|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: توازنُ شخصيته صلى الله عليه وسلم وتكاملها الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فمن طبيعةِ العقولِ السليمةِ أنها لا تُسلِّمُ للدعاوى إلا بحجةٍ بيّنة، ولا تقبلُ مسألةً فيها خلافٌ إلا بدليلٍ صحيح وبرهانٍ قاطعٍ، يورثُ اليقين ويُزيلُ الشك.. وكلما عظُمَت الدعوى، عظمت المطالبةُ بالدليل.. وحين يأتي رجلٌ فيقوُلُ إنه رسولٌ من عندِ الله، وأنه مؤيّدٌ بالوحي، وأن طاعتهُ فريضة، وأنَّ النجاةَ مُعلّقةٌ بتصديقه واتباعه، فللعقل أن يقفَ ليسألَ سؤالاً بديهياً: وما الدليلُ على صحة هذه الدعوى العظيمة؟ وحيث أنَّ الأدلة التي تثبتُ صدقَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ ومتنوعة، فقد اخترت منها اثنا عشر دليلاً مختلفاً.. أفردتُ كلًّ منها في مقالٍ مستقل، لتشكل في مجموعها سلسلةً من المقالات المتآزرة، تشهدُ على صدق الرسولِ صلى الله عليه وسلم شهادةً لا يبقى معها أدنى ريبٍ ولا شك.. (والسلسلةُ كلها منشورةٌ في هذا الموقع المبارك بحمد الله).. وفي هذا المقال سأتناولُ الدليلَ السادسَ منها وهو: توازنُ شخصيته صلى الله عليه وسلم وتكاملها. أيّها القارئ الكريم: المقصودُ بتوازن الشخصيةِ هو اعتدالُ الاهتمامِ بكافّة جوانبِ الحياةِ وأدوارها المختلفةِ على حدٍّ سواء، بحيثُ لا يكونُ الاهتمامُ بجانبٍ سبباً في إهمال بعضِ الجوانبِ الأخرى.. إنهُ بحقّ الكمالُ البشري الذي لم يجتمع لأحدٍ قبلهُ ولا بعده، حتى لا يستطيعَ مُنصفٍ أن يقولَ لأمرٍ فعلهُ ليتهُ لم يفعل، ولا لأمرٍ لم يفعلهُ ليتهُ فعل. ومن يدرسُ سيرةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يرى أنه أمامَ انسانٍ ولدَ تحت النّور، ويلاحظُ أنَّ أدقَ تفاصِيلَ حياتهِ مُنذُ ولادتهِ وإلى وفاته، كانت كُلها مَكشوفةً لا يخفى منها شيء، وأنه طوالَ حياتهِ لم يُعرفْ عنهُ إلا النُبلَ والخُلقَ الكريم، والطُهرَ والعفاف، والصّدقَ والأمانة، والتّعامُلَ الحسنَ الجميل، حتى لقَّبهُ قومهُ بالصادق الأمين. والمتأملُ في شخصية الرسولِ صلى الله عليه وسلم، يرى كيفَ تجسدت فيه كلُّ أدوارِ الحياةِ بشكلٍ مُتكاملٍ ومتوازن، ودون نقصٍ أو خلل، فهو صلى الله عليه وسلم العابدُ الذي لا يفترُ لسانهُ عن ذكر الله.. القائمُ المصلي حتى تتورّمَ قدماه.. فإذا رأيتهُ في الحروب، وجدتهُ قائداً مُلهَماً عبقرياً، ينظمُ الجيشَ ويُديرُ الأمور بكل حِنكةٍ وكفاءة، وفي ساحات القتالِ تراهُ فارساً شُجاعاً ما من أحدٍ أقربَ للعدو منه.. ثمّ هو في الجانب السياسي، زعيمٌ فذٌّ لا يُبارى، يؤسِسُ الدّولةَ ويُديرها بكل براعةٍ وجدارة.. وفي الجانب التّشريعي، تراهُ قاضياً مُنصِفاً، أحكامهُ في غاية العدلِ والنّزاهة.. وفي الجانب الاجتماعي، تراهُ زوجاً محبّاً لزوجاته، وأباً في غاية الحنانِ على أبنائه وبناته، وشخصاً وصُولاً لأرحامه وذوي قراباته.. وجاراً ودوداً مُحسناً لكافة جيرانه.. وفي الجانب الأخلاقي، تراهُ النّموذجَ الأرقى في التّعامُل الحسنِ مع جميع الناس.. وفي الجانب التّربوي، تراهُ المعلمَ المثاليَّ في تعليمه، والمربي الشّفيقُ النّاصِحُ لطُلابه، وفي الجانب الدّعوي، فهو الدّاعيةُ الحَكيم، والخطِيبُ المفوه، والواعِظُ البليغ.. وهكذا كلما تأملتَ جانباً من جوانب شخصيتهِ المتوازنةِ المتكامِلة، وجدتَه نموذجياً تامّاً على أكمل وجه. بينما الناظر في الطبائع الإنسانية يدرك أن البشرية عبر تاريخها الطويل تقفُ شاهدةً على أن التفوق في جانبٍ من جوانب الحياة غالبًا ما يكونُ على حساب جانبٍ آخر، وأنّ من يتفوقُ في بعض الجوانب يضعفُ بالضرورة في الجوانب الأخرى.. فالقائدُ العسكري الصارم، كثيرًا ما يكونُ جافًّا في بيته، والمربّي الرقيق غالباً ما يفشلُ في الإدارة، والعبقري المفكر قد لا يحسنُ التواصلَ مع أهله ومجتمعه.. وهكذا فالإنسانُ مهما بلغَ من التميز فإنّ تميزهُ لا يكتملُ من كل الجوانب، وكيف يمكنُ لطاقةٍ بشريةٍ محدودةٍ أن تتسعَ لكل الأضدادِ المتناظرة: الحكمةُ مع الحزم، والرأفةُ مع القوة، والحزمُ مع اللين، فإذا وجدَ من يجمعُ هذه المتناقضاتِ كلّها في نسقٍ واحدٍ متوازن، دون ميلٍ ولا اضطراب.. فهنا يتوقفُ العقلُ متسائلًا: من أين جاء هذا الاتساقُ العجيب؟ لا شك أنه اصطفاءٌ ربانيٌّ حكيم، وتأييدٌ إلاهيٌ لهذا النبيِّ الكريم، حتى يؤدي رسالتهُ على الوجه الأكمل.. ثم إنَّ كلَّ من كانَ له أدنى معرفةٍ بالسلوك الإنساني والنّفسي وأبعاده.. يُدركُ كيفَ كان صلى الله عليه وسلم يتمتَّعُ بنفسيَّةٍ سوّيةٍ مِثالية، وتوازنٍ سُلوكيٍّ مُنتظِم، وشخصية متكاملة، فقد كان مُتوازناً بين ما يقولُ وما يفعل، وما أمرَ بشيءٍ إلا ويكونُ هو أكثرُ النّاسِ تطبيقاً له، ولا نهى عن شيءٍ إلا كان هو أبعدَ النّاسِ عنه.. وكان مُتوازناً بين الحزم واللين، فكان مُنطلقَ الوجه، دائمَ البِشرِ والابتسامةِ، ما ضربَ أحداً بيده إلا أن يُجاهِدَ في سبيل الله، ولا يغضبُ إلا إذا انتُهِكت حُرماتِ الله، وكان مُتوازناً في جَدِّه وهزلهِ، فكان لا يقولُ إلا الصدق، ولا يتكلمُ إلا بالحقّ، حتى لو كان مازحاً، وكان مُتوازناً في أخلاقه، فلا يغلِبُ غَضَبهُ حُلْمَه، ولا قُوتَهُ عَفْوَه، ولا حزمَهُ رِفْقَه، ولا عَدلَهُ رحمتهَ، وكان مُتوازناً في عباداته، يصومُ ويُفطر، ويُصلي وينامُ، كما جاء في الحديث الصحيح: "إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ".. وكان صلى الله عليه وسلم قبلَ البعثةِ وبعدها يُمثلُ في شخصيته: أسمى مِثالٍ لكمال الإنسانِ الخَلقي والخُلقي والعَقلي والنَّفسي، وكُلُّ بني قومهِ كانوا يُقرونَ له صلى الله عليه وسلم برجاحة عقلهِ، وكمالِ رجولته، وعلوِ مكانته، وشرفِ نسبه، وطِيبِ مَعدنِه، وروعةِ تعامُلِه، ولينِ جانبه، وحُسنِ خُلقه، وجمالِ منطقه، واستقرارِ نفسيته، وتوازنِ حياته، وتكامُلِ شخصيته.. فإذا جاءَ من يقولُ أنَّ هذا كله ليس اصطفاءً ربانياً، وأن الله لم يهيئهُ لهذا الكمال الفريد، وزعم أن ذلك محضُ عبقريةٍ فذةٍ، أو نتاجُ بيئةٍ تربويةٍ معينة، فليأتِ إذن بنظيرٍ مثله، بلغ هذا المستوى من الاعتدال والكمال في جميع الميادين، وعاش حياته كلها بلا اضطرابٍ ولا انحرافٍ ولا خلل.. ووالله لن يجد مهما فتشَ وبحث. لأن هذا النَّسَق المتكامل لا يكفيه الذكاء، ولا تملكهُ البيئة، ولا يبنيه التعليم، وإنما هو أثرُ الوحي، وعلامةُ النبوة، وختمُ الاصطفاء.. ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى ﴾ [النجم:5].. ومن هنا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو الأسوةُ الكاملة، والنموذج الأعلى، الذي جعلهُ الله قدوةٌ لجميع المسلمين: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. وهكذا يتبيَّنُ لكل منصفٍ أنَّ توازن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتكاملها، برهانٌ من أعظم البراهين القاطعةِ على صدقه، وأنه نبيٌّ مؤيَّدٌ من ربه، ناصحٌ في دعوته، مخلصٌ في تبليغه، ومن لم يقنعه هذا، فلن يقنعهُ برهان، ولن يهديه بيان.. ومع ذلك ففي المقال التالي، سنعيشُ مع شاهدٍ آخر من شواهد الصدق النبوي.. فنسألُ اللهَ أن يشرح صدورنا جميعًا للحق، وأن يهدينا سواء السبيل.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |