|
|||||||
| استراحة الشفاء , وملتقى الإخاء والترحيب والمناسبات هنا نلتقي بالأعضاء الجدد ونرحب بهم , وهنا يتواصل الأعضاء مع بعضهم لمعرفة أخبارهم وتقديم التهاني أو المواساة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
|
إستراتيجية ذاتية لمواجهة أذى الناس د. محمود حسن محمد منذ أن وُجد الإنسان على هذه الأرض، وهو محاط بالآخرين، يعيش بينهم، ويخالطهم في عمله، وبيته، وطرقه، وأحلامه، وهذه المخالطة لا تخلو من الألم، فالألسنة قد تجرح، والعيون قد تحتقر، والأيدي قد تؤذي. وهنا يقف المؤمن أمام اختبار جوهريٍّ: كيف يواجه أذى الناس؟ هل ينسحب من حياتهم ليعيش في عزلة باردة، أو يواجههم بحدَّة تزيد الشر اشتعالًا، أم يسلك طريقًا ثالثًا، أكثر حكمة وعمقًا، هو طريق الإستراتيجية الذاتية التي توازن بين قوة الإيمان ورقيِّ النفس؟ لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظمُ أجرًا من الذي لا يخالطهم ولا يصبر، فالحياة لا تُدار بالانسحاب، ولا تُبنى بالتقوقع، بل تُشيَّد بالصبر والحِلم، وبقدرة القلب على امتصاص ما يلقاه من سهام الكلمات والأفعال، المؤمن لا يهرب من المجتمع، بل يدخل إليه بقلب رحيم، وعقل راشد، وروح صابرة. الأذى قَدَر مكتوب، لكنه ليس نهاية الطريق، في داخل كل إنسان مساحة حرة يستطيع أن يحوِّل فيها الألم إلى معنًى، والجرح إلى درس، والخذلان إلى زادٍ يقوي إرادته. الصبر هنا ليس مجرد تحمُّلٍ سلبي، بل هو ارتقاء روحي يجعل صاحبه أوسعَ صدرًا، وأعمقَ نظرة، وأشد صلابة؛ هكذا يصبح المؤمن مثل النخلة، تضربها العواصف، لكنها تزداد رسوخًا في الأرض، وارتفاعًا في السماء. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الصبر على أذى الناس، حين ذهب إلى الطائف يدعو أهلها إلى الإسلام؛ قابلوه بالسخرية، ورشقوه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه، ومع ذلك لم يرفع يديه ليدعو عليهم، بل قال: ((اللهم اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون)). وفي حياتنا اليومية صور من الإيذاء؛ في العمل قد تسمع كلمة محبطة من زميل، وفي الشارع قد يُساء إليك من غريب، وفي الأسرة قد يأتيك الجرح من أقرب الناس إليك، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي قد تصلك إساءة من مجهول لا يعرف عنك شيئًا، هنا تتجلى الإستراتيجية الذاتية: أن تختار ألَّا تمنح الكلمة الجارحة قوةً فوق حجمها، وألَّا تجعل الموقف العابر يسرق سلامك الداخليَّ، أن ترُد بالابتسامة بدل الجدال، وبالصفح بدل الانتقام، وبالتجاهل الحكيم بدل الانهيار. إن مواجهة أذى الناس ليست معركة عابرةً تكسبها مرة وتخسرها أخرى، بل هي رحلة دائمة من الارتقاء، كل موقف مؤذٍ هو امتحان جديد للروح، وكل كلمة جارحة هي فرصة لاكتشاف عمق النفس، المؤمن الذي يفهم هذا لا ينكسر، بل يزداد قوة، ولا يكره بل يتسامح، ولا ييأس بل يحتسب، وفي النهاية فإن الله عز وجل وعد الصابرين وعدًا مطلقًا: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]. وهكذا تصبح الإستراتيجية الذاتية لمواجهة أذى الناس ليست مجرد مهارة نفسية، بل هي عبادة قلبية، وطريق إلى الله، ودليل على صدق الإيمان وعمق اليقين.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |