجعلوه فداء أنفسهم من العذاب ، ولا يقبل منهم . وفي سوء الحساب ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها المناقشة بالأعمال ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس . وقال النخعي : هو أن يحاسب بذنبه كله ، فلا يغفر له منه شيء .

والثاني : أن لا تقبل منهم حسنة ، ولا يتجاوز لهم عن سيئة .

والثالث : أنه التوبيخ والتقريع عند الحساب .
أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب

قوله تعالى : " أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى " قال ابن عباس : نزلت في حمزة ، وأبي جهل . " إنما يتذكر " أي : إنما يتعظ ذوو العقول . والتذكر : الاتعاظ .
[ ص: 324 ] الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب

قوله تعالى : " الذين يوفون بعهد الله: " في هذا العهد قولان :

أحدهما : أنه ما عاهدهم عليه حين استخرجهم من ظهر آدم .

والثاني : ما أمرهم به وفرضه عليهم . وفي الذي أمر الله به ، عز وجل ، أن يوصل ، ثلاثة أقوال قد نسبناها إلى قائلها في أول سورة (البقرة :27) ، وقد ذكرنا سوء الحساب آنفا .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 464.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 458.86 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]