|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#271
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا خالد بن نزار قال: حدثني القاسم بن مبرور عن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الرحمن الرحيم مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب -أو حول- رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله). قال أبو داود : وهذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وإن هذا الحديث حجة لهم ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، أي: تأخر المطر، وحصول القحط والجدب، فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد لهم يوماً يخرجون فيه، ثم خرج حين بدا حاجب الشمس، أي أن خروجه كان عند ذلك الوقت، ولكن ليست صلاته في ذلك الوقت، وإنما كانت بعد ذلك، فلعل هذا ذكر بدء الخروج، وأنه عندما وصل كان وقت الصلاة قد حان. ثم أمر بمنبر فأخرج، وهذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء يخطب فيها على منبر وعلى مكان مرتفع. ثم كبر وحمد الله عز وجل وقال: [ (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم) يشير إلى قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فقوله: (ادعوني) أمر وقوله: (أستجب لكم) وعد من الله عز وجل ]. ثم قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته لنا قوةً وبلاغاً إلى حين) ]. وقولها: [ (ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه) ]. أي: بقي رافعاً يديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وهذا الحديث فيه أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالتكبير والحمد لله عز وجل، ومخاطبتهم بأنهم شكوا جدب ديارهم، وتأخر المطر عن إبان نزوله، وأن الله عز وجل أمرهم بالدعاء ووعدهم بالإجابة، ثم إنه حمد الله وأثنى عليه، وبدأ بهذه الجمل الثلاث التي هي من أول سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] وكان مما أتى به صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ملك) ولم يقل: (مالك) وهما قراءتان سبعيتان متواترتان: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ومالك يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]. قولها: [ (ثم حول إلى الناس ظهره) ]. أي: بدل أن كان مستقبلهم يخطب حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة، وبقي رافعاً يديه، وكان رافعاً يديه قبل ذلك وهو يخطب مستقبلهم، ثم تحول إلى جهة القبلة وحول رداءه ورفع يديه يدعو. قولها: [ (ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين) ]. أي: بدل أن كان إلى جهة القبلة اتجه إلى جهة المأمومين، ونزل فصلى ركعتين، وهذا فيه أن الصلاة كانت بعد الخطبة. وسبق أن مر بنا بعض الأحاديث الدالة على أنها قبل الخطبة وأنها بعد الخطبة. قولها: [ (فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله)]. أي: تحقق لهم ما أرادوا، واستجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم، فنزل السحاب، ولم يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم إلا وقد نزل المطر، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرعتهم إلى الكن -أي: الأماكن التي يتقون بها المطر وهي البيوت- ضحك صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا مجدبين ويطلبون نزول الغيث، ولما نزل الغيث أسرعوا إلى الكن حتى يتقوا نزوله عليهم، وحتى يصلوا إلى أماكنهم ليستكنوا وليأووا إليها. قولها: [ فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير) ]. وذلك حيث كان القحط أولاً ثم نزل المطر بعد قليل، وبعد زمن وجيز من هذا الدعاء الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث لم يصل إلى مسجده إلا وقد نزل المطر صلى الله عليه وسلم. فشهد صلى الله عليه وسلم أن الله على كل شيء قدير، إذ هو الذي أنزل الغيث بعد الدعاء بهذه الفترة الوجيزة، وهذا من قدرة الله عز وجل، وهو على كل شيء قدير، وهذا عام لا استثناء فيه؛ لأن هذا من العمومات التي لا استثناء فيها؛ لأن هناك عام باقٍ على عمومه، وهناك عام يدخله التخصيص، وهذا لا يدخله تخصيص، فالله على كل شيء قدير، لا يستثنى من ذلك شيء. ومثل ذلك أن الله بكل شيء عليم، فإنه لا يستثنى من ذلك شيء، ثم قال: [ (وأشهد أني عبد الله ورسوله) ] صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد ذكر وصفه بالعبودية والرسالة، وهذا يذكره صلى الله عليه وسلم كثيراً، كما جاء في التشهد: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وقوله: (لا تطروني كما أطرت الناس عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) فهو عليه الصلاة والسلام عبد الله، ورسوله لا يكذب، بل يطاع ويتبع صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ قال أبو داود : هذا حديث غريب ]. الغرابة من جهة التفرد، وليس هذا تضعيفاً، ولهذا قال: [ وإسناده جيد ]، فهذا حديث غريب لأنه جاء من طريق واحد ولم يأت من طرق، والحديث باعتبار وصوله إلى أهل الحديث له أربع حالات: إما متواتر، وإما مشهور، وإما عزيز، وإما غريب، والمتواتر: هو الذي جاء من طرق كثيرة، والمشهور: هو الذي جاء من ثلاث فأكثر، والعزيز: ما جاء من طريقين، والغريب: ما جاء من طريق واحد. ولكن إذا كان التفرد يحتمل فإنه يصح الحديث، كما في أول حديث في صحيح البخاري : (إنما الأعمال بالنيات) فإنه غريب لأنه ما جاء إلا عن عمر بن الخطاب ، و عمر بن الخطاب لم يروه عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي ، ولم يروه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي ، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثم بعد ذلك كثر الرواة عن يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو غريب إلى يحيى بن سعيد الأنصاري . وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فإنه من رواية أبي هريرة ، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو زرعة بن عمرو بن جرير ، ولم يروه عن أبي زرعة إلا عمارة بن القعقاع ، ولم يروه عن عمارة بن القعقاع إلا محمد بن الفضيل ، فهو غريب، حيث جاء من طريق واحد. والحافظ ابن حجر لما جاء عند حديث ابن عمر (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) قال: وهذا من غرائب الصحيح، وقد خلا منه مسند الإمام أحمد على سعته، يعني أنه من هذه الطريق لم يأت في مسند الإمام أحمد ، وهو من المتفق عليه الذي هو حديث ابن عمر : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) قال: هو من غرائب الصحيح. يعني: جاء من طريق واحد في الصحيح. ولفظ (وجيد) من الألفاظ التي تدل على أن الحديث مقبولاً ومحتجاً به. قوله: [ أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]وإن هذا الحديث حجة لهم ]. يعني: هذا يدل على هذه القراءة، لكن القراءة متواترة؛ لأن قراءة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]و مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] كلتاهما سبعيتان. تراجم رجال إسناد حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...) قوله: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ]. هارون بن سعيد الأيلي ، ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا خالد بن نزار ]. هو خالد بن نزار ، وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أبو داود و النسائي . [ قال: حدثني القاسم بن مبرور ]. القاسم بن مبرور ، صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن يونس ]. يونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن عروة ]. هو هشام بن عروة بن الزبير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) ]. يعني: قوة لنا، كما هو معلوم أن حصول المطر والغيث يحصل لهم به قوة ونشاط، ويحصل لهم به تمتع، [ (وبلاغاً إلى حين) ] يعني: شيئاً يتبلغون به إلى حين. شرح حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه و يونس بن عبيد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله! هلك الكراع، هلك الشاء، فادع الله أن يسقينا. فمد يديه ودعا، قال أنس : وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت ريح، ثم أنشأت سحابة، ثم اجتمعت، ثم أرسلت السماء عزاليها، فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا، فلم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، فادع الله أن يحبسه. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فجاء رجل وقال: هلك الكراع والشاء)، والكراع المراد به الخيل، والشاء: الغنم، قال: [ (فادع الله أن يسقينا ) ] فرفع يديه صلى الله عليه وسلم يدعو، فنزل المطر وبقي نزوله حتى جاءت الجمعة الأخرى، والمطر ينزل عليهم، فحصل تضرر بنزول المطر وبكثرته حتى تهدمت بعض البيوت، فجاء رجل يوم الجمعة الثانية والرسول صلى الله عليه وسلم يخطب -إما الذي سأل أولاً أو غيره- وقال: (يا رسول الله! تهدمت البيوت فادع الله أن يحبسه) أي: أن يحبس المطر، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كون الناس في الجمعة الماضية يسألون نزول المطر وفي هذه الجمعة يسألون حبسه. والرسول صلى الله عليه وسلم لكمال أدبه ما سأل أن يحبس، ولكن قال: [ (حوالينا ولا علينا) ] فالمطر ينزل ويستفاد منه في البراري من النواحي التي هي قريبة من المدينة، ولكن النزول على البيوت هو الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذهب، فقال: (حوالينا ولا علينا) يعني: اللهم اجعله يكون حوالينا ولا يكون علينا. وتصدع السحاب هو أنه تشقق وصار يتمزق حتى صار حول المدينة كالإكليل، وصار ما فوق المدينة صحو والسحاب حولها كالإكليل الذي يحيط بالرأس من جميع الجوانب ويكون أعلاه مكشوفاً، فصار السحاب حول المدينة كالدائرة المحيطة بها؛ لأن ما فوق البيوت تقشع، وما كان على النواحي المختلفة حول المدينة بقي، فصار كما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (فمد يديه ودعا، قال أنس : وإن السماء لمثل الزجاجة) ]. يعني: صافية نقية ما فيها شيء، فما هناك سحاب، فهو يصف السماء بحال ذلك الوقت الذي طُلِبَ فيه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو وهي صافية ليس فيها سحاب. قوله: [ (فاجتمعت ثم أرسلت السماء عزاليها) ]. يعني أنه نزل المطر بغزارة وبكثرة كأفواه القرب، والعزالي: هي أفواه المزادات، والمزادة هي القربة الكبيرة التي تكون من قطعتين في زاد حتى تكبر، فيقال لها: مزادة، يعني: كأن أفواه المزادات قد فتحت، وإذا كانت أفواه المزادات مفتوحة يكون انصباب الماء منها بغزارة. ولهذا عندما يشار إلى كثرة المطر يقال: (كأفواه القرب). أي: كالقرب المفتوحة، فإنه ينزل منها الماء بغزارة. قوله: [ (فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا) ]. معناه أن المطر نزل قبل أن يصلوا إلى بيوتهم، فكانوا يخوضون المطر في طريقهم من المسجد إلى بيوتهم. تراجم رجال إسناد حديث (أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله فبينما هو يخطبنا يوم جمعة إذ قام رجل...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد العزيز بن صهيب ]. عبد العزيز بن صهيب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى ما يكون عند أبي داود . [ و يونس بن عبيد ]. هذه طريق أخرى عن حماد بن زيد ، فحماد بن زيد له فيه طريقان: الطريق الأولى التي مرت، والطريق الثانية عن يونس بن عبيد . ويونس بن عبيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت عن أنس بن مالك ]. ثابت بن أسلم البناني مر ذكره، و أنس مر ذكره. شرح حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن سعيد المقبري عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أنه سمعه يقول، فذكر نحو حديث عبد العزيز ، قال: (فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه بحذاء وجهه فقال: اللهم اسقنا) وساق الحديث نحوه ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه من طريق أخرى: وهو نحو الأول وقريب منه. تراجم رجال إسناد حديث (فرفع رسول الله يديه بحذاء وجهه فقال اللهم اسقنا) قوله: [ حدثنا عيسى بن حماد ]. هو عيسى بن حماد التجيبي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أخبرنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ]. شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، صدوق يخطئ، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة ، أي: أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه أخرج له في الشمائل. و شريك بن عبد الله بن أبي نمر هذا هو الذي روى حديث الإسراء الطويل، وهو الذي أورده البخاري في صحيحه، وكان فيه أغلاط وأخطاء ذكروها، ذكرها ابن كثير في تفسيره وذكرها الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث في كتاب التوحيد من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر في أغلاط متعددة، وهي من الأشياء التي في صحيح البخاري ، ولا جواب عنها؛ لأن أكثر الانتقادات التي انتقدت على البخاري عليها جواب، وبعضها -وهو القليل- لا جواب عنه، ومنه هذه الأخطاء التي انفرد بها شريك ، والتي أوردها البخاري في صحيحه من رواية شريك عن أنس . وأما مسلم رحمه الله فإنه روى الحديث من طريق ثابت عن أنس ، ثم رواه من طريق شريك ولكنه ما ساق لفظه، بل قال: (فزاد ونقص وقدم وأخر). ولم يسق لفظه، و البخاري ساق لفظه وفيه أغلاط متعددة هي مما انتقد على البخاري . شرح حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، ح: وحدثنا سهل بن صالح حدثنا علي بن قادم أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت)هذا لفظ حديث مالك ]. مرت الأحاديث الكثيرة الدالة على أن الأيدي ترفع في الاستسقاء وفي خطبة الاستسقاء وكذلك في الدعاء عندما يتحول الإمام إلى القبلة ويدعو، وكذلك المأمومون يحولون أرديتهم كما يحول الإمام، ويدعون مستقبلي القبلة رافعي أيديهم، وكذلك تكون الأيدي بطونها إلى الأرض، ويبالغ في رفعها حتى تكون مقابل الوجه. كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد أبو داود هذا الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: [ (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) ]. قوله: [ (اللهم اسق عبادك) ] الذين هم الإنس، هؤلاء الذين هم عباد الله عز وجل. قوله: [ (وبهائمك) ] الحيوانات والحشرات التي هي بحاجة إلى الماء. قوله: [ (وانشر رحمتك) ] يعني: ابسطها. قوله: [ (وأحي بلدك الميت) ] يعني: أحي الأرض بعد موتها، أحي هذا البلد الذي أصابه الموت والقحط والجدب بالخصب والغيث والبركة، وإخراج النبات من الأرض الذي فيه قوت الناس وقوامهم وحياتهم. وهذا الحديث ورد فيه هذا الدعاء، ولكن ليس فيه ذكر رفع اليدين، فالترجمة معقودة لرفع اليدين، ولكنه ليس فيه ذكر رفع اليدين، ولكن الأحاديث المتقدمة الكثيرة العديدة دالة على ما ترجم له المصنف، وهو رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء. تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت) قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن شعيب ]. عمرو بن شعيب ، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. وهذا مرسل؛ لأن عمرو بن شعيب هو الذي رفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الحقيقة منقطع؛ لأن عمراً متأخر، وجده الذي هو محمد أيضاً تابعي، فعمرو و شعيب و محمد كل هؤلاء متأخرون عن زمن النبوة، فهو مرسل أو منقطع أو معضل، لكن الطريق الثانية التي فيها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده موصولة. [ وحدثنا سهل بن صالح ]. سهل بن صالح ، صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا علي بن قادم ]. علي بن قادم ، صدوق أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ أخبرنا سفيان ]. سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه ]. يحيى بن سعيد و عمرو بن شعيب مر ذكرهما، وأبوه: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعبد الله بن عمرو ليس من السبعة ولكنه مكثر، ولم يصل إلى حد السبعة، وهو الذي قال عنه أبو هريرة رضي الله عنه: ليس هناك أحد أكثر حديثاً مني إلا عبد الله بن عمرو ؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب، ولكن مع هذا الذي قاله أبو هريرة فإن الذي حفظ من الأحاديث عن أبي هريرة كثير، بل هو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق؛ إذ بلغت أحاديثه ما يزيد على خمسة آلاف حديث في الكتب الستة. قوله: [ هذا لفظ حديث مالك ]. يعني: لفظ الطريق الأولى، فساقه على لفظ الطريق الأولى المرسلة. الأسئلة نصيحة للشباب الذين ينشغلون عن الدرس بالكلام السؤال: بعض الطلاب بارك الله فيهم يتكلمون أثناء الدرس فيشغلوننا عن سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم فماذا يقول شيخنا حفظه الله مع العلم أنهم قد نبهوا ولكنهم لم يتركوا هذا الأمر؟ الجواب: أرجوا أن لا يكون ذلك صحيحاً، فمعلوم أن الحضور مع الانشغال عن الدرس يكون وجوده مثل عدمه، وإنما الحضور مع الانتباه والمتابعة هذا هو الذي ينفع الإنسان، وإذا كان الأمر يتعلق بسؤال عن شيء فيمكن أن يؤخر إلى ما بعد انتهاء الدرس، أعني: إذا كان الكلام من أجل استثبات أو من أجل التحقق من فائدة فيمكن للإنسان أن يؤجلها إلى ما بعد الدرس، وإن كان الاشتغال بالكلام في أمر آخر خارج عن الدرس فهذا مما لا يليق ولا ينبغي، وكون الإنسان يحضر ويستمع ويمكن غيره من الاستماع لاشك في أن هذا خير له ولغيره، وكونه ينشغل فإنه يضر نفسه ويتسبب في إضرار غيره. الحكم إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة السؤال: إذا أمر الوالي بصلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة فهل يجاب إلى هذا؟ الجواب: نعم يجاب إذا حصل، وبعض أهل العلم قال: إنه ليس لها وقت معين، ولهذا حصل الاستسقاء في خطبة الجمعة، فإذا أمر الوالي فإنه يجاب لذلك؛ لأنه ليس هناك دليل يدل على أن الصلاة تكون في وقت معين. حكم من اشترى عقاراً بماله ولم يخبر والده السؤال: رجل اشترى عمارة بالتملك ووالده حي، ولم يستشره في شرائها، فهل من حقه أن يتملكها بدون رضا والده أم لابد من استشارة والده؟ وهل يشترك فيها الأولاد الباقون إذا رضي الوالد؟ الجواب: المال الذي اشتريت به العمارة إن كان للولد فالنقود للولد، والعمارة التي في مقابلها للولد، وإن كان من مال الوالد وكان الولد وكيلاً مطلقاً للوالد فله أن يبيع ويشتري كما يريد، ولكن الذي ينبغي هو الاستشارة والرجوع إليه، وكذلك لو كانت النقود له، فكونه يستشيره من أجل أن يطيب خاطره لا بأس بذلك. وأما من حيث الحق والملك فإذا كان اشتراها بنقوده وماله الخاص فهي ماله، وإخوانه الآخرون لا يشتركون معه إلا إذا تبرع لهم أو أشركهم أو تنازل عن شيء من حقه لهم، فعند ذلك يمكن أن يشتركوا معه. أما والمال ماله والنقود نقوده، واشتراها بنقوده فهي ملكه، وإن منح غيره أو تنازل عن شيء منها لغيره فله ذلك؛ لأن له أن يعطي من ماله ما يشاء. حكم مس المصحف والقراءة فيه من غير طهارة السؤال: ما حكم مس المصحف والقراءة فيه بغير طهارة؟ الجواب: لا يجوز ذلك؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر) وكذلك قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:77-79]، أي: في السماء. ولكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما نقله عنه ابن القيم في كتابه (التبيان في أقسام القرآن) - إن القرآن كما أنه في السماء لا يمسه إلا المطهرون فكذلك في الأرض ينبغي أن لا يمسه إلا المطهرون يعني: من طريق القياس والإلحاق. لكن قد جاء في حديث في كتاب عمرو بن حزم : (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) فلا يجوز للإنسان أن يمس القرآن مباشرة إلا إذا كان طاهراً، أما إذا مسه مع حائل فلا بأس بذلك، كأن يكون معه قلم أو عود أو في يده كساء أو ما إلى ذلك لا بأس بذلك. حكم امرأة تريد لبس الحجاب وزوجها يمنعها السؤال: نحن عندنا لكثرة التبرج والسفور بعض الأزواج لا يسمحون لزوجاتهم بلبس الحجاب حتى ولو أرادت الزوجة أن تفعل ذلك، فأختي تريد أن تلبس الحجاب وزوجها يمنعها من ذلك، وقد يؤدي إصرارها إلى الطلاق، فماذا تفعل علماً بأنها أنجبت منه تسعة أولاد؟ الجواب: طاعة الله مقدمة على طاعة المخلوقين، وهي إذا التزمت طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يكون من أسباب تحصيل الخير لها، وتحصيل السعادة، ولاسيما وجود هذا العدد من الأولاد، وإنما هي تريد طاعة وتريد شيئاً فيه التقرب إلى الله عز وجل، وفيه بعد عن المحظور وعن الأمور المحرمة، فلعل ذلك يكون من أسباب الإبقاء والحرص عليها، لا أن يكون سبباً في طلاقها، لكن هذا من حيل الشيطان ومن الوساوس التي يأتي بها الشيطان، أعني كون الإنسان يخوف، ولاشك في أن هذا من جنس قوله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175]. الهجر بعد إقامة الحجة السؤال: إذا تبين لنا خطأ شخص ما، وأقمنا عليه الحجة وناقشناه وبينا له الحق فلم يقبل ذلك، وأصر على موقفه؛ فهجرناه، فهل لنا أن نخبر غيرنا لكي يهجره؟ الجواب: الهجر لا يصلح إلا إذا انبنت عليه مصلحة أو فائدة، أما إذا لم يترتب عليه فائدة ولا مصلحة فلا يصلح، ثم إنه ليس كل الناس يحصل منهم إقامة الحجة، فقد يكون بعضهم عنده شيء من الجهل. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين."
__________________
|
#272
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [147] الحلقة (178) شرح سنن أبي داود [147] جعل الله سبحانه وتعالى يرجعون ويتوبون إليه، ومن ذلك خسوف الشمس والقمر، وقد حدث هذا في عهد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فشرع لها صلاة الكسوف، وقد أطال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام والركوع والسجود حتى غشي على بعض الصحابة من شدة طول القيام، والثابت المحفوظ عنه أنه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وما عدا ذلك من الأحاديث الواردة في عدد الركوعات في صلاة الكسوف فهو إما شاذ أو ضعيف. صلاة الكسوف شرح حديث عائشة في إثبات مشروعية صلاة الكسوف قال المصنف رحمه الله: [ باب صلاة الكسوف. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أخبرني من أصدق -وظننت أنه يريد عائشة - قال: (كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم قياماً شديداً: يقوم بالناس، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، فركع ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، يركع الثالثة ثم يسجد، حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، يقول إذا ركع: الله أكبر، وإذا رفع: سمع الله لمن حمده، حتى تجلت الشمس، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده، فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة) ]. الكسوف والخسوف قيل: هما بمعنى واحد، وهو: ذهاب ضوء الشمس والقمر كله أو بعضه، وقيل: إن الكسوف يطلق على كسوف الشمس، والخسوف على خسوف القمر، وقد جاء الحديث في إطلاق الكسوف عليهما في قوله [(لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] فأضاف إلى الشمس والقمر لفظ الكسوف، وذكر أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب صلاة الكسوف] وذكر تحتها حديثاً واحداً، ثم ذكر بعد ذلك عدة أبواب وفيها تفاصيل صلاة الكسوف من ناحية عدد ركعاتها، ومن ناحية الجهر فيها، والصدقة وغير ذلك، وهذه الترجمة التي هي مطلقة وتحتها حديث واحد هي لإثبات صلاة الكسوف، ومشروعية صلاة الكسوف. ثم تأتي بعد ذلك الأبواب التي فيها التفاصيل في صلاة الكسوف من كونها فيها أربعة ركوعات، وفيها جهر بالقراءة، وفيها صدقة، وفيها ركعتان، وهكذا، فهذه الترجمة معقودة لإثبات مشروعية صلاة الكسوف، وأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد في ذلك أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي قال فيه عبيد بن عمير : [حدثني من أصدق وظننته] والذي دون عبيد بن عمير قال: ظننته يريد عائشة أو يقصد أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد جاء في صحيح مسلم الحديث على هذا الوجه وفيه: [من أصدق]. وجاء من طريق أخرى عن عبيد بن عمير عن عائشة بالتنصيص على عائشة التي روى عنها عبيد بن عمير، جاء ذلك في صحيح مسلم ، حيث قال: (عن عبيد بن عمير عن عائشة )، وجاء -كما هو هنا- عن عبيد أنه قال: [أخبرني من أصدق] وقال من دونه: وأحسبه أراد عائشة . صفة صلاة الكسوف التي روتها عائشة رضي الله عنها قولها: [ كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً شديداً ]. أي: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلاها عليه الصلاة والسلام وقام قياماً شديداً، أي: بعد ما كبر و دخل في الصلاة قام قياماً شديداً حيث أطال القيام والقراءة، ثم إنه ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، فكان في الركعة الواحدة ثلاثة ركوعات وسجدتان. إذاً: فالعدد ركعتان وسجدتان، وإنما الشيء الذي هو جديد ويختلف عما هو معروف في صلاة الكسوف أنه ذكر ثلاثة ركوعات في الركعة الواحدة وفي الركعتين ستة ركوعات مع أربع سجدات في الركعتين، فهذه هي الكيفية التي جاءت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قولها: [ (قياماً شديدا) ]. أي: طويلاً. قولها: [ (يقوم في الناس، ثم يركع، ثم يقوم) ]. أي: يقوم في الناس هذا القيام الشديد، ثم يقوم فيقرأ ويطيل، ثم يركع، ثم يقوم ويقرأ ويطيل ثم يركع، فتكون ثلاثة ركوعات، ثم يقوم، ثم يسجد سجدتين، ويفعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الركعة الأولى، فتكون الصلاة ركعتين فيهما جميعاً ستة ركوعات وأربع سجدات، والركعة الواحدة فيها ثلاثة ركوعات وسجدتان، فهذه هي الصفة التي روتها عائشة رضي الله تعالى عنها. صفة صلاة الكسوف في الأحاديث الأخرى هذا الحديث وغيره يدل على أن الشمس كسفت وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الكسوف، وأنه قال: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فهذه الكيفية التي جاءت في هذا الحديث هي من جملة الكيفيات التي جاءت، وهي في شأن صلاة واحدة، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم، وقد جاءت على أنحاء مختلفة، فبعضها شاذ وبعضها ضعيف، وبعضها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبتت فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ركعتان كل ركعة فيها ركوعان وسجدتان، فمعنى هذا أن الركعة الواحدة فيها ركوعان وسجدتان، فهذا هو المحفوظ الذي جاء من حديث ابن عباس ومن حديث عبد الله بن عمر ، ومن حديث جابر، وجاء عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق مختلفة، وفي الصحيحين وفي غيرهما أنها ركوعان في كل ركعة، وجاء ركوع واحد في ركعة، وجاء ثلاثة ركوعات في كل ركعة، وجاء أربعة ركوعات في كل ركعة، وجاء خمسة ركوعات في كل ركعة، هذه هي الهيئات التي جاءت، وهي إنما تختلف في الركوعات، وأما السجود فإنه سجدتان لا خلاف فيهما في الروايات كلها، ولكن الخلاف في الركوعات، فقد جاء أنه ركع ركوعاً واحداً، وجاء ركوعان، وجاء ثلاثة ركوعات، وجاء أربعة ركوعات، والثابت المحفوظ في الصحيحين وفي غيرهما أنهما ركوعان، وما سوى ذلك فهو إما شاذ وإما ضعيف، إما شاذ حيث يكون الإسناد صحيحاً، وإما ضعيف حيث يكون الإسناد فيه شيء من الضعف، وعلى هذا فإن الأحاديث جاءت في شأن صلاة واحدة كسفت فيها الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم ، فلم يتعدد الكسوف وإنما كان كسوفاً واحداً، وكل الروايات تحكي صلاةً واحدة، فيكون ما فيه الركوعان هو المحفوظ وما سوى ذلك إما شاذ وإما ضعيف. وهذا الحديث الذي أورده أبو داود عن عائشة الذي معنا في الإسناد هو من قبيل الشاذ؛ لأن الروايات التي فيها الركوعان التي جاءت في الصحيحين وفي غيرها هي المحفوظة، فتكون هي المعتمدة والمعتبرة، وما سواها مما هو صحيح الإسناد يكون شاذاً، وما كان ضعيف الإسناد يكون ضعيفاً. قوله صلى الله عليه وسلم في الشمس والقمر: [(لا ينكسفان لموت أحد)] هذا فيه إبطال لما كان معروفاً في الجاهلية، حيث كانوا يقولون: إن كسوف الشمس والقمر إنما يكون لموت العظماء. فقال عليه الصلاة والسلام: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] لا لموت عظيم ولا لحياة عظيم [(وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده)] فكونهما يستفيد الناس بضوئهما ويطرأ عليهما هذا التغير يدل على تخويف العباد بذلك، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يغير حال هذين النيرين المضيئين إلى أن يذهب ضوؤهما بالكلية أو يذهب بعضه، وذلك دال على قدرة الله عز وجل، وفي ذلك تخويف للناس، ولهذا أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الفزع إلى الصلاة، وإلى الإتيان إلى الصلاة المشروعة التي ثبتت صفتها وكيفيتها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الشيء الذي يخوف الله به عباده بتغيير ضوء الشمس والقمر وتحولهما من الإضاءة إلى ذهابها كلياً أو جزئياً قد علم أنه يمكن أن يعرف بالحساب، كما جاء ذلك عن بعض أهل العلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن دقيق العيد ، وإن علم ذلك أو أمكن معرفته بالحساب فإن ذلك لا ينافي التخويف،بل على الناس عندما يحصل ذلك أن يهرعوا إلى الصلاة وأن يؤدوا هذه السنة التي شرعها الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صفة صلاة الكسوف قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا إسماعيل بن علية ]. إسماعيل بن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ، المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد بن عمير ]. عبيد بن عمير قيل: له رؤية، وقيل: مجمع على ثقته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [أخبرني من أصدق] قد جاء في صحيح مسلم أنه عن عائشة، وفي هذا الإسناد قال الراوي: [وظننت أنه يريد عائشة ] وكما ذكرت قد جاء التنصيص على ذلك في رواية في صحيح مسلم ، كما جاءت أيضاً الرواية التي فيها الإبهام أيضاً في صحيح مسلم ، ومن المعلوم أن الراوي إذا قال: (حدثني من أصدق) أو: (حدثني ثقة) فذلك لا يعتبر؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وغير ثقة عند غيره، فذلك التوثيق بلفظ الإبهام لا ينفع، ولهذا لو لم يأت في صحيح مسلم التنصيص على عائشة لصار الإشكال قائماً، فيكون صورته صورة مرسل، لكنه قد جاء في رواية أخرى في صحيح مسلم فيها (عن عبيد بن عمير عن عائشة) وفيها ذكر هذا الحديث في كسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما جاء أن صفة صلاة الكسوف أربع ركعات شرح حديث جابر في صفة صلاة الكسوف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال أربع ركعات. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبد الملك حدثني عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فانحدر للسجود، فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، إلا أن ركوعه نحوٌ من قيامه، قال: ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه، ثم تقدم فقام في مقامه وتقدم في الصفوف، فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال: يا أيها الناس! إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي...) وساق بقية الحديث ]. شذوذ حديث جابر في صفة صلاة الكسوف أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [من قال أربع ركعات] يعني أنها أربعة ركوعات، فالمقصود بالركعات الركوعات، وليس المقصود الركعة التي يدخل فيها السجود والقعود والقيام، وإنما المقصود بذلك الركوع، فيطلق على الركوع ركعة، تسمية للبعض باسم الكل، كما أنه يأتي في بعض الروايات (سجدة) ويراد بها الركعة تسميةً للجزء باسم الكل، فيقال للركعة: سجدة، ويقال للركوع: ركعة. فقوله: [من قال أربع ركعات] يعني: أربعة ركوعات، وليس المقصود به الركعات التي فيها قيام وركوع وسجود وجلوس، فهذه يقال للواحدة منها: ركعة، وإنما الركوع الذي هو الانحطاط من القيام حيث يركع، فهذا هو المقصود بقوله: [أربع ركعات] وهذه الترجمة معقودة لبيان الأحاديث التي جاءت في أن صلاة الكسوف تكون أربع ركعات، أي: أربعة ركوعات، ولكنه ذكر غير ذلك، حيث ذكر هذا الحديث الأول الذي هو ستة ركوعات، وذكر بعد ذلك خمسة ركوعات، وأربعة ركوعات، وكذلك ذكر الركوع الواحد، كل ذلك ذكره في هذه الترجمة. وأورد أبو داود رحمه الله أولاً حديث جابر من طريقين: الطريق الأولى هي مشابهة لطريق عائشة السابقة، التي فيها ستة ركوعات في ركعتين. ثم أورد بعد ذلك حديث جابر من طريق أخرى، وفيه مطابقة الترجمة، أي: ركوعان في الركعة الواحدة، وأربعة ركوعات في الركعتين، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديث جابر هذا الذي أورده المصنف هنا هو شاذ أيضاً مثل حديث عائشة الذي تقدم، من جهة أن ذلك حكاية لصلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم ، وإنما صلى صلاة واحدة، فالمعتبر هو ما تعددت فيه الطرق وكثر فيه الرواة، فرواية الأوثق تكون هي المحفوظة، ورواية الثقة التي خالف فيها من هو أوثق منه تكون شاذة، فالرواية الأولى لحديث جابر شاذة كرواية حديث عائشة المتقدمة؛ لأنها بمعناها، أي: ستة ركوعات في الركعتين، وفيها أن الناس قالوا: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم، وهذا على المعروف في الجاهلية، وهو أنها تنكسف لموت العظماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ولما فرغ قال: [(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فالحديث مثل الحديث المتقدم غير ثابت؛ لأنه شاذ ومخالف للروايات الصحيحة التي في الصحيحين وفي غيرهما من أن الركعة الواحدة في صلاة الكسوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ركوعان اثنان فقط، وليس ثلاثة ولا أكثر ولا أقل. تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة صلاة الكسوف قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الملك ]. هو عبد الملك بن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني عطاء ]. هو عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. عرض الجنة والنار على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف وفي الحديث أنه قال: (تأخر فتأخر الناس، ثم تقدم فتقدم الناس) وهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف، فرأى الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية، فمد يده ليأخذ عنقوداً ثم إنه ترك، وعرضت عليه النار فتأخر، ولما فرغ قالوا له: إنا رأيناك تقدمت كأنك تريد أن تتناول شيئاً، ورأيناك تأخرت، فقال: عرضت علي الجنة وعرضت علي النار، فحينما رأيتموني تقدمت تقدمت فمددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، قال عليه الصلاة والسلام: ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وهذا يدلنا على عظم شأن الجنة، وأن عنقوداً يكفي الناس إلى نهاية الدنيا لو أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن لا تأتي في الدنيا لأنه لو جاء نعيم الآخرة في الدنيا فأي ميزة للآخرة تكون على الدنيا؟! بل سيكون الغيب علانية، ويكون الغيب شهادة، ولكن الله تعالى شاء أن يكون الغيب غيباً، وأن لا ترى أمور الآخرة إلا في الآخرة، ومن ذلك رؤية الله عز وجل، فإن رؤية الله أكبر نعيم يكون لأهل الجنة، وقد شاء الله عز وجل أن لا يرى في الدنيا بل يرى في الآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) كما جاء في ذلك الحديث في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث فيه إشارة إلى التأخر، وليس فيه إشارة إلى التقدم لأجل التناول، وإنما فيه التأخر ثم الرجوع، ولما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر الناس، ولما تقدم تقدم الناس، وكان تأخره وتقدمه من أجل أنه عرضت عليه النار فتأخر، ولما ذهب عرضها تقدم، فتأخر الناس لتأخره، وتقدموا لتقدمه، فهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم من ذكر عرض الجنة والنار عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحواً من ذلك، فكان أربع ركعات وأربع سجدات) وساق الحديث ]. أورد أبو داود هنا حديث جابر رضي الله عنه مرة أخرى، وهو مشتمل على أن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته للكسوف يوم مات ابنه إبراهيم ، فهذه الرواية في حديث جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيها بيان عدد الركوعات وأنها ركوعان في كل ركعة، وهذا هو الصحيح المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن غير جابر من الصحابة، عن ابن عباس وغيره كما سيأتي. تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر ...) قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ]. مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري ، وأبو داود ، والنسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. إسماعيل هو ابن علية مر ذكره. [ عن هشام ]. هشام هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو الزبير ]. أبو الزبير يروي عنه هشام بن الدستوائي و هشام بن عروة ، وهشام آخر ثالث. وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله ، مر ذكره. شرح حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب ، ح: وحدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام فكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو مثل حديث جابر رضي الله عنه فيه ركوعان في كل ركعة، لهذا قال: [أربع ركعات وأربع سجدات]، أي: أربعة ركوعات، فأطلق على الركوع ركعة، فحديث عائشة رضي الله عنها مثل حديث جابر الذي قبله، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم ، وفيه التعبير بـ(خسفت الشمس) وهذا يدلنا على أن الخسوف والكسوف يطلق على الشمس والقمر، فيقال للشمس: خسفت وكسفت، وكذلك يقال للقمر، فيطلق الخسوف والكسوف على كل منهما. تراجم رجال إسناد حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج له مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة . [ أخبرنا ابن وهب ]. ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ (ح) وحدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب عن يونس ]. ابن وهب مر ذكره، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها. شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان في كل ركعة قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: كان كثير بن عباس رضي الله عنه يحدث أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس، مثل حديث عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين، في كل ركعة ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل حديث جابر وعائشة المتقدمين، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، أي: ركوعان، فحديث ابن عباس هو مثل حديث عائشة المتقدم، وعلى هذا فالأحاديث الثلاثة -حديث جابر ، وحديث عائشة ، وحديث ابن عباس - كلها في أن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم حيث كسفت الشمس ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود . [ حدثنا يونس عن ابن شهاب ]. يونس هو ابن يزيد الأيلي ، وابن شهاب مر ذكره. [ كان كثير بن عباس ]. هو كثير بن عباس رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي . [ أن عبد الله بن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن أبي جعفر الرازي ، قال أبو داود : وحدثت عن عمر بن شقيق حدثنا أبو جعفر الرازي -وهذا لفظه وهو أتم- عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها). أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس صلى بالناس الكسوف ركعتين، في كل ركعة خمسة ركوعات، أي: عشرة ركوعات في الركعتين، وهذا هو أطول ما أورده أبو داود رحمه الله في عدد الركوعات في صلاة الكسوف، وهو خمسة ركوعات في الركعة الواحدة، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية أبي جعفر الرازي ، ولو كان ثابتاً فإنه يكون شاذاً، ولكن الإسناد فيه ضعف. تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ]. أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود . [ أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر ]. هو صدوق، أخرج له أبو داود . [ عن أبيه ]. أبوه صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود . [ عن أبي جعفر الرازي ]. أبو جعفر الرازي ، صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن. قوله: [ قال أبو داود : وحدثت عن عمر بن شقيق ]. هذا فيه انقطاع؛ لأن قوله [حدثت] معناه وجود واسطة، وعمر بن شقيق مقبول أخرج حديثه أبو داود . [ حدثنا أبو جعفر الرازي ، وهذا لفظه وهو أتم ]. أي: لفظ الطريق الثانية التي فيها الانقطاع بين أبي داود وبين عمر بن شقيق ، وهذه الطريق أتم من الطريقة الأولى. [ عن الربيع بن أنس ]. هو صدوق له أوهام، وأخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي العالية ]. أبو العالية هو رفيع بن مهران الرياحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بن كعب ]. هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه صلى في كسوف الشمس، فقرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم سجد، والأخرى مثلها) ]. هذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه أنه جعل في الركعة الواحدة أربعة ركوعات، بحيث قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع حتى صارت أربعة ركوعات في الركعة الواحدة، وفعل في الركعة الثانية مثلها، وهذا الحديث فيه حبيب بن أبي ثابت يروي عن طاوس ، وحبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث جاء في صحيح مسلم ، فهو إما شاذٌ وإما ضعيف، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت إنما هو ركوعان في الركعة الواحدة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود والترمذي ، والنسائي . [ حدثنا يحيى عن سفيان ]. يحيى القطان وسفيان الثوري قد مر ذكرهما. [ حدثنا حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره. وينبغي أن يعلم أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وإذا قام بعد الركوع الأول فإنه يقرأ الفاتحة، ففي كل قيام يقرأ الفاتحة وسورة. شرح حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوماً لسمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال سمرة (بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً، قال: فدفعنا فإذا هو بارز، فاستقدم فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله..) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في بيان صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوع واحد. قوله: [ بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ]. الأغراض هي التي يرمى إليها. قوله: [(وكانت الشمس قيد رمح أو رمحين)] يعني: مضى عليها هذا المقدار. قوله: [ (اسودت حتى آضت، كأنها تنومة)]. يعني: صارت كأنها تنومة، وهو شجر يميل إلى السواد، شجر لونه أغبر يميل إلى السواد، فصارت الشمس كأنها تنومة، يعني: ذهب ضوؤها. قوله: [ (فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً) ]. يعني: سيحصل منه شيء بهذا الذي حصل لها. قوله: [ (فدفعنا فإذا هو بارز) ] قيل: إن هذا فيه تصحيف، وإنما هي (بأزز)، يعني: إذا به في جمع كثير. فاستقدم صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وقد غص بالناس، فتقدم وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ركعتين في كل ركعة ركوع واحد. قوله: [ (فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً) ]. هنا قال: [لا نسمع له صوتاً] يعني: كأنه أسر بالقراءة، ولكن ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنه جهر بالقراءة، فلعله جاء والناس كثيرون، ولعله كان في آخر الصفوف فلم يسمع القراءة، وإلا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالقراءة كما في الصحيحين. قال: [ (ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنه عبده ورسوله ..) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ]. تراجم رجال إسناد حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس الكوفي التميمي اليربوعي ، ثقة حافظ، من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأسود بن قيس ]. الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ]. ثعلبة بن عباد العبدي مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن الأربعة. [ عن سمرة بن جندب ]. سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي رضي الله عنه قال: ( كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعاً يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، فصلى ركعتين أطال فيهما القراء)، وما ذكر عدد الركوعات، وإنما قال: [ (فصلى ركعتين)] فتكون هذه الرواية مخالفة للروايات التي فيها الركوعان وهي محفوظة، وإن كان فيها إجمال وليس فيها تفصيل فمحتمل، لكن المتبادر من قوله [(صلى ركعتين)] أنها كالصلوات المعتادة التي فيها ركوع واحد وسجدتان، فتكون شبيهة بالرواية التي سبق أن مرت أنه صلى صلاة ركع فيها ركوعاً واحداً، وسجد سجدتين. قوله: [ (إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) ]. معناه أن الناس يصلون صلاة تشبه صلاة الفرد السابقة، وهذا مخالف للروايات الأخرى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الكسوف، والحديث تكلم فيه، وضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل أبي قلابة، لكونه مدلساً ويرسل، وهنا روى بالعنعنة، ثم إن هذه تخالف الروايات السابقة الثابتة في صفة صلاة الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا وهيب ]. هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. أبو قلابة هو: عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن قبيصة الهلالي ]. قبيصة الهلالي هو قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم، و أبو داود، و النسائي . إسناد آخر لحديث قبيصة في الكسوف وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر أن قبيصة الهلالي رضي الله عنه حدثه أن الشمس كسفت، بمعنى حديث موسى ، قال: حتى بدت النجوم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم، وهي قوله [(حتى بدت النجوم)] يعني: من شدة الظلام ظهرت النجوم في النهار، فالناس رأوا النجوم في النهار لأن الشمس ذهب ضوؤها. قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ]. هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة . [ حدثنا ريحان بن سعيد ]. ريحان بن سعيد ، صدوق، وربما أخطأ، أخرج له أبو داود ، و النسائي . [ حدثنا عباد بن منصور ]. عباد بن منصور صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن هلال بن عامر ]. أيوب ، مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده. [ عن قبيصة الهلالي ]. قبيصة الهلالي رضي الله عنه مر ذكره."
__________________
|
#273
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [148] الحلقة (179) شرح سنن أبي داود [148] الكسوف حدث كوني يحصل بقدر الله عز وجل، وهو آية من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى وقوته، وآية يخوف الله تعالى بها عباده، ولذا شرع الله لعباده أن يفزعوا فيه إلى الصلاة، وسن لهم أن يطيلوا القراءة فيها، وأن يكثروا من التضرع والذكر والاستغفار والعتق والصدقة حتى ينجلي ما بهم، وحال الخوف والرجوع إلى الله تعالى والإكثار من ذكره واستغفاره الحاصل في الكسوف هو الذي ينبغي أن يكون في غيره من الشدائد والزلازل والرياح والظلمات ونحوها. ما جاء في القراءة في صلاة الكسوف شرح أحاديث القراءة في صلاة الكسوف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القراءة في صلاة الكسوف. حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة و عبد الله بن أبي سلمة و سليمان بن يسار كلهم قد حدثني عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة البقرة -وساق الحديث- ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران). حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة فجهر بها. يعني: في صلاة الكسوف). حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً بنحو من سورة البقرة ثم ركع، وساق الحديث) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب القراءة في صلاة الكسوف ]، أي: إثبات القراءة، وأن صلاة الكسوف يقرأ فيها قرآن، وقد سبق في الأحاديث التي مرت ما يدل على ذلك؛ لأن كل الأحاديث أو أكثرها التي مضت فيها إثبات القراءة، ولكن أبا داود رحمه الله عقد هذه الترجمة من أجل ذكر القراءة في الترجمة، والاستدلال عليها ببعض الأحاديث الدالة على ذلك، وإلا فإن الأحاديث التي تقدمت في صلاة الكسوف وأنها أربعة ركوعات في ركعتين مشتملة على القراءة، وهذه الأحاديث الثلاثة التي أوردها أبو داود الأول والثاني منها عن عائشة ، والثالث عن ابن عباس رضي الله تعالى عن الجميع، وهي تدل على إثبات القراءة وعلى حصولها، وفي بعضها تنصيص على أنه جهر بها، وهو حديث عائشة الثاني، والحديث الأول والحديث الثالث في أحدهما: [ (بنحو من سورة البقرة) ] وفي الآخر: [ (فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة) ] ويمكن أن يقال: إنها حزرت القراءة؛ لأنها كانت بعيدة منه، وإلا فإنه يجهر، ولكن للبعد عنه لا يفهم الشيء الذي يقرؤه، وقدرت ذلك بنحو سورة البقرة، وقد سبق أن مر حديث سمرة الذي فيه أنه جاء سمرة أو أبي بن كعب فقال: (جئت والناس في أزز فصليت) وقال: (حزرت قراءته) لأنه كان بعيداً حيث جاء والمسجد مكتظ، وصلى الناس وهو في آخرهم، ومعناه أنه لم يتمكن من السماع، فكذلك عائشة رضي الله عنها لا تنافي بين ما جاء عنها من كونها حزرت، ومن كونه جهر؛ لأن الجهر موجود، لكنها لم تفهم ذلك لكونها بعيدة، ولكن فيه إثبات القراءة وإثبات الجهر. إذاً: فصلاة الكسوف يجهر فيها، ومن أثبت حجة على من لم يثبت، وما جاء في الحديث الذي سبق: (ما سمعت له صوتاً) يحمل على أنه كان بعيداً، وإلا فإن حديث عائشة هذا فيه التنصيص على أنه جهر، وحديثها الأول لا ينفي أن يكون جهر، بل حزرها وتقديرها لقراءته يمكن أن يكون لكونها بعيدة، أو أن قراءته كانت متفرقة، وأنها قدرت مجموعها بهذا المقدار الذي هو نحو سورة البقرة، وكذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي قال فيه: [ (بنحو من سورة البقرة) ] فيقال فيه: مثل ما يقال في حديث عائشة الأول الذي هو الحزر والتقدير، وأنه قريب من ذلك. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كسفت الشمس على عهد رسول الله) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن سعد ]. هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عمي ]. عمه هو يعقوب بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبي ]. هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن. [ حدثني هشام بن عروة ]. هو هشام بن عروة المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعبد الله بن أبي سلمة ]. عبد الله بن أبي سلمة ثقة، أخرج له مسلم ، وأبو داود ، والنسائي . [ و سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ، ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كلهم قد حدثني عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير من فقهاء المدينة السبعة، وهما من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، لأن فقهاء المدينة السبعة منهم ستة متفق على عدهم، ومنهم: سليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير ، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر ، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والقائل: [ كلهم قد حدثني ] يبدو أنه سليمان بن يسار ، أو هشام ، فـ هشام يروي عن أبيه، وعبد الله بن أبي سلمة يروي عن سليمان عن عروة ، فعبد الله هو المعطوف على هشام . و عبد الله بن أبي سلمة يروي عن سليمان بن يسار عن عروة . وقد سبق الكلام حول هشام الذي يروي عنه إسماعيل بن علية ، وهو يروي عن أبي الزبير في الحديث الثاني من الأحاديث التي جاءت في [ باب من قال أربع ركعات ]، و هشام المقصود به : هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، يروي عن محمد بن تدرس الذي هو أبو الزبير ، ويروي عنه إسماعيل؛ لأن إسماعيل بن علية يروي عن هشام بن حسان ، وعن أيوب بن أبي تميمة ، ولا يروي عن هشام بن عروة ، ومحمد بن مسلم بن تدرس يروي عنه هشام بن عروة ، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وشخص آخر -أيضاً- يقال له هشام غير هشام بن حسان . وكان الألباني رحمة الله عليه يصحح الحديث، وفيه هذا الشخص الذي هو مجهول أو مقبول، ولكن الألباني صححه بناءً على حديث عند الطحاوي شاهد له وهو قوي، فيقوى هذا الحديث مع ذلك الحديث، وقد ذكره الألباني رحمة الله عليه برقم ألفين وتسعمائة وسبعة وتسعين في السلسلة الصحيحة، وعلى هذا فيكون قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكبيرات صلاة الاستسقاء سبع في الأولى وخمس في الثانية، وجاء عنه -أيضاً- أربع تكبيرات في الأولى وأربع في الثانية، فيكون الأمر في ذلك واسعاً، وأي فعل منهما يكون صحيحاً، ولكن المشهور والأكثر والمعروف هو ذكر السبع والخمس، ولكن ما دام الحديث قد ثبت وصح فإن ذلك حق وهذا حق، وهو من اختلاف التنوع كما يقولون. تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة الكسوف (أن رسول الله قرأ قراءة طويلة فجهر بها) قوله: [ حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد ]. العباس بن الوليد بن مزيد صدوق أخرج له أبو داود ، والنسائي . [ أخبرني أبي ] أبوه ثقة. [ حدثنا الأوزاعي ]. الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة ]. عروة بن الزبير ، وعائشة قد مر ذكرهما. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (خسفت الشمس فصلى رسول الله والناس معه...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويكون في هذه الأحاديث دليل على جواز التسميتين: خسوف الشمس، أو كسوف الشمس، ولا فرق بينهما، فالكسوف والخسوف بمعنى واحد، لأنه جاء ذكر الخسوف لهما، وجاء ذكر الكسوف لهما، وجاء ذكر الخسوف للقمر كما جاء في القرآن، وجاء -أيضاً- للشمس. ما جاء أنه ينادى في صلاة الكسوف بالصلاة شرح حديث عائشة (..فنادى أن الصلاة جامعة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ينادي فيها بالصلاة. حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن نمر أنه سأل الزهري فقال الزهري : أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كسفت الشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى أن: الصلاة جامعة). أورد أبو داود رحمه الله [ باب ينادي فيها بالصلاة ] يعني: لا ينادى لها بأذان، وإنما ينادى لها بهذا اللفظ الذي هو: (الصلاة جامعة)، أو: (إن الصلاة جامعة)، فهذه هي الكيفية التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينادى لصلاة الكسوف بها. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن الشمس كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر منادياً ينادي أن: الصلاة جامعة، والنون في (أنِ) مكسورة، وهي توضيح وتفسير للمناداة، وفي بعض الروايات: (إن الصلاة جامعة)، والصلاة اسمها، وجامعة خبرها، وإذا كانت (أن) تفسيرية تكون الصلاة مبتدأ و(جامعة) خبر، فهذا يدل على أن الصلاة ينادى لها بهذه الصيغة وبهذا اللفظ، ولا يؤذن لها. تراجم رجال إسناد حديث عائشة (فنادى أن الصلاة جامعة) قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ]. هو عمرو بن عثمان الحمصي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود ، و النسائي ، وابن ماجة . [ حدثنا الوليد ]. هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الرحمن بن نمر ]. عبد الرحمن بن نمر ثقة، أخرج له البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي . [ أنه سأل الزهري فقال الزهري : أخبرني عروة عن عائشة ]. الزهري و عروة و عائشة قد مر ذكرهم. ما جاء في الحث على الصدقة في الكسوف شرح حديث (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصدقة فيها. حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل، وكبروا، وتصدقوا) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [ باب الصدقة فيها ]، أي: عند الكسوف، وذلك لأن الصدقة من أسباب رفع البلاء والعذاب، ومن أسباب السلامة من عذاب النار؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، فالصدقة من أسباب السلامة من العذاب والشرور. وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل وكبروا وتصدقوا) ]. وقوله [ (ادعوا) ] الدعاء هو: العبادة، ومن ذلك الصلاة، فإما أن تكون الصلاة داخلة في (ادعوا)، أو أن الحديث فيه إجمال، وإنما فيه ذكر الدعاء، والتكبير، والصدقة، والصلاة. وينبغي للناس أن يكبروا ويدعوا، لكن ليس تكبيراً جماعياً، ولا هو تكبير برفع الصوت، وإنما يكبرون مثلما يكبرون إذا جاءوا للعيد، فكل واحد يكبر على حدة. وفيه دليل على أنه عند حصول الكسوف، وحصول هذا الأمر الذي يخوف الله به عباده يسارع العباد بالصدقة؛ لأنها من أسباب رفع البلاء ودفعه. تراجم رجال إسناد حديث (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد...) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ]. قد مر ذكرهم جميعاً. ما جاء في الحث على العتق في الكسوف شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العتق فيها. حدثنا زهير بن حرب حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف) ]. أورد أبو داود [ باب العتق فيها ]، أي: في وقت الكسوف، وأورد حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالعتاقة فيها، أي: في حالة الكسوف، ولعل ذلك في الخطبة، وإلا فإن الصلاة نفسها ليس فيها كلام، وإنما المقصود المناسبة، والوعظ والتذكير الذي يكون بعدها، والذي ثبتت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا معاوية بن عمرو ]. معاوية بن عمرو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا زائدة ]. هو زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام عن فاطمة ]. هشام هو ابن عروة ، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير ، وهي بنت عمه وزوجته، فهشام بن عروة بن الزبير يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن أسماء ]. هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. من قال يركع ركعتين في الكسوف شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: يركع ركعتين. حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثني الحارث بن عمير البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ من قال يركع ركعتين ]، يعني أنه يصلي ركعتين في صلاة الكسوف، ثم ينظر هل انجلت أو لا ثم يأتي بركعتين، وهذا مخالف للروايات الأخرى التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وهذا هو المحفوظ، وسبق أن عرفنا أن الأحاديث التي جاءت في صفة صلاة الكسوف منها ما فيه ركوع واحد، ومنها ما فيه ركوعان، ومنها ما فيه ثلاثة ركوعات، ومنها ما فيه أربعة ركوعات، ومنها ما فيه خمسة ركوعات، وأن المحفوظ هو ما فيه ركوعان، وأن ما سوى ذلك هو إما شاذ وإما ضعيف، فإن كان صحيح الإسناد فهو شاذ، وإن كان غير صحيح الإسناد فإنه يكون ضعيفاً أو منكراً، وهذا الحديث مخالف لتلك الرواية المحفوظة؛ لأن الأحاديث كلها في شأن صلاة واحدة، وهي الحالة التي انكسفت فيها الشمس، وإنما انكسفت مرة واحدة حينما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالمحفوظ هو الرواية التي سبق أن مرت، والتي في الصحيحين، والتي جاءت عن أسماء وجابر وابن عباس و عبد الله بن عمرو وعدد من الصحابة، والروايات الأخرى هي إما شاذة وإما ضعيفة، وهذا الإسناد فيه ضعف، قيل: إن فيه انقطاعاً، وقيل: إن فيه اضطراباً، والألباني ضعف هذا الحديث، ولعل الانقطاع في رواية أبي قلابة ؛ لأنه يرسل ويدلس، ثم إنه -كما ذكرت- مخالف لما ثبت مما هو محفوظ، وهو الركوعان في ركعة واحدة، وهذا فيه أن كل ركعة فيها ركوع واحد ولكن تكرر الركعات؛ لأنه يصلي ركعتين ثم يسأل عن الشمس هل تجلت أو لا ثم يصلي ركعتين وهكذا، والمحفوظ أنه صلى ركعتين وأن الشمس تجلت في آخر الركعة الثانية، وأنه لم تصل أكثر من ركعتين، لكن في كل ركعة ركوعان. تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ]. هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثني الحارث بن عمير البصري ]. الحارث بن عمير البصري قال فيه الحافظ : وثقه الجمهور، وفي أحاديثه مناكير، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن. [ عن أيوب السختياني ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ] هو عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن النعمان بن بشير ]. هو النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع ثم ركع، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف، ثم قال: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟! ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد أمحصت الشمس)، وساق الحديث ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن الصلاة ركعتين، وأن كل ركعة فيها ركوع واحد، ولكنه كان يطيل القيام والركوع والسجود، لأنه قال: [ (لم يكد) ] ومعناه أنه يطول في الشيء الذي هو فيه من القيام والركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، كل ذلك يطيل فيه، وعبر عنه بقوله (لم يكد يفعل كذا..) فقال: [ لم يكد يركع.. ]، [لم يكد يرفع.. ]، [ لم يكد يسجد ] يعني بعد الرفع، وهكذا، فهو مطابق للترجمة من ناحية أنه يصلي ركعتين، وسبق في الترجمة التي هي أربع ركعات أن فيه ذكر الركعتين، وأن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد، وهذا الحديث هو من ذلك، وهو مطابق لهذه الترجمة، وهو أن فيه ذكر الركعتين، ولكن ليس فيه ذكر ركعتين ركعتين، وإنما فيه ركعتان فقط، وأما الحديث الأول ففيه ذكر ركعتين ركعتين. وفي هذا الحديث أمور أخرى، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ناشد ربه وسأل ربه فقال: [ (ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟!) ] وفيه أنه [ (نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف) ] وبعد ذلك ساق بقية الحديث. والحديث صححه الألباني وقال: إلا فيما يتعلق بالركوع، فإنه يكون في الركعة ركوعان، كما جاء في الصحيحين، ومعنى هذا أن الذي جاء في هذا الحديث من غير ذكر الركوع ثابت وموافق للأحاديث الأخرى، وما جاء من ذكر المناشدة يكون ثابتاً بهذا الحديث، ولكن الشيء الذي فيه مخالفة لما هو محفوظ هو أن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد. وقوله: [ (أف أف) ] يعني أنه خرج منه هذان الحرفان، وقالوا: إنه لا يكون كلاماً لو قال: أفٍ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. قوله: [ وقد أمحصت الشمس ]. يعني: تجلت وذهب كسوفها وخسوفها، ومنه التمحيص من الذنوب، أي: التخلص منها. يعني: تخلصت وسلمت من الكسوف. تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء بن السائب ]. هو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وهذا الحديث فيه الرواية عن حماد عن حماد بن سلمة ، ولكن جاء في سنن النسائي رواية شعبة عن عطاء لهذا الحديث، و شعبة ممن سمع من عطاء بن السائب قبل الاختلاط. [ عن أبيه ]. أبوه هو السائب بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عمرو ]. هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (...فقرأ بسورتين وركع ركعتين) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: (بينما أنا أترمى بأسهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس، فنبذتهن وقلت: لأنظرن ما أحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسوف الشمس اليوم، فانتهيت إليه وهو رافع يديه يسبح ويحمد ويهلل ويدعو، حتى حسر عن الشمس، فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه الذي فيه أنه كان يترمى بأسهم له، وأنها كسفت الشمس فذهب وقال: لأنظرن إلى ما يحصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حصول هذا الكسوف، فجاء ورآه قائماً ماداً يديه يدعو ويحمد ويكبر. قوله: [ (حتى حسر عن الشمس) ]. أي: زال كسوفها. قوله: [ (فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ]. قيل: إن الحديث لا يدل على أنه صلى ركعتين؛ لأنه لو كان المقصود به صلاة ركعتين لكان صلى ركعتين بعد انتهاء الكسوف؛ لأنه قال: [ (حسر عن الشمس) ] فليس معنى ذلك أنه صلى وابتدأ الصلاة بعد الانحسار، ولكنه مضت الركعة الأولى، وبقيت الركعة الثانية، وحصل انحسار الكسوف في الركعة الثانية، فقوله: [ (فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ] معناه: ركع بركوعين، وهذا يتفق مع الروايات الأخرى التي فيها أنه حصل التجلي في الركعة الأخيرة، وأن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وأيضاً يسلم به من الإشكال الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ الصلاة بعدما حصل التجلي، وإنما الصلاة قبل التجلي، ولكن الناس إذا صلوا ولم تتجل لا يعيدون الصلاة، وإنما يدعون ويستغفرون حتى ينكشف ما بهم. وهذا هو التفسير المناسب الذي يطابق ما تقدم من الأحاديث، فالحديث هذا صحيح على أن المقصود من ذلك إنما كان حكاية عن الركعة الأولى، وأنه حصل الانحسار فأتى بالركعة الثانية بقراءة سورتين وحصول ركوعين، فقبل الركوع الأول سورة، وبعد الركوع الثاني سورة، وبعد الركوع الثالث القيام، ثم السجود، وعلى هذا لا يكون الحديث مطابقاً للترجمة، وهي: [ باب من قال يركع ركعتين ]؛ لأن المقصود بالركعتين هنا ركوعان، وأن الانحسار حصل في الركعة الثانية. تراجم رجال إسناد حديث (.. فقرأ بسورتين وركع ركعتين) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر بن المفضل ]. بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الجريري ]. الجريري هو: سعيد بن إياس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيان بن عمير ]. حيان بن عمير ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن سمرة ]. هو عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. الصلاة عند الظلمة ونحوها شرح حديث (.. إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة عند الظلمة ونحوها. حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثني حرمي بن عمارة عن عبيد الله بن النضر قال: حدثني أبي قال: (كانت ظلمة على عهد أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: فأتيت أنساً فقلت: يا أبا حمزة ! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة) ]. أورد أبو داود [ باب الصلاة عند الظلمة ونحوها ]. يعني حصول الظلام الذي يحصل بسبب الريح فيغطي الجو، فهذا هو المقصود من الترجمة، وأورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه. قوله: [ (فأتيت أنساً فقلت: يا أبا حمزة ! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة) ]. يعني أنهم يبادرون إلى المسجد فيصلون فيه، وفي هذا قال: [ الصلاة عند الظلمة ] يعني: يذهبون إلى المسجد للصلاة فيه والحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مستور، فليس ثابتاً. تراجم رجال إسناد حديث (.. إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة) قوله: [ حدثنا محمد عمرو بن جبلة بن أبي رواد ]. محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد صدوق أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثني حرمي بن عمارة ]. حرمي بن عمارة صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن عبيد الله بن النضر ]. عبيد الله بن النضر لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق)، أخرج له أبو داود . [ حدثني أبي ]. هو النضر بن عبيد الله بن مطر القيسي ، وهو مستور، وحديثه أخرجه أبو داود وحده. وأنس هو: أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. مشروعية القنوت إذا حصلت آيات أخرى غير الكسوف وإذا حصل بركان أو زلزال أو حادث من الحوادث المتغيرة بقدر الله تعالى هل تشرع الصلاة مثل الكسوف؟ المشروع أنه يقنت قنوتاً، حيث يشرع القنوت في الأمور التي تحصل وفيها ضرر. وقوله: [ (إن كانت الريح لتشتد فنبادر مخافة القيامة) ]. أي: يخشون أن تكون الساعة، لكن الساعة -كما هو معلوم- لا تأتي إلا بعد مقدمات، فلعل المراد بالقيامة هنا قيامتهم، كأن يحصل لهم عذاب، وليست القيامة التي تنتهي بها الدنيا، فهي لا تأتي إلا بعدما ينزل عيسى بن مريم ، وبعد خروج يأجوج ومأجوج، وبعد ظهور أمور متعددة جاءت بها السنة، فالمقصود به قيامتهم هم، أي: يحصل لهم عذاب أو يحصل لهم شيء يصيبهم فتكون قيامتهم، ومعلوم أن من مات فقد قامت قيامته وجاءت ساعته؛ لأن الساعة التي يكون بها نهاية الدنيا إنما تكون على الناس الذين في آخر الدنيا، فمن كان حياً في آخر الدنيا فإنه يموت، فيستوي الأولون والآخرون بالموت، ثم تأتي النفخة الثانية فيحيا من كان في أول الدنيا ومن كان في نهاية الدنيا. السجود عند الآيات شرح حديث (إذا رأيتم آية فاسجدوا) قال المصنف رحمه الله: [ باب السجود عند الآيات. حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي حدثنا يحيى بن كثير حدثنا سلم بن جعفر عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ماتت فلانة -بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم آية فاسجدوا)، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب السجود عند الآيات ]. يعني: حصول الآيات. ثم أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قيل له: [ ماتت فلانة ] وهي واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن وأرضاهن، [ فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ ] ولعل ذلك كان في وقت كراهة، أو أن المقصود حين بلغك الخبر بادرت، فكأنه قيل له: ما هو المستند عليه في ذلك؟ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ]. ثم قال: [ وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ] وهذا يدلنا على تعظيم الصحابة لأزواج الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهن وأرضاهن، ومعرفة ثقتهن ومنزلتهن، وأنهن حليلات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، ولهذا حرم على غيره الزواج بهن من بعده صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، فهذا يدل على أن وجود أولئك الصحب الكرام وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن فيه سلامة، وفيه خير للناس، وفقدهم أو فقدهن فيه مضرة للناس، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم)، فذكر الطبقات الثلاث التي هي طبقة الصحابة، وطبقة التابعين، وطبقة أتباع التابعين الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). وهذا يبين أن فقد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -ولاسيما زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن- فقد لمن فيه الخير، ووجودهم كان أمنة لهذه الأمة، وإذا حصل بعد ذلك ذهابهم حصلت الفتن والشرور، وحصلت الأمور التي ليس لها حد، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ). فقوله: [ السجود عند الآيات ] يحتمل أن يكون المقصود به السجود الذي هو مفرد السجود، ويحتمل أن يكون المراد به الصلاة، والصلاة يقال لها: سجود، فقوله: [ (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ]، معناه: صلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153]. فالصلاة عند المصائب فيها تسلية، وفيها تهوين وتخفيف لوطأة الشيء، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول لبلال (أرحنا بها يا بلال)، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فهو من هذا القبيل، فقوله: [ (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ]، يظهر أنه صلاة، ومنهم من قال: إنه سجود فقط، والذي فعله ابن عباس يدل عليه. فقد يكون المقصود منه السجود فقط، وقد يكون المقصود منه الصلاة التي منها السجود، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث (إذا رأيتم آية فاسجدوا) قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ]. محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا يحيى بن كثير ]. هو يحيى بن كثير العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سلم بن جعفر ]. سلم بن جعفر ، صدوق أخرج له أبو داود و الترمذي . [ عن الحكم بن أبان ]. الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره."
__________________
|
#274
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [149] الحلقة (180) شرح سنن أبي داود [149] من رحمة الله بعباده المؤمنين أن فرض عليهم الصلاة في الحضر أربعاً دون جمع أو قصر، وخففها عنهم في السفر مراعاة لأحوال المسافر، فجاز للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، وأن يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، وهذه صدقة تصدق الله بها علينا، فلنقبل صدقة الله سبحانه وتعالى. صلاة المسافر شرح حديث (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تفريع أبواب صلاة السفر. باب صلاة المسافر. حدثنا القعنبي عن مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر) ]. تراجم رجال إسناد حديث (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين..) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي هو: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة. [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وأخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن كيسان ]. صالح بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة بن الزبير ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (صدقة تصدق الله بها عليكم..) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد قالا: حدثنا يحيى عن ابن جريج، ح: وحدثنا خشيش -يعني ابن أصرم - حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أرأيت إقصار الناس الصلاة وإنما قال تعالى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء:101]، فقد ذهب ذلك اليوم؟! فقال: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي فيه أن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال لعمر: كيف القصر وقد أمنا والله تعالى علق ذلك بالخوف؟ فكيف ذلك وقد ذهب الخوف والناس يقصرون في حال الأمان؟ فقال عمر رضي الله عنه: [عجبت مما عجبت منه] يعني: هذا الذي حصل لك حصل لي، وسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته)، يعني: فاقصروا، ويكون ما جاء من ذكر الخوف في الآية محمولاً على الغالب أو جرى مجرى الغالب، وليس المقصود به القصر عليه وحده، هذا هو الذي يفهم من هذا الحديث؛ لأنه أتى به للدلالة على أن الآية إنما هي في قصر العدد والكمية وأنه بدل أن تكون الصلاة أربعاً تكون ثنتين. وهذا هو الذي جاء في هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه، وبعض أهل العلم قال: إن القصر الذي في الآية إنما هو قصر الكيفية، وهو خاص في حال الخوف، وذلك بأن تصلى على هيئة معينة، وعلى حالة مخصوصة، وعلى صفات معينة كما سيأتي في صلاة الخوف. وكذلك -أيضاً- في كونها في حال شدة الخوف والقتال يصلي الناس على حسب أحوالهم راجلين وراكبين مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، فالصلاة تصلى في وقتها ولا تؤخر، ولكن قالوا: هذا قصر للكيفية، وليس قصراً للكمية، وقصر الكمية إنما ثبت في السنة ولم يثبت في القرآن، وإنما الذي جاء في القرآن هو قصر الكيفية، لكن هذا الذي جاء عن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث دليل على أنه قصر للكمية، وأن ذكر الخوف في الآية إنما جرى مجرى الغالب، وليس الأمر مقصوراً عليه، وبعض أهل العلم -كما ذكرت- يقول: إن الآية إنما هي في قصر الكيفية وليست في قصر الكمية، والقصر في الكمية إنما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الكثيرة التي جاءت من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، حيث كان يقصر، وحيث كان يأتي عنه ذكر القصر، كما جاء في حديث ابن عباس : (فرضت صلاة السفر ركعتين، والحضر أربعاً، والجمعة ركعتين) يعني: تماماً غير قصر، فيكون إثبات قصر الكمية إنما جاء في السنة، وعلى كل فالآية اختلف فيها، والذي جاء في حديث عمر يدل على أنها كما تدل على قصر الكيفية تدل على قصر الكمية كذلك. تراجم رجال إسناد حديث (صدقة تصدق الله بها عليكم..) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ و مسدد ]. مسدد هو: ابن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ قالا: حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. ابن جريج : عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا خشيش -يعني: ابن أصرم - ]. خشيش بن أصرم هو أبو عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ]. ابن جريج مر ذكره، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن بابيه ]. عبد الله بن بابيه -ويقال: ابن باباه - ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن يعلى بن أمية ]. يعلى بن أمية رضي الله عنه هو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمر بن الخطاب ]. هو عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. منزلة السنة من القرآن لاشك في أن السنة مستقلة، ولا يمكن أن يستغنى بالقرآن عن السنة، ومن آمن بالقرآن ولم يؤمن بالسنة فهو كافر بالقرآن والسنة؛ لأن السنة هي وحي من الله عز وجل، والله تعالى يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. وهناك أمور معلومة من دين الإسلام بالضرورة، وما علمت إلا عن طريق السنة، ومن ذلك أعداد الصلوات، فليس في القرآن أعداد الصلوات بكون الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والفجر ثنتين، فهذا لا يوجد في القرآن وإنما هو موجود في السنة. فالذي يقول: إنه يؤمن بالقرآن ولا يؤمن بالسنة كيف يصلي؟ وما هي الكيفية التي سيصلي بها في الصلوات الخمس المفروضة التي فرضها الله على العباد؟ إن هذا لا يوجد إلا في السنة، ولهذا فالسنة حجة قائمة بنفسها، وهي شقيقة القرآن، وكلها من الله عز وجل، كما قال عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]. فليست من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإنما هي من عند الله، والذي أوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، إلا أن القرآن متعبد بتلاوته والعمل به، والسنة متعبد بالعمل بها ولم يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بتلاوة القرآن، ومن حيث العمل كل منهما يجب العمل به، وهي شقيقة القرآن، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكذب به، ولا سبيل إلى تنفيذ القرآن إلا عن طريق معرفة السنة. والاستغناء بالقرآن عن السنة يؤدي إلى عدم الإتيان بالأمور الواجبة، فكيف يزكي الإنسان الزكاة؟ إذ ما عرفت مقاديرها وأنصبتها ومقدار ما يزكى إلا بالسنة، وهكذا الحج وتفاصيله وما إلى ذلك لا يعرف إلا بالسنة. ولا تعرف كيفية الصلاة إلا عن طريق السنة، بل أعداد الركعات لا تعرف إلا بالسنة، وليست في القرآن، ولكن الصحابي في هذا الحديث فهم أن الآية جاء فيها التقييد بالخوف والناس يقصرون مع وجود الأمن، فعمر رضي الله عنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إنها رخصة، يعني: ثبت بالسنة أن الناس يقصرون في حال الأمن كما يقصرون في حال الخوف، والقصر الذي جاء في القرآن محتمل لقصر العدد ولقصر الكيفية، والكيفية واضح القصر فيها بلا إشكال؛ لأن الآية إنما جاءت في الخوف، والآية التي بعدها في صيغة صلاة الخوف، وأن الخوف يصلى على هيئات معينة حيث خفف الله عز وجل عن الناس في الخوف، وكذلك -أيضاً- في حال شدة القتال فإن الناس يصلون ركباناً وراجلين، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، يومئون إيماءً، ولا يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، فالسنة -كما هو معلوم- هي شقيقة القرآن ولا يستغنى عنها، ومن أنكر السنة فقد أنكر القرآن وكفر بالقرآن ولا يعتبر مسلماً. وقد ألف في ذلك العلماء، وممن ألف في ذلك السيوطي رسالة قيمة أسماها: (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة) وأتى بنقول كثيرة كلها تدل على حجية السنة، وعلى أنها مستقلة في بيان الأحكام، وأن القول بأنه لا يعول عليها وإنما يعول على القرآن قول في غاية السوء، ووصفه بأوصاف ذميمة في غاية السوء. إسناد آخر لحديث: (صدقة تصدق بها عليكم...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق و محمد بن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي عمار يحدث، فذكر نحوه، قال أبو داود : رواه أبو عاصم و حماد بن مسعدة كما رواه ابن بكر ]. أورد الحديث من طريق أخرى، وأحال إلى الطريق السابقة فقال: (نحوه) يعني أنه نحوه في المعنى وليس متفقاً معه في الألفاظ؛ لأن كلمة (مثله) تعني المماثلة في اللفظ والمعنى، وكلمة (نحوه) تعني المماثلة والاتفاق في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ. قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق ]. مر ذكرهما. [ و محمد بن بكر ]. محمد بن بكر صدوق قد يخطئ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عبد الله بن أبي عمار ]. ابن جريج و عبد الله بن أبي عمار مر ذكرهما، وهو مذكور هنا عبد الله بن أبي عمار ، وصوابه الأول عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار كما قال الحافظ . [ قال: أبو داود رواه أبو عاصم و حماد بن مسعدة كما رواه ابن بكر ]. أبو عاصم وهو: الضحاك بن مخلد النبيل ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حماد بن مسعدة ]. حماد بن مسعدة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ كما رواه ابن بكر ]. أي: في الطريق السابقة، مع أن ابن بكر روى معه أيضاً عبد الرزاق ، لكن لعل المصنف ذكر روايته وساق اللفظ عليه أو ساق الحديث على لفظه. وهو في شيوخ شيوخه. متى يقصر المسافر شرح حديث (كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ...) قال المصنف رحمه الله: [ باب متى يقصر المسافر؟ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن قصر الصلاة فقال أنس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة شك- يصلي ركعتين) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب متى يقصر المسافر؟] وهذه الترجمة يدخل تحتها ما هو السفر الذي إذا سافره يقصر فيه المسافر، وأيضاً متى يبدأ المسافر في القصر إذا سافر؟ فأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شك شعبة - صلى ركعتين. وفسر هذا الحديث بأن المقصود منه مسافة السفر، وأنه إذا سافر هذا المقدار كان يقصر عليه الصلاة والسلام. ومن أهل العلم من فسر ذلك بأن المقصود: إذا سافر هذه المسافة فإنه يبدأ بالقصر؛ لأنه لم يكن يخرج بعدما يدخل الوقت، ولكنه بعد ما يصلي يسافر، فيمضي مدة قبل أن تأتي الصلاة الأخرى، فيكون البدء بعد مضي هذه المدة، لكن سيأتي في الحديث الذي بعد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ القصر بذي الحليفة، وذو الحليفة مكان قريب من المدينة، فلما سافر إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر في مسجده صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وصلى العصر في ذي الحليفة ركعتين، فقالوا: إن المقصود بقوله: [ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال] مسافة السفر، وليس المقصود به أنه لا يقصر إلا بعد أن يمشي ثلاثة فراسخ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قصر بعد أن وصل إلى ذي الحليفة، وهو مكان قريب من المدينة لا يقصر الإنسان إذا ذهب إليه، ولكنه يبدأ القصر منه؛ لأن الذهاب إليه ليست مسافة قصر، لكنه بدأ بالقصر منه لأنه خارج البنيان. وقد اختلف أهل العلم في مسافة القصر، فمنهم من قال: ثلاث مراحل. يعني: مسيرة ثلاث ليال، ومنهم من قال: مرحلتان. يعني: مسيرة يومين قاصدين، وهذا قد جاء عن بعض الصحابة، فقد سئل عن القصر في الذهاب إلى عرفة فقال: لا، ولكن إذا ذهب إلى الطائف أو إلى جدة أو إلى عسفان فإنه يقصر، قالوا: وهذا مقداره مسافة اليومين القاصدين، أي: مسافة مرحلتين، ومنهم من قال بهذا المقدار الذي جاء في هذا الحديث، أي: ثلاثة فراسخ أو ثلاثة أميال، ومنهم من قال: أقل من ذلك، ومنهم من أناط الحكم بالسفر، وما يعتبر سفراً في العرف فإنه يحصل به قصر الصلاة، ولم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديد أنه لا يقصر إلا في المسافة الفلانية، وأن من سافر هذا المقدار فهو الحد الفاصل، وقيل: يرجع إلى العرف، فما كان يعتبر سفراً بالعرف فهو الذي تناط وتعلق به الأحكام التي هي القصر والجمع والفطر، وكذلك لزوم المحرم بالنسبة للمرأة في السفر. ومن المعلوم أن هذه الأقوال مختلفة، ولكن الاحتياط في الدين أمر مطلوب، ولا يصلح أن يقصر لمسافات قصيرة وقليلة؛ لأن الإنسان إذا صار إلى ذلك، وليس هناك تحديد ثابت يكون قد فرط، والاحتياط هو في كون القصر في السفر في مثل السفر بين مكة إلى الطائف أو إلى عسفان أو إلى جدة وما إلى ذلك، فهذا هو الذي يسمى سفراً، أما المسافات القصيرة فلا ينبغي القصر فيها، وعلى الإنسان أن يحتاط لدينه، ولا يأخذ بالشيء الذي فيه إشكال وليس فيه شيء واضح يدل عليه. تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ...) قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ]. هو محمد بن بشار الملقب بندار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن جعفر ]. هو محمد بن جعفر الملقب بغندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن يزيد الهنائي ]. يحيى بن يزيد الهنائي مقبول، أخرج حديثه مسلم و أبو داود . [ سألت أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث فيه ذكر الفراسخ والأميال، والشك من شعبة أحد رواة الحديث، والفرسخ ثلاثة أميال، والثلاثة الفراسخ تسعة أميال. والميل الآن يعتبر أكثر من الكيلو، لكن لا أدري كم مسافته بالضبط. شرح حديث (صليت مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعاً...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا زهير بن حرب حدثنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر و إبراهيم بن ميسرة سمعا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وأنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة في مسجده صلى الله عليه وسلم أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين؛ لأنه مسافر إلى مكة في حجة الوداع، صلى في هذا المسجد أربع ركعات الظهر، ومشى بعد الظهر فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين قصراً، فهذا يدلنا على أن البدء بالقصر إنما يكون عند الخروج من البلد، فيبدأ المسافر بالأخذ برخص السفر، ومادام في البلد فإنه لا يترخص؛ لأنه لا يقال له: مسافر حتى يخرج من البلد. وكون الرسول صلى الله عليه وسلم قصر بذي الحليفة -وهي خارج المدينة- يدلنا على أن القصر إنما يكون إذا فارق الإنسان بلده الذي هو فيه وبدأ بالسفر، فإنه بذلك يحصل له الأخذ بأحكام السفر كالقصر والجمع والفطر وما يتعلق بذلك. وإذا وصل العمران إلى ذي الحليفة فإنها تكون من المدينة فلا يقصر بها وإنما يقصر بعدما يتجاوز الإنسان العمران كله، فإذا وصل البنيان واتصل إلى منطقة ذي الحليفة صارت ذو الحليفة من المدينة، ومن المعلوم أن المدينة غير الحرم، فالحرم لا يزيد والمدينة يمكن أن تزيد، فالحرم محدد ومقدر وهو لا يزيد، وأما المدينة فيمكن أن تزيد وتخرج عن الحرم ويصير جزء منها خارج الحرم، فإذا وصل البنيان إلى أبيار علي وإلى ذي الحليفة فلا يجوز القصر بها، بل إذا تجاوز البنيان كله. تراجم رجال إسناد حديث (صليت مع رسول الله الظهر بالمدينة أربعاً...) قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا ابن عيينة ]. ابن عيينة هو: سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و إبراهيم بن ميسرة ]. إبراهيم بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ سمعا أنس بن مالك ]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. حكم الجمع أو القصر في مطار المدينة المنورة مطار المدينة يعتبر اليوم خارج المدينة وليس في المدينة؛ لأن البنيان ما وصل إليه، وإذا كان السفر محققاً ولا إشكال فيه فيمكن للإنسان أن يقصر، لكن المشكلة أن السفر في الطائرة يمكن أنه يتأخر فيرجع المسافر؛ لأن السفر لا يكون محققاً مثل كون الإنسان يسافر بدابته أو بسيارته؛ لأن هذا أمر يرجع إليه، وأما الطائرة فأمرها يرجع إلى غيره، فالقصر يجوز، أقول: ما دام أن الإنسان خارج البلد والمطار خارج البلد فلا بأس بالقصر، والمطار الآن خارج المدينة والبنيان ما وصل إليه. وإذا أراد المسافر السفر ودخل وقت الظهر وهو في المدينة فله أن يخرج ويجمع خارج المدينة. ولو أذن المؤذن فذلك لا يضر؛ لأنه سافر بعد الأذان، ووجد منه السفر بعد الأذان، فليس من شرط السفر أن يكون قبل الأذان، وأنه لا تجري عليه الأحكام إلا إذا كان قبل الأذان، فالإنسان إذا وجد منه السفر ولو كان بعد الأذان فإنه تجري عليه أحكام السفر. الأذان في السفر شرح حديث (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية..) قال المصنف رحمه الله: [ باب: الأذان في السفر. حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [الأذان في السفر] كما يكون في الحضر، والإنسان المسافر يؤذن، سواءٌ أكان في جماعة أم كان لوحده، ولذلك إذا أذن يحصل بأذانه ذكر الله، ويحصل بأذانه كونه لا يسمعه شيء إلا شهد له، وكذلك -أيضاً- يمكن أنه يسمعه أحدٌ من الناس فيعرف دخول الوقت بهذا الأذان، ويمكن أن يأتي إليه ويصلي معه، كل ذلك من فوائد حصول الأذان في السفر. فالمسافر يؤذن ويقيم، سواءٌ أكان في جماعة أم كان واحداً. وقد أورد أبو داود ، حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه الذي يدل على أذان الفرد إذا كان وحده في السفر، فإنه يؤذن ويصلي. قوله: [ (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل) ]. الشظية: قطعة من الجبل أو جزء منه أو ناحية من الجبل. قوله: [ (يؤذن بالصلاة ويصلي) ]. يعني: يؤذن ويحصل منه الأذان والإقامة، وتحصل منه الصلاة. قوله: [ (فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة) ]. هذا يدلنا على فضل هذه الأعمال في السفر، فالصلاة لا بد منها، والأذان كذلك، حيث يشرع للإنسان المسافر أن يؤذن ولو كان وحده، وهذا الأجر مركب على مجموع هذه الأمور، وكون الإنسان يؤذن ويقيم الصلاة يدل على أنه يخاف الله عز وجل، فالله تعالى يغفر له ذنوبه ويدخله الجنة جزاءً على ذلك العمل الصالح الذي عمله. وفي الحديث إثبات صفة العجب لله عز وجل، وقد جاء ذلك في القرآن في إحدى القراءتين لقوله تعالى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12] ، لأنه على قراءة (بل عجبتُ)، تكون من آيات الصفات، وعلى قراءة: (( بَلْ عَجِبْتَ )) لا تكون تكون آية صفة، فالعجب صفة ثابتة لله عز وجل في القرآن في إحدى القراءات المتواترة. وكذلك -أيضاً- جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة، منها هذا الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث (يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية..) قوله: [ حدثنا هارون بن معروف ]. هارون بن معروف ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود . [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الحارث ]. هو عمرو بن الحارث المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا عشانة المعافري حدثه ]. أبو عشانة المعافري هو: حي بن يؤمن المصري ، ثقة، أخرج البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عقبة بن عامر ]. عقبة بن عامر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
__________________
|
#275
|
||||
|
||||
![]() المسافر يصلي وهو يشك في الوقت شرح حديث (كنا إذا كنا مع رسول الله في السفر فقلنا..) قال المصنف رحمه الله: [ باب: المسافر يصلي وهو يشك في الوقت. حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن المسحاج بن موسى قال: قلت لأنس بن مالك رضي الله عنه: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فقلنا زالت الشمس أو لم تزل صلى الظهر ثم ارتحل) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت]. ومن المعلوم أن الصلاة لابد من أن تكون في وقتها، فلا تصلى قبل وقتها ولا تؤخر عن وقتها، وإذا فات أو لم يحصل أداؤها في وقتها اضطراراً أو لأمر خارج عن إرادة الإنسان فإنه يقضيها، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا نام أحدكم عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك). وعلى هذا فالصلوات إنما تكون في أوقاتها، ولا يجوز تقديمها عن وقتها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لضرورة بأن يكون الإنسان ناسياً أو نائماً، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا يجوز للإنسان أن يصلي وهو شاك في الوقت هل دخل أو لم يدخل، والحديث الذي أورده أبو داود من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه إنما حصل الشك فيه منهم وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرسول صلى الله عليه وسلم هو إمامهم، وهو الذي يصلي بهم، وهو إنما صلى في الوقت ولكن هم كانوا يظنون أن الوقت ما دخل، ولكنه قد دخل، فشك المأموم لا يؤثر؛ لأن الإمام هو المسئول عن الوقت، وهو الذي يؤدي الصلاة في الوقت، ويحصل منه أداء الصلاة في الوقت، فحصول الشك لا يؤثر، ويمكن أن يكون هذا الشك معناه المبادرة بعد دخول الوقت، وليس معنى ذلك أنهم صلوا قبل دخول الوقت، فيكون المقصود منه المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها، فمن حين دخول الوقت مباشرة صلوا مبادرين ولم يؤخروا الصلاة بعد دخول وقتها شيئاً، ويشبه هذا الحديث الذي جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتي الفجر فأقول: هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟ أي: لتخفيفهما. وكما هو معلوم أنه لا يشك في أنه يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ولا يظن بعائشة أنها تقول: (إنه ما قرأ)، ولكن ذلك إشارة إلى تقليلهما وتخفيفهما وعدم إطالتهما وأنه يخففهما كثيراً. فقولها: (هل قرأ فاتحة الكتاب؟) معناه أنه خففهما كثيراً ولم يطولهما، فهذا من جنسه، ثم إن هذا إذا كان المقصود به الشك فهو إنما حصل من المأمومين أو من بعض المأمومين، والإمام هو الذي يحافظ على الوقت، ويعرف دخول الوقت، ويصلي بعد دخول الوقت، ولا يجوز إتيان الصلاة على وجه مشكوك فيه، بل لابد من تحقق دخول الوقت. تراجم رجال إسناد حديث (كنا إذا كنا مع رسول الله في السفر فقلْنا...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد مر ذكره . [ حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المسحاج بن موسى ]. المسحاج بن موسى مقبول، أخرج له أبو داود . [ قلت لأنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. شرح حديث (كان رسول الله إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني حمزة العائذي رجل من بني ضبة قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر، فقال له رجل: وإن كان بنصف النهار؟ قال: وإن كان بنصف النهار) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر، والمقصود من ذلك إذا كان قريباً من وقت الظهر، وليس معنى ذلك أنه يواصل الجلوس والبقاء والمكث في هذا المكان حتى يصلي الظهر، فإذا كان الوقت بعيداً مثل الصباح أو نزل منزلاً بالليل فليس معناه أنه يستمر في الجلوس والمكث حتى يصلي الظهر، وإنما إذا نزل منزلاً وكان وقت الظهر قريباً فإنه ينتظر حتى يصلي الظهر ثم يرتحل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فالمقصود من ذلك القرب من الوقت أو القرب من الظهر، وليس ذلك مطلقاً في أي وقت من الأوقات ينزل فيمكث حتى يجيء الظهر. قوله: [ (وإن كان بنصف النهار) ]. هذه إشارة إلى المبادرة إلى الإتيان بالصلاة في أول وقتها. ونصف النهار هو الزوال، وقد يختلف الوقت أيضاً، ولكن الصلاة لا تكون في حال الزوال ولا قبل الزوال. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يصلي الظهر...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني حمزة العائذي ]. مسدد و يحيى و شعبة مر ذكرهم. وحمزة العائذي صدوق أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه قد مر ذكره. الأسئلة حكم الاشتغال بالنظر إلى الكسوف وترك الصلاة السؤال: إن من المشاهد الآن أن كثيراً من الناس إذا حصل الكسوف أو الخسوف يتمتعون بالنظر إلى ما يحصل للشمس والقمر، فمنهم من يستخدم بعض النظارات التي تقي -كما يقولون- من بعض أضرار هذا الأمر، وتجد الكثير من الناس ينظر إلى هذه الأشياء دون الصلاة، فما التعليق على ذلك؟ الجواب: أما كون الناس ينظرون دون أن يحصل لهم ضرر ليس هناك مانع يمنع منه، وقد كان الصحابة يذكرون كيفية الكسوف وأن الشمس حصل لها كذا، وأنها صارت في مكان كذا، فالنظر في الشمس إذا ما حصلت مضرة على الإنسان منه في عينيه فلا بأس بذلك، ولكن المشكل كونهم لا يصلون، هذا هو الذي ليس بسليم، وأما كون الناس يصلون فهذا هو السنة والمشروع، وكون الناس ينظرون ففي الغالب أن بعض الناس ينظر إلى هذا الكسوف كيف يكون؟ وماذا حصل للشمس؟ وهل ذهب ضوءها كله أو بعضه؟ فهذا شيء لا يوجد مانع يمنعه، لكن الذي ينبغي هو أن يحافظ على النظر، أن لا يعرض للخطر، والناس -كما هو معلوم- عندهم غريزة حب الاستطلاع. حكم دفع الرشوة لأجل الوصول إلى الحق السؤال: إذا تعذر الحصول على حق إلا بدفع الرشوة فهل يجوز ذلك؟ الجواب: إذا كان الإنسان يستطيع أن يصل إلى حقه عن طريق رفع من امتنع من وصوله إليه فلا يجوز له أن يفعل أي شيء سوى إيقاف الظالم عند حده وعدم تمكينه من الظلم، وأما إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يصل إلى حقه إلا أن يدفع شيئاً، أو يتنازل عن شيء منه، أو يتخلص من المظلمة بأن يحصل على بعض حقه، فمعلوم أن نزول المظلوم عن بعض حقه ليحصل على بعضه أولى من كونه يضيعه كله من أوله إلى آخره، من أجل أن لا يدفع شيئاً من ذلك. نعم لا يدفع إذا كان هناك سبيل إلى إنصاف الظالم من المظلوم، وأما إذا كان في بلد ليس فيه عدل -لاسيما إذا كان في بلاد كفار أو نحو ذلك- فإن الإنسان إذ نزل عن بعض ماله فلا بأس بذلك؛ لأن حصوله على بعض ماله أحسن من ضياع ماله كله عليه، ولهذا يوجد الصلح على إقرار، والصلح على إنكار في كتب الفقه، فالإنسان إذا ما حصل حقه كله فتحصيل بعضه أولى من ضياعه كله، فهو إما أن يحصله كله وإما أن يضيعه كله، فلا بأس أن يتنازل عن شيء منه أو يدفع شيئاً؛ لأن هذا ظلم، وهذا المظلوم لا يستطيع أن يحصل حقه إلا عن طريق ذلك. فكونه يتنازل أو يعطي شيئاً من ماله لا يقال فيه: إن دفع رشوة من أجل أن يحصل حقاً لغيره. إنما هذا تنازل عن بعض ماله أو دفع شيء من ماله ليحصل بعض ماله لئلا يضيع عليه ماله كله، وأما كون الإنسان يدفع شيئاً من أجل أن يغلب غيره أو من أجل أن يأخذ مال غيره أو من أجل أنه يتقدم على غيره أو من أجل أنه يحصل شيئاً يميز به على غيره فلا يجوز ذلك. ولكن القضية محصورة في إنسان مظلوم ماله سيذهب كله فإذا دفع بعضه فلا بأس بذلك. عدد مرات النداء لصلاة الكسوف السؤال: كم مرة ينادى: الصلاة جامعة؟ الجواب: لا نعلم فيه تحديداً، ولكنه يكرر حتى يسمع الناس. كيفية صلاة الليل والنهار السؤال: النوافل التي قبل صلاة الظهر والعصر هل تصلى ركعتين ركعتين بينهما تسليمة، أم تصلى أربع ركعات؟ الجواب: الصلاة ركعتان ركعتان في الليل والنهار، إلا أن الليل الصلاة فيه جاء الوصل فيها، وجاء الفصل -وهو ركعتان- من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، أما فعله فالذي ثبت في حديث ابن عباس أنه صلى ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة لما بات عند خالته ميمونة . وأما قوله فقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة أوترت له ما قد مضى). وقد جاء في بعض الأحاديث أنه كان يصلي أربعاً ثم أربعاً ثم ثلاثاً، فجاء الفصل من قوله وفعله وجاء الوصل من فعله صلى الله عليه وسلم. حكم السلام بعد سجدة التلاوة السؤال: هل يوجد سلام بعد سجدة التلاوة؟ الجواب: لا أعلم شيئاً يدل على هذا. حكم من أوصى ولده أن يحج عنه ولم يستطع السؤال: رجل أوصى ولده قبل وفاته أن يحج عنه، والابن لا يستطيع الحج عن نفسه ولا عن أبيه، بسبب قوانين الحج المتعلقة بالسن والعمر للحجاج من خارج المملكة، فهل يجوز للابن أن يوكل من يستطيع الحج أن يحج عن أبيه، فإن كان ذلك يصح فما هي السنة فيما يتعلق بصيغة التوكيل والتلبية و النفقة؟ الجواب: الميت يحج عنه، وإذا كان الإنسان قادراً على أن يدفع مالاً لمن يحج عن والده فليفعل، ومعلوم أن النائب الذي يحج عن غيره ينوي عند الإحرام أن النسك إنما هو لفلان، ينوي بقلبه، وإن تلفظ بلسانه فقال: لبيك عمرة لفلان فلا بأس بذلك، ويكفي ما في القلب، أي: كون الإنسان ينوي بقلبه أن العمرة لفلان، وأن الحج لفلان، ثم بعد ذلك جميع الأعمال التي يعملها من حج أو عمرة هي للمحجوج عنه أو المعتمر عنه. فمادام عنده قدرة مالية فإنه يدفع لغيره ممن يحج عن أبيه. حكم استخدام الطبل والدف مع الأناشيد السؤال: هل يجوز استخدام الطبل والدف مع الأناشيد المسماة بالأناشيد الإسلامية، وذلك وقت العرس؟ الجواب: استعمال الطبول لا يصلح، وإنما الذي جاء في الصحيح الدف وليس هو الطبل الذي يكون مغطى من الجهتين، والدف يكون مكشوفاً من إحدى الجهتين، ويجوز استعماله للنساء فقط وأما الرجال فليس لهم أن يستعملوا الطبول ولا الدفوف. حكم قراءة الفاتحة عند قبر الرسول السؤال: حملني أهلي أمانة في عنقي، وهي قراءة الفاتحة عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتبليغ سلامهم إليه صلى الله عليه وسلم، فهل يلزمني أن أفعل ذلك؟ الجواب: ادع لهم، وكان المناسب أن تقول لهم لما قالوا لك ذلك: أكثروا من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والملائكة تبلغه؛ لأنه جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)،وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) يعني: بواسطة الملائكة تبلغه حيث كان الناس، ويمكنك أن تدعو لهم وإذا رجعت تخبرهم؛ بأن السنة هي أنكم تكثرون من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة تبلغه. وأما قراءة الفاتحة فإنه لا يقرأ الفاتحة لأحد، وإنما عليه الدعاء، هذا هو المشروع، فالإنسان يدعو لغيره، لكن لا يقرأ الفاتحة عن غيره في مكان أو في أي مكان. ثبوت استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بالأناشيد السؤال: هل ثبت أن الأنصار استقبلت الرسول صلى الله عليه وسلم بالأناشيد، ومنها قولهم: طلع البدر علينا؟ الجواب: هذا مشهور لكن لا أدري بثبوته، وإن كانوا قالوه فليس هو بأناشيد، كما ينشد اليوم بصوت واحد. كيفية صلاة النبي بالأنبياء في بيت المقدس السؤال: يذكر في قصة الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إماماً بالأنبياء ببيت المقدس قبل عروجه إلى السماء، ولم تفرض الصلاة بعد، فما هي صفة هذه الصلاة؟ الجواب: الثابت أنه بعد النزول وليس قبل النزول؛ لأنه قبل ذلك كان يسأل عنهم، ويعرف بهم، فلو كان ذلك حصل قبل فمعناه أنه عرفهم من قبل، والتعريف إنما حصل بعد المعراج. وأما كيفية الصلاة فلا أعلم كيف كانت، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتحنث ويتعبد في غار حراء قبل أن يبعث وقبل أن يرسل صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم. معنى قول ابن حبان في المجروحين: فلان يخطئ كثيراً السؤال: هل قول ابن حبان في المجروحين: يخطئ كثيراً، يعتبر جرحاً مفسراً أو مجملاً؟ الجواب: إنما يعرف ذلك بالرجوع إلى كتب التراجم وما قيل في الشخص من تجريح أو تعديل، والجرح قد يكون مجملاً وقد يكون مفسراً، ثم أيضاً كون هذا الجرح مقابل توثيق، أو أنه ليس هناك توثيق، فإذا كان هناك توثيق حتى فلكي يقدم الجرح على التعديل فإنه يحتاج إلى تفسيره، أما إذا كان التعديل موجوداً والجرح مجملاً فقد لا يعول عليه، وقد لا يكون كافياً. حكم مريض يستمر في غسل الكلى حتى يخرج وقت الصلاة السؤال: شخص مريض يغسل الكلى يضطر للجلوس لغسيل الكلى مدة طويلة بحيث يخرج وقت الصلاة، فماذا يفعل؟ الجواب: يصلي على حسب الحالة التي هو فيها، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها. حكم الحج لمن عليه دين السؤال: رجل عليه ديون وقد طلع في قرعة الحج بعد سنين، فهل له أن يحج ثم يقضي دينه فيما بعد، مع العلم أنها حجة الإسلام؟ الجواب: يستأذن الدائنين ويحج. حكم سفر المرأة في الطائرة وحدها السؤال: ما حكم سفر المرأة لوحدها بدون محرم في الطائرة خاصة إذا كانت مدة السفر يسيره، مثل أن تكون ساعتين؟ الجواب: سفر المرأة بدون محرم لا يجوز في طائرة ولا في سيارة ولا في باخرة، ولا في أي وسيلة نقل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فقال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم .). حتى سفر الحج ليس لها أن تسافره إلا إذا وجد المحرم، ولا تكون قادرة على الحج إلا إذا وجد المحرم، ولو كانت عندها قدرة مالية وليس عندها محرم فليس لها أن تسافر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم). ولو كان السفر في الطائرة، ولو كانت مدة السفر ساعة أو ساعتين، ولو كانت أقل من ذلك، ولو كانت فترة وجيزة، فالسفر إذا قطعته بالطائرة في فترة وجيزة فإنه يقال له: سفر ولا يخرج عن كونه سفراً. وجاء في بعض الأحاديث اللفظ مطلقاً، ليس فيه ذكر ثلاثة أيام، ولعل المقصود أنه سئل عن ثلاثة أيام فأجاب، وسئل عن أقل وأكثر فأجاب، وجاء مطلقاً بدون تقييد. فكل ما يقال له: سفر ليس للمرأة أن تقدم عليه إلا مع ذي محرم، وهو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح. لزوم الوفاء بالوعد للأم السؤال: أنا رجل أعمل بالمملكة، وكنت قد وعدت أمي بتذكرة للعمرة، لكن لما جئت تضررت من جراء البعد عن الزوجة، والزوجة كذلك متضررة، فهل أجعل هذه التذكرة للزوجة بدل أمي، أم ماذا أفعل، مع أن أمي قد تغضب من هذا؟ الجواب: لا يفعل، وإنما إذا تمكن يأتي بهما معاً، وإلا فليف بوعده لأمه. حكم طلاق الحائض السؤال: هل يجوز طلاق الحائض إذا كانت في حيضتها الثالثة بعد طهرين لم يجامعها زوجها فيهما؟ الجواب: طلاق الحائض لا يجوز، ولكنه إذا حصل الطلاق وقع، ولكن عليه أن يراجعها كما جاء في حديث ابن عمر في قصة تطليق زوجته وهي حائض. حكم من فاته الركوع الأول من صلاة الكسوف السؤال: من فاته الركوع الأول في صلاة الكسوف ماذا يفعل؟ الجواب: يقضي ركعة؛ لأن صلاة الكسوف إنما تدرك بإدراك ركوعيها، فإذا فاته الركوع الأول فإنه إذا سلم الإمام يقضي ركعة بركوعين. حكم من فاته المغرب وأدرك جماعة تصلي العشاء السؤال: أخرت المغرب لكي أصليه مع العشاء، فعندما أردت الصلاة وجدت جماعة تصلي العشاء أربع ركعات، فهل أدخل معهم أو أصلى المغرب أولاً؟ الجواب: يدخل الإنسان معهم وإذا قاموا للرابعة يجلس، وإذا سلم الإمام يسلم معه، وهو بذلك يكون قد صلى المغرب، ثم يصلي العشاء بعد ذلك."
__________________
|
#276
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [150] الحلقة (181) شرح سنن أبي داود [150] من رحمة الله بعباده أن خفف عنهم فرائض الصلاة في السفر، فقصرت الرباعية إلى ركعتين، وأبيح للمسافر أن يجمع بين الصلاتين، وقد وردت أحكام عدة في الجمع بين الصلوات في السفر، فلابد للمسلم من أن يعرفها ويفهمها؛ لأنه مطالب بأداء العبادات على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ما جاء في الجمع بين الصلاتين شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمع بين الصلاتين. حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أخبرهم: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب الجمع بين الصلاتين، وأطلق ذلك، ولم يقل: (في السفر)، وإن كانت التراجم هي تتعلق بالسفر، حيث ترجم تفريع أبواب صلاة السفر، ولكنه أطلق الترجمة في قوله: الجمع بين الصلاتين؛ لأنه ذكر تحت هذه الترجمة الجمع في السفر وغير السفر، فلم يكن مقيداً ذلك بالسفر، وإنما أورد الأحاديث التي فيها الجمع في السفر والحضر. والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائراً، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيماً وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقراً ونازلاً. وأما إذا كان سائراً وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا كان نازلاً إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائراً قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعاً، أي: جمع تأخير. وإذا كان نازلاً في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطاً بأن يكون سائراً وجاداً به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيماً، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلاً في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جاداً به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث تتعلق بالجمع بين الصلاتين في السفر، وأورد بعض الأحاديث عن ابن عباس المتعلقة بالجمع في الحضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة ثمانياً وسبعاً، أي: الظهر والعصر ثمانياً، والمغرب والعشاء سبعاً، من غير خوف ولا مطر، ولما سئل ابن عباس قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فجاء الجمع في الحضر والسفر. وأيضاً جاء الجمع في حق المريض، فإن له أن يجمع بين الصلاتين ولكن ليس له أن يقصر. وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء)، وذلك في حال سيره، وأيضاً ذكر أنه لما كان نازلاً في تبوك أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى بهم الظهر والعصر، يعني: جمع تأخير في وقت العصر، ثم دخل، أي: دخل مكانه الذي هو فيه ومنزله الذي كان فيه في تبوك، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حال سيره، وأنه يجمع، وإذا كان جد به السير فأولى له أن يجمع؛ لأن هذا أرفق به، وإذا كان نازلاً فالأولى أن لا يجمع، إلا أنه يجوز له الجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه جمع في تبوك كما جاء في هذا الحديث؛ لأن قوله: (دخل) يعني: دخل منزله، (ثم خرج)، أي: خرج من منزله. تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي : عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو صاحب المذهب المشهور، أحاديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير المكي ]. هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق يدلس، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الطفيل عامر ]. أبو الطفيل هو: عامر بن واثلة ، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن جبل ]. هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق فنزل فجمع بينهما) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنه كان استصرخ على صفية ، أي: أنه أخبر بمرضها، وصفية هي زوجته، أي: صفية بنت أبي عبيد الثقفية أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) والكذاب هو: المختار بن أبي عبيد ، والمبير هو الحجاج ، كما قالت ذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه لما حصل قتل ابنها في مكة وجاء إليها الحجاج فقالت: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير) أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. والمبير هو المهلك الذي يحصل منه الظلم والجور. فـ (استصرخ) يعني: جاءه خبر أو أعلم بمرضها، فسار، ولما جاء وقت صلاة المغرب واصل السفر حتى غاب الشفق ودخل وقت العشاء، فنزل وصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل ذلك، يعني أنه كان إذ جاء وقت المغرب وهو سائر واصل حتى يأتي وقت العشاء، وإذا كان مقيماً قبل صلاة المغرب وجاء وقت المغرب وهو مقيم فإنه يصلي المغرب والعشاء ويمشي، ومعنى ذلك أنه بحصول الجمع تتباعد أوقات الصلوات بعضها عن بعض فيكون السير متصلاً، بمعنى أنه لو جمع بين المغرب والعشاء، وجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر يمكن أن يواصل إلى قريب من نصف الليل، بحيث يكون قريباً من انتهاء وقت العشاء، فيجمع بينهما، فيكون السير متصلاً، وهذا إذا أراد ذلك، ولكن المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها حتى لا تعرض للتأخير عن وقتها هو الذي ينبغي. فابن عمر رضي الله عنه أخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وهو مغيب الشفق فصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل به أمر، فدل هذا على الجمع للمسافر في حال جد السير به. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. هو سليمان بن داود العتكي هو: أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا حماد ]. حماد ، هو: ابن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع ]. هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [أن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث معاذ بن جبل في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني حدثنا المفضل بن فضالة و الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما) ]. أورد أبو داود حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان إذا زاغت الشمس -يعني: زالت الشمس- قبل أن يرتحل فإنه يصلى الظهر والعصر في أول وقت الظهر جمع تقديم، ثم يرتحل، وإذا كان جاداً به السير، وجاء وقت الظهر وهو سائر، فإنه يؤخر الظهر حتى يجيء وقت العصر، بحيث يكون مواصلاً للسير، فيؤخر الصلاة إلى وقت العصر فيجمع بين الظهر والعصر، يعني أنه يجمع جمع تقديم وجمع تأخير، وهنا فيه جمع التقديم وجمع التأخير؛ لأنه إن كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس، وجاء وقت الزوال فإنه يصلي الظهر والعصر ثم يرتحل، وإذا كان سائراً قبل الزوال قبل أن تزيغ الشمس استمر على سيره وأخر الظهر حتى جاء وقت العصر فنزل وصلاهما جميعاً. وكذلك المغرب والعشاء، فإذا كان نازلاً قبل غروب الشمس وغربت الشمس وهو نازل صلى المغرب والعشاء ومشى، وإن كان سائراً قبل المغرب وجاء وقت الغروب واصل السير حتى يدخل وقت العشاء، مثلما مر في حديث ابن عمر السابق أنه كان سائراً فجاء وقت المغرب وواصل حتى غاب الشفق ونزل وصلى، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث معاذ هذا يدل على الجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً، وكذلك بين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، وهذا في حال كونه سائراً. تراجم رجال إسناد حديث معاذ في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ]. هو يزيد بن خالد بن يزيد بن موهب الرملي الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، وهذا هو الذي ذكره أبو داود عن شيخه عبد الله بن يزيد بن موهب ، فذكر نسبه وأطال في نسبه مقدار سطر، وكله يتعلق بشيخه، فالتلميذ له أن يذكر شيخه كما يريد، فيطول فيه حتى يأتي بنسبه ونسبته، وأحياناً يختصر؛ لأنه سيأتي في هذا الباب أنه ذكر هذا الشخص بقوله: ابن موهب ، فاختصره، فله أن يذكر شيخه مطولاً، كما فعل في هذا الإسناد، وفي إسناد آخر في هذا الباب اكتفى بقوله: (حدثنا ابن موهب ) فقط، فالتلميذ يذكر شيخه كما يريد، فإن شاء أن يطول طول وإن شاء أن يختصر اختصر، ولهذا إذا اختصر وجاء من بعده وأراد أن يوضح زاد، ولكن يأتي بكلمة حتى يتبين أن هذه الزيادة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ. [ حدثنا المفضل بن فضالة ]. هو المفضل بن فضالة المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ والليث بن سعد ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن سعد ]. هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج أحاديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل ]. قد مر ذكر الثلاثة. ذكر حديث ابن عباس في كيفية الجمع بين الصلاتين بنحو حديث معاذ وتراجم رجاله [ قال أبو داود : رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث المفضل و الليث ]. أورد أبو داود هذه الطريق المعلقة، وأشار فيها إلى أن ابن عباس رواه نحو حديث المفضل و الليث . قوله: [ رواه هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حسين بن عبد الله ]. حسين بن عبد الله ، ضعيف أخرج له الترمذي و ابن ماجة . [ عن كريب ]. هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي مودود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة). قال أبو داود : وهذا يروى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني ليلة استصرخ على صفية ، وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين ]. قوله: [ (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة) ]. هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل منه الجمع إلا مرة واحدة، ولكن هذا غير صحيح، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يجمع في السفر إلا مرة واحدة، وإنما هذا جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه كما ذكر ذلك المصنف في الطريقين المعلقتين اللتين أشار إليهما، وفي إحداهما أنه مرة واحدة، والثانية أنه مرة أو مرتين. تراجم رجال إسناد حديث: (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الله بن نافع ]. هو ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي مودود ]. أبو مودود ، هو عبد العزيز بن أبي سليمان ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن سليمان بن أبي يحيى ]. سليمان بن أبي يحيى ، ليس به بأس، وهي: بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، وحديثه أخرجه أبو داود . [ عن ابن عمر ]. ابن عمر مر ذكره. وهذا الحديث فيه من هو مقبول، وهو يخالف ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان يجمع في السفر، وقد جمع في تبوك كما سبق في حديث أنه خرج وصلى بهم الظهر والعصر، ثم دخل وخرج وصلى بهم المغرب والعشاء. قوله: [ قال أبو داود : وهذا يروى عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة مر ذكره. [ عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني: ليلة استصرخ على صفية ]. يعني القصة التي سبقت الإشارة إليها، وأنه كان سائراً حين غربت الشمس، فاستمر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فلما غاب الشفق نزل وصلى بهم، يعني أنه جمع تلك الليلة، لكن هذا يتعلق بابن عمر ، فهو موقوف عليه، لكن لا أدري ما صحته موقوفاً. قوله: [ وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين ]. قوله: (وروي) فيه إشارة إلى ضعف هذه الطريق، ولم يذكرها متصلة وإنما ذكرها معلقة. ومكحول هو: الشامي ، وهو ثقة أخرج أحاديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. شرح حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر) قال مالك : أرى ذلك كان في مطر، قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ، ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر)، وكان هذا في المدينة، وجاء في بعض الروايات: (من غير خوف ولا مطر) وكان هذا في المدينة، وستأتي طرق أخرى عن ابن عباس في ذلك، وأنه لما سئل قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فدل هذا على أنه إذا حصل أمر يقتضي ذلك الجمع في الحضر، وكان نادراً وليس معتاداً أنه لا بأس به، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك يكون في المرض؛ لأنه غير الخوف والمطر والسفر، لكن تخصيصه بالمرض ليس له وجه، بل الأمر واسع كما قال ابن عباس : (أراد أن لا يحرج أمته)، فإذا حصل أمر اقتضى واستدعى ذلك في نادر الأحوال فإنه لا بأس به لهذا الحديث، وأما كونه يصير مألوفاً ومعتاداً فليس ذلك سائغ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه أنه فعل ذلك إلا مرة واحدة، كما جاء في حديث ابن عباس هذا، وقال: إنه إنما فعل ذلك يريد أن لا يحرج أمته صلى الله عليه وسلم. وقوله: (من غير خوف ولا سفر) هذان من مسوغات الجمع كما في الحديث. فالخوف يسوغ الجمع، ويسوغ أموراً أخرى للصلاة كما هو معلوم خاصة، بل جاء في بعض الأحاديث أنها تصلى واحدة، وأنها تصلى على هيئات مختلفة. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين االظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عباس ]. قد مر ذكره. قوله: [ قال مالك : أرى ذلك كان في مطر ]. يعني: في يوم مطير، ولكن قد جاءت الروايات عن ابن عباس وفيها التنصيص في نفي المطر: (من غير خوف ولا مطر). قوله: [ قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ]. حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. قوله: [ ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك ]. قرة بن خالد ذكر فيه أنه كان في سفر، وأن ذلك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا معناه غير ذلك الذي كان في المدينة. وقرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إسناد آخر الحديث: (جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته). ]. هذا حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ذكر الخوف والمطر، بخلاف الرواية السابقة التي فيها: (ولا سفر)، وقال فيها مالك : أرى ذلك كان في مطر. فهذه الرواية تبين أنه ما كان في مطر، حيث قال: (من غير خوف ولا مطر). قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الأعمش ]. الأعمشهو : سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهما.
__________________
|
#277
|
||||
|
||||
![]() دلالة الحديث على جواز الجمع عند المشقة والحرج قوله: [ أراد أن لا يحرج أمته ]. هو هذا الذي أشرت إليه، أي أنه إذا حصل لهم أمر يقتضي ذلك فإنه يجوز لهم أن يجمعوا وأن لا يقعوا في الحرج والمشقة. وقد يحصل أن الإنسان إذا جاء من سفر فدخل بيته، وهو لا يستطيع أن ينتظر العشاء للتعب من السفر فيجمع بين المغرب والعشاء وينام، فهل له ذلك وينطبق عليه هذا الحديث؟ والجواب أن الذي يبدو أن مثل هذا لا يصلح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله مرة واحدة، وهذا الأمر سيفعل دائماً، وبعض الناس الذين عندهم كسل في الصلاة قد يجدون ذلك سبيلاً لهم بأن يجمعوا. وهناك الطبيب الجراح ينطبق عليه الحديث إذا كانت العملية تتطلب مواصلة المجارحة، وأن قطعه إياها للصلاة سيترتب عليه مضرة بالشخص المريض. شرح حديث (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت..) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة، قال: سر، سر. حتى إذا كان قبيل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت. فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث) قال أبو داود : رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر الذي تقدم، وهو الذي فيه أنه استصرخ على صفية ، ولكنه يختلف؛ لأن هذا ليس فيه جمع؛ لأنه صلى المغرب في وقتها وانتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء في وقتها، وهذا لا يقال له جمع، والقصة هي واحدة، والثابت هو الأول الذي فيه أنه أخر حتى غاب الشفق فتكون هذه الرواية غير محفوظة، والمحفوظ هو كونه جمع بينهما بعد مغيب الشفق كما تقدمت الرواية في ذلك، وهذا لا يقال له: جمع لكونه نزل ثم انتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء، فهذا ليس بجمع، بل كل صلاة صليت في وقتها؛ لأن المغرب إذا صليت في وقتها قبل دخول وقت العشاء، ثم صليت العشاء في وقتها بعد دخول وقتها فلا يقال له جمع، وإنما الذي فعله ابن عمر هو الجمع، وعلى هذا فالمحفوظ هو الرواية السابقة التي هي كونه جمع أو صلى الصلاتين المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق. قوله: [ فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث ]. معناه أنه استعجل، فسار بسرعة، فقطع مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد. تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت...) قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ]. محمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج أحاديثه أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا محمد بن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع و عبد الله بن واقد ]. نافع مر ذكره، وعبد الله بن واقد مقبول، أخرج له مسلم و أبو داود و ابن ماجة . و ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره. قوله: [ قال أبو داود : رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده ]. ابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إسناد آخر لحديث: (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن ابن جابر بهذا المعنى ]. [ قال أبو داود : ورواه عبد الله بن العلاء عن نافع قال: حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما ]. أورد الإسناد وأشار إلى أنه بالمعنى المتقدم في الحديث السابق. قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا عيسى ]. عيسى هو: ابن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جابر ]. ابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الذي تقدم. قوله: [ ورواه عبد الله بن العلاء ]. عبد الله بن العلاء ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن نافع ]. نافع هو مولى ابن عمر ، وقد تقدم. ولا يستدل بحديث ابن عمر على الجمع الصوري؛ لأن الجمع الصوري -كما هو معلوم- فيه مشقة، ثم إنه لا يقال له: جمع؛ لأن كل صلاة أجريت في وقتها، فالجمع الصوري فيه مشقة؛ لأن تحديد الوقت الذي تصلي فيه الصلاة في آخر وقتها، وإذا انتهي منها مباشرة يدخل الوقت لتصلي الصلاة التي بعدها فيه مشقة، وهذا مثلما قال الخطابي أو غيره: إن هذا لا يعرفه الخواص فضلاً عن العوام. ففيه مشقة وحرج، وبعض أهل العلم -وهم الحنفية- يقولون: لا يجمع إلا في عرفة ومزدلفة. شرح حديث: (صلى بنا رسول الله بالمدينة ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن حرب و مسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد، ح وحدثنا عمرو بن عون أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانياً وسبعاً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء) ولم يقل سليمان و مسدد (بنا) قال أبو داود : ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في غير مطر) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وهو الذي تقدم من طرق، وأورد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في المدينة الظهر والعصر ثمانياً والمغرب والعشاء سبعاً، يعني: وكان ذلك في المدينة، وفي الطريق الأخرى قال: (في غير مطر) من طريق صالح مولى التوأمة كما مر في الرواية السابقة. قوله: (ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء) يعني: جمع بين الصلاتين بثماني ركعات الظهر والعصر، والمغرب والعشاء سبع ركعات، يعني: مرة واحدة. تراجم رجال إسناد حديث (صلى بنا رسول الله ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ومسدد ]. مسدد ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح: وحدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو عمرو بن عون بن أوس الواسطي . [ أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار ]. حماد مر ذكره، وعمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، [ عن جابر بن زيد ]. جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. قوله: [ ولم يقل سليمان و مسدد : (بنا) ]. أي أن كلمة: (صلى بنا) هي التي قالها عمرو بن عون ، وأما الشيخان الأولان في الإسناد الأول فلم يقولا: (بنا)، وإنما كلمة (بنا) جاءت في الطريق الثانية. قوله: [ قال أبو داود : ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس ]. صالح مولى التوأمة هو صالح بن نبهان ، وهو صدوق اختلط، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . شرح حديث جابر (أن رسول الله غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى بن محمد الجاري حدثنا عبد العزيز بن محمد عن مالك عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف) ]. أورد حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بين المغرب والعشاء بسرف)، و(سرف) -كما جاء في الرواية الثانية المقطوعة- بينها وبين مكة ثمانية أميال، أي: قريب من ثلاثة فراسخ؛ لأن الفرسخ ثلاثة أميال، وهنا قال: [(فجمع بينهما بسرف)]. والحديث ضعفه الألباني ، ولعل سبب ضعفه يحيى بن محمد الجاري ، وكذلك أبو الزبير لكونه مدلساً، وقد روى بالعنعنة. تراجم رجال إسناد حديث جابر (أن رسول الله غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج أحاديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا يحيى بن محمد الجاري ]. يحيى بن محمد الجاري صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا عبد العزيز بن محمد ]. عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك عن أبي الزبير عن جابر ]. قد مر ذكرهم. ويستدل بحديث جابر على أنه إذا دخل الوقت والإنسان له نية سفر أن يجمع دون قصر. فالحديث يدل على هذا، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ففي مذهب الإمام أحمد أنه إذا دخل وقت الصلاة، ثم سافر فإنه يصلي أربعاً؛ لأنه دخل الوقت فوجبت تامة فيصليها تامة، وعن أحمد رواية أخرى -وعليها الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة و الشافعي و مالك - أنه يصليها قصراً؛ لأن الوقت موسع، فلا يلزم أن يصليها في أول الوقت، بل يصليها قصراً عندما يسافر، فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، والحديث هذا لو صح فإنه يدل على القولين. وكلهم يقولون: يجمع. لكنه يصلي الظهر تامة؛ لأنها وجبت قبل سفره وإن نوى في قلبه، والعصر يقصرها، والذين يقولون: يقصرها يقصر عندهم الظهر والعصر جميعاً. شرح أثر هشام بن سعد (بينهما عشرة أميال) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن هشام جار أحمد بن حنبل حدثنا جعفر بن عون عن هشام بن سعد قال: بينهما عشرة أميال، يعني: بين مكة وسرف ]. هذه طريق مقطوعة، وهي متن ينتهي إلى من دون الصحابي، والمتن الذي ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، وهذا فيه بيان المسافة، من هشام بن سعد . قوله: [ حدثنا محمد بن هشام جار أحمد ]. محمد بن هشام ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا جعفر بن عون ]. جعفر بن عون صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن سعد ]. هشام بن سعد قد مر ذكره. شرح حديث ابن عمر (رأيت رسول الله إذا جد به السير صلى صلاتي هذه) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا ابن وهب عن الليث قال: قال ربيعة : -يعني: كتب إليه- حدثني عبد الله بن دينار ، قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا: الصلاة. فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه. يقول: يجمع بينهما بعد ليل) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر هذا، وهو أنه كان في سفر فجد به السير، ولما غاب الشفق نزل وصلى بهم، وجمع بين المغرب والعشاء، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت. يعني: إذا كان قد جد السير. وسبق أن مر أن الإنسان إذا كان سائراً قبل غروب الشمس فإنه له أن يواصل إلى مغيب الشفق حيث ينزل ويصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، وأنه إذا كان نازلاً قبل غروب الشمس، ثم غربت الشمس وهو جالس فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم يسير، وهكذا بالنسبة للظهر والعصر، وقد مرت جملة من الأحاديث في ذلك. وحديث ابن عمر هذا هو الذي سبق أن مر في كونه استصرخ على صفية زوجته، وأنه سار وسافر مسرعاً وجد به السير، وأخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وغاب الشفق، وجمع بين الصلاتين في أول وقت صلاة العشاء. تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (رأيت رسول الله إذا جد به السير صلى صلاتي هذه...) قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب ]. عبد الملك بن شعيب ، ثقة، أخرج أحاديثه مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ربيعة ]. هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ يعني: كتب إليه ]. يعني أن رواية الليث عن ربيعة إنما كانت مكاتبة، فالرواية إنما هي عن طريق المكاتبة، والرواية عن طريق المكاتبة صحيحة، وهي من طرق التحمل، فعلها البخاري رحمه الله في صحيحه، فإنه في موضع من المواضع قال: (كتب إلي محمد بن بشار ) وساق الإسناد، مع أن محمد بن بشار من شيوخه الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو من صغار شيوخه كما عرفنا ذلك، فالمكاتبة طريقة صحيحة، والأخذ بها صحيح. [ حدثني عبد الله بن دينار ]. عبد الله بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما هو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: [ فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم ]. يعني أنها ظهرت النجوم، أو مالت النجوم، وحصل سيرها وانتقالها من مكان إلى مكان. أسانيد أخرى لجمع ابن عمر المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق وتراجم رجالها [ قال أبو داود : رواه عاصم بن محمد عن أخيه عن سالم ، ورواه ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق ]. معنى هذا أن هذه الطرق تقوي هذا الطريق، وأن هذا يخالف الطريق التي سبق أن مرت، والتي هي غير محفوظة، والتي فيها أنه نزل وصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، وقد جاء من طرق متعددة -ومنها هذه الطرق، وكذلك الطرق السابقة- تدل على أن المحفوظ هو أنه إنما صلى بعد مغيب الشفق؛ لأن الصلاة بعد مغيب الشفق هي الجمع، وإنما يكون جمع الصلاتين في وقت إحداهما، أما إذا صلى المغرب في وقتها، وصلى العشاء في وقتها فهذا ليس بجمع في الحقيقة. قوله: [ قال أبو داود : ورواه عاصم بن محمد ]. هو عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أخيه ]. هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن سالم ]. سالم هو: ابن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ ورواه ابن أبي نجيح ]. ابن أبي نجيح هو: عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب ]. إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب ثقة، أخرج له النسائي . شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة و ابن موهب المعنى، قالا: حدثنا المفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب صلى الله عليه وسلم) قال أبو داود : كان مفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فضالة ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر) ]. يعني: إذا كان سائراً قبل الزوال واصل السير حتى يأتي وقت العصر، ثم نزل وجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم. قوله: [ (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) ]. هذا فيه أنه صلى الظهر وحده، لكنه سبق أن مرت الروايات التي فيها أنه كان يصلي الظهر والعصر، أي: يجمع بينهما، وتلك الأدلة التي سبق أن مرت دالة على جمع التقديم، كما أنها دالة على جمع التأخير. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر...) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وابن موهب ]. هو يزيد بن خالد الذي سبق أن مر في هذا الباب أن أبا داود ذكر نسبه في سطر فقال: (يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ) ، هذا كله ذكره في الرواية السابقة، وهنا قال: (ابن موهب )، وهو نفسه ذاك الذي مر، ولهذا -كما ذكرت- فإن التلميذ يذكر شيخه كما يريد، فأحياناً يطيل في نسبه، وأحياناً يختصر كما فعل هنا؛ لأنه هنا أتى بكلمتين فقط، وهناك ذكر هذا النسب الطويل، وهو ثقة، أخرج أحاديثه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة . [ حدثنا المفضل ]. هو المفضل بن فضالة المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عقيل ]. هو عقيل بن خالد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنس بن مالك رضي الله عنه من صغار الصحابة، والزهري من صغار التابعين، ويروي عن أنس بن مالك وهو من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ قال أبو داود : كان المفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة ]. يعني: كان متولياً القضاء في مصر، وكان مجاب الدعوة، يعني: على حسب التجربة، حيث كان يدعو ويجاب، أو أنه يحصل منه الدعاء ويجاب، فيقال عنه: إنه مجاب الدعوة على اعتبار التجربة. إسناد آخر لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيع الشمس ...) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني جابر بن إسماعيل عن عقيل بهذا الحديث بإسناده، قال: (ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق). أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه أنه كان يؤخر حتى يجمع بينها وبين العشاء، وهذا مثل ما تقدم، يعني: وإذا كان مرتحلاً قبل أن تغرب الشمس سار حتى غاب الشفق ثم نزل وصلاهما. قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. هو سليمان بن داود المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج أحاديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني جابر بن إسماعيل ]. جابر بن إسماعيل مقبول، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عقيل بهذا الحديث بإسناده ]. شرح حديث معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) قال أبو داود : ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده ]. أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر في أول وقت العصر، وإذا كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس وزاغت الشمس وهو نازل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل, وكذلك في المغرب إذا كان سائراً قبل مغيب الشمس واصل حتى يأتي وقت العشاء فينزل ويصليهما جميعاً، وإذا كان نازلاً فإنه يصلي المغرب والعشاء في أول وقت المغرب ثم يسير، وهو مثل ما تقدم في الروايات المتقدمة يدل على جمع التأخير وجمع التقديم بالنسبة للظهر والعصر، والمغرب والعشاء. تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر..) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. قتيبة مر ذكره. [ أخبرنا الليث ]. والليث مر ذكره. [ عن يزيد بن أبي حبيب ]. يزيد بن أبي حبيب مصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ]. أبو الطفيل عامر بن واثلة صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاذ بن جبل ]. هو معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ قال أبو داود : ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده ]. يعني: بهذا التفصيل، وإلا فإنه قد روي في طرق متقدمة، لكن ليس فيه هذا التفصيل، وهذا التفصيل الذي فيه مطابق لما سبق أن مر في بعض الأحاديث، ولا يؤثر كون قتيبة تفرد عن الليث بهذا."
__________________
|
#278
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [151] الحلقة (182) شرح سنن أبي داود [151] السفر محل للمشاق والمتاعب، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يخفف فيه في القراءة في الفريضة، ويترك رواتب الصلوات غير راتبة الفجر والوتر، وكان صلى الله عليه وسلم يتنفل فيه على راحلته تنفلاً مطلقاً، غير أنه لم يكن يصلي عليها المكتوبة. ما جاء في قصر قراءة الصلاة في السفر شرح حديث البراء (خرجنا مع رسول الله في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة...) قال المصنف رحمه الله: [ باب قصر قراءة الصلاة في السفر. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب قصر قراءة الصلاة في السفر ]، يعني: تقليلها وعدم تطويلها كما يكون في الحضر، وذلك لما في السفر من المشقة، ولما فيه -أيضاً- من الحاجة إلى التخفيف، ومن أجل التمكن من مواصلة السير، فهذا هو المقصود من الترجمة [ قصر قراءة الصلاة في السفر ]. وأورد حديث البراء بن عازب رضي لله عنهما قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فصلى بنا العشاء، فقرأ بالتين والزيتون في إحدى الركعتين، ومعلوم أن (التين والزيتون) من قصار المفصل، وكان عليه الصلاة والسلام يقرأ في العشاء بما هو أطول من هذه السورة، ولكنه قرأ بها في السفر مع أنها من قصار المفصل، فهذا هو مقصود المصنف، أو وجه استدلال المصنف على هذه الترجمة، وهي: [ قصر قراءة الصلاة في السفر ]. تراجم رجال إسناد البراء (خرجنا مع رسول الله في سفر فصلى بنا العشاء الآخرة...) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. حفص بن عمر ثقة، أخرج أحاديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عدي بن ثابت ]. عدي بن ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن البراء ]. البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما صحابي جليل، صحابي ابن صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الإسناد من الرباعيات، وهي أعلى ما يكون عند أبي داود، حيث يكون بين أبي داود وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، وهذا منها؛ لأنه ليس عنده شي من الثلاثيات، وأما سائر أصحاب الكتب الستة فالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً مع المكرر، والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي، وابن ماجة عنده خمسة أحاديث ثلاثية وكلها بإسناد واحد وهو ضعيف، أما مسلم و النسائي فأعلى ما عندهما الرباعيات كأبي داود، وهذا الذي معنا في هذا الإسناد هو إسناد رباعي، وهو أعلى ما يكون عند أبي داود . ما جاء في التطوع في السفر شرح حديث البراء (صحبت رسول الله ثمانية عشر سفراً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التطوع في السفر. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن صفوان بن سليم عن أبي بسرة الغفاري عن البراء بن عازب الأنصاري رضي الله عنهما قال: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً، فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر) ]. التطوع في السفر إما تطوع مطلق أو مقيد بالرواتب والنوافل التي تكون قبلها وبعدها كما كان ذلك في الحضر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتطوع التطوع المطلق، كما أنه ثبت عنه أنه كان يتطوع على الراحلة، وجاء في أحاديث كثيرة أنه كان يصلى على راحلته النوافل، ويتطوع على ذلك تطوعاً مطلقاً، وأما الرواتب فالذي ثبت والذي عرف مداومته عليه صلى الله عليه وسلم عليه منها إنما هو ركعتا الفجر والوتر، كما جاء ذلك عن عائشة رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحافظ على شيء في السفر محافظته على الوتر وركعتي الفجر) ولم يعرف عنه أنه كان يصلي الرواتب إلا ركعتي الفجر، فقد ثبت عنه أنه دوام عليهما صلى الله عليه وسلم مع الوتر. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً ، قال: [ فما رأيته ترك ركعتين بعد إذا زاغت الشمس قبل الظهر ]. ومعنى ذلك أنه كان يداوم على ركعتين قبل الظهر في السفر، لكن هذا الحديث غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده من هو متكلم فيه، فلا يكون ذلك ثابتاً، أي: مداومته على ركعتين قبل الظهر، ومعلوم أن الراتبة قبل الظهر أربع أو اثنتان، ولكن الأربع أكمل وأفضل، والذي عرف عنه مداومته عليه إنما هو ركعتا الفجر، وأما الظهر فلم يثبت عنه أنه داوم على ذلك، والحديث غير صحيح. تراجم رجال إسناد حديث البراء (صحبت رسول الله ثمانية عشر سفراً...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث ]. مر ذكرهما. [ عن صفوان بن سليم ]. صفوان بن سليم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي بسرة الغفاري ]. أبو بسرة الغفاري مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي . [ عن البراء بن عازب ]. هو البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما.، وقد مر ذكره. وفي إسناد الحديث أبو بسرة الغفاري ، وهو مقبول، والمقبول في اصطلاح الحافظ ابن حجر لا يعول على حديثه إلا إذ توبع أوجاء لحديثه شاهد. شرح حديث (صحبت رسول الله في السفر فلم يزد على ركعتين...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي ، قال حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: (صحبت ابن عمر في طريق، قال: فصلى بنا ركعتين، ثم أقبل فرأى ناساً قياماً، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً أتممت صلاتي، يا ابن أخي! إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله تعالى، وقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]) ]. أورد أبو داود حديث حفص أنه صحب عبد الله بن عمر فصلى بهم، ثم انصرف فرأى قوماً يسبحون، أي: يتنفلون؛ لأن التسبيح هو التنفل، والسبحة هي النافلة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي. يعني: ما دام أن الصلاة المفروضة هي أربع ركعات ولكنها خففت إلى اثنتين، فلو كنت من المتنفلين لصليت الفرض أربعاً، لكني لا أفعل هذا ولا هذا، لا التنفل ولا الإتمام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان هديه القصر، وكذلك -أيضاً- لم يكن يتنفل، أي: يأتي بالصلاة الراتبة التي تكون مع الفريضة، ولكن -كما هو معلوم- يستثنى من ذلك سنة الفجر، ولا وهنا ذكر الصلاة التي فيها قصر أنه كان يصليها ركعتين، وقال: لو كنت مسبحاً لأتممت، فهذا يفيد بأن التسبيح الذي هو التنفل لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما ركعة الفجر فقد ثبتت السنة بها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة مع الوتر في السفر، وأنه لم يكن يدعها في حضر ولا في سفر، ثم إنه أخبر عن الدليل في ذلك فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين. يعني أنه يصلي الفريضة الرباعية ركعتين، وما كان يصلي معها نافلة، هذا هو معنى كلامه. يقول: وصحبت أبا بكر كذلك، وصحبت عمر كذلك، وصحبت عثمان كذلك. وقوله: (وصحبت عثمان رضي الله عنه) يحمل على أنه في غير منى؛ لأنه قال: [ حتى قبضه الله ] يعني: حتى مات، فهو محمول على أنه في غير منى، وإلا فإنه في منى قد أتم رضي الله عنه، وقد قيل في تأويل إتمامه مما قيل فيه: إن الناس يحضرون في الموسم، ويحضر أناس كثيرون من جميع الأفاق، وقد يظنون أن الصلاة ركعتين مع أنها أربع، فلذا خشي عثمان أن يظن أنها ركعتان، ولكن السنن يمكن أن تبين -كما هو معلوم- بالأقوال، ويعرف الناس ذلك، وهذا حصل منه باجتهاد منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولهذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون وراءه ولا يتركون الصلاة وراءه، وهم يرون أنه فعل شيئاً السنة بخلافه، وهو القصر كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، وقد حصل ذلك باجتهاد منه رضي الله عنه وأرضاه. فإذاً: قوله: [ حتى قبضه الله ] محمول على غير الصلاة في منى؛ لأنه قصر في منى بعد مضي ست سنوات من خلافته، ومدة خلافته اثنتا عشر سنة، وكانت مدة ست سنوات يصلي فيها ركعتين ركعتين، وبعد ذلك كان يتم رضي الله عنه، ثم قال ابن عمر : وقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21] يعني أنه كان يصلي ركعتين وما كان يتنفل. تراجم رجال إسناد حديث (صحبت رسول الله في السفر فلم يزد على ركعتين...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. القعنبي : عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ]. عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن أبيه ]. هو حفص بن عاصم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره، وهذا -أيضاً- سند رباعي. جواز التنفل للزائرين في الحرم زائرو الحرم لهم أن يتطوعوا فيه؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفي المسجد النبوي بألف صلاة، وكون الإنسان يدرك هذه الصلاة ويحصل هذا الفضل، بحيث يصلي ما يشاء، وما أمكنه من النوافل وغيرها غنيمة لا تفوت. التطوع على الراحلة والوتر شرح حديث (كان رسول الله يسبح على الراحلة أي وجه توجه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التطوع على الراحلة والوتر. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي المكتوبة عليها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ التطوع على الراحلة والوتر ]، والتطوع معناه التنفل، سواءٌ أكان وتراً أم غيره، فالتطوع المطلق والوتر كل ذلك يصح على الراحلة، وقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء ذلك عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته) والتسبيح: هو التنفل، أي: يصلي النافلة، ويومئ بالركوع والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع، ولكن جاءت السنة بأنه يدخل في الصلاة أولاً إلى جهة القبلة، ثم تتجه الراحلة إلى الوجهة التي يريدها، فيصلي النوافل وكذلك الوتر على راحلته، غير أنه لا يصلي المكتوبة، فإذا جاء وقت المكتوبة نزل وصلى، وأما النوافل -سواءٌ أكانت مطلقة أم وتراً- فإنه كان يصليها على الراحلة، فهذا يدلنا على جواز ذلك، وهذا يكون في السفر لا في الحضر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل ذلك إلا في السفر، وما كان يفعل ذلك في الحضر. والسيارة حكمها حكم الراحلة إلا إذا كان للصلاة تأثيرٌ على قيادته، فليس له أن يفعل ذلك؛ لأنه سيخل بالقيادة، ولأن سوق الناقة وركوبها ليس مثل قيادة السيارة، فالسيارة قد يترتب على الصلاة فيها خطر، فإذا كان سيترتب عليه خطر فلا يفعل، وليس بلازم أن يحرف السيارة إلى القبلة، وإنما يقف ويدخل في الصلاة متجهاً إلى القبلة ثم يركب السيارة وهي تسير في اتجاهها، وهذا الكلام كله خاص بالسفر، أما الحضر فليس فيه تنفل على الراحلة ولا على السيارة، وإنما ينزل بنفسه ويصلي في البيت، أو يصلي في المسجد. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يسبح على الراحلة أي وجه توجه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ أخبرني يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. ابن شهاب مر ذكره. [ عن سالم ]. سالم بن عبد الله مر ذكره. [ عن أبيه ]. هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقد مر ذكره. شرح حديث أنس بن مالك في الصلاة على الراحلة في السفر قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود حدثني عمرو بن أبي الحجاج حدثني الجارود بن أبي سبرة حدثني أنس بن مالك : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر، ثم صلى حيث وجهة ركابه) ]. هذا الحديث يدل على جواز التنقل على الراحلة، وأيضاً يدل على أن الإنسان يستحب له أن يستقبل القبلة عند دخوله للصلاة. تراجم رجال إسناد حديث أنس بن مالك في الصلاة على الراحلة في السفر قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا ربعي بن عبد الله بن الجارود ]. ربعي بن عبد الله بن الجارود صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود . [ حدثني عمرو بن أبي الحجاج ]. عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثني الجارود بن أبي سبرة ]. هو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأبو داود . [ حدثني أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره. شرح حديث ( رأيت رسول الله يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر) ] وخيبر -كما هو معلوم- من جهة الشمال، والقبلة وراءه، فكان يتنفل على حمار. تراجم رجال إسناد حديث (رأيت رسول الله يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني ]. القعنبي و مالك مر ذكرهما، وعمرو بن يحيى المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الحباب سعيد بن يسار ]. أبو الحباب سعيد بن يسار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر قد مر ذكره. طهارة عرق الحمار وحكم دبغ جلده الحمار كما هو معلوم طاهر عرقه، ولو كان نجساً لاحتيج إلى غسل الثياب بعد الركوب عليه، وما كانت تغسل الثياب، وقد كان قبل ذلك يؤكل لحمه ثم حرم، إلا أن عرقه ليس بنجس؛ لأنهم كانوا يركبونه فتقع ثيابهم عليه وما كانوا يغسلونها. ولكن لا يدبغ جلد الشيء الذي حرم أكله، وإنما الذي يدبغ هو جلد مأكول اللحم، والذي لا يؤكل لحمه لو ذبح فإنه لا يقال له: إنه زكي فضلاً عن أن يكون ميتة. شرح حديث جابر (فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، قال: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع ) ]. أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه، وهو دال على التنفل على الراحلة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة، أي: كان في سفر، فجاء إليه وهو يصلي على راحلته متجهاً نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع، يعني أنه يومئ في الركوع والسجود، وأن السجود أخفض من الركوع، فهذا من جملة الأحاديث الدالة على التنفل على الراحلة، وهو تنفل مطلق. تراجم رجال إسناد حديث (فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. هو أبوالزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم. الفريضة على الراحلة من عذر شرح حديث (لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الفريضة على الراحلة من عذر. حدثنا محمود بن خالد حدثنا محمد بن شعيب عن النعمان بن المنذر عن عطاء بن أبي رباح أنه سأل عائشة رضي الله عنها: هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: (لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء) قال محمد : هذا في المكتوبة ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [ باب: الفريضة على الراحلة من عذر ]، وفي بعض النسخ: [ من غير عذر ]. وقد سبق أن مر بنا في الباب الذي قبل هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتنفل على الراحلة، ويصلي الوتر، غير أنه لا يصلي المكتوبة، وجاء كذلك في بعض الأحاديث أنه كان إذا جاء وقت المكتوبة نزل فصلى، فكان لا يصلي على راحلته المكتوبة. ثم أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألها عطاء : هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: [ لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء ]. تعني: في صلاة المكتوبة لم يرخص لهن أن يصلين على الرواحل، بل المسافر الراكب عندما يأتي وقت الصلاة ينزل ويصلي، سواء أكان رجلاً أم امرأة، ولعل السؤال الذي قد حصل بالنسبة للنساء لكون النساء كان حملهن في هوادج، ويكون في حملهن وإنزالهن مشقة، فقد يظن أنهن يعاملن معاملة خاصة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان ينزل جعل أمر النساء بخلاف ذلك؛ لأنهن يصعب نزولهن، والرجال قد يصلون والإبل سائرة، بخلاف النساء فإنهن لا بد من إنزالهن وبروك البعير وإخراجهن من الهودج الذي يكن فيه، ولعل هذا السبب الذي جعل عائشة تقول: [ لم يرخص لهن في شدة ولا رخاء ]، أي: أنها ما كانت تعرف أنه رخص لهن، وأنهن كن يصلين، لكن إذا كان هناك ضرورة ألجأت إلى ذلك كأن يكون هناك خوف على الإنسان، وكان نزولهم يلحق بهم ضرراً لو نزلوا فلهم أن يصلوا على الرواحل في حال الضرورة، وأما كونه من أجل المشقة ومن أجل السفر فإن المعروف من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي المكتوبة إلا وقد نزل. تراجم رجال إسناد حديث (لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء) قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ]. هو محمود بن خالد الدمشقي ، ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن شعيب ]. محمد بن شعيب صدوق صحيح الكتاب، أخرج له أصحاب السنن. [ عن النعمان بن المنذر ]. النعمان بن المنذر صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن عطاء بن أبي رباح ]. عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الأسئلة لزوم استحضار النية في جمع التأخير السؤال: بالنسبة لجمع التأخير يذكر الفقهاء أنه لابد لمن أراد أن يجمع جمع تأخير من أن ينوي ذلك، وإلا وقع في الإثم، فما صحة هذا الكلام؟ الجواب: الإنسان عندما يأتي وقت الصلاة إما أن ينزل ويصلي، وإما أنه يؤخر؛ لأنه لابد في وقت الصلاة من كون الإنسان يستحضر الصلاة، وأنه جاء وقت الصلاة، فإذا كان يريد أن يصلي نزل، وإن كان يريد أن يواصل يواصل ولكنه يكون قد نوى بذلك التأخير. مقدار المدة التي تفصل بين الصلاتين لمن أراد الجمع السؤال: كم مقدار المدة التي تفصل بين الصلاتين لمن أراد الجمع، خاصة في المطر، حيث يصلون المغرب ثم يتشاورن هل يجمعون أو لا؟ الجواب: التشاور ينبغي أن يكون قبل صلاة المغرب والفاصل اليسير لا يؤثر، لكن لا يوجد تنفل، فلا يسبح بينهما. حكم التفضيل بين علي ومعاوية السؤال: هل يجوز أن نقول: أين الثرى من الثريا، وأين معاوية من علي رضي الله عنهما؟ الجواب: لا شك في أن علياً أفضل من معاوية ، لكن لا يتنقص من معاوية ، فذلك الكلام إذا كان المقصود به التنقص من معاوية فلا يجوز، وأما أن بينهما فرقاً فذلك ثابت، وأما قوله: (أين الثرى من الثريا) فإنه يقال للشيئين المتباعدين اللذين أحدهما في غاية العلو والآخر في غاية السفل، فيقال: أين الثرى من الثريا؟ لكن علياً و معاوية رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلي -بلا شك- أفضل من معاوية ، بل هو أفضل من سائر الأمة ما عدا أبا بكر و عمر و عثمان ، فهو خير من الصحابة جميعاً سوى هؤلاء الثلاثة الذين قبله، وهم أبو بكر و عمر و عثمان ، فكونه أفضل من معاوية هذا ليس فيه إشكال، ولكن لا يتنقص معاوية ولا يحط من شأنه، ولا يجوز أن يذكر معاوية بما لا يليق. حكم الجمع للطلاب الذين يمنعون في المدرسة من الخروج للصلاة في وقتها السؤال: هل يمكن الجمع في حال الدراسة في مدرسة تمنع الطلاب من الخروج إلى الصلاة فيفوت وقتها، وهذا يحدث كثيراً في بلادنا، حيث يمنعون الطلاب من الخروج من الساعة واحدة ونصف إلى المغرب؟ الجواب: لا يجوز أبداً أن يدرس الطالب في مدراس تمنعه من أداء الصلاة في وقتها، وإذا كان الوقت قد دخل فيمكن للطالب أن يصلي الظهر قبل دخوله المدرسة، ولكن العصر إذا كان سيخرج وقتها الاختياري فلا يجوز تأخيرها عن ذلك، وإذا كان الناس يلزمونه فليبحث عن مدرسة أخرى لا تلزمه بفعل هذا الأمر المنكر. معنى كلمة (وهو أحد البكائين) السؤال: نقرأ في ترجمة بعض الصحابة: (وهو أحد البكاءين) فما مرادهم بذلك؟ الجواب: إذا كان الأمر صحيحاً فمعناه أنه كثير البكاء، مثل: أبي بكر رضي الله عنه كان كثير البكاء، فعائشة رضي الله عنها قالت عنه: (إنه لا يملك نفسه -تعني: إذا قام مقام الرسول صلى الله عليه وسلم- من البكاء). فالمقصود بهذا اللفظ أنه كثير البكاء من خشية الله. مقدار الزكاة بالعملة السعودية السؤال: ما هو مقدار نصاب الزكاة بالريال السعودي؟ الجواب: ستة وخمسون ريالاً من الفضة، فإذا كانت قيمة الريال الفضي عشرة ريالات من الورق فتصير خمسمائة وستين ريالاً، وإذا كان أكثر أو أقل فالمعتبر هو القيمة."
__________________
|
#279
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [152] الحلقة (183) شرح سنن أبي داود [152] من حكمة الله سبحانه ورحمته بعباده أن فرض عليهم الصلوات بركعاتها وأوقاتها المحددة في الحضر، وخفف عنهم الصلاة ورفع عنهم الحرج في الجمع والقصر في وقت السفر لأجل التعب والمشقة؛ ولذا كان للقصر في السفر والجمع شروط وأحكام لابد من معرفتها وفقهها حتى يكون العبد على بينة من أمر دينه. متى يتم المسافر شرح حديث (فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين...) قال المصنف رحمه الله: [ باب متى يتم المسافر؟ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، (ح) : وحدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا ابن علية وهذا لفظه -أخبرنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد! صلوا أربعاً فإنا قوم سفر) ]. يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب متى يتم المسافر؟ ] يعني: متى يتم المسافر صلاته إذا أقام ببلد في سفره مدة معينة، فمتى يقصر ومتى يتم؟ هذا هو المقصود من الترجمة. والجواب هو أن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن الإنسان إذا دخل بلداً وعند دخوله فيه عزم على أن يمكث أكثر من أربعة أيام فإنه يتم من حين دخوله ذلك البلد؛ لأن له حكم المقيمين، ولأن عناء السفر والحركة والانتقال كلها غير موجودة فيه، بل شأنه شأن الناس الآخرين، أما إذا مكث أربعة أيام فأقل فإنه يقصر في حدود هذه المدة، وما كان أكثر منها فإنه يتم كما عرفنا، وحجتهم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما دخل مكة في اليوم الرابع ضحى مكث فيها أربعة أيام: من ضحى يوم الأحد الذي هو الرابع إلى ضحى يوم الخميس الذي هو الثامن، في تلك السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الوقوف في عرفة يوم الجمعة، فهذه إقامة محققة؛ لأنه جلس في هذا المكان ينتظر الحج فكان يقصر، فدل على أن ما كان مثل هذه المدة يقصر فيه، وما زاد عليها فإنه يتم فيه؛ لأن هذه هي المدة المتحققة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عزم على البقاء فيها، وإذا كان الإنسان دخل بلداً وله حاجة ولا يعلم متى تنتهي وهو يريد أن يقضي حاجته، وكلما مضى يوم لم تنقض حاجته فإنه يستمر في القصر؛ لأنه لم يعزم على المكث مدة أربعة أيام فأكثر، ولكنه يريد إذا انتهت حاجته أن يمشي، فإنه لا يعلم متى تنتهي حاجته، فهذا يقصر ولو طالت المدة، وعلى هذا فإن جمهور أهل العلم ذهبوا إلى ذلك الذي أشرت إليه، أي أنه إذا عزم على أن يمكث أربعة أيام فأكثر فإنه يتم، وإذا كان عنده العزم على أنه لا يقيم أربعة أيام، وإنما أقل من أربعة أيام فإنه يقصر، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث بمكة أياماً أصحها أنها تسعة عشر يوماً؛ لأنه الذي جاء في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مكث تسعة عشر يوماً، وذلك من حديث ابن عباس، وليس هناك شيء يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل كان عازماً على أن يبقى هذه المدة، بخلاف الأربعة أيام التي قبل الحج، فإن العزم فيها محقق؛ لأنه ينتظر يوم الثامن حتى يذهب إلى منى ثم عرفة، فهذه إقامة محققة، بخلاف تلك الإقامة التي في مكة، فليس هناك شيء يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عزم على أن يبقى هذه المدة، حتى يقال: إنه ما دام أنه قصر فيها كلها فمعناه أنه عازم على البقاء، وقد عرفنا أنه إذا لم يكن هناك تحديد للإنسان عند دخوله بل لم يحصل منه عزم على مدة معينة فإنه يقصر ولو طالت المدة، فيكون قصره صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوماً، وكذلك قصره في تبوك عشرين ليلة هو من هذا القبيل، وليس معناه أن هذه إقامة الإنسان الذي يريد أن يمكثها فيقصر، والتي يزيد عليها لا يقصر فيها؛ لأنه لا يوجد شيء يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على مكث هذه المدة عندما وصل إلى مكة أو عندما وصل إلى تبوك. وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح -يعني: فتح مكة- فمكث في مكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين، يعني أنه يقصر الرباعية، وكان يقول لأهل مكة: أتموا يا أهل البلد؛ فإنا قوم سفر، يعني أن المسافرين يقصرون وأهل البلد ليس لهم أن يقصروا، بل عليهم أن يتموا؛ لأنهم مقيمون ومن أهل البلد، والقصر إنما هو للمسافر، وأهل البلد حاضرون مقيمون، فلا يجوز لهم القصر، وإنما يجب عليهم الإتمام. وهذا الحديث -حديث عمران بن حصين رضي الله عنه- حديث ضعيف؛ لأن في إسناده علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف، وهو معارض لحديث ابن عباس الذي سيأتي أنه مكث تسعة عشر يوماً، وكان يقصر الصلاة، فالمدة التي مكثها رسول الله صلى الله عليه وسلم المحققة تسعة عشر يوماً، وما سوى هذا فهو إما رواية ضعيفة أو مرجوحة أو شاذة، وبعض أهل العلم قال: إن التوفيق بينها ممكن بأن يقال: إذا كان ثمانية عشر مكث فمعناه أنه حسب يوم الدخول، وإذا كان سبعة عشر فإنه لم يحسب يوم الدخول ويوم الخروج، بعض أهل العلم قال ذلك، ولكن الأرجح والواضح الذي دل عليه الدليل أنها تسعة عشر يوماً أقامها بمكة، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ، والحديث في إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف. قوله: [ (ويقول: يا أهل البلد) ] يعني: يا أهل مكة، [ (صلوا أربعاً فإن قوم سفر) ] يعني: لستم مثلنا ولسنا مثلكم، فنحن نقصر لأننا مسافرون، وأنتم أهل بلد عليكم الإتمام ولا يجوز لكم القصر. وهذا الكلام يمكن أن يقال بعد الصلاة، أي: بعد الفراغ من الصلاة، ويمكن أن يقال قبل الصلاة. وفيه دلالة على ائتمام المقيم بالمسافر، فالمقيم يأتم بالمسافر، والمسافر يأتم بالمقيم والمسافر، والمقيم إذا ائتم بالمسافر فإنه يتم، وأما المسافر إذا ائتم بالمقيم فيجب عليه أن يتم كما سبق أن مر بنا في حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قيل له: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين وإذا صلى خلف إمام يتم؟ قال: تلك سنة محمد صلى الله عليه وسلم)، فالمسافر يأتم بالمقيم، والمقيم يأتم بالمسافر، ولكن المسافر إذا ائتم بالمقيم فإنه يصلي صلاة المقيم ولا يصلي صلاة المسافر، فلا يقصر، ولو أدرك الركعتين الأخيرتين فقط من الصلاة الرباعية فلا يقل: أنا مسافر ويكفيني هاتان الركعتان؛ لأنه ما دام صلى خلف مقيم فعليه أن يصلي صلاة مقيم، والعكس، فالمقيم إذا صلى خلف المسافر يقوم فيكمل ما بقي من صلاته. تراجم رجال إسناد حديث (..فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. حماد هو ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ (ح): وحدثنا إبراهيم بن موسى ]. إبراهيم بن موسى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن علية ]. ابن علية هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري المشهور بابن علية نسبة إلى أمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظه ]. أي: لفظ الطريق الثانية التي هي طريق إبراهيم بن موسى الرازي عن ابن علية . [ أخبرنا علي بن زيد ]. علي بن زيد بن جدعان ضعيف، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم ، وأصحاب السنن. [ عن أبي نضرة ]. وهو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عمران بن حصين ]. هو عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم حساب يوم الدخول إلى البلد ويوم الخروج منه للمسافر وإذا أقام المسافر أكثر من أربعة أيام فإنه يبدأ الحساب بيوم الدخول، فهو أول يوم بالنسبة للأربعة الأيام، ويوم الخروج يعتبر هو اليوم الرابع؛ لأن الأربعة التي حسبت والتي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم هي باعتبار يوم: الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء وفي الخميس خرج في الضحى إلى مكة، وخرج من مكة إلى منى قبل الزوال وصلى الظهر بمنى ركعتين. شرح حديث ابن عباس (أن رسول الله أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة -المعنى واحد- قالا: حدثنا حفص عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبعة عشر بمكة يقصر الصلاة) قال ابن عباس : ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم. قال أبو داود : قال عباد بن منصور : عن عكرمة عن ابن عباس قال: أقام تسع عشرة ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة ليلة يقصر الصلاة، أو سبعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وجاء عنه أنه أقام تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وهي في صحيح البخاري . وجاء عن حفص عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس أنه أقام بمكة سبع عشرة ليلة). وهذا الإسناد صحيح، ولكنه مقابل للحديث الآخر الذي هو تسعة عشر يوماً، فيكون هو المحفوظ والأرجح ويكون هذا شاذاً، وبعض أهل العلم قال: إنه صحيح ومعتبر، ولكن من قال: سبعة عشر لم يحسب يوم الدخول ولا يوم الخروج، فينقص اثنان من التسعة عشر فيصير العدد سبعة عشر. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (أن رسول الله أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وعثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قالا: حدثنا حفص بن غياث ]. حفص بن غيات ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عاصم ]. هو عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر ابن عباس (ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم) قال أبو داود : [ قال ابن عباس : ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم ]. ابن عباس قال هذا الكلام (من أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم) بناء على هذا الحديث، لكن سبق أن عرفنا أن الجمهور قالوا: إن أكثر مدة هي التي تزيد على أربعة أيام، فيتم فيها إذا كان عزم على بقائها عند الدخول، ويكون ما جاء في فتح مكة وفي تبوك إنما هو شيء غير معزوم عليه عند الدخول، وما هناك شيء يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعزم على أنه سيمكث هذه المدة عند الدخول، والمسافر إذا تمادى به المكث وهو ليس عنده عزم على البقاء عند الدخول فإنه يقصر ولو طالت المدة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم) قوله: قال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس ]. عباد بن منصور صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهما. شرح حديث (أقام رسول الله بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وأنه أقام خمس عشرة يقصر الصلاة في مكة، وقد جاء عن ابن عباس تسعة عشر وجاء عنه سبعة عشر، وجاء عنه خمسة عشر، وأرجحها تسعة عشر. تراجم رجال إسناد حديث (أقام رسول الله بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة) قوله: [ حدثنا النفيلي ]. النفيلي هو عبد الله بن محمد النفيلي، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الباهلي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق بن يسار ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبيد الله بن عبد الله ]. هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس مر ذكره. إسناد الحديث إلى ابن إسحاق دون ابن عباس [ قال أبو داود : روى هذا الحديث عبدة بن سليمان و أحمد بن خالد الوهبي و سلمة بن الفضل عن أبي إسحاق لم يذكروه فيه ابن عباس ]. الصحيح: (عن ابن إسحاق ) وليس ( أبي إسحاق ) ، وإنما تصحفت (ابن) وهو محمد بن إسحاق الذي مر في الإسناد، فإن (أبي) صحفت عن (ابن)، والتصحيف بين (ابن) و(أبي) ممكن لأنهما متقاربان في الرسم، وسبق أن عرفنا أن من أنواع علوم الحديث معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع أن لا يظن التصحيف. قوله: [ روى هذا الحديث عبدة بن سليمان ]. عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأحمد بن خالد الوهبي ]. أحمد بن خالد الوهبي صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ وسلمة بن الفضل ]. سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة في التفسير. [ عن ابن إسحاق لم يذكروا فيه ابن عباس ]. يعني أنه مرسل. شرح حديث (أن رسول الله أقام بمكة سبع عشرة يصلي ركعتين) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا نصر بن علي أخبرني أبي حدثنا شريك عن ابن الأصبهاني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبع عشرة يصلي ركعتين) ]. أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة سبعة عشرة يصلي ركعتين، وهي كالرواية السابقة؛ لأنه قال: يقصر الصلاة، وهنا قال: [يصلي ركعتين]. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله أقام بمكة سبع عشرة يصلي ركعتين) قوله: [ حدثنا نصر بن علي ]. هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبي ]. هو علي بن نصر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي ، وهو صدوق كثير الخطأ، واختلط لما ولي القضاء، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن الأصبهاني ]. ابن الأصبهاني عبد الرحمن بن الأصبهاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة و ابن عباس قد مر ذكرهما. شرح حديث (خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و مسلم بن إبراهيم المعنى، قالا: حدثنا وهيب حدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، فقلنا: هل أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: في سفرة الحج- فكان يقصر حتى رجع إلى المدينة، قيل لأنس : كم أقمتم بها؟ قال: عشراً . يعني: في مكة وما حولها، في المشاعر من حين دخل مكة في اليوم الرابع إلى أن خرج منها صبيحة أربع عشرة، فمدتها عشرة أيام، وكان يقصر. إذاً: قول أنس رضي الله عنه [أقمنا بها عشراً] هي: أربع بمكة التي هي قبل الحج، ثم في منى يوم الثامن، ثم في عرفة يوم التاسع، ويوم العيد، ويوم إحد عشر واثنى عشر وثلاثة عشر في منى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تأخر ولم يتعجل، ورمى الجمرات في اليوم الثالث عشر، وانصرف قبل أن يصلي الظهر، فبعد أن زالت الشمس رمى الجمرات ثم انصرف وصلى الظهر بالأبطح، فالعشرة الأيام هذه التي في الحج لا علاقة لها بالفتح، وإنما هي متعلقة بالحج، والمقصود أربعة أيام بمكة، والأيام التي في المشاهد في منى وعرفة ومنى بعد الحج. تراجم رجال إسناد حديث (خرجنا مع رسول الله من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و مسلم بن إبراهيم ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و مسلم بن إبراهيم هو الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ]. أي أنهما متفقان في المعنى مع اختلاف الألفاظ. [ حدثنا وهيب ]. وهيب بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يحيى بن أبي إسحاق ]. يحيى بن أبي إسحاق صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس بن مالك ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (أن علياً كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم...) قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و ابن المثنى -وهذا لفظ ابن المثنى - قالا: حدثنا أبو أسامة . قال ابن المثنى : قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده: (أن علياً رضي الله عنه كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم، ثم ينزل فيصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى، ثم يصلي العشاء، ثم يرتحل ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) قال عثمان : عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ]. أورد أبو داود رحمه الله حديثاً: أن علياً كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم، فينزل فيصلي المغرب، ثم يتعشى، ثم يصلي العشاء، ثم يرتحل، وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة، وهي [متى يتم المسافر؟] لأن هذا في السير وهذا يتعلق بالصلاة بدون جمع. قال صاحب عون المعبود: يحتمل أن يكون هذا من أبي داود ذكره في آخر السفر. يعني: ليكون مكملاً للأحاديث، أو أنه من النساخ، ومحله في الباب الذي سبق، وهو الجمع بين الصلاتين، وقد مرت أحاديث في هذا المعنى، وسبق أن مر حديث عن أحد الصحابة بمعناه أو قريباً منه، وهو كونه نزل ثم انتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء، وذاك -كما عرفنا- ليس جمعاً إذا صح بهذا اللفظ، إذ كل صلاة صليت في وقتها، يحتمل أن يكون ذلك بعد مغيب الشفق، وأن يكون صلى المغرب وتعشى بينه وبين العشاء، أو أنه صلى المغرب في وقتها، وتعشى ثم انتظر وقت العشاء ثم صلاها في وقتها، فلا يكون جمعاً. ثم قال علي : [ هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ]. تراجم رجال إسناد حديث (أن علياً كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس حتى تكاد أن تظلم...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة و ابن المثنى ]. عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وابن المثنى هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب الزمن ، ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظ ابن المثنى ]. [ قالا: حدثنا أبو أسامة ]. هو أبو أسامة حماد بن أسامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن المثنى : قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ]. يعني أنه عبر بالإخبار لأنه سيأتي فيما بعد ليقول: [ وقال عثمان عن عبد الله ]. وهذا المقصود منه بيان الصيغة التي جاءت عن هذا وعن هذا، وإذا كان الشخص مدلساً تكون زيادة (أخبرني) فيها فائدة، وهي أنه لا مجال للتدليس فيه، لكن إذا كان الشخص غير معروف بالتدليس فإن (عن) بالنسبة له كالمتصل بمعنى: (سمعت) إنما الإشكال في (عن) إذا كان الشخص مدلساً، هذا هو الذي يصير فيه إشكال، وأما عنعنة غير المدلس فهي محمولة على احتمال الانقطاع، والمقصود هنا بيان الفرق بين عبارة محمد بن المثنى وعبارة عثمان ، فابن المثنى في الإسناد الذي جاء من طريقه قال: [ أخبرني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ] وأما عثمان بن أبي شيبة فإن عبارته: [ عن عبد الله بن محمد ] فهذا عبر بـ(أخبرني) وهذا عبر بـ(عن). وعبد الله بن محمد مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي . [ عن أبيه ]. هو محمد بن عمر ، صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن جده ]. هو عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب السنن. [ أن علياً ]. هو علي رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث له حكم المرفوع؛ لأنه قال: [هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. موقف أصحاب رسول الله من آل بيته لا شك في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - من الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم- كانوا متصافين، وإذا حصل شيء من الاختلاف في أمر من الأمور فذلك لا يؤثر؛ لأن الشيء الذي يجمعهم هو نصرة الدين، وإذا كان هناك شيء في النفوس فهو لأمر طارئ من الأمور التي تجري بين الناس، كما يجري بين الإنسان وبين أهله وولده من تكدير الصفو، ولكنها لا تؤثر. ويذكر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليه كان أولاده خمسة: واحد اسمه: حسن ، والثاني: حسين ، والثالث: علي ، والرابع: عبد الله ، والخامس: إبراهيم ، وإبراهيم لم يعقب، والأربعة هم الذين أعقبوا، وثلاثة منهم سموا باسم علي وولديه، فواحد سمي باسم علي، والثاني باسم الحسن، والثالث باسم الحسين، وأكثر نسله إنما هو من الأربعة الذين منهم ثلاثة سموا بهذه الأسماء، والرابع هو عبد الله الذي أبوه سليمان بن عبد الله بن محمد ، وأما الشيخ محمد بن إبراهيم وكذلك المفتي زيد علي الشيخ فهم ينتسبون إلى عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد . فالذين يقولون بأنه يكره آل البيت هؤلاء يريدون أن يصدوا الناس عن الحق، وأن يبعدوهم عن الهدى، وإلا فإن أولاده جلهم سمي بأسماء آل البيت، وهم ثلاثة من الأولاد الأربعة المنجبين، والأولاد الخمسة كلهم سموا بأسماء آل البيت علي و الحسن و الحسين ، فهذا يدل على محبته لآل البيت، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي أنهم يتولون أهل البيت ويحبونهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعسف، وقدوة الناس في ذلك أبو بكر و عمر اللذين هم خير هذه الأمة. أبو بكر جاء عنه في صحيح البخاري أثران ذكرهما البخاري في صحيحه: أحدهما أنه قال: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: آل محمد أولى عنده أن يصلهم من آل أبي بكر. هذا كلام أبي بكر في صحيح البخاري . الأثر الثاني في صحيح البخاري يقول فيه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) يعني وصيته في أهل بيته. أما عمر رضي الله عنه فقد جاء عنه أنه قال للعباس يوم أسلم: إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك. هذا كلامه للعباس ، فيقول: إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب -الذي هو أبوه- لو أسلم، فهذا يدل على منزلة أهل البيت عند عمر رضي الله عنه. ذكر الآثار الثلاثة ابن كثير ، ذكر الأثرين عن أبي بكر والأثر عن عمر في تفسير سورة الشورى عند قول الله عز وجل: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23]؛ لأنه جاء حديث عن ابن عباس الذي في صحيح البخاري أن المقصود بالمودة في القربى أنه يخاطب أهل مكة الذين هم قريش، ويقول لهم ما معناه: إذا لم تنصروني فدعوني لما بيني وبينكم من القرابة أن أبلغ رسالة ربي. قال ابن كثير : وليس المقصود بها أنهم علي و فاطمة وآل بيته؛ لأن هذا إنما حصل بمكة قبل أن يتزوج علي بفاطمة ، وقبل أن يوجد الحسن و الحسين ؛ لأن ذلك الزواج ما حصل إلا في المدينة. ثم إنه بعد ما ذكر أن الآية لا تدل على هذا جاء بأثر ابن عباس في صحيح البخاري أن المقصود به قريش، وذكر المعنى، قال: وقد جاءت النصوص في فضل أهل البيت واحترامهم وتوقيرهم، وجاء بكلام أبي بكر و عمر في صحيح البخاري ، وأورد كذلك الأثر الذي ورد عن عمر في صحيح البخاري أنه لما حصل الجدب والقحط وخرج بالناس يستسقي طلب من العباس أن يدعو، وقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا)، يعني: طلبنا منه أن يدعو لنا فيدعو فتسقينا، (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله) فما قال: نتوسل إليك بالعباس، بل قال: (بعم نبينا) فذكر الصلة التي تربطه بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي العمومة. فهذان أثران عن عمر في بيان منزلة أهل البيت، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وقدوتهم وسلفهم في ذلك خير الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر رضي الله تعالى عنهما. شرح أثر أنس بن مالك (كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق وتراجم رجاله ) [ سمعت أبا داود يقول: وروى أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله -يعني: ابن أنس بن مالك - أن أنساً رضي الله عنه كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق، ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. ورواية الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ]. قوله: [ سمعت أبا داود ]. الذي يقول: (سمعت أبا داود ) هو اللؤلؤي ، الذي يروي الكتاب عن أبي داود . قوله: [ وروى أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله ]. أسامة بن زيد هو: الليثي ، صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن حفص بن عبيد الله ]. حفص بن عبيد الله ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود ، وهذا الإسناد معلق، فلم يجعله في رجال أبي داود . قوله: [ أن أنساً كان يجمع بينهما حين يغيب الشفق، ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك ]. يعني أنه بعدما ذكر هذا الأثر الذي جاء عن علي رضي الله عنه بهذا التفصيل الذي فيه احتمال الجمع واحتمال عدم الجمع ذكر الشيء الذي فيه التصريح بالجمع، وأنه كان بعد مغيب الشفق يجمع بينهما، وقد مرت الأحاديث العديدة في ذلك عن أنس وغيره في باب الجمع بين الصلاتين. قوله: [ ورواية الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ]. يعني: مثل هذا الذي هو بعد مغيب الشمس. إذا أقام بأرض العدو يقصر شرح حديث (أقام رسول الله بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: إذا أقام بأرض العدو يقصر. حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) قال أبو داود : غير معمر يرسله لا يسنده ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب: إذا أقام بأرض العدو يقصر ] وهذا يدل على أن الإقامة في أرض العدو يقصر فيها ولو طالت المدة، لكن هذا إذا لم يكن هناك عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، فإذا لم يكن هناك عزم، ولا يعرف متى ينتهي ككونه يحاصر بلداً، وكل يوم يقول: لعلهم ينتهون فإنه يقصر ولو طالت المدة، مثل الذي حصل في فتح مكة؛ لأنه ليس هناك ذكر عزم على البقاء. قوله: [ (أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) ]. تبوك كانت أرضاً للعدو، وهي أول بلاد الشام؛ لأن كل المنطقة الشمالية من الأردن وفلسطين وسوريا تعتبر بلاد الشام، وكلها يقال لها: الشام، لكن التقسيم حصل بعد ذلك، حيث صار كل بلد منها له اسم. تراجم رجال إسناد حديث (أقام رسول الله بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ]. أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حدثنا عبد الرزاق ]. عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن أبي كثير ]. يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان , وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر بن عبد الله ]. جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : غير معمر يرسله لا يسنده ]. ومعمر -كما في الإسناد متقدم- هو الذي أسنده."
__________________
|
#280
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الصلاة شرح سنن أبي داود [153] الحلقة (184) شرح سنن أبي داود [153] الصلاة من أعظم شعائر الإسلام، ومن تمامها إقامتها جماعة، ولذلك لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة حتى في حالات الخوف والحرب، وقد وردت لصلاة الجماعة في الخوف كيفيات متعددة، وقد أورد أبو داود بعض هذه الكيفيات في سننه، مبيناً أنها تختلف باختلاف موقع العدو من موقع المسلمين. كيفية صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة شرح حديث أبي عياش الزرقي في صفة صلاة الخوف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلاة الخوف. من رأى أن يصلي بهم وهم صفان فيكبر بهم جميعاً، ثم يركع بهم جميعاً، ثم يسجد الإمام والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فإذا قاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقامهم، ثم يركع الإمام ويركعون جميعاً، ثم يسجد ويسجد الصف الذي يليه، والآخرون يحرسونهم، فإذا جلس الإمام والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً، ثم سلم عليهم جميعاً، قال أبو داود : هذا قول سفيان. حدثنا سعيد بن منصور حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة! لقد أصبنا غفلة! لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة؛ فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه، فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف، وصف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يلونه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً فسلم عليهم جميعاً. فصلاها بعسفان، وصلاها يوم بني سليم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب صلاة الخوف. أي: الخوف من العدو، وقد جاءت صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفات متعددة منها: ما إذا كان العدو في جهة القبلة، ومنها: ما إذا كان في غير جهة القبلة، وهذا الذي أورده المصنف أولاً في الباب إذا كان العدو في جهة القبلة، وأتى بالترجمة على وفق الحديث؛ لأنه في باب صلاة الخوف يذكر في الترجمة من قال بمقتضى ذلك، ويسرد مجمل الحديث أو أكثر الحديث فيها، ثم بعدما يذكر الترجمة المطولة التي فيها صفة صلاة الخوف يذكر الحديث بإسناده. وهذه الترجمة فيما إذا كان في جهة القبلة، أي أنه قد يكون أخطر. وهذا الحديث الذي أورده أبو داود عن أبي عياش الزرقي أنهم لما كانوا في عسفان، وكان على جيش المشركين خالد بن الوليد، أي: وذلك قبل أن يسلم، ثم بعد ذلك أسلم وحسن إسلامه، وجاهد في سبيل الله، وفتح الفتوحات رضي الله عنه وأرضاه. فالرسول صلى الله عليه وسلم لما صلوا الظهر قال الكفار: (أدركنا غرة) أي: هذه الصلاة التي يصلونها لو أننا انقضضنا عليهم فيها لتمكنا منهم، فنزلت آية الخوف، فإنه لما جاء العصر صلى بالناس صلاة الخوف بالطريقة التي تخالف ما يريده المشركون، وكان المشركون في جهة القبلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم صف أصحابه صفين، ودخل في الصلاة بهم جميعاً، وقام وهم قائمون جميعاً، وركعوا جميعاً، ورفعوا جميعاً، ثم بعد ذلك سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد الصف الأول، والباقون الذين هم الصف الثاني واقفون يحرسونه، لأن العدو في جهة القبلة، فلما قام الرسول صلى الله عليه وسلم وقام الصف الأول سجد أهل الصف الثاني السجدتين ثم قاموا، فصاروا كلهم قائمين في الركعة الثانية، فتقدم أهل الصف الأخير وتأخر أهل الصف الأول، أي: الذين كانوا في الخلف تقدموا وصاروا في الصف الأول، والذين كانوا في الصف الأول تأخروا إلى الصف الثاني حتى يحصل لهم مثل ما حصل للأولين. فالرسول صلى الله عليه وسلم صلى الركعة الثانية، وركع وركعوا جميعاً، ورفع ورفعوا جميعاً، وسجد وسجد معه الصف الأول الذي يليه وهو الذي كان آخراً في الركعة الأولى، ولما فرغوا من السجود جلسوا للتشهد، فنزل الذين في الصف الثاني وسجدوا السجدتين وجلسوا في التشهد، ثم سلم بهم صلى الله عليه وسلم جميعاً. فهذه الهيئة حيث كان العدو في جهة القبلة، وفيها أداء الصلاة والقيام بالحراسة دون أن يقسم الناس إلى مجموعتين كما سيأتي في بعض صفات صلاة الخوف الأخرى، أعني إذا كان العدو في غير جهة القبلة. فهذه صفة صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة. تراجم رجال إسناد حديث أبي عياش الزرقي في صفة صلاة الخوف قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ]. سعيد بن منصور ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا جرير بن عبد الحميد ]. جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن منصور ]. منصور بن المعتمر الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي عياش ]. أبو عياش الزرقي، وهو صحابي، أخرج له أبو داود و النسائي. شرح حديث جابر في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله [ قال أبو داود : روى أيوب وهشام عن أبي الزبير عن جابر هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. قوله: [ قال أبو داود : روى أيوب وهشام ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهشام يحتمل أن يكون هشام بن حسان أو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ؛ لأن كلاً منهما روى عن أبي الزبير. وكل منهما ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزبير ]. أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر رضي الله عنه قد مر ذكره، وحديث جابر في صحيح مسلم . شرح حديث ابن عباس في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ وكذلك رواه داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس ]. قوله: [ رواه داود بن حصين ]. وهو ثقة إلا في عكرمة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وابن عباس مر ذكره. شرح حديث جابر في صفة صلاة الخوف من طريق أخرى وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك عبد الملك عن عطاء عن جابر ]. قوله: [ وكذلك عبد الملك ]. هو عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن. [ عن عطاء ]. عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر بن عبد الله مر ذكره. شرح حديث أبي موسى في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله: [ وكذلك قتادة عن الحسن عن حطان عن أبي موسى فعله ]. قوله: [ وكذلك قتادة ]. هو ابن دعامة السدوسي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حطان ]. حطان بن عبد الله ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي موسى ]. أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه. مرسل مجاهد في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك عكرمة بن خالد عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم]. قوله: [وكذلك عكرمة بن خالد ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مجاهد ]. مجاهد بن جبر مر ذكره. [ عن النبي ]. عن النبي يعني: مرسلاً. مرسل عروة بن الزبير في صفة صلاة الخوف وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وكذلك هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول الثوري ]. قوله: [ هشام بن عروة عن أبيه]. هشام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وأبوه عروة بن الزبير ثقة من فقهاء المدينة السبعة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن النبي صلى الله عليه وسلم] وهو مرسل كالذي قبله. [وهو قول الثوري ]. يعني: الذي فيه هذه الصفة أو هذه الكيفية. الكيفية الثانية من كيفيات صلاة الخوف شرح حديث سهل بن أبي حثمة في صفة صلاة الخوف قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو فيصلي بالذين يلونه ركعة ثم يقوم قائماً حتى يصلي الذين معه ركعة أخرى، ثم ينصرفون فيصفون وجاه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى فيصلي بهم ركعة ويثبت جالساً فيتمون لأنفسهم ركعة أخرى، ثم يسلم بهم جميعاً. حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في خوف فجعلهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام، فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم). هذه ترجمة في كيفية من الكيفيات التي جاءت بها صلاة الخوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبقت كيفية تتعلق بما إذا كان العدو في جهة القبلة، وهذه الكيفية فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة. والترجمة واضحة أنه يجعلهم صفين، صفّاً تجاه العدو، وصفّاً معه، فيصلي بمن معه ركعة ثم يقوم للركعة الثانية ويثبت قائماً حتى يصلي الذين معه ركعة ثانية لأنفسهم، ثم ينصرفون، ويأتي الذين هم وجاه العدو فيصلي بهم ركعة ويثبت جالساً بعد أن ينهي الركعة، فيأتون بالركعة التي بقيت عليهم، ثم يسلم بهم جميعاً. هكذا يقول المصنف، وكلامه واضح إلا في قوله: [ثم يسلم بهم جميعاً] لأن الحديث الذي أورده ليس فيه شيء يدل على هذا، وإنما الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى وأتموا لأنفسهم سلموا وذهبوا، ثم هؤلاء الذين كانوا وجاه العدو إذا جاءوا فصلوا معه الركعة الثانية، فإنه يجلس للتشهد وهم يتمون لأنفسهم الركعة التي بقيت عليهم، ثم يسلم بهم، أي بالطائفة الثانية. فالترجمة التي أوردها المصنف واضحة إلا في قوله: (ثم يسلم بهم جميعاً)؛ لأن الطائفة الأولى ذهبت بعد أن فرغت من صلاتها وانتهت، والطائفة الثانية هي التي بقيت معه حتى سلم، فسلم بها صلى الله عليه وسلم. أورد أبو داود رحمه الله حديث سهل بن أبي حثمة ، وهو غير واضح المطابقة للترجمة، وذلك أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أصحابه صفين، فالطائفة الأولى معه، والطائفة الثانية وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً حتى صلى الذين خلفهم -أي: الطائفة الثانية- ركعة، ثم جاءوا، ثم صلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ولما بقي جالساً أتم الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم صلى الله عليه وسلم، يعني: ثم سلم بهم. فالحديث لا يطابق الترجمة، وقد قال صاحب عون المعبود: إن الطائفة الأولى لم يذكر قيامها بالركعة الثانية وأنها أتمت لأنفسها ركعة ثم ذهبت، لكن يبقى الإشكال وهو قوله: إن الرسول بقي حتى صلى الذين وراءهم ركعة، ثم صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الباقية من صلاته، ولما جلس في التشهد صلى الذين تخلفوا ركعة، وعلى هذا إذا كان المقصود بها الطائفة الثانية فمعناه أنه حصل لها ثلاث ركعات، والطائفة الأولى ما حصل لها إلا ركعة، وقد قال صاحب عون المعبود: إن الركعة الثانية لم تذكر، ولعلها تركت أو لم تذكر اختصاراً. لكن لو كان قوله: (فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة) معناه: حتى صلى الذين خلفه -بدون ميم- لكانت هذه الركعة الثانية للطائفة الأولى، ثم الطائفة الثانية أدركت الركعة الثانية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن ثبت جالساً أتموا لأنفسهم، فعلى هذا يستقيم الكلام طبقاً للترجمة؛ وإذا كان الحديث أو اللفظ فيه شيء من الخطأ، وأن (خلفهم) صوابه: (خلفه) فإنه يستقيم أنه حصلت الركعة الثانية للأولين وأتموا، وأن الطائفة الثانية أدركوا الركعة الثانية مع الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما جلس أتموا لأنفسهم وهو ينتظرهم جالساً ثم سلموا معه. وإن كان المراد به أن الذين خلفهم صلوا لأنفسهم ركعة أولاً والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، ثم صلوا الركعة الثانية معه صلى الله عليه وسلم، وكان المراد بـ (الذين تخلفوا) الذين صلوا الركعة الأولى ثم ذهبوا وجاه العدو، ثم جاءوا وصلوا الركعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وأتموا لأنفسهم في حال جلوسه، ثم سلم بهم، فإنه يستقيم المعنى، إلا أنه لا يطابق الترجمة، وعلى هذا فالحديث غير واضح المطابقة للترجمة كما هو واضح بين. فقوله: [عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في خوف فجعلهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة) ] . هذه الركعة الأولى مع الجماعة الأولى الذين هم يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (ثم قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة)]. (الذين خلفهم) إذا كانوا هم الجماعة الذين هم في جهة العدو فالمعنى أنهم صلوا لأنفسهم ركعة والرسول صلى الله عليه وسلم قائم؛ فهذه معناها ركعة مضت لهم. قوله: [ (ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة) ]. معناه: أن هذه أيضاً للذين كانوا خلفه من الصف الثاني. قوله: [ (ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة) ]. ما المراد بالذين تخلفوا؟ إن أريد بهم الذين صاروا أهل الصف الأول، وأنهم ذهبوا ثم جاءوا وصلوا ركعة وسلم بهم جميعاً استقام الكلام، وقوله: (تخلفوا) يعني: أنهم رجعوا القهقرى. وإن كان المقصود بالذين تخلفوا الذين كانوا وجاه العدو فتكون لهم ركعة ثالثة، وهذا لا يستقيم، ولو قيل كما قال صاحب عون المعبود: إن الجماعة الثانية ما ذكرت لهم الركعة وأنهم أتموا لأنفسهم فيبقى الإشكال أن هؤلاء عندهم ثلاث ركعات، فالحديث لا يطابق الترجمة. ويمكن أن يقال كما هو ظاهر لفظ الحديث: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة الأولى ركعة ثم ذهبت، ثم جاءت الطائفة الثانية وصلت ركعة، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، فتكون هذه الركعة الأولى لهم، ثم الركعة الثانية لهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا جلسوا للتشهد يكونون قد صلوا ركعتين، والذين تخلفوا ورجعوا قد صلوا الركعة الأولى، فتكون هذه هي الركعة الأخيرة لهم، ويكون معناه: الطائفة الثانية عندها ركعة قبل الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندها الركعة الثانية مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والطائفة الأولى الذين تخلفوا عندهم الركعة الأولى معه، ثم أتموا لأنفسهم والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، ثم يسلم بهم جميعاً، فيستقيم هذا المعنى، لكن الترجمة التي ذكرها المصنف بالتفصيل لا تستقيم مع هذا الحديث. والحديث لا أدري كيف لفظه؟ فليس بواضح؛ لأنه لو كان المقصود أن الجماعة الأولى صلت الركعة الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم صلت والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فمعناه أن صلاتهم تتخللها صلاة الطائفة الثانية، ثم يسلم بهم جميعاً، فيستقيم الحديث لكن لا يطابق الترجمة، لأن الترجمة واضحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة الأولى ركعة، وأتمت لنفسها وهو قائم، ثم الثانية جاءت وصلت مع الرسول صلى الله عليه وسلم الركعة الثانية، وأتمت لنفسها والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، ثم سلم بالطائفة الثانية، هذا هو الذي يطابق الترجمة، ولا مطابقة بين الحديث والترجمة؛ لأن الحديث معناه ما سبق بيانه، والترجمة ليس فيها إشكال، هي واضحة ولكنها مطابقة للحديث الذي سيأتي عن صالح بن خوات من طريق يزيد بن رومان ، لكن هذا الحديث هذا هو ظاهره، يعني: أن الطائفة الأولى صلت الركعة الأولى مع النبي صلى الله عليه وسلم، والطائفة الثانية صلت الركعة الأولى لها وحدها والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، ثم صلت معه الركعة الثانية، ثم جلست حتى سلمت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، والطائفة الأولى صلت الركعة الثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فتكون ركعتاها متباعدتين، ومعناه أنهم ذهبوا ولم يسلموا بل هم باقون في الصلاة، وجاءوا وصلوا ركعة ثانية والنبي صلى الله عليه وسلم جالس ثم سلم بهم جميعاً، فيستقيم هذا الكلام من ناحية التسليم؛ لكن لا يستقيم من ناحية أن الأولى أتمت لنفسها الركعة الثانية ثم جاءت الطائفة الثانية وصلت الركعة الأولى مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أتمت لنفسها والرسول صلى الله عليه وسلم جالس ثم سلم بهم، لا يستقيم هذا. وعلى كل: الحديث بلفظه يستقيم إذا قيل: إن الطائفة الأولى صلت ركعتها الأخيرة عند التشهد، والطائفة الثانية صلت ركعتها الأولى لنفسها مستقلة، ثم صلت ركعتها الثانية مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو صوب قوله: (الذين خلفهم) إلى: (الذين خلفه) لاستقام معنى الحديث مع الترجمة، لكن يبقى الإشكال أنه بعد ذلك قال: ثم تقدموا وتأخر الذين قدامهم، وهذا لا يستقيم. وهذا كله مبني على أن العدو ليس في جهة القبلة؛ لأن الترجمة هذه مبنية على أنه في غير جهة القبلة، ويمكن أن يستقيم إذا كان في جهة القبلة. تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة في صفة صلاة الخوف قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ ]. عبيد الله بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [حدثنا أبي]. أبوه: معاذ بن معاذ العنبري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا شعبة ]. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن القاسم ]. عبد الرحمن بن القاسم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، ثقة فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح ]. صالح بن خوات ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهل بن أبي حثمة ]. سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الكيفية الثالثة من كيفيات صلاة الخوف شرح حديث صفة صلاة الخوف يوم ذات الرقاع قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: إذا صلى ركعة وثبت قائماً أتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو، واختلف في السلام. حدثنا القعنبي عن مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: (أن طائفة صلت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم). قال مالك : وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: من قال إذا صلى ركعة وثبت قائماً أتموا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو، واختلف في السلام. قوله: [واختلف في السلام] يعني: بين الإمام والمأموم، وذلك أنه في هذا الحديث الطائفة الأولى سلمت لنفسها وانصرفت، والطائفة الثانية بقيت حتى سلمت وخرجت من الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في الترجمة أحاديث أخرى تختلف عن هذا فيما يتعلق بالسلام، وأن كل طائفة سلمت لنفسها والرسول صلى الله عليه وسلم سلم وحده، يعني: بحيث إن الطائفة الثانية قضوا ركعة بعد أن سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلموا لأنفسهم، وقال: [واختلف في السلام]، ومعناه أن الطائفة الأولى في الحديث الأول سلمت وانصرفت، والحديث الثاني فيه أن الطائفة الثانية أيضاً لم تسلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تقض ركعة والرسول صلى الله عليه وسلم جالس، وإنما قامت بعد أن سلم وأتت بركعة ثم سلمت، فصار الاختلاف في السلام بين الطائفتين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث الذي أورده أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة وهو حديث من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يسم الرجل، ولكن قيل: إنه أبوه خوات بن جبير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يمكن أن يكون منه ذلك. أما سهل بن أبي حثمة فقالوا: إنه صغير لا يمكن أن يكون صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ذات الرقاع، ولكنه إذا كان عنه يكون مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة كما هو معلوم حجة، فهو إما أن يكون أباه وهو الأقرب، وإما أن يكون سهل بن أبي حثمة وهو صحابي صغير لم يشهد تلك الصلاة، ولكنه يروي عمن شهد تلك الصلاة، ولكن يمكن أن يكون الأقرب أنه أبوه؛ لأنه جاء في بعض الروايات أنه يروي عن أبيه هذه الصلاة التي هي صلاة الخوف. تراجم رجال إسناد حديث صفة صلاة الخوف يوم ذات الرقاع قوله: [حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [عن مالك ]. مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [عن يزيد بن رومان ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم]. صالح مر ذكره. سبب اختيار الإمام مالك لرواية يزيد بن رومان عن خوات في صلاة الخوف قوله: [قال مالك : وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي]. لأنه هو الذي فيه أن صلاة الطائفة الأولى كانت متصلة، وأنها فرغت من صلاتها وجاءت الطائفة الثانية وصلت مع النبي صلى الله عليه وسلم حين صار في الركعة الثانية، ثم أتمت الركعة الثانية بالنسبة لها وهو جالس للتشهد، ثم سلمت معه، فتكون هذه الهيئة هي أخف الصلوات من حيث الحركات والذهاب والإياب وما إلى ذلك، ولهذا رجحها بعض أهل العلم كالإمام مالك وغيره واختاروها لأنها أقل الهيئات حركات في الصلاة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |