تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 31 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ما هي أبرز أسباب تأخر النطق عند الأطفال؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          أعشاب تدر الحليب: تعرف عليها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أطعمة خالية من اللاكتوز: قائمة بأفضلها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          علاج هشاشة العظام بالأكل: هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علاج التجشؤ بالأعشاب: 7 أعشاب فعالة ومجربة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حمية dna: خطوة نحو تغذية مخصصة لصحتك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          كيف يتم علاج سوء التغذية؟ دليلك الشامل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          دليلك للأكل الصحي عند الإصابة بالتسمم الغذائي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          7 أطعمة تسبب الغازات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          علاج العصبية: كيف تتحكم بانفعالاتك بعقلانية وهدوء؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #301  
قديم 14-08-2022, 11:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد





تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (301)
صــ 185 إلى صــ 191



قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين
قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون

قوله تعالى : " قال قائل منهم " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يهوذا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال وهب بن منبه ، [ ص: 185 ] والسدي ، ومقاتل . والثاني : أنه شمعون ، قاله مجاهد . والثالث : روبيل ، قاله قتادة ، وابن إسحاق . فأما غيابة الجب ، فقال أبو عبيدة : كل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة ، والجب : الركية التي لم تطو . وقال الزجاج : الغيابة : كل ما غاب عنك ، أو غيب شيئا عنك ، قال المنخل :


فإن أنا يوما غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل


والجب : البئر التي لم تطو ; سميت جبا من أجل أنها قطعت قطعا ، ولم يحدث فيها غير القطع من طي وما أشبهه . وقال ابن عباس : " في غيابة الجب " أي : في ظلماته . وقال الحسن : في قعره . وقرأ نافع : " غيابات الجب " فجعل كل منه غيابة . وروى خارجة عن نافع : " غيابات " بتشديد الياء . وقرأ الحسن ، وقتادة ، ومجاهد : " غيبة الجب " بغير ألف مع إسكان الياء . وأين كان هذا الجب ، فيه قولان :

أحدهما : بأرض الأردن ، قاله وهب . وقال مقاتل : هو بأرض الأردن على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب . والثاني : ببيت المقدس ، قاله قتادة .

قوله تعالى : " يلتقطه بعض السيارة " قال ابن عباس : يأخذه بعض من يسير . " إن كنتم فاعلين " أي : إن أضمرتم له ما تريدون . وأكثر القراء قرؤوا " يلتقطه " بالياء . وقرأ الحسن ، وقتادة ، وابن أبي عبلة بالتاء . قال الزجاج : وجميع النحويين يجيزون ذلك ، لأن بعض السيارة سيارة ، فكأنه قال : تلتقطه سيارة بعض السيارة . وقال ابن الأنباري : من قرأ بالتاء فقد أنث فعل بعض ، وبعض مذكر ، وإنما فعل ذلك حملا على المعنى ، إذ التأويل : تلتقطه السيارة ، قال الشاعر :


رأت مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال


[ ص: 186 ] أراد : رأت السنين ، وقال الآخر :


طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي


أراد : الليالي أسرعت ، وقال جرير :


لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع


أراد : تواضعت المدينة ، وقال الآخر :


وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم


أراد : كما شرقت القناة .

قال المفسرون : فلما عزم القوم على كيد يوسف ، قالوا لأبيه : " ما لك لا تأمنا " قرأ الجماعة " تأمنا " بفتح الميم وإدغام النون الأولى في الثانية والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضم ; قال مكي : لأن الأصل " تأمننا " ثم أدغمت النون الأولى ، وبقي الإشمام يدل على ضمة النون الأولى . والإشمام : هو ضم شفتيك من غير صوت يسمع ، فهو بعد الإدغام وقبل فتحه النون الثانية . وابن كيسان يسمي الإشمام الإشارة ، ويسمي الروم إشماما ; والروم : صوت ضعيف يسمع خفيا . وقرأ أبو جعفر " تأمنا " بفتح النون من غير إشمام إلى إعراب المدغم . وقرأ الحسن " مالك لا تأمنا " بضم الميم . وقرأ ابن مقسم " تأمننا " بنونين [ ص: 187 ] على الأصل ، والمعنى : مالك لا تأمنا على يوسف فترسله معنا ، فإنه قد كبر ولا يعلم شيئا من أمر المعاش " وإنا له لناصحون " فيما أشرنا به عليك ; " أرسله معنا غدا " إلى الصحراء . وقال مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير ، وذلك أنهم قالوا له : أرسله معنا ، فقال : إني ليحزنني أن تذهبوا به ، فقالوا : مالك لا تأمنا .

قوله تعالى : " نرتع ونلعب " قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو " نرتع ونلعب " بالنون فيهما ، والعين ساكنة ; وافقهم زيد عن يعقوب في " نرتع " فحسب .

وفي معنى " نرتع " ثلاثة أقوال :

أحدها : نله ، قاله الضحاك . والثاني : نسع ، قاله قتادة . والثالث : نأكل ; يقال : رتعت الإبل : إذا رعت ، وأرتعتها : إذا تركتها ترعى . قال الشاعر :


وحبيب لي إذا لاقيته وإذا يخلو له لحمي رتع


أي : أكله ، هذا قول ابن الأنباري ، وابن قتيبة . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " يرتع ويلعب " بالياء فيهما وجزم العين والباء ، يعنون " يوسف " . وقرأ نافع : " نرتع " بكسر العين من " نرتع " من غير بلوغ إلى الياء . قال ابن قتيبة : ومعناها نتحارس ، ويرعى بعضنا بعضا ، أي : يحفظ ; ومنه يقال : رعاك الله ، أي : حفظك . وقد رويت عن ابن كثير أيضا " نرتعي " بإثبات ياء بعد العين في الوصل والوقف . وقرأ أنس ، وأبو رجاء " نرتع " بنون مرفوعة وكسر التاء وسكون العين ، و " نلعب " بالنون . قال أبو عبيدة : أي : نرتع إبلنا .

فأما قوله : " ونلعب " فقال ابن عباس : نلهو .

[ ص: 188 ] فإن قيل : كيف لم ينكر عليهم يعقوب ذكر اللعب ؟

فالجواب من وجهين : أحدهما : أنهم لم يكونوا حينئذ أنبياء ، قاله أبو عمرو ابن العلاء . والثاني : أنهم عنوا مباح اللعب ، قاله الماوردي .

قوله تعالى : " إني ليحزنني أن تذهبوا به " أي : يحزنني ذهابكم به ، لأنه يفارقني فلا أراه . " وأخاف أن يأكله الذئب " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة : " الذئب " بالهمز في الثلاثة المواضع . وقرأ الكسائي ، وأبو جعفر ، وشيبة بغير همز . قال أبو علي : " الذئب " مهموز في الأصل . يقال : تذاءبت الريح : إذا جاءت من كل جهة كما يأتي الذئب .

وفي علة تخصيص الذئب بالذكر ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه رأى في منامه أن الذئب شد على يوسف ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أن أرضهم كانت كثيرة الذئاب ، قاله مقاتل . والثالث : أنه خافهم عليه فكنى بذكر الذئب ، قاله الماوردي .

قوله تعالى : " وأنتم عنه غافلون " فيه قولان :

أحدهما : غافلون في اللعب . والثاني : مشتغلون برعيتكم .

قوله تعالى : " لئن أكله الذئب ونحن عصبة " أي : جماعة نرى الذئب قد قصده ولا نرد عنه " إنا إذا لخاسرون " أي : عاجزون . قال ابن الأنباري : ومن قرأ " عصبة " بالنصب ، فتقديره : ونحن نجتمع عصبة .
فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون

قوله تعالى : " فلما ذهبوا به " في الكلام اختصار وإضمار ، تقديره : فأرسله معهم فلما ذهبوا . " وأجمعوا " أي : عزموا على أن يجعلوه في غيابة الجب .

[ ص: 189 ] الإشارة إلى قصة ذهابهم

قال المفسرون : قالوا ليوسف : أما تشتاق أن تخرج معنا فتلعب وتتصيد ؟ قال : بلى ، قالوا : فسل أباك أن يرسلك معنا ، قال : أفعل ، فدخلوا بجماعتهم على يعقوب ، فقالوا : يا أبانا إن يوسف قد أحب أن يخرج معنا ، فقال : ما تقول يا بني ؟ قال : نعم يا أبت قد أرى من إخوتي اللين واللطف ، فأنا أحب أن تأذن لي ، فأرسله معهم ، فلما أصحروا ، أظهروا له ما في أنفسهم من العداوة ، وأغلظوا له القول ، وجعل يلجأ إلى هذا ، فيضربه وإلى هذا ، فيؤذيه ، فلما فطن لما قد عزموا عليه ، جعل ينادي : يا أبتاه ، يا يعقوب ، لو رأيت يوسف وما ينزل به من إخوته لأحزنك ذلك وأبكاك ، يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك ، وضيعوا وصيتك ; وجعل يبكي بكاء شديدا . قال الضحاك عن ابن عباس : فأخذه روبيل فجلد به الأرض ، ثم جثم على صدره وأراد قتله ، فقال له يوسف : مهلا يا أخي لا تقتلني ، قال : يا ابن راحيل صاحب الأحلام ، قل لرؤياك تخلصك من أيدينا ، ولوى عنقه ليكسرها ، فنادى يوسف : يا يهوذا : اتق الله في ، وخل بيني وبين من يريد قتلي ، فأدركته له رحمة ، فقال : يهوذا : يا إخوتاه ، ألا أدلكم على أمر هو خير لكم وأرفق به ؟ قالوا : وما ذاك ؟ قال : تلقونه في هذا الجب فيلتقطه بعض السيارة ، قالوا : نفعل ; فانطلقوا به إلى الجب ، فخلعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه لم نزعتم قميصي ؟ ردوه علي أستر به عورتي ويكون كفنا لي في مماتي ; فأخرج الله له حجرا في البئر مرتفعا من الماء ، فاستقرت عليه قدماه . وقال السدي : جعلوا يدلونه في البئر ، فيتعلق بشفير البئر ; فربطوا يديه ونزعوا قميصه ، فقال : يا إخوتاه ، [ ص: 190 ] ردوا علي قميصي أتوارى به ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا فدلوه في البئر ، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها ; فلما ألقوه في الجب جعل يبكي ، فنادوه فظن أنها رحمة أدركتهم فأجابهم ، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ، فمنعهم يهوذا ، وكان يهوذا يأتيه بالطعام . وقال كعب : جمعوا يديه إلى عنقه ونزعوا قميصه ، فبعث الله إليه ملكا ، فحل عنه وأخرج له حجرا من الماء ، فقعد عليه ; وكان يعقوب قد أدرج قميص إبراهيم الذي كساه الله إياه يوم ألقي في النار في قصبة ، وجعلها في عنق يوسف ، فألبسه إياه الملك حينئذ ، وأضاء له الجب . وقال الحسن : ألقي في الجب فعذب ماؤه ، فكان يغنيه عن الطعام والشراب ; ودخل عليه جبريل ، فأنس به ، فلما أمسى ، نهض جبريل ليذهب ، فقال له يوسف : إنك إذا خرجت عني استوحشت ، فقال : إذا رهبت شيئا فقل : يا صريخ المستصرخين ، ويا غوث المستغيثين ، ويا مفرج كرب المكروبين ، قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري . فلما قالها حفته الملائكة ، فاستأنس في الجب ومكث فيه ثلاثة أيام ، وكان إخوته يرعون حول الجب . وقال محمد بن مسلم الطائفي : لما ألقي يوسف في الجب ، قال : يا شاهدا غير غائب ، ويا قريبا غير بعيد ، ويا غالبا غير مغلوب ، اجعل لي فرجا مما أنا فيه ; قال : فما بات فيه .

وفي مقدار سنه حين ألقي في الجب أربعة أقوال :

أحدها : اثنتا عشرة سنة ، قاله الحسن . والثاني : ست سنين ، قاله الضحاك . والثالث : سبع عشرة ، قاله ابن السائب ، وروي عن الحسن أيضا . والرابع : ثماني عشرة .

قوله تعالى : " وأوحينا إليه " فيه قولان :

[ ص: 191 ] أحدهما : أنه إلهام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أنه وحي حقيقة .

قال المفسرون : أوحي إليه لتخبرن إخوتك بأمرهم ، أي : بما صنعوا بك وأنت عال عليهم .

وفي قوله : " وهم لا يشعرون " قولان :

أحدهما : لا يشعرون أنك يوسف وقت إخبارك لهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل .

والثاني : لا يشعرون بالوحي ، قاله مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد . فعلى الأول يكون الكلام من صلة " لتنبئنهم " ; وعلى الثاني من صلة " وأوحينا إليه " . قال حميد : قلت للحسن : أيحسد المؤمن المؤمن ؟ قال : لا أبا لك ، ما نساك بني يعقوب ؟

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #302  
قديم 14-08-2022, 11:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (302)
صــ 192 إلى صــ 198






وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين

قوله تعالى : " وجاءوا أباهم عشاء يبكون " وقرأ أبو هريرة ، والحسن ، وابن السميفع ، والأعمش : " عشاء " بضم العين .

قال المفسرون : جاؤوا وقت العتمة ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار بالكذب ، فلما سمع صوتهم فزع ، وقال : مالكم يا بني ، هل أصابكم في غنمكم شيء ؟ قالوا : لا ، قال : فما أصابكم ؟ وأين يوسف ؟ " قالوا : يا أبانا إنا ذهبنا نستبق " وفيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ننتضل ، قاله ابن عباس ، وابن قتيبة ، قال : والمعنى ، يسابق بعضنا [ ص: 192 ] بعضا في الرمي . والثاني : نشتد ، قاله السدي . والثالث : نتصيد ، قاله مقاتل . فيكون المعنى على الأول : نستبق في الرمي لننظر أينا أسبق سهما ، وعلى الثاني : نستبق على الأقدام ; وعلى الثالث : للصيد .

قوله تعالى : " وتركنا يوسف عند متاعنا " أي : ثيابنا . " وما أنت بمؤمن لنا " أي : بمصدق .

وفي قوله : " ولو كنا صادقين " قولان :

أحدهما : أن المعنى : وإن كنا قد صدقنا ، قاله ابن إسحاق . والثاني : لو كنا عندك من أهل الصدق لاتهمتنا في يوسف لمحبتك إياه ، وظننت أنا قد كذبناك ، قاله الزجاج .
وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون

قوله تعالى : " وجاءوا على قميصه بدم كذب " قال اللغويون : معناه : بدم مكذوب فيه ، والعرب تجعل المصدر في كثير من الكلام مفعولا ، فيقولون للكذب مكذوب ، وللعقل معقول ، وللجلد مجلود ، قال الشاعر :


حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا


أراد : عقلا . وقال الآخر :


قد والذي سمك السماء بقدرة بلغ العزاء وأدرك المجلود


يريد : أدرك الجلد . ويقولون : ليس لفلان عقد رأي ، ولا معقود رأي ، ويقولون : هذا ماء سكب ، يريدون : مسكوبا ، وهذا شراب صب ، يريدون : مصبوبا ، [ ص: 193 ] وماء غور ، يعنون : غائرا ، ورجل صوم ، يريدون : صائما ، وامرأة نوح ، يريدون : نائحة ; وهذا الكلام مجموع قول الفراء ، والأخفش ، والزجاج ، وابن قتيبة في آخرين .

قال ابن عباس : أخذوا جديا فذبحوه ، ثم غمسوا قميص يوسف في دمه ، وأتوه به وليس فيه خرق ، فقال : كذبتم ، لو كان أكله الذئب لخرق القميص . وقال قتادة : كان دم ظبية . وقرأ ابن أبي عبلة : " بدم كذبا " بالنصب . وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وأبو العالية : " بدم كدب " بالدال غير معجمة ، أي : بدم طري .

قوله تعالى : " بل سولت " أي : زينت " لكم أنفسكم أمرا " غير ما تصفون " فصبر جميل " قال الخليل : المعنى : فشأني صبر جميل ، والذي أعتقده صبر جميل . وقال الفراء : الصبر مرفوع ، لأنه عزى نفسه وقال : ما هو إلا الصبر ، ولو أمرهم بالصبر ، لكان نصبا . وقال قطرب : المعنى : فصبري صبر جميل . وقرأ ابن مسعود ، وأبي ، وأبو المتوكل : " فصبرا جميلا " بالنصب . قال الزجاج : والصبر الجميل ، لا جزع فيه ، ولا شكوى إلى الناس .

قوله تعالى : " والله المستعان على ما تصفون " فيه قولان :

أحدهما : على ما تصفون من الكذب . والثاني : على احتمال ما تصفون .
وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون

قوله تعالى : " وجاءت سيارة " أي : قوم يسيرون " فأرسلوا واردهم " قال الأخفش : أنث السيارة وذكر الوارد ، لأن السيارة في المعنى للرجال . وقال الزجاج : الوارد : الذي يرد الماء ليستقي للقوم .

[ ص: 194 ] وفي اسم هذا الوارد قولان :

أحدهما : مالك بن ذعر بن يؤيب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : مجلث بن رعويل ، قاله وهب بن منبه .

قوله تعالى : " فأدلى دلوه " أي : أرسلها . قال الزجاج : يقال أدليت الدلو : إذا أرسلتها لتملأها ، ودلوتها : إذا أخرجتها . " قال يا بشراي " قرأه ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " يا بشراي " بفتح الياء وإثبات الألف . وروى ورش عن نافع " بشراي " و " محياي " [الأنعام :162] و مثواي [يوسف :23] بسكون الياء . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي " يا بشرى " بألف بغير ياء . وعاصم بفتح الراء ، وحمزة ، والكسائي يميلانها . قال الزجاج : من قرأ يا " بشراي " فهذا النداء تنبيه للمخاطبين ، لأن البشرى لا تجيب ولا تعقل ; فالمعنى : أبشروا ، ويا أيتها البشرى هذا من أوانك ، وكذلك إذا قلت : يا عجباه ، فكأنك قلت : اعجبوا ، ويا أيها العجب هذا من حينك ; وقد شرحنا هذا المعنى [هود: 69 و74] .

فأما قراءة من قرأ " يا بشرى " فيجوز أن يكون المعنى : يا من حضر ، هذه بشرى . ويجوز أن يكون المعنى : يا بشرى هذا أوانك على ما سبق بيانه من تنبيه الحاضرين . وذكر السدي أنه نادى بذاك أحدهم وكان اسمه بشرى . وقال ابن الأنباري : يجوز فيه هذه الأقوال ، ويجوز أن يكون اسم امرأة . وقرأ أبو رجاء ، وابن أبي عبلة : " يا بشري " بتشديد الياء وفتحها من غير ألف . قال ابن عباس : لما أدلى دلوه ; تعلق يوسف بالحبل فنظر إليه فإذا غلام أحسن ما يكون من الغلمان ، فقال لأصحابه : البشرى ، فقالوا : ما وراءك ؟ قال : هذا غلام في البئر ، فأقبلوا يسألونه الشركة فيه ، واستخرجوه من الجب ، [ ص: 195 ] فقال بعضهم لبعض : اكتموه عن أصحابكم لئلا يسألوكم الشركة فيه ، فإن قالوا : ما هذا ؟ فقولوا : استبضعناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر ; فجاء إخوة يوسف فطلبوه فلم يجدوه في البئر ، فنظروا ، فإذا هم بالقوم ومعهم يوسف ، فقالوا لهم : هذا غلام أبق منا ، فقال مالك بن ذعر : فأنا أشتريه منكم ، فباعوه بعشرين درهما وحلة ونعلين ، وأسره مالك بن ذعر من أصحابه ، وقال : استبضعناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر .

قوله تعالى : " وأسروه بضاعة " قال الزجاج : " بضاعة " منصوب على الحال كأنه قال : وأسروه جاعليه بضاعة . وقال ابن قتيبة : أسروا في أنفسهم أنه بضاعة وتجارة . في الفاعلين لذاك قولان :

أحدهما : أنهم واردو الجب : أسروا ابتياعه عن باقي أصحابهم ، وتواصوا أنه بضاعة استبضعهم إياها أهل الماء ، وقد ذكرنا هذا المعنى عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثاني : أنهم إخوته ، أسروا أمره ، وباعوه ، وقالوا : هو بضاعة لنا ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا .

قوله تعالى : " والله عليم بما يعملون " يعم الباعة والمشترين .
وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين

[ ص: 196 ] قوله تعالى : " وشروه " هذا حرف من حروف الأضداد ، تقول شريت الشيء ، بمعنى بعته ; وشريته ، بمعنى اشتريته . فإن كان بمعنى باعوه ، ففيهم قولان :

أحدهما : أنهم إخوته ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أنهم السيارة ، ولم يبعه إخوته ، قاله الحسن ، وقتادة . وإن كان بمعنى اشتروه ، فإنهم السيارة .

قوله تعالى : " بثمن بخس " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الحرام ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة في آخرين .

والثاني : أنه القليل ، قاله عكرمة ، والشعبي ، قال ابن قتيبة : البخس : الخسيس الذي بخس به البائع .

والثالث : الناقص ، وكانت الدراهم عشرين درهما في العدد ، وهي تنقص عن عشرين في الميزان ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " دراهم معدودة " قال الفراء : إنما قيل : " معدودة " ليستدل بها على القلة . وقال ابن قتيبة : أي : يسيرة ، سهل عددها لقلتها ، فلو كانت كثيرة لثقل عددها . وقال ابن عباس : كانوا في ذلك الزمان لا يزنون أقل من أربعين درهما ، وقيل : إنما لم يزنوها لزهدهم فيه .

وفي عدد تلك الدراهم خمسة أقوال :

أحدها : عشرون درهما ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، وعكرمة في رواية ، ونوف الشامي ، ووهب بن منبه ، والشعبي ، وعطية ، والسدي ، ومقاتل في آخرين .

والثاني : عشرون درهما وحلة ، ونعلان ، روي عن ابن عباس أيضا .

[ ص: 197 ] والثالث : اثنان وعشرون درهما ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والرابع : أربعون درهما ، قاله عكرمة في رواية ، وابن إسحاق .

والخامس : ثلاثون درهما ، ونعلان ، وحلة ، وكانوا قالوا له بالعبرانية : إما أن تقر لنا بالعبودية ، وإما أن نأخذك منهم فنقتلك ، قال : بل أقر لكم بالعبودية ، ذكره إسحاق بن بشر عن بعض أشياخه .

قال المفسرون : اقتسموا ثمنه ، فاشتروا به نعالا وخفافا .

وكان بعض الصالحين يقول : والله ما يوسف - وإن باعه أعداؤه - بأعجب منك في بيعك نفسك بشهوة ساعة من معاصيك .

قوله تعالى : " وكانوا فيه من الزاهدين " الزهد : قلة الرغبة في الشيء .

وفي المشار إليهم قولان : أحدهما : أنهم إخوته ، قاله ابن عباس ; فعلى هذا ، في هاء " فيه " قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى يوسف ، لأنهم لم يعلموا مكانه من الله تعالى ، قاله الضحاك ، وابن جريج . والثاني : أنها ترجع إلى الثمن . وفي علة زهدهم قولان : أحدهما : رداءته . والثاني : أنهم قصدوا بعد يوسف ، لا الثمن .

والثاني : أنهم السيارة الذين اشتروه .

وفي علة زهدهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم ارتابوا لقلة ثمنه . والثاني : أن إخوته وصفوه عندهم بالخيانة والإباق . والثالث : لأنهم علموا أنه حر .
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

[ ص: 198 ] قوله تعالى : " وقال الذي اشتراه من مصر " قال وهب : لما ذهبت به السيارة إلى مصر ، وقفوه في سوقها يعرضونه للبيع ، فتزايد الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه مسكا ، ووزنه ورقا ، ووزنه حريرا ، فاشتراه بذلك الثمن رجل يقال : له قطفير ، وكان أمين فرعون وخازنه ، وكان مؤمنا . وقال ابن عباس : إنما اشتراه قطفير من مالك بن ذعر بعشرين دينارا ، وزوجي نعل ، وثوبين أبيضين ، فلما رجع إلى منزله قال لامرأته : أكرمي مثواه . وقال قوم : اسمه أطفير

وفي اسم المرأة قولان : أحدهما : راعيل بنت رعاييل ، قاله ابن إسحاق . والثاني . أزليخا بنت تمليخا ، قاله مقاتل . قال ابن قتيبة : " أكرمي مثواه " يعني أكرمي منزله ومقامه عندك ، من قولك : ثويت بالمكان : إذا أقمت به . وقال الزجاج : أحسني إليه في طول مقامه عندنا . قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : العزيز حين تفرس في يوسف ، فقال لامرأته : " أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا " ، وابنة شعيب حين قالت : يا أبت استأجره [القصص :26] ، وأبو بكر حين استخلف عمر .

وفي قوله : " عسى أن ينفعنا " قولان :

أحدهما : يكفينا إذا بلغ أمورنا . والثاني : بالربح في ثمنه .

قوله تعالى : " أو نتخذه ولدا " قال ابن عباس : نتبناه . وقال غيره : لم يكن لهما ولد ، وكان العزيز لا يأتي النساء .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #303  
قديم 14-08-2022, 11:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (303)
صــ 199 إلى صــ 205





قوله تعالى : " وكذلك مكنا ليوسف " أي : وكما أنجيناه من إخوته وأخرجناه من ظلمة الجب ، مكنا له في الأرض ، أي : ملكناه في أرض مصر فجعلناه على خزائنها . " ولنعلمه " قال ابن الأنباري : إنما دخلت الواو في " ولنعلمه " لفعل مضمر هو المجتلب للام ، والمعنى : مكنا ليوسف في الأرض ، واختصصناه [ ص: 199 ] بذلك لكي نعلمه من تأويل الأحاديث . وقد سبق تفسير " تأويل الأحاديث " [يوسف :6] .

" والله غالب على أمره " في هاء الكناية قولان :

أحدهما : أنها ترجع إلى الله ، فالمعنى : أنه غالب على ما أراد من قضائه ، وهذا معنى قول ابن عباس .

والثاني : أنها ترجع إلى يوسف ، فالمعنى : غالب على أمر يوسف حتى يبلغه ما أراده له ، وهذا معنى قول مقاتل . وقال بعضهم : والله غالب على أمره حيث أمر يعقوب يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته ، فعلموا بها ، ثم أراد يعقوب أن لا يكيدوه ، فكادوه ، ثم أراد إخوة يوسف قتله ، فلم يقدر لهم ، ثم أرادوا أن يلتقطه بعض السيارة فيندرس أمره ، فعلا أمره ، ثم باعوه ليكون مملوكا ، فغلب أمره حتى ملك ، وأرادوا أن يعطفوا أباهم ، فأباهم ، ثم أرادوا أن يغروا يعقوب بالبكاء والدم الذي ألقوه على القميص ، فلم يخف عليه ، ثم أرادوا أن يكونوا من بعده قوما صالحين ، فنسوا ذنبهم إلى أن أقروا به بعد سنين فقالوا : إنا كنا خاطئين [يوسف :97] ، ثم أرادوا أن يمحوا محبته من قلب أبيه ، فازدادت ، ثم أرادت أزليخا أن تلقي عليه التهمة بقولها : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا [يوسف :25] ، فغلب أمره ، حتى شهد شاهد من أهلها ، وأراد يوسف أن يتخلص من السجن بذكر الساقي ، فنسي الساقي حتى لبث في السجن بضع سنين .
ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين

قوله تعالى : " ولما بلغ أشده " قد ذكرنا معنى الأشد في (الأنعام :152) ، [ ص: 200 ] واختلف العلماء في المراد به هاهنا على ثمانية أقوال :

أحدها : أنه ثلاث وثلاثون سنة ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة . والثاني : ثماني عشرة سنة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة . والثالث : أربعون سنة ، قاله الحسن . والرابع : بلوغ الحلم ، قاله الشعبي ، وربيعة ، وزيد بن أسلم ، وابنه . والخامس : عشرون سنة ، قاله الضحاك . والسادس : أنه من نحو سبع عشرة سنة إلى نحو الأربعين ، قاله الزجاج . والسابع : أنه بلوغ ثمان وثلاثين سنة ، حكاه ابن قتيبة . والثامن : ثلاثون سنة ، ذكره بعض المفسرين .

قوله تعالى : " آتيناه حكما " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه الفقه والعقل ، قاله مجاهد . والثاني : النبوة ، قاله ابن السائب . والثالث : أنه جعل حكيما ، قاله الزجاج ، قال : وليس كل عالم حكيما ، إنما الحكيم : العالم المستعمل علمه ، الممتنع به من استعمال ما يجهل فيه . والرابع : أنه الإصابة في القول ، ذكره الثعلبي . قال اللغويون : الحكم عند العرب ما يصرف عن الجهل والخطإ ، ويمنع منهما ، ويرد النفس عما يشينها ويعود عليها بالضرر ، ومنه حكمة الدابة . وأصل أحكمت في اللغة : منعت ، وسمي الحاكم حاكما ، لأنه يمنع من الظلم والزيغ .

[ ص: 201 ] وفي المراد بالعلم هاهنا قولان : أحدهما : الفقه . والثاني : علم الرؤيا

قوله تعالى : " وكذلك نجزي المحسنين " أي : ومثل ما وصفنا من تعلم يوسف وحراسته ، نثيب من أحسن عمله ، واجتنب المعاصي ، فننجيه من الهلكة ، ونستنقذه من الضلالة فنجعله من أهل العلم والحكمة كما فعلنا بيوسف .

وفي المراد بالمحسنين هاهنا ثلاثة أقوال :

أحدها : الصابرون على النوائب . والثاني : المهتدون ، رويا عن ابن عباس . والثالث : المؤمنون . قال محمد بن جرير : هذا ، وإن كان مخرج ظاهره على كل محسن ، فالمراد به محمد صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : كما فعلت بيوسف بعد ما لقي من البلاء فمكنته في الأرض وآتيته العلم ، كذلك أفعل بك وأنجيك من مشركي قومك .
وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون

قوله تعالى : " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه " أي : طلبت منه المواقعة ، وقد سبق اسمها . قال الزجاج : المعنى : راودته عما أرادته مما يريد النساء من الرجال . " وقالت هيت لك " قرأ ابن كثير : " هيت لك " بفتح الهاء وتسكين الياء وضم التاء . وقرأ نافع ، وابن عامر : " هيت لك " بكسر الهاء وتسكين الياء وفتح التاء . وهي مروية عن علي بن أبي طالب . وروى الحلواني عن هشام عن ابن عامر مثله ، إلا أنه همزه . قال أبو علي الفارسي : هو خطأ . وروي عن ابن عامر : " هئت لك " بكسر الهاء وهمز الياء وضم التاء ، وهي قراءة ابن عباس ، وأبي الدرداء ، وقتادة . قال الزجاج : هو من الهيئة ، كأنها قالت : تهيأت لك . وعن ابن محيصن ، وطلحة بن مصرف مثل قراءة ابن عباس ; [ ص: 202 ] إلا أنها بغير همز . وعن ابن محيصن بفتح الهاء وكسر التاء . وهي قراءة أبي رزين ، وحميد . وعن الوليد بن عتبة بكسر الهاء والتاء مع الهمز ، وهي قراءة أبي العالية . وقرأ ابن خثيم مثله ، إلا أنه لم يهمز . وعن الوليد بن مسلم عن نافع بكسر الهاء وفتح التاء مع الهمز . وقرأ ابن مسعود ، وابن السميفع ، وابن يعمر ، والجحدري : " هيئت لك " برفع الهاء والتاء وبياء مشددة مكسورة بعدها همزة ساكنة . وقرأ أبي بن كعب : " ها أنا لك " . وقرأ الباقون بفتح الهاء والتاء بغير همز . قال الزجاج : وهو أجود اللغات ، وأكثرها في كلام العرب ، ومعناها : هلم لك ، أي : أقبل على ما أدعوك إليه ، وقال الشاعر :


أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا أن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا


أي : فأقبل وتعال . وقال ابن قتيبة : يقال هيت فلان لفلان : إذا دعاه وصاح به ، قال الشاعر :


قد رابني أن الكري أسكتا لو كان معنيا بها لهيتا


أي : صار ذا سكوت . واختلف العلماء في قوله : " هيت لك " بأي لغة هي ، على أربعة أقوال :

أحدها : أنها عربية ، قاله مجاهد . وقال ابن الأنباري : وقد قيل : إنها من كلام [ ص: 203 ] قريش ، إلا أنها مما درس وقل في أفواههم آخرا ، فأتى الله به ، لأن أصله من كلامهم ، وهذه الكلمة لا مصدر لها ، ولا تصرف ، ولا تثنية ، ولا جمع ، ولا تأنيث ، يقال للاثنين : هيت لكما ، وللجميع : هيت لكم ، وللنسوة : هيت لكن .

والثاني : أنها بالسريانية ، قاله الحسن .

والثالث : بالحورانية ، قاله عكرمة ، والكسائي . وقال الفراء : يقال : إنها لغة لأهل حوران ، سقطت إلى أهل مكة فتكلموا بها .

والرابع : أنها بالقبطية ، قاله السدي .

قوله تعالى : " قال معاذ الله " قال الزجاج : هو مصدر ، والمعنى : أعوذ بالله أن أفعل هذا ، يقال عذت عياذا ومعاذا ومعاذة . " إنه ربي " أي : إن العزيز صاحبي " أحسن مثواي " ، قال : ويجوز أن يكون " إنه ربي " يعني الله عز وجل " أحسن مثواي " أي : تولاني في طول مقامي .

قوله تعالى : " إنه لا يفلح الظالمون " أي : إن فعلت هذا فخنته في أهله بعدما أكرمني فأنا ظالم . وقيل : الظالمون هاهنا : الزناة .
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين

قوله تعالى : " ولقد همت به " الهم بالشيء في كلام العرب : حديث المرء نفسه بمواقعته ما لم يواقع . فأما هم أزليخا ، فقال المفسرون : دعته إلى نفسها واستلقت له . واختلفوا في همه بها على خمسة أقوال :

أحدها : أنه كان من جنس همها ، فلولا أن الله تعالى عصمه لفعل ، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والسدي ، وهو قول [ ص: 204 ] عامة المفسرين المتقدمين ، واختاره من المتأخرين جماعة منهم ابن جرير ، وابن الأنباري . وقال ابن قتيبة : لا يجوز في اللغة : هممت بفلان ، وهم بي ، وأنت تريد : اختلاف الهمين . واحتج من نصر هذا القول بأنه مذهب الأكثرين من السلف والعلماء الأكابر ، ويدل عليه ما سنذكره من أمر البرهان الذي رآه . قالوا : ورجوعه عما هم به من ذلك خوفا من الله تعالى يمحو عنه سيئ الهم ، ويوجب له علو المنازل ، ويدل على هذا الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن ثلاثة خرجوا فلجؤوا إلى غار ، فانطبقت عليهم صخرة ، فقالوا : ليذكر كل واحد منكم أفضل عمله . فقال أحدهم : اللهم إنك تعلم أنه كانت لي بنت عم فراودتها عن نفسها فأبت إلا بمائة دينار ، فلما أتيتها بها وجلست منها مجلس الرجل من المرأة أرعدت وقالت : إن هذا لعمل ما عملته قط ، فقمت عنها وأعطيتها المائة الدينار ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ، فزال ثلث الحجر . والحديث معروف ، وقد ذكرته في " الحدائق " فعلى هذا نقول : إنما همت ، فترقت همتها إلى العزيمة ، فصارت مصرة على الزنا . فأما هو ، فعارضه ما يعارض البشر من خطرات القلب ، وحديث النفس ، من غير عزم ، فلم يلزمه هذا الهم ذنبا ، فإن الرجل الصالح قد يخطر بقلبه وهو صائم شرب الماء البارد ، فإذا لم يشرب لم يؤاخذ بما هجس في نفسه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل " وقال صلى الله عليه وسلم " هلك المصرون " ، وليس [ ص: 205 ] الإصرار إلا عزم القلب ، فقد فرق بين حديث النفس وعزم القلب ، وسئل سفيان الثوري : أيؤاخذ العبد بالهمة ؟ فقال : إذا كانت عزما ، ويؤيده الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول الله تعالى : إذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه ، فإن عملها كتبتها عليه سيئة " . واحتج القاضي أبو يعلى على أن همته لم تكن من جهة العزيمة ، وإنما كانت من جهة دواعي الشهوة بقوله : " قال معاذ الله إنه ربي " وقوله " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " وكل ذلك إخبار ببراءة ساحته من العزيمة على المعصية .

فإن قيل : فقد سوى القرآن بين الهمتين ، فلم فرقتم ؟

فالجواب : أن الاستواء وقع في بداية الهمة ، ثم ترقت همتها إلى العزيمة ، بدليل مراودتها واستلقائها بين يديه ، ولم تتعد همته مقامها ، بل نزلت عن رتبتها ، وانحل معقودها ، بدليل هربه منها ، وقوله : " معاذ الله " ، وعلى هذا تكون همته مجرد خاطر لم يخرج إلى العزم . ولا يصح ما يروى عن المفسرين أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الرجل ، فإنه لو كان هذا ، دل على العزم ، والأنبياء معصومون من العزم على الزنا .

والقول الثاني : أنها همت به أن يفترشها ، وهم بها ، أي : تمناها أن تكون له زوجة ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #304  
قديم 14-08-2022, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (304)
صــ 206 إلى صــ 212



والقول الثالث : أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره : ولقد همت به ، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فلما رأى البرهان ، لم يقع منه الهم ، فقدم جواب " لولا " عليها ، كما يقال : قد كنت من الهالكين ، لولا أن فلانا خلصك ، لكنت من الهالكين ، ومنه قول الشاعر :

[ ص: 206 ]
فلا يدعني قومي صريحا لحرة لئن كنت مقتولا وتسلم عامر


أراد : لئن كنت مقتولا وتسلم عامر ، فلا يدعني قومي فقدم الجواب . وإلى هذا القول ذهب قطرب ، وأنكره قوم ، منهم ابن الأنباري ، وقالوا : تقديم جواب " لولا " عليها شاذ مستكره ، لا يوجد في فصيح كلام العرب . فأما البيت المستشهد به ، فمن اضطرار الشعراء ، لأن الشاعر يضيق الكلام به عند اهتمامه بتصحيح أجزاء شعره ، فيضع الكلمة في غير موضعها ، ويقدم ما حكمه التأخير ، ويؤخر ما حكمه التقديم ، ويعدل عن الاختيار إلى المستقبح للضرورة ، قال الشاعر :


جزى ربه عني عدي بن حاتم بتركي وخذلاني جزاء موفرا


تقديره : جزى عني عدي بن حاتم ربه ، فاضطر إلى تقديم الرب ، وقال الآخر :


لما جفا إخوانه مصعبا أدى بذاك البيع صاعا بصاع


أراد : لما جفا مصعبا إخوانه ، وأنشد الفراء :


طلبا لعرفك يا ابن يحيى بعدما تتقطعت بي دونك الأسباب


فزاد تاء على " تقطعت " لا أصل لها ليصلح وزن شعره ، وأنشد ثعلب :


إن شكلي وإن شكلك شتى فالزمي الخفض وانعمي تبيضضي


فزاد ضادا لا أصل لها لتكمل أجزاء البيت ، وقال الفرزدق :


هما تفلا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد لجاميا


فزاد واوا بعد الميم ليصلح شعره . ومثل هذه الأشياء لا يحمل عليها كتاب الله النازل بالفصاحة ، لأنها من ضرورات الشعراء .

والقول الرابع : أنه هم أن يضربها ويدفعها عن نفسه ، فكان البرهان الذي [ ص: 207 ] رآه من ربه أن الله أوقع في نفسه إن ضربها كان ضربه إياها حجة عليه ، لأنها تقول : راودني فمنعته فضربني ، ذكره ابن الأنباري .

والقول الخامس : أنه هم بالفرار منها ، حكاه الثعلبي ، وهو قول مرذول ، أفتراه أراد الفرار منها ، فلما رأى البرهان ، أقام عندها ؟ قال بعض العلماء : كان هم يوسف خطيئة من الصغائر الجائزة على الأنبياء ، وإنما ابتلاهم بذلك ليكونوا على خوف منه ، وليعرفهم مواقع نعمته في الصفح عنهم . وليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء الرحمة . قال الحسن : إن الله تعالى لم يقصص عليكم ذنوب الأنبياء تعييرا لهم ، ولكن لئلا تقنطوا من رحمته . يعني الحسن : أن الحجة للأنبياء ألزم ، فإذا قبل التوبة منهم ، كان إلى قبولها منكم أسرع . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أحد يلقى الله تعالى إلا وقد هم بخطيئة أو عملها ، إلا يحيى بن زكريا ، فإنه لم يهم ولم يعملها " .

قوله تعالى : " لولا أن رأى برهان ربه " جواب " لولا " محذوف . قال الزجاج : المعنى : لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به . قال ابن الأنباري : لزنا ، فلما رأى البرهان كان سبب انصراف الزنا عنه .

وفي البرهان ستة أقوال :

أحدها : أنه مثل له يعقوب . روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : نودي يا يوسف ، أتزني فتكون مثل الطائر الذي نتف ريشه فذهب يطير فلم [ ص: 208 ] يستطع ؟ فلم يعط على النداء شيئا ، فنودي الثانية ، فلم يعط على النداء شيئا ، فتمثل له يعقوب فضرب صدره ، فقام ، فخرجت شهوته من أنامله . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضا على أنامله ، فأدبر هاربا ، وقال : وحقك يا أبت لا أعود أبدا . وقال : أبو صالح عن ابن عباس : رأى مثال يعقوب في الحائط عاضا على شفتيه . وقال الحسن : مثل له جبريل في صورة يعقوب في سقف البيت عاضا على إبهامه أو بعض أصابعه . وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن سيرين ، والضحاك في آخرين . وقال عكرمة : كل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا ، إلا يوسف فإنه ولد له أحد عشر ولدا ، فنقص بتلك الشهوة ولدا .

والثاني : أنه جبريل عليه السلام . روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : مثل له يعقوب فلم يزدجر ، فنودي : أتزني فتكون مثل الطائر نتف ريشه ؟! فلم يزدجر حتى ركضه جبريل في ظهره ، فوثب .

والثالث : أنها قامت إلى صنم في زاوية البيت فسترته بثوب ، فقال لها يوسف : أي شيء تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه السوأة ، فقال : أتستحين من صنم لا يعقل ولا يسمع ، ولا أستحي من إلهي القائم على كل نفس بما كسبت ؟ فهو البرهان الذي رأى ، قاله علي بن أبي طالب ، وعلي بن الحسين ، والضحاك .

والرابع : أن الله بعث إليه ملكا ، فكتب في وجه المرأة بالدم : " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا " قاله الضحاك عن ابن عباس . وروي عن محمد بن كعب القرظي : أنه رأى هذه الآية مكتوبة بين عينيها ، وفي رواية أخرى عنه ، [ ص: 209 ] أنه رآها مكتوبة في الحائط . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : بدت فيما بينهما كف ليس فيها عضد ولا معصم ، وفيها مكتوب ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [الإسراء :32] ، فقام هاربا ، وقامت ، فلما ذهب عنها الرعب عادت وعاد ، فلما قعد إذا بكف قد بدت فيما بينهما فيها مكتوب واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله [البقرة :281] ، فقام هاربا ، فلما عاد ، قال الله تعالى لجبرئيل : أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة ، فانحط جبريل عاضا على كفه أو أصبعه وهو يقول : يا يوسف ، أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء ؟! وقال وهب بن منبه : ظهرت تلك الكف وعليها مكتوب بالعبرانية أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [الرعد :33] ، فانصرفا ، فلما عادا عادت وعليها مكتوب وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين [الانفطار :11،12] ، فانصرفا ، فلما عادا عادت وعليها مكتوب " ولا تقربوا الزنا . . . " الآية ، فعاد ، فعادت الرابعة وعليها مكتوب " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " ، فولى يوسف هاربا .

الخامس : أنه سيده العزيز دنا من الباب ، رواه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم . وقال ابن إسحاق : يقال : إن البرهان خيال سيده ، رآه عند الباب فهرب .

والسادس : أن البرهان أنه علم ما أحل الله مما حرم الله ، فرأى تحريم الزنا ، روي عن محمد بن كعب القرظي . قال ابن قتيبة : رأى حجة الله عليه ، وهي البرهان ، وهذا هو القول الصحيح ، وما تقدمه فليس بشيء ، وإنما هي أحاديث من أعمال القصاص ، وقد أشرت إلى فسادها في كتاب " المغني في التفسير " .

[ ص: 210 ] وكيف يظن بنبي لله كريم أنه يخوف ويرعب ويضطر إلى ترك هذه المعصية وهو مصر ؟! هذا غاية القبح .

قوله تعالى : " كذلك " أي : كذلك أريناه البرهان " لنصرف عنه السوء " وهو خيانة صاحبه " والفحشاء " ركوب الفاحشة " إنه من عبادنا المخلصين " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر بكسر اللام ، والمعنى : إنه من عبادنا الذين أخلصوا دينهم . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي بفتح اللام ، أرادوا من الذين أخلصهم الله من الأسواء والفواحش . وبعض المفسرين يقول : السوء : الزنى ، والفحشاء : المعاصي .
واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين

قوله تعالى : " واستبقا الباب " يعني يوسف والمرأة ، تبادرا إلى الباب يجتهد [ ص: 211 ] كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ، وأراد يوسف أن يسبق ليفتح الباب ويخرج ، وأرادت هي إن سبقت إمساك الباب لئلا يخرج ، فأدركته فتعلقت بقميصه من خلفه ، فجذبته إليها ، فقدت قميصه من دبر ، أي : قطعته من خلفه ، لأنه كان هو الهارب وهي الطالبة له . قال المفسرون : قطعت قميصه نصفين ، فلما خرجا ، ألفيا سيدها ، أي : صادفا زوجها عند الباب ، فحضرها في ذلك الوقت كيد ، فقالت سابقة بالقول مبرئة لنفسها من الأمر " ما جزاء من أراد بأهلك سوءا " قال ابن عباس : تريد الزنى " إلا أن يسجن " أي : ما جزاؤه إلا السجن " أو عذاب أليم " تعني الضرب بالسياط ، فغضب يوسف حينئذ وقال : " هي راودتني " وقال وهب بن منبه : قال له العزيز حينئذ : أخنتني يا يوسف في أهلي ، وغدرت بي ، وغررتني بما كنت أرى من صلاحك ؟ فقال حينئذ : " هي راودتني عن نفسي " .

قوله تعالى : " وشهد شاهد من أهلها " وذلك أنه لما تعارض قولاهما ، احتاجا إلى شاهد يعلم به قول الصادق .

وفي ذلك الشاهد ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه كان صبيا في المهد ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وشهر بن حوشب عن أبي هريرة ، وبه قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وهلال بن يساف في آخرين .

والثاني : أنه كان من خاصة الملك ، رواه ابن أبي مليكة عن ابن عباس . وقال أبو صالح عن ابن عباس : كان ابن عم لها ، وكان رجلا حكيما ، فقال : قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب ، فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة وهو كاذب ، وإن كان من خلفه فهو صادق وأنت كاذبة . وقال بعضهم : كان ابن خالة المرأة .

[ ص: 212 ] والثالث : أنه شق القميص ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وفيه ضعف ، لقوله : " من أهلها " .

فإن قيل : كيف وقعت شهادة الشاهد هاهنا معلقة بشرط ، والشارط غير عالم بما يشرطه ؟

فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري :

أحدهما : أن الشاهد شاهد بأمر قد علمه ، فكأنه سمع بعض كلام يوسف وأزليخا ، فعلم ، غير أنه أوقع في شهادته شرطا ليلزم المخاطبين قبول شهادته من جهة العقل والتمييز ، فكأنه قال : هو الصادق عندي ، فإن تدبرتم ما أشترطه لكم ، عقلتم قولي . ومثل هذا قول الحكماء : إن كان القدر حقا ، فالحرص باطل ، وإن كان الموت يقينا ، فالطمأنينة إلى الدنيا حمق .

والجواب الثاني : أن الشاهد لم يقطع بالقول ، ولم يعلم حقيقة ما جرى ، وإنما قال ما قال على جهة إظهار ما يسنح له من الرأي ، فكان معنى قوله : " وشهد شاهد " : أعلم وبين . فقال : الذي عندي من الرأي أن نقيس القميص ليوقف على الخائن . فهذان الجوابان يدلان على أن المتكلم رجل . فإن قلنا : إنه صبي في المهد ، كان دخول الشرط مصححا لبراءة يوسف ، لأن كلام مثله أعجوبة ومعجزة لا يبقى معها شك .
فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم

قوله تعالى : " فلما رأى قميصه " في هذا الرائي والقائل : " إنه من كيدكن " قولان :

أحدهما : أنه الزوج . والثاني : الشاهد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #305  
قديم 14-08-2022, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (305)
صــ 213 إلى صــ 219




وفي هاء الكناية في قوله : " إنه من كيدكن " ثلاثة أقوال :

[ ص: 213 ] أحدها : أنها ترجع إلى تمزيق القميص ، قاله مقاتل .

والثاني : إلى قولها : " ما جزاء من أراد بأهلك سوءا " ، فالمعنى : قولك هذا من كيدكن ، قاله الزجاج .

والثالث : إلى السوء الذي دعته إليه، ذكره الماوردي . قال ابن عباس : " إن كيدكن " أي : عملكن " عظيم " تخلطن البريء والسقيم .
يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين

قوله تعالى : " يوسف أعرض عن هذا " المعنى : يا يوسف أعرض .

وفي القائل له هذا قولان :

أحدهما : أنه ابن عمها وهو الشاهد ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنه الزوج ، ذكره جماعة من المفسرين . قال ابن عباس : أعرض عن هذا الأمر فلا تذكره لأحد ، واكتمه عليها . وروى الحلبي عن عبد الوارث : " يوسف أعرض عن هذا " بفتح الراء على الخبر .

قوله تعالى : " واستغفري لذنبك " فيه قولان :

أحدهما : استعفي زوجك لئلا يعاقبك ، قاله ابن عباس .

والثاني : توبي من ذنبك فإنك قد أثمت .

وفي القائل لهذا قولان : أحدهما ابن عمها . والثاني : الزوج .

قوله تعالى : " إنك كنت من الخاطئين " يعني : من المذنبين . قال المفسرون : ثم شاع ذلك الحديث في مصر حتى تحدث بذلك النساء ، وهو قوله : " وقال نسوة في المدينة " وفي عددهن قولان :

[ ص: 214 ] أحدهما : أنهن كن أربعا : امرأة ساقي الملك ، وامرأة صاحب ديوانه ، وامرأة خبازه ، وامرأة صاحب سجنه ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنهن خمس : امرأة الخباز ، وامرأة الساقي ، وامرأة السجان ، وامرأة صاحب الدواة ، وامرأة الآذن ، قاله مقاتل .

فأما العزيز ، فهو بلغتهم الملك ، والفتى بمعنى العبد . قال الزجاج : كانوا يسمون المملوك فتى . وإنما تكلم النسوة في حقها ، طعنا فيها وتحقيقا لبراءة يوسف .

قوله تعالى : " قد شغفها حبا " أي : بلغ حبه شغاف قلبها .

وفي الشغاف أربعة أقوال :

أحدها : أنه جلدة بين القلب والفؤاد ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني أنه غلاف القلب ، قاله أبو عبيدة . قال ابن قتيبة : ولم يرد الغلاف ، إنما أراد القلب ، يقال : شغفت فلانا : إذا أصبت شغافه ، كما يقال : كبدته : إذا أصبت كبده ، وبطنته إذا أصبت بطنه .

والثالث : أنه حبة القلب وسويداؤه .

والرابع : أنه داء يكون في الجوف في الشراسيف ، وأنشدوا :


وقد حال هم دون ذلك داخل دخول الشغاف تبتغيه الأصابع


ذكر القولين الزجاج . وقال الأصمعي : الشغاف عند العرب : داء يكون تحت الشراسيف في الجانب الأيمن من البطن ، والشراسيف : مقاط رؤوس الأضلاع ، [ ص: 215 ] واحدها : شرسوف .

وقرأ عبد الله بن عمرو ، وعلي بن الحسين ، والحسن البصري ، ومجاهد ، وابن محيصن ، وابن أبي عبلة " قد شعفها " بالعين . قال الفراء : كأنه ذهب بها كل مذهب ، والشعف : رؤوس الجبال .

قوله تعالى : " إنا لنراها في ضلال مبين " أي : عن طريق الرشد ، لحبها إياه . والمبين : الظاهر .
فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين

قوله تعالى : " فلما سمعت " يعني : امرأة العزيز ، " بمكرهن " وفيه قولان :

أحدهما : أنه قولهن وعيبهن لها ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، وابن قتيبة . قال الزجاج : وإنما سمي هذا القول مكرا ، لأنها كانت أطلعتهن على أمرها ، واستكتمتهن ، فمكرن وأفشين سرها .

والثاني : أنه مكر حقيقة ، وإنما قلن ذلك مكرا بها لتريهن يوسف ، قاله ابن إسحاق .

قوله تعالى : " وأعتدت " قال الزجاج : أفعلت من العتاد ، وكل ما اتخذته عدة لشيء فهو عتاد ، والعتاد : الشيء الثابت اللازم . وقال ابن قتيبة : أعتدت بمعنى أعدت . فأما المتكأ ، ففيه ثلاثة أقوال :

[ ص: 216 ] أحدها : أنه المجلس ; فالمعنى : هيأت لهن مجلسا ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثاني : أنه الوسائد اللائي يتكئن عليها ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال الزجاج : المتكأ : ما يتكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث .

والثالث : أنه الطعام ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة . قال ابن قتيبة : يقال : اتكأنا عند فلان : إذا طعمنا ، قال جميل بن معمر :


فظللنا في نعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله


والأصل في هذا أن من دعوته ليطعم ، أعددت له التكأة للمقام والطمأنينة ، فسمي الطعام متكأ على الاستعارة . قال الأزهري : إنما قيل للطعام : متكأ ، لأن القوم إذا قعدوا على الطعام اتكؤوا ، ونهيت هذه الأمة عن ذلك . وقرأ مجاهد " متكا " بإسكان التاء خفيفة ، وفيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه الأترج ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ويحيى بن يعمر في آخرين ، ومنه قول الشاعر :


نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا


يريد : الأترج .

والثاني : أنه الطعام أيضا ، قاله عكرمة . الثالث : أنه كل شيء يحز بالسكاكين ، قاله الضحاك . والرابع : أنه الزماورد ، روي عن الضحاك أيضا . وقد [ ص: 217 ] روي عن جماعة أنهم فسروا المتكأ بما فسروا به المتك ، فروي عن ابن جريج أنه قال : المتكأ الأترج ، وكل ما يحز بالسكاكين . وعن الضحاك قال : المتكأ : كل ما يحز بالسكاكين . وفرق آخرون بين القراءتين ، فقال مجاهد : من قرأ " متكأ " بالتثقيل ، فهو الطعام ، ومن قرأ بالتخفيف ، فهو الأترج . قال ابن قتيبة : من قرأ " متكا " فإنه يريد الأترج ، ويقال : الزماورد . وأيا ما كان ، فإني لا أحسبه سمي متكا إلا بالقطع ، كأنه مأخوذ من البتك ، فأبدلت الميم منه باء ، كما يقال : سمد رأسه وسبده : إذا استأصله ، وشر لازم ، ولازب ، والميم تبدل من الباء كثيرا ، لقرب مخرجيهما .

قوله تعالى : " وآتت كل واحدة منهن سكينا " إنما فعلت ذلك ، لأن الطعام الذي قدمت لهن يحتاج إلى السكاكين . وقيل : كان مقصودها افتضاحهن بتقطيع أيديهن كما فضحنها . قال وهب بن منبه : ناولت كل واحدة منهن أترجة وسكينا ، وقالت لهن : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن ، ثم قالت ليوسف : اخرج عليهن . قال الزجاج : إن شئت ضممت التاء من قوله : " وقالت " ، وإن شئت كسرت ، والكسر الأصل لسكون التاء والخاء ، ومن ضم التاء ، فلثقل الضمة بعد الكسرة . ولم يمكنه أن لا يخرج لأنه بمنزلة العبد لها . وذكر بعض أهل العلم أنها إنما قالت : " اخرج " وأضمرت في نفسها " عليهن " ، فأخبر الحق عما في النفس كأن اللسان قد نطق به ، ومثله إنما نطعمكم لوجه الله . . . الآية [الإنسان :9] ، لم يقولوا ذلك ، إنما أضمروه ، ويدل على صحة هذا أنها لو قالت له وهو شاب مستحسن : اخرج على نسوة من طبعهن الفتنة ، ما فعل .

وفي قوله : " أكبرنه " قولان :

[ ص: 218 ] أحدهما : أعظمنه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد ، وبه قال قتادة ، وابن زيد .

والثاني : حضن ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وروى علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال : حضن من الفرح ، قال : وفي ذلك يقول الشاعر :


نأتي النساء لدى أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا


وقد روى هذا المعنى ليث عن مجاهد ، واختاره ابن الأنباري ، ورده بعض اللغويين ، فروي عن أبي عبيدة أنه قال : ليس في كلام العرب " أكبرن " بمعنى " حضن " ، ولكن عسى أن يكن من شدة ما أعظمنه حضن ، وكذلك روي عن الزجاج أنه أنكره .

قوله تعالى : " وقطعن أيديهن " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : حززن أيديهن ، وكن يحسبن أنهن يقطعن طعاما ، قاله ابن عباس ، وابن زيد .

والثاني : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثالث : كلمن الأكف وأبن الأنامل ، قاله وهب بن منبه .

قوله تعالى : " وقلن حاش لله " قرأ أبو عمرو " حاشا " بألف في الوصل في الموضعين ، واتفقوا على حذف الألف في الوقف ، وأبو عمرو جاء به على التمام والأصل ، والباقون حذفوا . وهذه الكلمة تستعمل في موضعين : أحدهما : الاستثناء ، والثاني : التبرئة من الشر . والأصل " حاشا " وهي مشتقة من قولك : كنت في حشا فلان ، أي : في ناحيته . والحشا : الناحية ، وأنشدوا :

بأي الحشا أمسى الخليط المباين

[ ص: 219 ] أي : بأي النواحي ، والمعنى : صار يوسف في حشا من أن يكون بشرا ، لفرط جماله . وقيل : صار في حشا مما قرفته به امرأة العزيز . وقال ابن عباس ، ومجاهد : " حاش لله " بمعنى : معاذ الله . قال الفراء : و " بشرا " منصوب ، لأن الباء قد استعملت فيه ، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء ، فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه ، فنصبوا على ذلك ، وكذلك قوله : ما هن أمهاتهم [المجادلة :2] ، وأما أهل نجد فيتكلمون بالباء وبغير الباء ، فإذا أسقطوها ، رفعوا ، وهو أقوى الوجهين في العربية . قال الزجاج : قوله : الرفع أقوى الوجهين ، غلط ، لأن كتاب الله أقوى اللغات ، ولم يقرأ بالرفع أحد ، وزعم الخليل ، وسيبويه ، وجميع النحويين القدماء أن " بشرا " منصوب ، لأنه خبر " ما " و " ما " بمنزلة " ليس " . قلت : وقد قرأ أبو المتوكل ، وأبو نهيك ، وعكرمة ، ومعاذ القارئ في آخرين : " ما هذا بشر " بالرفع . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وأبو السوار : " ما هذا بشرى " بكسر الباء والشين مقصورا منونا . قال الفراء : أي : ما هذا بمشترى . وقرأ ابن مسعود : " بشراء " بالمد والهمز مخفوضا منونا .

قوله تعالى : " إن هذا إلا ملك " قرأ أبي ، وأبو رزين ، وعكرمة ، وأبو حيوة ، والجحدري : " ملك " بكسر اللام .

قوله تعالى : " فذلكن الذي لمتنني فيه " قال المفسرون : لما ذهبت عقولهن فقطعن أيديهن ، قالت لهن ذلك .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #306  
قديم 14-08-2022, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (306)
صــ 220 إلى صــ 226




فإن قيل : " كيف أشارت إليه وهو حاضر بقولها : " فذلكن " ؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري :

أحدهما : أنها أشارت بـ " ذلكن " إلى يوسف بعد انصرافه من المجلس .

والثاني : أن في الكلام إضمار " هذا " تقديره : فهذا ذلكن . ومعنى [ ص: 220 ] " لمتنني فيه " أي : في حبه . ثم أقرت عندهن ، فقالت : " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " أي : امتنع .

قوله تعالى : " وليكونا من الصاغرين " قال الزجاج : القراءة الجيدة تخفيف " وليكونن " والوقوف عليها بالألف ، لأن النون الخفيفة تبدل منها في الوقف الألف ، تقول : اضربن زيدا ، وإذا وقفت قلت : اضربا . وقد قرئت " وليكونن " بتشديد النون ، وأكرهها ، لخلاف المصحف ، لأن الشديدة لا يبدل منها شيء . والصاغرون : المذلون .
قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم

قوله تعالى : " قال رب السجن أحب إلي " قال وهب بن منبه : لما قالت : " فذلكن الذي لمتنني فيه " قلن : لا لوم عليك ، قالت : فاطلبن إلى يوسف أن يسعفني بحاجتي ، فقلن : يا يوسف افعل ، فقالت : لئن لم يفعل لأخلدنه السجن ، فعند ذلك قال : " رب السجن أحب إلي " . وقرأ يعقوب : " السجن " بفتح السين هاهنا فحسب . قال الزجاج : من كسر سين " السجن " فعلى اسم المكان ، فيكون المعنى : نزول السجن أحب إلي من ركوب المعصية ، ومن فتح ، فعلى المصدر ، المعنى : أن أسجن أحب إلي . " وإلا تصرف عني كيدهن " أي : إلا تعصمني " أصب إليهن " أي : أمل إليهن . يقال : صبا إلى اللهو يصبو صبوا وصبوا وصباء : إذا مال . وقال ابن الأنباري : ومعنى هذا الكلام : اللهم اصرف عني كيدهن ، ولذلك قال : " فاستجاب له ربه " .

قال : فإن قيل : إنما كادته امرأة العزيز وحدها ، فكيف قال : " كيدهن " ؟

[ ص: 221 ] فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة في السفن ، وهو لم يخرج إلا في سفينة واحدة .

والثاني : أن المكني عنه امرأة العزيز والنسوة اللاتي عاضدنها على أمرها .

والثالث : أنه عنى امرأة العزيز وغيرها من نساء العالمين اللاتي لهن مثل كيدها .
ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين

قوله تعالى : " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات " في المراد بالآيات ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها شق القميص ، وقضاء ابن عمها عليها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أنها قد القميص ، وشهادة الشاهد ، وقطع الأيدي ، وإعظام النساء إياه ، رواه مجاهد عن ابن عباس .

والثالث : جماله وعفته ، ذكره الماوردي . قال وهب بن منبه : فأشار النسوة عليها بسجنه رجاء أن يستهوينه حين يخلو لهن في السجن ، وقلن : متى سجنتيه قطع ذلك عنك قالة الناس التي قد شاعت ، ورأوا أنك تبغضينه ، ويذله السجن لك ، فلما انصرفن عادت إلى مراودته فلم يزدد إلا بعدا عنها ، فلما يئست ، قالت لسيدها : إن هذا العبد قد فضحني ، وقد أبغضت رؤيته ، فائذن لي في سجنه ، فأذن لها ، فسجنته وأضرت به ، وقال السدي : قالت : إما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر بعذري ، وإما أن تحبسه كما حبستني ، فظهر للعزيز وأصحابه من الرأي حبس يوسف . قال الزجاج : كان العزيز أمر بالإعراض فقط ، ثم تغير رأيه عن ذلك . قال ابن الأنباري : وفي معنى الآية قولان :

أحدهما : " ثم بدا لهم " أي : ظهر لهم بالقول والرأي والفكر سجنه .

[ ص: 222 ] والثاني : ثم بدا لهم في يوسف بداء ، فقالوا : والله لنسجننه ، فاللام جواب يمين مضمرة . فأما الحين ، فهو يقع على قصير الزمان وطويله .

وفي المراد به هاهنا للمفسرين خمسة أقوال :

أحدها : خمس سنين ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : سنة ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : سبع سنين ، قاله عكرمة . والرابع : إلى انقطاع القالة ، قاله عطاء . والخامس : أنه زمان غير محدود ، ذكره الماوردي ، وهذا هو الصحيح ، لأنهم لم يعزموا على حبسه مدة معلومة ، وإنما ذكر المفسرون قدر ما لبث .
ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين

قوله تعالى : " ودخل معه السجن فتيان " قال الزجاج : فيه دليل على أنه حبس ، وإن لم يذكر ذلك . و " فتيان " جائز أن يكونا حدثين أو شيخين ، لأنهم يسمون المملوك فتى . قال ابن الأنباري : إنما قال : " فتيان " لأنهما كانا مملوكين ، والعرب تسمي المملوك فتى ، شابا كان أو شيخا . قال المفسرون : عمر ملك مصر فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه ، فبلغه ذلك فحبسهما ، فكان يوسف قال لأهل السجن : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين : هلم فلنجرب هذا العبد العبراني .

واختلفوا هل كانت رؤياهما صادقة ، أم لا ؟ على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها كانت كذبا ، وإنما سألاه تجريبا ، قاله ابن مسعود ، والسدي . [ ص: 223 ] والثاني : أنها كانت صدقا ، قاله مجاهد ، وابن إسحاق . والثالث : أن الذي صلب منهما كان كاذبا ، وكان الآخر صادقا ، قاله أبو مجلز .

قوله تعالى : " قال أحدهما " يعني الساقي " إني أراني " أي : في النوم " أعصر خمرا " أي : عنبا . وفي تسمية العنب خمرا ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه سماه باسم ما يؤول إليه ، لأن المعنى لا يلتبس ، كما يقال : فلان يطبخ الآجر ويعمل الدبس ، وإنما يطبخ اللبن ويصنع التمر ، وهذا قول أكثر المفسرين . قال ابن الأنباري : وإنما كان كذلك ، لأن العرب توقع بالفرع ما هو واقع بالأصل ، كقولهم : فلان يطبخ آجرا .

والثاني : أن الخمر في لغة أهل عمان اسم للعنب ، قاله الضحاك ، والزجاج . قال ابن القاسم : وقد نطقت قريش بهذه اللغة وعرفتها .

والثالث : أن المعنى : أعصر عنب خمر ، وأصل خمر ، وسبب خمر ، فحذف المضاف ، وخلفه المضاف إليه ، كقوله : واسأل القرية [يوسف :82] . قال أبو صالح عن ابن عباس : رأى يوسف ذات يوم الخباز والساقي مهمومين ، فقال : ما شأنكما ، قالا رأينا رؤيا ، قال : قصاها علي ، قال الساقي : إني رأيت كأني دخلت كرما فجنيت ثلاثة عناقيد عنب ، فعصرتهن في الكأس ، ثم أتيت به الملك فشربه ، وقال الخباز : رأيت أني خرجت من مطبخ الملك أحمل فوق رأسي ثلاث سلال من خبز ، فوقع طير على أعلاهن فأكل منها ، " نبئنا بتأويله " أي : أخبرنا بتفسيره . وفي قوله : " إنا نراك من المحسنين " خمسة أقوال :

أحدها : أنه كان يعود المرضى ويداويهم ويعزي الحزين ، رواه مجاهد عن ابن عباس .

والثاني : إنا نراك محسنا إن أنبأتنا بتأويله ، قاله ابن إسحاق .

[ ص: 224 ] والثالث : إنا نراك من العالمين قد أحسنت العلم ، قاله الفراء . قال ابن الأنباري : فعلى هذا يكون مفعول الإحسان محذوفا ، كما حذف في قوله : وفيه يعصرون [يوسف :49] يعني العنب والسمسم . وإنما علموا أنه عالم ، لنشره العلم بينهم .

والرابع : إنا نراك ممن يحسن التأويل ، ذكره الزجاج .

والخامس : إنا نراك محسنا إلى نفسك بلزومك طاعة الله ، ذكره ابن الأنباري .
قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار

قوله تعالى : " قال لا يأتيكما طعام ترزقانه " في معنى الكلام قولان :

أحدهما : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة إلا أخبرتكما به قبل أن يصل إليكما ، لأنه كان يخبر بما غاب كعيسى عليه السلام ، وهو قول الحسن .

والثاني : لا يأتيكما طعام ترزقانه في المنام إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما في اليقظة ، هذا قول السدي . قال ابن عباس : فقالا له : وكيف تعلم ذلك ، ولست بساحر ، ولا عراف ، ولا صاحب نجوم ; فقال : " ذلكما مما علمني ربي " .

فإن قيل : هذا كله ليس بجواب سؤالهما ، فأين جواب سؤالهما ؟ فعنه أربعة أجوبة :

أحدها : أنه لما علم أن أحدهما مقتول ، دعاهما إلى نصيبهما من الآخرة ، قاله قتادة .

[ ص: 225 ] والثاني : أنه عدل عن الجواب لما فيه من المكروه لأحدهما ، قاله ابن جريج .

والثالث : أنه ابتدأ بدعائهما إلى الإيمان قبل جواب السؤال ، قاله الزجاج .

والرابع : أنه ظنهما كاذبين في رؤياهما ، فعدل عن جوابهما ليعرضا عن مطالبته بالجواب ، فلما ألحا أجابهما ، ذكره ابن الأنباري . فأما الملة فهي الدين . وتكرير قوله : " هم " للتوكيد .

قوله تعالى : " ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء " قال ابن عباس : يريد : أن الله عصمنا من الشرك " ذلك من فضل الله علينا " أي : اتباعنا الإيمان بتوفيق الله . " وعلى الناس " يعني المؤمنين بأن دلهم على دينه . وقال ابن عباس : " ذلك من فضل الله علينا " أن جعلنا أنبياء " وعلى الناس " أن بعثنا إليهم ، " ولكن أكثر الناس " من أهل مصر " لا يشكرون " نعم الله فيوحدونه .

قوله تعالى : " أأرباب متفرقون " يعني : الأصنام من صغير وكبير " خير " أي : أعظم صفة في المدح " أم الله الواحد القهار " يعني أنه أحق بالإلهية من الأصنام ؟ . فأما الواحد ، فقال الخطابي : هو الفرد الذي لم يزل وحده ، وقيل : هو المنقطع القرين المعدوم الشريك ، والنظير وليس كسائر الآحاد من الأجسام المؤلفة ، فإن كل شيء سواه يدعى واحدا من جهة ، غير واحد من جهات ، والواحد لا يثنى من لفظه ، لا يقال : واحدان . والقهار : الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعقوبة . وقهر الخلق كلهم بالموت . وقال غيره : القهار الذي قهر كل شيء فذلـله ، فاستسلم وذل له .
ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا [ ص: 226 ] إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان

قوله تعالى : " ما تعبدون من دونه " إنما جمع في الخطاب لهما ، لأنه أراد جميع من شاركهما في شركهما . وقوله : " من دونه " أي : من دون الله " إلا أسماء " يعني : الأرباب والآلهة ولا يصح معاني تلك الأسماء للأصنام ، فكأنها أسماء فارغة ، فكأنهم يعبدون الأسماء ، لأنها لا تصح معانيها . " ما أنزل الله بها من سلطان " أي : من حجة بعبادتها . " إن الحكم إلا لله " أي : ما القضاء والأمر والنهي إلا له . " ذلك الدين القيم " أي : المستقيم ، يشير إلى التوحيد .

" ولكن أكثر الناس لا يعلمون " فيه قولان :

أحدهما : لا يعلمون أنه لا يجوز عبادة غيره . والثاني : لا يعلمون ماللمطيعين من الثواب وللعاصين من العقاب .

قوله تعالى : " أما أحدكما فيسقي ربه خمرا " الرب هاهنا : السيد . قال ابن السائب لما قص الساقي رؤياه على يوسف ، قال له : ما أحسن ما رأيت ! أما الأغصان الثلاثة ، فثلاثة أيام ، يبعث إليك الملك عند انقضائها ، فيردك إلى عملك ، فتعود كأحسن ما كنت فيه ، وقال للخباز : بئس ما رأيت ، السلال الثلاث ، ثلاثة أيام ، ثم يبعث إليك الملك عند انقضائهن ، فيقتلك ويصلبك ويأكل الطير من رأسك ، فقالا : ما رأينا شيئا ، فقال : " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان " أي : فرغ منه ، وسيقع بكما ، صدقتما أو كذبتما .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #307  
قديم 14-08-2022, 11:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (307)
صــ 227 إلى صــ 233





فإن قيل : لم حتم على وقوع التأويل ، وربما صدق تأويل الرؤيا وكذب ؟ فعنه جوابان :

[ ص: 227 ] أحدهما : أنه حتم ذلك لوحي أتاه من الله ، وسبيل المنام المكذوب فيه أن لا يقع تأويله ، فلما قال : " قضي الأمر " ، دل على أنه بوحي .

والثاني : أنه لم يحتم ، بدليل قوله : " وقال للذي ظن أنه ناج منهما " ، قال أصحاب هذا الجواب : معنى " قضي الأمر " : قطع الجواب الذي التمستماه من جهتي ، ولم يعن أن الأمر واقع بكما . وقال أصحاب الجواب الأول : الظن هاهنا بمعنى العلم .
وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين

قوله تعالى : " وقال للذي ظن أنه ناج منهما " يعني الساقي .

وفي هذا الظن قولان :

أحدهما : أنه بمعنى العلم ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الظن الذي يخالف اليقين ، قاله قتادة .

قوله تعالى : " اذكرني عند ربك " أي : عند صاحبك ، وهو الملك ، وقل له : إن في السجن غلاما حبس ظلما . واسم الملك الوليد بن الريان .

قوله تعالى : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " فيه قولان :

أحدهما : فأنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف لربه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن إسحاق .

والثاني : فأنسى الشيطان يوسف ذكر ربه ، وأمره بذكر الملك ابتغاء الفرج من عنده ، قاله مجاهد ، ومقاتل ، والزجاج ، وهذا نسيان عمد ، لا نسيان سهو ، وعكسه القول الذي قبله .

[ ص: 228 ] قوله تعالى : " فلبث في السجن بضع سنين " أي : غير ما كان قد لبث قبل ذلك ، عقوبة له على تعلقه بمخلوق .

وفي البضع تسعة أقوال :

أحدها : ما بين السبع والتسع ، روى ابن عباس أن أبا بكر لما ناحب قريشا عند نزول الم غلبت الروم [الروم 1،2] قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا احتطت ، فإن البضع ما بين السبع إلى التسع " . والثاني : اثنتا عشرة سنة ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثالث : سبع سنين ، قاله عكرمة . والرابع : أنه ما بين الخمس إلى السبع ، قاله الحسن . والخامس : أنه ما بين الأربع إلى التسع ، قاله مجاهد . والسادس : ما بين الثلاث إلى التسع ، قاله الأصمعي ، والزجاج . والسابع : أن يكون البضع بين الثلاث والتسع والعشر ، قاله قتادة . والثامن : أنه ما دون العشرة ، قاله الفراء ، وقال الأخفش : البضع : من واحد إلى عشرة . والتاسع : أنه ما لم يبلغ العقد ولا نصفه ، قاله أبو عبيدة . قال ابن قتيبة : يعني ما بين الواحد إلى الأربعة . وروى الأثرم عن أبي عبيدة : البضع : ما بين ثلاث وخمس .

وفي جملة ما لبث في السجن ثلاثة أقوال :

أحدها : اثنتا عشرة سنة ، قاله ابن عباس . والثاني : أربع عشرة ، قاله الضحاك . والثالث : سبع سنين ، قاله قتادة . قال مالك بن دينار : لما قال يوسف [ ص: 229 ] للساقي " اذكرني عند ربك " ، قيل له : يا يوسف ، أتخذت من دوني وكيلا ؟ لأطيلن حبسك ، فبكى ، وقال : يارب ، أنسى قلبي كثرة البلوى ، فقلت كلمة ، فويل لإخوتي .
وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون

قوله تعالى : " وقال الملك " يعني ملك مصر الأكبر " إني أرى " يعني في المنام ، ولم يقل : رأيت ، وهذا جائز في اللغة أن يقول القائل : أرى ، بمعنى رأيت . قال وهب بن منبه : لما انقضت المدة التي وقتها الله تعالى ليوسف في حبسه ، دخل عليه جبريل إلى السجن ، فبشره بالخروج وملك مصر ولقاء أبيه ، فلما أمسى الملك من ليلتئذ ، رأى سبع بقرات سمان خرجن من البحر ، في آثارهن سبع عجاف ، فأقبلت العجاف على السمان ، فأخذن بأذنابهن فأكلنهن إلى القرنين ، ولم يزد في العجاف شيء ، ورأى سبع سنبلات خضر وقد أقبل عليهن سبع يابسات فأكلنهن حتى أتين عليهن ، ولم يزدد في اليابسات شيء ، فدعا أشراف قومه فقصها عليهم ، فقالوا : " أضغاث أحلام " . قال الزجاج : والعجاف : التي قد بلغت في الهزال الغاية . والملأ : الذين يرجع إليهم في الأمور ويقتدى برأيهم ، واللام في قوله : " للرؤيا " دخلت على المفعول للتبيين ، المعنى : إن كنتم تعبرون . ثم بين باللام فقال : " للرؤيا " . ومعنى عبرت الرؤيا وعبرتها : أخبرت بآخر ما يؤول إليه أمرها ، واشتقاقه من عبر النهر ، وهو شاطئ النهر ، فتأويل عبرت النهر : بلغت إلى عبره ، أي : إلى شطه ، وهو آخر عرضه .

[ ص: 230 ] وذكر ابن الأنباري في اللام قولين :

أحدهما : أنها للتوكيد . والثاني : أنها أفادت معنى " إلى " والمعنى : إن كنتم توجهون العبارة إلى الرؤيا .
قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين

قوله تعالى : " قالوا أضغاث أحلام " قال أبو عبيدة : واحدها ضغث مكسورة ، وهي ما لا تأويل له من الرؤيا تراه جماعات ، تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش ، فيقال : ضغث ، أي : ملء كف منه . وقال الكسائي : الأضغاث : الرؤيا المختلطة . وقال ابن قتيبة : " أضغاث أحلام " أي : أخلاط مثل أضغاث النبات يجمعها الرجل ، فيكون فيها ضروب مختلفة . وقال الزجاج : الضغث في اللغة : الحزمة والباقة من الشيء ، كالبقل وما أشبهه ، فقالوا له : رؤياك أخلاط أضغاث ، أي : حزم أخلاط ، ليست برؤيا بينة ، " وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين " أي : ليس للرؤيا المختلطة عندنا تأويل . وقال غيره : وما نحن بتأويل الأحلام الذي هذا وصفها بعالمين . والأحلام : جمع حلم ، وهو ما يراه الإنسان في نومه مما يصح ومما يبطل .
وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون

[ ص: 231 ] قوله تعالى : " وقال الذي نجا منهما " يعني الذي تخلص من القتل من الفتيين ، وهو الساقي ، و " ادكر " أي : تذكر شأن يوسف وما وصاه به ، قال الزجاج : وأصل ادكر : اذتكر ، ولكن التاء أبدلت منها الدال ، وأدغمت الذال في الدال . وقرأ الحسن : " واذكر " بالذال المشددة . وقوله : " بعد أمة " أي : بعد حين ، وهو الزمان الذي لبثه يوسف بعده في السجن ، وقد سبق بيانه . وقرأ ابن عباس ، والحسن " بعد أمة " أراد : بعد نسيان .

فإن قيل : هذا يدل على أن الناسي في قوله : " فأنساه الشيطان ذكر ربه " هو الساقي ، ولا شك أن من قال : إن الناسي يوسف يقول : لم ينس الساقي .

فالجواب أن من قال : إن يوسف نسي ، يقول : معنى قوله : " وادكر " ذكر ، كما تقول العرب : احتلب بمعنى حلب ، واغتدى بمعنى غدا ، فلا يدل إذا على نسيان سبقه . وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال : إنما لم يذكر الساقي خبر يوسف للملك حتى احتاج الملك إلى تأويل رؤياه ، خوفا من أن يكون ذكره ليوسف سببا لذكره الذنب الذي من أجله حبس ، ذكر هذا الجواب ابن الأنباري .

قوله تعالى : " أنا أنبئكم بتأويله " أي : من جهة يوسف " فأرسلون " أثبت الياء فيها وفي ولا تقربون [يوسف :60] أن تفندون [يوسف :94] يعقوب في الحالين ، فخاطب الملك وحده بخطاب الجميع ، تعظيما ، وقيل : خاطبه وخاطب أتباعه . وفي الكلام اختصار ، المعنى : فأرسلوه فأتى يوسف فقال : يا يوسف يا أيها الصديق . والصديق : الكثير الصدق ، كما يقال : فسيق ، وسكير ، وقد سبق بيانه [النساء :69] .

[ ص: 232 ] قوله تعالى : " لعلي أرجع إلى الناس " يعني الملك وأصحابه والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه . وفي قوله : " لعلهم يعلمون " قولان :

أحدهما : يعلمون تأويل رؤيا الملك . والثاني : يعلمون بمكانك فيكون سبب خلاصك .

وذكر ابن الأنباري : في تكرير " لعلي " قولين : أحدهما : أن " لعل " الأولى متعلقة بالإفتاء . والثانية مبنية على الرجوع . وكلتاهما بمعنى " كي " .

والثاني : أن الأولى بمعنى " عسى " ، والثانية بمعنى " كي " فأعيدت لاختلاف المعنيين ، وهذا هو الجواب عن قوله : لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون [يوسف :63] . قال المفسرون : كان سيده العزيز قد مات . واشتغلت عنه امرأته . وقال بعضهم : لم يكن العزيز قد مات ، فقال يوسف للساقي : قل للملك : هذه سبع سنين مخصبات ، ومن بعدهن سبع سنين شداد ، إلا أن يحتال لهن ، فانطلق الرسول إلى الملك فأخبره . فقال له الملك : ارجع إليه فقل : له كيف يصنع ؟ فقال : " تزرعون سبع سنين دأبا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم " دأبا " ساكنة الهمزة ، إلا أن أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة لم يهمزها . وروى حفص عن عاصم " دأبا " بفتح الهمزة . قال أبو علي : الأكثر في " دأب " الإسكان ، ولعل الفتح لغة ، ومعنى " دأبا " أي : زراعة متوالية على عادتكم ، والمعنى : تزرعون دائبين . فناب " دأب " عن " دائبين " . وقال الزجاج : المعنى : تدأبون دأبا ، ودل على تدأبون " تزرعون " والدأب : الملازمة للشيء والعادة .

فإن قيل : كيف حكم بعلم الغيب ، فقال : " تزرعون " ولم يقل : إن شاء الله ؟ فعنه أربعة أجوبة :

[ ص: 233 ] أحدها : أنه كان بوحي من الله عز وجل . والثاني : أنه بنى على علم ما علمه الله من التأويل الحق ، فلم يشك . والثالث : أنه أضمر " إن شاء الله " كما أضمر إخوته في قولهم : ونمير أهلنا ونحفظ أخانا [يوسف :65] فأضمروا الاستثناء في نياتهم لأنهم على غير ثقة مما وعدوا ، ذكره ابن الأنباري . والرابع : أنه كالآمر لهم ، فكأنه قال : ازرعوا .

قوله تعالى : " فذروه في سنبله " فإنه أبقى له ، وأبعد من الفساد ، والشداد : المجدبات التي تشتد على الناس . " يأكلن " أي : يذهبن ما قدمتم لهن في السنين المخصبات ، فوصف السنين بالأكل ، وإنما يؤكل فيها ، كما يقال : ليل نائم .

قوله تعالى : " إلا قليلا مما تحصنون " أي : تحرزون وتدخرون .
ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون

قوله تعالى : " ثم يأتي من بعد ذلك عام " إن قيل : لم أشار إلى السنين وهي مؤنثة بـ " ذلك " ؟

فعنه جوابان ذكرهما ابن القاسم :

أحدهما : أن السبع مؤنثة ، ولا علامة للتأنيث في لفظها ، فأشبهت المذكر ، كقوله : السماء منفطر به [المزمل :18] فذكر منفطرا لما لم يكن في السماء علم التأنيث ، قال الشاعر :


فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها


فذكر " أبقل " لما وصفنا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #308  
قديم 14-08-2022, 11:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (308)
صــ 234 إلى صــ 240




[ ص: 234 ] والثاني : أن " ذلك " إشارة إلى الجدب ، وهذا قول مقاتل ، والأول قول الكلبي . قال قتادة : زاده الله علم عام لم يسألوه عنه .

قوله تعالى : " فيه يغاث الناس " فيه قولان :

أحدهما : يصيبهم الغيث ، قاله ابن عباس . والثاني : يغاثون بالخصب ، ذكره الماوردي .

قوله تعالى : " وفيه يعصرون " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : " يعصرون " بالياء . وقرأ حمزة ، والكسائي بالتاء ، فوجها الخطاب إلى المستفتين .

وفي قوله : " يعصرون " خمسة أقوال :

أحدها : يعصرون العنب والزيت والثمرات ، رواه العوفي عن ابن عباس . وبه قال قتادة ، والجمهور .

والثاني : يعصرون بمعنى يحتلبون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وروى ابن الأنباري عن أبيه عن أحمد بن عبيد قال : تفسير " يعصرون " يحتلبون الألبان لسعة خيرهم واتساع خصبهم ، واحتج بقول الشاعر :


فما عصمة الأعراب إن لم يكن لهم طعام ولا در من المال يعصر


أي : يحلب .

والثالث : ينجون ، وهو من العصر ، والعصر : النجاء ، والعصرة : المنجاة . ويقال : فلان في عصرة : إذا كان في حصن لا يقدر عليه ، قال الشاعر :

[ ص: 235 ]
صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصرة المنجود


أي : غياثا للمغلوب المقهور ، وقال عدي :


لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري


والرابع : يصيبون ما يحبون ، روي عن أبي عبيدة أيضا أنه قال : المعتصر : الذي يصيب الشيء ويأخذه ، ومنه هذه الآية . ومنه قول ابن أحمر :


فإنما العيش بريانه وأنت من أفنانه معتصر


والخامس : يعطون ويفضلون لسعة عيشهم ، رواه ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة . وقرأ سعيد بن جبير : " يعصرون " بضم الياء وفتح الصاد . وقال الزجاج : أراد يمطرون من قوله : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا [النبإ :14] .
وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين

[ ص: 236 ] قوله تعالى : " وقال الملك ائتوني به " قال المفسرون : لما رجع الساقي إلى الملك وأخبره بتأويل رؤياه ، وقع في نفسه صحة ما قال ، فقال : ائتوني بالذي عبر رؤياي ، فجاءه الرسول ، فقال : أجب الملك ، فأبى أن يخرج حتى تبين براءته مما قرف به ، فقال : " ارجع إلى ربك " يعني الملك " فاسأله ما بال النسوة " وقرأ ابن أبي عبلة : " النسوة " بضم النون ، والمعنى : فاسأل الملك أن يتعرف ما شأن تلك النسوة وحالهن ليعلم صحة براءتي ، وإنما أشفق أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره أو متهم بفاحشة ، وأحب أن يراه بعد استقرار براءته عنده . وظاهر قوله : " إن ربي بكيدهن عليم " أنه يعني الله تعالى ، وحكى ابن جرير الطبري أنه أراد به سيده العزيز ، والمعنى : أنه يعلم براءتي . وقد روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه استحسن حزم يوسف وصبره عن التسرع إلى الخروج ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الكريم بن الكريم بن الكريم [ابن الكريم] يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ، ثم جاءني الداعي لأجبت " .

وفي ذكره للنسوة دون امرأة العزيز أربعة أقوال :

أحدها : أنه خلطها بالنسوة ، لحسن عشرة فيه وأدب ، قاله الزجاج . والثاني : لأنها زوجة ملك ، فصانها . والثالث : لأن النسوة شاهدات عليها له . والرابع : لأن في ذكره لها نوع تهمة ، ذكر الأقوال الثلاثة الماوردي . قال المفسرون : فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف ، فدعا الملك النسوة وفيهن [ ص: 237 ] امرأة العزيز ، فقال : " ما خطبكن " أي : ما شأنكن وقصتكن " إذ راودتن يوسف " .

فإن قيل : إنما راودته واحدة ، فلم جمعهن ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه جمعهن في السؤال ليعلم عين المراودة . والثاني : أن أزليخا راودته على نفسه ، وراوده باقي النسوة على القبول منها . والثالث : أنه جمعهن في الخطاب ، والمعنى لواحدة منهن ، لأنه قد يوقع على النوع وصف الجنس إذا أمن من اللبس ، يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء : " إنكن أكثر أهل النار " ، فجمعهن في الخطاب والمعنى لبعضهن ، ذكره ابن الأنباري .

قوله تعالى : " قلن حاش لله " قال الزجاج : قرأ الحسن بتسكين الشين ، ولا اختلاف بين النحويين أن الإسكان غير جائز ، لأن الجمع بين ساكنين لا يجوز ، ولا هو من كلام العرب . فأعلم النسوة الملك براءة يوسف من السوء ، فقالت امرأة العزيز : " الآن حصحص الحق " أي : برز وتبين ، واشتقاقه في اللغة من الحصة ، أي : بانت حصة الحق وجهته من حصة جهة الباطل . وقال ابن القاسم : [ ص: 238 ] " حصحص " بمعنى وضح وانكشف ، تقول العرب : حصحص البعير في بروكه : إذا تمكن ، وأثر في الأرض ، وفرق الحصى .

وللمفسرين في ابتداء أزليخا بالإقرار قولان :

أحدهما : أنها لما رأت النسوة قد برأنه ، قالت : لم يبق إلا أن يقبلن على بالتقرير ، فأقرت ، قاله الفراء .

والثاني : أنها أظهرت التوبة وحققت صدق يوسف ، قاله الماوردي .
ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين

قوله تعالى : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " قال مقاتل : " ذلك " بمعنى هذا . وقال ابن الأنباري : قال اللغويون هذا وذلك يصلحان في هذا الموضع وأشباهه ، لقرب الخبر من أصحابه ، فصار كالمشاهد الذي يشار إليه بهذا ، ولما كان متقضيا ، أمكن أن يشار إليه بذلك ، لأن المتقضي كالغائب .

واختلفوا في القائل لهذا على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يوسف ، وهو من أغمض ما يأتي من الكلام أن تحكي عن شخص شيئا ثم تصله بالحكاية عن آخر ، ونظير هذا قوله : يريد أن يخرجكم من أرضكم [الأعراف :110] هذا قول الملإ " فماذا تأمرون " قول فرعون ومثله وجعلوا أعزة أهلها أذلة [النمل :34] هذا قول بلقيس " وكذلك يفعلون " قول الله تعالى . ومثله من بعثنا من مرقدنا [يس :52] هذا قول الكفار ، فقالت الملائكة : " هذا ما وعد الرحمن " وإنما يجوز مثل هذا في الكلام ، لظهور الدلالة على المعنى .

[ ص: 239 ] واختلفوا ، أين قال يوسف هذا ؟ على قولين :

أحدهما أنه لما رجع الساقي إلى يوسف فأخبره وهو في السجن بجواب امرأة العزيز والنسوة للملك ، قال حينئذ : " ذلك ليعلم " رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال ابن جريج .

والثاني : أنه قاله بعد حضوره مجلس الملك ، رواه عطاء عن ابن عباس :

قوله تعالى : " ذلك ليعلم " أي : ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك ليعلم .

واختلفوا في المشار إليه بقوله : " ليعلم " وقوله " لم أخنه " على أربعة أقوال :

أحدها : أنه العزيز ، والمعنى : ليعلم العزيز أني لم أخنه في امرأته " بالغيب " أي : إذا غاب عني ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور .

والثاني : أن المشار إليه بقوله : " ليعلم " الملك ، والمشار إليه بقوله : " لم أخنه " العزيز ، والمعنى : ليعلم الملك أني لم أخن العزيز في أهله بالغيب ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : أن المشار إليه بالشيئين ، الملك ، فالمعنى : ليعلم الملك أني لم أخنه ، يعني الملك أيضا ، بالغيب .

وفي وجه خيانة الملك في ذلك قولان :

أحدهما : لكون العزيز وزيره ، فالمعنى : لم أخنه في امرأة وزيره ، قاله ابن الأنباري .

والثاني : لم أخنه في بنت أخته ، وكانت أزليخا بنت أخت الملك ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 240 ] والرابع : أن المشار إليه بقوله : " ليعلم " الله ، فالمعنى ليعلم الله أني لم أخنه ، روي عن مجاهد ، قال ابن الأنباري : نسب العلم إلى الله في الظاهر ، وهو في المعنى للمخلوقين ، كقوله : حتى نعلم المجاهدين منكم [محمد :31] .

فإن قيل : إن كان يوسف قال هذا في مجلس الملك ، فكيف قال : " ليعلم " ولم يقل : لتعلم ، وهو يخاطبه ؟

فالجواب : أنا إن قلنا : إنه كان حاضرا عند الملك ، فإنما آثر الخطاب بالياء توقيرا للملك ، كما يقول الرجل للوزير : إن رأى الوزير أن يوقع في قصتي . وإن قلنا : إنه كان غائبا ، فلا وجه لدخول التاء ، وكذلك إن قلنا : إنه عنى العزيز ، والعزيز غائب عن مجلس الملك حينئذ .

والقول الثاني : أنه قول امرأة العزيز ، فعلى هذا يتصل بما قبله ، والمعنى : ليعلم يوسف أني لم أخنه في غيبته الآن بالكذب عليه .

والثالث : أنه قول العزيز ، والمعنى : ليعلم يوسف أني لم أخنه بالغيب ، فلم أغفل عن مجازاته على أمانته ، حكى القولين الماوردي .

قوله تعالى : " وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " قال ابن عباس : لا يصوب عمل الزناة ، وقال غيره : لا يرشد من خان أمانته ويفضحه في عاقبته .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #309  
قديم 14-08-2022, 11:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (309)
صــ 241 إلى صــ 247





وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين

[ ص: 241 ] قوله تعالى : " وما أبرئ " في القائل لهذا ثلاثة أقوال ، وهي التي تقدمت في الآية قبلها .

فالذين قالوا : هو يوسف ، اختلفوا في سبب قوله لذلك على خمسة أقوال :

أحدها : أنه لما قال : " ليعلم أني لم أخنه بالغيب " غمزه جبريل ، فقال : ولا حين هممت ؟ فقال : " وما أبرئ نفسي " رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الأكثرون .

والثاني : أن يوسف لما قال : " لم أخنه " ذكر أنه قد هم بها فقال : " وما أبرئ نفسي " رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أنه لما قال ذلك ، خاف أن يكون قد زكى نفسه ، فقال : " وما أبرئ نفسي " ، قاله الحسن .

والرابع : أنه لما قاله ، قال له الملك الذي معه : اذكر ما هممت به ، فقال : " وما أبرئ نفسي " ، قاله قتادة .

والخامس : أنه لما قاله ، قالت امرأة العزيز : ولا يوم حللت سراويلك ، فقال : " وما أبرئ نفسي " ، قاله السدي .

والذين قالوا : هذا قول امرأة العزيز ، فالمعنى : وما أبرئ نفسي أني كنت راودته .

والذين قالوا : هو العزيز ، فالمعنى : وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف ، لأنه قد خطر لي .

قوله تعالى : " لأمارة بالسوء " قرأ ابن عامر ، وأهل الكوفة ويعقوب إلا رويسا : " بالسوء إلا " بتحقيق الهمزتين . وقرأ أبو عمرو ، وابن شنبوذ عن قنبل بتحقيق الثانية وحذف الأولى . وروى نظيف عن قنبل بتحقيق الأولى وقلب الثانية ياء . وقرأ أبو جعفر ، وورش ، ورويس بتحقيق الأولى وتليين الثانية [ ص: 242 ] بين بين ، مثل : " السوء علا " . وروى ابن فليح بتحقيق الثانية وقلب الأولى واوا ، وأدغمها في الواو التي قبلها . فتصير واوا مكسورة مشددة قبل همزة " إلا " .

قوله تعالى : " إلا ما رحم ربي " قال ابن الأنباري : قال اللغويون هذا استثناء منقطع ، والمعنى : إلا أن رحمة ربي عليها المعتمد . قال أبو صالح عن ابن عباس : المعنى : إلا من عصم ربي . وقيل : " ما " بمعنى " من " . قال الماوردي : ومن قال : هو قول امرأة العزيز ، فالمعنى : إلا من رحم ربي في قهره لشهوته ، أو في نزعها عنه . ومن قال : هو قول العزيز ، فالمعنى : إلا من رحم ربي بأن يكفيه سوء الظن ، أو يثبته فلا يعجل . قال ابن الأنباري : والقول بأن هذا قول يوسف ، أصح لوجهين :

أحدهما : لأن العلماء عليه . والثاني : لأن المرأة كانت عابدة وثن ، وما تضمنته " الآية " أليق أن يكون قول يوسف من قول من لا يعرف الله عز وجل . وقال المفسرون : فلما تبين الملك عذر يوسف وعلم أمانته ، قال : " ائتوني به أستخلصه لنفسي " أي : أجعله خالصا لي ، لا يشركني فيه أحد .

فإن قيل : فقد رويتم في بعض ما مضى أن يوسف قال في مجلس الملك : " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " ، فكيف قال الملك : " ائتوني به " وهو حاضر عنده ؟!

فالجواب : أن أرباب هذا القول يقولون : أمر الملك بإحضاره ليقلده الأعمال في غير المجلس الذي استحضره فيه لتعبير الرؤيا . قال وهب : لما دخل يوسف على الملك ، وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا ، كان كلما كلمه بلسان ، أجابه يوسف بذلك اللسان ، فعجب الملك ، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فقال : إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاها فذكرها له ، قال : فما ترى أيها الصديق ؟ [ ص: 243 ] قال : أرى أن تزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة ، وتجمع الطعام ، فيأتيك الناس فيمتارون ، وتجمع عندك من الكنوز مالم يجتمع لأحد ، فقال الملك : ومن لي بهذا ؟ فقال يوسف : " اجعلني على خزائن الأرض " . قال ابن عباس : ويريد : بقوله : " مكين أمين " أي : قد مكنتك في ملكي وائتمنتك فيه . وقال مقاتل : المكين : الوجيه ، والأمين : الحافظ .

قوله تعالى : " اجعلني على خزائن الأرض " أي : خزائن أرضك .

وفي المراد بالخزائن قولان :

أحدهما : خزائن الأموال ، قاله الضحاك ، والزجاج .

والثاني : خزائن الطعام فحسب ، قاله ابن السائب . قال الزجاج : وإنما سأل ذلك ، لأن الأنبياء بعثوا بالعدل ، فعلم أنه لا أحد أقوم بذلك منه .

وفي قوله : إني حفيظ عليم ثلاثة أقوال :

أحدها : حفيظ لما وليتني ، عليم بالمجاعة متى تكون ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : حفيظ لما استودعتني ، عليم بهذه السنين ، قاله الحسن .

والثالث : حفيظ للحساب ، عليم بالألسن ، قاله السدي ، وذلك أن الناس كانوا يردون على الملك من كل ناحية فيتكلمون بلغات مختلفة .

واختلفوا ، هل ولاه الملك يومئذ ، أم لا ؟ على ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه ولاه بعد سنة ، روى الضحاك عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رحم الله أخي يوسف ، لو لم يقل : اجعلني على خزائن الأرض ، لاستعمله من ساعته ، ولكنه أخر ذلك سنة " . وذكر مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 244 ] قال : " لو أن يوسف قال إني حفيظ عليم إن شاء الله ، لملك من وقته " . قال مجاهد : أسلم الملك على يد يوسف ، وقال أهل السير : أقام في بيت الملك سنة ، فلما انصرمت ، دعاه الملك ، فتوجه ، ورداه بسيفه ، وأمر له بسرير من ذهب ، وضرب عليه كلة من إستبرق ، فجلس على السرير كالقمر ، ودانت له الملوك ، ولزم الملك بيته ، وفوض أمره إليه ، وعزل قطفير عما كان عليه ، وجعل يوسف مكانه ، ثم إن قطفير هلك في تلك الليالي ، فزوج الملك يوسف بامرأة قطفير ، فلما دخل عليها قال : أليس هذا خيرا مما تريدين ؟ فقالت : أيها الصديق لا تلمني ، فإني كنت امرأة حسناء في ملك ودنيا ، وكان صاحبي لا يأتي النساء ، فغلبتني نفسي ، فلما بنى بها يوسف وجدها عذراء ، فولدت له ابنين ، إفراييم ، وميشا ، واستوسق له ملك مصر .

والقول الثاني : أنه ملكه بعد سنة ونصف ، حكاه مقاتل عن ابن عباس .

والثالث : أنه سلم إليه الأمر من وقته ، قاله وهب ، وابن السائب .

فإن قيل : كيف قال يوسف : " إني حفيظ عليم " ولم يقل : إن شاء الله ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن ترك الاستثناء أوجب عقوبة بأن أخر تمليكه ، على ما ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

والثاني : أنه أضمر الاستثناء ، كما أضمروه في قولهم : " ونمير أهلنا "

والثالث : أنه أراد أن حفظي وعلمي يزيدان على حفظ غيري وعلمه ، فلم يحتج هذا إلى الاستثناء ، لعدم الشك فيه ، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري .

فإن قيل : كيف مدح نفسه بهذا القول ، ومن شأن الأنبياء والصالحين التواضع ؟

[ ص: 245 ] فالجواب : أنه لما خلا مدحه لنفسه من بغي وتكبر ، وكان مراده به الوصول إلى حق يقيمه وعدل يحييه وجور يبطله ، كان ذلك جميلا جائزا ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : " أنا أكرم ولد آدم على ربه " ، وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : والله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت ، أم بنهار . وقال ابن مسعود : لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته . فهذه الأشياء ، خرجت مخرج الشكر لله ، وتعريف المستفيد ما عند المفيد ، ذكر هذا محمد بن القاسم . قال القاضي أبو يعلى : في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه ، وأنه ليس من المحظور في قوله : فلا تزكوا أنفسكم [النجم :32] .

قوله تعالى : " وكذلك مكنا ليوسف " في الكلام محذوف ، تقديره : اجعلني على خزائن الأرض ، قال : قد فعلت ، فحذف ذلك ، لأن قوله : " وكذلك مكنا ليوسف " يدل عليه ، والمعنى : ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في دفع المكروه عنه ، وتخليصه من السجن ، وتقريبه من قلب الملك ، أقدرناه على ما يريد في أرض مصر " يتبوأ منها حيث يشاء " قال ابن عباس : ينزل حيث أراد . وقرأ ابن كثير ، والمفضل : " حيث نشاء " بالنون .

قوله تعالى : " نصيب برحمتنا " أي : نختص بنعمتنا من النبوة والنجاة " من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين " يعني المؤمنين . يقال : إن يوسف باع أهل مصر الطعام بأموالهم ، وحليهم ، ومواشيهم ، وعقارهم ، وعبيدهم ، ثم بأولادهم ، ثم برقابهم ، ثم قال للملك : كيف ترى صنع ربي ؟ فقال الملك : إنما نحن لك تبع ، قال : [ ص: 246 ] فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر ورددت عليهم أملاكهم . وكان يوسف لا يشبع في تلك الأيام ، ويقول : إني أخاف أن أنسى الجائع .
ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون

قوله تعالى : " ولأجر الآخرة خير " المعنى : ما نعطي يوسف في الآخرة ، خير مما أعطيناه في الدنيا ، وكذلك غيره من المؤمنين ممن سلك طريقه في الصبر .
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون

قوله تعالى : " وجاء إخوة يوسف " روى الضحاك عن ابن عباس قال : لما فوض الملك إلى يوسف أمر مصر ، تلطف يوسف للناس ، ولم يزل يدعوهم إلى الإسلام ، فآمنوا به وأحبوه ، فلما أصاب الناس القحط ، نزل ذلك بأرض كنعان ، فأرسل يعقوب ولده للميرة ، وذاع أمر يوسف في الآفاق ، وانتشر عدله ورحمته ورأفته ، فقال يعقوب : يا بني ، إنه قد بلغني أن بمصر ملكا صالحا ، فانطلقوا إليه وأقرئوه مني السلام ، وانتسبوا له لعله يعرفكم ، فانطلقوا فدخلوا عليه ، فعرفهم وأنكروه ، قال : من أين أقبلتم ؟ قالوا : من أرض كنعان ، ولنا شيخ يقال له : يعقوب ، وهو يقرئك السلام ، فبكى وعصر عينيه وقال : لعلكم جواسيس جئتم تنظرون عورة بلدي ، فقالوا : لا والله ، ولكنا من كنعان ، أصابنا الجهد فأمرنا أبونا أن نأتيك ، فقد بلغه عنك خير ، قال : فكم أنتم ؟ قالوا : أحد عشر أخا ، وكنا اثني عشر فأكل أحدنا الذئب ، قال : فمن يعلم صدقكم ؟ ائتوني بأخيكم الذي من أبيكم . وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : لما دخلوا عليه كلموه بالعبرانية ، فأمر الترجمان فكلمهم ليشبه عليهم ، فقال للترجمان : قل لهم : أنتم عيون ، بعثكم ملككم لتنظروا إلى أهل مصر فتخبرونه فيأتينا بالجنود ، فقالوا : لا ، [ ص: 247 ] ولكنا قوم لنا أب شيخ كبير ، وكنا اثني عشر ، فهلك منا واحد في الغنم ، وقد خلفنا عند أبينا أخا له من أمه ، فقال : إن كنتم صادقين ، فخلفوا عندي بعضكم رهنا ، وائتوني بأخيكم ، فحبس عنده شمعون .

واختلفوا بماذا عرفهم يوسف على قولين :

أحدهما : أنه عرفهم برؤيتهم ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه ما عرفهم حتى تعرفوا إليه ، قاله الحسن .

قوله تعالى : " وهم له منكرون " قال مقاتل : لا يعرفونه .

وفي علة كونهم لم يعرفوه قولان :

أحدهما : أنهم جاؤوه مقدرين أنه ملك كافر ، فلم يتأملوا منه ما يزول به عنهم الشك .

والثاني : أنهم عاينوا من زيه وحليته ما كان سببا لإنكارهم . وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أنه كان لابسا ثياب حرير ، وفي عنقه طوق من ذهب .

فإن قيل : كيف يخفى من قد أعطي نصف الحسن ، وكيف يشتبه بغيره ؟

فالجواب : أنهم فارقوه طفلا ورأوه كبيرا ، والأحوال تتغير ، وما توهموا أنه ينال هذه المرتبة . وقال ابن قتيبة : معنى كونه أعطي نصف الحسن ، أن الله جعل للحسن غاية وحدا ، وجعله لمن شاء من خلقه ، إما للملائكة ، أو للحور ، فجعل ليوسف نصف ذلك الحسن ، فكأنه كان حسنا مقاربا لتلك الوجوه الحسنة ، وليس كما يزعم الناس من أنه أعطي هذا الحسن ، وأعطي الناس كلهم نصف الحسن .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #310  
قديم 14-08-2022, 11:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,040
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ يُوسُفَ
الحلقة (310)
صــ 248 إلى صــ 254



ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين
فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون

قوله تعالى : " ولما جهزهم بجهازهم " يقال : جهزت القوم تجهيزا : إذا هيأت [ ص: 248 ] لهم ما يصلحهم ، وجهاز البيت : متاعه . قال المفسرون : حمل لكل رجل منهم بعيرا ، وقال " ألا ترون أني أوفي الكيل " أي : أتمه ولا أبخسه ، " وأنا خير المنزلين " يعني : المضيفين ، وذلك أنه أحسن ضيافتهم . ثم أوعدهم على ترك الإتيان بأخيهم ، فقال : " فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي " وفيه قولان :

أحدهما : أنه يعني به : فيما بعد ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أنه منعهم الكيل في الحال ، قاله وهب بن منبه .
قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون

قوله تعالى : " قالوا سنراود عنه أباه " أي : نطلبه منه ، والمراودة : الاجتهاد في الطلب .

وفي قوله : " وإنا لفاعلون " ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى : وإنا لجاؤوك به ، وضامنون لك المجيء به ، هذا مذهب الكلبي .

والثاني : أنه توكيد ، قاله الزجاج ، فعلى هذا ، يكون الفعل الذي ضمنوه عائدا إلى المراودة ، فيصح معنى التوكيد .

والثالث : وإنا لمديمون المطالبة به لأبينا ، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه ، وهذا غير المراودة ، ذكره ابن الأنباري .

فإن قيل : كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه ، وهو يعلم مافي ذلك من إدخال الحزن على أبيه ؟ فعنه خمسة أجوبة :

أحدها : أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه ، وهذا الأظهر .

[ ص: 249 ] والثاني : أنه طلبه لا ليحبسه ، فلما عرفه قال : لا أفارقك يا يوسف ، قال : لا يمكنني حبسك إلا أن أنسبك إلى أمر فظيع ، قال : افعل ما بدا لك ، قاله كعب .

والثالث : أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف .

والرابع : ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه .

والخامس : ليعجل سرور أخيه باجتماعه به قبل إخوته . وكل هذه الأجوبة مدخولة ، إلا الأول ، فإنه الصحيح . ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه ، قال : لما جمع الله بين يوسف ويعقوب ، قال له : يعقوب بيني وبينك هذه المسافة القريبة ، ولم تكتب إلى تعرفني ؟! فقال : إن جبريل أمرني أن لا أعرفك ، فقال له : سل جبريل ، فسأله ، فقال : إن الله أمرني بذلك ، فقال : سل ربك ، فسأله ، فقال : قل ليعقوب خفت عليه الذئب ، ولم تؤمني ؟
وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون

قوله تعالى : " وقال لفتيانه " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : " لفتيته " . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " لفتيانه " . قال أبو علي : الفتية جمع فتى في العدد القليل ، والفتيان في الكثير . والمعنى : قال لغلمانه : " اجعلوا بضاعتهم " وهي التي اشتروا بها الطعام " في رحالهم " ، والرحل : كل شيء يعد للرحيل . " لعلهم يعرفونها " أي : ليعرفوها " إذا انقلبوا " أي : رجعوا " إلى أهلهم لعلهم يرجعون " أي : لكي يرجعوا .

وفي مقصوده بذلك خمسة أقوال :

أحدها : أنه تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى ، فجعل دراهمهم في رحالهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

[ ص: 250 ] والثاني : أنه أراد أنهم إذا عرفوها ، لم يستحلوا إمساكها حتى يردوها ، قاله الضحاك .

والثالث : أنه استقبح أخذ الثمن من والده وإخوته مع حاجتهم إليه ، فرده عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده تكرما وتفضلا ، ذكره ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي .

والرابع : ليعلموا أن طلبه لعودهم لم يكن طمعا في أموالهم ، ذكره الماوردي .

والخامس : أنه أراهم كرمه وبره ليكون أدعى إلى عودهم .
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين

قوله تعالى : " فلما رجعوا إلى أبيهم " قال المفسرون : لما عادوا إلى يعقوب ، قالوا : يا أبانا ، قدمنا على خير رجل ، أنزلنا ، وأكرمنا كرامة ، لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته .

وفي قوله : " منع منا الكيل " قولان قد تقدما في قوله : فلا كيل لكم عندي [يوسف :61] .

فإن قلنا : إنه لم يكل لهم ، فلفظ " منع " بين .

وإن قلنا : إنه خوفهم منع الكيل ، ففي المعنى قولان :

أحدهما : حكم علينا بمنع الكيل بعد هذا الوقت ، كما تقول للرجل : دخلت والله النار بما فعلت .

[ ص: 251 ] والثاني : أن المعنى : يا أبانا يمنع منا الكيل إن لم ترسله معنا ، فناب " منع " عن " يمنع " كقوله : يحسب أن ماله أخلده [الهمزة :3] أي : يخلده ، وقوله : ونادى أصحاب النار [الأعراف :50] ، وإذ قال الله يا عيسى [المائدة :116] أي : وإذ يقول ، ذكرهما ابن الأنباري .

قوله تعالى : " فأرسل معنا أخانا نكتل " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : " نكتل " بالنون . وقرأ حمزة ، والكسائي : " يكتل " بالياء . والمعنى : إن أرسلته معنا اكتلنا ، وإلا فقد منعنا الكيل .

قوله تعالى : " هل آمنكم عليه " أي : لا آمنكم إلا كأمني على يوسف ، يريد أنه لم ينفعه ذلك الأمن إذ خانوه . " فالله خير حفظا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " حفظا " ، والمعنى : خير حفظا من حفظكم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : " خير حافظا " بألف . قال أبو علي : ونصبه على التمييز دون الحال .
ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا [ ص: 252 ] حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون

قوله تعالى : " ولما فتحوا متاعهم " يعني أوعية الطعام " وجدوا بضاعتهم " التي حملوها ثمنا للطعام " ردت " قال الزجاج : الأصل " رددت " ، فأدغمت الدال الأولى في الثانية ، وبقيت الراء مضمومة . ومن قرأ بكسر الراء جعل كسرتها منقولة من الدال ، كما فعل ذلك في : قيل ، وبيع ، ليدل على أن أصل الدال الكسر .

قوله تعالى : " ما نبغي " في " ما " قولان :

أحدهما : أنها استفهام ، المعنى : أي شيء نبغي وقد ردت بضاعتنا إلينا ؟

والثاني : أنها نافية ، المعنى : ما نبغي شيئا ، أي : لسنا نطلب منك دراهم نرجع بها إليه ، بل تكفينا هذه في الرجوع إليه ، وأرادوا بذلك تطييب قلبه ليأذن لهم بالعود . وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، والجحدري ، وأبو حيوة " ما تبغي " بالتاء على الخطاب ليعقوب .

قوله تعالى : " ونمير أهلنا " أي : نجلب لهم الطعام . قال ابن قتيبة : يقال : مار أهله يميرهم ميرا ، وهو مائر لأهله : إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده .

قوله تعالى : " ونحفظ أخانا " فيه قولان :

أحدهما : نحفظ أخانا بنيامين الذي ترسله معنا ، قاله الأكثرون .

والثاني : ونحفظ أخانا شمعون الذي أخذه رهينة عنده ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

قوله تعالى : " ونزداد كيل بعير " أي : وقر بعير ، يعنون بذلك نصيب أخيهم ، لأن يوسف كان لا يعطي الواحد أكثر من حمل بعير .

[ ص: 253 ] قوله تعالى : " ذلك كيل يسير " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ذلك كيل سريع ، لا حبس فيه ، يعنون إذا جاء معنا ، عجل الملك لنا الكيل ، قاله مقاتل .

والثاني : ذلك كيل سهل على الذي نمضي إليه ، قاله الزجاج .

والثالث : ذلك الذي جئناك به كيل يسير لا يقنعنا ، قاله الماوردي .

قوله تعالى : " حتى تؤتون موثقا من الله " أي : تعطوني عهدا أثق به ، والمعنى : حتى تحلفوا لي بالله " لتأتنني به " أي : لتردنه إلي . قال ابن الأنباري : وهذه اللام جواب لمضمر ، تلخيصه : وتقولوا : والله لتأتنني به .

قوله تعالى : " إلا أن يحاط بكم " فيه قولان :

أحدهما : أن يهلك جميعكم ، قاله مجاهد .

والثاني : أن يحال بينكم وبينه فلا تقدرون على الإتيان به ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " فلما آتوه موثقهم " أي : أعطوه العهد ، وفيه قولان :

أحدهما : أنهم حلفوا له بحق محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته من ربه ، قاله الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنهم حلفوا بالله تعالى ، قاله السدي .

قوله تعالى : " قال الله على ما نقول وكيل " فيه قولان :

أحدهما : أنه الشهيد . والثاني : كفيل بالوفاء ، رويا عن ابن عباس .

قوله تعالى : " لا تدخلوا من باب واحد " قال المفسرون : لما تجهزوا للرحيل ، قال لهم يعقوب : " لا تدخلوا " يعني مصر " من باب واحد " .

وفي المراد بهذا الباب قولان :

أحدهما : أنه أراد بابا من أبواب مصر ، وكان لمصر أربعة أبواب ، قاله الجمهور .

[ ص: 254 ] والثاني : أنه أراد الطرق لا الأبواب ، قاله السدي ، وروى نحوه أبو صالح عن ابن عباس .

وفي ما أراد بذلك ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه خاف عليهم العين ، وكانوا أولي جمال وقوة ، وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنه خاف أن يغتالوا لما ظهر لهم في أرض مصر من التهمة ، قاله وهب بن منبه .

والثالث : أنه أحب أن يلقوا يوسف في خلوة ، قاله إبراهيم النخعي .

قوله تعالى : " وما أغني عنكم من الله من شيء " أي : لن أدفع عنكم شيئا قضاه الله ، فإنه إن شاء أهلككم متفرقين ، ومصداقه في الآية التي بعدها " ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها " وهي إرادته أن يكون دخولهم كذلك شفقة عليهم . قال الزجاج : " إلا حاجة " استثناء ليس من الأول ، والمعنى : لكن حاجة في نفس يعقوب قضاها . قال ابن عباس : " قضاها " أي : أبداها وتكلم بها .

قوله تعالى : " وإنه لذو علم لما علمناه " فيه سبعة أقوال :

أحدها : إنه حافظ لما علمناه ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : وإنه لذو علم أن دخولهم من أبواب متفرقة لا يغني عنهم من الله شيئا ، قاله الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : وإنه لعامل بما علم ، قاله قتادة . وقال ابن الأنباري : سمي العمل علما ، لأن العلم أول أسباب العمل .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 463.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 457.99 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]