|
|||||||
| فلسطين والأقصى الجريح ملتقى يختص بالقضية الفلسطينية واقصانا الجريح ( تابع آخر الأخبار في غزة ) |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(1) بيت المقدس: المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منه، ومَنْ شَدَّدَه المقدّس، فمعناه: المطهَّر كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية)، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, وآخرون إلى حفظه وعقد الندوات والمسابقات والجلسات إلى شرحه, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به؛ وها أنا ذا أدفع به إليكم ليكون سهما لي للجهاد في سبيل الله لتحرير الأرض المقدسة فلسطين, ومقدساتها من براثن يهود, بعد أن حُرمناها، وحال بيننا وبين جهاد اليهود فيها حكام وأذناب لهم جبناء متخاذلون ومنافقون ساقطون. الحديث الأولعن أبي إسحاق -رضي الله عنه- قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنه- يقول: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو، وفي رواية : قِبَلَ بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهراً»، وفي رواية: وكان يُعجبُهُ أن تكونَ قبلتُهُ قبل البيت، وفي رواية عن البراء بن عازب : وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة، وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ, ثم صُرِفْنَا «وفي رواية: صرفه», وفي رواية: وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَستَقبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكانَت وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ, نحو الكعبة». ترجمة الصحابي راوي الحديث: البراءُ بنُ عازبِ بنِ الحارثِ الأنصارِيُّ الحارثيُّ الفقيه الكبير، أبو عُمارة المَدَني نزِيلُ الكوفةِ، من أعيانِ الصحابة، أول من بايعَ ليلة العقبة. رَوى حديثًا كثيرًا، وشهِد غزواتٍ كثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، واستُصغِر يوم بدر وقال: «كنتُ أنا وابنُ عُمرَ لِدَةً»، وروى أيضًا عن أبي بكرٍ الصدِّيق، وخاله أبي بُردةَ بنِ نِيَار. تُوفي سنة اثنتينِ وسبعينَ، وأبوهُ من قدماءِ الأنصار. مُسندُهُ: ثلاثُ مائةٍ وخمسةُ أحاديث، له في الصحيحينِ اثنانِ وعشرونَ حديثًا. مناسبة الحديث: عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال: أخواله من الأنصار وأنه صلى قِبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وذكر الحديث. مواضع الحديث: ذكر الإمام البخاري هذا الحديث في مواضع عدة من الصحيح منها: باب الصلاة من الإيمان، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، باب التوجه نحو القبلة؛ حيث كان باب (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، باب: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). وترجم له الإمام ابن خزيمة في كتابه مختصر المختصر، فقال: «بَابُ ذِكْرِ الصَّلَاةِ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ؛ إذِ القِبْلَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ لَا الْكَعْبَةُ». شرح الحديث: قوله: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيتِ المقدسِ: بيت المقدس: فيه لغتان مشهورتان: إحداهما: فتح الميم وإسكان القاف، والثانية: ضم الميم وفتح القاف، ويقال فيه أيضًا: إيلياء، وإلياء. وأصل المقدس والتقديس من التطهير. قال ابن حزم: بيت المقدس؛ نعني: المسجد وحده، هذا قول جمهور العلماء. وجاء أن بيت المقدس: المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منه، ومَنْ شَدَّدَه المقدّس، فمعناه: المطهَّر، أي: المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، و قيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة ، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، والمقدّس المطهّر من ذلك. قال العلامة شمس الدين المنهاجيَّ السيوطي -رحمه الله-في إتحاف الأخِصَّا، معللًا كثرة الأسماء للمسجد الأقصى: «اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمَّى». وقد جاء في بعض روايات الحديث كلمة (الشام) وأراد بها الصحابة (مسجد بيت المقدس) وهو من باب إطلاق الكل على الجزء وعكسه صحيح أيضًا. الشام: يبدأ إقليم الشام من تخوم مصر نحو الشمال إلى بلد الروم فيقع بين بحر الروم- بحر الأبيض المتوسط - وبادية العرب ويتصل البادية وبعض الشام بجزيرة العرب(1)، قال ابن حبان في صحيحه: « أول الشام (بالس)، وآخره (عريش مصر)». هل استقبال بيت المقدس كان ثابتًا بالقرآن أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ «حكَى المَاوَرْدِي فِي الحَاوي وقال: وجهينِ فِي ذلكَ لأصحابِنا، قالَ القاضِي عِياض -رحمه الله-: الذي ذهبَ إِليِهِ أكثرِ العلماءِ أنهُ كانَ بِسُنَّةٍ لا بِقرآنٍ ، فَعلَى هذا يكونُ فيهِ دليلٌ لقولِ مَنْ قالَ : إنَّ القرآنَ ينسخُ السنةَ ، وهُوَ قوُل أكثرِ الأصولييِّنَ المتأخرينَ، وهو أحدُ قوليِ الشافعيِّ -رحمهُ اللهُ تعالى- والقولُ الثَّانِي لَه، وبِهِ قالَ طائِفةٌ: لا يَجوزُ؛ لأنَّ السُّنَّة مُبيّنةٌ ِللكتابِ فكيفَ ينسخُها؟ وهؤلاءِ يقُولونَ: لم يَكُنِ استِقبالُ بيتِ الَمقدسِ بسُنّةٍ، بَلْ كانَ بِوحيٍ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}(البقرة:143)، واختلفُوا أيضًا فِي عَكسِه وهو نسخُ السنة للقرآن، فجوَّزه الأكثرون، ومنعه الشافعي - رحِمَه اللهُ تعالَى- وطائِفةٌ». ستة عَشَرَ-أو سَبعةَ عَشَرَ-شهراً: حديث الباب يجمل عدد الأشهر التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصاحبه في المدينة قبل بيت المقدس وكانت سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهرًا, وجاء في رِوَايَات أُخْرَى: ثَمَانِيَة عشر شهرًا. ويمكن تفسير الخلاف بين الروايتين: «نحو بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ-أو سَبعةَ عَشَرَ-شهراً «بأنّ من جزم بستة عشر شهرًا، جمع أيام شهر القدوم وشهر التحويل فاكتمل نصاب الشهر عنده وألغى الزائد من الأيام، ومن قال بسبعة عشر شهرًا عدَّهما معًا. ماعدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس؟ مجموع ما صلَّاه النبي صلى الله عليه وسلم تجاه بيت المقدس بعد أن فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة، إلى أن هاجر وهو عدد ما صلَّاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس في مكة, أضف إليه ما صلاه في المدينة فيكون مجموع ما صلاه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة إلى بيت المقدس هو سنتان وخمسة أشهر تقريبًا. ثم صرفنا نحو الكعبة: وفي رواية عن البراء بن عازب «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَةِ»، وفي رواية: «وكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ»، وجاء في بعض روايات الحديث «قِبَلَ بيت المقدس»: أي مُقَابِله، وَسميت القِبلةُ قِبلةً؛ لأن المُصلِّيَ يقابلها وتقابله، يقال: أين قبلتك؟ أي: جهتك، وهي في الأصل الحال التي عليها الإنسان من الاستقبال، فصارت عُرفًا للمكان المتوجّه إليه للصلاة؛ ويسمى أيضا أُورِيشَـلِم ومسجد القدس. ويذكر الطبري في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة:146)، أَحبارَ اليَهُودِ، وَعُلماءَ النَّصَارَى. يَقولُ: يَعرفُ هَؤلاءِ الأَحْبَارُ مِنَ اليَهُودِ، وَالعُلمَاءِ مِنَ النَّصَارَى أَنَّ الْبَيتَ الحَرامَ قِبلَتُهُمْ، وَقِبلةُ إِبرَاهِيمَ، وَقِبلَةُ الْأنبِيَاءِ قَبلَكَ كَما يَعرِفُونَ أَبنَاءَهُمْ. فرضت الصلاة قبل الهجرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم، ويرفع وجهه إلى السماء راجيًا من الله -تعالى- دون أن يطلب منه ذلك أدبا منه صلى الله عليه وسلم , مع الله -تعالى- علَّه تعالى أن يحقِّق له أمنيته ، فأنزل الله - عز وجل -: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(البقرة:144). أما سبب رغبة النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاته إلى الكعبة، فقد قيل في ذلك أقوال عدة: - أَحدهَا: أَنهَا قبلَة إبراهِيم وإسماعيل -عَليهِمَا السَّلَام-، قَالَه ابْن عَبَّاس. - وَالثَّانِي: لمخَالفة اليَهُود، قَالَه مُجَاهد. - وَالثَّالِث: أَن استِقبَال البَيت أمسى فِي عبَادَة صَاحبه، وَهَذَا البَيت المَعمُول عَليهِ دون بَيت المُقَدّس. وقيل: إنَّه صَلَّى أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعبَةِ قبلة الأنبياء قبله لما كان في مكة، ثُمَّ صُرِفَ عَنهَا إِلَى بَيتِ الْمَقْدِسِ لما انتقل إلى المدينة، وهذا قولٌ لا دليل عليه؛ حيث إن الأمر يُحْمَل على الاستمرار فبما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المدينة إلى بيت المقدس من غير صارف له فهذا يعني أنه صلى الله عليه وسلم بقي على قبلته التي كان عليها في مكة. - وأقول: ولعل سبب ذلك أن المسجد الأقصى كان بعيدًا عن أصحاب النبي زمانًا ومكانًا وكثيرٌ منهم لا يعرفه، ولم يره، و سيطرة النصارى عليه باقية، وكأن الشارع الكريم أراد أن يبقي المسجد الأقصى مع كل ما سبق من أحوال في وجدان المسلمين ولاسيما الرعيل الأول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع ما يعترض المسجد الأقصى من أحوال ذكرناها، فإن بَعُدَ عنهم زمانًا ومكانًا أراد الله بهذا أن يجعله نصب أعينهم حُكمًا وقبلة . وقد ذكر بعض العلماء سبب اختيار الله -تبارك وتعالى- (بيت المقدس) قبلة، على قولين: - القول الأول: أن العرب لما كانت تحج البيت ولم تألف بيت المقدس، أحب الله سبحانه وتعالى امتحانهم بغير ما ألِفوه، ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ }(البقرة: 143}، وهذا قول الزجّاج. - القول الثاني: أنه اختاره ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر بن جرير الطّبري. ولم يكن استقبال بيت المقدس بسنة بــل كــان بــوحي، {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}(البقرة: 143). الهوامش: 1- بالس : بلدة بالشام بين حلب والرّقة, هى مدينة على شطّ الفرات صغيرة، وهي أوّل مدن الشام من العراق والطريق إليها عامر وهي فرضة الفرات لأهل الشام. (انظر معجم البلدان، ياقوت الحموي 1/328) و (المسالك والممالك ، للاصطخري ، 62). اعداد: جهاد العايش
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(2) كتاب الأربعون الفلسطينية وثيقة نبوية تؤكد ارتباط الأرض المقدسة برسالة التوحيد عبر الزمان صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهة بيت المقدس سنة وأربعة أشهر وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت الحرام كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم؛ فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به؛ وها أنا ذا أدفع به إليكم في حلقات، ونكمل في هذه الحلقة شرح الحديث الأول: الْحَدِيْثُ اَلْأَوَّلُعن أبي إسحق رضي الله عنه قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو «وفي رواية: قِبَلَ» بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهراً، «وفي رواية: وكان يُعجبُهُ أن تكونَ قبلتُهُ قبل البيت»، «وفي رواية عن البراء بن عازب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة» «وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ»، ثم صُرِفْنَا «وفي رواية:صرفه»، وفي رواية: وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَستَقبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكانَت وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ، نحو الكعبة»، نكمل الحديث عن تحويل القبلة ومتى كان ذلك فنقول: كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان تحويل القبلة في أرجح الأقوال من السنة الثانية للهجرة، قبل غزوة بدر بشهرين ويومين وبدر كانت في اليوم السابع عشر من رمضان، وفي العام نفسه فرض الصوم، وفيه تزوج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وَجاء الخلاف فِي تحديد أَي شهر حولت القِبلَة؟ على أَقوَال ثلاثة: - الأول: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ من رَجَب. - وَالثَّانِي: يَوْم الثُّلَاثَاء وَقت الظّهْر لِلنِّصْفِ من شعْبَان، بعد أن زار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أم بشير بن الْبَراء ابْن معْرور، فتغدَّى عندها فحضرت صلاة الظّهْر، فصلى بِأَصْحَابِهِ فِي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ من الظّهْر إِلَى الشَّام وَأُمِرَ أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ رَاكِع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة، فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَة واستدارت الصُّفُوف خَلفه ثمَّ أتم الصَّلَاة، فَسُمي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ لهَذَا. - وَالثَّالِث: حُوِّلت فِي جُمَادَى الْآخِرَة.(1) أول صلاة صلاها المسلمون قِبَل الكعبة: إنَّ أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاّهَا النبي صلى الله عليه وسلم تجاه مكة هي صلاة الظهر وقيل الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُل، وهُوَ: عباد بن نهيك وقيل عباد بن بشر، وكان مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وهو مَسْجِد بني سَلمَة، وَيعرف بِمَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ وَهُمْ في صَلاَةِ الْعَصْرِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِالله لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وقد أَخَرجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِه «... وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْر، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ، وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ؛ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم ، قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ...»(2). وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.(3). وجاء في رواية أخرى، عن أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (البقرة:144) فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ القِبْلَةِ.(4) وكان أنس آخر من بقي من صحابة رسول الله[، صلى القبلتين قال أنس رضي الله عنه في آخر عمره: «لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي...»(5). والسؤال هنا كيف نوفق بين الرأيين؟ قال الحافظ ابن حجر: والجواب ألا منافاة بين الخبرين؛ لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة، وهم بنو حارثة، وذلك في حديث البراء. والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر، أو ابن نهيك، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة –وهم بنو عمرو بن عوف، أهل قباء (6). وهذا يعني كذلك أن أهل قباء صلوا المغرب والعشاء إلى القبلة الأولى. ولا تعارض فيما جاء من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة» (7)، وقوله: وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبَلوها: بفتح الباء ماضيا وكسرها أمرًا والضمير عليها لأهل قباء، ورُوِيَ «فاستقبِلوها» بكسر الباء وفتحها والكسر أصح وأشهر، وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده (8). ومعنى قولهصلى الله عليه وسلم : بينما وبينا: قَالَ أَهْل اللُّغَة: أَصْل (بَيْنَمَا، وَبَيْنَا) بَيْن وَتَقْدِيره: بَيْن أَوْقَات صَلَاته، قَالَ كَذَا وَكَذَا. أَيْ بَيْن أَوْقَات اِئْتِمَارِي وَكَذَا. أو تَقْدِيره بَيْن أَوْقَات كَذَا (9). وقباء موضع بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب، ويبعد عن المسجد النبوي خمسة كيلومترات تقريبًا، وهو أول مسجد بني في الإسلام بناه الرسول صلى الله عليه وسلم لما وصل مهاجرًا إلى المدينة المنورة من مكة المكرمة وفيه قال تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة: 108)، وكان رسول الله يأتيه كل سبت يصلي فيه، فقد جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) (10). الكيفية التي كان يصلي بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس: عن ابن إسحق قال: «كانت قبلة رسول الله بمكة إلى الشام، وكانت صلاته بين الركن اليماني والركن الأسود، ويجعل الكعبة بينه وبين الشام» (11). هل يجوز للمصلي أن يصحح وجهته إلى الاتجاه الصحيح للقبلة؟ جاء في نص الحديث سابق الذكر وغيره «وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» فهم صلوا صلاة واحدة باتجاهين، ولم يؤمروا بإعادة الصلاة. وجاء من حديث أنس: «وَاعْتَدَّوْا بِمَا مَضَى مِنْ صَلاتِهِمْ» (12). و«من صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغيَّر اجتهاده في أثنائها فيستدبر إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلى كل ركعة منها إلى جهة ؛ صحت صلاته على الأصح ؛ لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها(13)». كيف تحول المصلون إلى القبلة الجديدة؟ تحول المصلون وإمامهم تحولًا كليًا من جهة الشمال وهي جهة بيت المقدس إلى الجنوب وهي جهة مكة المكرمة؛ حيث يقع بيت المقدس بالنسبة للمدينة في جهة الشمال الغربي، وتقع مكة بالنسبة للمدينة في جهة الجنوب. وبعد تحول النبيصلى الله عليه وسلم إلى القبلة الجديدة، أغلق ما كان من باب في الجدار الجنوبي- أي القبلة حاليًا – وفتح عوضًا عنه باب في الجدار الشمالي باتجاه القبلة سابقًا؛ لأنه اتجاه بيت المقدس. وكان حينها مسجد النبي[ وفق المقاييس الحالية، لا يزيد عن 3450م2، وطوله 50م، وعرضه 49م، بارتفاع قامة الرجل تقريبًا، وكان من سعف النخيل واللبن، وسقفه من جذوع النخل، وتنفذ إليه من ثلاثة أبواب.(14). ما حكم من مات على القبلة الأولى قبل أن تحول؟ معلوم أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، ونقل الإجماع على ذلك: ابن عبد البر و النووي. جاء في فتح الباري(15)، قال البراء بن عازب: في حديثه هذا أنه ماتَ على القبلةِ، قبل أن تحول رجالٌ قُتِلوا. فلم نَدْرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة:143)ا.هـ، إيمانكم: أي صلاتكم. وقد أثارت قضية تحويل القبلة عند الصحابة مسألة حكم من ماتَ على القبلةِ قبل أن تُحوَّل قبل البيت ولم يكن يعلم الصحابة حكم ما يقال فيهم، فأنزل الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143} الهوامش: 1- كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي:2/247. 2- أخرجه البخاري: (18496). 3- أخرجه البخاري 403).4- أخرجه مسلم: (527/15)، وأبو داود (1045)، وابن خزيمة في «صحيحه»(1/223). 5- أخرجه البخاري 4489).6- انظر فتح الباري 1/506).7- متفق عليه، مسند اللؤلؤ والمرجان برقم: 678 8- شرح النووي على مسلم: 3/9-10. 9- شرح النووي على مسلم، راجع: باب تحويل القبلة واستحباب القنوت واعتزال النساء. 10- أخرجه البخاري: 1194 11- شرح صحيح البخاري، ابن بطال،(2/58)، مكتبة الرشيد- الرياض، ت: أبو تميم ياسر بن إبراهيم. 12- صحيح ابن خزيمة، أبي بكر النيسابوري، 431، مكتبة الأعظمي- الرياض، ت: الأعظمي. 13- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، 3/9-10، دار إحياء التراث العربي، بيروت. 14- انظر المسجد النبوي عبر التاريخ، محمد السيد الوكيل، 23، ط الأولى دار المجتمع للنشر. 15- فتح البارى شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (1/95)، دار السلام و دار الفيحاء – دمشق، ت:عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. اعداد: جهاد العايش
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(3) تحويل القبلة مخالفة لليهود واستجابة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم يعتقد كثير من اليهود أن (قدس الأقداس) مكان الصخرة أنه أقدس الأماكن في الهيكل لا يدخله سوى كبير الكهنة في يوم الغفران كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به؛ وها أنا ذا أدفع به إليكم في حلقات، ونكمل في هذه الحلقة شرح الحديث الأول: الْحَدِيْثُ اَلْأَوَّلُعن أبي إسحاق رضي الله عنه قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو» وفي رواية: قِبَلَ «بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهراً»، وفي رواية: وكان يُعجبُهُ أن تكونَ قبلتُهُ قبل البيت», «وفي رواية عن البراء بن عازب: وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة» «وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ», ثم صُرِفْنَا» وفي رواية: صرفه, وفي رواية: وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَستَقبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكانَت وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ, نحو الكعبة»، نكمل الحديث عن الحكمة من تحويل القبلة فنقول: الحكمة من تحويل القبلة: 1- مخالفة اليهود. 2- استجابة لرغبة الرسولصلى الله عليه وسلم , قال تعالى: {قَدْ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(البقرة: 144)؛ فوجه نحو الكعبة، وكان يحب ذلك.(1) 3- وقيل: لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام. الكفار وإشاعة الفتنة بعد تحول القبلة: وتحويل القبلة أثار طائفة من الكفار؛ فأكثروا الأقاويل والاتهامات في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما قالوه: إن محمدًا رجع إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا؛ فإنه علم أنَّا على الحق، واليهود قالوا: خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيًا لما خالف، فوصفهم الله -تعالى- بالسفهاء مدافعًا عن شرعه ونبيه, قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} (البقرة:142). والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل، والمراد بالسفهاء الكفار وأهل النفاق واليهود. فلما كثرت ثرثرة هؤلاء السفهاء وهرطقاتهم أنزل الله هذه الآيات لجمًا لهم في قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ - إلى قوله تعالى – لَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (البقرة:106-150). القبلتان والعلاقة الهندسية بينهما: إن الاتجاه الحالي لقبلة المسجد الأقصى الذي تشير الدراسات الأثرية لأساساته أنه من بناء هيرودوس الكبير يظهر من التوجيه الجغرافي له باتجاه الجنوب وهو الاتجاه الذي يشير إلى اتجاه الكعبة المشرفة من اتجاه الشمال – الجنوب الحقيقي ينحرف 23,79 درجة إلى الشرق، وبما أن الصورة الجوية أوضحت أن المحور الرئيس لأسوار المسجد الأقصى ينحرف حوالي 11,81 درجة عن اتجاه القبلة الحقيقي، وبما أن محيط الكرة الأرضية يساوي 360 درجة تمامًا، فهذا يعني أن نسبة انحراف قبلة المسجد الأقصى عن جهة مكة المكرمة هي تقريبًا 3% وهي نسبة ضئيلة يمكن إهمالها، وهذا يعني أن المحور الأساس لمنطقة ساحات المسجد الأقصى وما دار عليها من جدار تتجه إلى مكة المكرمة قبلة المسلمين. وهذا يؤكد العلاقة بين المسجدين، وأن الشكل المعروف بتوجيهه الجغرافي للمسجد الأقصى يؤكد بدلالة الآثار أنه مسجد مرتبط ارتباطًا فعليًا بالكعبة المشرفة وأن ذلك لم يكن من قبيل المصادفة. أين قبلة اليهود؟ عَنْ عِكْرَمَةَ - وَالحَسَنِ البَصْرِي، قَالَا: أوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ القِبْلَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ[ كَانَ يَسْتَقْبِلُ صَخْرَةَ بَيْتِ المقْدِسِ، وَهِيَ قِبْلَةُ اليَهُودِ، فَاسْتَقْبَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، لِيُؤمِنُوا بِهِ وَيَتَّبِعُوهُ، وَيَدْعُو بِذَلِكَ الأُمِّيِّينَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ اللهُ تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ} (البقرة:115). ويعتقد كثير من اليهود أن (قدس الأقداس) مكان الصخرة أنه أقدس الأماكن في الهيكل لا يدخله سوى كبير الكهنة في يوم الغفران؛ ليتفوه باسم الإله (يهوه)، ويعتقدون أنه لا يستطيع أن يَتَفَوَّه به أحد في أي زمان ومكان سوى في هذا المكان، ويعتقدون أن قدس الأقداس يقع في وسط الدنيا تمامًا. و يحتوي قدس الأقداس كما جاء في موروثاتهم غير المسندة على الشمعدان ومنضدة ذهبية ومذبح ذهبي، وكان في قدس الأقداس (حجر الشرب) الذي كان يقف عليه الهيكل الأول و(تابوت العهد)، وكان يدخل إلى هذا المكان الكاهن الأكبر فقط مرّة كل عام في (يوم الغفران). ويصف اليهود تابوت العهد أنه مصنوع من خشب الزان، ومطلي بالذهب وهو موضوع داخل قدس الأقداس، ويغلفه القماش من الأطراف، ولم يكن في الهيكل الثاني تابوت، بل عبارة عن حجر شرب، ولكن كان يتوجب على الكاهن الأكبر عند دخوله أن يتصوّر في مخيلته شكل التابوت المفقود. وتابوت العهد كما يزعمون أنه أقدس قطعة كانت موجودة بالهيكل، وكان يحوي سابقاً لوحا الشهادة – التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام - ووجوده بين ظهرانيهم كان يكفل لهم النصر ويسمّونه تابوت الشهادة وتابوت العهد، قيل: إنّهم كانوا يصلون نحوه. وأما الصخرة فإنها قبلة منسوخة(2)، وقد جاءت أقوال وأحاديث كثيرة في فضلها، وجميع ما قيل في فضل الصخرة لا يصح البتة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد بيَّن الإمام ابن القيم أنَّ كل الأحاديث الواردة في فضل الصخرة هي ضعيفة لا تصح، فقال في المنار المنيف: «وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى، والقَدَم الذي فيها كذبٌ موضوعٌ مما عملته أيدي المزورين،الَّذِينَ يُرَوِّجُونَ لَهَا لِيَكْثُرَ سَوَادُ الزَّائِرِينَ، وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام»(3). والصخرة هي بمثابة مغارة صخرية ينزل إلى تجويفها من خلال درجات عدة، تصل أعلى نقطة فيها ثلاثة أمتار إلى سقفها(4). من فوائد الحديث: 1- وجوب الصَّلَاة إِلَى القبْلَة وَالإِجمَاع على أَنَّهَا الكَعْبَة. 1- بيان شرف المصطفىصلى الله عليه وسلم ، وكرامته على ربه، لإعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال(5). 2- وفيه جواز التحول إلى القبلة أثناء الصلاة إذا عُلم الاتجاه الصحيح، وفيه جواز الاستدارة نحو القبلة على أي هيئة كان عليها المصلي، كما جاء ذلك في حديث أنس: مرَّ رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر «أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَالُوا رُكُوعًا» (6). 3- فيه جواز تعليم وتوجيه من هو خارج الصلاة لمن هو في صلاته، إذا كان خطؤه متعلقًا في صلاته، ويشرع للمصلي أن ينصت ويستجيب لتوجيه المعلم، والله أعلم. 4- وفيه جواز قبول خبر الواحد (7)وفيه وجوب قبول خبر الواحد الثابت في العلم والعمل، العلم بتحويل القبلة، ثم العمل بها. 5- وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين (8) أي: «إذا اجتهد وصلى إلى جهة باجتهاده، ثم في الصلاة الثانية أدى اجتهاده إلى جهة أخرى يصلي الصلاة الثانية إلى الجهة الأخرى، حتى لو صلى أربع صلوات بأربع اجتهادات لا يجب إعادتها, ولو تغير اجتهاده خلال الصلاة إلى جهة أخرى، انحرف إليها، وبنى على صلاته». 6- فيه دليل على جواز النسخ ووقوعه(9). وأن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه. فإن قيل: هذا نسخ للمقطوع به بخبر الواحد، وذلك ممتنع عند أهل الأصول، فالجواب أنه احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم، وخرج عن كونه خبرًا واحدًا مجردًا (10). 7- -فيه دليل على أن حكم النسخ لا يلزم المرء قبل بلوغ الخبر إليه؛ لأن أهل قباء كانوا شرعوا في الصلاة إلى بيت المقدس بعد النسخ؛ لأن آية النسخ نزلت بين الظهر والعصر، ووصل الخبر إلى أهل قباء في صلاة الصبح، ثم انحرفوا وبنوا على صلاتهم ولم يعيدوها(11). 8- أجمع العلماء على أن أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة. 9- وفيه جواز نسخ السنة بالقرآن. 10- والحديث واضح على فضيلة بيت المقدس. الهوامش: 1- البخاري:7252 2- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية 27/12. 3- المنار المنيف، ابن قيم الجوزية، ( 87، 88 ). 4- الأنس الجليل بتاريخ القدس والجليل، مجير الدين الحنبلي، 1/272، المكتبة الجديدة. 5- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ( 1/99). 6- صحيح ابن خزيمة، أبي بكر النيسابوري 430. 7- شرح النووي على مسلم، النووي 3/9-10. 8- شرح النووي على مسلم 3/9-10. 9- شرح النووي على مسلم 3/9-10. 10- شرح النووي على مسلم 3/9-10. 11- شرح السنة، البغوي 2/324).اعداد: جهاد العايش
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |