فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         طرق علاج غازات البطن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أبرز الأطعمة الغنية باليود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مضاد حيوي طبيعي للأسنان الملتهبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أسباب غازات المهبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          انتفاخ البطن بعد الأكل: الأسباب، الأعراض وكيفية تفاديه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنواع الحليب الخالي من اللاكتوز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          علاج ألم الأسنان بطرق متنوعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          فوائد الكركم للمعدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين انتفاخ البطن والقولون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          طرق علاج نقص المعادن في الجسم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-10-2021, 05:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (4)

أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ..


أسماء محمد لبيب




مَا إن يبدأُ ولدُكِ في إدراكِ مفاهيمَ الحياةِ مِن حَولِهِ، فإنَّ أولَ مَطلُوبٍ تُلَقِّنينَهُ إياهُ بَعدَ التوحيدِ هو: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}
وربما ذلكَ قَدْ يَبدأُ بعدَ إتمامِه لعامِه الثانِي واللُه أعلم، فهذا الشَّطرُ من الآيةِ قد جاءَ بعدَ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن}
ولكن إنِ استوعبَ الأمرَ قبلًها فبادرٍي، فالعِبرَةُ بالاستيعاب..
فما إنْ يَعقِلُ مَفاهِيمَ التواصُلِ والامتنانِ، لَقِّنِيهِ شُكرَ أصحابِ الإنعامِ الأكبرِ عليهِ في حياتِه:
-ربِّه تباركَ وتعالَى أولًا، خالقِه ورازِقِه،
-ثم أمِهِ وأبيهِ ثانيًا، مَنْ جَعَلَهُما اللهُ سببًا في وُجُودِه ورِزقِهِ وعافيتِه وسعادتِه..

وكما هو معروفٌ أنَّ الشكرَ أصلُ العبادةِ للهِ عز وجل وأَصلٌ في تَحَقُّقِها حيث قال تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
فهو كذلك من أسبابِ ((التعلقِ والارتباطِ الشعوري)) عمومًا، بولِيِّ الفَضلِ والنِّعمَةِ،
ومن أقوَى أسبابِ الإحساسِ بالسكنِ معَهُ وحُبِّ الانقيادِ لَه،
بسببِ الشعورِ العميقِ بالامتنانِ والتقديرِ تجاهَه..

ولا شكَّ أن هذا يكونُ مِن أقوَى الأسبابِ المُحَفِّزَةِ للنفسِ على البِرِّ والطاعةِ والتسليمِ بينَ يَدَيِ المُرَبِّي عُمومًا،
وبالتالي يُقَوِّي من الاستجابةِ للتقويمِ والتوجِيهِ والتربيةِ على الإسلامِ والاستقامةِ،
وتسليمِ الزِّمامِ طواعيةً بسَهُولةٍ ولِينٍ ويقينٍ وثِقَةٍ وحُبّ..

فمَنْ يَشكُرْ للهِ = سيَعبُدُه ويُطيعُه ويَبَرُّهُ ويَستسلِم لَهُ ويَخضَعُ بين يَدَيهِ..
ومن يشكرْ لوالديهِ = سيُطُيعُهُما ويَبَرُّهُما ويَنقادُ لهما بالمعروفِ ويَخفِضُ لهما الجناحَ ويَلِينُ بينَ يَديهِما..

ولذلكَ نجدُ التفكُكَ المُجتَمَعِيَّ في أعلَى صُوَرِه مَوجُودًا في المجتمعاتِ الغربيةِ الحديثة،
إذْ إنَّ من أقوَى أسبابِ انهيارِ المُجْتمَعات:
هَدمُ مَفهومِ بِرِّ الوالدينِ في الأُسرةِ،
والتسخيفُ مِن قِيمةِ الالتزامِ نحوَهُما بِشَيْء،
وكَسْرُ هيبتِهِما في عُيونِ الأبناء،
وانتشارُ ثقافةِ الاستغناءِ عن أبيكَ وأمِّكَ ودعواتِ التخلُّصِ من هيمنةِ الكِبارِ والسُّلطَةِ الأَبَوِيَّة،
والتهوينُ من قُبحِ جُحُودِ نِعمَتِهِمْ أو مِن كَربِ العَيْشِ بِدُونِهِمْ،
وبالتالي تَمَرُّدُ الأبناءِ على توجِيهاتِ الآباءِ وقُيُودِهم..
ولا يَخفَى على كُلِّ عاقلٍ ما نَتَجَ عن ذَلِكَ مُجْتَمَعِيًّا ودِينيًا وإنسانيًّا، ولا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله..

فالحمدُ للهِ على نِعمةِ الإسلامِ، الذي قَرَنَ بِرَّ الوالِدَينِ، والامتنانَ لنِعَمِهِمَا، وطاعتَهُمَا في المَعروف،
بتمامِ العُبودِيَّةِ للمُنْعِمِ الأعظمِ وشُكرِهِ عَزّ وجَل، وخَوَّفَ من التفريطِ في ذلك،بِيَوْمِ الجَزَاءِ والحِسابِ قائلًا:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ... إليَّ المصير}

لكن أيتها الأمُّ الطيبة،،،
أهَمُّ ضامِنٍ لفعاليةِ هذهِ القاعدةِ مَعَكِ بإذن الله، هو ألا تُلَقِّنِيها لوَلَدِكِ بطريقةٍ فيها ((مَنٌّ وأذَى))..
وإنما بطريقةٍ تُنَشِّؤُهُ على أنَّ الأدبَ، والمُرُوءةَ، والخُلُقَ القَوِيمَ، وعَيْنَ الإسلامِ والإيمانِ:
-الامتنانُ لِرَبِكَ،
-والامتنانُ لوالِديْكَ..

وهنا يأتِي سؤالٌ: ألَا يجلِبُ امتنانُهم لنا وإجلالُهم إيانا، التَروِيضَ المُمَيْكِنَ، بدلًا من التربيةِ التَزكَوِيَّة؟
والإجابةُ في القاعدة القادمةِ بإذن الله..













__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-10-2021, 10:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (5)

شابٌ نشأ في طاعةِ الله: تربيةٌ أم ترويض؟


أسماء محمد لبيب




التربيةُ ليس مرادِفُها أن تَجعَلي أبناءَكِ مُنضَبِطِي السلوكِ فقط مادُمتِ حاضِرَةً بسَمعِكِ وبَصَرِكِ مَعَهُم..
إنما التربيةُ هي أن يَفعَلواَ الصوابَ حتى وأنتِ لستِ في الجوار..
النوعُ الأولُ اسمهُ "ترويضٌ" أو "تعايشٌ سِلمِيٌ"،
وهذا هو ما تقدمه لكِ نظرياتُ التربيةِ الغربيةِ الحديثةِ للأسف، خاصّةً لو طبقتِها بدونِ مِسطَرَةِ التربيةِ الإسلامية..

والنوع الثاني اسمُه "تربيةٌ" و "تزكيةٌ" و"فنُّ صناعَةِ الرِّجال"، ذُكرانًا وإناثًا..
الترويضُ استئناسٌ للنفسِ لتصبح أليفةً، حتى إذا فُتِحَ القفصُ أو غابَ الحارِسُ، عادتْ لتَوَحُّشِها..
لكنِ التربيَةُ، هي إعادةُ تشكيلٍ للنفسِ بالتقوَى الذاتِية، فيَستَوِي عندَها وجودُ رقيبٍ من عَدَمِه، لعلمها أن الله شهيدٌ رقيب..
إذًا...

الترويض تطويعٌ مٌؤقَّت، بينما التربيةُ تَطوِيعٌ دائم..

لكني لا أُنكِرُ أنَّ التربيةَ تحتاجُ معَها للترويضِ أحيانًا بالفعل، بل إنَّ بعضَ نظرياتِ الترويضِ المنتشرةِ، موجودةٌ في دينِنا نحنُ قبلَ كلِّ تلكَ الكُتُب..
لَكِنِ الفرقُ، أن الترويضَ في التربيةِ الإسلاميةِ لا يكونُ وحدَهُ بأيةِ حالٍ، وإن وُجِدَ فلا يكونُ هو الأصلُ..
أي إننا يُمكننا الاستغناءُ عنِ الترويضِ ونحن نُرَبِّي،
لكن لا يمكننا الاستغناءُ عن التربيةِ ونحن نُروِّض..

ولأجلِ ذلكَ، فإنَّ خليطَ التربيةِ الإسلاميةِ وَحدَهُ يُحَقِّقُ المعادلةَ التربويةَ المُدهِشة في قوله تعالى: {يَهدِي لِلَتِي هِيَ أَقْوَمُ}..

فإنْ سألَ سائِلٌ:
كيفَ السبيلُ إلى تلكَ التربيةِ الإٍسلاميةِ التي تؤتِي أُكُلَها الطيبةَ دونَ خَلَلٍ بإذنِ رَبِّها،
وتُنشِيءُ أطفالَ المسلمينَ على الاستقامةِ في كلِ حال؟

فالجوابُ في ثلاثٍ:
أولًا: سقايةٌ متينةٌ ومحكمةٌ للعقيدةِ النقيةِ في قلوبهمُ الغَضَّةِ..
كمفهومِ التوحيدِ الخالِصِ وشُرُوطِ لا إلهَ إلا الله/ وأسماءِ اللهِ الحُسنى وصفاتِه/ وأركانِ الإسلامِ/ وأركانِ الإيمانِ، خاصَّةً رُكنُ الإيمانِ بالأنبياءِ القدواتِ الحسنةِ، والإيمانِ بالملائكةِ الكرامِ الكتبةِ، والإيمانِ بيومِ الجزاءِ والجنةِ والنارِ..
فتلك المنظومةُ المتراصَّةُ بإحكامٍ ستُنبِتُ في قلوبِهِمُ التقوَى والخوفَ من غَضَبِ الله/ والرجاءَ في جَنَّتِهِ ومَحَبَّتِه/ والإخلاصَ/ وحُبَّ الخيرِ وأهلِه/ وبُغضَ الشرِّ وأهلِه/..
وسنفصلُ ذلكَ أكثرَ في مقالاتٍ لاحقةٍ بحولِ اللهِ وقُوَتِه..

ثانيًا: سِقايةٌ متأنيةٌ وعلى مُكثٍ، للقرآن..
وتعليقِهِم بِهِ كغذاءٍ لا غِنَىً عنْهُ،
كغذاءِ البَدَنِ تمامًا بلْ أشد..
فينشأونَ على أنَّ "القرآنَ حياةٌ"، حِفظًا وفَهمًا وحُجَّةً وعَمَلًا ودِرْعًا أمامَ المِحَنِ..

ثالثا: وسائلُ أخرى لا تقلُّ أهميةً، مِن إخلاصِ النيةِ للهِ/ وصِدقِ الاستعانَةِ به/ والقدوةُ/ والصبرُ/ والحبُ والمرحمةُ/ والذِّكرُ للهِ كثيرًا وفيهِ الدعاءُ..
وتكلمنا عنهم من قَبلُ ولازالَ للتفصيلِ بقيةٌ بإذنِ الله..

فختامًا نقولُ،،،
الإسلامُ يُنَشِّئُهُم منذُ صِغَرِهِم على حَملِ هَمِّ الدينِ وهَمِّ إهدائِهِ للناسِ قُدوةً وقِيادة.
ويَنقَعُ قلوبَهم وأعمارَهُم فِي القُرآن.
ويُرَبِّيهُم على الخشونةِ والتخفُّفِ مِنَ الدُنيا وعدمِ الهشاشةِ أو المُيُوعةِ.
ويُلَقِّنُهُم أنَّ مَعَالِي الأمورِ لا نَملِكُ رفاهيةَ تَرْكِها.
ويُعَلِّمُهُم فَنَّ التخطيطِ الشاملِ لحياتِهم حولَ كَعبَةِ رضا الله.
ويَغرِسُ فيهم أنَّ الإنجازَ الساحِقَ والميداليةَ الذهبيةَ = في رضا اللهِ لا الناسِ، وأنَّ ذلكَ هُو الفوزُ العظيم.
وكذلك الإسلامُ يُعَلِّمُكِ وأباهم أن تُلقِناهُم ذلك وأنتُما تحيطانِهِم بحبٍ وتَحنانٍ وحُسْنِ صُحبَةٍ وتَشجِيعٍ واحتواءٍ وصبرٍ وحِكمةٍ..
ويَحَثُّكُما على أن تكونا قدوةً في كلِّ ذلكَ أولًا، ليَقتَفُوا خُطُواتِكما بثباتٍ، فِي فَنِّ ((مَلءِ الصحيفةِ بالحسناتِ))..

فإن رَبَيتُم وتَرَبَيتُم على ضوءِ تِلكَ الثمانيةِ، فلن تقلقُوا من فَخِ الترويضِ، ولن تحتاجُوا إلى الغَربِ لِكَيْ يُعَلِّمُوكُم كيفَ تُرَوِّضُونَ أبناءِ المسلمين..
لأنَّ الثمرةَ إن لم تكُنْ "شابًا نشأَ في طاعةِ الله"، فإننا حِينئذٍ لَم نُرَبِّ غالبًا، وإنَّمَا قد رَوَّضْنا وحَسب..
والتربيةُ صعبةٌ.. أجَلْ..
لَكِنِ الثمرةُ تستحقُّ..
فروِّضُوا أبناءَكم بالإسلامِ..


وهنا قد تسألُ أمٌ فاضلةٌ: هل من نَمُوذجٍ قرآنِيٍّ عَمَلِيٍّ، يُبرِزُ ويُؤكِّدُ هذا الكلامَ، نضَعُهُ نُصْبَ أعينِنا ونَسِيرُ عَلَيهِ؟
والجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..

أسماء محمد لبيب









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-10-2021, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (٨)
وأنزلْنا مَعَهُم ((الكتاب)) و ((الميزان)) ليقومَ الناسُ بالقِسط..


أسماء محمد لبيب





[[ قوانين الأسرة]]


كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَ أبنائِنا بالأحكامِ الخَمسَةِ؟
بالكتابِ والمِيزانِ: {لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ.. وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِ}
المسألةُ ليستْ بهوَى الأمهاتِ ولا الأبناءِ.. المسألةُ: بالكتابِ والميزانِ.. هم ونحن عباد لله.. {وَمَا ٱختَلَفتُمۡ فِیهِ مِن شَیۡءࣲ فَحُكمُهُۥۤ إِلَى ٱللَّهِ}.
فما الكتابُ والميزانُ؟ هما باختصارٍ: الدينُ والعدلُ.. الحَقُّ المِسطَرَةُ للمَنطِقُ المُستَقيمُ...
فحين يَشكُو إِليكِ ابنُكِ أمْرًا في الحياةِ لا يُعجِبُه، فقبلَ أنْ تقولي له "هذا خطأٌ أو ليسَ خَطَئًا، أو هذا ليسَ مِنْ حقك الشَكوَى مِنه أو أنتَ مُحِقٌ في شَكواكَ"، عليكِ أولًا:
-أنْ تَزِنِي الفِعلَ بمِيزانِ الشَرعِ.
-وأن تُبَيِّنِي لهم كلَّ مَرَّةٍ أنكِ تَحكُمِينَ على الأمُورِ أو تُعَدِّلِينَ سلوكَهم وِفْقَ الكتابِ والميزان.
-وتَسُوقِينَ لِذلكَ دليلًا من مَصادِرِ التشريعِ التي نَستَقِي مِنهَا حُكمَنَا على الأمور، سواءٌ مِنَ المَصادِرِ المُتفقِ عليها من آيَةٍ أو حَدِيثٍ أو قِياسٍ أو إجماعٍ، أو المختلَفِ عَلَيها كالاستِحسانِ، والمَصَالِحِ المُرسَلَةِ، والاستِصْحابِ، والعُرْفِ، ومَذهَبِ الصَحَابِيِّ، وشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وسَدِّ الذَّرائِعِ..
وكلُها مُستَقَاةٌ بأدِلَّةٍ، مِنَ المَصدَرَينِ الأَصْلِيَيْنِ للتشرِيعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ/ وتابِعَةٌ لَهُما/ ولا تَسبِقْهُما..
وتلك هي عَلاقَةُ الأحكامِ الخَمسَةِ بِالتَربِيةِ وتأسِيسِ السُّلوكِ وتَعْدِيلِه..
مع العِلمِ أن مراعاةَ المكروهِ والمُستَقبَحِ في العُرْفِ، مَطلُوبٌ شَرَعِيٌّ، بل مِن مَحَاسِنِ الإسلامِ وواقِعِيَّتِه، ما لمْ يُخالِفِ الشَّرِيعَةَ..
فدينُنا لم يَترُكْ أيًّا مِن أُمُورِ حياتِنا اليَومِيَّةِ إلا وأرشَدَنا فِيها لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وأرقَى..
سواءٌ قَصَّةُ الشَّعْرِ، وَشَكلُ وَطُولُ الأظافرِ، والنظافةُ الشخصيةُ، والأدَبُ حتى مَعَ نَواةِ التَمرَةِ والزيتونَةِ، وألوانُ الملابسِ وهَيئتُها، وطريقةُ الأكلِ ونَوعِيَّتُهُ وآدابُه، وفِقهُ الهَدِايا والعَوَراتِ والأماكِن، وآدابُ الصُّحبَةِ والزِيارةِ والحِوارِ واللَعِبِ والمِزاحِ وإخراجِ الريحِ،
صُعودًا إلى العِبادَاتِ والفرائضَ والأركانِ والمقاصِدِ الكُبرَى للدين..
مَا فَرَّطْنا فِي الكِتابِ مِنْ شَيءٍ.. وكُلَّ شَيءٍ فَصَّلناهُ تَفصِيلًا... فالحمدُ للهِ علَى الإسلامِ.. أكملُ وأحكَمُ وأشمَلُ قَواعِدَ وأدواتٍ تَربَوِيَّةٍ في الوُجُود..

نَموذَجُ حِوارٍ تأسيسيٍّ لقانونِ الأُسرَةِ:
يا أبنائِي الأعزاء،،
-لن أقولَ على أمرٍ ما أنَّهُ ((خطأٌ)) لمجردِ أنَّ هذا الشيءَ ليسَ مُوافِقًا لذَوقِي وهَوَايَ، وإنَّما لأنَّ هذا حُكمُ الشرعِ فِيه.
-ولن أقولَ على أمرٍ ما أنهُ ((جميلٌ وصَوابٌ)) بِغَضِّ النَّظَرِ عَن رَأيِ الشَّرعِ فِيهِ ولمجردِ أنِّي أُحِبُّهُ..
-وإنما لوِ الأمرُ وُجهَةُ نَظَرٍ فسأقولُها صَرَاحَةً: هذا رأيِي الشخصيُّ ولكم ما شِئتُم..
-ولو الأمرُ شَرعِيٌّ فسأقولُ بوضَوحٍ: هذا رأيُ الشَرْعِ وهَاكُمُ الدليلُ..
-فأقولُ على الخطأِ الشَرْعِيٍّ حَرامٌ.. ولا أقولُ على المَكرُوهِ أنه حَرامٌ أو مُنكَرٌ.. ولا أقولُ على المُستَحَبِّ أنَّه واجِبٌ أو فَرْضٌ.. وأقولُ على الخطأِ العُرفِي: ((لا يَلِيقُ كذا/ أو الأقربُ للتقوَى والجَمالِ ومُرادِ اللهِ وسَدِّ الذرائعِ وتَحقِيقِ المَصْلَحَةِ كذا..))
-ولَنْ أُمَكِّنُكُم مِنَ المُنكَرَاتِ، ولنْ أُجبِرَكُم على المُستَحَبَّاتِ، لكن سأُحاسِبُكُم على تَركِ الواجِباتِ والمسؤولياتِ، وسأنصَحُ لكُم في المُشتبَهاتِ بتركِها أحوطَ لِدِينِنا وعِرْضِنا..
-بوضوحٍ هكذا في كُلِ مَسألةٍ دونَ خَلطٍ للأمُورِ ولا تَذوِيبٍ للفَواصِلِ بينَ الدينِ والعُرفِ والهَوَى، فَلَا أُشَدِّدُ عَليكمْ بِغَيرِ حَقٍّ ولا أُفَرِّطُ في حَقٍّ للهِ والعِياذُ باللهِ.. فدِينُنُا قدْ قالَ: {كُونُوا قَوامِينَ بِالقِسطِ} ، {وَإِذَا قُلتُمْ فَاعدِلُوا}، و «أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ...
-بالتالي يا حباتِ الفؤادِ، مَن يَعتَرِضْ مِنكم بعدَها على قَبولِ حُكْمِ الدينِ في شأنِه، يَكُونُ رافِضًا لِحُكمِ اللهِ، وقد جاءَ الإسلامُ لِنُخرِجَ أنفُسَنا من داعِيَةِ هواها ونُطَوِّعُها لِمرادِ اللهِ: { {أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ یَبۡغُونَ.. وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمࣰا لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ} }.. { {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيؤِ هُدًى مِنَ الله} }؟...
-فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا العِنادَ، فَذَلِكَ لَنْ يَمنَعَني مِنَ الاستمرارِ في تَربِيَتِكُم بِما يُرضِي رَبِّي ورَبِّكُم، وأَزِّكُم أَزًّا علَى فِعلِ الخَيرِ وتَركِ الشَّرِ، وتَكرَارِ النُّصحَ لكُم سِرًا وَجَهرًا، لَيلًا ونَهَارًا، بأمرِ اللهِ: " {فَاصدَعْ بِما تُؤمَرُ} "..
-فإِصرارُكُم علَى الخَطَأِ لن يَجْعلَنِي أترك نُصحَكُم وتَذْكِيرَكُمْ:{ {أفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} }؟
ولا أَرضَخُ وأُسَهِّلُ لكُم المُنكَرَاتِ، فكلٌ مِنا يَجمَعُ لصَحِيفَتِهِ: { {قُلْ كُلُّ يَعمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} }، { {وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ} }، { {وَمَن یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} }..


فإن وَجَدتِ بَعدَها أيتُها الكريمةُ، أحدَهُم مُتَضَجِّرًا بَعدَ مَا بَيَّنْتِ لَهُ مِيثاقَ القَوانِينَ الحاكِمَةِ للأُسرَةِ تَحتَ مِظَلَّةِ شَرعِ اللهِ، فهذا يَعنِي أَنَّهُ بِحاجَةٍ للتَذكِيرِ بالتوحيد وحُقوقِ العُبُودِيَّةِ والشُرُوطِ السبعة لـ"لا إله إلا الله"، إلَى آخِرِ مَا بَينَّاهُ فِي القاعِدَةِ الخامِسَةِ،
لِتُوقظي لَدَيْهِ {سَمِعنَا وَأَطَعْنَا} مَعَ اللهِ ثانيةً، رَغَبًا وَرَهَبًا..

{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ}.. وسنفصلها أكثر في الممنوعات التربوية بإذن الله..
{فَإِنْ أَسْلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهْتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوْا۟ فَإِنَّمَا عَلَیْكَ ٱلْبَلَـٰغُ.. وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلْعِبَادِ}..

وتذكري دومًا قول أبي حامد الغزالي رحمه الله:
"الصبي أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهرُ جَوهَرَةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورةٍ، وهو قابلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كلِ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ عليهِ، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرةِ أبواه وكلُ مُعَلِّمٌ له ومؤدبٌ.. وإن عُوِّدَ الشرَ وأُهمِلَ إهمالَ البهائمِ، شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه"


وهنا يأتي سؤال: هل مِن قواعدَ تفصيليةٍ أكثر لإدارةِ الأزمات بالعدلِ بيني وبين أبنائي....؟
والجواب في المقالة القادمة بإذن الله..




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-11-2021, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء


قواعد: (11)

ثلاثُ قواعد في عَلاقَةِ والديكِ بتربيتكِ لأبنائك


أسماء محمد لبيب


كل ما سَبَقَ سَهلٌ بحولِ الله وقوته الالتزام به، وأعلمُ أن كثيرًا منا تَرَبَّى بخِلافِه ورُبَمَا يَعُوقُ ذلكَ مُجاهدتَهُ، إذ يَجِدُ طِباعَهُ تَغلِبُ محاولاتَهُ الإصلاحِية باستمرار، أو يَجِدُ آباءَه يَعوقُونَ توجِيهاتَه التربويةَ المخالفةَ لبعضِ ما رَبَّوهُ عَليه، ومِنا مَن تَشَرَّبَ الخَلَلَ حتى النخاعِ ولا يَقبَلُ حتى فكرةَ أن يُرَبِّي أبناءَه بشكلٍ مُختَلِف...
والحلُّ لهذِهِ المُنَغِّصاتِ بجانِبِ ما سبقَ من قواعِد: تَذَكُّرُ ثلاثَ قواعِدَ خاصةٍ لتطويعِ هذهِ العقباتِ وتَمهِيدِ طريقِ التربيةِ بإذنِ اللهِ..
:القاعدةُ الأولَى
قولُ النبيِّ ﷺ: «احرِصْ على ما يَنفَعَك»
فلا تجعلي حِرمَانَكِ سببًا فِي حِرمانِ أبنائِك، فإنَّ فاقدَ النعمةِ هو أَقدَرُ الناسِ على إعطائِها..
فَأيُّ قِسوِةٍ أو حِرمانٍ أو ألَمٍ قد تَعَرَّضتِ لهم في بيتِ أهلِكِ الكِرامِ -عفا اللهُ عنهم وعنا- اجتهِدِي أن تُجَنِّبِيهِ أولادَكِ.. وكلنا غَيرُ مَعصُومين..
وكذلك... أيُّ فَضيلةٍ أو قِيمَةٍ تعلمْتِها مِنهُم في بيتِهم الكريمِ -جزاهمُ اللهُ الجنةَ- اجتَهدِي في تعليمِها لأبنائِكِ بغَضِ النَظَرِ عن ألمِكِ فِي غيرها، وتَذَكَّرِي والديكِ بالثناءِ حينَها أمامَ أولادِكِ، وادعِي لهما جَهرًا بصِدقٍ وامتنانٍ، أحياءً أو أمواتًا.. هذا تربيةٌ على الامتنانِ وحُسنِ العَهد، لقلبِكِ بالتَكرار، ولأبنائِكِ بالقُدوَة..
انسَيْ تمامًا قاعدةَ: "فاقد الشيء لا يعطيه"..
وتَذَكَّرِي فقط قاعدةَ: {قد أفلح من زكاها} ..
فإنَّ فاقِدَ الشيءِ هوَ أقدَرُ الناسِ على إعطائِهِ، لأنهُ الأكثرُ مَعرِفَةً بقَدرِ هذا الشيءِ وبأثَرِ وشعورِ الحِرمانِ مِنه..
هذا فقط لوِ القلبُ سليمٌ، لم يَفسُدْ بنَبْضِ الثأرِ، وَلَمْ تُقَسِّهِ القَسوَةُ، ولمْ تَحرِقْهُ شَهوَةُ الحِقدِ والانتقام؛ ويَتُوقُ لتخرِيجِ أجيالَ مُسلِمةٍ خاليةٍ من التشوهاتِ النفسيةِ والإعاقاتِ الروحيةِ والاعوجاجِ التربوِي...
سلامٌ على كل ابنَةٍ رَحِمَتْ أبناءَها من أيِّ بلاءٍ تَربَوِيٍّ أثَقَلَها، فَجبَرَتْ نَقصَ والديها الكرامِ بإكمالِ حالِ أبنائِها فِيه، وأوقَفَتْ مُسَلسَلَ التشوهاتِ والعُقَدِ النفسيةِ عِندَ عَتَبَتِها..
سلامٌ على كل رُوحٍ مُتعَبةٍ، وتأبَى إلا الإحسان..

القاعدة الثانية:
قاعدة عامة ولها استثناء:
{بِرُّوا آباءَكم تبرَّكم أبناؤُكم}
فبقدرِ بِرِكِ بوالديكِ، بِقَدرِ بِرِّ أبنائِكِ بِكِ، غالبًا وليس مُطلقًا..
ورغم أن الحديثَ مُختَلَفٌ حولَ صِحَتِه، إلا أَنَّهُ صحيحُ المعنَى وإن لم يكن قاعدةً مُطلَقَة..
فإن أردتِ مضاعفةَ صلاحِ ثَمَرَتِكِ، فَعَلَيكِ بِبِرِّ والدَيكِ..
فلو لازالا أحياءَ فبادِرِي بالتوبةِ عنِ التقصِيرِ أو الخطأِ، وأدرِكِي ما فاتَكِ باجتهادٍ وصِدقٍ..
قال ﷺ: «رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ، ثم رَغِمَ أنفُهُ...! قيل: مَنْ يا رَسُولَ اللهِ؟! قال: مَن أدرَكَ والدَيهِ عِندَ الكِبَرِ، أحدَهُما أو كِلَيهِما، ثم لم يَدْخِلِ الجَنةَ» *2
ولو ما عَادا أحياءَ، فِبِرُّهُمْ لَم يَنقَطِعْ بَعدُ رُغمَ الفِراق..
قال رجل: " «يا رسولَ اللهِ إنَّ أبَوَيَّ قد هلَكا، فهلْ بَقِيَ لِي بَعدَ مَوتِهِما مِن بِرِّهِما شَيءٌ؟ قال ﷺ: نَعَم، الصَّلاةُ عليهِما، والاستغفارُ لهُما، وإنفاذُ عُهُودِهما مِن بَعدِهما، وإكرامُ صديقِهِما، وَصِلةُ رَحمِهما الَّتِي لا رَحِمَ لكَ إلَّا مِن قِبَلِهما» ".*3
فلازال أمامَكِ سَبَبٌ من أسبابِ تَحسِينِ ثَمَرَتِكِ تأخُذِينَ بِهِ كلما تأمَّلْتِها بِحُزنٍ لِتَأَخُّرِها أو لذُبُولِ بَعضِ وُرَيقَاتِها، فإنْ عَجَزتِ عن سببٍ فلا تَعجَزِي عن غَيْرِه.. {والذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِين} ..
و {جَاهَدُوا فِينَا} تُنَبِّهُكِ ألا تَنْسَيْ إخلاصَ النيةِ لِوَجهِ اللهِ الكَرِيم..
القاعدة الثالثة:
{وَاخفِضْ لَهُما جَنَاحَ الذُّلِ}
عِندَ تَعارُضِ تَوجِيهاتِكِ لابنِكِ، معَ توجيهاتِ وَالدَيكِ لَه، فالأمرُ يَنقَسِمُ لأُمُورٍ دِينِيةٍ وأمورٍ حياتِيةٍ عادِية..
فمثلًا، إن كانَ الجَوُّ بارِدًا ووالدتُكِ الكريمةُ تَحرِصُ بِشِدَّةٍ علَى المُبالَغَةِ فِي تَدفِئَةِ ولَدِكِ بسِروالٍ إضافيٍّ ووُشاحٍ على عُنُقِهِ وأنفِهِ ورُبمَا طاقِيَّةٍ وقُفازاتٍ وجواربَ صُوفِيَّةٍ، بينما أنتِ تَترُكِينَ أبناءَكِ يُقَرِّرُونَ بأنفُسِهِم حَسبَ شُعُورِهِم بِالبَردِ، ما يَوَدُّونَ ارتداءَهُ دُونَ إفراطٍ أو تَفرِيط، وَتَعلَمِينَ أنهُم علَى قَدرٍ مِنَ المَسؤُولِيةِ هُنا، لِتَعلِيمِكِ إياهُم حُسنَ التَفكِيرِ وَتَقدِيرِ عَواقِبَ الأُمور..
الشاهد: هذا مَوقِفٌ دُنيَوِيٌّ عام، وَلَيسَ شَرعِيًا مَحضًا، تَجِدِينَ فيهِ أُمَّكِ الكريمةَ تُعارِضُ توجيهاتِكِ تِلكَ أمامَ ابنِكِ، وَتُوَجِّهُهُ لِخِلافِها، وَتُصِرُّ أمامَهُ أنَّ كلامَكِ خَطَأٌ وكلامُها هُوَ الصَوَاب...
هنا..
استمِعِي لكلامِها ولَيِّنِي قَلبَ وَلَدِكِ.. ولا تُعارِضِيها أكثَرَ مِن ذَلكَ أمامَه.. واخفِضِي لها جَناحَ الذُلِّ مِن الرَحمَةِ بشكلٍ عَمَلِيٍّ، وأَرِيحِي قلبَها أراحَ اللهُ قلبَكِ وكَتَبَ أجرَكِ.. ولا تَخشَيْ هُنا عَلَى تَربِيةِ وَلدِكِ بسببِ فِعلِهِ عَكسَ توجيهاتِكِ القَوِيمَةِ، فعلَى النَقِيضِ: وَلدُكِ الآنَ قَد تَرَبَّى بِشكلٍ عَمِيقٍ سَتقَطِفِينَ ثِمارَهُ الزكيةَ وَلوْ بَعدَ حِينٍ..
كيف....؟
وَلدُكِ هكذا قَد تَعَلَّمَ عَمَلِيًا مَعنَى البِرَّ بالآباءِ واحتِرامِهِم، وهذه الفَضِيلةُ تحاوِلِينَ ليلَ نهارٍ تَلقِينَهُ إياها تِجاهَكِ وتجاهَ والدِهِ لِيَلِينَ في أيدِيكُما للتَربِيةِ الرَشيدَةِ على الكتابِ والسُنة، فرآكِ مُتَسِقَةً مع قِيَمكِ وتعاليمِ دينِكِ التي تُلَقِّنِينَهُ إياها، بشكلٍ واضِحٍ وصادِقٍ وحَقِيقِيٍّ بعيدًا عن الشِّعارات..
باختصار: رآكِ قُدوةً له في بِرِ الوالدين....
فاحتسِبِي الأجرَ والثمَرَةَ حينَها واطمِئنِّي، فالبِرُّ لا يَبْلى.
ثم حين تَعُودُون لِبَيتِكُم، تفاهَمِي مَعَهُ على انفرادٍ وبهُدُوءٍ وعَقلانِيةٍ وحنان، حولَ الموقَفِ والعِبرَةِ فِيه، مَعَ كاملِ احتِرامٍ وإحسانٍ وَحِفْظٍ لِسِيرَةِ أُمِّكِ بِالغَيبِ، ولا تَنسَيْ أن تَشكُرِيهِ على بِرِّهِ لَكِ في إعانَتِكِ عَلَى بِرِّها..
وَلَقِّنِيهِ بالدليلِ الشرعيِّ والعِلمِي، ما الصوابُ في المسألة، وأنَّ قاعدةَ "إنْ عَليكَ إلا البلاغُ" نَحنُ مأمورنَ بتَطبِيقِها معَ الناسِ كافَّة..
وأنَّ الواجبَ عَلَيهِ هوَ أن يختارَ الصوابَ ويَترُكَ الخطأَ، عَمَلًا بقاعدةِ: {كُلُّ امْرِءٍ بِمَا كَسَبَ رَهيِنٌ} ،
وَحَفِّزِيهِ لاتباعِ الحِكمَةِ أينما وَجَدَها، بقاعدِةِ: {الَّذينَ يَستَمِعونَ القَولَ فَيَتَّبِعونَ أَحسَنَهُ أُولئِكَ الَّذينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُم أُولُو الأَلبابِ}
أما إنْ كانَ النزاعُ على أُمُورٍ عَقَدِيَّةٍ/ أو مُنكَرَاتٍ لا يَجُوزُ السكوتَ عَنها/ أو حَثٍّ عَلَى تَركِ نوافلَ أو فِعْلِ مَكرُوهات --- فَلَعَلَّ والدتُكِ لا تَعرِفُ.. فَلتُوَضِّحِي لها الحُكمَ بِكُلِّ بِرٍ وَبِالدَلِيل،
فِي حينِها أو لاحقًا حَسْبَ المُناسِب..
ولو علمتِ أَنَّ الأقربَ لِقَلبِها وَقبُولِها كلامُ وَلَدِكِ معها بدلًا مِنكِ، فلا تترددي..
ثم بعدَها فلا سُلطانَ لكُما عليها، وَما أَنتَ عَلَيهِمْ بِوَكَيل...
أهَمُ شَيءٍ:
-البرُّ والاحترامُ والمصاحبةُ بالمعروفِ..
-وتَقدِيرُ المكانةِ والسنِ والعِلمِ والحِكمَةِ الأعلَى للكِبارِ عامَّةً والوَالِدَينِ خاصَّة، عَلَنًا أمامَ الأحفاد..
-وتَجاهُلُ الإساءةِ، والصبرُ عليها إيمانًا واحتسابًا..
-ثم نَهجُرُ الخطأَ الشَرعِيَّ الذِي يَحُثانا عَلَيهِ، ونَتِّبِعُ سَبِيلَ الطائِعِينَ وَلو لَمْ يَكُونا مَعَنا فيه: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا... وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا... وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ }


هذا وكُلُّ ما سبقَهُ يَقودُنا للكلامِ عن القُدوَةِ.. في القاعِدةِ القادِمةِ بإذن الله..

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-11-2021, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: ( ١٤)

{بلْ نَتَبِعُ مَا ألْفَينَا عَلَيهِ آباءَنَا}.. فِطرَةُ المُحاكَاة!


أسماء محمد لبيب



قال أبٌ لولَدِه: [[انتبهْ بُنَيْ إلى خطواتِكَ وأنتَ تَسِير!]] فأجابه: [[بَل انتبِهْ أنتَ يا أبَتِ لخُطُواتِكَ فأنا عليها أسِيرُ]]!!

بسببِ تَقلِيدِ الصغارِ لنا واستِعراضِهِم لِمِرآتِنا السلوكيةِ في كلِ صغيرةٍ وكبيرةٍ، أصبحَ مِن إيجابياتِ الإنجابِ أنهم يُعَزِزُونُ بداخلِنا عقيدةَ الإيمانِ بوجودِ مَلَكٍ رقِيبٍ عتيدٍ مُلازِمٍ لنا يُحصِي علينا أعمالَنا وربما أنفاسَنا واللهُ المستعان..!

المحاكاةُ غَريزةٌ، والغريزةُ هي الدافعُ للإنسانِ إلى عَمَلٍ دونَ تفكيرٍ وهي جُزءٌ من الفِطرَة*ِ.
فالإنسانُ بطبيعَتِهِ يَمِيلُ للتقلِيد، لِما فِي ذلكَ من إشباعٍ لشعورِهِ بالانتماءِ مَع مَن حَولِهِ في سُلُوكِهِم، خاصَّةً الأطفالُ، حيثُ يعتقدونَ أن كلَ أفعالِ الكبارِ صحيحةٌ فيقلِدُونَهُم، بدافِعِ مَحَبَتِهِم إياهُم أولًا والتجربةِ ثانيًا. وهذا بالطبعِ يُخالفُ مَزاعِمَ فرويد صاحِبِ عُقدَةِ "أوديب"، أن الولدَ يُضمِرُ بُغْضَ أبيهِ لأنهُ ينافِسُهُ على أمِهِ، وهذا افتراءٌ واتهامٌ باطِلٌ لفِطرَةِ الأطفالِ الأبرياءِ بالنفاقِ والحِقدِ، وليس المجالُ الآنَ لتفصِيلِهِ* (كتاب التربية-مشكاة-بتصرف)

القدوةُ إذًا من أهَمِّ صُوَرِ انتقالِ السلوكِ علَى مَرِّ الأُمَمِ، حتى بينَ الحيواناتِ وبعضِها، بل بينَ الحيواناتِ والبَشَرِ..
تأملوا نبأَ ابنَيْ آدمَ وكيفَ بَعَثَ اللهُ غُرابًا يَبحَثُ في الأرضِ ليُرِيَ ابنَ آدَمَ القاتلَ كيفَ يُوارِي سَوءةَ أخيهِ المقتولِ، فيتعلَمُ الدفنَ بالمُحاكاة..
بَل يَتَعَجَبُ الإنسانُ إذا جاءَهُ مَن يَصرِفُهُ عن تَقلِيدِ آبائِهِ: { {أَجِئتَنا لِتَلفِتَنا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيهِ آباءَنا} }!
فالقدوةُ سلاحٌ ذو حَدَّينِ ولاعجَبْ.. فهي غَنِيمَةٌ عظيمةٌ لو كان القائدُ صالحًا، ونِقمَةٌ وشقاءٌ إن كان مُعوَجًّا..
ولو اجتمعَ مَعَها الحُبُ صارتْ أبلَغَ في الأثَرِ كالنَقْشِ علَى الحَجَرِ، فالحُبُ أداةُ الاستِمالَةِ، والقُدوَةُ أداةُ الإقناع، وهما معًا جناحا الاتباعِ..
إذًا الأصلُ هو المحاكاةُ، والتِي أبرَزَها القرآنُ مِرارًا---< { {بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كذلكَ يَفعَلُونَ} }/ { {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا علَى آثارِهم مُقتَدُون} }/ { {بَلْ نَتَبِعُ ما ألفَينَا عَلَيهِ آباءَنَا} }..!
ثم تكونُ العاقبةُ: 1-إما { {وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّیَّتُهُم ((بِإِیمَـٰنٍ)) أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَمَاۤ أَلَتۡنَـٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَیۡءࣲ} }/
2-وإما { {إذْ تَبَرَّأَ الذِينَ اتُبِعُوا مِنَ الذِينَ اتَبَعُوا ورأَوا العَذَابَ وتَقَطَعَتْ بِهِمُ الأسباب} }..

ولأجلِ ذلكَ حَذَّرَ الإسلامُ مِن المُجاهَرَةِ بالخطأِ والتفاخرِ به وكَشْفِ سِتْرِه، لئلا يصيرَ عَدوَى سلوكيةً ولكيلا تُخدَشَ القدوةُ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعافَى إلَّا المُجاهِرُين"..!
وَشَدَّدَ على اختيارِ الزوجةِ المتدينةِ وعدمِ تفويتِ الخاطبِ المتدينِ، لأنَ هؤلاءِ هُمُ الآباءُ قدواتُ الصغارِ مُستَقبَلًا:
"إذا خَطَبَ إليكُم مَن تَرضَونَ دينَه وخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إلا تَفعَلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرضِ"، "فاظفَرْ بِذاتِ الدِينِ تَرِبَتْ يداكَ"..!
ووجَّهَ كذلكَ إلَى انتقاءِ الجُلَساءِ وضرورةِ حَبْسِ النفسِ مع الأخيارِ فهؤلاءِ هم قدواتُ الحاضِرِ:
{ {يَا وَيْلَتَي لَيْتَنِي لَمْ أَتِخِذْ فُلانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكرِ بَعدَ إِذْ جاءَنِي} }، و"مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ"..
وحَثَّ كثيرًا علَى تَعلُمِ سِيَرِ السلَفِ الصالحِ لأنَ هؤلاءِ هُم قدواتُ الماضِي:
{ {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِیهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ} }/ { {فبهداهم اقتدِه} }..
فالشريعةُ أحاطتْ الإنسانَ بقدواتٍ عبرَ كلِ المراحلِ الزمنيةِ لأهميتِها السلوكية..

فمتى يبدأُ الاقتداءُ؟
جزءٌ مِن طباعِ أبنائِنا طَبائِعُ كانتْ أو لازالت فينا وانتقلَتْ إليهم جِينِيًا بالوراثةِ، أو اكتِسابًا بالمُمَارَسَةِ أمامَهم.
قال ابنُ القيمِ في مَدَارِجِ السالِكِين: [[الخُلُقُ: مِنهُ ما هو طَبيعَةٌ وجِبِلَّةٌ، وما هُو مُكتَسَبٌ]]..

وبعضُ الطباعِ لَهُ وجهانِ: وَجهٌ حَسَنٌ مَحمُودٌ ووجهٌ قبيحٌ مَعيوبٌ.. مثال: سُرعةُ الكلام، مَمدوحةٌ لو لدينا مُصِيبَةٌ ونحتاجُ لمُوجَزٍ سريعٍ لما حدثَ لنَهْرُعَ بالتصرُفِ السليمِ، لكنها مُزعِجَةٌ جدًا فِي الحِوارَاتِ اليَومِيةِ الطبيعيةِ ومُخالفِةٌ للتريثِ النبويِّ الكلامِيِّ المُبِين..

والتقليدُ يبدأ عادةً بعدَ العامِ الأول، ويَبلُغُ درجةً كبيرةً عند السادسةِ والسابعةِ، ويستمرُ مُعتدلا حتى مرحلةِ الحَزَاوِرَةِ، وهِيَ ما يُعرَفُ بالطُفولةِ المُتأَخِرَةِ، أو المراهَقةِ مَا قَبْلَ البُلُوغ...*
فماذا كانَ يَحدُثُ قبلَ العامِ الأولِ؟
قنصٌ لكلِ شيءٍ بالحواسِّ الخَمسَةِ وتخزينُهُ ومُعالجتُهُ.. كاميرا ومُسَجِّلُ صوتٍ وبِطاقَةُ ذاكِرةٍ وَنَولٌ وخُيوطٌ، حتى إذا حانَتْ لحظةُ التَصدِيرِ أنتجَتْ الماكينةُ القماشَ ورأينا الثَّوبَ الذِي كانَ يُغزَلُ بسلوكِياتِنا..
فلا تَظُنِّي الماكينةَ كانتْ مُعَطَلةً قبلَ ذلكَ وعلَى مُؤَشِّرِ "غَيرِ نَشِطٍ" لأنَ القماشَ غَيرُ مَرئِيٍّ لَكِ بَعدُ!

لذلكَ نقولُ..
التربيةُ تبدأُ مِن تَزكِيةِ أنفسِنا نحنُ أولًا والنظَرُ إلَى طبائِعِنا المُكتَسَبَةَ والمَوروثَةَ والجِبِلِيَةَ، والعملُ على تهذِيبِ ما أمكنَ مِنها بالإيمانِ وسِيَرِ الصالِحينَ، قبلَ الزواجِ والإنجابِ بفترةٍ طويلةٍ لاستحقاقِ زوجٍ صالحٍ يكونُ أبًا صالحًا لذريةٍ صالحةٍ.. فنعتني بالقدوةِ بنظرةٍ مُبَكرَةٍ شامِلَةٍ، لتهيئةِ القدواتِ الصالحةِ في حياةِ الطفلِ قبلَ مَجيئِهِ، فإن لم تَكُنْ التزكيةُ قد بدأَتْ مُبكرًا منذ صِغَرِنا نحنُ في بيتِ أهلِنا، فلنبدأْها بأنفسِنا على أقصَى تَقدِيرٍ منذُ بلوغِنا الحُلُمَ وجريانِ القلمِ علينا، لنُقَدمَ من أنفسِنا نموذجًا في الصلاحِ لأبناءِ المستقبلِ، تَمهيدًا لأسرةٍ مسلمةٍ، للمتقينَ إمامٍ بحولِ اللهِ وقوتِهِ..

فَمَن غَفَلَتْ عن ذلكَ حتى تَزَوجَتْ وفُوجِئَتْ بابنِها يُحاكِي كلامَها وأفعالَها الصالحةَ والطالِحَة، فلتُدرِكْ يَقينًا أنَ ماكينةَ القدوةِ بدأتْ إنتاجَ القماشِ وأنها لن تُلاحِقَ سُرعتَها فكلُ شيءٍ قد تَمَّ ويتِمُ قَنصُهُ بِدقَّةٍ، وسَترَى الثَّوبَ قريبًا على وَلَدِها.. فلتقِفْ معَ نفسِها وتُحَلِلِ المَشاهِدَ وتنظُرْ أيُّها أزكَى سُلُوكًا فتُعَزِّزُهُ لديها لينعَكِسَ عليهِ، وأيُّها أولَى بالسِّترِ والمُجاهَدَةِ لينزوِي مِنْ مِرآةِ ولدِها السُّلُوكِيِّةِ...
فالتربيةُ بالقدوةِ تحتاجُ مُحاسَبَةً وتزكيةً وتَجَرُّدًا للحقِ..
وهذه جميعًا تحتاجُ علمًا وصبرًا: عِلمَ الأخلاقِ وعِلمَ الإيمان..
وإنما العِلمُ بالتعلُمِ... وإنما الحِلمُ بالتحلُمِ..
وقد وصفَ اللهُ عَبدَه إبراهيمَ قائلًا { {إنَّ إبْرَاهِيمَ لأواهٌ حَلِيمٌ} }، وهِي صِيغَةُ مبالغَةٍ من ((الحِلْمِ)) تُؤَكِدُ كَثرَةَ المُواظَبَةِ عَلَيهِ حتى صارَ صِفةً مُلازِمةً لَه، فلا عَجَبَ بعدَها حينَ نَقرأُ بِشارَةَ اللهِ لَهُ في وَلَدِهِ إسماعيلَ الذِي تَحلَّى بِنَفْسِ ثوبِ الحِلمِ بِالمِثلِ: { {فبشرنَاهُ بغلامٍ حَلِيمٍ} }..
فهما طريقانِ: إما { {جَعلناهُمْ أئِمَةً يَهدُونَ بأمرِنا} } ونسألُ اللهَ أن نكونَ مِنهم..
وإما { {جَعلناهُم أئِمةً يَدعُونَ إلى النَّارِ} } ونَعُوذُ باللهِ مِن ذلك..

فماذا نفعلُ إذا خُدِشَتِ القُدوَةُ وبدأَ أبنائِي يُصدِرونَ سلوكياتٍ خاطِئَةٍ؟
الجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذن الله.


--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25-11-2021, 10:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (17)

{فَأوُوا إِلَى الكهْفِ}.. صَوباتُ التربية!


أسماء محمد لبيب





تخيلِي مَعِي.. كُرِةً صغِيرَةً في ماسورةٍ، مَنقُوشٌ بداخِلِ مسارِها رسوماتٌ دائريةٌ سوداءُ، تُشبِهُ الحُفَر.. وأنَّكِ قد عَلَّمْتِ تلكَ الكُرةَ أنها يَومًا ستَخرُجُ مِن الماسُورةِ وتُواجِهُ في الحياةِ حُفَرًا حقيقيةً مُهلِكَة، وقد تَقَعُ فيها إن لم تتَعَلمْ مِنَ الآنَ داخلَ الماسورَةِ أولًا كيفيَّةَ تفادِي أشباهِ الحُفَر..!
ثم تَخَيَّلَي مَعِي كُرَةً أُخرَى صَغِيرَةً كذلك، قد سمَحْتِ لها بالقَفْزِ خارِجَ الماسورةِ إلى أرضِ الحياة، وقُلتِ لها وهي لازالتْ تتعلمُ المَشْيَ والتَدَحرُجَ بَعدُ:
((انتبِهِي للحُفَرِ في طريقِكِ ولا تَمُرِّي فوقَها، قد حّذَّرتُكِ!))
في رأيكِ أيتُها الطيبة:
أيُّ الكُرَتَينِ هي الأقربُ لإكمالِ أطولَ مَسارٍ مُمكِنٍ بِسلامٍ ونجاحٍ دونَ السقُوطِ المُبَكِّر؟
بالتأكيد الكُرَةُ الأُولَى..

حسنًا.. تَخيلِي مَعِي شيئًا آخَرَ..
لديكِ وَلَدَان.. قد ربَّيْتِهما علَى القِيَمِ والعقيدةِ، ثم معَ أحدِهِما أحكَمتِ السيطرةَ على الجَبَهاتِ الداخليةِ والخارِجيةِ، والآخرُ ربَّـيْـتِهِ بانفتاحٍ مُطلَقٍ وتَخَفُفٍ مِن قُيُودِ الدِين، وتغافُلٍ عنِ المُحيطِ الذِي يَرتَعُ فِيه..
ثم كلاهُما انْحرَفَ والعياذُ بالله، فمع أيِّهما ستندَمين على تربيتِكِ وتلومينَ نفسَكِ على انحِرَافِه؟ ومع أيِّهما لن تندَمِي؟
بالتأكيد أنتِ مَلُومَةٌ معَ الثاني..
ولكن....
ربما تقولين:
((لا! سأندمُ مع الولدِ الأولِ كذلكَ لأنَّ التضييقَ على الأولادِ باسمِ الدينِ وقواعِدِ السلامَةِ يَخنُقُهُم فينحَرِفون كذلكِ! فالأفضلُ بالنسبةِ لَهُ هو أن يَكبُرَ وهو -كما يُقالُ بالعامِّيةِ- "خِبرة" و"مقطّع السمكة وديلها" و"سالِك" في الحياة و"مخَربِش"، لا أن يَخرُجَ من "الماسورَةِ" ويصلَ لسنِ الجامِعَةِ وهُو: "مِقفّل" و "لبخَة" و "بَرِيء" ولمْ يُجَرِّبْ "خِبراتِ" الشبابِ "المعتادةِ" لمثلِ سِنِّهِ في زماننا... لذلك فأنا لا أُقَيدُ حُريتَهُ على الإنترنتِ والتِلْفازِ مَثلًا، ولا أمنعُهُ من الخروجِ مع أيِّ أصحابٍ يرُوقُونَ لَه، ولا مِن الاختلاطِ بالبناتِ في المَدرَسةِ والنادِي وغيرِهم، ولا مِن قِراءَةِ المَجلاتِ والقِصَصِ الغَربيةِ وأشباهِها، بل أُفَهِّمُهُ الصوابَ من الخطأ ثم أتركُهُ يمارسُ حياتَهُ دُونَ قُيود، ليُمارِسَ تَفادِي الخطأَ بنفسِهِ دُونَ تَدَخُل..))

فلو أن هذا تفكيرُكِ أيتُها الأمُ الطيبةُ فأقولُ لكِ: راجِعِي نَفسَكِ..
لأن غَنِيمةَ ((شابٌ نشَأَ فِي طاعَةِ اللهِ)) بالتأكيدِ هِي أفضَلُ من شابٍ نشأَ في حُفَرِ ومُستنقعاتِ "الخِبراتِ" المُهلِكَة.. لأنَّ هذِه العاقِبةَ الزَكِيةَ هي عند اللهِ الأفضلُ والأكملُ والأرقَى حالًا ومآلًا، فيُـبَـلِّغُهُ بها ظلَ عَرشِهِ يومَ القِيامَة..

ثم أنتِ تستطيعينَ أن تجعلِي وَلَدَكِ كَما شِئتِ خِبرةً في الشَرِ وتُلَقِّنـِيـهِ كيفَ يَقتَحِمُ الحياةَ، دُونَ إلقائِهِ مباشرةً لتَجربةِ الشرِ ليُعايِشَ المُهلِكاتِ والفِتَنَ فِعليًا..!
أم أنكِ تلسَعِينَهُ بالنارِ وتُغرِقِينَهُ في البَحرِ كيْ يَتَعَرَّفَ على خَطَرِهِما...؟
وسأفتَرِضُ مِعَكِ احتمالَ انحرافِهِ بِزَعمِ بعضِ المَنعِ والتضييقِ التابِعَينِ للتنشِئةِ السليمةِ، وأسألُكِ:
=هلْ يَجعَلُكِ هذا تَندَمِينَ على تربيتِكِ لهُ بما يُرضِي اللهَ؟ هل هذا خَطأٌ مِنكِ أنتِ أم مِنَ النفسِ المُنحَرِفَة؟
=وإن كان هناك بعضُ مَن يَنحرفونَ بِزَعمِ أن الممنوعَ مرغوبٌ، فهل هذا يَعنِي أن أجعلَ الممنوعَ غَير مَمنوعٍ؟!
مؤكدٌ أن الجوابَ المُشترَكَ لهذِه كلِها هو: ((لا))..

فثمرةُ الاستقامةِ رِزقٌ مَحضٌ كما قُلنا مِرارًا، وطالما أنها مُتَغَيرَةٌ وغَيبِيةٌ، فعلينا أن نَلتزِمَ طريقةَ الزراعةِ التي قضاها اللهُ لِحمايةِ تَرَعرُعِ الشجرةِ، ثم لا نُبالِي بَعدَها..
ومن أسبابِ أنَّ تربيتَنا لولدِنا على الاستقامةِ ربما لا تُؤتِي ثمارَها المَرجوَّةَ أحيانًا:
سُوءُ تطبيقِنا لها، أو ربما ظروفٌ استثنائِيةٌ خاصةٌ بالطفلِ تُؤثرُ على استجابتِهِ، أو أسبابٌ تَخُصُّ البيئةَ مِن حَولِهِ.. فتكونُ المشكلةُ هي عدمُ الكفاءةِ التربويةِ أو انحرافاتٍ مَنهجيةٍ في التلقِينِ والتطبيقِ، وليستْ في مَنهَجِ الاستقامةِ ذاتِه ولا عدَمِ مُلاءَمَتِهِ للتربيةِ وصناعةِ النَشءِ الصالحِ، حاشَ للهِ..
بالتالي، لا شكَّ أنكِ كأمٍّ –(ومهما كانتْ عثراتُكِ وإخفاقاتُكِ التربويةِ)- ستكونينَ مُطمَئِنةً وأبعدَ عن الندمِ في كل الأحوالِ إن اتَّبَعتِ مَنهجًا ربانيًا قَوِيمًا، وقرآنًا يَهدِي للتي هِي أَقوَمُ، ولن تَخافِي من لحظةِ السؤالِ عن رَعِيتِكِ يَومَ الحِسابِ، لأنكِ تَعلَمِينَ أن سؤالَهُ لكِ -سبحانهَ- عن المنهجِ التربويِ سيكونُ أشدَ وأعسرَ مِن سؤالِهِ عن مَدَى حِكمَتِكِ أو تَخَبُّطِكِ في تَطبِيقِه، وتعلمينَ أن عَفوَهُ عنِ الذينَ يُطبِقُونَ مَنهجَهُ سبحانَهُ لكِن بِضعفِ كفاءَةٍ وقِلَّةِ حِكمَةٍ في الوسائل، يكونُ -بإذن الله- أقربَ إليهم مِن الذينَ تَركُوا مَنهجَهُ تمامًا واستبدَلُوا بِهِ مَنهجًا آخَرَ مِن صُنعِ البَشَرِ واجتهاداتِ الأمهاتِ حسب الأهواءِ..

هل يستويانِ مثلًا...؟
الحمد لله...

لذلك كان ضِمنَ عُنوانِ المَقالةِ ((الصوباتُ التربويةُ)).. فإن الصوباتِ الزراعيةَ هِي واحِدةٌ مِن أهمِ الوسائلِ الآمِنةِ لإنتاجِ المَحاصيلِ الزراعيةِ وحمايتِها من التلوُثاتِ الخارجيةِ والظروفِ المناخيةِ المُتَغَيرَةِ والحشراتِ والآفاتِ؛ وتهيئةِ ((الظروفِ البيئيةِ)) المُلائِمَةِ لإنتاجِ المحاصيلِ داخلَها وزيادةِ مُعَدلاتِ الإنتاجِ الزراعيِّ، حتى أنهُ في بَعضِ الدراساتِ: القيراطُ الواحدُ من إنتاجِ الصوباتِ يُعادِلُ إنتاجَ فدانٍ كامِلٍ من الأراضِي ((المَكشوفَة)) سبحانَ الله..
وتُسهِمُ كذلك في تِرشِيدِ استخدامِ المياهِ وصِيانةِ ((الثروةِ المائية)) وخَفضِ الاحتياجاتِ من الغذاءِ، بل تُساهِمُ في إنتاجِ بعضِ الخُضَرِ ((في غَيرِ مَوسِمِها))...!
لذلك تُعرَفُ باسمِ: ((البُيوتُ المَحمِية)).. وصَدَقُوا..!
فالصوباتُ تُوَفِّرُ الطاقةَ وتَصُونُ الموارِدَ وتضاعِفُ الثمرةَ وتُنَوِّعُها وتُهَيِّئُ ((بَيْتًا آمِنًا)) للغَرسِ المُثمِر..

وهو ما يُذَكِّرُنا كذلِك، برَشادِ فِتيةِ الكهفِ حينَ احتَمُوا مِن ((فِتنَةِ الدِينِ)) بالكهفِ وقالُوا: {فأوُوا إلَى الكهفِ يَنشُرْ لكم ربُكُم مِن رَحمَتِهِ ويُهَييءْ لكُم مِن أمرِكُم مِرفَقًا}..

فكما نهتمُ بالجبهَةِ الداخِليةِ، مِن توفِيرِ قُدوةٍ، وصِدقٍ، وعَدلٍ، وعِلمٍ ومنهجٍ قويمٍ،
=علينا بنفس القَدرِ الاهتمامُ بالجهبةِ الخارجيةِ، وأن نَنْصِبَ حولَ أبنائِنا صَوباتٍ تربَوِيةً مُحكَمَةً، تُفَلتِرُ الصَحبَةَ والمَرئياتِ والمَدرسةَ والمُدخَلاتِ كلَها، لضَمانِ إطالَةِ أمَدِ صَلَاحِ الثمرَةِ وبُعدَها عن المهلكاتِ بإذن الله، حتى يَشتدَّ عُودُها..
وقطعًا لن نَستطيعَ غَرسَ أبناءَنا في بيئةٍ مُعَقّمَةٍ مِئةً بالمِئةِ كفِتيَةِ الكهفِ، لكن ما لايُدرَكُ كُلُهُ لا يُترَكُ كلُهُ، فالمطلوبُ هو تَحصينُهم مِن فِتنَةِ الدينِ والعَقلِ والفِطرَةِ، وعزلُهم -بما نستطيعُ- عَن مُخالَطَةِ الفِتنِ والقبائحِ، معَ تَهيِئَةُ شَتَى أنواعِ الكُهوفِ الداخليةِ في محاضِنهم التربويةِ:
=كهفُ العِلم/ =وكهفُ الصُحبَةِ/ =وكهفُ الدين..
حتى يَرشُدُونَ ويَشتدَّ عُودُهُم وتتكوّنَ لديهِم مَناعَةً ذاتِيَّةً مَعقُولَةً، لمواجِهةِ العالمِ بِشَرِّه وهَمزِهِ ونَفثِه بحولِ اللهِ وقوتِهِ..

فإن سألتِ بعدَ كُلِ تلكَ القواعدِ: كيفَ السبيلُ إلى ضمانِ السِقايةِ الحَكيمةِ بجُرعاتٍ آمِنةٍ مُثمِرَة؟
فالجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بإذن الله..


--


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27-11-2021, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات (2):

"ولا تدعوا على أولادكم"... دعاؤكم عليهم دعاءٌ على الأُمة..!


أسماء محمد لبيب


[[خِلصِت روووحك... اتفلِق.... يخرب بيتك... يخرب عقلك...!]]
إن كنتِ ممن يقولونَ تلك الجمل أو شيئًا منها لأبنائِكِ حال الغضبِ منهم، وتُسرِفين فيها دونَ مراجعةٍ وتوبة، وعلى أمورٍ دنيويةٍ تافهةٍ غالبًا أو أمورٍ لكِ فيها حظوظُ نفسٍ، فلا تظنِّي أن هذِه دُعاباتٌ من الكلامِ أو زلاتٌ مَغفُورَةٌ منسيةٌ مارَّةٌ مرورَ الكِرام...
ومثلها: أتاكَ الرَعدُ في أذنَيكَ..! أتاكَ العَمَى في عينيكَ..! ضُربْتَ في قلبِكَ...!! أحرقَ اللهُ دمَك...! دَهَسَتْكَ قاطِرَةٌ...! قُطِعَتْ رقبتُك...! قُصِمَ ظَهرُك...! شُلَّتْ أركانُك...! سمَّمَ اللهُ بدنَك...! لعَنَكَ اللهُ...!
كلها بالطبعِ بعدَ ترجمتِها للفُصحى، فسماعُها بالعاميةِ أشدُ إهانةً وبأسًا وتنكيلًا...!
وغيرُها مما يتَحَرجُ القلمُ مِن كتابتِه، ويحمِلُ غِلًا وغَلَيَانًا عَجيبًا يستَحِثُّ انتقامَ اللهِ للآباءِ مِن الأبناءِ في لحظةِ غضب، ثم يَنسَونَها وكأنها لم تكن..!
فلا تظني أنها مَغفولٌ عنها، بل كلُها أدعيةٌ صريحةٌ على ولدِك، تُقْلِعِينَهُ بها من تُربَةِ الأمانِ وتَزرَعينَه في أرضِ الخوف، ناهِيكِ عما فيها من إهانةٍ، فتكسِرِينَهُ مرتينِ بل ثلاثَ، بل مراتٍ ومرات...
هذا بخلافِ تعويدِه بذلك على اللعنِ والمبالغةِ في الانفعالاتِ والشططِ في المشاعرِ وعدمِ السيطرةِ على غضبِ اللسانِ وآفاتِه، بدلًا من تعويدِه على العِفةِ والنزاهةِ والرقيِّ والأدبِ وقولِ التي هي أحسنُ... كيف -بربكِ- ستُلقنِينَه: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[الإسراء:53] و «ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ» (رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني)؟
دَعُوني أقُصُّ عليكم قِصةَ أمٍّ من هؤلاءِ عفا اللهُ عنها..
ظَلتْ تَشكُو إليَّ من ابنِها ونِسيانِه لكثيرٍ من طلباتِها وفَشلِهِ في تلبيةِ كُلِ احتياجاتِها نظرًا لظروفِهِ المَعِيشيةِ الصعبةِ التي هي تَعلَمُها وتُدرِكُ صعوبَتَها وتُطالبِهُ بالمثالية رُغمَ ذلك..

فقلتُ لها هداهُ اللهُ، نظرًا لأني لم أُعُدْ أملِكُ أيَّ ردٍ غيرَ ذلك، فلا جدوَى من أيِّ نُصحٍ أو استعطاف..
فردّت قائلةً بالنَّص: "سواء ربنا يهديه أو ما يهديهوش، هو مش نافعني في حاجة كده كده.. ربنا يحرق دمه زي ما هو حارق دمي.."
حين أسمع أمامي أمًّا تقولُ على ابنِها: "ياربِ ينكِّدْ عليك زي ما نكّدت عليا ويوجَع قلبك زي ما بتوجع قلبي" أو "ربنا يشلَّك وينتقم منكَ ويحرَق دمك زي ما بتشلِّني على ما تعمل لي إللي بطلبُه"، أشعر بذهولٍ وصدمةٍ عَقليةٍ مُتجمدة..!
حسنًا... أين الخللُ.....؟ ربما تظنون أنه في اللسان.. وربما في الأخلاق... لكنْ -ولا عجبَ!- إنه في العقلِ والقلبِ..

إن قناعةَ الأم أنها ليست مُلامَةً أن تفعلَ ذلك، يَدلُ على خَلَلٍ في إخلاصِ النيةِ في التربيةِ للهِ ربِ العالمين، إذ تجعلُ لِذاتِها مِن أبنائِها حَظَ نَفسٍ، إن لم تحصلْ عليهِ بالحُسنَى منهم طَفِقَتْ مَسحًا بالسوقِ والأعناق..!
"يا رب يهِدَّك عشان أرتاح شوية من تنطِيطَك وكَركَبتَك"؟
سبحان الله..!
وحتى تلك الأم الأفضل، التي لا تريدُ من ابنِها إلا أن يهتدِيَ للخيرِ ولا تدعُو عليهِ لمصالحَ دنيويةٍ ولا حظِّ نفسٍ، ليسَتْ بعيدةً عن الخَلَلِ إذا دعتْ على ابنِها حين يُعانِد!
لكنه خللٌ من نوعٍ آخر: خَللُ المَنطِق..
إذ كيف يُقنِعُني أحدٌ أنها تَدعُو على وَلدِها -وهي بوعيِها!-أن يزيدَهُ اللهُ عذابًا وشقاءً وفشلًا، لأنه لا يريدُ أن يستجيبَ ويجتنبَ طريقَ العذابِ والشقاءِ والفَشَل...!
"يارب تسقَط وتعيد السنة عشان مش راضي تقوم تذاكر".....!
سبحان الله..!
فالأمُ الأُولَى خلُلها في إخلاصِ النيةِ للهِ والتي محِلُّها القلبُ، والثانيةُ خَلَلُها في إِعمالِ العَقلِ وتَغليبِهِ على العواطِفِ.. وكلتاهما لديها خَلَلٌ واضحٌ في الأمومة...!

لأجلِ ذلك نقول: إن عَلاقَةَ الدعاءِ على أولادِنا// بالنيةِ مِن التربيةِ ووُضوحِ الرؤيةِ في ذلك عَلاقةٌ طَردِيَّةٌ: كُلما استَحضَرتِ غايتَكِ التَربَوِيةَ= كلما أشفَقْتِ مِنَ الدعاءِ عليهم واجتنَبتِهِ مهما أُحبَطتِّ بخُذلانٍ أو عنادٍ أو تأخُرٍ للثمرة..
النيةُ من التربيةِ إذًا ألفْ باءْ أمومةٌ وعبودية..
لا يصحُ أن ننسَى لماذا نُنجِب..

نحن لا نُنجِبُ خدمًا تحت أقدامِنا..
نحن ننجبُ خَدَمًا تحتَ أقدامِ الأُمة..
ودعاؤنا عليهم دعاءٌ على الأمةِ بالنقصانِ والفشلِ والتعثرِ والخيباتِ..

قد نتفهمُ مبرراتِ ودوافعَ الصياحِ الشديدِ لإحدى الأمهاتِ أو حتى ضربَها بعنفٍ لولَدِها في لحظاتِ انفعالٍ وإحباطٍ -وإن لم نَعذُرْها قَطعًا..

لكن في النهايةِ: قُوةُ ضربتِها لَه هي قُوةُ ضَربِ "إنسان" لـ "إنسان"..
لكن أن تستسهلَ الأمُ بسببِ نفسِ الدوافِعِ -غيرِ المُبَررةِ- أن تُفَوَّضَ "ربَّ الكونِ القويَ المتينَ" بقُدَرتِهِ المُطلقةِ وبطشِه الشديدِ، أن يُعاقِبَ ولدَها وينتقمَ لها مِنه..!!
فذلك هو ما لا أتفهمُه مُطلقًا ولا أتعاطَفُ معه ويَصدِمُني كلَّ مَرة..
نعم... اللحظةُ التي تتحولين فيها من كائنٍ يُضرَبُ به المَثَلُ في المَرحَمَةِ وصَدِّ الأذَى عن ابنِها ولو كانَ مِن "لدغَةِ نامُوسةٍ" إلى كائنٍ مُستَمطِرٍ للأذَى على فلذَةِ كبِدِها مِن القويِّ شديدِ العقابِ ذِي الطَولِ سبحانه، وتعَلَمِينَ أن دعوتَكِ مُستجابَةٌ اعلَمِي أنكِ الآن فاقِدَةٌ للأمومةِ الحَقةِ والخَالِصةِ لوجهِ الله.. حتى تستفيقِي وتُصلِحي..
فكما أن السكرانُ فاقدٌ لعقلِهِ حتى يَفِيقَ... فإن الأمَّ التي تدعو على ابنِها فاقدةٌ لأمومتِها حتى تَفِيقَ..

اللهُ أعطاكِ سِلاحًا -الدعاءَ المستجابَ- رحمةً منه لَكِ.. ليُدرِكَ الأبناءُ قَدْرَ مَعيّةِ اللهِ لكِ فيوقِّرُونَكِ ويبَرُّونَكِ ويهابُونَ غضَبكِ ويُطِيعونَكِ في المعروف.. لا لكي تذبحيهم به..
يا طيبة.. فلا تذبَحِي أبناءَكِ برحمَةِ اللهِ لك..
الخلاصةُ...
دعاؤكِ على ولدِكِ من الدعاءِ المستجابِ.
وهو سلاحٌ أودعَهُ اللهُ مَعَكِ أمانةً وامتحانًا.
لا تقتُلِي بهِ أولادَكِ انتقامًا لنفسِكِ بزَعمِ أنكِ تريدينَ أن ينصَلِحَ حالُهم.. هذا إفسادٌ من حيث تريدين إصلاحًا.
دعاؤكِ عليهم دعاءٌ على الأمةِ الإسلاميةِ أن يزدادَ فيها عددُ الفشلةِ والمتعثرينَ والخائبين.
لن نغنمَ شيئًا حين ندعو أن يذيقَهم اللهُ ما أذاقونا إياه في تربيتِهم، ولا ينبغِي لذلكَ أن يُدخِلَ علينا السرورَ إن حَدَث.. فلا تنسَيْ قِصةَ أمِ جُرَيجٍ وما حَدَثَ لهُ بدعوتهِا عليهِ حينَ تأخَّرَ عن تلبيةِ ندائِها مِرارًا فقالت: "اللهم لَا تُمِتْهُ حتى تُريَهُ وجوهَ المومِساتِ".. وقد كان.. تَعَرَّضّتْ له المُومِساتِ وظُلِمَ واعتُدِيَ عليهِ وتَعَلَّم كلاهُما الدَرسَ بالدمِ، حتى قالَ حين استفاقَ: أصابَتْنِي دَعوَةُ أمِ جُرَيج..
فلن تَفرَحِي حينَ تَجِدِينَ ولدَكِ وقد كُسِرَ ظهرُه أو أُصيبَ بعاهةٍ من حادِثٍ مثلًا سبقَهُ دعاؤكِ عليهِ لتَعَنُّتِهِ في مُذاكرَةٍ أو مهامٍ منزليةٍ ونحوُه... أنتِ بذلك تكسرين قلبَكِ مرتين.. ألا تَكفيكِ كسرتُكِ من بَعضِ عقوقِهِ ذاك؟ وواللهِ إن تلكَ الكَسرَةِ أهونُ وتَنجَبِرُ بإذنِ اللهِ بالدعاءِ لَهُ والحوقلةِ كثيرًا والصبرِ والحِلمِ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ}[البقرة:45].. لكن عاقبةَ الدعاءِ عليهم لا تَنجَبِرُ...
الوالِدِيَّةُ الحَقَةُ لا مكانَ فيها للتشفِّي والثأرِ للذاتِ وتنفيسِ الغِل.. بل هي قَلبٌ مُخلِصٌ للهِ يَحمِلُ هَمَّ الأمةِ، وعينٌ ساهرةٌ على ترميمِ كسرِها بإصلاحِ أبنائِها، مهما كانت مشاكلُهم شاقةً ومُنهِكةً وخانِقةً، فالثمرةُ تستحقُ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعاً}[المائدة:32]
فاستهدِي بالهادِي الحليمِ الصبورِ.. وربِّي ولدَكِ بالدعاءِ له لا بالدعاءِ عليه.. وردِّدِي دومًا: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فإن سألتِ:} [الأحقاف:15].

ألم يَقُلِ النبيُّ ﷺ لبعضِ صحابتِه ثَكِلَتْكَ أمُكَ بل ودعَا علَى بَعضِ أهلِه؟ وما الحَلُ لِمَن دَعَتْ بالفعلِ عليهِم وينهَشُها الخوفُ الآنَ من إجابةِ اللهِ لدعائِها؟ وَمَن تابتْ وتجاهدُ ولكن لازالَ لسانُها يَفلِتُ، فماذا تفعلُ إلى أن ينتهِيَ هذا الأمرُ مِنها؟ وما قصةُ جُرَيجٍ وأمِه؟
فالجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذن الله...




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-12-2021, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات (2) تابع :لمن تُجاهِدُ الدعاءَ على أبنائِها ثُمَّ تَِزِلُّ


أسماء محمد لبيب



كان تاجرًا.. يَكسِبُ أحيانًا ويَخسَرُ أحايِين.. ففكرَ يومًا: تجارةُ البشرِ هباءٌ.. سأتاجِرُ مع الله.. وخرج من بلدِه وبنَى لنفسِه صومعةً تًعزِلُه عن الناسِ، يَصعدُ إليها بحبلٍ ثم يسحبُه خلفَه لئلا يَصعدَ إليهِ أحدٌ ويُزعِجَه..
كان عابدًا دؤوبًا خاشعًا..
وفي يومٍ كان يتعبدُ في مِحرابِه، أتتْ أمُه أسفلَ الصومعةِ تنادِيه.. انتظَرَتْ طويلاً وهي تَحجُبُ لَفْحَ الشمسِ بكفيها عن عينيها وهما معلقتانِ ببابِ الصومعةِ عساهُ يَنفَتِحَ، ولكن لا مجيبَ.. وضِيقُها وتألُمُها من الوَقفَةِ يزداد..
بينما ولدُها يَسمعُ صوتها أثناء صلاتِه ويتساءَلُ: أردُ على أمي؟ أم أُكمِلُ صلاتي؟.. تردد طويلا ثم حسَمَ أمرَه واختارَ صلاتَه وتركَ أمَه تنادي.. فانصرفَتْ...
أتتْهُ في الغَدِ مُجددًا، وتَكرَّرَ نفسُ المَشهدِ بنفسِ أنفاسِ الألَم، وانصرفَتْ بنفسِ مرارةِ وقسوةِ اللامبالاة..
ثم يومٌ ثالثٌ...
ويتكررُ نفسُ الخُذلانِ ثانيةً...
لكنِ اليومَ.. لم تنصرِفْ أمُ جُرَيجٍ بخيبةِ رجائِها، بل رفعَتْ شكواها إلى اللهِ وكفَيها إلَى السماءِ بالدعاءِ عليه "اللهم لا تُمِتْهُ حتى يَرَى وُجوهَ المُومِسات"....
وهُنَّ البغايا اللاتِي تتكسَّبْنَ مِن فِعلِ الفاحشة.. وأُمُهُ تَعرِفُ مدى تقواه وكَراهتِه حتى لرؤيةِ أهلِ الفسق والفجور، فعلمَتْ أين مَوضِعُ الألَم..
للأسف غَلَبَتْ فطرةُ الثأرِ للنفسِ بداخلِها على فِطرة الأمومةِ فأرادتْ أن تُذِيقَهُ الألَمَ كما أذاقها إياه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

أما وَجَدتَّ يا جُرَيجَ وقتًا حتى بعد فراغك من عبادتك كي تذهَبَ لبلدِك، منذُ أولِ مرةٍ انصرفَتْ فيها أمُك مِن عِندِك لتُغِيثَها؟ ألستَ تأكلُ وتَشرَبُ وتنام؟ ألم تفكرُ في انكسارِ خاطرِها وحاجَتِها وافتقارِها إليكَ ثلاثةَ أيامٍ متوالِيات؟ بل كيف ارتحَلْتَ مِن بلدٍ فيها أمُكَ مِن الأصلِ تاركًا إياها ومُغَلِّباً عليها الخلوةَ بربِك؟ بل كيف استمَعْتَ دعاءَها عليكَ ثم لم ترتَعِدْ وتهرَعْ إلى قدمَيها تَطلُبُ الصفحَ قُربَةً لربِك؟ لعلك قلتَ لنفسِك: "كيفَ لعابِدٍ مِثلي مُنعَزِلٍ في صومعتِه أن يرَى المومسات!" فاطمأنَنْتَ؟..
لكن يا جُرَيج... إن ربَكَ المعبودَ على كلِ شيئٍ قدير..
---

في يومٍ... جاءتْ سيرةُ جُرَيجٍ بين فاسِقِين، وتكلمُوا كيفَ هِمَّتُهُ في العبادةِ وزُهدُه في الدنيا.. وكانت إحدَى بغايا بني إسرائيلَ تَستَمِعُ.. فتَحَدَّتْهُم أن تُراودَه عن نفسِهِ، وكانت شديدةَ الجَمال.. وبالفعلِ ذهبَت قُربَ صَومعتِه، وصارت تتعرَّضُ له لتفتِنَه، لكنه العابدُ الزاهدُ التقيُّ لا يُبالِي بها.. فلجأَتْ لحيلةٍ أخرى..
مَرَّ راعٍ واستظلَّ بالصومَعة، فراودَتْهُ عن نفسِهِ وأغوَتْهُ والعياذُ بالله، وحَمَلَتْ في بطنِها ولدًا مِنه.. ثم صارتْ تمشي في الناسِ قائلةً "ابنُ جُرَيجٍ في بَطني"!!
انتظرَ الناسُ حتى وَضَعَتْ، وذهبوا بالفؤوسِ إلى صومعةِ جُريجٍ يَبغُونَ شرًا بالفاسِقِ المنافقِ الكذابِ كما زعموا، وبدأُوا في تحطيمِها وهم يَسُبُّونَهُ وهو بداخلِها يُصَلِّي نافلتَه.. فخرج إليهم ليفهم..!
آلآن يا جُرَيجَ خرجْتَ! أوَتَستَطِيعُ الخُروجَ مِن الصومعةِ أثناءَ صلاتِكَ يا جُرَيج! أوَحِينَ شَعُرْتَ بالخطرِ على نفسِكَ خَرَجْتَ! وخَطَرُ انكسارِ قلبِ أمكِ بثلاثِ خيباتٍ متتالياتٍ مِنكَ، ألا قيمةَ له لديك....؟
لم يَكَدْ ينزلُ حتى أخذوه وأوثَقوه بالحبالِ وجرُّوه إلى ملكِ القريةِ ليُحاسبَه..
من الملكُ؟ أبو البَغِيِّ ذاتِها..!
كم مِن طوامٍّ لبني إسرائيل، فحدَّثْ ولا حَرَج.. وكيف أن الدَرسَ مُؤلِمٌ يا جُرَيج!
وتَزاحَمَ الناسُ على الرَّكبِ في الطريقِ..
ومن بين الحشودِ مَن؟..
المومساتُ...!
وحين رآهم، تذكرَ دعوةَ أمِه عليه..
كم كنتَ تحتاجُ لهذا الدرسِ المؤلمِ يا جُرَيج..

ولكنَّ اللهَ الرحيمَ لا يَذَرُ أولياءَه العابِدينَ المُتقِين، خاصةً بعدَ إدراكِهم أنهم كانوا خاطئين.. ابتلاه بدعوةِ أمِه لعقوقِه، ثم أنجاهُ وأظهرَ براءتَه، بكراماتِه لأوليائِه الصالحين، فأنطَقَ الرضيعَ بالحَقِّ..
وذُهِلَ القومُ وطفِقُوا يَعتذرون إليه ويَعِدُونَهُ ببناءِ صومعةٍ جديدةٍ مِن ذهب..
فأبى واكتفَى فقط بإعادتِهم إياها بالطِين..

الدرسُ لنا جميعًا لا جُريجَ وحدِه وأمِه..
لا تظنَّ أنكَ بصلاحِكَ، بَعيدٌ عن الابتلاءِ بدعوةِ أمِكَ إن عَقَقْتَها..
ولا تظنِّي أن دعوتَكِ على ولدِكِ عِندَ خَطَئِه، تَمُرُّ بسلام..
إلا أن يرحمَكما اللهُ..

وليسَتِ القصةَ الوحيدةَ..
فأُمٌ قالت لولدِها "قُصِمَ ظَهرُك".. فعادَ للبيتٍ مَحمُولًا في الجبائِر..
وأخرَى قالت لابنتِها "سَمَّمَ اللهُ بدنَكِ وأحرَقَ دَمَكِ".. كَبُرَتْ ومَرِضَتْ بالسُكَرِ والسَرَطانِ..
وثالثةٌ قالت لابنِها "يَنتَقِمُ اللهُ مِنكَ".. فخَرِبَ بيتُه وطَلَقَ زوجتَه وحُرِم العيش مع ابنتِه وتضاعفَتْ دُيونُه..

كلهن استعمَلن سلاحَ الدعاءِ في لحظاتٍ كان أبناؤُهم بالفعلِ أهلًا للدعاءِ عليهم بعقوقِهم... فاستجابَ ربُك، وما رَبُكَ بظلامٍ للعبيد..
فهل تُحِبين أن تنضمي لهؤلاء.....؟

إذًا...
من لازالَ لسانُها يَفلِتُ بالدعاءِ على أولادِها، فالحلُ -بعدَ الندمِ وكثرةِ الحوقلةِ وإخلاصِ القَصدِ للهِ والدعاءِ للنفسِ بالهُدَى والتُقَى والحِلمِ واللينِ مع الأولاد- هو استحضارُ وتفعيلُ سِتِ قواعِدَ، يُعِينُ بعضُها على بعض:

1-الأولى: "فاعتبِروا يا أُولِي الأبصَار"..
استحضارُ قصة جُرَيج وأمثالها كلَ مَرة.. وكأنَّ ولدُكِ ماثلٌ بجراحِ بَدَنِه وقَلبِه أمامَ الناسِ يقولُ "أصابَتْني دعوةُ أُمّي"..
تُطِيقين...؟

2-الثانية: "إنَّما فاطمةُ بِضعةٌ مِني، يُؤذِينِي ما آذاها.. ويُنْصِبُنِي ما أنْصَبَها -أي يُتعِبُنِي ما أتعَبَها"..
فلا تؤذِي عاقِلةٌ نفسَها، بل تُرَمِّمُها بالدعاء..
فالحلُ هنا: الاعتقادً الجازمُ كلَ مرةٍ أنكِ تَدعِينَ على عُضوٍ من جوارِحِكِ، قِطعَةٌ من نفسِكِ.. أتقولين "اللهم اكسِر لِي ذراعي المُتَوَرّمَ؟"/ أو "أعمِ لي عَينِي المُلتَهِبَةَ؟"/ أو "خُذْ اصبَعِي المُؤلِمَ؟"...
تستطيعين الدعاءَ على قِطعةٍ مِنكِ بالذُلِ والحَرقِ والكَسرِ....؟
كذلك أولادُكِ..
اجتهدِي كلما استبدَّ بِكِ الغضبُ وتطايرَتْ أمامَ عينِكِ الجُمَلِ الانتقامِيةِ، أن تستبدلي صياغتَها بدعواتٍ لهم أو لنفسِكِ، حتى وإن لَفَظتِها بَغَضبٍ وغَيظٍ وصِياحٍ مُستَطِير، فلا شكَ أهونُ مِن سهامِ دعائِكِ عليهم...
حتى تَملِكي زِمامَ نفسِكِ رُويْدًا بحولِ الله..
فاستَبدِلِي "هَدَّكَ اللهُ!".. بـ"هداكَ اللهُ"...
و"اللهم العَنْهُ" بـ"اللهم صَبِّرنِي"..

قولي اللهم اهدِ قلبي الذي يُشقِينِي، واشفِ عينِي التي تُلهِبُني، واجبُر ذراعي الذي يؤلمني.. واهدِ ولدي الذي يُتعِبني... كلُهم بِضعَةٌ مِني...

قولي أسألُ اللهَ يا بُنَيَّ يا سببَ وَجِعِ قلبِي وانكسارِ نفسِي وسيلانِ عَينِي، ألَّا يُذِيقَكَ ذلكَ مع أبنائِك، ويَجبُرَني بهدايتِك.. فكلُ أمَلي أن يَنصَلِحَ حالُ الأمةِ بكَ وبذريتكَ وأن يأجرَنِي ربي على الصبرِ الجميل..

فأصلحي اعوِجاجَ وَلدَكِ، بالدعاءِ لَه لا عَليه..

3-الثالثة: "أمسِكْ عليكَ لسانَك.."
فإن لم تتمكنِي مِن تبديلِ الدعاء عليه بدعاءٍ له، فألجِمِي لسانَكِ بالصمتِ أو الذِكْر.. خاصةً الاستعاذةُ، فإنها تُعِينُكِ على الاثنتَينِ فتكونين من المُتقين: {إِنَّ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ إِذَا مَسَّهُمۡ طَـٰۤىِٕفࣱ مِّنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ.}كذلكَ لأجلِ تقديمِ قدوةٍ عمليةٍ له في تلكَ القاعدةِ النبويةِ في كافَّةِ الحياةِ، وليسَ فقط كلامًا نظريًا ولدُكِ يراكِ بنفسِهِ أعجَزَ الناسِ عن تَطبيقِه...
فجاهدي ولا تقولي لا أستطيع..
لماذا تستطيعين إمساكَ لسانكِ عن أمكِ وزوجِكِ ومديريكِ في العملِ؟
لأنكِ روضتِ نفسَكِ بقناعاتٍ ودوافعَ مُعَيَّنَةٍ مَنَعَتْكِ من التجاوزِ معَهم..
وأرجو ألَّا يكونَ المانعَ عنهم فقط هو استِسهالُكِ لقَهرِ الضعيفِ واستثقالُكِ لمجابهةِ القَوِيّ، فإن رَسولَكّ قد حَرَّجَ علينا حقَّ الضعفاءِ... فراجعي قلبك..

4-الرابعة: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ يُنتَفَعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعو له"
-أتدعينَ بالخرابِ علَى الياسَمِينَةِ التي تَسقِينِها وتُنَمِّينَها لتَنشُرَ شَذَى أعمالِكِ الصالحةِ والدعاءِ لكِ في السماءِ والأرضِ، بعدَ انقطاعِ شذاكِ من الدنيا؟
-أتطلبين الهلاكَ لمشروعِكِ الذِي أفنيتِ عليه صحتكِ وشبابِكِ وكل ما تملكين وادَّخَرتِه ليومٍ عَصيب،
(( {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} ))؟
----

5-الخامسة: { {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} }..
أي: ليسَ لكَ من أمرِ النَّاسِ شيءٌ، فأمْرُهم إلى اللهِ وَحْدَه يَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويُعذِّبُ مَن يَشاءُ.. نزلت حين كان النبيُ ﷺ يدعو على مُشركين بالاسم، في قنوتِه بالفَجر..
فعلمَ ﷺ أنَّ اللهَ قدْ يَهْدي هؤلاءِ للإسْلامِ، وهو ما حدَثَ فعلا وأسْلَموا..
فلا نيأسْ من هِدايةِ أحَد... بالذات، مَن لازالوا يَتَعَلمونَ الحياة..

6-السادسة: الوقايةُ النبويةُ= "أنِّي اشترطْتُ على ربِّي..."
والتي فصَّلناها سابقًا..

فاشترِطِي على ربِكِ مِثلَه ﷺ،
أن يجعلَ أيَّ دعوةٍ يَفلِتُ بها لسانُكِ على أبنائِكِ، زَكاةً لهم وقُربَةً عِندَ ربهم...
بشرط:
تكون فلتاتُكِ نادرةً -كفلتاتِهِ ﷺ- مع مُجاهدتِكِ لنفسِكِ فيها..
فتلك الهدية تُرجَى ثَمَرَتُها لمن تَصُونُ لسانّها ولكنْ لازالتْ تَزِلُّ في مُقاومةِ الفَلتات، وليستْ لمن تُصِرُّ على الدعاءِ على أبنائِها وتتهاوَنُ، دونَ محاولاتٍ للتوبةِ والمراجعةِ..
----

وبعدما أنهينا الممنوعَ الثانِي ومتعلقاتِه، يأتي الممنوعُ الثالثُ: "أبدًا ما شَتَمتُكَ"..
في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23-10-2021, 10:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (6)

صناعةُ القادةِ والقدواتِ، وآتَيْناَهُ الحُكْمَ صَبِيًّا


أسماء محمد لبيب


كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ = سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
قواعد: (6) صناعةُ القادةِ والقدواتِ.. {وآتَيْناَهُ الحُكْمَ ((صَبِيًّا))..}

{وآتيناه الحُكمَ ((صبيًّا))..}
مَنْ هَذَا....؟
سيدُنا يَحيَى عليهِ السلام..
وما معنى الآية؟
معناها أنَّهُ أُوتِيَ مَعرِفةَ أحكامِ اللهِ والحُكمَ بها، وهو في حالِ صِغَرِه وصِباه..*1
فهل من آيةٍ أخرى؟
نعم: { {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ.. أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ((بِيَحْيَى)).. مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَ ((سَيِّدًا)) وَ((حَصُورًا)).. وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} }..

لا يَشُكُّ عاقِلٌ أنَّ مِن نَعِيمِ الدنيا الذِي يُبَشَّرُ بهِ المَرءُ، أن يكونَ ولدُهُ ((سيدًا)).. و((حَصُورًا))..
سَيِّدًا مُؤَثِّرًا فِي الناسِ، لَهُ كلمةٌ مًسمُوعةٌ وينتهِي إليهِ القولُ، سَواءً في دائرتِهِ أو أوسَعَ منها..
وحَصُورًا لا يأتِي الذنوبَ والفواحِشَ، بل حَصَرَ نفسَهُ عَنها، وخَصَّصَ بَدَنَهُ لطاعةِ ربِهِ وَتَزكِيةِ نَفسِهِ،
بالِغًا بذلك دُرَّةً عاليةً في الطُّهْرِ والاستقامة:
= فهو سيدٌ في المَشُورةِ والإمامَةِ، أي: ((قائدٌ))..
= وسيدٌ في الصلاح ِ والعِفةِ والعِصمَةِ من المُنكَرَاتِ، أي: ((قدوة))..
والآيةُ تُشِيرُ إلى أنَّ من أقوَى أسبَابِ ذلك: التسلُّحُ بالعلمِ الشرعيِّ منذُ الطفولةِ، وأخدُهُ بقُوةٍ..

ببساطةٍ..
الآيتانِ تَلفِتانِ نِظَرَنا لنوع ٍ مِنَ التَرْبيةِ اسمُهُ [[ فَنُّ صِناعَةِ القادةِ والقُدْواتِ ]]..
فمِن فُنُونِ صِناعَةِ القادةِ: التربيةُ على هدفٍ أكبرَ من دائرةِ الذَّاتِ: "سيادةُ العالمِ وإمامَةُ الناسِ"..
كتخطيطِ هِنْدَ بِنْتِ عُتبةَ لابنِها مُعاويةَ بنِ أبي سُفيان.. حينَ قيل لها، وابنُها لايزالُ وَلِيدًا بينَ يَدَيْها:
"إن عاشَ، سادَ قَوْمَه!"... فقالت: "ثكِلتُهُ إنْ لَمْ يَسُدْ إلا قَومَه!!"
تلك أمٌّ قد فَقِهَتْ الآيةَ، ورَبَّتِ ابنَها بها، حتى صارَ "مَعاويةَ بنَ أبِي سُفيان"، داهيةَ العَرَبِ قبلَ الإسلامِ وأحدَ فُضلاءِ الصحابةِ بعد الإٍسلامِ.. رضي الله عنه..
أما نحنُ اليومَ؟... فنتَحَسَّسُ رقابَنا إذا فَكرْنا في مُخاطَبَةِ بَعضِ الناسِ بأدبياتِ تربيةِ تلكَ النفوسِ التِي سادَتِ الدنيا..!!
هذا فيما يَخُصُّ فَنَّ صِناعةِ القادةِ..

أما فيما يَخُصُّ فَنَّ صناعةِ القُدْواتِ:
فمِن أقوَى ما يُعِينُ عليهِ وأشارتْ إليهِ الآياتُ، تربيةُ ولدِكِ على الانتباهِ جيدًا لسلوكياتِهِ ومواضعِ خُطُواتِه حِرصًا على خُطُواتِ الناسِ خَلفَهُ، إخوتِهِ وجِيرانِه وصُحبَةِ المَسجِدِ والمَدرَسةِ وغيرِهم.. فتَكرَارُكِ ذَلِكَ عليهِ دومًا، من أقوَى وسائلِ تَنمِيَةِ حِسِّ القُدْوَةِ بداخِلِه..
مثلما فَعَلَ سيدُنا عُمَرُ معَ سيدِنا طَلحةَ..
ففي يومٍ مِن أيامِهِمُ النَّدِيَّةِ، رأى سيدُنا عُمَرُ سيدَنا طلحةَ وهو مُحرِمٌ بملابسَ مصبوغةٍ، فسألَهُ عن ذلكَ.
فقالَ لهُ طلحةُ: إنما هُوَ مَدَرٌ – أي إنه طِين ٍ لَزِج ٍ فحسْبْ.. وقد ظَنَّهُ سيدُنا عُمَرُ صبغةَ ألوانٍ من التِي لا تَجُوزُ في حَقِّ الرِجالِ..
فقال عُمَرُ جُملتَهُ الذَّهَبِيَّةَ:
[[ إِنَّكُم أيُّها الرَّهطُ أئمَّةٌ يَقتدِي بكُمُ الناسُ.. فلو أن رجلاً جاهِلاً، رَأَى هذا الثوبَ، لقالَ: "إنَّ طَلحةَ بنَ عُبَيدِ اللهِ قَدْ كَانَ يَلبَسُ الثيابَ الْمُصَبَّغَةَ في الإحرامِ"، /فلا تَلبَسوا أيُّها الرَّهطُ شيـئًا من هَذِهِ الثِّيابِ المُصَبَّغَةِ..]]
رضِيَ اللهُ عن لَئالِيءِ الأُمَّةِ..

ونقولُ خِتاماً..
= رَبِّي وّلَدَكِ على سِيادةِ الدنيا بالقدوةِ الصَّالِحَةِ..
= فِإنْ لَمْ يَستَطِعْ، فَسِيادةُ قومِه..
= فإن لمْ يَستَطِع، فسيادةُ نَفْسِه وامْتِلاكُ زِمامِها، كَأهَمّ وأَجَدَرِ غايَةٍ للِفلاحِ..
= وهَيِّئِيهِ لتلكَ الدَرَجاتِ العُلَى بِالعِلمِ والقُوَّةِ وكلِّ الأسبابِ، مُنذُ نُعُومَةِ أظفارِهِ..

فقطْ نَنتَبِهُ ونحنُ نُرَبِّيهِمْ على سِيادَةِ العالَمِ، أن لَّا نَزرَعَ فيهم حُبَّ الرِّئاسَةِ ولا السَّعْيَ لِلْإِمَامَةِ مِنْ أَجْلِ مَالٍ أَوْ مَنصِبٍ أو زَعَامَةٍ، وَلا دُونَ جَدَارَةٍ واستِحقَاقٍ.. فلا يُقَدِّمُ نَفسَهُ لِلقِيادَةِ والإداراةِ وما شابَهَ إلَّا إذا تَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ وَالكَفاءَةِ وَالإِخلاصِ للهِ، كما فَعَلَ سيدُنا يوسفُ {اجعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الآرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. وكما دَعَا عِبادُ الرحمَنِ الذين زكاهم الله: {وَاجعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}..

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: « قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟.. فَضَرَبَ ﷺ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ.. إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» "..

لكن في نفسِ الوَقتِ، عن عُثمانَ بنِ بِشْرٍ، قالَ: "يا رسولَ اللهِ! اجعَلْنِي إِمَامَ قومِي" فقالَ ﷺ: أنتَ إِمامُهُم..
رُغْمَ أَنَّهُ كانَ أصغَرَ قَومِه مِن وَفدِ بَنِي ثَقِيف، إلا إنَّهُ كانَ أحْرَصَهُم عَلَى طَلبِ العِلمِ بَينَ يَدَيِ النبيِ ﷺ، فاستَحَقَّ إمَامَتَهُم..

فالأمرُ أولًا وأخيرًا بضوابِطَ وأدواتٍ نربيه عليها أولًا، ولا يَتَسِعُ لها المَقامُ هُنا..
فيكونُ سَعْيُه لِلقِيادةِ والقُدوَةِ وَسِيلَةً لنَشر ِ دِينِ اللهِ، وليستْ غايةً لِصَرْفِ وُجُوهَ النَّاسِ إِليهِ..
فحِينَها ((سيَحيَى)) بِحَقٍ كَسِيدِنا ((يَحيَى))، الذي كان سَيّدًا فِي النَّاسِ بعِلمِهِ وعملِهِ ذا كَلِمَةٍ مَسمُوعَةٍ، وسيدًا في الصلاح ِ ذا نَفْسٍ حَصُورَةٍ عن الشَّهَوَاتِ والذُّنُوبِ، وسَيِّدًا فِي الأنبياءِ بَلَغَ مِنَ الخَيرِ والكمالِ البَشَرِيِّ ذُرْوَتَهُ..

فيُحْيِي اللهُ الناسَ بِوَلَدِكِ، و((يَحيَى)) هو خالدَ الذِّكْرِ بِلِسانِ صِدْقٍ فِي الآخِرِين.. بحول ِ اللهِ وقُوَّتِهِ..

وهُنا يَأتِي سؤالٌ: كيف يَلِينُ بَينَ يَدَيْكِ فِي كُلِّ ذَلِك...؟
والجوابُ في القاعِدَةِ القادِمَةِ بِإذنِ الله..


--أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23-10-2021, 10:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

قواعد: (7)

الصِدْقُ والعدلُ أساسُ المُلْك.. {لأعدِلَ بينَكُم}


أسماء محمد لبيب



إِذا سَألْنا كيفَ يَلِينُونَ بَينَ يَدَيكِ ويَثِقُونَ في توجيهاتِكِ، فإنَّ أَوَّلَ صِفَتَينِ تملكِينَ بِهِما -بحولِ اللهِ وقوتِهِ- زِمامَ قلبِهِمْ وعقلِهِمْ، هُمَا: الصدْقُ والعدلُ.. وتأتيانِ قبلَ حَتَى كلامِنا عن الحُبِّ والحَنان..

فحنانُكِ مَعَهُم ومَرحَمَتُكِ، ومُشارَكَتُكِ إياهُم لَعِبِهِم، وإلقامِهِمْ مَا لَذَّ وَطابَ مِنَ الأطعِمَةِ، واهتمامُكِ بتفاصِيلِهم المُحببَةِ إليهِم، وتَلْقِينُكِ إياهُم الخِبراتِ الحياتِيَّةِ بِلِينٍ ورِفقٍ، وضَحِكُكِ مَعَهُم وحِرصُكِ على مَصلَحَتِهِم في العاداتِ الصحيةِ، وما إلَى ذلكَ مِنْ مَظاهِرِ أمُومَتِنا لِفَلَذاتِ أكْبادِنا، إن كانتْ جَميعُها لَدَيكِ بنِسَبٍ مُتَوَسِّطَةٍ أو مَقبُولَةٍ، فلا تُحبَطِي مَادُمْتِ في الصِّدقِ والعدلِ تُحَقِّقِينَ دَرجاتٍ نِهائِيةٍ ونِسَبًا قِياسِيَّةٍ...

بلْ أُبَشِّرُكِ: سَتَملِكينَ قلوبَهُمْ أسرَعَ وأقوَى بإذنِ الله..
وبالمُقابِلِ: قد تكونُ نسبتُها كلُّها في أُمُومَتِكِ عَاليةً جِدًا وتَبذُلِينَ فِيهم مَجهُودًا جَبارًا قاصِمًا للظَّهرِ (باركَ اللهُ فِيكِ وتقبلْ مِنكِ فهوَ مِن مَعانِي الأمُومَةِ الجَميلةِ قَطعًا بلا شَكّ)، لكنَّكِ في ذاتِ الوَقتِ تُخفِقِينَ في تَحقِيقِ النَّجاحِ في درجاتِ الصدقِ والعدل، أو ربما في نَظَرِ أولادِكِ قد أحرَزتِ درجةَ السُّقوطِ والعياذِ بالله، فهُنا أخشَى أن أحَذِّرَكِ: أنكِ قد تَخسَرِينَ قُلُوبَهُمْ وعُقُولَهُمْ مهما فَعَلْتِ لهم من مُبهِجاتِ، إلا أنْ يَرحَمَكِ اللهُ، لأنَّ أبناءَكِ هكذا يَفقِدُونَ الشعورَ بالأمانِ في جَنابِك،ِ والثقةِ في حُكمِكِ أو كلامِكِ..
نَعَم سَتَرَيْنَ أبناءً بَارِّينَ مُطِيعِينَ فهذا هو دِينُهم، لكن قلوبُهم وعقولُهم لا سُلطانَ لهُم عليها، ستكونُ مُهاجِرةً من وَاحَاتِكِ لواحاتٍ آُخرَى آمِنَةٍ، بحثًا عن الصدقِ والعَدلِ..
لذلك هما أكثرُ صِفَتَينِ غَيرُ مَقبُولٍ فيهما نِسَبٌ مُتَوَسِّطَةٌ، بل لا أبالغُ إنْ قُلتُ غَيرُ مَقبُولِ فيهما أصلًا أقلَّ من مائة بالمائة.
حين ضاقَتْ الدنيا على الصحابةِ لشدةِ تَعذِيبِ قريشٍ لهم، وصَّاهُم النبيُّ ﷺ بالحَبَشَةِ..
لماذا بالذات......؟
الجوابُ مِنَ الحديثِ: «لأنَّ عِندَهُم مَلِكٌ لا يُظلَمُ عِندَه أَحَدٌ: النَّجَاشِيّ» (السلسلة الصحيحة)
فكانَ عدلُه سببًا لأن تَهوِي إلَيهِ القلوبُ مِن كُلِّ جَانِبٍ..
فالأمانُ مُقُدَّمٌ على الحُبِّ، لأنَّ دَفْعَ الضَرَرِ مُقَدَّمٌ علَى جَلبِ المنفعة..
بل لا حُبَّ بِدونِ أمانٍ....
ولا أمانَ بِدونِ عدلٍ...
ولا عدلَ بِدونِ صِدق...
وحينَ كانَ هُناكَ نِزاعٌ بينَ فَريقَينِ من الصحابةِ، حولَ مسألةِ "أيهُما أحقُّ برسولِ اللهِ ﷺ، احتِجاجًا بمِعيارِ "أيهُما الأسبَقُ للهِجرَةِ مِنَ الآَخَرِ"، كان بعضُ المهاجرين يقولون لمُهاجِرَةِ البَحرِ الذينَ هاجَرُوا للحَبَشَةِ قَبلَهُمْ بالسفينةِ ثمَّ بَعدَ بِدْءِ الهِجرَةِ لِلمَدِينَةِ هَاجَرُوا للمدينةِ:
"نحنُ سَبَقناكُم بالهجرَةِ ونحنُ أحقُّ بالنبيِّ مِنكُمْ"..!!
وفي مَرَّةٍ، قالها سيدُنا عُمَرُ لإحدَى مُهاجِراتِهم: السيدةُ أسماءُ بِنتَ عُمَيْسْ.. فَغَضِبَتْ بشدةٍ وقالتْ له كلامًا مُلَخَّصُهُ:
"هذا الذي تقولُهُ يا عُمَرُ كَذِبٌ!!.. وإِنَّكُمْ كُنتُمْ في أمانٍ والنَّبِيُّ ﷺ بينَ أظهُرِكُم يُطعِمُ جائعَكُم ويُوعِظُ جاهلَكُم، بينما نَحنُ كُنا وَحدَنَا بِدونِهِ، نُؤذَى ونَخَافُ للهِ وفي اللهِ ورسولِه..!! "
وأقسَمَتْ ألا تَأكلَ أو تشرَبَ إلا بعدَ تبليغِ الرسولِ ﷺ بالأمرِ ليأتيَ لها بحقِّها هِيَ وَمَنْ مِثلِها مِنْ مُهاجِرَةِ الحَبَشَةِ.. فلما اشتكتْ للنَّبِيِّ ﷺ، أنصَفَها وخَطَّأَ سيدَنا عُمَرَ، قائلًا إجمالًا: « ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان » (رواه البخاري ومسلم)
تَتَخَيَّلُونَ حَجمَ سعادتِها وقومِها بهذا الإنصافِ المُنتَظَرِ، ومَدَى تمَلُّكِ النَّبِيِّ ﷺ لقلوبِهم وعقولِهم بعدَها أكثرَ وأكثرَ؟
وصَفَتْ، جانبًا من رَدّ فِعلِهِم فقالتْ: ((ما مِنَ الدنيا شيئٌ هُم بِهِ أفْرَحُ ولا أعظَمُ في أنفسِهِم مما قال لهم رسولُ اللهِ ﷺ..))
فيا أيَّتُها الأمهاتُ الطيباتُ..
- اعْدِلنَ بينَ أولادِكُنَّ: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15]
- واحكُمنَ بينَهُم بالعدلِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} [المائدة:42]
- وأنصِفُوهُنَّ مِن أنفُسِكُنَّ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42]
- وأَتْقِنَّ الصِّدقَ والعَدلَ..
- وكُنَّ مَلاذَهُمُ الآمِنَ الأمِين...
تَملِكْنَ قلوبَهمْ بإذنِ مُقَلِّبِ القلوبِ والأبصار..
فالعدلُ أساسُ المُلْكِ.. والصِّدْقُ أساسُ العدلِ.... والعدلُ هو بَذْلُ الحُقُوقِ بلا نُقصَانَ، والتسويةُ بَيْنَ المُستَحِقِّينَ في حُقُوقِهِم..
وأَعدَلُ قانونَ حُقُوقٍ تُطَبِّقِينَهُ مَعَهُم، بَلْ تَخضَعُونَ لَهُ جَميعًا بأمانٍ فلا تَناقُضَاتٍ فيه تُفقِدُ الثِّقَةَ في عَدَالَتِهِ وتُفسِدُ الوُدَّ وتُوغِرُ الصدُورَهو العدلُ الإلهيُّ، المُتَمَثِّلُ في شَرعِهِ الحَكيمِ الذِي أُحكِمَتْ آياتُه.. ولو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لوجَدُوا فِيهِ اختلافًا كثيرًا وميلًا عَظيمًا..
في قانُونِهِ خَمسَةُ أحكامٍ للأمورِ: واجبٌ/ حرامٌ/ مَكرُوهٌ/ مُستَحَبٌ/ مُباحٌ..
- أنصِفِي ابنَكِ مِنكِ فِيهِنَّ تَملِكِينَ قَلبَهُ وعَقلَهُ وتُعَزِّزِينَ إيمانَه بإذنِ الله..

وتَذَكَّرِي أنَّ نِصْفَ حُرُوفِ الـ ((أَ مَ ا ن)) هي الـ ((أُ مَّ)) ..
إلا ما كانَ عَنْ تَقصِيرٍ بَشَرِيٍّ طَبِيعِيٍّ، فنُسارِعُ بَعدَهُ بالإِقرَارِ بالخَطَأ، وهذا عَيْنُ الصِّدقِ والعَدْلِ..فكلنا ذَوُو خَطأٍ، وخَيرُ الخَطائِينَ التوَّابُون..
والسؤالُ: كيف نُطَبِّقُ ((العَدْلَ)) مَعَهُمْ بالأحكامِ الخَمسَةِ؟ وما علاقتُها بِالتَربِيةِ وتأسيس السلوك وتعديله؟
والجوابُ في القاعدةِ القادمةِ بإذنِ الله.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 169.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 163.96 كيلو بايت... تم توفير 5.89 كيلو بايت...بمعدل (3.47%)]