تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لا يستوون عند الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 671 )           »          أثر العربية في نهضة الأمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 4879 )           »          الابتلاء ورفع الدرجات وتكفير السيئات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          نصائح وضوابط إصلاحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 53 - عددالزوار : 24209 )           »          بيان خطأ تفويض معاني آيات وأحاديث الصفات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 7 )           »          بيان القرآن وتبيينه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أهمية منصات التعلم الإلكترونية في التنمية المهنية للمعلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الستر في زمن الفضائح الرقمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من أخلاق التوكل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          إنَّا سنُرضيك في أُمتِك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-03-2025, 09:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



أثر القرآن في الحياة العربية (1-2)
الكاتب : مصطفى السباعي
(11)


من المُسلَّم به أن لكلّ أمة فضائلها وعيوبها، ولا نعرف أمّة كلها عيوب، أو أمة كلها فضائل، وكذلك كان شأن العرب قبل الإسلام، فماذا كان موقف القرآن والإسلام من هذه الفضائل والرذائل التي كانت عندهم، وكيف كان أثره عليهم؟ هذا ما نتعرف عليه في هذا المقال.

أثر القرآن في الحياة العربية[1]
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 3-4][2].

مما يذكره العلماء من حكمة فرض الصيام في شهر رمضان؛ أنه هو الشهر الذي ابتدأ فيه نزول القرآن على رسوله الكريم -صلى الله عليه وسـلم-، فبدأت فيه الرسالة التي غيرت تاريخ العرب وأوضاعهم حتى لكأنما خلقوا خلقًا جديدًا، وحولت مجرى الحضارات الإنسانية حتى لكأنما ولد الإنسان من بعدها ولادة جديدة،
فكان من تمام شكر الله على هذه النعمة أن يكون شهرها دائمًا وأبدًا شهر طُهر وبِرٍّ وعبادة؛ مما يجدد في نفس المسلم كلّ عام أهداف هذه الرسالة العظيمة،

ويذكّره بفضل القرآن العظيم عليه، وعلى قومه وعلى الناس أجمعين.
ولقد كان الرعيل الأول ممن شرفه الله بصحبة رسوله، وتبليغ رسالته، وحمل مشاعل النور لشعوب العالم المتردّية في الغفلة والجهالة والضلالة، يعرف من فضل الإسلام عليه وأثر القرآن في نقلته من الظلام إلى النور ما يجعله يستقبل رمضان في كلّ عام كما يستقبل أعز الذكريات لديه وأحبها إليه، فلما بعد العهد وانتقل
ذلك الجيل إلى جوار ربه أصبح أبناؤه وأحفاده الناشئون في أحضان الإسلام في أشدّ الحاجة إلى من يذكّرهم بجلال نعمة القرآن، وجميل صنع الله بالإنسان، في بعثة رسوله وإنزال كتابه، وهذا هو ما عناه عمر -رضي الله عنه- بقوله: «إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة؛ إذا نبت فيه من لا يعرف من أمر الجاهلية شيئًا»، ولم تصدق نبوءة الفاروق هذه في عصر كصدقها في عصرنا هذا.
ومنذ انتشرت الجيوش الإسلامية في أنحاء الأرض فأزالت دولًا وأقامت دولًا، وحطمت عروشًا باغية وزعامات طاغية، وأقامت حكومات تعنى بأمر الشعب وتهتم
بمصالحه؛ أخذ الحاقدون الموتورون يعتمدون تشويه تاريخنا بمختلف الأساليب، بالجهر تارة وبالسر أُخرى، حتى بات انحرافهم عن الحقّ واتباعهم للهوى أمرًا معروفًا يكادون يعترفون به هم أنفسهم، ومن ذلك حقيقة الوضع الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، فقد صوّروهم في أبشع صورة وأحطّ صورة وأحطّ درك، وجردوهم من كلّ فضيلة وخلق نبيل، وكانت لذلك ردّة فعل تجلّت بشكلٍ معتدل في الماضي؛ إذ ردّت كلّ الأكاذيب وأثبتت ما كان يتحلى به العرب من فضائل، وتجلّت ردّة الفعل في الحاضر بأشكال مختلفة لا نزال نذكر من بينها أمر تلك الجماعة التي قامت في مصر وادّعت من الفضائل للعرب قبل الإسلام ما لا يثبته التاريخ ولا يؤيّده الإسلام نفسه، حتى زعمت تلك الجماعة أنّ رذائل العرب في الجاهلية خير من فضائل غيرهم في الإسلام! والحق بعيد عن هؤلاء وأولئك كلّ البعد، واتباع حقائق العلم والتاريخ أجدر بالذين يحملون القلم ويقرؤون الكتاب.
من المسلَّم به أنّ لكلِّ أمة فضائلها وعيوبها، ولا نعرف أمة كلّها عيوب، أو أمة كلّها فضائل، وكذلك كان شأن العرب قبل الإسلام؛ فقد كانت لهم فضائل من

النجدة والشهامة والكرم والشجاعة والذكاء وتحمّل المشقات بصبر وجلد، إلى غير ذلك مما لا يستطيع إنكاره كلّ من قرأ الشعر العربي القديم -وهو ديوان العرب وسجل أعمالهم وخصالهم-، كما كانت لهم عيوب من الغزو والتفاخر فيما بينهم وعبادة الأوثان وشرب الخمور، وغير ذلك مما كانت لكلّ الأمم في عصورهم، فماذا كان موقف القرآن والإسلام من هذه الفضائل والرذائل؟
نريد أن نقول قبل كلِّ شيء: إنّ كلّ رسالة إنسانية لا بد لها من أمة جديرة بحمل أعباء الدعوة إليها، وبما يتفق مع طبيعة الأمة وأهداف الرسالة وظروف البيئة، ولقد كان العرب يومئذٍ أجدر الأمم المعاصرة لهم بشرف دعوة الإسلام وإبلاغ رسالته الإنسانية إلى الناس كافة، فأذهانهم صافية صفاء السماء التي يستظلونها،
بعيدة عن التخبط الفكري الذي كانت تعيش فيه أبناء فارس والروم، وأخلاقهم لم تنحلل كانحلال أبناء الحضارات في كلّ من فارس والروم، لقد جاءت رسالة الإسلام منطقية معقولة تخاطب العقل، وتنفذ إلى أعماق النفس بكلّ يسر وسهولة، فليس كالعقل العربي يومئذ عقل يتجاوب مع منطق الإسلام، وليس كالفطرة العربية حينئذ فطرة نقية بيضاء تقبل سهولة الإسلام ويسره وسموّه، وتتجاوب مع واقعيته ومثاليته، وليس كالعربي حينئذ في جَلَدِهِ وصبره وبأسه، أمة تبذل من

التضحيات في الأنفس والأموال ما تقتضيه الدعوة الجديدة ومكافحة أعداء أهدافها من رؤساء ومتسلطين، وبهذا كان العرب أجدر الأمم في عصر محمد -صلى الله عليه وسـلم- بحمل رسالة الإسلام، لا لأنهم قوم لا عيب فيهم، بل لأنّ خصائصهم الذهنية وأخلاقهم الاجتماعية تجعلهم جديرين بشرف التضحيات في سبيل الدعوة الجديدة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وليست جدارتهم بحمل أعباء الرسالة من الناحية التي أشرنا إليها تقتضي أن يكونوا أشرف الأمم قاطبة من الوجهة العرقية الجنسية، فقد يكون الإنسان أصلح من غيره لعملٍ معين، دون أن يكون أصلح من غيره في كلّ الوجوه، كما كان قواد الرسول -صلى الله عليه وسـلم- وولاته أجدر من غيرهم من الصحابة لكفاءتهم الشخصية وعبقريتهم العسكرية، وقد كان تحت إمرتهم من هو أزهد منهم أو أعبد أو أعلم، واعتبر في ذلك بأبي ذر-رضي الله عنه-، فقد شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- بأنه: «ما أظلت السماء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر»، ومع هذا فقد رفض -عليه الصلاة والسلام- أن يوليه الإمارة قائلًا له: إنك ضعيف، وإنك لا تصلح لها.
بعد هذه المقدمة التي لا بد منها نريد أن نبحث عن أثر القرآن في العرب وموقعه من فضائلهم وعيوبهم.
لقد ندد القرآن بكلّ ما لا يليق أن يتخلق به الإنسان العاقل الكريم الرحيم ذو الخلق المستقيم؛ فندّد بعبادة الأوثان، ووأد البنات، والعدوان على الأموال والأعراض
والحرمات، وشرب المسكرات، وإتيان الفواحش، والتعصب بالباطل للقرابة والقبيلة، وأكل الخبائث، وقطع الأرحام، وغير ذلك مما كانت ولا تزال تغصّ به المجتمعات الجاهلية المتفككة.
وأما الفضائل فقد ثبتها الإسلام وأكّد عليها، ولكنه حوّلها من أهدافها الجاهلية إلى أهداف إنسانية اجتماعية نبيلة، فالكرم فضيلة لكنه كان يقصد منه التفاخر والسمعة والثناء، وكان الرجل منهم يفعله بدافع فردي من غير أن تلاحظ فيه مصلحة الجماعة عامة، فحوّله الإسلام إلى أن يفعل لوجه الله ورضوانه، وثناء الله
وإحسانه، فعلى الكريم أن يبتعد كلّ البعد عن التفاخر بكرمه والتغني به والمنّ به على قومه، فإذا كان لشيء من هذا فَقَدَ أجره وثوابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: 264].
وقل مثل ذلك في الشجاعة، فهي من أنبل ما يتحلى به الإنسان من خلق كريم، ولكنها لا يصح أن تكون للمباهاة والمفاخرة، ولا يصح أن يتغنى بها الشجاع، ويتيه بها على المنهزمين من أبناء عمومته، أو أن تكون وسيلة للعدوان على الضعفاء، بل يجب أن تكون دفاعًا عن الحقّ، وذودًا عن الحرمات، وحماية
للمستضعفين، وتأديبًا للطغاة والظالمين {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39]، {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسـلم- عن الرجل يقاتل حميّة، ويقاتل شجاعة، ويقاتل مباهاة؛ أي ذلك في سبيل الله؟ فأجاب: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله». وكلمة الله أي شريعته؛ من إحقاق الحقّ، ومحاربة الباطل، ونصرة الضعيف، وهداية الضالّ، وإغاثة المحتاج، فكلّ ذلك من شريعة الله وكلمته، فمن قاتل للمبادئ الإنسانية النبيلة فهو المجاهد في سبيل الله حقًّا.
ولقد كان من أثر القرآن أن تحقق في المجتمع العربي بعد أن لم يكن:

  • تأمين العدالة الاجتماعية لجميع الناس.
إكرام المرأة وضمان حقوقها، ومنع العدوان عليها.
  • إزالة الفوارق بين أبناء المجتمع، فلا طبقيّة ولا إذلال من فئة لفئة.
  • سيادة الحقّ لا القوة، والعقل لا الخرافة، والبرّ لا العدوان.
ومن أهم آثار القرآن في المجتمع العربي أنه وضع للإنسان مثلًا عليا هي محض الخير والكرامة له ولقومه ومجتمعه، وإنّا لنتلمس المثل الأعلى في الحياة الجاهلية في قول

طرفة بن العبد في معلقته:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى وَجَدِّكِ لم أَحْفل متى قام عُوَّدي[3]
فَمِنهُنَّ سبقي العَاذِلاتِ بِشَربةٍ كُمَيتٍ متى ما تُعلَ بالماء تُزْبِدِ[4]

وكرّي إذا نَادى المضــــــــاف مُحنبًا كَسيد الغَضَا -نبهته- المتوردِ[5]
وتقصيرُ يومِ الدجنِ والدَّجنُ معجِبٌ ببهكنــةٍ تحتَ الخبــاءِ المعمــدِ[6]

فهو هنا يعلن بأنّ هدفه من الحياة ثلاثة: الخمرة، والمرأة، وإغاثته للملهوف، ولولاها لما بالى متى مات، والهدفان الأوّلان من مفاسد الحياة الاجتماعية، والهدف الثالث وهو إغاثته للملهوف من فضائل الأخلاق، ولكنه يفعل ذلك ليتحدث عنه أبناء قبيلته بهذه المكْرمة كما هو المعروف في أجواد العرب وشجعانهم وشعرائهم في الجاهلية.
فانظر كيف حول القرآن المثل الأعلى للعربي في الحياة:

يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فعبادة الله هي هدف الإنسان المؤمن، وليست العبادة مجرد الصلاة والصوم كما يظنه كثير من الناس، بل هو في الخضوع لله وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه في كلّ شئون الحياة، مما علم الله أن الحياة الكريمة للإنسان لا تستقيم بدونها، وقد ذكر القرآن
أمثلة للعبادة التي أراد الله من الناس أن يتصفوا بها فقال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 63-76].
هنا في هذه الآيات يتجلى التبدّل العظيم الذي طرأ على المثل العليا التي يحيا لأجلها الإنسان العربي قبل الإسلام وبعده، ومن ههنا نعرف السرّ العظيم في تطور
التاريخ العربي بعد الإسلام تطورًا معجزًا لا يعرف تاريخ التطور للأمم والشعوب له مثيلًا.
==========================



[1]مجلة حضارة الإسلام، م:8، 1383هـ -1964م، العدد التاسع، ص: 947-953.
[2]تمَّ تخريج الآيات القرآنية داخل المقال من جانبنا (موقع تفسير).
[3] يقول: لولا ثلاث خلال -وهي التي ذكرها في البيتين التاليين- لم أبالِ متى متّ.

[4] يريد: أغدو على شرب الخمر قبل لوم العاذلات، والكميت الحمراء، ومعنى تعل بالماء تزبد: متى أضيف الماء إليها أصبح لها زبد.
[5]يقصد: ركوبه فرسًا شديد العدو لإسعاف من يناديني من المثقلين بالهموم، والمحنب: فرس أقنى الذراع، والسيد: الذئب، قالوا: وذئب الغضا أخبث الذئاب؛ لأنه يستخفي، ونبهته: هيجته، والمتورد: الذي يطلب
ورود الماء، يشبه فرسه في شدة عدوها بذئب الفضاحين تهيجه وهو يرد الماء.
[6] يريد: وتقصير يوم الغيم باللهو مع امرأة تامّة الخلق تحت الخباء المرفوع بالعمد.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-03-2025, 10:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



تأملات في سورة الشرح - تغريدات
د. محمد الربيعة
(15)



ما مقصد السورة؟
هذه السورة فيها عظيم الامتنان من الله على النبيﷺ تسلية له وتخفيفا من العسر الذي يلاقيه في طريق دعوته

ما مناسبتها لسورة الضحى؟ والفرق بينهما
– الشرح تكميل للضحى‬

‪- الضحى في النعم الحسية والشرح في النعم المعنوية‬
ما سبب نزولها؟

جاء في لباب النقول قال: نزلت لما عَيّر المشركون المسلمين بالفقر‪...‬
ماذا يفيد الافتتاح بالاستفهام ( ألم)‪ ‬؟ ‪ ‬

الاستفام للتقرير وهو يفيد مزيد تنبيه وتقرير بالنعم. هداية: ( استحضر نعم الله عليك)

دلالة: سر التعبير بـ { نشرح } دون أشرح

تعظيماً للنعمة وتفخيما لها.
هداية : منة الله عليك عظيمة فاستحضر عظمتها

دلالة: بماذا انشرح صدر النبيﷺ؟
-بنور الرسالة وهو أظهر‬
‪-‬
بشق صدره وغسله
هداية : أعظم مايشرح الصدر نور الوحي (أفمن شرح الله صدره)

دلالة : ما الوزر الذي وضعه الله عن نبيه؟

ثقل الوحي

والشدائد التي يواجهها
هداية : عظيم عناية الله بما يحمل رسالته

دلالة: التعبير بالوزر دون الحرج
يفيد خوفه من التقصير في رسالة ربه فيتحمل وزراً. هداية: إذا بذلت نصحك وجهدك لا تؤخذ بالقصور

دلالة : المراد بقوله {الذي أنقض ظهرك

‬}‪ ‬أي كناية عن عظم حمله في نفسه وحرصه.

هداية : ما مقدار هم الدين في نفسك ؟
ما صور شرح صدره ﷺ؟

منها ما هو ظاهر كما في القرآن والسنة ومنها ما هو سر بينه بين ربه. هداية: استحضر ما خصك به ربك ينشرح صدرك
ما صور رفع ذكره ؟
  1. في الشهادتين
  2. في الأذان
  3. ‪- في المقام المحمود

  4. في الشفاعة
  5. ذكره الحسن على الألسن
  6. في الصلاة عليه‬
السورة فيها منة الله وفضله على من يحمل رسالته بـ
  • - شرح صدورهم ‬
  • ‪- تخفيف عبء الدعوة عليهم ‬

  • ‪- حسن ذكرهم وسيرتهم في الناس
دلالة: ما سر قوله ورفعنا دون ونشرنا؟
يفيد أنه أرفع الخلق ذكرا، ولذلك قرن الله اسمه باسمه.

هداية : ما أعظم مقام نبيناﷺعند الله
{‪ ‬فإن مع العسر يسرا}

سنة ربانية ثابتة يؤكدها ويفسرها قوله {‪ ‬سيجعل الله بعد عسر يسرا}
دلالة: سر تعريف العسر في الموضعين دون اليسر

للتأكيد كما قال النبيﷺ( أبشروا فلن بغلب عسر يسرين).

‪ ‬هداية : أبشر باليسر من ربك

دلالة: سر تنكير {يسرا}‪
‬للتعظيم : أي مع العسر العارض يسر عظيم.

هداية: انتظر من ربك بصبرك مع العسر يسرا عظيما وفتحا مبينا
دلالة: فائدة الفاء قي قوله {فإن مع العسر}

أي إذا علمت ذلك فاعلم أن مع العسر يسرا.
هداية : حين يأتيك عسر فأيقن باليسر يأتيك.


أعظم أسباب انشراح الصدر
الإخلاص وتوجه القلب إلى الله وحده .ولذلك ختم سورة الشرح بقوله
{ وإلى ربك فارغب}




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-03-2025, 09:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



مقاصد التشريع في آيات الصيام
بين جمال المبنى وجمال المعنى
الكاتب : عبد الحميد هنداوي
(16)




تعدّدت مقاصد التشريع التي اشتملت عليها الآيات الكريمة التي قرّرت صيام رمضان، وهذا المقال يحاول الكشف عن بعض هذه المقاصد، كما يسلِّط الضوء على بيان ارتباط المقاصد بأحكام الصوم، وما فيها من جمال في الألفاظ وسموّ في المعاني.
الصيام هو البيئة المناسبة لحياة الأرواح المؤمنة؛ حيث تصفو النفوس، وتخلص من علائق البدن ونوازعه ونوازغه؛ لا سيما في شهر رمضان، حيث تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتصفَّد
الشياطين.
ويمثّل الصوم عبادة رئيسة للمسلمين يشتركون فيها جميعًا في شهر رمضان؛ ولمّا كان لهذه العبادة أهميتها إذ تمثل ركنًا في الإسلام، فقد اهتم القرآن بتشريعها وقرّر فرضيّتها في جملة آيات كريمات.
وإنّ الناظر في القرآن يلحظ تعدُّدَ أوجه الجمال اللفظي والمعنوي في آيات التشريع ليقترن جمال المبنى بجمال المعنى؛ فمع حلاوة اللفظ وعذوبته، ودقّة اختياره، وجمال التصوير فيه، ولطفه ورقّـته، مع
روعة النظم، وفخامة التركيب وجزالته، وسلاسة الأساليب، ووجازة اللفظ مع كثرة المعنى؛ مع ذلك كلّه تجد -في هذه الآيات- روعة المعاني، وتنوع الحِكَم والمقاصد؛ ما بين مقصد التخفيف والتيسير، ومقصد الترفيه والتنعيم، ومقصد العفو والتكريم، إلى مقصد البيان والتبيين؛ ومدارها جميعًا على رحمة العباد والتخفيف عنهم والتوبة عليهم والعفو عنهم.
مقاصدُ عديدة، ومعانٍ لطيفة؛ يزداد بها جمال اللفظ مع جمال المعنى؛ فالقرآن واعظ حسن السمت، جميل الهيئة، خفيف الروح، عذب الحديث، قوله الجدُّ، وكلامه الفصل، ليس بالهذر ولا بالهزل،
ولا برذيل ولا فاحش من القول.
وفي ضوء تلبّسنا بالصيام في هذه الإيام فإننا سنحاول في هذا المقال بيان بعض مقاصد التشريع التي اشتملت عليها الآيات الكريمة التي قرّرت صيام رمضان، ونبيّن ارتباطها بأحكام الصوم وما فيها من جمال في الألفاظ وسموّ في المعاني والمقاصد في التيسير على العباد وفرط رحمة الله بهم، وهو ما يُعِين على حسن أدائنا لعبادة الصيام واستشعارنا لفضل الله فيها.

المقصد الأول: تقوى الله واجتناب محارمه:

لعلّ هذا هو المقصد الأعظم الذي يبدو واضحًا من مطلع هذه الآيات الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: 183].
فتقوى الله تعالى -وهي العمل بطاعته واجتناب معصيته- هي حكمة الصوم ومقصده الأعظم؛ فمَن صلى وصام ولم يلتزم بشرع الله تعالى في حلاله وحرامه دلّ ذلك على أنه لم يفقه حكمة الله
تعالى من فرض الصلاة والصوم؛ فالصوم تدريب عملي للنفس على تقوى الله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، كما أن حكمة الصلاة كذلك تأديب النفس بزجرها عن الفحشاء والمنكر؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[العنكبوت: 45]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّور والعملَ به، فليس لله حاجةٌ في أنْ يدَعَ طعامَه وشرابَه»[1].
فعلى المسلم أن يتقي الله في صومه، وأن يخلِّصه من شوائب اللغو والرفث والغِيبة والنميمة والكذب والنظر إلى الحرام وأكل الرشوة والحرام بكلّ صوره؛ حتى يقبل الله منه صيامه ويجزيه عنه أحسن الجزاء، فالصوم من جنس الصبر، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10].
المقصد الثاني: مقصد التخفيف والتيسير:

لا تنفكّ أحكام تلك الشريعة السمحة الغرّاء عن رحمة وتيسير وتخفيف ولطف بالمؤمنين فيما شرع الله لهم؛ حتى فيما يتصوّر أن مبناه على الشدّة وتربية النفوس بالتكاليف الشاقّة.
وتلك الرحمة وذلك التخفيف مطّرد في عموم أحكام الشريعة من أشقّها إلى أخفّها؛ فالجهاد رفع الحرج فيه عن ذوي الأعذار؛ قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[الفتح: 17].

والحجّ جاء التخفيف والتيسير فيه في مواضع عديدة، لسنا بسبيل حصرها، ولكن نذكر منها قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ

الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}[البقرة: 196].
والزكاة مبناها على التراحم والتخفيف عن الفقراء؛ إذ «تؤخَذ من أغنيائهم وتُـرَدُّ على فقرائهم»[2]، والصلاة باب التيسير فيها واسع ومنه في كتاب الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 238، 239]. وفي الحديث: «صَلِّ قائمًا، فإِنْ لم تستطع فقاعدًا، فإِنْ لم تستطع فعلَى جنبٍ»[3].

وأما الصوم موضوع المقالة فالتخفيف والتيسير فيه ظاهر كذلك في مواضع عديدة؛ منه إباحة الفطر مع القضاء للمريض والمسافر، وإباحته مع الفدية بغير قضاء لأصحاب الأمراض المزمنة والعَجَزة الذين لا يطيقونه ونحوهم؛ قال تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة: 184].
وتظهر جماليات الرحمة في خطابه في كلّ ألفاظه ومعانيه؛ حتى إنه سبحانه ليخفّف الأمر على نفوسهم، ويهوِّنه عليهم؛ بالتعبير بجمع القلّة في قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، وكأنه يقول لهم: إنها
أيام قليلة سرعان ما تنقضي، وتمر سريعًا، فلا تضيعوا أجوركم فيها.

ومن رحمة الله تعالى بعباده أَنْ كرّر ما أنزل في إباحة الفطر مع القضاء تأكيدًا للحُكم، ورفعًا للحرَج عن عباده، ثم ذيّل ذلك التأكيد ببيان ذلك المقصد المطرد في أحكامه سبحانه وهو التيسير على العباد؛ قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: 185].
وكان يكفي في بيان مقصد التيسير أن ينصّ سبحانه على إرادة اليُسْر وحده، ولكنه أتى بهذه المقابلة ليؤكد أنه لا يريد بهم أدنى مشقة؛ لأنه لو اقتصر على إرادة اليُسْر وحده فقد يتوهَّم متوهِّم أنه يريد بنا اليُسْر وقد يريد بنا العُسْر كذلك؛ فنفى سبحانه ذلك التوهُّم؛ لأنه لا يريد بهم العُسْر وإن كان واقعًا بمشيئته لحِكَم عظيمة؛ فهو سبحانه لا يريده ولا يحبّه لعباده.
ويتّصل مقصد التخفيف والتيسير كذلك في رحمته بهم واستجابته لدعائهم ببيان قُربه منهم، وإجابته دعاءهم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: 186].

ونرى هنا بلاغة الحذف في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ}؛ فإن هذا هو السؤال القرآني الوحيد الذي لم يُتْبِعه الله تعالى بلفظ (قُل) كما في جميع الأسئلة القرآنية؛ مثل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[البقرة: 222]. وقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}[البقرة: 189]. وغيرها كثير، والنكتة في الحذف هنا؛ حيث لم يقُل: (فقل إني قريب) أنه سبحانه أراد ألّا يجعل واسطة بينه وبين عباده في دعائه؛ فبلَّغهم بنفسه قربه منهم؛ وحذف ذكر الواسطة -على شرفه ومكانته عنده سبحانه- ليبين للعباد أَنْ لا واسطة بينه
وبين عباده، وأنه قريب سميع مجيب.
فعلى العبد أن يعلم أن الله قريب منه، سميع لدعائه، فيخلص الدعاء له، ويسأله حاجته كلها، ولا يلجأ إلى أحد سواه.
المقصد الثالث: مقصد إرادته سبحانه التوبة على عباده والعفو عنهم:

من المقاصد والمعاني السامية في الآيات مقصد إرادته سبحانه التوبة على عباده والعفو عنهم، وهو مقصدٌ سارٍ في جميع فروع التشريع، ومتفرّع على مقصد التخفيف والتيسير؛ قال تعالى: {يُرِيدُ

اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: 26-28]. فربَط الله سبحانه وتعالى بين إرادته التوبة على عباده وإرادته التخفيف عنهم.
وفي أحكام الصيام كذلك نرى التوبة على العباد والعفو عنهم بإحلال المعاشرة بين الأزواج في ليل الصيام -بعد أن كانت محرّمة عليهم في بادئ الأمر- تأتي من رحم التخفيف والتيسير توبةً على العباد وعفوًا عنهم ورحمةً بهم؛ قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ}[البقرة: 187].

قال البغوي: «علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم، أي: تخونونها وتظلمونها بالمجامعة بعد العشاء، قال البراء: لما نزل صوم رمضان، كانوا لا يقربون النساء في رمضان كلّه، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}: تجاوَز عنكم، {وَعَفَا عَنْكُمْ}: محَا ذنوبَكم، {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}: جامعوهنَّ حلالًا»[4].
وقد ذكر الطبري نحوًا من ذلك وأتبعه بذكر الآثار التي تبيّن كيف أن الأمر كان قد شقّ على بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان منهم من تخونه نفسه فيقع في أمر الجماع بالليل،
وهو محرّم عليهم آنذاك.
وهذا يبين لنا مدى رحمته سبحانه وتخفيفه على العباد بمقصد إرادته التوبة عليهم وإعانتهم على حسن الامتثال والتطبيق.

فعلينا أن نقابل ذلك بشكره سبحانه على نعمته، وذلك بطاعته واجتناب معصيته، فالشكر إنما يكون بالقلب وباللسان.
المقصد الرابع: مقصد الستر والعفاف:
يظهر ذلك المقصد في مواضع لا تُحصى في القرآن الكريم، ولكنه يظهر بالأخصّ في مواضع الحديث عن إتيان النساء، وهو أمر يُستحيا من الخوض فيه بطبيعة الحال؛ لكن القرآن الكريم يعلمنا أدب الحديث حينما يحتاج المرء إلى التعبير عن ذلك الأمر الذي قد تدعو الحاجة إلى الحديث عنه؛ فلا تجد ثمة إسفافًا ولا خدشًا للمشاعر، ولا إثارة للغرائز على نحو ما ترى عند أصحاب الأدب
المكشوف بدافع الواقعية -زعموا- وليس ثمة واقعية ولا صدق كواقعية القرآن في تلك الأمور وغيرها مع العفة التامة وكمال الأدب، والدليل على ذلك أن الكبير والصغير والمرأة الكبيرة والفتاة الصغيرة: الكلّ يقرأ: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف: 24]. فلا يجد في نفسه امتعاضًا ولا يشعر بالحرج ولا الخجل أن يقرأها على الملأ بلا حياء أو انكسار؛ بل لا يشعر معها إلّا بالخشوع والوقار، مع تمام التعبير عن الحدث بتمامه بلا نقصان.
وفي تلك الآيات يجتمع الجمال اللفظي مع الجمال المعنوي بعدد من الوجوه البلاغية؛ يلوح لنا منها وجهان لا يمكن تجاهلهما:
1. بلاغة التضمين في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}[البقرة: 187].
2. بلاغة الاستعارة في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة: 187].

- أمّا بلاغة التضمين في الآية فلا تسل عمّا فيها من السموّ والرقي بالإنسان عن عالم البهيمية والحيوانية؛ حيث ضمَّن الحقّ سبحانه وتعالى لفظ الرفث -بما له من معانٍ حيوانية وبهيمية صِرفة- معنى الإفضاء إلى الأزواج بالمشاعر وحلو الكلام والسَّمَر والتودد والتحابّ الذي يكون بين الأزواج بين يدي تلك الحاجة.

وذلك أن أصل الكلام أن يقال: (أحل لكم الرفث بنسائكم)؛ فإذا تعدّى الرفث بالباء لم يحتمل غير المعنى الحيواني المعروف للرفث؛ لكنه حيث عدّاه الله تعالى بـ(إلى) ضمَّنه معنى كلمة أخرى تتعدى بهذا الحرف إلى مثل: (الإفضاء إلى نسائكم)، وبنحوها جاءت الكناية اللطيفة السامية في التعبير عن هذا الأمر برقـيِّه الإنساني الذي كرّم الله به الإنسان في قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}[النساء: 21].
ولذا قال الراغب: «الكناية أبلغ وأقرب إلى التصريح من قولهم: خلا بها. قال تعالى: {وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ}»[5].

قال ابن جرير في تأويلها: «وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع»[6].
فالكناية هنا وكذلك في آية البقرة قد دلّت على المعنى الصريح بلفظ لطيف لا يخدش المشاعر؛ بل إنّ لفظ (أفضى) قد زاد في الدلالة على أصل معناه (خلا).
وبتضمين الرفث معنى الإفضاء ضُمِّن مع معناه الأصلي معنى آخر يرتقي به إلى الكمال الإنساني الذي جاء به الدستور السماوي الذي أراد للإنسان أن يرتقي في أفعاله، ويسمو بمشاعره التي تميَّـز
بها عن الحيوان؛ لأنه وإن اشترك معه في صورة الفعل؛ فإنه يختلف عنه في معانيه ومقاصده.
- وأما بلاغة الاستعارة في قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة: 187]، «قال العز بن عبد السلام: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} بمنزلة اللباس لإفضاء كلّ واحد منهما ببشرته إلى صاحبه، أو لاستتار أحدهما بالآخر، أو سكن. {اللَّيْلَ لِبَاسًا}[النبأ: 10] سكنًا»[7].

وقال الراغب: «جعل اللباس كناية عن الزوج، لكونه سترًا لنفسه ولزوجه أن يظهر منهما سوء، كما أنّ اللباس يمنع أن تبدو السوءة، وعلى ذلك جعلت المرأة إزارًا، وسمي النكاح حصنًا، لكونه حصينًا لذويه عن تعاطي القبيح»[8].

ولذلك قال الطبري: «لذلك وجهان من المعاني: أحدهما: أن يكون كلّ واحد منهما جُعل لصاحبه لباسًا، لتجرُّدهما عند النوم، واجتماعهما في ثوب واحد، وانضمام جسد كلّ واحد منهما لصاحبه، بمنزلة ما يلبسه على جَسده من ثيابه، فقيل لكلّ واحد منهما: هو {لِبَاس] لصاحبه.. والوجه الآخر: أن يكون جَعل كلَّ واحد منهما لصاحبه {لِبَاسًا}؛ لأنه سَكنٌ له، كما قال -جل ثناؤه-: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا}[الفرقان: 47]، يعني بذلك سكنًا تسكنون فيه. وكذلك زوجة الرجل سَكنه يسكن إليها، كما قال تعالى ذكره: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[الأعراف: 189]؛ فجائز أن يكونَ قيل: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}، بمعنى: أنّ كلّ واحد منكم ستر لصاحبه -فيما يكون بينكم من الجماع- عن أبصار سائر الناس»[9].
قلتُ: وإذا كان المعنى في تلك الاستعارة الجميلة ما ذكر المفسرون؛ فإن الآية تَرقى بعد ذلك سموًّا لا يُدرك ولا يرقى إليه مفسِّر؛ إذ إنها قد أوحت بتلك المعاني جميعها، وفي الوقت نفسه لا يُشْتَمُّ منها رائحة عري ولا تجرد، ولا إغراء أو إثارة وتهييج للغرائز؛ لأنه يسمو بالنفوس فوق تلك المعاني كلّها إلى معاني الستر والعفاف والتلاحم والحميمية.
فيا ليتنا نتعلم أدب القرآن في مسالك التعبير عن تلك الحوائج بلا إسفاف ولا تَدَنٍّ أو إثارة، ونروض أنفسنا على ذلك.

ورفعًا للحرج عن النفوس يؤكّد الله تعالى هذا الحكم -وهو إباحة المعاشرة للأزواج في ليل الصيام- بكنايتين أخريين في قوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[البقرة: 187]، ففيها كنايتان عن الوقاع:

الأولى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ}. وهذه -على رقّتها ولطفها- لا تَقِلّ في بيان المعنى عن الاستعارة السابقة: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}،فالمباشرة مماسّة البشرة البشرة فهي واضحة الدلالة على المراد مع عفة اللفظ وسمو المعنى، وما يوحي به من مقدمات الوقاع من الملامسة والتقبيل ونحو ذلك.
قال الطبري: «فأما (المباشرة) في كلام العرب، فإنه مُلاقاة بَشَرة ببَشرة، و(بشرة) الرجل: جلدته الظاهرة.
وإنما كنّى الله بقوله: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} عن الجماع. يقول: فالآن إذ أحللتُ لكم الرفثَ إلى نسائكم، فجامعوهنّ في ليالي شهر رمضان حتى يطلع الفجر، وهو تبيُّنُ الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر»[10].
والثانية: قوله تعالى: {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}، فقد ذكر المفسرون على أن المراد بابتغاء ما كتب الله تعالى هو طلب الولد، وليس له طريق إلّا الجماع، فدلَّ عليه بطريق الكناية واللزوم.
وهو أحد الأقوال الحسنة لأهل العلم في تفسيرها؛ قال ابن الجوزي: «قال بعض أهل العلم: لما كانت المباشرة قد تقع على ما دون الجماع، أباحهم الجماع الذي يكون من مثله الولد، فقال:
{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يريد: الولد»[11].
فانظر كيف عبّر عن المعنى الواحد بأربع صور مختلفة تنوّع فيها التعبير بين التضمين والاستعارة والكناية رفعًا للحرج عن نفوسهم؛ لأنهم سيقدمون بعد نزول الآيات على ما كان محرمًا عليهم من قبل؛ فربما تحرَّج بعضهم مِن فعله، فرفع الله عنهم ذلك التحرّج بتكرير المعنى ذلك التكرير الذي أراد به توكيد المعنى وتقريره.

المقصد الخامس: مقصد الامتنان على العباد بتنعيمهم وترفيههم بالطيبات لعلهم يشكرون:

وهذا المقصد كذلك متفرّع على مقصد التيسير والتخفيف؛ لكنه قد زاد في إكرامه سبحانه لعباده إلى حدّ التنعيم والترفيه، وأدلة ذلك لا تنحصر؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: 70]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: 29]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: 21]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}[النحل: 72].
والآيات في ذلك كثيرة، والمقصد منها جميعًا الامتنان على العباد بكثرة النعم لعلهم يشكرون.
وفي الآيات التي نحن بصددها يمتنُّ الله على عباده ويُنَعِّمهم بما أحَلَّ لهم من نعمة الإفضاء إلى أزواجهم والسكن إليهم واستمتاع كلّ من الزوجين بالآخر -في ليل الصيام- وائتناسه به؛ فضلًا عن
إباحة الاستمتاع بالطيبات من الطعام والشراب، وبيّن أن ذلك كلّه منبثق من مقصد العفو والصفح والتيسير؛ قال تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: 187].
فالأوامر هنا: {بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}؛ أساليب إنشائية المقصد منها الإباحة والامتنان على العباد.

ونلاحظ أن الله تعالى قد امتنَّ على هذه الأمة بوجوه من الطيبات أحلَّها لهم؛ حتى صارت المحرمات محصورة معدودة، وصار الأصل هو الحِلّ، وهذه الطيبات حرمها الله على الأمم السابقة؛ ففي باب الأطعمة أحلَّ لنا ما حرّم على الذين هادوا من قبل؛ قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا

أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}[الأنعام: 145، 146].
وفي باب النكاح والمعاشرة؛ أحلّ الله لنا كلّ وجوه الاستمتاع بالنساء إلّا في الموضع المحرَّم والزمان المحرَّم (الدُّبُر والحيضة)؛ قال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة: 223].
عن الربيع قوله: «{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يقول: مِن أين شئتم.. ذُكِر لنا -والله أعلم- أن اليهود قالوا: إنّ العرب يأتون النساء من قِبَل أعجازهن، فإذا فعلوا ذلك، جاء الولد أحْوَل، فأكْذَبَ
الله أُحدوثتهم فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}»[12].
وكلّ هذا يقتضي الشكر لله تعالى بالقلب وباللسان وبالصيام والقيام وكثرة الذِّكر ووجوه العبادة المختلفة، ومراعاة ذلك في شهر الصيام خاصّة بعدم إظهار الضجر من التكليف وأهمية استحضار مقام العبودية لله تعالى، وأنّ ما خفّفه علينا فقد خفّفه مِنّة منه، وفضلٌ يستحقّ الشكر.

وتأتي الكناية الرائعة: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: 187]متناسقة مع مقصد التيسير والتخفيف والامتنان؛ فهي تبيح لهم الطعام والشراب من غروب الشمس إلى ظهور الفجر الصادق وتبيُّنهم إيّاه؛ فلا عِبرة في ذلك بالشكّ؛ بل العبرة باليقين؛ ولذا ورَد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في ذلك قوله: «كُلْ ما شَكَكْتَ حتى لا تَشُكّ»[13].
وقد فهم بعض الصحابة أنّ الآية على حقيقتها؛ لأنها في سياق الامتنان بالأكل والشرب إلى تلك الغاية المذكورة، وهي تبيُّن الخيط الأبيض من الأسود؛ غير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد
بيَّن لهم أنها ليست على حقيقتها؛ بل يراد بها الكناية عن سواد الليل وبياض النهار؛ فعن عَدِيّ بن حاتم قال: «قلتُ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أَهُما خَيطان: أبيض وأسود؟ فقال: «إِنّك لَعَرِيض القَفَا إِنْ أبصَرْتَ الخَيْطَين»، ثم قال: «لا، ولكنه سواد الليل وبياض النهار»[14].

ومن بلاغة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى وكأنَّ عَدِيًّا قد استغرب حمل الآية على الكناية؛ فأجابه بكناية يوقظه بها بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِنك لَعَرِيض القَفَا»، فهي كناية كذلك عن سوء الفهم.
المقصد السادس: البيان والتبيين لأحكام الدين:
من رحمة الله تعالى وإرادته التخفيف والتيسير على عباده أن بيَّن لهم أحكام الدين، ولم يدَعْ أحكامه التي يتوقف عليها نجاتهم ملتبسة عليهم؛ قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[البقرة: 187].
وهذا مقصد مستقلّ، وهو بيانه سبحانه لأحكام دينه فلا يكون ملتبسًا على عباده؛ بل يكون ميسرًا لهم العملُ به، وإن كان هذا تابعًا في الحقيقة لمقصد إرادة الله التوبة على عباده؛ حيث حضّ الناس هنا على عدم مجرد الاقتراب من حدود الله وتحذيرهم من ذلك، حتى يعينهم على حسن الابتعاد عن المنهيات.

ومع جمال هذا المعنى ووضوح هذا المقصد يأتي جمال المبنى، ودقّة اللفظ، وروعة الأسلوب ليزداد الكلام جمالًا على جماله؛ قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}، نرى بلاغة اللفظ القرآني ودقّـته هنا؛ حيث جاء التعبير بلفظ: {فَلَا تَقْرَبُوهَا}؛ حيث كانت حدود الله هنا من المناهي التي حرّمها الله تعالى؛ خلافًا لِما جاء في قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}[البقرة: 229]؛ وذلك حيث كانت حدود الله هنا وقوفًا عند ما أحَلَّ سبحانه لعباده.

الخاتمة:
نتبيَّن من خلال تأمُّل آيات الصيام أنّ ديننا دين رحمة ويُسْر، وأن مِن أعظم مقاصد الشارع الحكيم التيسير على عباده، والتخفيف عليهم، وإرادة التوبة عليهم والعفو عنهم؛ ولذا بيَّن لهم أحكام دينهم، وذكَّرهم بطاعته ونهاهم عن مخالفته ومعصيته.

فيجدر بنا في هذا الشهر الكريم أن نعمل على تحقيق مقاصد الشرع الكريم من الصيام، وجماعها وأعظمها على الإطلاق تقوى الله تعالى؛ فهي الحكمة من الصوم والمقصد الأعظم منه.
فعلى المسلم أن يعمل في هذا الشهر الكريم على تخليص صيامه من كلّ شائبة؛ بأن يحقّق مقصده الأعظم بتقوى الله في كلّ أعماله؛ فيكون رقيبًا على قلبه ولسانه وجوارحه فلا يعمل -عمومًا، ولا في هذا الشهر خاصّة- إلّا بما يُرضِي الله تعالى.

ولعلّ هذا يكون من أعظم الصور التي يحقّق بها شكر الله تعالى على نعمة تيسير الصوم، وتخفيف العبادة وتيسيرها، وإباحة الطيبات في هذا الشهر الكريم.

[1] صحيح البخاري، كتاب الصوم: باب مَن لم يدع قول الزُّور، والعمل به في الصوم، (3/ 26)، ح/ 1903.
[2] جزء من حديث في صحيح البخاري، كتاب الزكاة: باب وجوب الزكاة، (2/ 104)، ح/ 1395.

[3] صحيح البخاري، كتاب الصلاة: باب إذا لم يُطِق قاعدًا صلَّى على جنب، (2/ 48)، ح/ 1117.
[4] تفسير البغوي، طبعة: إحياء التراث، (1/ 229).
[5] المفردات في غريب القرآن، (ص639).

[6] تفسير الطبري، جامع البيان، تحقيق: محمود شاكر، (8/ 126).
[7] تفسير العز بن عبد السلام، تحقيق: د/ عبد الله الوهبي، ط: دار ابن حزم، (1/ 192).
[8] تفسير الراغب الأصفهاني (1/ 398).

[9] تفسير الطبري، جامع البيان، (3/ 492).
[10] تفسير الطبري، جامع البيان، (3/ 504).

[11] زاد المسير في علم التفسير، لابن الجوزي، ط: دار الكتاب العربي- بيروت، (1/ 149).
[12] تفسير الطبري، جامع البيان، (4/ 402).

[13] جاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر، ط: دار المعرفة- بيروت، (4/ 135): «وقد روَى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: أحلَّ اللهُ لك الأكل والشرب ما شككْتَ. ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه، ورَوى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى قال: سأل رجلٌ ابنَ عباس عن السحور، فقال له رجل من جلسائه: كُلْ حتى لا تشُكّ، فقال ابن عباس: إنّ هذا لا
يقول شيئًا، كُلْ ما شككْتَ حتى لا تشُكّ. قال ابن المنذر: وإلى هذا القول صار أكثر العلماء».
[14] تفسير الطبري، جامع البيان، (3/ 513).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 20-03-2025, 10:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



فوائد من كتاب ( مجالس القرآن ) الجزء الأول.
للدكتور فريد الأنصاري
(20)



جلساء الملائكة:
الحديث المشهور، الذي رواه أبو هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي فيه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه!)
ضوابط المجالس القرآنية:
الضابط الأول: لابد من تجريد القصد لله!
واعلم أن القرآن الكريم لا يفتح بصائره إلا للمقبلين عليه بإخلاص!
الضابط الثاني: تَحَيُّنُ أوقاتِ الانشراح النفسي للقرآن، والإقبال الوجداني على الذِّكْر، ومَظَانِّ اليقظة الإيمانية.

وقد أشار القرآن الكريم إلى نماذج من أحسن أوقات الذكر، وهي أوقات الغُدُوِّ والآصَال. فالغَدُوُّ أو الغَدَاةُ: هي ساعات أول النهار، من الفجر إلى أوائل وقت الضحى. وأما الآصال فمفرده: أصيل، وهو وقت ما بين العصر إلى الغروب.فهو سويعات آخر النهار، حيث يبرد حر الشمس، وتهدأ أشعتها، وتلين أضواؤها، وتطول الظلال وتمتد.
و عدم طول وقت المجلس الواحد بما يخرجه عن حده.فإذا لم يكن سبيل إلى عقد مجلس القرآن بأحد هذين الوقتين؛ فليكن بعد المغرب، أي بين العشاءين، وهو وقت داخل أيضا في مسمى (العَشِيِّ)؛ لأن العَشِيَّ في الأصل من العَشْوَةِ وهي: بداية الظلمة، عند إقبال الليل وإدبار النهار
الضابط الثالث: وهو مراعاة أدب المجلس، وذلك بالاعتدال في هيأة الجلوس بما يحفظ للعلم وقارَه، وللقرآن جلالَه


الضابط الرابع: عدم عقد أكثر من لقاء واحد، أو لقاءين اثنين على الأكثر في الأسبوع الواحد،
من لقاءات مجالس القرآن؛ بناء على منهج التَّخَوُّلِ في الموعظة، أي جعل تزود القلب من الإيمان على فترات منتظمة وغير متتابعة،؛ حتى لا يَكَلَّ ولا يَمَلَّ.
- الضابط الخامس: احترام قواعد تدارس القرآن العظيم:

مما سبق بيانه مفصلا من الترتيل بمنهج التلقي، والتعلم والتعليم بمنهج التدارس، والتزكية بمنهج التدبر. وبهذا نفتح باب الضوابط الخاصة لإدارة المجلس وهي:
- الضابط السادس: مبادرة أحد الجلساء من أهل العلم أو أهل الحِلْم؛ لتسيير المجلس. فلا بد لمجلس الخير من شخص ينظم سيره، ويرتب أولوياته؛ تجنبا للفوضى والارتجال، أو الانزلاق إلى غير أهداف مجالس القرآن العظيم! وقد يكون هذا المسيِّر من أهل العلم، أو من أهل الصلاح والورع عموما. وقد صَحَّ عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: (المتقون سادة، والفقهاء قادة، ومجالستهم زيادة!).
الضابط السابع: أن يعمد إلى إشراك الجميع في عملية التدارس والتدبر.

فحضوره في الغالب إنما هو منهجي إداري. فلا ينبغي له أن يتفرد بالكلام إلا إذا آلت الأسئلة إليه وكان من أهل العلم. إذْ يجب التفريق والتمييز بين مجلس الوعظ، أو الدرس، أو المحاضرة، أو نحو ذلك؛ وبين مجلس التدارس. فالتدارس مشاركة كما تدل عليه صيغة (التفاعل) من عبارته.

ومن القواعد التربوية المساعدة على إشراك الجميع: الْحِرْصُ على عدم استفحال عدد الجلساء؛ حتى لا يكون جمهوراً غفيراً! إذْ هنالك وجب أن يُولَدَ مجلسٌ قرآني جديد! فرع عن الأول؛ لأن الجمهور الكثير إنما تؤطره المحاضرةُ، أو الخطبةُ، أو الدَّرْسُ؛ لا (التَّدارُسُ)!
الضابط الثامن: تجنيب الجلساء الدخولَ في الجَدَلِ العقيم!

فما أهلكَ كثيرا من الناس إلا الجدلُ! وفي الأثر عن بعض السلف الصالح: (إذا أراد الله بقوم سوءا سلَّط عليهم الجدل، ومنعهم العمل!)
الضابط العاشر: تحديد أهداف المجلس من التدارس، والتذكير بذلك من حين لآخر.
وهو تحصيل التزكية للقلب بكتاب الله تعالى، والتخلق بأخلاق القرآن العظيم، من خلال مسالك التَّدَبُّر والتفكر
وهي الحذَرُ من استغراق الوقت كله في التفسير، وتتبع أقوال المفسرين من دقائق اللغات والبلاغة والإعراب، وتفاصيل الخلافات الكلامية، وتفاريع الأحكام الفقهية
فلا ينبغي أن ننسى أن غاية (مجالس القرآن) إنما هو التربية والتزكية، أي تحصيل (الربَّانِيَّة) لا تحصيل (العالِمِيَّة). ويكفيك من العلم لتحصيل الربانية ما يعرفك بالله رب العالمين!
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟!(القمر:17) فمن أراد القرآنَ للذِّكْرِ والذكرى والتربية والتزكية؛ فإنما سبيله اليُسْرُ والبساطة،
الضابط الحادي عشر: ومن هنا فالاقتراح الأوفق للمقصود إنما هو أن يُعْتَمَدَ تفسيرٌ مختَصَرٌ من ذلك كله،
مما تلقته الأمة بالقبول وأجمع على صحته السَّلَفُ والخَلَفُ. وليس كتفسير الإمام أبي جعفر الطبري(ت:310هـ) رحمه الله أوفى بالمقصود.



ويُعْتَمَدُ مختصَرُه فقط دون الأصل؛ لما امتاز به المختصر الذي جمع خلاصة ما ذهب إليه الإمام الطبري، مما أجمع عليه أهل التأويل للآية، أو ما عليه جمهورهم، أو ما رجحه هو رحمه الله من القول والبيان عند الاختلاف(). فإن لم يكن فيلتجأ إلى غيره من المختصرات الجيدة، كمختصر تفسير ابن كثير.

الضابط الثاني عشر: وهكذا فلْيُقْرَأ القرآنُ أولا!
مما هو مقصود بالتدارس لذلك المجلس. ويمكن أن تُتَداولَ التلاوةُ بين جميع الحضور أو بين أغلبهم، كما يمكن أن يُكْتَفَى بتلاوة أحدهم فقط، حسب ظروف المجتمعين.
كما أن تكرار الآيات نفسها التي هي مقرر المدارسة لتلك الحصة أعْوَنُ للقلب على التفقه. والتلاوة – بضوابطها المذكورة من قبل- عبادة رفيعة جدا؛ إذْ تهيء القلب للتلقي عن الله! فلا ينبغي الاستهانة بها وتجاوزها في مجالس القرآن!
الضابط الثالث عشر: فإذا تمت حصة التلاوة والاستماع والإنصات إلى كتاب الله، كما يليق بكلام الله؛ فليشرع في قراءة خلاصة التفسير قراءةً مسموعة هادئة مفصَّلَةً؛
الضابط الرابع عشر: تَنَاوُلُ قَدْرٍ قليل من الآيات يُشَكِّلُ معنى يحسن السكوت عليه، والوقوف عنده.

سواء كان آية واحدة، أو ثلاث آيات، أو خَمْساً، أو سبعا. بشرط ألا يتعدى المقدار المدروس من ذلك كله نِصْفَ ثُمُن الحزب، بالتحزيب المتداول للقرآن الكريم، المطبوع في المصاحف بعلاماته المعروفة(). فَيُقْرَأُ ما ورد فيها من التفسير.

الضابط الخامس عشر: يُتَحَقَّقُ من الفهم العام للمعاني التي وردت بها،
وأن أهل المجلس على إدراك حسن للمقصود. ويمكن أن تثار الأسئلة حول ما أشكل منها؛ للوصول إلى بيانٍ أشمل وأوضح.
- الضابط السادس عشر: فإذا اتضح المعنى؛ وجب - بعد ذلك مباشرة - الدخول في محاولة التعرف على الهُدَى المنهاجي للآية أو الآيات،
وهو عَيْنُ الحِكَم المطلوب تعلُّمُها، مما ورد في آيات وظائف النبوة: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ). وذلك بمحاولة استنباط الحقائق الإيمانية التي تتضمنها، والأحوال الخُلُقِيَّة التي تُرْشِدُ إليها، ومحاولة عدها باللسان، وإحصائها بالوجدان، وتداول ذلك بين سائر الْجُلَسَاءِ؛ حتى ترسخ بالقلب وتتضح صورتها بما يساعد على تَدَبُّرِها.
- الضابط السابع عشر: وبمعرفة ما تيسر من الحِكَم والمقاصد نفتح باب التدبر للآيات،
والتفكر في خلق الأنفس والأرض والسماوات. وذلك لغاية التخلق بأخلاق القرآن الكريم، والاتصاف السلوكي بِحِكَمِه العظيمة! والتفكر والتدبر – إذا خلص كلاهما لله- يورثان التخلق بأخلاق القرآن بصورة تلقائية، وبلا كلفة، كما بيناه من قبل بشواهده. ثم إن التدبر والتفكر أيضا – بما ينطويان عليه من إبصار للآيات()- يساعدان على معرفة السبل الكفيلة بتذليل النفس وترويضها؛ لقبول هذا الخُلُقِ الرباني أو ذاك، والتحلي بتلك الخصلة النبوية أو تلك.
- الضابط الثامن عشر: فإذا تمت مدارسة السورة بأكملها، بهذا المنهج المُجَزِّئِ للوحدات أو الفقرات من كل سورة،

في مجلس واحد، إن كانت من السور القصيرة جدا، أو عبر عدة مجالس إن كانت من السور المتوسطة أو من الطوال؛ فلا بد - بعد ذلك - من محاولة قطف الثمرات التالية من ثمار المدارسة، وهي:

أ- التعرف على القضايا الأساسية التي تعالجها السورة على الإجمال، وهي حقائقها الإيمانية الكبرى، التي تدور بفلك المحور الرئيس في السورة. ثم من خلال معرفة تلك القضايا والحقائق يمكن:
ب- التعرف على المحور الرئيس للسورة على الإجمال. فلكل سورة من سور القرآن العظيم شخصيتها المستقلة، التي بها تتميز عن غيرها في نظمها السالكِ لها بِعَقْدِ الكتاب الحكيم؛ لأن هذا وذاك هو مما يساعد - بإذن الله - على التَّمْسِيكِ بالكتاب؛ لأنه يُمَكِّنُكَ - في كل وقت وحين، بالليل أو بالنهار - من المراجعة والتقويم لِخُلُقِكَ وسلوكك، ولمستواك التربوي عموما، في ضوء ما تَحَصَّلَ لديك من الحِكَم والحقائق الإيمانية، من هذه السورة أو تلك. فضبط المحور الرئيس للسورة، مع ما يدور حوله من قضاياها الأساسية؛ يساعد على طول التدبر للآيات، والتذكر لحقائقها الإيمانية باستمرار؛ حتى بعد انفضاض المجلس، حيث تنطبع المعاني الربانية بالقلب الصافي المتجردِ لله تجردَ افتقارٍ وإخلاص. فإذا اكتمل لديك تدارس القرآن العظيم بهذا المنهج وتكرر؛ صارت خريطته الكلية مرسومة على قلبك بإذن الله؛ لِمَا تلقيت من حقائقه الإيمانية عن الله جل ثناؤه، في مجالس الملائكة! مع جلسائك من (أهل القرآن: أهل الله وخاصته)؛ فلا تتصرف في سلوكك وخلقك بعدها إن شاء الله إلا بخير! وهذا من أهم مقاصد التدارس لكتاب الله تعالى.
- الضابط التاسع عشر، وهو:


- الضابط الجامع:
والضابط الكلي، الجامع لضمان سير مجالس القرآن ونجاحها هو: الحفاظ على ميثاق القرآن العظيم، والالتزام به بقوة!
إذ بذلك يعرف الجليس الصادق من غيره. وإنما برهانُ صِدْقِ الجليس، وحقيقةُ انتسابه إلى أهل الله من (جلساء الملائكة)،
ومصداقية ذلك كله متوقفة على مدى التزامه بميثاق القرآن العظيم. وهو عَهْدَان: عَهْدُ فِعْلٍ وعَهْدُ تَرْكٍ. فأما عهد الفعل فهو يتلخص في ثلاثة التزامات:
- الالتزام الأول: الحفاظ على أوقات الصلوات المفروضة بالمسجد، من الفجر إلى العشاء؛ إلا لضرورة شرعية. مع تأكيد النفس وتوطينها على صلاة الفجر وصلاة العشاء، والاجتهاد في ذلك كله لإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام، على قدر الإمكان.() فالصلاة هي خير أعمال المسلم على الإطلاق كما تواتر معناه بطرق شتى! وهي العبادة الوحيدة الحاكمة على ما سواها من الأعمال والعبادات بإطلاق! إذا استقامت للمؤمن حقيقتُها وانكشف له سِرُّها؛ استقام له كل شيء من دينه ودنياه! كما فصلناه بأدلته بمحله، فتأمل!() ويكفيك من ذلك قولهe: (استقيموا ولن تحصوا! واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة! ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن!).
- الالتزام الثاني: الحفاظ على تلاوة جزء من القرآن الكريم لكل يوم، على الدوام، في الحَضَرِ والسَّفَر سواء! حتى يكون ختم القرآن لكل فرد من أفراد المجلس عند نهاية كل شهر. وبهذا يضمن العبد السالك إلى الله زادا إيمانيا يوميا، ومنهجا لتذكر حقائق الإيمان التي استفادها من مجالس التدارس القرآني. فالتلاوة المستمرة تذكيرٌ وأيُّ تذكير! لمن ذاق حقيقتَها وشاهد فضيلتَها.
- والالتزام الثالث: الاجتهاد لضم جليس جديد، أو جلساء جُدُد؛ إلى مجالس القرآن، متى سنحت الفرصة، أو إنشاء مجلس جديد على التمام. وتلك نعمة إيمانية – إن أكرمك الله بها - ولا كأي نعمة!

فالحرص على نشر الخير والدعوة إليه؛ سِمَةٌ أساسيةٌ للمؤمن الصادق، مهما لقي في سبيل ذلك ما لقي من الحرج والعنت.
والآية التي هي الشِّعَارُ الجامِعُ لذلك كله من كتاب الله جل ثناؤه، هي ما سبقت الإشارة إليه من قوله تعالى وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(الأعراف:170).
تَمْسِيكٌ بالكتاب أولا: وهو الأخذ بحقائقه الإيمانية بقوة،
وإقامة للصلاة ثانيا: وهو إحسان أدائها والسير إلى الله عبر مواقيتها،
ثم انطلاق إلى الإصلاح والدعوة إلى الخير. (إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ).
- القرآن لا يفتح أبواب أسراره إلا لمن أقبل عليه بشروطه. وإنما شروطه أمران: إخلاص القصد لله تعالى، ثم أخذ الكتاب بقوة!
فأما بيان الشرط الأول: فبإخلاص القصد عند بدء السير إلى منازل القرآن، وبتحقيق الصدق في طلب مجالسه؛ يفتح الله لك أبواب الخير، ويمهد لك الطريق إلى الجنة،
وأما بيان الشرط الثاني: فإن القرآن لا يستقيم سَيْرُ العَبْدِ بين مَسَالِكِهِ إلا إذا أخذه بقوة! ذلك منهج الأنبياء والصِّدِّيقِين.
فـ (الأخذ بقوة) هو: الأخذ بعزم وبحزم، والصبر على حمل الأمانة وثقل الرسالة! والصبر على طول الطريق! والثبات على الحق! فالشيطان لك بالمرصاد، يثبطك، ويبطئك عن المضي في طريق الله؛ فالصَّبْرَ الصَّبْرَ على دوام ذكر الله في صحبة الصالحين، ومَعِيَّةِ الربانيين، بمنهج القرآن، وبرنامج القرآن.
=============================
*منقول من موقع مثانى القرآن





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21-03-2025, 09:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



في كم يتلى القرآن؟
الكاتب : محمود محمد الطناحي

(21)



لشهر رمضان خصوصية بالقرآن، وممَّا يتردّد في هذا الموسم الشريف خاصّة: سؤالُ المفاضلة بين تدبّر القرآن والإكثار من الختمات، وسؤال المدّة التي يُختم فيها القرآن، وتأتي هذه المقالة في سياق الجواب عن هذا السؤال.
في كم يُتلى القرآن[1]؟

القرآن كلام الله، تنزيل من حكيم حميد، نزل به الروح الأمين جبريلُ -عليه السلام- على قلبِ محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذِرين، وقد أُمِر -عليه السلام- بتلاوته على أُمَّته، وأُمِرَت أمّته بتلاوته وتدبُّر آياته والعمل بها، وقد أثنى ربُّنا -عزّ وجلّ- على عباده التّالِين له، فقال تقدّست أسماؤه: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر: 29، 30].

ويأتي رمضان كلّ عام مذكِّرًا بهذا النور المبين، فقد نزل القرآن الكريم في ليلةٍ مباركة منه. والمسلم وإن كان مأمورًا بقراءة القرآن في كلّ وقتٍ وحينٍ، فإنه يجد لذَّة وأُنْسًا حين يقرؤه في رمضان لا يجدهما في وقت آخر، ونعم إن القرآن يطيب به الفم ويزكو به العمل في كلّ آن، ولكن الله يجعل لبعض الأيام ولبعض المواضع خصوصية ليست لغيرهما، وقد روي عن محمد بن مَسْلَمة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرّضوا لها»[2].

ولقد حفظتُ القرآن صغيرًا، واشتغلتُ بعلومه كبيرًا، وقرأته على فحول شيوخه واستمعته من كبار مقرئيه، ولا زلتُ مغمورًا بنوره وضيائه، فهو معي في مغداي ومراحي، وفي حلِّي وترحالي، والحمد لله، ولكن حلاوته تعظُم في فمي، ونغمه يعذب في سمعي حين أقرؤه في رمضان، وفي الحرمين الشريفين، وكم كان قلبي يخشع وكياني يهتز، ودموعي تجري حين أقرأ -وأنا في الروضة الشريفة- تلك الآيات التي تخاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتناديه، فأقرأ وأتمثَّل وأستحضر وأنا بقرب النور وفي كرم الجوار، فأيّ جلال وأيّ جمال!

وما دخلتُ المسجد النبوي مرّة إلا وقرأتُ سورة النساء، لأستحضر تلك الصورة الغالية الخاشعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن مسعود يقرأ عليه سورة النساء، وذلك ما رواه البخاري عنه قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ عليَّ»؛ قلتُ: يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك أُنزِل؟! قال: «نعم»، فقرأتُ سورة النساء حتى أتيتُ إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}

قال: «حسبُك الآن». فالتفتُّ إليه فإذا عيناه تذرفان[3]. وهكذا تكون معرفة التفسير وأسباب النزول مُعِينة على فهم القرآن وتدبّره، فإذا انضم إلى ذلك معرفة غريبه ووجوه قراءاته ونحوه وإعرابه ومعانيه، كان ذلك أعْوَن على معرفة أسراره والوقوف على دقائقه، ثم التلذّذ بتلاوته، واستصغار لذائذ الدنيا كلّها بجوار آية واحدة من آياته يتلوها المؤمن مستجمعًا لها فكره مخليًا لها قلبه؛ ولذلك يقول أحمد بن أبي الحوارى الصوفي المتوفى سنة 230: «إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية فيحار عقلي فيها، وأعجب من حفّاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن؟! أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقّه، وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة به؛ لذهب عنهم النوم، فرحًا بما رُزِقوا ووفِّقُوا»[4].
والقرآن مؤنس لتاليه، مزيل لوحشته؛ يقول الراغب الأصفهاني في مقدمة كتابه: (حلّ متشابهات القرآن): «فاتفقَتْ خلوةٌ سَطوتُ على وحشتها بالقرآن، ولولا إنه لم يكن لي بها يدان... وكانت هذه الخلوةُ خلوةَ عينٍ لا خلوة قلب، واضطرارٍ لا عن اختيار، بل لقهر وغلب». والظاهر أن المراد بهذه الخلوة السجن[5]. والمسلم حين يتلو القرآن ليس لسانًا يضطرب في جَوبة الحنك فقط، ولكنه لسان يتلو، وقلب يخشع، ونفس تموج، وعزم ينهج، ولعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلام نفيس، في أن المسلم مطالَب بأن يجمع القرآن ويحفظه ويحيط به ويجعله إِمامه في جوارحه كلّها، وفي عمله كلّه، وذلك ما أخرجه ابن جرير الطبري عن الحسن:
«أنّ ناسًا لَقُوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله، أُمِر أن يُعْمَل بها، لا يُعمل بها، فأردنا أن نلقَى أمير المؤمنين في ذلك. فقَدِم وقدموا معه، فلقيه عمر -رضي الله عنه- فقال: متى قَدِمْتَ؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: أبإِذْنٍ قدمتَ؟ قال: فلا أدري كيف ردّ عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ ناسًا لقوني بمصر فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى، أُمِر أن يُعْمَل بها لا يُعمل بها؛ فَأَحَبّوا أن يَلْقَوْك في ذلك. فقال: اجمعهم لي، قال: فجمعتُهم له... فأخذ أدناهم رجلًا، فقال: أَنْشُدك بالله وبحقّ الإسلام عليك، أقرأتَ القرآن كلّه؟ قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللهم لا -قال: ولو قال: «نعم» لخَصَمَه- قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبّعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثَكِلَتْ عمرَ أُمُّه! أتُكَلِّفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون

لنا سيئات. قال: وتلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلَا كَرِيمًا}[النساء: 31]، هل عَلِم أهل المدينة -أو قال: هل علم أحد- بما قَدِمْتم؟ قالوا: لا، قال: لو علموا لوَعَظْتُ بكم»[6].
قال شيخنا أبو فهر محمود محمد شاكر: «وقوله: «لوعظتُ بكم»، أي: لأنزلتُ بكم من العقوبة ما يكون عِظة لغيركم من الناس؛ وذلك أنهم جاؤوا في شكاة عاملهم على مصر، وتشدّدوا ولم ييسِّروا، وأرادوا أن يسير في الناس بما لا يطيقون هم في أنفسهم من الإحاطة بكلّ أعمال الإسلام، وما أمرهم الله به، وذلك من الفتن الكبيرة، ولم يريدوا ظاهر الإسلام وأحكامه، وإنما أرادوا بعض ما أدَّب اللهُ به خلقه، وعمرُ أجَلُّ من أن يَتهاون في أحكام الإسلام. إنما قلتُ هذا وشرحتُه مخافة أن يَحتجَّ به مُحتجٌّ من ذوي السلطان والجبروت، في إباحة ترك أحكام الله غير معمول بها، كما هو أمر الطغاة والجبابرة من الحاكمين في زماننا هذا».

ولهذه الغايات كلّها أُمِرنا بترتيل القرآن، في قوله -عزّ وجل- مخاطبًا وآمرًا نبيه -صلى الله عليه وسلم- والأمر لأُمّته معه: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: 4]، قال القرطبي: «أي: لا تعجل بقراءة القرآن، بل اقرأه في مَهَلٍ وبيان، مع تدبّر المعاني. والترتيل: التنضيد والتنسيق وحُسن النظام، ومنه ثغر رتِل ورتَل، بكسر التاء وفتحها، أي: حَسَن التنضيد»[7]، وحُكي عن أبي بكر بن ظاهر قال: «تدبَّرْ في لطائف خطابه، وطالِبْ نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرَّك بالإقبال عليه».

وروي أن علقمة بن قيس قرأ على عبد الله بن مسعود، فكأنّه عَجِل، فقال ابن مسعود: «فداك أبي وأمي، رتّل فإنه زين للقرآن»[8]، لكنَّ قومًا من أهل الصدق والإخلاص -في زماننا ومن قَبل زماننا- حَسُنَتْ

نياتهم، وسَلِمَتْ صدورهم، يرغبون في إحراز الأجر ومضاعفة الثواب، يشتدّون في هذا الشهر المبارك، ويبالغون في ختم القرآن أكثر من مرة، ويتباهون في ذلك، فيقول أحدهم: ختمتُه عشرين مرة، ويقول آخر: بل ختمته ثلاثين، ثم يزيد بعضهم وينقص بعضهم، وما يدرون أنهم بذلك يبتعدون عن السّنة المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته الأكرمين.
فقد روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألم أُخْبَر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كلّ ليلة؟»، قلتُ: بلى يا نبي الله، ولم أُرِد بذلك إلا الخير، قال: «فصُمْ صوم داود -وكان أعبد الناس-[كان يصوم يومًا ويُفطِر يومًا]، واقرأ القرآن في كلّ شهر»، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشرين»، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ عشر»، قال: قلتُ: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: «فاقرأه في كلّ سبع، لا تزد على ذلك»، قال: فشدَّدْتُ، فشُدِّدَ عليَّ، وقال لي: «إنك لا تدري،
لعلّك يطول بك عُمُر». قال فصِرتُ إلى الذي قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما كبرتُ وددتُ أني كنت قَبِلْتُ رخصة نبي الله -صلى الله عليه وسلم-»[9].
وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «لأن أقرأ سورة أرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه»، وروي عنه أيضًا أنه قال: «لأن أقرأ القرآن في ثلاثٍ أحبّ إليّ من أن أقرأه في ليلة كما يقرأ هَذْرَمَة». والهذرمة: السرعة في الكلام والمشي، وقال: هذرم في كلام هذرمة: أي خلط، ويقال للتخليط: الهذرمة.

وثبت عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: «أنّ رجلًا قال له: إني أقرأ المُفَصَّل في ركعة واحدة، فقال عبد الله بن مسعود: أَهَذًّا كَهَذِّ الشِّعر؟ إنّ أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع»، أراد: أتهذّ القرآن هذًّا فتسرع فيه كما تسرع في قراءة الشِّعر؟ والهذّ: سرعة القطع. والمفصَّل من سور القرآن: من سورة الحجرات إلى سورة الناس، وقيل غير ذلك، وسمي مفصلًا لكثرة الفصول بين سوره، أو لقلّة المنسوخ فيه[10]. وسُئل مجاهد عن رجل قرأ البقرة وآل عمران، ورجل قرأ البقرة، قيامهما واحد، وركوهما واحد، وسجودهما واحد، وجلوسهما واحد، أيُّهم أفضل؟ فقال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: {وَقُرْآنًا
فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}[الإسراء: 106][11].

وإذا كان كثير من الناس يشتدّون ويجتهدون في ختم القرآن في رمضان أكثر من مرة، فإن كثيرًا منهم أيضًا كان على السُّنة، وعلى المنهج الراشد المقتصد. فقد روي أن أبا رجاء العطاردي -وكان إمامًا كبيرًا من المخضرمين- كان يختم بأصحابه في قيام رمضان القرآن كلّ عشرة أيام[12].
«وذهب كثيرٌ من العلماء إلى منع الزيادة على سبع، أخْذًا بظاهر المنع في قوله: «فاقرأه في سبع ولا تزد» -يعني في حديث عبد الله بن عمرو السابق- واقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلم يُرْوَ عنه أنه ختم القرآن كلّه في ليلة، ولا في أقلّ من السبع، وهو أعلم بالمصالح والأجر، وفضل الله يؤتيه من يشاء، فقد يعطي على القليل ما لا يعطي على الكثير»[13].
وروي أنّ عبد الله بن مسعود كان يقرأ القرآن في غير رمضان من الجمعة إلى الجمعة، ويقرؤه في رمضان في ثلاث، وكذلك كان تميم والأعمش يختمان في كلّ سبع، وكان أُبيّ يختمه في كلّ ثمان، وكان الأسود يختمه في
ستٍّ، وكان علقمة يختمه في خمس[14]. وقد عقد أبو عمرو الداني بابًا: (في كم يُستَحبّ خَتْم القرآن، وما روي عن الصحابة والتابعين في ذلك)[15].
بل إنّ بعض الصحابة والتابعين كان يقف في قراءته عند سورة بعينها، يظلّ يردّدها، أو آية بخصوصها، فلا يزال يكرّرها، طلبًا للتدبّر، وخشوعًا لجلال المعنى، وكان إمامهم في ذلك وقدوتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فقد روي عن أبي ذر -رضي الله عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام ليلة من الليالي يقرأ آية واحدة الليلَ كلّه حتى أصبح، بها يقوم، وبها يركع، وبها يسجد: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[المائدة: 118]، وعن تميم الداري أنه أتى المقام -في الكعبة الشريفة- ذات ليلة، فقام يصلي، فافتتح السورة التي تُذْكر فيها الجاثية، لمّا أتى على هذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية: 21]، لم يزل يرددها حتى أصبح. وعن ابن مسعود أنه لم يزل يردد: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: 114]، حتى
أصبح. وعن عامر بن عبد القيس أنه قرأ من سورة المؤمن -غافر- فلما انتهى إلى قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}[غافر: 18]، لم يزل يرددها حتى أصبح. وروي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أنها افتتحت سورة الطور، فلما انتهت إلى قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور: 27]، ذهبتُ[16] إلى السوق في حاجة، ثم رجعتُ وهي تكرّرها، وهي في الصلاة أيضًا.
وعن سعيد بن جبير أنه ردّد هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرّة: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة: 281]، وعنه أيضًا أنه استفتح بعد العشاء الآخرة بسورة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}[الانفطار: 1]، فلم يزل فيها حتى نادى منادي السَّحَر[17].

فمدار الأمر في تلاوة القرآن على التدبُّر واستحضار المعاني، وتأمُّل الإشارات وتبيُّن الدلالات، فمن أَنِسَ في نفسه قُدرة وجَلادة، مع تحقيق هذه الغايات وتعهّد الواجبات الأخرى من الفرائض والنوافل، ومن سعي في أمور المعاش وإعمار الحياة، فليقرأ ما شاء الله له أن يقرأ، على ألا يزيد على السُّنّة المأثورة.
وللحافظ الذهبي هنا كلام جيّد، ينبغي ذِكره، وتأمُّله، قال -رضي الله عنه- تعقيبًا على حديث عبد الله بن عمرو بن العاص السابق: «وَصَحَّ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نازَله إلى ثلاث ليال، ونهاه أن يقرأ في أقلّ من ثلاث، وهذا كان في الذي نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقلّ مراتب النهي أن تُكره تلاوة القرآن كلّه في أقل من ثلاث. فما فَقه ولا تدبَّر مَن تلا في أقلّ من ذلك، ولو تلا
ورتَّل في أسبوع، ولازم ذلك لكان عملًا فاضلًا، فالدّين يسرٌ، فوالله إنّ ترتيل سُبع القرآن في تهجد قيام الليل، مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة والقول عند النوم واليقظة، ودُبر المكتوبة والسّحَر، مع النظر في العلم النافع، والاشتغال به مخلصًا لله، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والإخلاص في جميع ذلك: لشغلٌ عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين وأولياء الله المتقين، فإنّ سائر ذلك مطلوب، فمتى تشاغل العابد بختمه في كلّ يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض بأكثر ما ذكرناه، ولا تدبّر ما يتلوه.
هذا السيد العابد الصاحب -يعني عبد الله بن عمرو بن العاص- كان يقول لمّا شاخ: ليتني قَبِلْتُ رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك قال له -عليه السلام- في الصوم، وما زال يُناقصه حتى قال له: «صُم يومًا وأَفطِر يومًا، صم صوم أخي داود -عليه السلام-»، وثبَت أنه قال: «أفضل الصيام صيام داود»، ونهى -عليه السلام- عن صيام الدهر، وأمر -عليه السلام- بنوم قسط من الليل، وقال: «لكني أقوم
وأنام، وأصوم وأُفطِر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمَن رَغِب عن سُنّتي فليس منِّي».

وكلّ مَن لم يزمُّ نفسه -أي: يمنع ويكبح- في تعبُّده وأوراده بالسّنة النبوية يندم ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خيرٌ كثيرٌ من متابعة سُنّة نبيِّه الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال -صلى الله عليه وسلم- معلِّمًا للأمة أفضلَ الأعمال، وآمرًا بهجر التبتل والرهبانية التي لم يُبعث بها، فنهى عن سَرْد الصوم -أي: تواليه وتتابعه-، ونهى عن الوصال -في الصوم-، وعن قيام أكثر الليل إلا في العَشر الأخيرة -يعني من رمضان-، ونهى عن العُزْبَة -عدم الزواج- للمستطيع، ونهى عن ترك اللحم، إلى غير ذلك من الأمور والنواهي.
فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذورٌ مأجورٌ، والعابد العالم بالآثار المحمدية المتجاوز لها مفضولٌ مغرورٌ، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى أدْوَمُها وإنْ قَلّ. أَلهَمَنا الله وإياكم حُسن المتابعة، وجنّـبَنا الهوى والمخالفة»[18]. وذَكر الذهبي أيضًا في ترجمة «أبي بكر شعبة بن عياش، أنه مكثَ نحوًا من أربعين سنة يختم القرآن في كلّ يوم وليلة مرّة، وعلق على ذلك فقال: «وهذه عبادة يُخْضَع لها، ولكنّ متابعة السُّنّة أَوْلى؛
فقد صحّ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث، وقال -عليه السلام-: (لم يفقه من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث)»[19].
وكذلك ذكر في ترجمة (وكيع بن الجرّاح) أنه كان يصوم الدّهر، ويختم القرآن كلَّ ليلة، وعقَّب على ذلك فقال: «هذه عبادة يُخضَع لها، ولكنها من مِثْلِ إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صحّ نهيُه -عليه السلام- عن صوم الدهر، وصحّ أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقلّ من ثلاث، والدِّين يسرٌ، ومتابعة السُّنة أَوْلى»[20].

ومن قَبل الذهبي، ذَكر خطيبُ السُّنة الإمام الجليل أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة[21] قال: «ولم يفرض اللهُ على عباده أن يحفظوا القرآن كلّه، ولا أن يختموه في التعلُّم، وإنما أنزله ليعملوا بمُحكَمه ويؤمنوا بمتشابهِه، ويأتمروا بأمره، وينتهوا بزجره، ويحفظوا للصلاة مقدار الطاقة، ويقرؤوا فيها الميسور. قال الحسن -البصري-: نزل القرآن ليُعْمَل به فاتخذ الناسُ تلاوتَه عملًا.
وكان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم- وهم مصابيح الأرض وقادة الأنام ومنتهى العلم، إنما يقرأ الرجل منهم السورتين والثلاث والأربع، والبعض والشطر من القرآن، إلا نفرًا منهم وفَّقهم الله
لجَمْعه، وسهّل عليهم حفظه، قال أنس بن مالك: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدَّ فِينَا، أي: جلَّ في عيوننا، وعَظُم في صدورنا»[22].

عن ابن عمر قال: «كان الفاضل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورُزِقوا العمل بالقرآن، وإنّ آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن، منهم الصبي والأعمى، ولا يُرزَقون العمل به».

اللهم حبِّبْ إلينا القرآن، وأذِقْنا حلاوته، وارزقنا تلاوته وفِقْهَه والعمل به آناء الليل وأطراف النهار، واجعله أنيسًا لنا في هذا الزمان الذي ذهب فيه من يُؤنَسُ به ويُستراح إليه، واجعله اللهم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجِلاء -بكسر الجيم- حزننا، وذَهاب -بفتح الذال- همِّنا، واجعلنا ممن يرعاه حقّ رعايته، ويقوم بقصده، ويوفي بشرطه، ولا يلتمس الهَدْي في غيره، ويرحم اللهُ عبدًا قال آمينا.
[1] نشرت هذه المقالة في مجلة «الهلال» فبراير، 1995م، ثم نشرت في «مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي» ط. دار البشائر، ص336. (موقع تفسير).

[2] مجمع الزوائد للهيثمي، (10/ 231).
[3] صحيح البخاري، (باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. من كتاب فضائل القرآن) (6/ 241).
[4] طبقات الصوفية للسلمي، ص102.

[5] مقدمة تحقيق كتاب المفردات في ألفاظ القرآن، ص29.
[6] تفسير الطبري، (8/ 254، 255).

[7] تفسير القرطبي، (19/ 37).
[8] المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز لأبي شامة المقدسي، ص198.
[9] جامع الأصول في أحاديث الرسول لمجد الدين بن الأثير، (2/ 471، 472)، وجمع للحديث طرقًا أخرى.
[10] بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروزآبادي، (4/ 194).

[11] انظر بيان ذلك كلّه في: المرشد الوجيز، ص197. والتبيان في آداب حملة القرآن للنووي، ص71.
[12] حليلة الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني، (2/ 306). وصفة الصفوة لابن الجوزي، (3/ 221).
[13] كتاب التذكار في أفضل الأذكار للقرطبي، ص67.
[14] جمال القراء وكمال الإقراء، لعلم الدين السخاوي، (1/ 107).
[15] كتاب البيان في عدّ آي القرآن، ص321.
[16] من كلام عروة بن الزبير راوي الحديث -رضي الله عنهما-، وأسماء بنت أبي بكر هي أُمه -رضي الله عنهم-. (موقع تفسير).

[17] المرشد الوجيز، ص195- 197.
[18] سير أعلام النبلاء، (3/ 84- 86).
[19] سير أعلام النبلاء، (8/ 442).

[20] سير أعلام النبلاء، (9/ 143).
[21] كتاب تأويل مشكل القرآن، ص233.
[22] تفسير القرطبي، (1/ 40).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22-03-2025, 12:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



تأملات في سورة القدر ،
د. محمد الربيعة
(22)



حري أن نجعل من عبادتنا هذه الليالي مدارسة وتدبر هذه السورة العظيمة مما يبعثنا على تعظيمها واغتنامها
تدبر هذه السورة أعظم دافع لقيام ليلة القدر واستغلالها لأنها تضمنت تعظيم الله وملائكته لها
ما سر افتتاح السورة بنون العظيم { إنا } ؟

تعظيما لشأن الليلة بسبب إرتباطها بإنزال القرآن
ما مقصد السورة ؟
تعظيم شأن ليلة القدر وفضلها
ولذلك اشتملت آياتها على تكرار وتأكيد وتعظيم
ما سر الإخبار بنزول القرآن أولا قبل ذكر ليلة القدر؟
إشارة إلى أن سبب تفضيلها إنزال القرآن
ولذلك يشرع شغلها بالقرآن
ما سر ذكر القرآن ضميرا دون تصريح { أنزلناه} دون أنزلنا القرآن ؟
لكونه معهودا معروفا في الذهن وهو أسلوب لغوي في التعظيم
ما دلالات ذكر الليلة


فضل ليالي العشر التي فيها ليلة القدر
فضل قراءة القرآن ومدارسته ليلا لكونه وقت النزول الأول
ما المراد بالقدر ؟
قدر العظمة والشرف وهو دال على أنها أفضل ليالي العام قدرا
من التقدير اي قدرت فيها المقادير
{ ليلة القدر } تكررت ثلاث مرات . فما السر ؟
الأول لبيان أن نزول القرآن فيها
الثاني تعظيما لها
الثالث بيانا لفضلها
ما سر تخصيص فضلها بألف شهر؟
لكون الألف أكمل عدد في اللغة فما فوقه مبني عليه
لكون ألف شهر٨٣ سنة هو كمال عمر الإنسان عادة

{ تنزل الملائكة } ما سر قوله تنزل دون تتنزل ؟
فيه إشارة إلى تنزلهم مرة واحدة عند دخولها وارتفاعهم عند خروجها
ما سر تخصيص الروح (جبريل) مع دخوله في الملائكة؟
دليل على أنه يتنزل لمناسبة تنزل الوحي أول مرة في هذه الليلة تعظيما لها
ما سر التعبير بالروح دون جبريل ؟
لكونه يتنزل على النبي بالروح وهو القرآن { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا }
لم يرد أن جبريل يتنزل بعد انقطاع الوحي إلا في ليلة القدر فما السر؟
لعظمها وفضلها ولكونها ليلة تنزل القرآن أول مرة
ما سر إخفائها؟


تعظيما لها وتحفيزا للمنافسة في تحصيلها ولتكثر حسنات أهلها في طلبهاطيلة العشر
فلعظمها لا ينالها إلا مشمر لها
لم يرد في السورة حث على قيامها فما السر ؟
لكون السورة مكية ولم يأت الأمر بقيامها إلا في المدينة
إنما السورة في تعظيمها
ما سر تنزل الملائكة ؟
لكثرة البركة فيها
لكونهم يتنزلون بأمر الله { من كل أمر }
للسلام والدعاء للمؤمنين { سلام }
ما سر قوله { بإذن ربهم } ولم يقل بأمر ربهم ؟
دليل على حرصهم على النزول فهم ينتظرون إذن ربهم لهم.
ما سر قوله { بإذن ربهم } دون بإذن الله؟



وصف الربوبية دال على عناية الله وإكرامه لهم بإنزالهم، وهذا مشعر بعظيم المنة عليهم.
ما دلالة كل في قوله { من كل أمر }؟
إشارة إلى كثرة ما يتنزل فيها من أوامر الله وبركاته على عباده ، أمور كثيرة عظيمة
ما المراد بقوله { سلام هي } ؟
قيل ما يتنزل فيها لأهلها القائمين بحقها إلا سلام
وقيل أن الملائكة تسلم فيها على المؤمنين
{ سلام هي }
أعظم بشرى للمؤمنين أنها سلام لهم من الله
فهل نتلقى هذا السلام بسلامة صدورنا من كل كدر وسلامة أعمالنا من كل ذنب
{ سلام هي }

ما أعظم دلالات هذه الكلمة. وما أعظم ما تبعثه في النفس من أنس وبشرى ورغبة فيها
جعلنا الله فيها من أهل السلام
{سلام هي}
هذا السلام الإلهي الذي يريده الله لعباده
فهل يكون باعثا لأمة الإسلام على بث السلام بينهم وتحقيق السلام فيهم
{ سلام هي }
استنبط ابن عباس من هذه الجملة أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فكيف ؟
من قوله { هي } فهي الكلمة ٢٧ في السورة
ما سر قوله {سلام} دون سلامة
ليشمل:
سلام الملائكة على المؤمنين

كل سلام وخير يريده الله لعباده
السلامة من الذنوب بالغفران
تحتمل جملة { سلام } معنى الأمر ؟
أي اجعلوها سلاما بينكم ولذلك جاء في الحديث أنها رفعت حين تلاحى رجلان
فلنجعلها سلاما بيننا
{ سلام هي }
من جعلها سلاما بقلبه وعمله فهو أحق بأن ينال السلام من الله
ما سر قوله { حتى } دون ( إلى ) ؟
لأن حتى لانتهاء الغاية مبالغة في احتوائها الليل كله وتأكيدا على اغتنامها حتى نهايتها

ما سر قوله {حتى مطلع الفجر} دون طلوع الفجر؟
تأكيدا لاغتنامها حتى طلوع الفجر الصادق من مطلعه لأن الفجر الكاذب لا مطلع له
{ حتى مطلع الفجر } قرئ مطلع بفتح اللام وكسرها ، فما الفرق ؟
بالفتح : طلوع الفجر أي ظهوره
بالكسر : زمن طلوع الفجر
تأمل ختم السورة بقوله
{ هي حتى مطلع الفجر } تأكيد وحض على اغتنامها حتى النهاية وذلك لأن آخر الليلة أفضل من أولها
ما المراد بـ { إنا أنزلناه في ليلة القدر }؟
- أنزلناه من اللوح إلى السماء الدنيا
- أنزلناه ابتداءً فيها
- أنزلناه في شأنها
===========================
* منقول من موقع مثانى القران



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23-03-2025, 10:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



تجليات تيسير القرآن الكريم على العباد
الكاتب : عبد المجيد هلال
(23)


مِن نعم الله تعالى على خَلقه أن يسّر لهم كتابه المجيد كما أخبر عن ذلك في القرآن، وهذا التيسير له صور شتى وتجليات متعدّدة، وهذه المقالة تسعى إلى تسليط الضوء على تجليات هذا التيسير للقرآن الكريم ومجالاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد؛ فإنّ مِن أجَلِّ النّعم التي أكرمَنا اللهُ -عز وجل- بها، وتفضّل علينا بإرسالها نعمةَ إنزال القرآن الكريم، وهي مِنّة منه -سبحانه وتعالى- تستوجب الشكر الدائم والثناء الذي لا ينقطع، فلولاها لبقينا في بحار من
الظلمات التي لا يعلم حجمها وأثرها إلا الله -عز وجل-، وقد رافقت هذه النعمةَ -نعمةَ إنزال القرآن الكريم- نِعَمٌ تترى متتابعة، لا يَعُدّها العادّون ولا يحصيها المحصُون. ومِن هذه النعم التي رافقَت إنزاله، نعمةُ تيسيره على العباد وتسهيله عليهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17، 22، 32، 40]، وهذا التيسير والتسهيل له صور شتى وتجليات متعدّدة، وسأذكر في هذه المقالة بعض تجليات لهذا التيسير، جمعتُها من كتب المفسِّرين؛ علّها تكون نافعة لي أولًا، وللقارئين ثانيًا، وعلّها تكون محفزًا على استخراج مزيد من الأفضال المصاحبة لهذا الكتاب العظيم؛ فإنّ: «القرآن لهو بحقّ مشروع العمر، وبرنامج العبد في سَيره إلى الله حتى يلقى الله»[1]، فإلى هذه التجليات:
1- تسهيل حِفظه:
فكلّ مَن رام حِفْظ هذا الكتاب وجدَه سهلًا ميسَّرًا، وقد أورد الماوردي في تفسيره قول الفّراء فقال: «الثالث: هَوّنَّا حِفْظه، فأَيْسَر كتاب يُحفظ هو كتاب الله»[2]؛ وذلك لما ميزه به الله تعالى من «الاختصار وعذوبة
اللفظ»[3].
ولا يحتاج من أراد حِفْظه إلا قليلًا من التكلّف والجهد، وشيئًا من الإقبال والإرادة، وصِدْق الطلب مع التوكّل على الله تعالى، قال الماتريدي في تفسير آية القمر: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾: «أي: للحفظ؛ أي: صيرناه بحيث يحفظه كلّ أحد مِن صغير وكبير، وكافر ومؤمن وكلّ أحد يتكلّف حفظه»[4].

وقال الزمخشري: «قيل: ولقد سهّلناه للحفظ وأعنّا عليه من أراد حفظه، فهل مِن طالب لحفظه لِيُعان عليه»[5].

2- تيسير تذكُّر النعم به وسهولة إدراك ما وقع للأمم الغابرة:
فإنّ التالي للقرآن الكريم يتنبّه بسهولةٍ ويُسْرٍ للنعم التي أنعم الله بها على الخلائق، وهي نِعَم غزيرة، دينية ودنيوية، عاجلة وآجلة، ظاهرة وباطنة (...)، نِعَم لا يستطيع أحدٌ عدّها ولا حصرها، قال الله -عز وجل-:
﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34]، كما أنّ قارئ القرآن يقف في بضع آيات على ما وقع للأمم الغابرة التي قضتْ سنين عديدة، مما يتطلّب ممن أراد الاطلاع على أخبار تلك الأمم وتاريخها -من غير القرآن- جهدًا كبيرًا وقراءة مستفيضة وبحثًا عميقًا، دون القدرة على بلوغ الحقيقة في كلّ ما يُتوصل إليه، وقد ذكر الماتريدي في تفسيره أقوالًا في بيان معنى تيسير الذِّكْر في آية القمر، فقال: «والثاني: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ أي: لذِكْر ما نسوا من نِعَم اللَّه تعالى عليهم، ولذِكْر ما أنبأهم فيه من أخبار الأوائل من مصدّقيهم مذكّر»[6].
3- تيسير الادّكار والاعتبار والاتّعاظ بالقرآن الكريم:
من خصائص القرآن الكريم سهولة الاتّعاظ والادّكار به، ولِـمَ لا؟ وهو كتاب الله تعالى الخاتم الذي أرسله للثقلين، وذَكر فيه من أنواع المواعظ والحِكَم والعِبَر:﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾ [طه:113]. قال صاحب الكشاف: «أي: سهّلناه للادّكار والاتعاظ، بأنْ شحنّاه بالمواعظ الشافية وصرّفنا فيه من الوعد والوعيد فهل من متّعظ»[7]، وقال الرازي: «سهّلناه للاتعاظ
حيث أتينا فيه بكلّ حكمة»[8]، وللبيضاوي: «سهّلناه أو هيّأناه (...) للادّكار والاتّعاظ بأن صرّفنا فيه أنواع المواعظ والعِبَر»[9].
4- تيسير التذكير والإرشاد به:
فإنّ أنجعَ كلامٍ في تذكير الناس وإرشادهم وحثّهم على الخير وزجرهم عن الشّر كلامُ الله الذي خلق الإنسان وسوّاه، ويعلم سِرّه ونجواه ودخائل نفسه، وما يستصلحه من الكلام، وما يؤثِّر فيه من الألفاظ والمواعظ؛
لذلك كان كلامه سبحانه أفضلَ ما يدعو به وإليه الداعون، وأحسنَ لفظ يرشد به المرشدون، قال ابن سعدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ

حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: 39]: «يتلون على العباد آيات الله، وحُجَجه وبراهينه، ويدعونهم إلى الله»[10]؛ لهذا كانت هذه الصورة من صور تيسير القرآن الكريم، فقد جاء في كتاب (أيسر التفاسير): «﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، أي: سهّلنا القرآن للحفظ والتذكير والتذكّر به»[11].
يقول الأستاذ إبراهيم السكران: «يخاطبك أحيانًا شابٌّ مراهق يتذمّر من والده أو أمه، فتحاول أن تصوغ له عباراتٍ تربويةً جذابةً لتقنعه بضرورة احترامهما مهما فعَلَا له، وتلاحظ أن هذا المراهق يزداد مناقشة ومجادلة لك، فإذا استعضت عن ذلك كلّه وقلتَ له كلمة واحدة فقط: يا أخي الكريم، يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء 24]؛ رأيتَ موقف هذا الفتى يختلف كليًّا، شاهدتُ هذا بأُمِّ عيني، ومِن شدّة انفعالي بالموقف نسيتُ هذا الفتى ومشكلته، وعدتُ أفكّر في هذه السطوة المدهشة للقرآن»[12].

5- تيسير بيانه ومعناه وفهمه وتفسيره:
ومِن أوجهِ تيسير الله تعالى لهذا الكتاب على عباده جعلُه سهلَ البيان والمعنى، ميسَّرَ الفهم، واضحَ التفسير، ليس فيه غموض، ولا تقعُّر في الألفاظ، ولا تضمُّن لوحشي الكلام وغريبِه بعيدِ الاستعمال، كما هو حال بعض الكتب التي لا يكاد يخرج منها قارئها بشيء، بل قد يرجع منها بالحيرة والشك والضلال، جاء في (الهداية إلى بلوغ النهاية): «﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، أي: سهّلناه وبينّاه وفصّلناه لمن يريد أن يتذكّر به
ويعتبِر، قال ابن زيد: ﴿يَسَّرْنَا﴾: بينّا»[13]، وجاء عند ابن كثير: «سهّلنا لفظه، ويسَّرنا معناه لمن أراده؛ ليتذكر الناس»[14]، وقال القشيري: «ويسّرنا فهمه على قلوب قوم»[15].

وللبقاعي قوله:«﴿لِلذِّكْرِ﴾، أي: الاتعاظ والتذكّر والتدبر والفهم والحفظ والتشريف لمن يراعيه»[16]، وفي تفسير السعدي: «ولهذا كان عِلْم القرآن حفظًا وتفسيرًا، أسهل العلوم، وأجلّها على الإطلاق»[17].
وهذا لا يعني أن كلام الله تعالى على درجة واحدة من البيان، بل منه ما يشترك في فهمه العامة والخاصّة، ومنه ما ينفرد بإدراك معانيه وتفسيره الخاصة؛ كما قال ابن عباس: «التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: وجهٌ تعرفه العربُ
من كلامها، وتفسير لا يُعْذَر أحدٌ بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذِكْره»[18]، ويقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- في عبارة جميلة: «فهو قرآن واحد يراه البُلَغاء أَوْفَى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان وراء وضع اللغة، فهو متعة العامّة والخاصّة على السواء، ميسَّر لكلّ من أراد: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]»[19].
6- تيسير تلاوته وقراءته:
لقد أنزل الله تعالى هذا الكتاب؛ ليُقرأ ويُعمل به، فلو لم يُيسِّر علينا قراءتَه ما استطاع أحد أن يتلو منه حرفًا، كيف لا؟ وهو كلام الله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر: 21]،﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: 31]، قال الضحاك عن ابن عباس: «لولا أنّ الله
يَسَّره على لسان الآدميين، ما استطاع أحد من الخَلْق أن يتكلّم بكلام الله عز وجل»[20].
وقد جاء: «عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، قَالَ: هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ»[21]، وعن السدي: «يَسَّرنا تلاوتَه على الألْسُن»[22].
وقال الماوردي: «﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها معناه: سهّلنا تلاوتَه على أهل كلِّ لسان، وهذا أحد معجزاته؛ لأنّ الأعجمي قد يقرؤه ويتلوه كالعربي»[23]، وقد أشار ابن كثير إلى وجهٍ من
أوجهِ تيسير تلاوة كلام الله -عز وجل- فقال: «ومِن تيسيره تعالى على الناس تلاوةَ القرآن ما تقدَّم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف)»[24][25][26].
7- تيسير عِلْم ما فيه واستنباط معانيه:

الارتباط بكلام الله تعالى لا تكاد تُحدّ صوره، ومن أوجه هذا الارتباط: استنباط المعارف والعلوم، والأحكام والحِكَم، والأسرار واللطائف والسّنن الإلهية (...) من كلام الله عز وجل، واستخراج ما تحويه الآيات من
دقيق العلم وجليله، قال الماوردي: «الثاني: سهّلنا عِلم ما فيه واستنباط معانيه، قاله مقاتل»[27].
وفي تفسير القشيري: «يسّرنا قراءتَه على ألسِنَة الناس، ويسّرنا عِلمه على قلوب قومٍ، ويسّرنا فهمه على قلوب قوم، ويسّرنا حفظه على قلوب قوم؛ وكلّهم أهل القرآن، وكلّهم أهل الله وخاصته»[28].
ولقد سهّل اللهُ على عباده استخراج هذه الكنوز شريطة أن يتقيّدوا بالمناهج المرْضِيّة التي رسمها أهل التخصّص؛ لِئَلّا يصير الاستنباط طريقًا يسلكه كلّ صاحب انحراف أو هوى أو بدعة؛ فيلصق بكلام الله ما هو براء
منه، ولا يدلّ عليه، ولا يحتمله.
8- تيسير التأثُّـر به وسرعة أخذِه بمجامع القلوب والعقول:
وهذا شيء ملاحَظ؛ فإنّك كثيرًا ما تجد الشخص العامّي الذي لا يقرأ ولا يكتب، إذا تُليت عليه آيات من الذِّكْر الحكيم وقعتْ منه موقعًا عظيمًا، فيهتزّ لها قلبه، وتسكن إليها نفسه، وتخشع بسببها جوارحه، فكيف
بمَن علمَ معانيه واطّلع على تفسيره، ووقف عند حدوده؟ فلا شك أنه سيجد للقرآن في قلبه -إذا قرأه أو استمع إليه- أثرًا بالغًا، وهذا من تيسير الله تعالى لهذا الكتاب على عباده؛ إِذْ جعله بهذه الدرجة من التأثير. ومنزلة تأثير كلام الله تعالى على القلوب والعقول لا يمكن أن تصل إليها عبارات العلماء، ولا إشارات الحكماء مهما نمّقوا الألفاظ وزيّـنوا العبارات؛ لأنّ كلامَهم كلامُ المخلوق العبد وكلامَ الله تعالى كلامُ الخالق المعبود،

قال ابن عطية عن هذا التيسير: «يُسِّرَ بما فيه من حُسْن النَّظْم وشرف المعاني فله لَوْطَةٌ بالقلوب، وامتزاجٌ بالعقول السليمة»[29]، وعن الرازي: «الثالث: جعلناه بحيث يعلق بالقلوب»[30]، وقال صاحب الظِّلال: «وكلّما صحبته النفس زادت له أُلفة وبه أُنسًا»[31].
9- تيسير تدبّره:
لقد طالَب اللهُ تعالى عباده بتدبّر كتابه، بل طالَب الكفار بذلك وحضّهم عليه، ووبّخ المعرِضين منهم عنه، فقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29]، وقال أيضًا:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، وهذا التدبّر هو: «مرحلة ما بعد التفسير! أي: ما بعد الفهم للآية، لكن الفهم المطلوب لتحصيل التدبر إنما هو الفهم الكلي العام، أو بعبارة أخرى: الفهم البسيط. ولا يشترط في ذلك تحقيق أقوال المفسِّرين والغوص في دقائق كتب التفسير! وإلا صار القرآن موجَّهًا إلى طائفة محصورة فقط! ومن ثم يمكن لأيّ شخص أن يتدبّر القرآن بعد التحقّق من المعنى المشهور للآية، يقرؤها من أيّ تفسير أو يسمعها»[32].
ومما جاء عن المفسِّرين في تيسير تدبّر القرآن قولُ البقاعي: «﴿لِلذِّكْرِ﴾، أي: الاتعاظ والتذكر والتدبّر والفهم والحفظ والتشريف لمن يراعيه»[33].
وقال صاحب الظلال: «ميسَّر الإدراك، فيه جاذبية ليُقرأ ويُتَدبَّر، فيه جاذبية الصدق والبساطة، وموافقة الفطرة، واستجاشة الطبع، لا تنفد عجائبه، ولا يَخلق على كثرة الردّ، وكلما تَدَبّره القلب عاد منه بزادٍ جديد»[34].

10- تيسير التلذّذ به والاستماع إليه:
لقد حثّ الله عباده على الاستماع للقرآن الكريم، فقال: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204]، وذَكَر أنّ الجن لمّا حضروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقُرئ عليهم القرآن

قالوا: ﴿أَنْصِتُوا﴾ [الأحقاف: 29]، وأخبَر أن صالح القسيسين والرهبان إِذَا: ﴿سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: 83]، وإنك لترى بعض الأعجمين الذين لا يفقهون شيئًا من القرآن الكريم، ولا يعرفون اللغة العربية إذا تُلي عليهم القرآن الكريم وجدوا لذة وحلاوة عند سماعه[35]، وإنّ هذا لمن المهابة التي غشيت هذا الكلام، ومن التيسير الذي جعله الله سبحانه في كلامه؛ ليهتدي به الناس ويؤوبوا إلى ربهم لعلّهم يرحمون، قال الرازي: «ويُستلَذُّ سماعُه، ومَن لا يفهمُ يتفهّمُه، ولا يسأمُ مِن سمعِه وفهمِه، ولا يقول قد علمتُ فلا أسمعه، بل كلّ ساعة يزداد منه لذّةً وعلمًا»[36].
11- تيسيره لمجاهدة الكفار والمنافقين والملحدين وغيرهم:
لقد أمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يجاهد الكفار والمنافقين بهذا الكتاب، فقال عز من قائل: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: 52][37]، ولا شك أنّ القرآن الكريم مليء بطرق الجدال ووسائله وأصناف المجادلين (...)، فلولاه ما علم المسلم المنهج الصحيح في المجادلة، وهذا من رحمة الله بعباده وتيسيره عليهم؛ إِذْ أنزل إليهم هذا الكتاب تبيانًا لكلّ شيء، يعرفون به دينهم وعقيدتهم
وكيف يدافعون الشُّبهات التي يلقيها الخصوم في طريقهم، فلك الحمد ربنا حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، قال الرازي: «وتتحدَّى به -أي أيها النبي صلى الله عليه وسلم- في العالَم ويبقى على مرور الدهور، ولا يحتاج كلّ مَن يحضرك إلى دعاءٍ ومسألةٍ في إظهارِ معجزة»[38].
خاتمة:

عرجنا في هذه المقالة على جوانب من تيسير القرآن الكريم على العباد، وهي: (تسهيل حفظه، وتيسير تذكّر النعم به، وسهولة إدراك ما وقع للأمم الغابرة، وتيسير الادكار والاعتبار والاتعاظ به، وتيسير التذكير والإرشاد به، وتيسير بيانه ومعناه وفهمه وتفسيره، وتيسير تلاوته وقراءته، وتيسير عِلْم ما فيه واستنباط معانيه، وتيسير التأثّر به، وسرعة أخذِه بمجامع القلوب والعقول، وتيسير تدبّره، وتيسير التلذّذ به والاستماع إليه، وتيسيره لمجاهدة الكفار والمنافقين والملحدين وغيرهم).

ولعلّ العباد يُـقْبِلون على هذا الكتاب فيصدّقوا بما حواه من أخبار ويعملوا بما فيه من أحكام، علّهم يأمنون حين يخاف المعرضون، وينجون حين يهلك الهاجرون؛ ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123- 124]، ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ [الفرقان: 30].
واللهَ تعالى نسأل أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
[1] هذه رسالات القرآن فمن يتلقاها؟ لفريد الأنصاري (القاهرة: دار السلام، ط3، 1435= 2014)، ص17.
[2] النكت والعيون، للماوردي (بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، بدون طبعة وتاريخ)، (5/ 413).
[3] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط1، 1418)، (5/ 166).

[4] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (بيروت- لبنان: دار الكتب العلمية، ط1، 1426= 2005)، (9/ 449).

[5] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري (بيروت: دار الكتاب العربي، ط3، 1407)، (4/ 435).
[6] تأويلات أهل السنّة، للماتريدي (9/ 449).

[7] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، للزمخشري (4/ 435).
[8] مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، للرازي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420)، (29/ 300).
[9] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (5/ 166).

[10] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (مؤسسة الرسالة: ط1، 1420= 2000)، ص666.
[11] أيسر التفاسير، لأبي بكر الجزائري (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، ط5، 1424= 2003)، (5/ 210).
[12] الطريق إلى القرآن، لإبراهيم السكران (الرياض: دار الحضارة، ط2، 1437= 2016)، ص10.

[13] الهداية إلى بلوغ النهاية، لأبي محمد مكي بن أبي طالب (مجموعة بحوث الكتاب والسنّة- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية: جامعة الشارقة، ط1، 1429= 2008)، (11/ 7190).
[14] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (دار طيبة للنشر والتوزيع: ط2، 1420= 1999)، (7/ 478).

[15] لطائف الإشارات، لعبد الكريم بن هوازن القشيري (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، بدون تاريخ)، (3/ 497).
[16] نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، للبقاعي (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، بدون طبعة وتاريخ)، (19/ 108).
[17] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص825.
[18] جامع البيان في تأويل القرآن، لابن جرير الطبري (مؤسسة الرسالة: ط1، 1420 / 2000)، (1/ 75).

[19] النبأ العظيم؛ نظرات جديدة في القرآن الكريم، لمحمد بن عبد الله دراز (مصر- القاهرة: دار ابن الجوزي، ط1، 1434= 2013)، ص113.
[20] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (7/ 478).
[21] تفسير مجاهد (مصر: دار الفكر الإسلامي الحديثة، ط1، 1410= 1989)، ص634.

[22] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (7/ 478).
[23] النكت والعيون، للماوردي (5/ 413).
[24] رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف، رقم: 4992. ومسلم، في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، رقم: 271، كلاهما
من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
[25] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء ابن كثير (7/ 478).
[26] وقد أشار إلى هذا الوجه من التيسير -أيضًا- أحمد الكوراني الشافعي، في غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني، ص44.

[27] النكت والعيون، للماوردي (5/ 413).
[28] تفسير القشيري (3/ 497).
[29] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي (بيروت: دار الكتب العلمية ط1، 1422)، (5/ 215).

[30] مفاتيح الغيب (29/ 300).
[31] في ظلال القرآن، لسيد قطب (بيروت/ القاهرة: دار الشروق، ط17، 1412)، (6/ 3431).
[32] هذه رسالات القرآن فمن يتلقاها؟ لفريد الأنصاري، ص61- 62.

[33] نظم الدرر، للبقاعي (19/ 108).
[34] في ظلال القرآن، لسيد قطب (6/ 3431).
[35] انظر قصة عجيبة تدل على هذا الأمر ذكرها صاحب الظلال -رحمه الله تعالى- في كتابه (في ظلال القرآن، 3/ 1786)، والذي منعني من نقلها هنا خشية الإطالة.

[36] مفاتيح الغيب، للرازي (29/ 300).
[37] جاء في تفسير الطبري (19/ 281): «عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾، قال: بالقرآن».
[38] مفاتيح الغيب، للرازي (29/ 300).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24-03-2025, 11:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



فوائد من كتاب ( الإعجاز العلمي إلى أين؟ - مقالات تقويمية للإعجاز العلمي )*
للدكتور مساعد الطيار.
(24)



بسم الله الرحمن الرحيم.


هذه مجموعة فوائد من كتاب ( الإعجاز العلمي إلى أين؟ ) للدكتور مساعد الطيار:
١- ما من نبي إلا وكانت له آية تدل على صدقه في كونه مرسلاً من ربَّ العالمين، لكن هذا لا يلزم منه أن تكون آيات الأنبياء عليهم السلام قد حُكيت لنا.

٢- الأنبياء عليهم السلام تكون لهم أكثر من آية، وتتمايز هذه الآيات في عظمتها، لذا لا يلزم أن تكون كل آية من آياتهم مما برع به أقوامهم، وإنما يقال: مما يدركه أقوامهم.
٣- شاع تسمية آيات الأنبياء عليهم السلام بالمعجزات، حتى غلب لفظ المعجزة على لفظ الآية في آيات الأنبياء، والوارد في القرآن تسميتها بالآية والبرهان والسلطان والبيِّنة.
٤- الآية: العلامة الدالة على صدق الرسول بأنه مُرسل من ربه، وهذا المصطلح هو الغالب في القرآن والسُّنَّة من بين المصطلحات الأخرى التي جاءت فيهما، وبقي هذا المصطلح في كلام الصحابة، والتابعين
وأتباعهم.
٥- لو وازنْتَ بين مصطلح القرآن والسُّنّة (الآية)، وهذا المصطلح الحادث (المعجزة) = لبان لك أن مصطلح القرآن والسُّنّة لا يحتاج إلى تلك الشروط التي عَرَّف بها هؤلاء مصطلح المعجزة؛ لأن الآية هي العلامة الدالة على صدق النبي، وهي مستلزمة لذلك إذا نطق بها، وعلى هذا جميع آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

٦- أما مصطلح المعجزة، فاحتاج من يقول بها إلى تقييدات لها سمَّوها (شروط المعجزة)، وقد بُنيت هذه الشروط شيئاً فشيئاً حتى تكاملت إلى سبعة شروط عند المتأخرين:
قال الإيجي: (البحث الأول في شرائطها، وهي سبع:
الأول: أن يكون فعل الله أو ما يقوم مقامه ...

الثاني: أن يكون خارقاً للعادة إذ لا إعجاز دونه ...
الثالث: أن يتعذر معارضته، فإن ذلك حقيقة الإعجاز.

الرابع: أن يكون ظاهراً على يد مدعي النبوة ليعلم أنه تصديق له ...
الخامس: أن يكون موافقاً للدعوى ...
السادس: ألا يكون ما ادعاه وأظهره مكذباً له ...
السابع: أن لا يكون متقدماً على الدعوى بل مقارناً، لها لأن التصديق قبل الدعوى لا يعقل ...)

المواقف للإيجي، تحقيق عبد الرحمن عميرة
٧- اشتراط التحدي في تسمية المعجزة ليس بسديد، وإنما الذي دعا إليه هو حصر الحديث عن آيات الأنبياء بالآية العظمى لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، وهي القرآن الكريم الذي تحدى الله به الإنس والجن.
٨- بعض العلماء ذهب إلى التفريق بين المعجزة والكرامة بتفريقات منها: أن المعجزة يتحدى بها النبي عليه الصلاة والسلام، والكرامة تقع للولي ولا يتحدى بها، وهذا التفريق محض اصطلاح.

٩- ومن أهم الشروط التي ذكروها: أن المعجزة تكون مقرونة بالتحدي، وهذا الشرط لا يتناسب مع كثير من معجزاتهم، بل إنها كلها ـ إلا القرآن ـ لم يُتحدَّ بها،
١٠- مما يحسن التنبه له في موضوع (معجزات ـ آيات ـ الأنبياء) أنها ليست هي الطريق الوحيد لإثبات نبوة الأنبياء، لذا تجد أن أغلب الناس يؤمنون بدون أن يظهر لهم البرهان والحجة على معجزة من المعجزات.
١١- مما يحسن التنبه له في (إعجاز القرآن) أن هذا المصطلح أحدث بلبلة في التفريق بين ما تُحدِّي به العرب صراحة وبين (دلائل الصدق) الأخرى التي فيه التي سمَّاها العلماء (أنواع الإعجاز القرآني)؛ كالإخبار
بالغيوب، فظنَّ بعض الناس أنها داخلة في التحدي.

١٢- إذا جمعت الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز ـ سوى الصرفة ـ وجدت أنها لا تكون في كل سورة، بل تتخلف في كثير من السور، فمثلاً: ليس في كل السور إخبار بالغيب. أما الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدى به، وهو ما يتعلق بالنظم العربي لهذا القرآن (لغة وبلاغة وأسلوباً).
١٣- جاز لنا أن نعدل عن مصطلح (أنواع إعجاز القرآن) إلى (دلائل صدق القرآن)، فإنه يمكن القول بأن وجوه صدق هذا الكتاب تظهر في جوانب كثيرة جداً.
١٤- بعض دلائل الصدق (أنواع الإعجاز) ليست مختصةً بالقرآن، بل هي مرتبطة بكلام الله سبحانه وتعالى.
١٥- ما يحكيه بعض المعاصرين من وجوه إعجاز جديدة؛ كإطلاق مصطلح (الإعجاز العقدي) أو (الإعجاز التشريعي) أو (الإعجاز العلمي) أو غيرها = فإنها غير مختصَّة بالقرآن وحده، بل هي عامَّةٌ في كلام الله
النازل على رسله.
١٦- موضوع الإعجاز العلمي يدخل تحت التفسير بالرأي، فإن كان المفسر به ممن تأهل وعَلِمَ، كان تفسيره محموداً، وإن لم يكن من أهل العلم فإن تفسيره مذموم، وإن كان قد يصل إلى بعض الحقِّ.
١٧- إنَّ الإعجاز العلمي يدخل في ما يسمَّى بالإعجاز الغيبيي، وهو فرع منه، إذ مآله الإخبار بما غاب عن الناس فترة من الزمن، ثمَّ علمه المعاصرون.

١٨- قصارى الأمر في مسألة الإعجاز العلمي أنَّ الحقيقة الكونية التي خلقها الله، وافقت الحقيقة القرآنية التي تكلم بها الله، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المتكلم عن الحقيقة الكونية المخبر بها هو خالقها، فلا يمكن أن يختلفا البتة.
١٩- إن كثيراً ممن كَتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلاً عن علم التفسير

وكان من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلاً يُحكم به القرآن، وتُؤوَّل آياته لتتناسب مع هذه النظريات والفرضيات.
٢٠- إن كتاب الله أعلى وأجلَّ من أن يُجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم التفسير، فأين هم من قول مسروق: «اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله»؟
٢١- في نسبة الإعجاز، أو التفسير إلى «العلمي» خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري، فهذه التسمية منطلقة من تقسيم العلوم إلى أدبية وعلمية، وفي ذلك رفع من شأن العلوم التجريبية على غيرها من العلوم
النظرية التي تدخل فيها علوم الشريعة.
٢٢- ومما يلاحظ في أصحاب الإعجاز العلمي عدم مراعاة مصطلحات اللغة والشريعة، ومحاولة تركيب ما ورد في البحوث التجريبية على ما ورد في القرآن
٢٣- إنَّ بعض من نظَّر للإعجاز العلمي، وضع قاعدة، وهي: أن لا يفسَّر القرآن إلا بما ثبت حقيقة علمية لا تقبل الشكَّ، لئلا يتطرق الشك إلى القرآن إذا ثبت بطلان فرضية فسِّرت بها آية.
وهذا القيد خارجٌ عن العمل التفسيري، ولا يتوافق مع أصول التفسير.
٢٤- من الذي يُثبتُ أنَّ هذه القضية صارت حقيقةً لا فرضية؟

أي: من هو المرجع في ذلك؟ أيكفي أن يُحدِّثَ بها مختصٌّ؟
٢٥- بالنسبة للمفسِّر، فإنه لا يمكنه أن ينكر ما يُحكمُ بثبوته من حقائق العلم التجريبي؛ لأنه لا يملك الأدوات التي يصل بها إلى أن يثبت أو ينكر.
٢٦- عمل المفسِّر هنا أن يرى صحة انطباق تلك القضية على ما جاء في القرآن من جهة دلالة اللغة والسياق وغيرها
إن الربط بين ما يظهر في البحث التجريبي المعاصر وبين ما يرد في القرآن إنما هو من عمل المفسِّر به، كائناً من كان هذا المفسر، ومهمته في هذا بيان معاني القرآن.

٢٧- إن موضوع الإعجاز العلمي طويل جدّاً، ولست ممن يردُّه جملة وتفصيلاً، لكنني أدعو إلى تصحيح مساره، ووضعه في مكانه الطبيعي دون تزيُّدٍ وتضخيم .
٢٨- إنَّ أي تفسير جاء بعد تفسير السلف، فإنه لا يقبل إلا بضوابط، وهذه الضوابط:
1 - أن لا يناقض (أي: يبطل) ما جاء عن السلف (أعني: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين)

2 - أن يكون المعنى المفسَّر به صحيحاً.
3 - أن يتناسب مع سياق الآية، وتحتمله الآية.
أن لا يُقصَر معنى الآيةِ على هذا المعنى المأخوذ من البحوث التجريبية.

٢٩- إن وجد إشارةٌ في القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية فإنها لم تكن هي المقصد الأول، ولم ينْزل القرآن من أجلها،
٣٠- المعلومات العقدية والشرعية ـ أي: كيف يعرفون ربهم، وكيف يعبدونه ـ هي الأصل المراد بإنزال القرآن وهي التي تكفَّل الله ببيانها للناس، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فهي موكولة للناس كما

سبق، وإن جاءت فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعاً وليس أصالةً؛ أي: أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر.
٣١- القضايا العلمية التي يفسر بها من يبحث في الإعجاز أو التفسير العلمي لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمِراس.
٣٢- الفرق بين القرآن والعلم التجريبي في تقرير القضية العلمية:

⁃ أن القرآن يقررها حقيقة حيث كانت وانتهت، والعلم التجريبي يبدأ في البحث عنها من الصفر حتى يصل إلى الحقيقة العلمية
⁃ القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل المسألة العلمية.
• علم البشر قاصر غير شمولي، ونظره من زاوية معينة، لذا قد يغفل عن جوانب في القضية، فيختلَّ بذلك الحكم ونتيجة البحث.

٣٣- قد تكون بعض القضايا العلمية صحيحة في ذاتها، لكن الخطأ يقع في كون الآية تدلُّ عليها، وتفسَّر بها.
٣٤- موقف المسلم من قضايا العلوم التجريبية المذكورة في القرآن:
⁃ الإيمان بالقضية الكونية التي ذكرها القرآن لا يحتاج إلى إدراك الحسِّ، بل يكفي ورودها في القرآن، بخلاف القضايا العلمية التي يحتاج الإيمان بها إلى الحسِّ، سواءً أكانت هذه القضايا مذكورة في القرآن أم لم تكن
مذكورة.
⁃ المسلم مطالب بالأخذ بظواهر القرآن، وأخذه بها يجعله يسلم من التحريف أو التكذيب بها، ولو كانت مخالفة لقضايا العلم التجريبي المعاصر.

⁃ إذا عارضت النظريات العلمية، ولو سُميت حقائق علمية فإنه لا يلزم الإيمان بها، بل يقف المسلم عند ظواهر القرآن
٣٥- يجب الحذر من حمل مصطلحات العلوم المعاصرة على ألفاظ القرآن وتفسيره بها.
36• البحوث العلمية الناتجة عن الدراسات لا يلزم مصداقيتها، وهي درجات من حيث المصداقية، لذا ترى دراسة علمية تذكر فوائد شيء، وتأتي دراسة تناقضها في هذه الفوائد.
٣٧- ممَّا يلاحظ على من كتب في الإعجاز العلمي أنه لم يبيِّن علاقته بمفهوم المعجزة كما استقرَّ عند العلماء السابقين الذين كتبوا فيها، بل راح بعضهم يتلمَّس مفهوماً جديداً يتناسب مع مفهوم الإعجاز العلمي
عنده، فراح يورد معاني مادة عجز في اللغة، حتى إذا ما ظَفِرَ بمعنى (السَّبق) عضَّ عليه.
٣٨- لا تظهر علاقة تعريف الإعجاز العلمي ـ الذي هو عندهم نوع من أنواع إعجاز القرآن الكريم ـ بتعريف المعجزة كما نقلوه عن العلماء السابقين نقل تقريرٍ وقَبول.
٣٩- إن من تكلم عن الإعجاز العلمي يحرص على جعله نوعاً جديداً مستقلاًّ، وتراه يجعله خاصّاً ـ في معظمه ـ بالآيات الكونية، والعلوم التجريبية.

٤٠- التحدي الحقيقي يقوم على من يملك أدوات التحدِّي دون من يفقدها، وهي بالنسبة له من العدم.

وإذا كان هذا بيِّناً، فإنه يظهر أنَّ التحدي لم يكن بغير ما كانوا بارعين فيه، عارفين له، ومالكين لأزمَّة أمره، وهو جانب النظم والبيان، أما غيره مما انسبك في هذا النظم من أمور تشريعية وتاريخية وغيبية وغيرها، فهي مما لم يُطالبوا بالإتيان بمثله؛ لأنهم غير قادرين عليه أصلاً،
٤١- إن النتيجة التي سيصل إليها من يريد البحث في هذا المجال هي صدق القرآن وأنه وحي منَزَّل من عند الله.
والمقصود أنَّ نهاية البحث في هذا الموضوع هو التنبيه على صدق القرآن إذ أخبر عمَّا كان خافياً عن البشر إبَّان نزوله، فظهر بتقدم الزمن .
٤٢- يُنتبه لأمور:

الأول: أن لا يُسمى البحث في قضايا العلم التجريبي بهذا الاسم (الإعجاز العلمي).
الثاني: أن لا يُنطلق في الحديث من القرآن لأجل إثبات أن القرآن قد تحدث عن هذه القضية أو تلك.
الثالث: أن يُنطلق في الحديث عن هذه الأمور من باب بيان عظمة الله في خلقه، وإن جاءت الآيات في البحث عن عظمة الله في خلقه فمجيئها على سبيل الاستشهاد لا على سبيل تقرير ما فيها من أمور متعلقة
بالبحوث التجريبية.
٤٣- من خلال قراءتي فيما سطَّره بعض المعاصرين ممن اعتنوا بإبراز (الإعجاز العلمي) في كتاب الله سبحانه وتعالى؛ رأيت أن اعتمادهم على المأثور عن السلف قليلٌ جداً، وجُلُّ اعتمادهم على كتب التفسير المتأخرة، فتراهم ينسبون القول إلى القرطبي وأبي حيان والشوكاني على أنهم هم السلف

٤٤- في هذا العصر الذي برز فيه سلطان العلوم الكونية والتجريبية سعى نفر من المسلمين إلى إبراز سبق القرآن إلى كثير من هذه المكتشفات المعاصرة، لكنَّ بعضهم تنقصه الآلة التي يستطيع بها معرفة صحة مطابقة تلك القضية في تلك العلوم للآية التي يحمل عليها ذلك التفسير الحادث، كما أن الملاحظ على هؤلاء أنهم لا يعرفون قول السلف في الآية.

- تكاد تتفق كلمة الباحثين في الإعجاز العلمي على أن المراد به: سبق القرآن إلى الإخبار بأمور كانت غير معلومة للجيل الذين نزل عليهم القرآن، وظهرت معرفتها في هذا العصر المتأخر.
٤٦- إن أي مفسر ـ كائناً من كان ـ إذا أقدم على التفسير وهو غير عالم بطريقة التعامل مع تفسير السلف حال الاتفاق وحال الاختلاف، فإنه سيقع في تفسيره خلل بسبب نقص علمه في هذا المجال، إلا أن يكون ناقلاً لا رأي له، وبهذا يكون خارجاً عن أن يكون مفسراً.
٤٧- ضوابط قبول التفسير المعاصر:

الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:
1 - أن تدلَّ عليه لغة العرب، وذلك في تفسير الألفاظ أو الصيغ أو الأساليب.
وهذا يعني أن تفسير ألفاظ القرآن بمصطلحات علمية سابقة له ، أو مصطلحات لاحقة لا يصحُّ البتة؛ لأن ألفاظه عربية.

يؤخذ من لسان العرب، ولغة القرآن، لا من هذه المصطلحات
2 - أن لا يخالف مقطوعاً به في الشريعة.

فإن ما لا يوافق الشريعة لا يمكن أن تدل عليه آيات القرآن بحال.
الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:
ويمكن معرفة ذلك بطرق، منها أن تدلَّ عليه بأي وجهٍ من وجوه الدلالة: مطابقةً أو تضمُّناً أو لزوماً، أو مثالاً لمعنى لفظ عام في الآية، أو جزءاً من معنى لفظ من الألفاظ، أو غير ذلك من الدلالات التي يذكرها العلماء من أصوليين وبلاغيين ولغويين ومفسرين.

وهذا الضابط مهمٌّ للغاية، إذ قد يصحُّ القول من جهة وجوده في الخارج، لكن يقع الخلل في صحة ربطه بالآية،
الضابط الثالث: أن لا يبطل قول السلف:
والمراد أن القول المعاصر المبني على العلوم الكونية أو التجريبية يُسقطُ قول السلف بالكلية،

٤٨- مصطلح معاصر حادث، وهو (الإعجاز العلمي في السُّنَّة النبوية)، فهل يصح هذا الإطلاق؟
إذا رجعنا إلى تراثنا المتراكم عبر القرون، وجدنا علماءنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قد كتبوا في هذا الأمر، لكن تحت مسمَّى (دلائل النبوة) أو (أعلام النبوة)، وهو أقلُّ في الاستعمال من (دلائل النبوة).
ويذكرون في كتبهم هذه أموراً:

الأول: معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الثاني: أحواله الدالة على صدقه.
الثالث: إخباراته بالغيب، والإشارة إلى وقوع بعض ما أخبر به.

٤٩- قلَّبتُ الأمر في هذا المصطلح الحادث، فلم أر أننا بحاجة إليه ما دام في تراثنا ما يغني عنه، ويدلُّ على المراد به دون مشكلات علمية، وإذا تأملت تعريفهم للإعجاز العلمي بالسُّنَّة النبوية؛ ظهر لك يقيناً أن مدلول مصطلح (دلائل النبوة) أصدق وأدقُّ من مدلول (الإعجاز).
٥٠- هل يُعدُّ هذا سبقاً، وهل هذا السبق ـ لو صحَّ ـ إعجاز؟!

حقيقة السبق تكمن في المجهود البشري البحت، وليس في ادِّعاء سبق القرآن للعلم المعاصر؛ لأن ادعاء السبق ظنِّي بلا ريب، ولا يمكن لأحد أن يجزم بأن هذه القضية المعاصرة تفسير وتأويل لآيةٍ ما.
٥١- يصحُّ ادعاء السبق في حالين:
الأولى: أن تكون الآية ظاهرة واضحة بلا نزاع في أن المراد منها ما اكتشفه العلم المعاصر، وفي هذه الحالة، فإن فهم السلف لها يُخرجها عن كونها لم تُكتشف إلا بالعلوم المعاصرة المكتسبة، ويبدو أنه إذا وُجد أمثلة من
هذا النوع فإنها خارجةٌ عن كلام أهل الإعجاز العلمي.

الثانية: إذا قام الباحث المسلم باكتشاف القضية المعاصرة، ثم اكتشفها الكافر بعده، فتلك حقيقة السبق.
٥٢- هل هناك فرق بين دلالة الآيات القرآنية ودلالة الأحاديث على المكتشفات المعاصرة؟

إذا تأملت مجموعة من الأحاديث النبوية التي نُسب إليها (الإعجاز) ـ كما هو الحال في التعريف الأول ـ فإنك ستلاحظ أن دلالة الحديث النبوي على القضية المكتشفة المعاصرة أقوى من دلالة الآية التي تأتي مجملة ـ في كثير من الأحيان .
٥٣- لقد بقي تفسير القرآن بما ورد في كتب العلوم التجريبية والكونية يسمَّى بالتفسير العلمي، وهو اجتهاد في ربط بعض ظواهر الكون المكتشفة حديثاً بالقرآن، وإبراز أن القرآن قد دلَّ عليها، وهذه النتيجة لا
تختلف عن الانتقال من تسمية هذه الظاهرة التفسيرية الجديدة باسم الإعجاز العلمي، فهذا يفسر، وذاك يفسر، وإنما الاختلاف في كون المفسَّر به نظرية أو حقيقة.
54- مدلول العلم عند الطاهر بن عاشور أوسع من مدلول المعتنين بالإعجاز العلمي الذين جعلوه في (العلوم التجريبية).
55- دلائل صدق القرآن لا يمكن أن تُحصر، فكل آية من آياته دليل على صدقه، فالجهل بالاستدلال بها اليوم من قِبَلِ بعض الناس لا يعني عدم وجودها، أو أنها لا توجد إلا في الإعجاز العلمي.

56- كيف نتعامل مع تفسير السلف؟
1- معرفة ما منَّ الله عليهم به من التقدم في الإسلام، والإحاطة بعلم الشريعة، والإدراك لمعاني كلام الله.
2- أن نفهم كلام السلف ونعرفه، لكي لا نتعجَّل في ردِّه.

3- أن نبني عليه ولا ننقضه.4- أن نعلم أن اختلافهم ـ في الغالب ـ اختلاف تنوع.5- أنَّ عدم قولهم بهذا مبني على مسألة مهمة، وهي التفريق بين أمرين:الأمر الأول: أنه لا يوجد في القرآن ما لم يعرف له السلف معنى صحيحاً، وهذا يعني أنهم ـ بجمهورهم ـ فسروا القرآن كله، ولم يفت عليهم شيءٌ من معانيه.الأمر الثاني: أنَّ للقرآن وجوهاً غير التي ذكرها السلف، وأنه يجوز تفسير القرآن بالوجوه الصحيحة التي تحتملها الآية.

===========================
* منقول من موقع مثانى القرآن


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25-03-2025, 11:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



فوائد وتأملات حول اسم الله ( اللطيف )*
من كلام العلامة السعدي - رحمه الله -
(25)



بسم الله الرحمن الرحيم
- ورد اسم الله ( اللطيف ) في القرآن في سبعة مواضع :


} لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[الأنعام : 103]
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{ [ يوسف : 100]
}أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ { [الحج : 63]



} يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ [لقمان : 16]

} وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا { [الأحزاب : 34]
} اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ {]الشورى : 19]


}أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ [الملك : 14[
} لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[الأنعام : 103]
{ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبرته، ودق حتى أدرك السرائر والخفايا، والخبايا والبواطن. ومن لطفه، أنه يسوق عبده إلى مصالح دينه، ويوصلها إليه بالطرق التي لا يشعر بها العبد، ولا يسعى فيها، ويوصله إلى السعادة الأبدية،
والفلاح السرمدي، من حيث لا يحتسب، حتى أنه يقدر عليه الأمور، التي يكرهها العبد، ويتألم منها، ويدعو الله أن يزيلها، لعلمه أن دينه أصلح، وأن كماله متوقف عليها، فسبحان اللطيف لما يشاء، الرحيم بالمؤمنين.
{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{ (يوسف 100)
{ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ } يوصل بره وإحسانه إلى العبد من حيث لا يشعر، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها، { إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ } الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها، وسرائر العباد وضمائرهم، { الْحَكِيمُ } في وضعه الأشياء
مواضعها، وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها.

}أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ۗ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {[الحج : 63]

{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء، وخفياتها، وسرائرها، الذي يسوق إلى عبده الخير، ويدفع عنه الشر بطرق لطيفة تخفى على العباد، ومن لطفه، أنه يري عبده، عزته في انتقامه وكمال اقتداره، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك، ومن لطفه، أنه يعلم مواقع القطر من الأرض، وبذور الأرض في باطنها، فيسوق ذلك الماء إلى ذلك البذر، الذي خفي على علم الخلائق فينبت منه أنواع النبات، { خَبِيرٌ } بسرائر الأمور، وخبايا الصدور، وخفايا
الأمور.
} يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{ [لقمان : 16]

قال: { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار.

والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ.

} وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا { [الأحزاب : 34]
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا } يدرك أسرار الأمور، وخفايا الصدور، وخبايا السماوات والأرض، والأعمال التي تبين وتسر.

فلطفه وخبرته، يقتضي حثهن على الإخلاص وإسرار الأعمال، ومجازاة اللّه على تلك الأعمال.



ومن معاني { اللطيف }
الذي يسوق عبده إلى الخير، ويعصمه من الشر، بطرق خفية لا يشعر بها، ويسوق إليه من الرزق، ما لا يدريه، ويريه من الأسباب، التي تكرهها النفوس ما يكون ذلك طريقا [له] إلى أعلى الدرجات، وأرفع المنازل.
} اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ {]الشورى : 19]

يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه تعالى معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده -وخصوصا المؤمنين- إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون.

- فمن لطفه بعبده المؤمن

أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيعازه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه.

ومن لطفه :
أن أمر المؤمنين، بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض.

ومن لطفه،

أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا
قال هنا: { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } بحسب اقتضاء حكمته ولطفه { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء.
}أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{ [الملك : 14[

{ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر، والخبايا [والخفايا والغيوب]، وهو الذي { يعلم السر وأخفى } ومن معاني اللطيف، أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر، من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب، بأسباب لا تكون من [العبد] على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة.

من أوجه لطفه تعالى :
من لطفه

بعباده المؤمنين أنه يتولاهم بلطفه ، فيخرجهم من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة .

ومن لطفه :

أنه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء ، التي هذا طبعها وديدنها ، فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ، ويصرف عنهم السوء والفحشاء . فتوجد أسباب الفتنة ، وجواذب المعاصي ، وشهوات الغي ، فيرسل الله عليهما برهان لطفه ، ونور إيمانهم الذي منّ به عليهم ، فيدعونها مطمئنين لذلك ، منشرحة لتركها صدورهم .

ومن لطفه بعباده :
أنه يقدر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم ، فقد يريدون شيئا وغيره أصلح . فيقدر لهم الأصلح وإن كرهوه

( الله لطيف بعباده يرزق من يشاء)
ومن لطفه :

أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق ؛ رحمة بهم ولطفا ، وسوقا إلى كمالهم وكمال نعيمهم .
( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم )

ومن لطفه :
أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها ، فيعزم على قُربة من القرب ثم تنحل عزيمته

لسبب من الأسباب فلا يفعلها .
ومن لطفه :

أن يُقيّض لعبده طاعة أخرى غير التي عزم عليها ، هي أنفع له منها ، فيدٓعُ العبد الطاعة التي ترضي ربه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها .

و من لطفه :

أن يُقّر الله خيرا وإحسانا من عبده ، ويُجريه على يد عبده الآخر، ويجعله طريقا إلى وصوله للمستحق، فيثيب الله الأول والآخر .
المصدر :

(1) " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " للسعدي
(2) كتاب " المواهب الربانية من الآيات القرآنية " للسعدي

* منقول من موقع مثانى القرآن




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 26-03-2025, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان



ليلة القدر؛ فضائلها وسبل استثمارها
الكاتب : مسعد عرفة
(26)



ليلة القدر ليلة لها شرف جليل وقدر عظيم، وفيها الكثير من البركات والخيرات؛ فهي هبة عظيمة ومِنّة كبيرة اختص الله بها هذه الأمة. تعرف في هذه المقالة على فضائل هذه الليلة وسُبل استغلالها.
سلْني عن أعظم نعمة امتنّ الله بها على عباده أُحدثك عن نعمة القرآن، وسلْني عن خير ليلة في العام أُحدّثك عن ليلة نزول القرآن؛ فهي ليلة ليست كسائر الليالي، إنها ليلةٌ عظيمة القدر أنزل الله فيها كتابًا عظيم
القدر عن طريق مَلَكٍ عظيم القدر إلى نبي عظيم القدر، إنها ليلة القدر، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [سورة القدر:1-2].
فسبحان من شَهِدَ بفضل هذه الليلة واختارها لتكون ميقاتًا لميلاد رسالة الإسلام وموعدًا لنزول القرآن، فإن أردت أن تتحدث عن شرف القرآن وقدره فينبغي أن تتحدث عن شرف هذه الليلة المباركة التي نزل فيها
القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [سورة الدخان:3].
فضائل ليلة القدر وخصائصها:

فليلة القدر ليلة قدرها جليل، وليس لها مثيل، ويضاعف الله فيها العمل القليل، فهي هبةٌ عظيمة ومنة كبيرة اختصَّ الله بها هذه الأمة، وفيما يلي نُجمل شيئًا من فضائل هذه الليلة العظيمة:
أولًا: أنَّ الله شرّفها بنزول القرآن فيها:

ذلك أنَّ القرآن قد نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أُنزل بعد ذلك إلى الأرض منجمًا ومفرقًا بحسب الوقائع والحوادث، فعن ابن عباس قال: «أُنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء

الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة»[1].
ثانيًا: جعل الله -عز وجل- أجرَ العمل فيها خيرًا من ألف شهر:
قال مجاهد في قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: «عملُها وصيامُها وقيامُها خيرٌ من ألف شهر»[2].

وذلك منّة من الله وفضل على هذه الأمة لقصر أعمارها، مقارنة بأعمار الأمم السابقة، فقد روي أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر يومًا أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله ثمانين عامًا، قال: فعجب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، فأتاه جبريل فقال: يا محمد، عجبتْ أمّتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين، فقد أنزل الله خيرًا من ذلك، فقرأ عليه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ
مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، هذا أفضل مما عجبتَ أنت وأمتك، قال: فسُرَّ بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه[3].
وروي عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجلٌ يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتى يُمْسِيَ، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، أي: قيام تلك الليلة خيرٌ
من عمل ذلك الرجل[4].

ثالثًا: من قام هذه الليلة إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه:
فعن أبي هريرة أن رسول الله -صـلى الله عليه وسلم- قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].
رابعًا: أَخْبَرَ النبي -صـلى الله عليه وسلم- أن من حُرِم خير هذه الليلة فقد حُرِم:

فعن أبي هريرة -رضـي الله عنه- قال: لما حَضرَ رمضانُ قال رسول الله -صـلى الله عليه وسلم-: «قد جاءكم شهر رمضان، شهرٌ مباركٌ، افترض اللهُ عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حرم» [رواه النسائي].

خامسًا: أنَّ هذه الليلة تنزّل فيها الملائكة ويُقدّر فيها الآجال والأرزاق:

يقول مجاهد: «يُقضَى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يُقَدّمُ ما يشاء، ويُؤخّر ما يشاء، فأمَّا كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يُغّير»[5].

وعن ربيعة بن كلثوم، قال: كنت عند الحسن، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كلّ رمضان؟ قال: إي والله، إنَّها لفي كلّ رمضان، وإنها الليلة التي يُفْرَق فيها كلُّ أمرٍ حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها[6].

سادسًا: أخبر الله سبحانه أنها ليلة سالمة من الشيطان ومن كلِّ شرٍّ:
يقول ابن جرير في قوله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، أي: سلام ليلة القدر من الشرّ كلّه من أوّلها إلى طلوع الفجر من ليلتها[7].

وقد روي عن مجاهد في قوله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر:5] قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذى[8].
الحكمة من إخفاء ليلة القدر :

ومن حكمة الله -عز وجل- أن أخفى ليلة القدر كما أخفى الأعمار والآجال والأرزاق؛ وذلك ليجتهد المسلم في العبادة والطاعة في جميع ليالي العشر، بخلاف ما لو عُيّنت لها ليلة لخصّها الناسُ بالعبادة ولتكاسلوا عن سائر الليالي، ومع ذلك قد يخصُّ الله بعض عباده برؤية علامتها أو الشعور بسكينتها وبركاتها، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد يكشفها الله لبعض الناس في المنام أو اليقظة، فيرى أنوارها أو يرى من
يقول له هذه ليلة القدر، وقد يفتح الله على قلبه من المشاهدة ما يتبين به الأمر»[9].
بعدما عرفنا أيها القارئ الكريم فضل هذه الليلة المباركة، كيف لنا أن نكون من الفائزين بها؟

أولًا: ينبغي على المسلم أن يتحرّاها في الليالي العشر الأواخر من رمضان:
وذلك بالاجتهاد في العبادات والأعمال الصالحات في هذه العشر كلّها، وألا يفتر في ليلة منها وخاصة الليالي الوتر، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صـلى الله عليه وسلم-، قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].

وروي عن عائشة -رضـي الله عنها-: أنَّ رسول الله -صـلى الله عليه وسلم-، قال: «تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» [رواه البخاري].

ثانيًا: ينبغي على المسلم أن يجتهد في قيام هذه الليالي العشر وإحيائها:
فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنَّه كان إذا أتت العشر الأواخر من رمضان، كان يحيي ليله ويوقظ أهله ويعتكف في المسجد للعبادة، فعن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [رواه البخاري].

وذلك لأن قيام الليل في هذه الليالي المباركة من أفضل العبادات، التي يمكن أن يتقرب بها المسلم إلى الله -عز وجل-، لما له من عظيم الأجر كما أخبر النبي -صـلى الله عليه وسلم-، فقد روى أبو هريرة، عن النبي -صـلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].

وهذا القيام يبدأُ من بعد صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، كما قال تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر:5].
ومن كان يصلي القيام في المسجد خلف الإمام فيستحب له عدم الانصراف من المسجد حتى ينتهي الإمام من الصلاة، إن أراد أن ينال أجرَ قيام ليلة كاملة؛ فقد روي عن النبي -صـلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن
الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة» [رواه أبو داود].

ثالثًا: الاجتهاد في الدعاء في هذه الليالي العشر:

وخاصة بهذا الدعاء الذي علمه النبي -صـلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها-، فقد روي عنها أنها قالت للنبي -صـلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، أرأيتَ إنْ علمتُ أيّ ليلةٍ ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحبّ العفو فاعفُ عنّي» [رواه الترمذي].

وفي الختام: أسأل الله أن يُبلّغني وإياكم ليلة القدر، وأن يرزقنا صيامها وقيامها على الوجه الذي يرضيه عنَّا، وأن يكتب لنا أجرها ولا يفتنّا بعدها، وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] تفسير ابن كثير: (6/ 100).
[2] تفسير الطبري: (24/ 533).
[3] تفسير ابن كثير: (8/ 426).

[4] تفسير الطبري: (24/ 533).
[5] تفسير الطبري: (22/ 10).

[6] تفسير الطبري (22/ 8).
[7] تفسير الطبري (24/ 534).

[8] تفسير ابن كثير (8/ 427).
[9] مجموع الفتاوى (25/ 286).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 254.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 248.29 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]