|
|||||||
| فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
![]() الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الرابع صـــ 60 الى صـــ 69 (73) (قال) وكذلك لو كان أهل بالحج ليلة المزدلفة بالمزدلفة فهو رافض ساعة أهل؛ لأنه لو لم يرفضها عاد إلى عرفات فوقف فيصير مؤديا حجتين في سنة واحدة، وهذا بخلاف ما إذا أهل بحجتين فإن هناك إذا عجل في عمل أحدهما لا يصير رافضا للآخر، وهنا هو مشغول بعمل أحدهما بل هو مؤد له فلهذا يرتفض الآخر في الحال فكذلك إن أهل بعمرة ليلة المزدلفة فهو رافض لها. وفي الكتاب أضاف هذا القول إلى أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يخالفهما في هذا لما قلنا أنه لو لم يصر رافضا كان بانيا أعمال العمرة على أعمال الحج فأما إذا أهل بحجة أخرى بعد طلوع الفجر من يوم النحر لم يرفضها؛ لأن وقت الوقوف قد فات فلو بقي إحرامه هذا لا يكون مؤديا حجتين في سنة واحدة، ولكنه يتم أعمال الحجة الأولى، ويمكث حراما إلى أن يحج في السنة الثانية إلا أنه إن حلق للحجة الأولى يلزمه دم لجنايته على الإحرام الثاني بذلك الحلق، وإن لم يحلق فعليه الدم عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أيضا لتأخير الحلق في الحجة الأولى عن وقته وعندهما بهذا التأخير لا يلزمه دم، وأصل المسألة أن من أحرم بالحج قبل أشهر الحج يكون محرما بالحج عندنا، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - يكون محرما بالعمرة، وهكذا روى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى. وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة عندنا، وقال مالك - رحمه الله تعالى - جميع ذي الحجة استدلالا بقوله تعالى {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] ، وأقل الجمع المتفق عليه ثلاثة، ولكنا نستدل بقول ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وابن الزبير - رضي الله عنهم - عنهم أن أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة فأقاموا أكثر الثلاثة مقام الكمال في معنى الآية لمعنى هو أن بالاتفاق يفوت الحج بطلوع الفجر من يوم النحر، وفوات العبادة يكون بمضي وقتها فأما مع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات، ولهذا قال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إن من ذي الحجة عشر ليال، وتسعة أيام فأما اليوم العاشر ليس بوقت الحج؛ لأن الفوات يتحقق بطلوع الفجر من اليوم العاشر، وهو يوم النحر، وفي ظاهر المذهب اليوم العاشر من وقت الحج؛ لأن الصحابة - رضي الله عنهم - قالوا وعشر من ذي الحجة، وذكر أحد العددين من الأيام، والليالي بعبارة الجمع يقتضي دخول ما بإزائه من العدد الآخر، ولأن الله تعالى سمى هذا اليوم يوم الحج الأكبر قال الله تعالى {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] ، والمراد يوم النحر لا وقت الحج لأداء الطواف فيه دون الوقوف فلهذا يتحقق الفوات بطلوع الفجر منه لفوات ركن الوقوف. (فأما) الشافعي - رحمه الله تعالى - احتج بقوله - صلى الله عليه وسلم - «المهل بالحج في غير أشهر الحج مهل بالعمرة»، ولأن الإحرام بالحج كالتكبير للصلاة فكما لا يجوز الشروع في الفريضة قبل دخول وقت الصلاة في الصلاة فكذلك في الحج، والإحرام أحد أركان الحج فلا يتأدى في غير وقت الحج كسائر الأركان، وإذا لم يصح إحرامه بالحج كان محرما بالعمرة؛ لأن الوقت وقت العمرة ألا ترى أنه لو فات حجه بمضي الوقت يبقى إحرامه للعمرة فكذلك إذا حصل ابتداء إحرامه في غير أشهر الحج. (ولنا) أن الإحرام للحج بمنزلة الطهارة للصلاة فإنه من الشرائط لا من الأركان حتى يكون مستداما إلى الفراغ منه، وهذا حد شرط العبادة لا حد ركن العبادة، ولأنه لا يتصل به أداء الأفعال فالإحرام يكون عند الميقات، وأداء الأفعال بمكة، ولو أحرم في أول يوم من أشهر الحج يصح، وأداء الأفعال بعد ذلك بزمان فعرفنا أنه بمنزلة الشرط فلا يستدعي صحة الوقت بخلاف الصلاة فإن أداء الأركان هناك يتصل بالتكبير فإذا حصل قبل دخول الوقت لا يتصل أداء الأركان به، والحديث في الباب شاذ جدا فلا يعتمد على مثله، ولكن يكره له أن يحرم بالحج قبل أشهر الحج؛ من أصحابنا رحمهم الله تعالى من يقول الكراهة لمعنى أن الإحرام من وجه بمنزلة الأركان، ولهذا لو حصل قبل العتق لا يتأدى به فرض الحج بعد العتق، وما تردد بين أصلين يوفر حظه عليهما فلشبهه بالشرائط يجوز قبل الوقت، ولشبهه بالأركان يكون مكروها، وقيل بل الكراهة؛ لأنه لا يأمن من مواقعة المحظور إذا طال مكثه في الإحرام (قال) ويجمع الإمام بين صلاة المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامة فإن تطوع بينهما أقام للعشاء إقامة أخرى، وقال زفر - رحمه الله تعالى - إذا تطوع بينهما أذن، وأقام للعشاء؛ لأن الفصل بينهما قد تحقق بالاشتغال بالتطوع فهو بمنزلة من يؤدي كل صلاة في وقتها فعليه الأذان والإقامة لكل صلاة، ولكنا نقول: الجمع بينهما لا ينقطع بهذا الفصل كما لا ينقطع إذا اشتغل بالأكل، ولكنه يحتاج إلى إعلام الناس أنه يصلي العشاء، وبالإقامة يتم هذا الإعلام، والأصل فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنه - فإنه صلى المغرب بمزدلفة ثم تعشى ثم أفرد الإقامة للعشاء فإن صلى المغرب بعرفات بعد غروب الشمس أو صلاها في طريق المزدلفة قبل غيبوبة الشفق أو بعده فعليه أن يعيدها بمزدلفة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - يكره ما صنع، ولا يلزمه الإعادة؛ لأنه أدى الفرض في وقته فإن ما بعد غروب الشمس وقت المغرب بالنصوص الظاهرة، وأداء الصلاة في وقتها صحيح ألا ترى أنه لو لم يعد حتى طلع الفجر لم يلزمه الإعادة، ولو لم يقع ما أدى موقع الجواز لما سقط عنه الإعادة بطلوع الفجر، ولكنا نستدل بحديث «أسامة بن زيد - رضي الله عنه - فإنه كان رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريق المزدلفة فلما غربت الشمس قال: الصلاة يا رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم: الصلاة أمامك»، ولم يرد بهذا فعل الصلاة؛ لأن فعل الصلاة حركات المصلي، وهو معه فإما إن أراد به الوقت أو المكان فإن كان المراد به المكان فقد بين بهذا النص اختصاص أداء الصلاة بمكان، وهو المزدلفة فلا يجوز في غيرها، وإن كان المراد به الوقت فقد تبين أن وقت المغرب في حق الحاج لا يدخل بغروب الشمس، وأداء الصلاة قبل الوقت لا يجوز، والدليل عليه أنه مأمور بالتأخير؛ لأن في الاشتغال بالصلاة انقطاع سيره فإن أداء الصلاة في وقتها فريضة فلا يسقط بهذا العذر، ولكن الأمر بالتأخير للجمع بينهما بالمزدلفة، وهذا المعنى يفوت بأداء المغرب في طريق المزدلفة فعليه الإعادة بعد الوصول إلى المزدلفة ليصير جمعا بين الصلاتين كما هو المشروع نسكا، ولهذا سقطت عنه الإعادة بطلوع الفجر؛ لأن وجوب الإعادة لمكان إدراك فضيلة الجمع بينهما، وهذا يفوت بفوات وقت العشاء، ولهذا قلنا إذا بقي في الطريق حتى صار بحيث يعلم أنه لا يصل إلى المزدلفة قبل طلوع الفجر يصلي المغرب، ولا يؤخرها بعد ذلك (قال) ويغلس بصلاة الفجر بالمزدلفة حين ينشق له الفجر الثاني لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - كما بينا ثم يغفي حتى إذا أسفر دفع قبل طلوع الشمس، وهذا الوقوف واجب عندنا، وليس بركن حتى إذا تركه لغير علة يلزمه دم، وحجه تام، وعلى قول الليث بن سعد - رحمه الله تعالى - هذا الوقوف ركن لا يتم الحج إلا به؛ لأنه مأمور به في كتاب الله تعالى قال الله تعالى {فاذكروا الله عند المشعر الحرام} [البقرة: 198] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في حديث عروة بن مضرس - رحمه الله تعالى - «من وقف معنا هذا الموقف فقد تم حجه» علق تمام حجه بهذا الوقوف فعرفنا أنه لا يتم إلا به. (ولنا) قوله - صلى الله عليه وسلم - «الحج عرفة فمن وقف بعرفة فقد تم حجه»، ولأنه يجوز ترك هذا الوقوف بعذر «فإن ضباعة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنها كانت شاكية فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المصير إلى منى ليلة المزدلفة فأذن لها»، وروي «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله من المزدلفة بليل»، ولو كان ركنا لم يجز تركه لعذر، وبهذا تبين أن هذا الوقوف مع الوقوف بعرفة بمنزلة طواف الزيارة مع طواف الصدر ثم طواف الصدر واجب، وليس بركن، ويجوز تركه بعذر الحيض فكذا هذا، والمزدلفة كلها موقف إلا محسرا وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، وقد بينا الأثر المروي في هذا الباب فيما سبق. (قال) وأحب إلي أن يكون وقوفه بمزدلفة عند الجبل الذي يقال له قزح من وراء الإمام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختار لوقوفه ذلك الموضع، وقد بينا في الوقوف بعرفة أن الأفضل أن يقف من وراء الإمام قريبا منه ليؤمن على دعائه فكذلك في الوقوف بمزدلفة فإن تعجل من المزدلفة بليل فإن كان لعذر من مرض أو امرأة خافت الزحام فلا شيء عليه لما روينا، وإن كان لغير عذر فعليه دم لتركه واجبا من واجبات الحج فإن أفاض منها بعد طلوع الفجر قبل أن يصلي مع الناس فلا شيء عليه؛ لأنه أتى بأصل الوقوف في وقته، ولكنه مسيء فيما صنع لتركه امتداد الوقوف (قال) فإن مر بالمشعر الحرام مرا بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه؛ لأن وقوفه تأدى بهذا المقدار، وكذا إن كان مر بها نائما أو مغمى عليه فلم يقف مع الناس حتى أفاضوا؛ لأن حصوله في موضع الوقوف في وقته يكون بمنزلة وقوفه، وقد بينا هذا في الوقوف بعرفة فكذلك في الوقوف بالمشعر الحرام، وإن لم يبت بالمزدلفة ليلة النحر بأن نام في الطريق فلا شيء عليه لأن البيتوتة بالمزدلفة ليست بنسك مقصود، ولكن المقصود الوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الفجر، وقد أتى بما هو المقصود فلا يلزمه بترك ما ليس بمقصود شيء كما بينا في ترك البيتوتة بها في ليالي الرمي، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب [باب رمي الجمار] (باب رمي الجمار) (قال) - رضي الله تعالى عنه - ويبدأ إذا وافى منى برمي جمرة العقبة ثم بالذبح إن كان قارنا أو متمتعا ثم بالحلق لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أول نسكنا في هذا اليوم أن نرمي ثم نذبح ثم نحلق»، ولأن الذبح والحلق من أسباب التحلل ألا ترى أن تحلل المحصر بالذبح فيقدم الرمي عليهما ثم الذبح في معنى التحلل دون الحلق فإن الحلق محظور الإحرام والذبح لا، فكان الذبح مقدما على الحلق، وقد بينا اختلاف العلماء في وقت ابتداء الرمي في هذا اليوم، وكذلك يختلفون في آخر وقته؛ نفى ظاهر المذهب وقته إلى غروب الشمس، ولكنه لو رمى بالليل لا يلزمه شيء، وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - وقته زوال الشمس، وما بعد الزوال يكون قضاء وللشافعي - رحمه الله تعالى - فيه قولان في أحد القولين إنما يرمي ذلك إلى غروب الشمس فإذا غربت تعين عليه الفدية بفوات الوقت في هذا الرمي، وما عرف الرمي قربة إلا بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الوقت فيتحقق فواته بفوات الوقت كالوقوف بعرفة، وفي القول الآخر يقول يمتد وقته إلى آخر أيام التشريق حتى يأتي بما ترك من الرمي في آخر أيام التشريق، ولا شيء عليه؛ لأن الرمي كله في حكم نسك واحد. وإن اختلف مكانه وزمانه فلا يتحقق الفوات فيه إلا بفوات وقته، وذلك بمضي آخر أيام التشريق، وقاس بالتكبيرات فإن من ترك شيئا من الصلوات في هذه الأيام يقضيها بالتكبيرات إلى آخر أيام التشريق، وحجتنا في ذلك أن وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر بالنص قال - صلى الله عليه وسلم - «إن أول نسكنا في هذا اليوم»، وذهاب تمام اليوم بغروب الشمس إلا أن أبا يوسف - رحمه الله تعالى - يقيس الرمي في هذا اليوم بالرمي في اليوم الثاني فيقول كما أن في اليوم الثاني وقت الرمي نصف اليوم، وهو ما بعد الزوال فكذا في هذا اليوم وقت الرمي نصف اليوم، وذلك إلى زوال الشمس إلا أنه رمى بالليل لم يغرم شيئا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «رخص للرعاة أن يرموا ليلا»، ولأن اليوم لما كان وقتا للرمي فالليل يتبعه في ذلك كليلة النحر تجعل تبعا ليوم عرفة في حكم الوقوف فإن لم يرمها حتى يصبح من الغد رماها لبقاء وقت جنس الرمي، ولكن عليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، ولا دم عليه عندهما، وهو نظير ما بينا في تأخير طواف الزيارة عن أيام النحر فأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - هنا جعل تأخير الرمي عن وقته بمنزلة تركه، ورمي جمرة العقبة يوم النحر نسك تام فكما أن تركه يوجب الدم فكذلك تأخيره عن وقته، وكذلك إن ترك الأكثر منها بمنزلة الكل، وإن ترك منها حصاة أو حصاتين أو ثلاثا إلى الغد رماها، وتصدق لكل حصاة بنصف صاع من حنطة على مسكين إلا أن يبلغ دما فحينئذ ينقص منه ما شاء؛ لأن المتروك أقل فتكفيه الصدقة، وقد بينا نظيره في تأخير طواف الزيارة، وإن ترك رمي إحدى الجمار في اليوم الثاني فعليه صدقة؛ لأن رمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني نسك واحد فإذا ترك أحدها كان المتروك أقل فتكفيه الصدقة إلا أن المتروك أكثر من النصف فحينئذ يلزمه الدم، وجعل ترك الأكثر كترك الكل (قال) وإن ترك الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر أيام الرمي رماها على التأليف؛ لأن وقت الرمي باق فعليه أن يتدارك المتروك ما بقي وقته كالأضحية إذا أخرها إلى آخر أيام النحر، وعليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، ولا دم عليه في قولهما فإن تركها حتى غابت الشمس من آخر أيام الرمي سقط عنه الرمي بفوات الوقت؛ لأن معنى القربة في الرمي غير معقول، وإنما عرفناه قربة بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو إنما رمى في هذه الأيام فلا يكون الرمي قربة بعد مضي وقتها كما لا يكون إراقة الدم قربة بعد مضي أيام النحر، وإذا لم يكن قربة كان عبثا فلا يشتغل به، وعليه دم واحد عندهم جميعا؛ لأن الرمي كله نسك واحد، وهو واجب فتركه يوجب الجبر بالدم كما هو مذهبنا في ترك السعي بين الصفا والمروة، ولا يبعد أن يكون ترك البعض موجبا للدم ثم لا يجب بترك الكل إلا دم واحد كما أن حلق ربع الرأس في غير أوانه يوجب الدم ثم حلق جميع الرأس لا يوجب إلا دما واحدا، وقص أظفار يد واحدة يوجب الدم ثم قص الأظفار كلها لا يوجب إلا دما واحدا (قال) وإن بدأ في اليوم الثاني بجمرة العقبة فرماها ثم بالوسطى ثم بالتي تلي المسجد ثم ذكر ذلك في يومه قال يعيد على الجمرة الوسطى، وجمرة العقبة؛ لأنه نسك شرع مرتبا في هذا اليوم فما سبق أو أنه لا يعتد به فكان رمي الجمرة الأولى بمنزلة الافتتاح للجمرة الوسطى، والوسطى بمنزلة الافتتاح لجمرة العقبة فما أدى قبل وجود مفتاحه لا يكون معتدا به كمن سجد قبل الركوع أو سعى قبل الطواف بالبيت فالمعتد من رميه هنا الجمرة الأولى فلهذا يعيد على الوسطى، وعلى جمرة العقبة (قال) وإن رمى من كل جمرة ثلاث حصيات ثم ذكر بعد ذلك فإنه يبدأ من الأولى بأربع حصيات ليتمها ثم يعيد على الوسطى بسبع حصيات، وكذلك على جمرة العقبة، ولا يعتد بما رمى من الوسطى وجمرة العقبة؛ لأن ذلك سبق أوانه فإنه حصل قبل أن يأتي بأكثر الرمي عند الجمرة الأولى فكأنه لم يرم منها شيئا. (قال) وإن رمى من كل واحدة بأربع أربع فإنه يرمي لكل واحدة بثلاث حصيات؛ لأن رمي أكثر الجمرة الأولى بمنزلة كماله في الاعتداد برمي الجمرة الوسطى كما أن أكثر أشواط الطواف ككماله في الاعتداد بالسعي بعده، وإذا كان ما رمى من كل جمرة معتدا به فعليه إكمال رمي كل جمرة بثلاث حصيات فإن استقبل رميها فهو أفضل؛ لأنه أقرب إلى موافقة فعل رسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه ما اشتغل بالثانية إلا بعد إكمال الأولى (قال) وإن رمى جمرة العقبة فوق العقبة أجزأه، وقد بينا أن الأفضل أن يرميها من بطن الوادي، ولكن ما حول ذلك الموضع كله موضع الرمي فإذا رماها من فوق العقبة فقد أقام النسك في موضعه فجاز. (قال) وكذلك لو لم يكبر مع كل حصاة أو جعل مكان التكبيرات تسبيحا أجزأه؛ لأن المقصود ذكر الله تعالى عند كل حصاة، وذلك يحصل بالتسبيح كما يحصل بالتكبير ثم هو من آداب الرمي فتركه لا يوجب شيئا (قال) وإن رماها بحجارة أو بطين يابس جاز عندنا، وعلى قول الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يجوز إلا بالحجر اتباعا لما ورد به الأثر فإن فيما لا يعقل المعنى فيه إنما يحصل الامتثال بعين المنصوص، ولكنا نقول المنصوص عليه فعل الرمي، وذلك يحصل بالطين كما يحصل بالحجر، والأصل فيه الخليل صلوات الله عليه، ولم يكن له في الحجر بعينه مقصود إنما مقصوده فعل الرمي إما لإعادة الكبش أو لطرد الشيطان على حسب ما اختلف فيه الرواة فقلنا بأي شيء حصل فعل الرمي أجزأه بمنزلة أحجار الاستنجاء فكما يحصل الاستنجاء بالحجر يحصل الاستنجاء بالطين وغيره، وبعض المتشفعة يقولون: إن رمى بالبعرة أجزأه، وإن رمى بالفضة أو الذهب أو اللؤلؤ والجواهر لا يجوز؛ لأن المقصود إهانة الشيطان، وذلك يحصل بالبعر دون الذهب والفضة والجواهر، ولسنا نقول بهذا، ولكن نقول الرمي بالفضة والذهب يسمى في الناس نثارا لا رميا، والواجب عليه الرمي فعليه أن يرمي بكل ما يسمى به راميا (قال) فإن رمى إحدى الجمار بسبع حصيات جملة فهذه واحدة؛ لأن المنصوص عليه تفرق الأعمال لا عين الحصيات فإذا أتى بفعل واحد لا يكون إلا عن حصاة واحدة كما لو أطعم كفارة اليمن مسكينا واحدا مكان إطعام عشرة مساكين جملة لم يجزه إلا عن إطعام مسكين واحد (قال) وإن رماها بأكثر من سبع حصيات لم تضره تلك الزيادة؛ لأنه أتى بما هو الواجب عليه فلا يضره الزيادة عليه بعد ذلك. (قال) وإن نقص حصاة لا يدري من أيتهن نقصها أعاد على كل واحد منهن حصاة واحدة أخذا بالاحتياط في باب العبادة كما لو ترك سجدة من صلاة من الصلوات الخمس، ولا يدري من أيها ترك فعليه قضاء الصلوات الخمس (قال) وإن قام عند الجمرة ووضع الحصاة عندها وضعا لم يجزه؛ لأن الواجب عليه فعل الرمي، والواضع غير رام، وإن طرحها طرحا أجزأه، وقد أساء؛ لأن الطارح رام إلا أن الرمي تارة يكون أمامه وتارة يكون عند قدميه بالطرح، ولكنه مسيء لمخالفة فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفا (قال) فإن رماها من بعيد فلم تقع الحصاة عند الجمرة فإن وقعت قريبا منها أجزأه؛ لأن هذا القدر مما لا يتأتى التحرز عنه خصوصا عند كثرة الزحام، وإن وقعت بعيدا منها لم يجزه؛ لأن الرمي قربة في مكان مخصوص ففي غير ذلك المكان لا يكون قربة (قال) وإن رماها بحصاة أخذها من عند الجمرة أجزأه وقد أساء؛ لأن ما عند الجمرة من الحصى مردود فيتشاءم به، ولا يتبرك به، وبيانه في حديث سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس - رضي الله عنه - ما بال الجمار ترمى من وقت الخليل صلاة الله عليه، ولم تصر هضابا تسد الأفق فقال: أما علمت أن من يقبل حجه رفع حصاه، ومن لم يقبل حجه ترك حصاه حتى قال مجاهد لما سمعت هذا من ابن عباس - رضي الله عنه - جعلت على حصياتي علامة ثم توسطت الجمرة فرميت من كل جانب ثم طلبت فلم أجد بتلك العلامة شيئا من الحصى فهذا معنى قولنا إن ما بقي في موضع الرمي مردود، ولكن مع هذا يجزئه لوجود فعل الرمي ومالك - رحمه الله تعالى - يقول لا يجزئه، وهذا عجب من مذهبه فإنه يجوز التوضؤ بالماء المستعمل، ولا يجوز الرمي بما قد رمي به من الأحجار، ومعلوم أن فعل الرمي لا يغير صفة الحجارة. (قال) فإن لم يقم عند الجمرتين اللتين يقوم الناس عندهما لم يلزمه شيء؛ لأن القيام عند الجمرتين سنة فتركه لا يوجب إلا الإساءة (قال) وإن كان أقام أيام منى بمكة غير أنه يأتي منى في كل يوم فيرمي الجمار فقد أساء، ولا شيء عليه؛ لأنه ما ترك إلا السنة، وهي البيتوتة بمنى في ليالي الرمي، وقد بينا «أن العباس - رضي الله عنه - استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك لأجل السقاية فأذن له» فقيل إنه ليس بواجب (قال) فإن رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس أجزأه قال بلغنا ذلك عن عطاء - رحمه الله تعالى -، والمروي عنه أنه قال يجعل منى عن يمينه، والكعبة عن يساره، ويرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، والأفضل أن يرميها بعد طلوع الشمس، وإن رماها قبل طلوع الشمس أجزأه، وإن رماها في اليوم الثاني من أيام النحر قبل الزوال لم يجزه؛ لأن وقت الرمي في هذا اليوم بعد الزوال عرف بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجزئه قبله، وذكر الحاكم الشهيد - رحمه الله تعالى - في المنتقى أن ما قبل الزوال يوم النحر وقت الرمي حتى لو رمى أجزأه. (قال) وكذلك في اليوم الثالث من يوم النحر، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى إن كان من قصده أن يتعجل النفر الأول فلا بأس بأن يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، وإن رمى بعد الزوال فهو أفضل، وإن لم يكن ذلك من قصده لا يجزئه الرمي إلا بعد الزوال؛ لأنه إذا كان من قصده التعجيل فربما يلحقه بعض الحرج في تأخير الرمي إلى ما بعد الزوال بأن لا يصل إلى مكة إلا بالليل فهو محتاج إلى أن يرمي قبل الزوال ليصل إلى مكة بالنهار فيرى موضع نزوله فيرخص له في ذلك، والأفضل ما هو العزيمة، وهو الرمي بعد الزوال، وفي ظاهر الرواية يقول هذا اليوم نظير اليوم الثاني فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى فيه بعد الزوال فلا يجزئه الرمي فيه قبل الزوال. (قال) فإن رمى في اليوم الثالث يخير بين النفر، وبين المقام إلى أن يرمي في اليوم الرابع لقوله تعالى {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه} [البقرة: 203] ، وخياره هذا يمتد إلى طلوع الفجر من اليوم الرابع عندنا، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - إلى غروب الشمس من اليوم الثالث؛ لأن المنصوص عليه الخيار في اليوم، وامتداد اليوم إلى غروب الشمس، ولكنا نقول الليل ليس بوقت لرمي اليوم الرابع فيكون خياره في النفر باقيا قبل غروب الشمس من اليوم الثالث بخلاف ما بعد طلوع الفجر من اليوم الرابع فإنه وقت الرمي على ما نبينه إن شاء الله تعالى فلا يبقى خياره بعد ذلك، وقد بينا أن الليالي هنا تابعة للأيام الماضية فكما كان خياره ثابتا في اليوم الثالث فكذلك في الليلة التي بعده. (قال) وإن صبر إلى اليوم الرابع جاز له أن يرمي الجمار فيه قبل الزوال استحسانا في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وعلى قولهما لا يجزئه بمنزلة اليوم الثاني، والثالث؛ لأنه يوم ترمى فيه الجمار الثلاث فلا يجوز إلا بعد الزوال بخلاف يوم النحر وأبو حنيفة احتج بحديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - إذا انتفح النهار في آخر أيام التشريق فارموا يقال انتفح النهار إذا علا، واعتبر آخر الأيام بأول الأيام فكما يجوز الرمي في اليوم الأول قبل زوال الشمس فكذا في اليوم الآخر، وهذا لأن الرمي في اليوم الرابع يجوز تركه أصلا فمن هذا الوجه يشبه النوافل، والتوقيت في النفل لا يكون عزيمة فلهذا جوز الرمي فيه قبل الزوال ليصل إلى مكة قبل الليل (قال) وأحب إلي أن يرمي الجمار مثل حصاة الخذف هكذا «علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه فإنه جعل طرف إحدى سبابتيه عند الأخرى فرمى بمثل حصى الخذف، وقال هكذا فارموا»، وإن رمى بأكبر من ذلك أجزأه، ولكن لا ينبغي أن يرمي الكبار من الأحجار؛ لأنه ربما يصيب أحدا فيتأذى به، وقال - صلى الله عليه وسلم - «عليكم بحصى الخذف، وإياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قلبكم بالغلو في الدين» (قال) وليس في القيام عند الجمرتين دعاء مؤقت لما بينا أن التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب، ويرفع يديه عندهما حذاء منكبيه للحديث «لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن، وفي المقامين عند الجمرتين» (قال) والرجل والمرأة في رمي الجمار سواء كما في سائر المناسك، وإن رماها راكبا أجزأها لحديث جابر - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رمى الجمار راكبا»، وقد بينا ما هو المختار عند كل جمرة (قال) والمريض الذي لا يستطيع رمي الجمار يوضع الحصى في كفه حتى يرمي به؛ لأنه فيما يعجز عنه يستعين بغيره، وإن رمي عنه أجزأه بمنزلة المغمى عليه فإن النيابة تجري في النسك كما في الذبح (قال) والصبي الذي يحج به أبوه يقضي المناسك ويرمي الجمار؛ لأنه يأتي به للتخلق حتى يتيسر له بعد البلوغ فيؤمر به بمثل ما يؤمر به البالغ، وإن ترك الرمي لم يكن عليه شيء، وكذلك المجنون يحرم عنه أبوه؛ لأن فعلهما للتخلق فلا يكون واجبا إذ ليس للأب عليهما ولاية الإيجاب فيما لا منفعة لهما فيه عاجلا، ولهذا لا يجب الدم بترك الرمي عليهما، وهو معتبر بالكفارات لا يجب شيء منها على الصبي، والمجنون عندنا، والأصل في جواز الرمي هكذا ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن امرأة رفعت صبيا من هودجها إليه فقالت ألهذا حج فقال نعم، ولك أجره» فدل ذلك على أنه يجوز للأب أن يحرم عن ولده الصغير، والمجنون بمنزلة الصغير، والله أعلم بالصواب [باب الحلق] (قال) - رضي الله عنه - «الحلق أفضل من التقصير» لما روينا من الأثر فيه، ولأن المأمور به بعد الذبح قضاء التفث قال الله تعالى {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] ، وهو في الحلق أتم والتقصير فيه بعض الحلق فلهذا كان الحلق أفضل، والتقصير يجزي وهو أن يأخذ شيئا من أطراف شعره، ورواه في الكتاب عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه سئل كم تقصر المرأة؟ فقال مثل هذه يعني مثل الأنملة، وهذا لأنه لو لم يكن على رأسه من الشعر إلا ذلك القدر كان يتم تحلله بأخذه فكذلك إذا كان على رأسه من الشعر أكثر من ذلك يتم تحلله بأخذ ذلك المقدار والتقصير، قائم مقام الحلق في حكم التحلل فإذا فعل ذلك في أحد جانبي رأسه أجزأه بمنزلة ما لو حلق نصف رأسه، وكذلك إن فعله في أقل من النصف، وكان بقدر الثلث أو الربع فكذلك يجزئه؛ لأن كل حكم تعلق بالرأس فالربع منه ينزل منزلة الكمال كالمسح بالرأس، ولكنه مسيء في الاكتفاء بهذا المقدار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «حلق جميع رأسه، وأمرنا بالاقتداء به» فما كان أقرب إلى موافقة فعله فهو أفضل، ولأنه إنما يفعل هذا ضنة منه بشعره، وفيما هو نسك تكره الضنة فيه بالمال والنفس فكيف بالشعر ![]()
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |