|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#11
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (11) محمد فاروق الإمام الجلندي بن مسعود أول الخارجين على الدولة العباسية رأينا سابقا كيف أن الخوارج منذ أن فارقوا علي بن أي طالب رضي الله عنه أخذوا في تضخيم السخط على مخالفيهم والحث الشديد على محاربتهم وتضخيم خطاياهم، في كل مسألة ينادون بأعلى أصواتهم: لا حكم إلا لله لا لعلي ولا لبني أمية ولا لبني العباس ولا لأحد، الحرب، الحرب، لهذا فقلما يجتمع منهم جماعة إلا وسارعوا وأعلنوها حربا شعواء لا يمكن أن تنتهي إلا بمنتصر ومهزوم. فقد خاضوا مع بني أمية كما تقدم حرباً لا هوادة فيها كلفوا أنفسهم خسائر ضخمة، وكلفوا الخلافة من الأنفس والأموال ما لو أنفق في الجهاد والفتوح لدان لهم أهل الأرض! كما هو حالنا اليوم مع داعش التي أزهقت مئات الأرواح من شباب الجيش الحر في حربها عليهم لأنهم، في زعمها، مرتدون كفرة، إضافة لإزهاق أرواح المئات من عناصرها في تلك الحرب المجنونة من الأبرياء الذين جاؤوا لنصرة إخوانهم في سورية، ولو أن هؤلاء الدواعش آزروا الجيش الحر على المجرم بشار الأسد لما رأينا أنهار الدماء تجري في كل بقعة من الأرض السورية، ولما شاهدنا الخراب والدمار الذي حل بالمدن والبلدات والقرى السورية، ولما شاهدنا الملايين من المهجرين والنازحين السوريين!! استمر الخوارج طوال عهد الدولة الأموية وهم في صراع حاد معها فأوهنوا قوتها وأوهنت قوتهم، وكانوا كالحسكة في حلق كل خليفة لا يخف ألمه إلا ليبدأ من جديد، وهكذا إلى أن غير الله الحال وانتهت الدولة الأموية برأسها؛ وخلفتها الدولة العباسية وما زال مرجل الخوارج يغلي ولكنه يغلي على بقية جمر كاد أن يصير رمادا، واختلف الخوارج أيام الدولة الأموية عن خوارج الدولة العباسية، فالخوارج على بني أمية كانوا أكثر جمعا وأشد بأسا، أما الخوارج على بني العباس فكانوا كما وصفهم أحمد أمين بقوله: "كان الخوارج في حالة الاحتضار وحركاتهم التي أتوا بها في العهد العباسي تشبه حركة المذبوح". ومن هنا توالت عليهم الهزائم فلا يخرجون على خليفة إلا ورماهم بكل ما لديه من ثقل إلى أن أصبحوا في وضع لا يمكنهم فيه أن يلفتوا إليهم نظرا، فلا يخشى بأسهم ولا يحسب لقوتهم مثل ما كان لأسلافهم. وكانت هذه الهزائم المتوالية للخوارج سببا في ضعف أمرهم وقلة شأنهم؛ فلم يعد لهم من القوة والقتال أثر في التاريخ كبير. ولنبدأ الآن بذكر أشهر الخارجين على الدولة العباسية، وأول الخارجين كان الجلندي الذي خرج على أبي العباس السفاح، ويسمى الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي، فقد أراد هو وأصحابه من أهل عُمان صد جيش الخلافة عن دخول بلادهم، وكان قائد جيش الخليفة أبي العباس السفاح، رجلا يسمى خازم بن خزيمة فالتقوا في الصحراء فاقتتلوا قتالا شديدا يوما كاملا، ثم استأنفوا القتال في اليوم الثاني في معركة لا تقل عن اليوم الأول، ثم هدأت الأمور قليلا ولكنهم استأنفوها على أشدها. وقد فكر خازم في حيلة أشار بها عليه رجل من أهل الصغد وهي أن يجعل كل جندي على طرف سنانه مشاقة، وهي ما خلص من القطن والكتان والشعر، ويرووها بالنفط ثم يشعلوا فيها النيران ثم يقذفوها على بيوت الجلندي وأصحابه، وتمت هذه الفكرة بنجاح فاشتعلت النار في البيوت وكانت من خشب فاشتغل أصحاب الجلندي بإخراج أهلهم وأموالهم عن النار، وعندها مال عليهم جيش خازم يقتلونهم كيف شاءوا وانتهت المعركة بقتل عشرة آلاف منهم، ثم أخذت رؤوسهم وبعث بها إلى البصرة فمكثت أياما ثم بعث بها إلى الكوفة إلى أبي العباس. وخرج بعد ذلك ملبد بن حرملة الشيباني على المنصور بناحية الجزيرة بالعراق، وكان فيه شجاعة شبيب ودهاؤه وخبرته بالحرب وأنواعها. خرج إليه في أول الأمر ألف فارس من المرابطين في الجزيرة فهزمهم، ثم تتابعت الجيوش بعد ذلك على حربه فسارت إليه روابط الموصل فهزمهم، ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي فهزمه، وعجز الناس عنه فبعث إليه أبو جعفر المنصور مولاه المهلهل بن صفوان في ألفين من نخبة الجند فهزمهم، ثم وجه إليه آنذاك آخر خراسانيا يسمى نزارا فهزمهم، ثم وجه إليه صالح بن مشكان فهزمهم، ثم وجه إليه صالح بن صبيح فانهزم أيضا، ثم سار إليه حميد بن قحطبة فهزمه هو الآخر. فأرهب الناس وأهمهم أمره، ثم وجه إليه أبو جعفر عبد العزيز بن عبد الرحمن وضم إليه زياد بن مشكان فانهزما أيضا، فبعث إليه المنصور خازم بن خزيمة في ثمانية آلف فدارت بينهم معركة قتل في نهايتها ملبد وأكثر جيشه وهرب من بقي منهم متسللين بأنفسهم. وقد خرج على المنصور أيضا أهل المغرب بقيادة أبي حاتم الإباضي. ويسمى يعقوب بن حبيب، وكان عامل تلك الجهة، وهي طرابلس، يسمى الجنيد بن بشار فكتب إلى عمر بن حفص القائد العام لإفريقية يستمده فأمده بعسكر التقى مع الإباضية في معركة فانهزموا أمام أبي حاتم إلى قابس، فلحقهم وحاصرهم فيها، ثم حاصر القيروان وكثر أتباعه وضيق عليها الحصار مدة ثمانية أشهر حتى أكلوا دوابهم وكلابهم. وفي هذه الأثناء جاءهم الخبر بوصول عمر بن حفص فاستبشروا وجاء عمر حتى نزل مكانا يسمى الهريش، فلما علم أبو حاتم ترك حصار القيروان وحول جمعه لملاقاة عمر، فلما علم بهم عمر، وكان في سبعمائة فارس ذهب إلى تونس فتبعه البربر فعاد إلى القيروان مسرعا وأدخل إليها كل ما يلزم من دواب وطعام وغير ذلك، فجاء أبو حاتم إلى القيروان وحاصرها كحصار المرة الأولى حتى أجهدها وكانوا في أثناء الحصار تحصل بينهم مناوشات غير مجدية، وهنا عزم عمر على منازلتهم كيفما كانت النتيجة ثم التحم معهم في معركة قتل فيها، فقام بالأمر بعده أخوه لأمه حميد بن صخر فوادع الثائرين ريثما يجيء مدد الخليفة المكون من ستين ألفا على رأسهم يزيد بن حاتم بن قتيبة بن المهلب، ثم حصلت حروب عدة قضي فيها على تلك الحركات جميعها في معارك بلغت 375 معركة فيما قيل.
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (12) محمد فاروق الإمام الخروج على الرشيد ونهاية الخوارج وظهور فرقة الإباضية خرج الصحصح بالجزيرة على الرشيد، وكان عامله على الجزيرة يسمى أبا هريرة محمد بن فروخ فوجه إليه الصحصح جيشا ولكنه انهزم، ثم توسع الصحصح وخرج إلى الموصل فلقيه عسكرها واقتتلوا فقتل منهم كثيرا، ثم رجع إلى الجزيرة فسير إليه الرشيد جيشا التقوا به في دورين في معركة قتل فيها الصحصح وأصحابه. ثم خرج على الرشيد أيضا الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة واستولى عليها وعلى نصيبين ووصل إلى أرمينية وأذربيجان وحلوان وأراضي السواد، فوجه إليه الرشيد يزيد بن مزيد الشيباني. وقد أراد يزيد أن يطاوله ليضعفه ويمكر به، إلا أن البرامكة كانت في نفوسهم حزازة عليه فقالوا للرشيد: إنما يتجافى يزيد عن الوليد للرحم لأنهما كليهما من وائل وأخذوا يهونون أمر الوليد فكتب إليه الرشيد كتابا مغضبا وقال له: "لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ولكنك مداهن متعصب، وأقسم بالله إن أخرت مناجزته لأوجهن إليك من يحمل رأسك"، فقام يحرض أصحابه قائلا لهم: "فداكم أبي وأمي إنما هي الخوارج ولهم حملة فاثبتوا، فإذا انقضت حملتهم فاحملوا عليهم فإنهم إذا انهزموا لم يرجعوا"، ثم نشبت المعركة فقتل الوليد. ثم خرج عبد السلام بن هشام اليشكري بالجزيرة أيضا وكثر أتباعه بها وذلك في زمن المهدي، فبعث إليه المهدي الجيش تلو الجيش وهو يهزمهم أولا بأول، فأرسل المهدي إلى القائد الذي بمواجهتهم؛ ويسمى شبيب بن واج ألف فارس، وكان المهدي قد قوى نفوسهم فجعل لكل جندي ألف درهم وألحقهم بشبيب، فلما وصلوا إليه خرج بهم في طلب عبد السلام، فانهزم منهم عبد السلام، فاتبعوه حتى أتى قنسرين فأحيط به وقتل هناك. ثم كان خروج يوسف بن إبراهيم البرم على المهدي بخراسان ناقما على المهدي سيرته فتبعه خلق كثير في تلك النواحي. فبعث إليه المهدي يزيد من مزيد الشيباني فالتقوا في معركة أسر فيها البرم، فوجه به يزيد إلى المهدي ومعه وجوه أصحابه فلما وصلوا إلى المهدي أمر بقطع يدي يوسف ورجليه وضرب عنقه وأعناق أصحابه الذين معه. وكان آخر الخارجين على المهدي ياسين التميمي وكان خروجه بالموصل محكما، وكان على رأي صالح بن مسرح واجتمع له خلق كثير وأخذ في التوسع فأخذ أكثر ربيعة والجزيرة، فخرج لقتاله عسكر الموصل ولكنه هزمهم. فوجه المهدي قائدين أحدهما أبو هريرة محمد بن فروخ، والآخر هرثمة بن أعين فدارت بينهما معارك انتهت بقتله وانهزم من بقي من أتباعه. وبانهزامه انتهت حركات الخوارج ضد الدولة العباسية في المشرق والمغرب، وإن أصبحت للإباضية منهم دولة في عُمان والمغرب. والإباضية إحدى فرق الخوارج كما هو معروف رغم إنكارهم ذلك، وهي تنسب إلى صاحبها عبد الله بن إباض، وهي أكثر هذه الفرق اعتدالا، وأخفها أحكاما على مخالفيها، وألينها مبادئ، فلا غرابة أن نراها باقية إلى اليوم ولها أتباع ومريدون في المشرق والمغرب من العالم العربي الإسلامي، ونرى سواها من فرق الخوارج قد بادت، حيث إنها لم تضمن لنفسها أسباب البقاء. نشأت الإباضية بعد الهزيمة التي حلت بالخوارج على يد أصحاب الإمام علي رضي الله عنه في معركة النهروان، ثار البعض ممن بقوا، فعزموا على الانتقام بالعنف، بينما فضلت جماعة منهم الالتزام بالهدوء والروية والجنوح إلى المسالمة، خاصة وأنهم يشكلون أقلية ضعيفة لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم، فضلا عن تغيير الوضع، لذلك قررت هذه الجماعة المعتدلة الرحيل إلى البصرة تحت زعامة أبي بلال مرداس بن أذية التميمي الذي نصب إماما للشراة- أحد ألقاب الخوارج- فيما بعد. وبانتقال هذه الجماعة وتمركزها في البصرة أصبحت تشكل فريقا تحول من حزب علني معارض إلى حزب سري يتطلع إلى الوصول إلى السلطة... وبعد وفاة أبي بلال، انتقلت زعامة الفرقة إلى عبد الله بن إباض- توفي في النصف الثاني من القرن الهجري الأول- الذي انفصل سنة 65هـ عن الخـــوارج - وهم في نظر الإباضية أتباع نافع بن الأزرق- ومكث بالبصرة مع أصحابه بعد خروج المتطرفين منها، يذكر هذه الحادثة عبد الله بن إباض نفسه. وهكذا بدأت الفترة الأولى من الإباضية التي يمكن تسميتها بمرحلة الكتمان، فيكون- إذن- مكوث عبد الله بن إباض بالبصرة ومن معه مؤشرا حقيقيا لتبلور الآراء الإباضية وتميزها من غيرها من المتطرفين الخوارج، ومن ثم يمكن اعتبار هذه الحادثة من الناحية التاريخية سبباً مباشراً لظهور فرقة الإباضية... إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن التأسيس الحقيقي للفرقة كان على يد الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني (توفي سنة 93هـ) الذي انضم إلى جماعة أبي بلال مرداس بن أذية التميمي بعد مجيئه إلى البصرة، فكان لانضمام جابر إلى هذه الجماعة أثر بالغ في نشأة الإباضية وتحديد معالم أفكارها وآرائها. ويعتبر الإباضية جابر بن زيد المؤسس الحقيقي للمذهب، إذ إنه كان الإمام الروحي، وفقيه الإباضية ومفتيهم، وكان بالفعل الشخص الذي بلور الفكر الإباضي بحيث أصبح متميزا عن غيره من المذاهب، بينما كان ابن إباض المسؤول عن الدعوة والدعاة في شتى الأقطار.
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (13) محمد فاروق الإمام معتقدات الإباضية يتصف الإباضيون بتمسُّكُهم الشديد بالدين، وبأداء فروضه، وتجنب منهياته إلى حد يثير الإعجاب ويدعو للاعتبار، وبُغضهم المفرط لأصحاب الظلم والفساد، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يُحققوا لأنفسهم عزًّا دينيا ومجدًا سياسيا، خلَّدَ ذكرهما التاريخ. والواقع أن الاعتدال هو السمة الواضحة لعقائد الإباضية، إذ إنهم يحرِّمون دماء المسلمين وسَبيَ ذَراريهم وغنيمةَ أموالهم، كما أنهم اعتبروا دُور مخالِفيهم دارَ توحيد إلاَّ معسكر السلطان فإنه دار بَغي، وأجازوا مناكحتهم وموارثتهم وغنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب، وحرَّموا قتلهم وسبيَهم في السرِّ غيلةً إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة. وقالوا في مرتكبي الكبائر إنهم موحِّدون، وإن كفروا، كفر النعمة لا كفر الملة. وتوقفوا في أطفال المشركين وجوَّزوا تعذيبَهم على سبيل الانتقام. ولعل طابعَ الاعتدال في عقائد الإباضية هذه هو ما جعلهم أقربَ فرق الخوارج إلى أهل السنة. والإباضيون: لا يقولون بأن دار مخالفيهم دار حرب، ولا يحكمون بالشرك على من خالفهم، ومن ثم لا يجيزون قتال من لم يقاتلهم، ومن قاتلوهم لا يستبيحون أخذ أموالهم كغنائم، ولا قتل نسائهم وأطفالهم، ولا سبيهم، ولا يعتبرون الخروج فرضا لازما، بل أباحوا لأفراد جماعتهم العيش في ظل حكم الطغاة تقية، للضرورة، ويذهبون إلى أن الشَّراء، أو بذلَ النفس أمرٌ طوعي إذا فرضه الخارجون على أنفسهم. ورغم تأكيد الإباضية وسعيهم إلى اعتبارهم مذهباً من المذاهب الإسلامية، لا صلة له بجماعة الخوارج، ورغم أن كثيرا من كتاب الفرق- قدماء ومحدثين- أقرُّوا بأن الإباضية أكثر الفرق الخارجة اعتدالاً، وأقربها تفكيرا ورأيا وسلوكا إلى أهل السنة- بالرغم من هذا- فقد نسبت إلى الإباضية بعض الآراء التي يبدو فيها التطرف، ويحتمل ظاهرها الخروج.. فمما نسب إلى الإباضية القول بأن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين، ولا مؤمنين بل سموهم كفارا، ويقولون: إنهم كفار نعمة لا كفارا في الاعتقاد. والإباضية لا يحكمون على مجتمع من المجتمعات التي يقطنها المسلمون بالكفر، كما أجازوا مناكحة مخالفيهم، وموارثتهم، وقبول شهادتهم، وحرموا قتلهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة، فإن قام القتال أباحوا من أموالهم غنيمة الخيل والسلاح. أما عقائدهم في الإلهيات- أي التوحيد والتنزيه والصفات وخلق القرآن والعدل الإلهي والقضاء والقدر، أي مسألة الجبر والاختيار – فهي متطابقة مع عقائد الشيعة والمعتزلة.. وأما فقههم فهو مدرسة فقهية اجتهادية مستقلة، لكنها لا تبعد في آرائها عن فقه المدارس الفقهية الأربعة لأهل السنة والجماعة. ويتميز هؤلاء بتمسكهم بتقاليد وتعاليم وآداب المذهب الإباضي في نظمهم الاجتماعية، ووسائل التربية لأفراد جماعتهم، حيث يسود مجتمعهم نظم اجتماعية، وآداب توارثوها منذ القرن الخامس الهجري، حينما شعر الإباضية بأنه لم يعد بإمكانهم إقامة دولة تحمي جماعتهم، فوضعوا هذا النظام حفاظا على أفراد جماعتهم من الانحلال والذوبان في المجتمعات الأخرى، ويطلق على هذا النظام "نظام العزابة" وهو عبارة عن مجلس يهتم بشؤون أفراد الجماعة، ويمارس نوعا من الرقابة على سلوكهم، ويعتمد على التوجيه والمحاسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستند إلى مبدأ الولاية والبراءة للأفراد والجماعات، فمن ارتكب معصية تُبرئ منه، وعُزل عن المجتمع إلى أن يتوب، فإن تاب تولاَّهُ أفراد المجتمع، وقد أحدث هذا النظام- كما يقول أحد الإباضية المعاصرين- انضباطا في السلوك، والمحافظة على قيم الدين وواجباته، والمحافظة على الأخلاق والآداب.. ولكن من ناحية أخرى كان لنظام العزابة سلبياته المتمثلة في القسوة الشديدة التي فرضها على أتباع المذهب، فحرَمَهم بها من مَتاعِ الحياة المُباح، كما عزَلَ أتباع المذهب عن بقية إخوانهم من أصحاب المذاهب الإسلامية، بدعوى السرية والمحافظة على تراثهم، ومن ثم أوجد فجوة بين الإباضية وبين إخوانهم في الدين، من أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى. والهيئة محدودة العدد تمثل خيرة أهل البلد علماً وصلاحا، تقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية والتعليمية والاجتماعية والسياسية، كما تمثل مجلس الشورى في زمن الظهور والدفاع، أما في زمن الشَّرَاء والكِتمان، فإنها تقوم بعمل الإمام، وتُمثِّله في مهامِّه.
__________________
|
#14
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (14) محمد فاروق الإمام انتشار المذهب الإباضي في المغرب الإسلامي انتشر المذهب الإباضي في بلاد المغرب الإسلامي، فقد كان ظهورهم بإفريقية في أوائل القرن الثاني في عهد هشام بن عبد الملك الذي جدد عهد أبيه وأسلافه الأولين بالتزامه سياسة الشدة في مطاردة الخوارج والشيعة وملاحقتهم بالتقتيل والإبادة، ولعل أول داعية إباضي قدم هذه البلاد فاراً من قبضة ملاحقيه هو سلمة بن سعد، الذي عرف كيف يتنقل بالبلاد، وأي الشعاب يسلك حتى يأمن ظلم الظالمين، ويضمن لعمله التوفيق ولرسالته الانتشار، فاختار الطرق الجبلية البعيدة عن الصحراء القاحلة وأهوالها، وعن المناطق الساحلية الخاضعة لسلطة الولاة، وجبال نفوسة ودمر ونفزاوة وما والاها من المرتفعات والجبال، وكلها مناطق آهلة بالسكان، كثيرة العمران..أمكن له أن يستقر ويقوم في صفوف البربر بالدعوة، موضحا للأذهان الصورة الصحيحة للإسلام – كما يتصورها - في الاعتقاد والعبادة والمعاملة، وهي غير الصورة التي شهدها الناس في الحاكمين وأتباعهم في ذلك الوقت، فالتفَّ من حوله الناس مستجيبين لدعوته، وراحَ يتنقل من مكان إلى آخر، وما ارتحل من موضع إلا خلَّفَ فيه أتباعا.. تكاثروا مع مرور الأيام والأعوام حتى صار لهم شأن، وأضحوا يمثلون قوة يحسب لها ألف حساب. وشاءت الأقدار أن تنقرض الإمامة الإباضية من طرابلس فأصبحت تاهرت مركز الإمامة، وكانت أغلبية بلاد إفريقية في الجنوب والوسط تابعة لهذه الإمامة، وكان عمال الدولة الرستمية يقيمون أحكام الله في تلك البلاد نيابة عن الدولة الرستمية.. وقد استمرت هذه الجهات تحت حكم الدولة الرستمية إلى أن تغلبت عليها الدولة العبيدية (الفاطمية) فخربت تاهرت، وانقرضت من هنالك سلطتها.. من هذا نفهم أن كثيرا من أهل إفريقية من سكان المناطق المذكورة كانوا يدينون بالولاء إلى السلطة الإباضية بتاهرت، إما ولاء سياسيا، أو ولاء مذهبيا، إلى أن قامت الدولة العبيدية.. ثم استمر ولاؤهم بصفته المذهبية الدينية، إذ إن سكان الجنوب من إفريقية وإن لم تقم لهم دولة، فقد كانوا تحت نفوذ مشايخ العلم والعزابة من الإباضية، لذلك كانوا كأنهم يمثلون دولة لها سيادتها ولها تنظيمها الإداري والديني، واستقلالها الذاتي طوال الدولة الأغلبية وما قبلها بقليل وما بعدها. أما بالنسبة للتواجد الإباضي في دول المغرب العربي شمال إفريقيا، فيعود إلى أن الإباضية أرسلوا- منذ بدايات أمرهم- دعاة إلى المغرب لنشر الدعوة منهم الشيخ سلامة بن سعد- من أهل البصرة ومن مشايخ الإباضية في القرن الهجري الثاني- فنجح بعد عشرين سنة في تكوين جماعة معتبرة من الإباضيين في طرابلس الغرب، يتزعمها رجل يدعى عبد الله بن مسعود التجيبي، الذي آزرته قبيلة هوارة التي اعتنقت المذهب الإباضي، ثم تبعتها قبيلة زناتة في شرق طرابلس، ونفوسة في الجبل- ويحمل إلى اليوم اسم جبل نفُّوسة- وبفضل القبائل البربرية انتشر المذهب الإباضي في شمال إفريقيا، ولا يزال يوجد إلى اليوم في قبائل تسكن الصحراء في جنوب ليبيا والجزائر- بني ميزاب في تيهرت- ويسمون بإباضية المغرب. ولا يزال أتباع هذه الفرقة يعيشون إلى يومنا هذا في سلطنة عُمان، ويشكلون أغلبية المسلمين فيها، وهي-بالمناسبة- الدولة المسلمة الوحيدة التي يشكلون الأغلبية فيها، كما أنهم يوجدون في مناطق من شمال إفريقيا مثل جبل نفوسة جنوب ليبيا، وجزيرة جربة جنوب تونس، وفي ورقلة ومزاب من بلاد الجزائر، وأقلية في تنزانيا وبوروندي ورواندا في شرق إفريقيا. وسبب انتشارهم في عُمان يعود إلى أن الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني، ركز- منذ البداية- دعوته على قبيلته "أزد" العمانية، فوجَّه إليها كل عنايته، وبحكم مركزه بين أقاربه فإنه لم يلقَ صعوبة في إقناعهم، وهكذا انتشر المذهب بين أهل عُمان منذ ذلك الزمن القديم، وبقي فيها، ولا زال هو المذهب الرئيسي لأهلها إلى يومنا هذا.
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (15) محمد فاروق الإمام صفات الخوارج لقد اتصفت الخوارج بصفات متميزة، جعلت منهم فئة تجادل عن اعتقادها باندفاع وحماس وعنف. وأهم ما اتصف به الخوارج الآتي: 1- الفصاحة وطلاقة اللسان ورصين البيان وأسلوب تأثير الكلام. 2- التشدد في العبادة والانهماك فيها. فقد كانوا أهل صلاة وصيام وتلاوة قرآن، وإخلاص لما يعتقدون حتى درجة الفداء والموت في سبيل الذود عن اعتقادهم. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أواخر أيامه: "لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه". وقال عمر بن عبد العزيز لبعض الخوارج: "إني قد علمت أنكم لم تخرجوا مخرجكم هذا لطلب دنيا أو متاع.. ولكنكم أدركتم الآخرة فأخطأتم سبيلها". 3- الشجاعة النادرة. 4- حبهم للجدل والمناقشة والحوار والمناظرة ومذاكرة الشعر وكلام العرب، كما غلب التعصب على جدلهم وعدم التسليم للخصوم بحجة، وعدم الاقتناع بفكرة مهما كانت قريبة من الحق أو واضحة الصواب. ومن الحق أن نعترف أن الإخلاص كان سمة الكثيرين منهم، ولكنه إخلاص يصاحبه الانحياز لناحية معينة قد استولت على مداركهم. ونسوق هنا بعض الحقائق التي تبين انحيازهم لما يعتقدون: عند مسير خوارج البصرة إلى عبد الله بن وهب الراسبي، صادفوا في طريقهم رجلا يسوق بامرأة على حمار، فعبروا إليه، فدعوه فتهددوه وأفزعوه، وقالوا له: من أنت ؟ قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض - وكان سقط عنه لما أفزعوه - فقالوا له: أفزعناك، قال: نعم، قالوا له: لا روع عليك ! فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لعل الله ينفعنا به ! قال: حدثني أبي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن فتنة تكون ! يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه، يمسي فيها مؤمناً ويصبح كافرا، ويصبح فيها كافراً ويمسي فيها مؤمنا". فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فأثنى عليهما خيرا. قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها ؟ قال: إنه كان محقا في أولها وفي آخرها. قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده ؟ قال: إنه أعلم بالله منكم، وأشد توقيا على دينه، وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا. فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم، حتى نزلت تحت نخل مواتر، فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه، فقال أحدهم: بغير حلها، وبغير ثمن ! فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ سيفه بيمينه، فمر خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه. فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي منكم بأس، إني لمسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثا، ولقد أمنتموني، قلتم: لا روع عليك ! فجاؤوا به فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة، فقالت: إنما أنا امرأة، ألا تتقون الله ! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة في طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية. هذا مظهر من مظاهر إخلاصهم، ومع ذلك فالتحيز يسيطر عليهم، فقد قتلوا عبد الله بن خباب لأنه لم يقل لهم: علي مشرك، وأبوا أن يأخذوا تمر النصراني بغير ثمن. وساموا رجلا نصرانيا بنخلة فقال: هي لكم، فقالوا: والله ما كنا لنأخذها إلا بثمن. قال النصراني: ما أعجب هذا أتقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا تقبلون منا نخلة !! وهكذا نرى التناقض واضحا في صفاتهم، وازدواجية في المعايير، تقوى وإخلاص يرافقه انحراف وهوس، وتشدد وخشونة وجفوة، وتهور واندفاع في الدعوة إلى ما يعتقدون، وحملهم الناس على قبول آرائهم المنحرفة المتميزة بالعنف والقسوة والبطش من غير رفق، وبما لا يتفق وسماحة الإسلام كحال خوارج زماننا". والله تعالى يقول: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وقال تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين).
__________________
|
#16
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (16) محمد فاروق الإمام الحالة الاجتماعية للخوارج هذه الصفات المتناقضة عند الخوارج تدفعنا إلى الاعتقاد - والله أعلم - إلى أن جل الخوارج كانوا من الأعراب، وهؤلاء كانوا في فقر مدقع قبيل الإسلام. ولما جاء الإسلام لم تتحسن أحوالهم المادية، ولم تتأثر طبيعتهم الجلفة القاسية - لابتعادهم عن رقة ونعومة وطراوة ولين الحاضرة - بالحياة التي اكتسبها أقرانهم من خلال احتكاكهم بالأمم المتمدينة، كما لم تتحسن ظروفهم المعيشية، ونجد أن الإسلام أصاب شغاف قلوبهم دون عقولهم مما أدى إلى سذاجة التفكير وضيق في الأفق والتصور والتحليل وإعمال العقل، وبعد عن التعمق في الدين وعلومه، فتكونت نفوسهم على الإيمان والتعصب، في نطاق عقول متهورة مندفعة لأنها تربت على قساوة البادية ولم تعرف إلا الصحراء. وكانت في نفس الوقت زاهدة، فإن عيونهم لم تر غير الرمال وبيوت الشعر والنوق والخيل والسيف، ولهذا نراها قد انصرفت عن الشهوات المادية وملاذ هذه الحياة، واتجهت بكليتها تفكيراً وأحاسيس إلى نعيم الآخرة. ولقد كانت هذه الحياة التي يعيشونها في بيدائهم دافعة لهم على الخشونة والقسوة والعنف، إذ النفس صورة لما تألف، ولو أنهم عاشوا حياة رافهة فاكهة في نعيم، أو في نوع منه لخفف ذلك من عنفهم وألان صلابتهم، ورطب شدتهم. ومثال على ما سبق ذكره هذه القصة القصيرة: "خرج رجل على عبيد الله بن زياد، يقال له أبا الخير، وكان من أهل البأس والفروسية والنجدة، وكان على رأس الخوارج، فدعاه ابن زياد، وولاه بعض ولاياته، وأعطاه أربعة آلاف درهم كل شهر، وجعل عمالته في كل سنة مئة ألف، فكان أبو الخير يقول: ما رأيت شيئا خيراً من لزوم الطاعة والتقلب بين أظهر الجماعة، فلم يزل واليا حتى أنكر فيه زياد شيئا، فتنمر لزياد فحبسه، فلم يخرج من محبسه حتى مات". وهكذا نجد كيف أن النعمة قد ألانت من طباع هذا الخارجي، وهذبت نفسه وجعلته سمحاً رقيقاً بعد أن كان قاسياً متعصباً وعنيفا. إضافة إلى ما تقدم من الأمور - التي دفعت الخوارج على الخروج والتمرد على الإمام - فإن هناك أمراً لا يجوز إغفاله، وقد يكون من أهم الأمور التي حفزتهم للخروج، فقد كانوا يحسدون قريشاً على استيلائهم على الخلافة واستبدادهم بها دون الناس، والدليل على ذلك أن أكثرهم من القبائل الربعية – بني ربيعة - التي قامت بينها وبين القبائل المضرية الكثير من الحروب والنزاعات التي خفف الإسلام من حدتها، ولم يذهب بكل غلوائها، بل بقيت آثارها الكثيرة متمكنة من نفوسهم. وقد تظهر في الآراء والمذاهب من حيث لا يشعر المعتنق للمذهب الآخذ بالرأي، وأن الإنسان قد يسيطر على نفسه هوى يدفعه إلى فكرة معينة يخيل إليه أن الإخلاص رائده، والعقل وحده يهديه، وهذا أمر واضح في مجريات الحياة كلها، فالإنسان ينفر من كل فكرة اقترنت بما يؤلمه. وعلى هذا فلنتصور أن الخوارج، وأكثرهم ربعيون، لم يستسيغوا أن يروا الخلفاء من مضر، مما دفعهم حسدهم، إضافة إلى ترسبات الماضي، لينفروا من حكمهم ويتجهوا في تفكيرهم نحو الخلافة تحت ظل هذا النفور من حيث لا يشعرون، وظنوا أن ما يقولونه هو محض الدين، وأنه لا دافع لهم إلا الإخلاص لدينهم. لقد كان الخوارج أكثرهم من العرب، وبينهم قلة من الموالي، مع أن آراءهم في الخلافة من شأنها أن تجعل للموالي الحق في أن يكونوا خلفاء عندما تتوافر شروطها، فقد كان الخوارج لا يقصرون الخلافة على العرب، ولا على جنس من الأجناس، أو فريق من الناس. والسبب في نفور الموالي من مذهبهم أنهم هم أنفسهم مع هذه الآراء، ينفرون من الموالي، ويتعصبون ضدهم، فهذا المختار بن أبي عبيد الثقفي عندما استتب له الأمر في الكوفة أخذ يقرب العرب ويشيح عن الموالي حتى أثار ريبتهم ودفع أبا عمرة رئيسهم - وكان من الموالي - ليلفت نظر المختار وهو يقرب العرب ويشيح عن الموالي، فأرضى المختار رئيس حرسه بقوله: بل هم مني وأنا منهم - يقصد الموالي - وروى ابن أبي الحديد أن رجلاً من الموالي خطب امرأة عربية من الخوارج فقالوا لها: فضحتنا… وربما لو تركوا تلك العصبية لتبعهم خلق كثير من الموالي.
__________________
|
#17
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (17) محمد فاروق الإمام فكر الخوارج ومبادئهم بعد أن عرفنا عقلية الخوارج وقبائلهم، لا بد لنا من أن نتعرف على مبادئهم. والحق أن مبادئهم مرآة واضحة لتفكيرهم وسذاجة عقولهم ونظرتهم السطحية، ونقمتهم على قريش، وكل القبائل المضرية. ويمكن إيجاز أفكارهم بالآراء التالية: لا يتم تنصيب الخليفة إلا بانتخاب حر صحيح، يقوم به المسلمون كافة، لا فريق منهم نيابة عن الأمة - وهذا الرأي هو الرأي السديد المحكم - ويستمر خليفة ما دام قائما بالعدل مقيما للشرع، مبتعدا عن الخطأ والزيغ، فإن حاد وجب عزله أو قتله. لا يختص بيت من بيوت العرب بأن يكون الخليفة منه، فليست الخلافة مختصة بقريش، وليست لعربي دون أعجمي، والجميع في الخلافة سواء، بل يذهب بعضهم إلى أن يكون الخليفة غير قرشي ليسهل عزله أو قتله إن خالف الشرع وحاد عن الحق، إذ لا تكون له عصبية تحميه، ولا عشيرة تؤويه، وعلى هذا الأساس اختاروا في أول خروجهم "عبد الله بن وهب الراسبي" وأمروه عليهم وسموه "أمير المؤمنين" وهو ليس بقرشي. وبعض الخوارج يرون أنه لا حاجة إلى إمام إذا تمكن الناس من التناصح فيما بينهم، وإن لم يتمكن الناس من التناصح أقاموا إماما يحملهم على الحق، وهذا يعني أن إقامة الإمام ليست واجبة شرعا بل جائزة. وإن وجبت فإن وجوبها تفرضه المصلحة والحاجة. ويجمع الخوارج على تكفير أهل الذنوب، ولم يفرقوا بين ذنب وذنب بل اعتبروا الخطأ في الرأي ذنبا، إذا أدى إلى مخالفة وجه الصواب في نظرهم، ولذا كفروا عليا رضي الله عنه بقبوله التحكيم، مع أنه لم يقدم عليه مختارا، ولو سلم أنه اختاره فالأمر لا يعدو أنه اجتهاد قد أخطأ فيه، إن كان التحكيم جانب الصواب، فلجاجتهم في تكفيره رضي الله عنه دليل على أنهم يرون الخطأ في الاجتهاد يخرج من الدين، كذلك كان شأن (طلحة والزبير) رضي الله عنهما وغيرهما من كبار الصحابة الذين خالفوهم في جزئية من جزئيات كانت نتيجة لاجتهادهم. وهذه الاعتقادات التي جعلوها مبادئ راسخة في قلوبهم وعقولهم جعلتهم يخرجون على جمهور المسلمين، ويعدونهم مخالفين مشركين، واقضوا مضاجع الحكام بسببه، وسفكوا الدماء، وزرعوا الرعب في طول دولة الإسلام وعرضها. كما اتصف الخوارج بأنهم قوم خصمون يجادلون عن مذهبهم، ويتصيدون الحجج من خصومهم ومخالفيهم، ويتمسكون بآرائهم أشد الاستمساك، لدرجة الأسود والأبيض. وكانوا حتى في حروبهم يتحينون الفرص للحوار مع خصومهم، وكانوا كثيرا ما يوقفون القتال مع مقاتليهم ليساجلوهم الآراء والأفكار. وكان من صفتهم التعصب في جدالهم، فهم لا يسلمون لخصومهم بحجة، ولا يقنعون بفكرة مهما تكن قريبة من الحق، أو واضحة الصواب. وسبب ذلك استيلاء قلوبهم وهوى أنفسهم على عقولهم. وكثيرا ما دفعتهم رغبتهم في نصر مذهبهم إلى أن يكذبوا أحيانا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن خارجي تاب أنه دعا العلماء لأن ينظروا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الخوارج كانوا إذا لم يجدوا دليلا يدعم حجتهم نسبوا للرسول صلى الله عليه وسلم كلاما لم يقله. وكان الخوارج يتمسكون بظواهر القرآن، ولا يتجاوزون ذلك الظاهر إلى المرمى والمقصد والموضوع، وما يظهر لهم بادي الرأي يقفون عنده ولا يحيدون عنه قيد أنملة. وكانوا يستخدمون الظاهر من القرآن من غير تحر في دفع التهم عما ينسب إلى بعضهم من جرائم. فهذا عبيدة بن هلال اليشكري، اتهم بامرأة حداد، رأوه مرارا يدخل داره بغير إذنه، فأتوا قطري بن الفجاءة الذي نصبوه أميرا لهم، فذكروا له ذلك، فقال لهم أن عبيدة من الدين بحيث علمتم، ومن الجهاد بحيث رأيتم. فقالوا: إنا لا نقره على الفاحشة. فقال: انصرفوا ! ثم بعث إلى عبيدة فأخبره، فقال: بهتّموني يا أمير المؤمنين كما ترى. قال: إني جامع بينك وبينهم فلا تخضع خضوع المذنب، ولا تتطاول تطاول البريء، فجمع بينهم فتكلموا. فقام عبيدة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم)، فلما سمع القوم هذه الآية بكوا وقاموا إلى عبيدة واعتنقوه وهم يبكون قائلين: استغفر لنا. سياسة الخوارج: لقد كان الخوارج دعاة مثل سياسية متميزة، يخلصون لها، ويتشددون في طرحها، ويتطرفون في تأييدها، ويشهرون السيف في وجه كل مخالف، ويثورون على كل حكومة لا تحقق مثلهم. ولما كانت نظرتهم تكاد تكون واحدة تجاه كل الخلفاء والولاة والحكام، مما يجعلنا ننظر إليهم على أنهم حزب سياسي، تبنى مبدأ العدالة الاجتماعية التي دعا إليها الإسلام. وكان الخوارج يمثلون في كل الأوقات القوى المعارضة في دولة الإسلام. وكانت دعوتهم الأولى تكاد تكون سياسية محضة، فلا خلاف بينهم وبين باقي المسلمين لا في أصول الدين ولا في فروعه، اللهم إلا الخلاف حول رأيهم بعثمان وعلي رضي الله عنهما. أما نظرة الخوارج إلى بني أمية فهي أنهم لم يُختاروا اختياراً صحيحاً من الأمة بل جعلوا ملكهم جبريا، وعليه يجب الثورة عليهم والخروج على طاعتهم ومحاولة قتلهم أو عزلهم. واستطاع الخوارج فرض أنفسهم على الساحة السياسية والعسكرية أيام دولة بني أمية ودولة ابن الزبير، وكانت مدينتا الكوفة والبصرة تمثلان قاعدتين قويتين لانطلاقهم في كل ثورة وعند كل خروج، بالإضافة إلى البحرين واليمامة وعُمان وبعض بلدان فارس. وبتعبير أدق فقد كانت العراق قاعدتهم الصلبة، تموج بالرجال وأدوات الحرب وأما المال "فكانوا زاهدين به إلا بقدر الحاجة".
__________________
|
#18
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (18) محمد فاروق الإمام فرق الخوارج الكبرى المُحكِمَة: هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين جرى التحكيم في صفين، واجتمعوا في حروراء، وكان رأسهم عبد الله بن الكواء، وعتاب بن الأعور، وعبد الله بن وهب الراسبي وعروة بن حدير، ويزيد بن أبي عاصم المحاربي، وحرقوص بن زهير البجلي المعروف "بذي الثدية". وكانوا يومئذ في اثني عشر ألف رجل، أهل صلاة وصيام. وكان خروج المحكمة على أمرين: الأول: بدعتهم في الإمامة، إذ جوزوا أن تكون الإمامة في غير قريش، وكل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس على ما مثلوا له من العدل واجتناب الجور كان إماما، ومن خرج عليه يجب نصب القتال معه، وإن غير السيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله، وهم أشد الناس قولا بالقياس، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلا، وإن احتيج إليه فيجوز أن يكون عبدا أو حرا، أو نبطيا، أو قرشيا. الثاني: أنهم قالوا: أخطأ علي في التحكيم، إذ حكم الرجال ولا حكم إلا لله، ولعنوا عليا - قاتلهم الله - وطعنوا في عثمان، وفي أصحاب الجمل وأصحاب صفين. وقاتلهم علي بالنهروان قتالا شديدا، وما نجى منهم إلا ما دون العشرة - قتل فيها أحد كبار الخوارج وهو حرقوص بن زهير البجلي ولم يستشهد من أصحاب علي إلا أقل من عشرة وانهزم من الخوارج اثنان إلى الجزيرة، وواحد إلى تل مورن باليمن، وظهرت بدع الخوارج في هذه المواضع. وممن نجى من النهروان عروة بن حدير الذي كان أول من قال: لا حكم إلا لله. وأول من بويع من الخوارج بالإمامة عبد الله بن وهب الراسبي في منزل زيد بن الحصين، بايعه عبد الله بن الكواء، وعروة بن حدير، ويزيد بن عاصم المحاربي. وتبرأ الراسبي من الحكمين، وممن رضي بقولهما وصوب أمرهما. وكفّر عليا - قاتله الله - وقال: إن عليا ترك حكم الله وحكم الرجال. وقيل إن أول من تلفظ بهذا الشعار رجل من بني سعد بن زيد بن مناة بن تميم، يقال له الحجاج بن عبيد الله الملقب بالبرك. ويقال إن أول سيف سل من سيوف الخوارج سيف عروة بن حدير. وهكذا نجد أن المحكّمة كفروا عليا وعثمان، وأصحاب الجمل، ومعاوية وأصحابه، والحكمين رضي الله عنهم أجمعين، وكفروا من رضي بالتحكيم، وكفروا كل ذي ذنب ومعصية. وخرج على علي رضي الله عنه جماعة كانوا على رأي المحكمة الأولى، منهم أشرس بن عوف، وكان خروجه بالأنبار، وغفلة التميمي، وكان خروجه بماسبذان، والأشهب بن بشر العرني، خرج عليه بجرجاريا. وسعد بن قفل، خرج عليه بالمدائن. وأبو مريم السعدي، خرج عليه في سواد الكوفة. وقتل علي كل هؤلاء الخارجيين. أيضا في عهد معاوية رضي الله عنه خرج عليه من المحكمة بعض الخوارج وكان منهم: عبد الله بن جوشا الطائي، وخرج بالنخيلة من سواد الكوفة فقتله أهل الكوفة. ثم خرج عليه حوثرة بن وداع الأسدي، ثم خرج فروة بن نوفل الأشجعي، والمستورد بن علفة التميمي على المغيرة بن شعبة - والي الكوفة لمعاوية - فقتلا في حربه، ثم خرج معاذ بن جرير على المغيرة أيضا وقتل. ثم خرج زياد بن خراش العجلي على زياد بن أبيه - والي العراق لمعاوية - فقتل. وخرج قريب بن مرة على عبيد الله بن زياد، كما خرج عليه أيضا زحاف بن زحر الطائي، وقتلوا جميعا. الأزارقة: لم تكن للخوارج قط فرقة أكثر عدداً ولا أشد منهم شوكة، وسموا بالأزارقة نسبة إلى إمامهم نافع بن الأزرق، وهم الذين خرجوا معه من البصرة إلى الأهواز، فقهروا أهلها، وبسطوا نفوذهم على كورها، وما وراءها من بلدان فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير، وقتلوا عماله في تلك النواحي. وكان مع نافع من أعيان الخوارج: عطية بن الأسود الحنفي، وعبد الله بن الماحوز، وأخواه عثمان والزبير، وعمرو بن عمير العنبري، وقطري بن الفجاءة المازني، وعبيدة بن هلال اليشكري، وأخوه محرز بن هلال اليشكري، وعبد ربه الصغير. وكان معهم ثلاثون فارسا ممن يرى رأيهم، وينخرط في سلكهم.
__________________
|
#19
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (19) محمد فاروق الإمام بدع الأزارقة وضلالاتهم تتلخص بدع الأزارقة بالآتي: 1- تكفيرهم لعلي، مدعين أن الله أنزل في شأنه: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام). وزادوا على ذلك في تكفيرهم لعثمان وطلحة والزبير وعائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وتخليدهم في النار. 2- تكفير القعدة عن القتال وإن كان موافقا لهم، وتكفير من لم يهاجر إليهم. 3- إباحة قتل أطفال المخالفين ونسائهم. 4- إسقاط عقوبة الرجم عن الزاني، إذ ليس في القرآن ذكره. وإسقاط حد القذف عن قذف المحصنين من الرجال، مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء. 5- الحكم بأن أطفال المشركين في النار مع آبائهم. 6- التقية غير جائزة في قول ولا عمل. 7- إجازة أن يبعث الله تعالى نبيا يعلم أنه يكفر بعد نبوته، أو كان كافرا قبل البعثة. 8-إن مخالفيهم من هذه الأمة مشركون. وبعد اجتماع الأزارقة على هذه البدع، واتفاقهم على نهجها، بايعوا نافع بن الأزرق وسموه "أمير المؤمنين" وانضم إليهم خوارج عُمان واليمامة، فصاروا أكثر من عشرين ألف رجل، واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها. 9-تكفير من ارتكب كبيرة من الكبائر وخروجه عن الإسلام، ويكون مخلدا في النار مع سائر الكفار. المراحل التي مرت بها الأزارقة أ-المرحلة الأولى: تميزت هذه المرحلة باتساع نطاق الحركة ونموها. وهي تشمل الفترة من (64-73هـ/683-692م). وفي هذه الفترة واجهت الأزارقة حركة خطيرة كادت أن تقضي عليها. وهي وقوع الفرقة والتنافس فيما بينهم. بدأت هذه الفترة بإمارة نافع بن الأزرق، ليقتل سنة (65هـ/684م)، وبايع الأزارقة عبد الله بن الماحوز ليقتل في نفس السنة، ثم بايع الأزارقة أخاه الزبير بن الماحوز، الذي قتل بدوره في نفس السنة، ثم بايع الناس قطري بن الفجاءة سنة (71هـ/690م) فاستطاع أن يخفف من غلو الأزارقة وتعصبهم، مما أدى إلى انضمام عدد كبير من الخوارج إليه. ثم أبدى مرونة كبيرة مع الأعاجم فانضم إليه عدد كبير منهم. ب-المرحلة الثانية: وتشمل الفترة الممتدة ما بين (73-77هـ/692-696م) وفيها وصل الأزارقة أوج قوتهم. واتخذ الأزارقة في هذه المرحلة بلاد فارس قاعدة لهم، وأصبحت سابور عاصمة لهم ودار هجرة. وأمام ضغط المهلب بن أبي صفرة اضطر الأزارقة في هذه الفترة إلى ترك فارس والتوجه إلى كرمان. أ- المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الضعف والانحلال. وفيها كانت نهايتهم، وتشمل الفترة الممتدة ما بين (77-78هـ/696-697م). وكان من أسباب هذا الضعف الحالات التالية: 1- فقدانهم منطقة سابور الغنية. 2- انقسامهم على أنفسهم وحدوث الخلاف فيما بينهم. حيث كان الصدام بين العرب والعجم عام (77هـ/696م). واختلاف نظرة الأزارقة إلى بقية الخوارج. كل هذه العوامل مجتمعة دفعت أمير الأزارقة قطري بن الفجاءة إلى الانسحاب - أمام ضغط المهلب - من كرمان إلى الري، ثم مكران ولم يلبث أن تركها إلى طبرستان ليقيم فيها مع أصحابه بإذن من حاكمها. واضطر قطري لخوض معركة غير متكافئة في جبال طبرستان مع جيوش الدولة الأموية انتهت بقتله، وتشتت أصحابه، وذلك في سنة (78هـ/697م) وقيل (79هـ/698م). وهكذا انتهت أسطورة هذه الفرقة التي دوخت دولة بني الزبير ودولة بني أمية.
__________________
|
#20
|
||||
|
||||
![]() الخوارج تاريخ وعقيدة (20) محمد فاروق الإمام النجدات والصفرية كان خروج نجدة بن عامر الحنفي الذي تنسب إليه هذه الفرقة في اليمامة مع أتباعه يريد اللحاق بنافع بن الأزرق، فاستقبله أبو فديك، وعطية بن الأسود الحنفي وجماعة من أتباعهما، وقد فارقا ابن الأزرق وأطلعاه على ما أحدث ابن الأزرق من خلاف بتكفيره القعدة عنه، وغير ذلك مما ابتدع. وبعد مداولات اتفق الجميع على مبايعة "نجدة" فبايعوه، ولقبوه بأمير المؤمنين، وكفروا من يقول بإمامة ابن الأزرق، ولم يلبثوا أن اختلفوا على نجدة في أمور نقموها عليه فانقسم النجدات إلى ثلاث فرق: فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفي إبى سجستان وتبعهم خوارجها، وسمي خوارج سجستان باسم "عطوية". وفرقة صارت مع أبي فديك حرباً على نجدة، وهم الذين قتلوا نجدة. وفرقة عذروا نجدة في أحداثه التي أتاها وأبقوا على إمامته. ومن اعتقادات النجدات قولهم: إن الدين أمران، أحدهما معرفة الله تعالى، ومعرفة رسله، وتحريم دماء المسلمين، وتحريم غصب أموال المسلمين، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة، فهذا واجب معرفته على كل مكلف. وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى يقيم عليه الحجة في الحلال والحرام، فمن استحل باجتهاده شيئا محرما فهو معذور، ومن خاف العذاب على المجتهد المخطئ، قبل قيام الحجة عليه فهو كافر. ومن بدع نجدة أنه تولى أصحاب الحدود من موافقيه، وقال: لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم ثم يدخلهم الجنة، وزعم أن النار يدخلها من خالفه في دينه. كما أجمعت النجدات على أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم. فإذا رأوا أن ذلك لا يتم إلا بإمام يحملهم فأقاموه. ومن ضلالات "نجدة" أيضا أنه أسقط حد الخمر، وأن من نظر نظرة صغيرة، أو كذب كذبة صغيرة وأصر عليها فهو مشرك، ومن زنى، وسرق، وشرب الخمر غير مصر عليه فهو مسلم، إذا كان من موافقيه على دينه. 4-البيهسية: أصحاب أبي بيهس الهيصم بن جابر، وعامة هذه الفرقة تقول: إن العلم والإقرار والعمل كله إيمان، وذهب قوم منهم إلى أنه لا يحرم سوى ما ورد في قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعمِ يطعمه). وما سوى ذلك فكله حلال. وقالت البيهسية: إن واقع الرجل حراماً لم يحكم بكفره حتى يرفع أمره إلى الإمام الوالي ويحده، وما ليس فيه حد فهو مغفور. وقالت أيضا: إن الإمام إذا كفر كفرت الرعية، الغائب منهم، والشاهد. وقال بعضهم: إن السكر إذا كان من شراب حلال فلا يؤخذ صاحبه بما قال فيه وفعل. 5-العجاردة: أصحاب عبد الكريم بن عجرد. وافق النجدات في بدعهم، وادعى أنه تجب البراءة من الطفل حتى يدعى إلى الإسلام، ويجب دعاؤه إذا بلغ، وأطفال المشركين في النار مع آبائهم. ولا يرى المال فيئاً حتى يقتل صاحبه. وهم يتولون القعدة إذا عرفوهم بالديانة. ويرون الهجرة فضيلة لا فريضة، ويكفرون بالكبائر. ويحكى عن العجاردة أنهم ينكرون سورة يوسف من القرآن. ويزعمون أنها قصة من القصص، ولا يجوز أن تكون قصة الفسق من القرآن. كما أن العجاردة يجيزون نكاح بنات البنين، وبنات البنات، وبنات بنات الأخوة، وبنات بني الإخوة. والعجاردة لا يرون استباحة الأموال، ولا يباح مال مخالف إلا إذا قتل ولا يقتل من لا يقاتل. وكان العجاردة أصحاب جدل فيما بين أمرائهم وعلمائهم، وكان الجدل فيما بينهم، كثيرا ما ينتهي إلى انقسامات وفرقة وولادة العديد من الفرق الصغيرة. 6-الثعالبة: أصحاب ثعلبة بن عامر. كان مع عبد الكريم بن عجرد يداً واحدة إلى أن اختلفا في أمر الأطفال. فقال ثعلبة: أنا على ولايتهم صغارا وكبارا حتى نرى منهم إنكاراً للحق ورضا بالجور. فتبرأت العجاردة من الثعالبة. وكان الثعالبة يرون أخذ الزكاة من عبيدهم إذا استغنوا، وإعطاءهم منها إذا افتقروا. الصفرية أصحاب زياد بن الأصفر. خالفوا الأزارقة والنجدات والإباضية في أمور أهمها: كفروا القعدة عن القتال إذا كانوا من موافقيهم في الدين والاعتقاد. لم يسقطوا حد الرجم. 3-لم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم في النار. 4-قالوا: إن التقية جائزة في القول دون العمل. 5-جوزوا تزويج المسلمات من كفار قومهم في دار التقية دون دار العلانية. وقال الصفرية: الشرك شركان، شرك هو طاعة الشيطان، وشرك هو عبادة الأوثان. والكفر كفران، كفر بإنكار النعمة، وكفر بإنكار الربوبية. والبراء براءتان، براءة من أهل الحدود (سنة)، وبراءة من أهل الجحود (فريضة). ويقولون بوجوب قتل كل من أمكن قتله من مؤمن عندهم أو كافر. وكانوا يؤلون الحق بالباطل، وإن كان صاحب كبيرة فيها حد فإنه لا يكفر، حتى يرفع إلى الإمام فإذا أقام عليه الحد حينئذ يكفر. وقالوا: من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه، بل اعتقد الكفر أو الدهرية، أو اليهودية أو النصرانية، فهو مسلم عند الله، مؤمن، ولا يضره إذا قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 0 والزوار 20) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |