|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#30
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: التوضيح لشرح الجامع الصحيح المؤلف: سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بـ ابن الملقن (٧٢٣ - ٨٠٤ هـ) الناشر: دار النوادر، دمشق - سوريا الطبعة: الأولى، ١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م عدد الأجزاء: ٣٦ (٣٣ والفهارس) المجلد (2) من صـــ 271 الى صـــ 290 الحلقة (30) يلتبس بالحق وما زال يستقريء الدلائل، (ويسبر) (١) الآيات إلى أن وضح لَهُ الصواب، وكما يجب عَلَى أحدنا أن يسبر صدق الرسول إليه وينظر في دلائل صدقه من المعجزات، فكذلك الرسل يجب عليها أن تسبر حال المرسل إليها هل هو ملك أو شيطان؟ فاجتهادها في تمييز الحق من الباطل أعظم من اجتهادنا، ولذلك عَلَت منازل الأنبياء لعِظَمِ ما ابتُلوا به من ذَلِكَ. قَالَ: وكان نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام قَدْ نفر في بدايته من جبريل. ونسب الحال إلى الأمر المخوف، وقال لخديجة: «قَدْ خشيت عَلَى نفسي» إلى أن بان لى أن الأمر حق، ثمَّ استظهر بزيادة الأدلة حتَّى بان لَهُ اليقين، ثمَّ ساق بإسناده من حديث حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر قَالَ: كان النبي - ﷺ - بالحجون فقال: «اللَّهُمَّ أرني آية لا أبالي من كذبني بعدها من قريش» فقيل له: ادع هذِه الشجرة فدعاها، فأقبلت عَلَى عروقها فقطعتها، ثمَّ أقبلت تخد الأرض حتَّى وقفت بين يديه - ﷺ - ثمَّ قالت: ما تشاء؟ ما تريد؟ قَالَ: «ارجعي إلى مكانك» فرجعت إلى مكانها، فقَالَ: «والله ما أبالي من كذبني من قريش» (٢). ------------------------ (١) في (ج): ويتبين. (٢) رواه الفاكهي في «أخبار مكة» ٤/ ٣٠ (٢٣٣٠)، والبزار في «البحر الزخار» ١/ ٤٣٨ (٣٠٩ - ٣١٠)، وأبو يعلى في «مسنده» ١/ ١٩٠ - ١٩١ (٢١٥) وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (٢٩٠)، والبيهقي في «الدلائل» ٦/ ١٣، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» ٤/ ٣٦٤، من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن عمر به. قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر عن النبي - ﷺ - إلا بهذا الإسناد اهـ. قلت: بل رواه الفاكهي في «أخبار مكة» ٤/ ٢٩ - ٣٠ (٢٣٢٩) من طريق حماد بن = وقيل: إن الخشية كانت من قومه أن يقتلوه. حكاه السهيلي، ولا غرو أنه بشر يخشى من القتل والأذى، ثمَّ يهون عليه الصبر في ذات الله كل خشية، ويجلب إلى قلبه كل شجاعة وقوة (١)، وقيل: إنها كانت (خوف) (٢) أن لا ينهض بأعباء النبوة ويضعف عنها، ثم أذهب الله خشيته ورزقه الأيد والقوة والثبات، حكاه السهيلي أيضًا، وقال قبل ذَلِكَ: تكلم العلماء في معنى هذِه الخشية بأقوال كثيرة، منها ما ذهب إليه أبو بكر الإسماعيلي أنها كانت منه قبل أن يحصل لَهُ العلم الضروري بأن (الذي) (٣) جاءه ملك من عند الله تعالى، وكان أشق شيء عليه أن يقال عنه شيء أو أنه خشي عَلَى الناس، -يعني: من وقوعهم فيه- ولم ير الإسماعيلي أن هذا محال في مبدأ الأمر؛ لأن العلم الضروري لا يحصل دفعة واحدة، وضرب مثلًا بالبيت من الشعر تسمع أوله ولا تدرى (أنثر هو أم نظم؟) (٤) فإذا استمر الإنشاد عَلِمْتَ قطعًا (أنه قُصِدَ به) (٥) قَصْدُ الشعر، فكذلك لما استمر الوحي واقترنت به القرائن المقتضية للعلم القطعي حصل العلم القطعي، وقد أثنى الله عليه بهذا العلم، فقال: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] إلى قوله: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فإيمانه - ﷺ - بالله --------------------------- = سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع به. وقال الهيثمي في «المجمع» ٩/ ١٠: رواه البزار وأبو يعلى، وإسناد أبي يعلى حسن، وقال التقي الهندي في «الكنز» ١٢/ ٣٥٥ (٣٥٣٦٤): سنده حسن اهـ. (١) «الروض الأنف» ١/ ٤١١. (٢) في (ف): خوف. (٣) في (ج): إذًا. (٤) في (ج): أشعر أم نظم. (٥) في (ج): أنَّ قصده. وملائكته إيمان كسبي، موعود عليه بالثواب الجزيل كما وعد عَلَى سائر أفعاله المكتسبة، كانت من أفعال القلوب أو من أفعال الجوارح (١). [وقال سيدي أبو عبد الله بن أبي جمرة: يحتمل أن تكون خشيته من الوعك الذي أصابه من قبل الملك (٢). والأظهر أنها من الكهانة لكثرتها في زمنه، ثمَّ ظهر لَهُ الحق بعد ذَلِكَ وأمر بالإنذار (٣)، وفي «السيرة» من حديث عمرو بن شرحبيل أنه - ﷺ - قَالَ لخديجة: «إني إِذَا خلوت وحدي -------------------------- (١)»الروض الأنف«١/ ٢٧٥. (٢)»بهجة النفوس«لابن أبي جمرة ١/ ١٨. (٣) قال الحافظ في»الفتح" ١/ ٢٤، اختلف العلماء في المراد بها -أي الخشية- على اثني عشر قولًا: أولها: الجنون وأن يكون ما رآه من جنس الكهانة، جاء مصرحا به في عدة طرق، وأبطله أبو بكر بن العربي وحق له أن يبطل، لكن حمله الإسماعيلي على أن ذلك حصل له قبل حصول العلم الضروري له أن الذي جاءه ملك، وأنه من عند الله تعالى. ثانيها: الهاجس، وهو باطل أيضًا لأنه لا يستقر وهذا استقر وحصلت بينهما المراجعة. ثالثها: الموت من شدة الرعب. رابعها: المرض، وقد جزم به ابن أبي جمرة. خامسها: دوام المرض. سادسها: العجز عن حمل أعباء النبوة. سابعها: العجز عن النظر إلى الملك من الرعب. ثامنها: عدم الصبر على أذى قومه. تاسعها: أن يقتلوه. عاشرها: مفارقة الوطن. حادي عشرها: تكذيبهم إياه. ثاني عشرها: تعييرهم إياه. وأولى هذِه الأقوال بالصواب وأسلمها من الارتياب الثالث، واللذان بعده، وما عداها فهو معترض. والله الموفق. اهـ. سمعت نداءً، وقد خشيت والله أن يكون هذا أمرًا» فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل ذَلِكَ، إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث (١)] (٢). الرابع بعد الثلاثين (٣): قولها: (فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا والله ..) إلى آخره، معنى كلا (هنا) (٤): النفي والإبعاد، وهذا أحد معانيها، وقد تكون بمعنى: حقَّا، وبمعنى: ألا، التي للتنبيه، يستفتح بها الكلام، وقد جاءت في القرآن عَلَى أقسام، جمعها ابن الأنباري في باب من كتاب «الوقف والابتداء» له. الخامس بعد الثلاثين: قولها: (والله مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا). هو بضم الياء وبالخاء المعجمة، وكذا رواه مسلم في «صحيحه» من رواية يونس وعقيل، عن الزهري (٥)، وهو من الخزي، وهو الفضيحة والهوان، وأصل الخزي عَلَى ما ذكره ابن سيده: الوقوع في بلية وشهرة تذله (٦). وأخزى الله فلانًا: أبعده، (قاله) (٧) في «الجامع». ورواه مسلم من رواية معمر عن الزهري: يحزنك (٨)، بالحاء المهملة وبالنون من الحزن، ويجوز عَلَى هذا فتح الياء وضمها. -------------------- (١) «السيرة النبوية» لابن إسحاق ص ١١٢ (١٥٧). (٢) ساقط من (ج). (٣) في الأصل: الخامس بعد الثلاثين. وورد بالهامش: يكتب الرابع بدل الخامس، وكذا ما بعده. (٤) ساقط من (ج). (٥) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢، ٢٥٤). (٦) «المحكم» ٥/ ١٥١. (٧) في (ج): قال. (٨) مسلم (١٦٠/ ٢٥٣) كتاب: «الإيمان»، باب: بدء الوحي. يقال: حزنه وأحزنه لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبع. قَالَ اليزيدي (١): أحزنه لغة تميم، وحزنه لغة قريش، قَالَ تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] من حزن، وقال: ﴿لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ﴾ [يوسف: ١٣] من أحزن عَلَى قراءة من قرأ بضم الياء وهو الحزن (٢)، والحزن وهو خلاف السرور يقال: حزن -بالكسر- يحزن حزنا إِذَا اغتم وحزنه غيره وأحزنه، مثل شكله وأشكله، وحكي عن أبي عمرو أنه قَالَ: إِذَا جاء الحزن في موضع نصب فتحت الحاء، وإذا جاء في موضع رفع وجر ضممت، وقرأ: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ [يوسف: ٨٤]، وقال: ﴿تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾ [التوبة: ٩٢]. قال الخطابي: وأكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن، وهما عَلَى اختلافهما يتقاربان في المعنى، إلا أن الحزن إنما يكون عَلَى أمر قَدْ وقع، والهم إنما هو فيما يتوقع ولا يكون بعد (٣)، وقولها: (أبدًا). هو منصوب عَلَى الظرف. -------------------------- (١) هو شيخ القراء، أبو محمد، يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي البصري النحوي، عرف باليزيدي لاتصاله بالأمير يزيد بن منصور خال المهدي، يؤدب ولده، وقد أدَّب المأمون، وعظم حاله، وكان ثقة، عالمًا حجة في القراءة، لا يدري ما الحديث، لكنه أخباري نحوي علامة، بصير بلسان العرب، ألف كتاب «النوادر»، وكتاب، «المقصور والممدود»، وكتاب «النحو». توفي ببغداد سنة اثنتين ومائتين، عن أربع وسبعين سنة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١٤/ ١٤٦، «وفيات الأعيان» ٦/ ١٨٣، «سير أعلام النبلاء» ٩/ ٥٦٢ (٢١٩)، «شذرات الذهب» ٢/ ٤. (٢) انظر: «الحجة للقراء السبعة» ٣/ ٩٩. (٣) «أعلام الحديث» ٢/ ١٣٩٤. السادس بعد الثلانين: قولها: (إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ) هو بكسر الهمزة من: إنك عَلَى الابتداء، وكذا الرواية وهو الصواب، قَالَ القزاز: يقال: وصل رحمه صلة، وأصله: وصلة، فحذف الواو، وكما قالوا: زنة من وزن، كذا أصل صلة من وصل، ومعنى: (لتصل الرحم): تحسن إلى قراباتك، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان كيفية صلة الرحم في بابها وبيان اختلاف طرقها. السابع بعد الثلاثين: قولها: (وَتَحْمِلُ الكَلَّ) هو بفتح الكاف وأصله الثقل، ومنه قوله تعالى: ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ﴾ [النحل: ٧٦] وأصله من الكلال وهو الإعياء ويدخل في حمل الكل الإنفاق عَلَى الضعيف واليتيم والعيال وغير ذَلِكَ، والمعنى: إنك تنفق عَلَى هؤلاء وتعينهم، وقال الداودي: الكَلُّ: المنقطع. الثامن بعد الثلاثين: قولها: (وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ) هو بفتح التاء المثناة فوق عَلَى الصحيح المشهور في الرواية والمعروف في اللغة، وروي بضمها، وفي معنى المضموم قولان: أصحهما: معناه: تكسب غيرك المال المعدوم. أي: تعطيه له تبرعًا. ثانيهما: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من معدومات الفوائد ومكارم الأخلاق، يقال: أكسبت مالًا وأكسبتُ غيري مالًا، وفي معنى المفتوح قولان أصحهما: أن معناه كمعنى المضموم يقال: كسبت الرجل مالًا وأكسبته مالا، والأول أفصح وأشهر، ومنع القزاز الباقي وقال: إنه حرف نادر وأنشد عَلَى الثاني: وأكسبني مالًا وأكسبته حمدًا (١) -------------------------- (١) القائل ابن الأعرابي كما نسبه إليه في «اللسان» مادة (كسب). وقول الآخر: يُعاتِبُني في الدَّيْنِ قَوْمي وإِنما … دُيونيَ في أَشياءَ تَكْسِبُهم حَمْدا روي بفتح التاء وضمها (١)، والثاني: أن معناه تكسب المال وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله ثمَّ تجود به وتنفقه في وجوه المكارم، وكانت العرب تتمادح بذلك وعرفت قريش بالتجارة، وضعف هذا بانه لا معنى لوصف التجارة بالمال في هذا الموطن إلا أن يريد أنه يبذله بعد تحصيله، وأصل الكسب طلب الرزق، يقال: كسب يكسب كسبًا وتكسب واكتسب. وقال سيبويه (٢) فيما حكاه ابن سيده: (كسب) (٣): أصاب، و(اكتسب) (٤): تصرف واجتهد (٥). ------------------------- (١) أي: تكسبهم، ويكسبهم، وانظر: «لسان العرب» ٧/ ٣٨٧١ مادة: (كسب). والبيت للمقنع محمد بن ظفر بن عمير الكندي كما نسبه إليه صاحب «الأغاني»، وذكر قبله: وإن الذي بيني وبين بني أبي … وبين بني عمي لمختلف جدًّا فما أحمل الحقد القديم عليهم … وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا وليسوا إلى نصري سراعًا وإن هم … دعوني إلى نصر أتيتهم شدا إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم … وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا (٢) هو إمام النحو، حجة العرب، أبو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر الفارسي ثم البصري، طلب الفقه والحديث مدة، ثم أقبل على العربية، فبرع وساد أهل العصر، وألف فيها كتابه الذي لا يدرك شأوه فيه، قيل: كان فيه مع فرط ذكائه حُبسة في عبارته. وانطلاق في قلمه، سمي سيبويه؛ لأن وجنتيه كانتا كالتفاحتين بديع الحسن قيل: مات سنة ثمانين ومائة، وقيل: سنة ثمان وثمانين ومائة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ١٢/ ١٩٥، «وفيات الأعيان» ١/ ٤٨٧، «سير أعلام النبلاء» ٨/ ٣٥١، «شذرات الذهب» ١/ ٢٥٢. (٣) و(٤) في الأصل: تكسب، والمثبت من «المحكم». (٥) «المحكم» ٦/ ٤٥٢. وقال صاحب «المجمل»: يقال: كسبت الرجل مالًا فكسبه، وهذا مما جاء عَلَى فعلته ففعل (١). التاسع بعد الثلاثين: (الْمَعْدُومَ) كما قاله صاحب «التحرير»: عبارة عن الرجل المحتاج العاجز عن الكسب، وسماه معدومًا لكونه كالميت؛ حيث لم يتصرف في المعيشة، وذكر الخطابي أن صوابه (المعدم) بحذف الواو، أي: تعطي العائل وتَرْفُده؛ لأن المعدوم لا يدخل تحت الأفعال (٢)، وفيه نظر لا جرم. قَالَ النووي: ليس كما قَالَ الخطابي بل ما رواه الرواة صواب (٣). الأربعون: قولها: (وَتَقْرِي الضَّيْفَ) هو بفتح الياء تقول: قريت الضيف أقريه، قرى بكسر القاف والقصر، وقراء بفتح القاف والمد، ويقال للطعام الذي (يضيف) (٤) به: قرى بالكسر والقصر، وفاعله قارٍ كقضى فهو قاض، وقال ابن سيده: قَرى الضيف قِرى، وقراء: أضافه، واستقراني واقتراني (وأقراني) (٥) طلب مني القِرى، وإنه لقري للضيف، والأنثى قَرِيّة عن اللحياني، وكذلك إنه لمقرًى للضيف، ومِقراء، والأنثى مقراة، الأخيرة عن اللحياني (٦). وفي «أمالي الهجري»: ما اقتريت الليلة يعني: لم آكل من القرى شيئًا، أي: لم آكل طعامًا. الحادي بعد الأربعين: قولها: (وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الحَقِّ) أي: تعين بما تقدر عَلَى من أصابته نوائب حق أعنته فيها، والنوائب جمع نائبة: وهي الحادثة والنازلة، ناب الأمر نوبة: نزل، وهي النوائب والنوب، ------------------------ (١) «المجمل» ٣/ ٧٨٥. (٢) «أعلام الحديث» ١/ ١٢٩. (٣) «مسلم بشرح النووي» ٢/ ٢٠٢. (٤) في (ج): يضيفه. (٥) ساقطة من (ج). (٦) «المحكم» ٦/ ٣٠٨. وإنما قالت: نوائب الحق؛ لأنها تكون في الحق والباطل، قَالَ لبيد - ﷺ -: فلا الخير ممدود ولا الشر لازب … نوائب من خير وشر كلاهما الثاني بعد الأربعين: معنى كلام خديجة رضي الله عنها: إنك لا يصيبك مكروه لما جعله الله -سبحانه وتعالى- فيك من مكارم الأخلاق، وجميل الصفات، ومحاسن الشمائل. وذكرت ضروبًا من ذَلِكَ، وفي هذا أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة من مصارع السوء والمكاره، فمن كَثُرَ خيره حسنت عاقبته، ورجي لَهُ سلامة الدين والدنيا، وفيه مدح الإنسان في وجهه لمصلحة، وشرطه في غير الأنبياء انتفاء الفتنة أيضًا. الثالث بعد الأربعين: ذكر البخاري في كتاب التفسير من «صحيحه» خصلة أخرى، وهي: وتَصْدُقُ الحديث (١) وذكرها مسلم هنا (٢)، وهي من أشرف خصاله وكان يُدْعى بها من صغره، وفي «السيرة» زيادة: (إنك لتؤدي الأمانة) ذكرها من حديث عمر بن شرحبيل (٣)، وقد سلفت. الرابع بعد الأربعين: فيه أنه ينبغي تأنيس من حصلت لَهُ مخافة من أمر وتبشيره، وذكر أسباب السلامة له، وأنّ من نزلت به نازلة لَهُ أن يشارك فيها من يثق بنُصْحِهِ ورأيه. الخامس بعد الأربعين: فيه أيضًا أبلغ دليل وأظهر حجة عَلَى كمال خديجة، وجزالة رأيها، وقوة نفسها، وعظيم فقهها. السادس بعد الأربعين: قولها: (فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ -------------------------- (١) سيأتي برقم (٤٩٥٣). كتاب: التفسير، سورة العلق، باب (١). (٢) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي. (٣) «سيرة ابن إسحاق» ص ١١٢ - ١١٣ (١٥٧). وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزى ابن عَمِّ خَدِيجَةَ)، إنما كان ابن عمها: لأنها خديجة بنت خويلد بن أسد، وهو ورقة بن نوفل بن أسد، فـ (ابن عم) تابع لورقة لا لعبد العزى، فينصب ابن، ويكتب بالألف لأنه بدل من ورقة. ولا يجوز جر ابن، ولا كتابته بغير ألف؛ لأنه يصير صفة لعبد العزى، فيكون عبد العزى ابن عمها وهو باطل، كما نبه عليه النووي رحمه الله، ومثله عبد الله بن مالك ابن بحينة، ومحمد بن علي ابن الحنفية، والمقداد بن عمرو ابن الأسود، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية، وإسحاق بن إبراهيم (ابن راهويه) (١)، وعبد الله بن يزيد ابن ماجه؛ لأن بحينة أم عبد الله، وكذلك الحنفية، والأسود ليس بجده، وراهويه لقب إبراهيم، وعُلية أم إسماعيل، وماجه لقب يزيد، فكل ذَلِكَ يكتب بالألف ونعربه بإعراب الأول، ومثل ذَلِكَ عبد الله بن أُبي ابن سلول ينون اُبي ويكتب ابن سلول بالألف ويعرب إعراب عبد الله؛ لأن سلول أم عبد الله، هذا هو الصحيح، وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه، ومقصودهم في كل هذِه الأسماء تعريف الشخص بوصفه جميعًا ليكمل تعريفه، فقد يكون الإنسان معروفًا بأحد وصفيه دون الآخر، فإذا جمعا تم تعريفه لكل أحد. السابع بعد الأربعين: اسم أم ورقة هند بنت أبي كبير بن عدي بن قصي ولا عقب له، وروينا في «مستدرك الحاكم» من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - ﷺ - قَالَ: «لا تسبوا ورقة فإنه كان لَهُ جنة أو (جنتان) (٢)» ---------------------- (١) جاء في هامش (ف) بعد كلمة ابن راهويه: راهويه لقب إبراهيم. ولعله من سبق القلم، فسوف يأتي بعد قليل. (٢) في الأصل: (جنتين) والمثبت هو الموافق للسياق والإعراب. ثمَّ قَالَ: هذا حديث صحيح عَلَى شرط الشيخين (١). وفي كتاب الزبير من حديث عبد الله بن معاذ، عن الزهري، عن عروة قَالَ: سُئِلَ النبي - ﷺ - عن ورقة بن نوفل، كما بلغنا قَالَ: «لقد رأيته في المنام عليه ثياب بيض، فقد أظن أنه لو كان من أهل النار لم أر عليه البياض». ورواه الترمذي في كتاب الرؤيا من «جامعه» من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: سُئِلَ رسول الله - ﷺ - عن ورقة فقالت لَهُ خديجة: إنه كان صدقك ولكنه مات قبل أن تظهر، فقال النبي - ﷺ -: «رأيته في المنام وعليه ثياب بيض، ولو -------------------------- (١)»المستدرك«٢/ ٦٠٩، ولفظة:»لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين«. ورواه أيضًا البزار كما في»كشف الأستار«(٢٧٥٠) من طريق عبد الله بن سعيد -أبو سعيد الأشج- عن أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا به. ورواه البزار كما في»كشف الأستار«(٢٧٥١)، والرافعي في»التدوين في أخبار قزوين«٣/ ١٩٨ من طريقين عن هشام بن عروة عن عروة مرسلًا به. قال البزار: لا نعلم أحدًا رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، إلا أبو معاوية، ولا رواه عن أبي معاوية مسندًا إلا أبو سعيد. وأورد الحافظ ابن كثير في»البداية والنهاية«٣/ ١٣ حديث عاثشة المرفوع وقال: هذا إسناد جيد، وروي مرسلًا وهو أشبه. وقال الهيثمي في»المجمع«٩/ ٤١٥: رواه البزار متصلًا ومرسلًا، ورجال المسند والمرسل رجال الصحيح اهـ والحديث المرفوع صححه الحاكم على شرط الشيخين -كما ذكر المصنف- ووافقه الذهبي، وقال الألباني في»الصحيحة«١/ ٧٦٢ (٤٠٥): وهو كما قالا اهـ. قال المناوي: قال الحافظ العراقي: هذا الحديث شاهد لما ذهب إليه جمع من أن ورقة أسلم عند ابتداء الوحي اهـ.»فيض القدير" ٦/ ٥٢٠ (٩٧٩٤). كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذَلِكَ» ثمَّ قَالَ: حديث غريب، وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي (١). وقال السهيلي: في إسناده ضعف، لأنه يدور عَلَى عثمان هذا، ولكن يقويه قوله - ﷺ -: «رأيت القس -يعني: ورقة وعليه ثياب حرير؛ لأنه أول من آمن بي وصدقني» (٢) ذكره ابن إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل (٣). وقال المرزباني (٤): كان ورقة من علماء قريش وشعرائهم، وكان يدعى القس، وقال النبي - ﷺ -: «رأيته وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة»، وكان يذكر الله في شعره في الجاهلية ويسبحه، فمن ذَلِكَ قوله: ------------------------ (١) الترمذي (٢٢٨٨)، ومن طريقه رواه الحاكم ٤/ ٣٩٣، وابن الأثير في «أسد الغابة» ٥/ ٤٤٧ - ٤٤٨. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه اهـ وتعقبه الذهبي بقوله: عثمان هو الوقاصي متروك اهـ. وقال الألباني في «ضعيف الجامع» (٧٩٢): موضوع. ورواه أحمد ٦/ ٦٥ من طريق ابن لهيعة، عن الأسود، عن عروة، عن عائشة به، قال ابن كثير في «السيرة» كما في «صحيحها» ص ٩٣: إسناده حسن. (٢) «الروض الأنف» ١/ ٢١٧. (٣) «سيرة ابن إسحاق» ص ١١٢ - ١١٣ (١٥٧) ورواه أيضًا البيهقي في «الدلائل» ٢/ ١٥٨ - ١٥٩ وقال: هذا منقطع. (٤) هو العلامة المتقن الأخباري، أبو عبيد الله، محمد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني البغدادي الكاتب، صاحب التصانيف، قال الأزهري: كان المرزباني يضع المحبرة وقنية النبيذ، يكتب ويشرب، وكان معتزليًّا، صنف كتابًا في أخبار المعتزلة وما كان ثقة. انظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» ٣/ ١٣٥، «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٥٤، «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٤٤٧ (٣٣١)، «الوافي بالوفيات» ٤/ ٢٣٥، «شذرات الذهب» ٣/ ١١١. لقد نصحت لأقوامٍ وقلت لهم … أنا النذير فلا يغرركم أحد لا تعبدن إلهًا غير خالقكم … فإن دعوكم فقولوا بيننا جدد سبحان ذي العرش سبحانًا يعود له … وقبله سبح الجودي والجمد مسخر كل ما تحت السماء له … لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد لا شيء مما ترى تبقى بشاشته … يبقى الإله وبودى المال والولد لم يغن عن هرمز يومًا خزائنه … والخلد قَدْ حاولت عادٌ فما خلدوا ولا سليمان إذ تجري الرياح له … والإنس والجن فيما بينها برد أين الملوك التي كانت لعزتها … من كل أوبٍ إليها وافد يفد حوض هنالك مورود بلا كذب … لابد من ورده يومًا كما وردوا نسبه أبو الفرج إلى ورقة، وفيه أجات تنسب إلى أمية بن أي الصلت، ومن قوله أيضًا فيما خبرت به خديجة عن النبي - ﷺ -: يا للرجال لصرف الدهر والقدر … وما لشيء قضاه الله من غِيَرِ حتَّى خديجة تدعوني لأخبرها … أمرًا أراه سيأتي الناس من أُخر فخبرتني بأمر قَدْ سمعت به … فيما مضى من قديم الدهر والعُصُر بأن أحمد يأتيه فيخبره … جبريل: إنك مبعوث إلى البشر فقلت: عَلَّ الذي ترجين ينجزه … لك الإله فرجِّي الخير وانتظري وأرسلته إلينا كي نسائله … عن أمره ما يرى في النوم والسهر فقال حين أتانا منطقًا عجبًا … يَقِفُّ منه أعالي الجلد والشعر إني رأيت أمين الله واجهني … في صورة أكملت من أهيب الصور ثمَّ استمر فكان الخوف يذعرني … مما يُسلم ما حولي من الشجر فقلت ظني وما أدري أيصدقني … أن سوف تبعث تتلو منزل السور وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم … من الجهاد بلا مُرٍّ ولا كدر ذكره بطوله الحاكم في «مستدركه»، ذكره عقيب حديث ابن عباس السالف، وقال: والغرض فيه ما حدثنيه ثمَّ ساقه بإسناده (١). وقال ابن منده (٢): اختلف في إسلامه (٣)، وظاهر الحديث يدل عَلَى إسلامه من قوله: (يا ليتني كنت فيها جذعًا). وما بعده، وذكر ابن إسحاق أنه - ﷺ - لما أخبره قَالَ له ورقة: إنك والذي نفسي بيده لنبي هذِه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، وذكر الحديث، قَالَ: ثمَّ أدنى رأسه منه فقبل يافوخه (٤). الثامن بعد الأربعين: قولها: (وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ). أي: صار نصرانيًا وترك عبادة الأوثان وفارق طرائق الجاهلية، والجاهلية: ما قبل نبوة نبينا محمد - ﷺ -، سموا بذلك لما كانوا عليه من فاحش الجهالات. التاسع بعد الأربعين: قولها: (وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ) هكذا وقع هنا العبراني والعبرانية، ووقع في موضع آخر من «صحيح مسلم»: العربي، فيكتب بالعربية من ------------------------------- (١) «المستدرك» ٢/ ٦٠٩ - ٦١٠. (٢) هو الإمام الحافظ الجوال، محدث الإسلام، أبو عبد الله محمد ابن المحدث أبي يحقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن منده، قال الذهبي: لم أعلم أحدًا كان أوسع رحلة منه، ولا أكثر حديثًا منه مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبعمائة شيخ، من مصنفاته كتاب «الإيمان»، و«التوحيد» و«التاريخ» وهو كتاب كبير جدًا، و«معرفة الصحابة». قال الحافظ ابن عساكر: لابن منده في كتاب «معرفة الصحابة» أوهام كثيرة، وقيل: إنه اختلط في آخر عمره. انظر ترجمته في: «المنتظم» ٧/ ٢٣٢، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ٢٨ (١٣)، «تذكرة الحفاظ» ٣/ ١٠٣١، «الوافي بالوفيات» ٢/ ١٩، «شذرات الذهب» ٣/ ١٤٦. (٣) نقله عنه ابن الأثير في «أسد الغابة» ٥/ ٤٤٧ وقد تقدم. (٤) «سيرة ابن إسحاق» ص ١٠٠ - ١٠٣ (١٤٠). واليافوخ: وسط الرأس. الإنجيل (١)، وفي كتاب التعبير والتفسير من البخاري: يكتب الكتاب العبراني، فيكتب (بالعربية) (٢) من الإنجيل. وكله صحيح، أي: كان يكتب من الإنجيل ما شابهها لتمكنه من معرفة دينهم وكتابتهم، وقال الداودي: يكتب من الإنجيل الذي هو بالعبرانية بهذا الكتاب العربي، فنسبه إلى العبرانية إذ بها كان يتكلم عيسى -عليه السلام-. وقولها: (وَكَانَ قَدْ عَمِيَ) فيه جواز ذكر العاهة التي بالشخص ولا يكون ذَلِكَ غيبة. الخمسون: قولها: (يَا ابن عَمِّ) كذا وقع هنا، ووقع في مسلم: (يا عم) (٣) والأول صحيح؛ لأنه ابن عمها كما سلف، والثاني صحيح أيضًا سمته عمها مجازًا للاحترام وهذِه عادة العرب يخاطب الصغير الكبير بيا عم احترامًا له ورفعًا لمرتبته، ولا يحصل هذا الغرض بقولها: يا ابن عم، فعلى هذا يكون تكلمت باللفظين (٤). الحادي بعد الخمسين: قوله: (هذا النَّامُوسُ الذِي نَزَّلَ اللهُ عَلَى مُوسَى) كذا هو في الصحيحين، وغيرهما، وجاء في غير الصحيح: (نزل الله عَلَى عيسى) (٥). وكلاهما صحيح. أما عيسى فلقرب زمنه، ------------------------ (١) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الايمان، باب: بدء الوحي. (٢) ساقطة من (ج). (٣) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي. (٤) قال الحافظ في «الفتح»١/ ٢٥؛ ووقع في مسلم: يا عم، وهو وهم، لأنه وإن كان صحيحًا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد، فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين فتعين الحمل على الحقيقة أهـ. (٥) رواه ابن قانع في «معجم الصحابة» ٣/ ١٨١ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ورقة بن نوفل: أنه سأل رسول الله - ﷺ - كيف يأتيك الوحي؟ قال: «يأتيني في ضوء»، قال: هذا الناموس الذي أنزل على عيسى -عليه السلام-. وأما موسى فأبدى لَهُ السهيلي معنًى آخر وهو أن ورقة قد تنصر والنصارى لا يقولون في عيسى: إنه نبيٌّ يأتيه جبريل، وإنما يقولون: إن أقنومًا من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح عَلَى اختلافٍ بينهم في ذَلِكَ الحلول، وهو أقنوم الكلمة، والكلمة عندهم عبارة عن العلم، فلذلك كان المسيح في زعمهم يعلم الغيب ويخبر بما في الغد في زعمهم الكاذب، فلما كان هذا مذهب النصارى عدل عن ذكر عيسى إلى ذكر موسى لعلمه، ولاعتقاده أن جبريل كان ينزل عَلَى موسى، قَالَ: لكن ورقة قَدْ ثبت إيمانه بمحمد - ﷺ - ثمَّ ساق حديث الترمذي السالف (١). الثاني بعد الخمسين: (النَّامُوسُ) بالنون والسين المهملة وهو ----------------------- (١) «الروض الأنف» ١/ ٢٧٣، قال الحافظ في «الفتح» ١/ ٢٦: وقوله (على موسى) ولم يقل: (على عيسى) مع كونه نصرانيًّا؛ لأن كتاب موسى -عليه السلام- مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى. وكذلك النبي - ﷺ -، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى. كذلك وقعت النقمة على يد النبي - ﷺ - بفرعون هذِه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر. أو قاله تحقيقًا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته. وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرَّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل. نعم في «دلائل النبوة» لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذِه القصة أن خديجة أولًا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم. فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى، فعند إخباره خديجة له بالقصة قال لها: ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي - ﷺ - له قال له: ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح. والله ﷻ أعلم أهـ. صاحب السر كما ذكره البخاري في أحاديث الأنبياء (١)، قَالَ صاحب «المحكم» و«المجمل» وأبو عبيد (٢) في «غريبه»: ناموس الرجل: صاحب سره (٣)، وقال ابن سيده: الناموس: السر (٤). وقال صاحب «الغريبين» (٥): هو صاحب سر الملك. وقيل: إن الناموس والجاسوس بمعنى واحد حكاه القزاز في «جامعه» وصاحب «الواعى»، وقال الخشني في «شرح السيرة»: أصل الناموس: صاحب سر الرجل في خيره وشره، وقال ابن الأنباري في «زاهره»: الجاسوس: الباحث عن أمور الناس وهو بمعنى تحسس سواء. وقَالَ بعض أهل اللغة: التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس، وبالحاء المهملة الاستماع لحديث القوم، وقيل: هما سواء، قَالَ ----------------------------- (١) سيأتي برقم (٣٣٩٢) باب: ﴿وَاذْكُرْ فِي الكِتَاب مُوسَى ..﴾. (٢) هو الإمام الحافظ المجتهد ذو الفنون، أبو عبيد، القاسم بن سلام بن عبد الله، كان أبوه سلام مملوكًا روميًّا لرجل هروي، من مصنفاته: «الأموال» و«الغريب» و«فضائل القرآن» و«الناسخ والمنسوخ» توفي سنة أربعة وعشرين ومائتين. انظر ترجمته في: «طبقات ابن سعد» ٧/ ٣٥٥، «التاريخ الكبير» ٧/ ١٧٢ «وفيات الأعيان» ٤/ ٦٠، «سير أعلام النبلاء» ١٠/ ٤٩٠ (١٦٤)، «شذرات الذهب»٢/ ٥٤. (٣) «مجمل اللغة» ٤/ ٨٨٦، مادة: (نمس)، «غريب الحديث» ١/ ٣١٥. (٤) «المحكم» ٨/ ٣٥٢. (٥) هو العلامة أبو عبيد، أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي، الشافعي، اللغوي، المؤدب، أخذ علم اللسان عن الأزهري وغيره ويقال له الفاشاني، صاحب كتاب «الغريبين». قال ابن خلكان: سار كتابه في الآفاق، وهو من الكتب النافعة توفي مشة (٤٠١ هـ). انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ١/ ٩٠، ٩٦، «الوافي بالوفيات» ٨/ ١١٤، ١١٥، «سير أعلام النبلاء» ١٧/ ١٤٦ - ١٤٧، «شذرات الذهب» ٣/ ١٦١. ابن ظفر (١)، في «شرح المقامات»: صاحب سر الخير: ناموس، وصاحب سر الشر: جاسوس، وقد سوى بينهما رؤبة وهو الصحيح. ونقل النووي في «شرحه» عن أهل اللغة والغريب الفرق بينهما وأن الناموس في اللغة صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، قَالَ: ويقال: نمست السر -بفتح النون والميم- أنمسه -بكسر الميم- نمسًا أي (كتمته) (٢)، ونمست الرجل ونامسته أي: ساررته، واتفقوا على أن جبريل يسمى الناموس وعلى أنه المراد في هذا الحديث، قَالَ الهروي: سُمِّي بذلك لأن الله تعالى خصه بالغيب والوحي الذي لا يطلع عليه غيره (٣). قَالَ ابن الأعرابي فيما حكاه القاضي: لم يأت في الكلام فاعول لام الكلمة فيه سين إلا الناموس: صاحب سر الخير، والجاسوس للشر، والجاروس: الكثير الأكل، والفاعوس: الحية، والبابوس: الصبي الرضيع، والداموس: القبر، والقاموس: وسط البحر، والقابوس: الجميل الوجه، والعاطوس: دابة يتشاءم بها، والفانوس: النمام، والجاموس: ضرب من البقر، وقيل: أعجمي تكلمت به العرب، -------------------------- (١) هو العلامة البارع، حجة الدين، أبو عبد الله محمد بن أبي محمد بن محمد بن ظفر الصقلي، صاحب كتاب «خير البشر»، وكتاب «سلوان المطاع في عدوان الأتباع» وكتاب «شرح المقامات»، وكان قصيرًا لطيف الشكل، وكان فقيرًا أخذ بنته زوجُها، فباعها في بعض البلاد، مات سنة خمس وستين وخمسمائة بحماة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٩٥، «سير أعلام النبلاء» ٢٠/ ٥٢٢ (٣٣٦)، «الوافي بالوفيات» ١/ ١٤١. (٢) في الأصول: كتمه. والمثبت من «شرح مسلم» للنووي. (٣) «مسلم بشرح النووي» ٢/ ٢٠٣. وقيل: الحاسوس بالحاء غير المعجمة (من تجسس بالجيم) (١)، وفي «صحيح مسلم»: إن كلماتك بلغن ناعوس البحر (٢). الثالث بعد الخمسين: قوله: (يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا)، الضمير فيها يعود إلى أيام النبوة ومدتها، قَالَ ابن مالك (٣): وأكثر الناس تظن أن يا التي تليها [ليت] (٤) حرف نداء. والمنادى (حُذف فتقديره) (٥) يا محمد، ليتني كنت فيها حيًّا، وهذا الرأي عندي ضعيف؛ لأن القائل: يا ليتني قَدْ يكون وحده ولا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف (٦)، ولأنه لم يقع ملفوظًا به حتَّى يؤنس بالتقدير. الرابع بعد الخمسين: قوله: (جَذَعًا). يعني: شابًّا قويًّا حتَّى أبالغ في نصرتك ويكون لي كفاية تامة لذلك، والجذع في الأصل للدواب، وهو هنا استعارة، قَالَ ابن سيده: قيل: الجذع الداخل في السنة الثانية، ومن الإبل: فوق الحِقّ، وقيل: الجذع من الإبل لأربع --------------------- (١) كذا بالأصل والذي في «الإكمال» وقيل: الحاسوس بالحاء غير معجمة من تحسس وهو بمضي الجاسوس. (٢) «إكمال المعلم» ١/ ٤٨٧ - ٤٨٨ والحديث في مسلم (٨٦٨) كتاب: الجمعة، باب: تخفيف الصلاة والخطبة. (٣) هو العلامة الأوحد جمال الدين، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك، أبو عبد الله الطائي، الجياني، الشافعي، النحوي، أخذ العربية عن غير واحد، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية، وحاز قصب السبق، وأربى على المتقدمين، وكان إمامًا في القراءات وعللها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرًا لا يجارى، وحبرًا لا يبارى، توفي رحمه الله في ثاني عشر شعبان، وقد نيَّف على السبعين انظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» ٥٠/ ١٠٨ (٨٣)، «الوافي بالوفيات» ٣/ ٣٥٩، «شذرات الذهب» ٥/ ٢٩٥. (٤) زيادة يقتضيها السياق، من «شواهد التوضيح». (٥) في (ج): حرف تقديره. (٦) «شواهد التوضيح» لابن مالك ص ٤. سنين، ومن الخيل لسنتين، ومن الغنم لسنة والجمع جُذعان وجِذعان وجِذاع (١). قَالَ الأزهري (٢) في «تهذيبه»: والدهر يسمى جذعًا؛ لأنه جديد الدهر (٣). وقيل معناه: يا ليتني أدرك أمرك، فأكون أول من يقوم بنصرك، كالجذع الذي هو أول الأسنان، قَالَ صاحب «المطالع»: والقول الأول أبين. الخامس بعد الخمسين: قوله: (جَذَعًا). هكذا الرواية المشهورة هنا، وفي «صحيح مسلم» بالنصب (٤)، ووقع للأصيلي، هنا ولابن ماهان (٥) في «صحيح مسلم»: (جذع)، بالرفع، فعلى الرفع لا إشكال، وفي النصب اختلفوا في وجهه على ثلاثة أوجه: ------------------------- (١) «المحكم» ١/ ١٨٥. (٢) هو العلامة، أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهري الهروي اللغوي الشافعي، كان رأسًا في اللغة والفقه، ثقة ثبتا دينا، من كتبه «تهذيب اللغة» المشهور، و«التفسير» و«علل القراءات» و«الروح»، توفي في ربيع الآخر سنة سبعين وثلاثمائة، عن ثمان وثمانين سنة. انظر ترجمته في: «وفيات الأعيان» ٤/ ٣٣٤، «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٣١٥ (٢٢٢)، «الوافي بالوفيات» ٢/ ٤٥، «شذرات الذهب» ٣/ ٧٢. (٣) «تهذيب اللغة» ١/ ٥٦٧، مادة: (جذع). (٤) مسلم (١٦٠/ ٢٥٢). كتاب: الإيمان، باب: بدء الوحي. (٥) هو الإمام المحدث، أبو العلاء، عبد الوهاب بن عيسى بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماهان الفارسي، ثم البغدادي، حدث بمصر بـ «صحيح مسلم» عن أبي بكر أحمد بن محمد بن يحيى الأشقر الشافعي، عن أحمد بن علي القلانسي، عن مسلم سوى ثلاثة أجزاء من آخره، فرواها عن الجلودي. وثقه الدارقطني، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. انظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» ١٦/ ٥٣٥ (٣٩٢)، «تاريخ الإسلام» ٢٧/ ١٦٠، «شذرات الذهب» ٣/ ١٢٨. ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |