رسالة شافية إلى كل مهموم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 501 - عددالزوار : 8523 )           »          فضائل المعوذتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          قِيمَةُ العَمَلِ في الإِسْلَامِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 102 )           »          الاختلاف المثمر بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          مقبرةُ القرارات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          أن يكون القرآن حيّا في جوانبنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أخلاقُك تُعرف مِن كلماتك لا مِن هيئتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 79 )           »          خطوات الشيطان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          وقفة مع الخشوع في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          مع فتية الكهف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 84 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10-11-2025, 11:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,388
الدولة : Egypt
افتراضي رسالة شافية إلى كل مهموم

رسالة شافية إلى كل مهموم

العنود بنت محمد الطيار

ابتلاؤك عظيم، وهمك قديم، وأنت ما زلت تدعو ووضعك كما هو، ولكن - رحمك الله - لا تقل: دعوت، دعوت ولم يُستجَب لي، ولنتحدث قليلًا بشيء من الحكمة، كلنا نعلم أن الدعاء هو العبادة، وأن هناك شروطًا للدعاء المستجاب، وقد سبق الحديث عن ذلك، ولكني هنا سأتناول الموضوع من زاوية أخرى بمشيئة الله:
هو لم يأمرك بالدعاء كي يتعرف على حاجاتك فهو يعلمها جل في علاه؛ فلقد أعطاك كل ما تملك من غير أن تطلب.

لقد أمرك مولاك بالدعاء - فرج الله لك - كي تتقرب إليه وتتعرف عليه، وتصل لأعلى درجة أرادها لك؛ وهي درجة الإحسان، لتحصل على رضوانه فتسعد بالدارين، ثم إنه سنَّ الابتلاء بالمصائب تارةً وبالنعم تارةً أخرى؛ اختبارًا لإيمانك لتعرف مستوى إيمانك، وتشتغل على تعديله وترقيته، وتصل "للوزنية" المطلوبة من الحب والخوف والرجاء؛ قال تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، فمن حكمته ورحمته أن يبين لك كيف تنجح بالاختبار بتفوق؛ لذلك أنزل كتابه الكريم وبعث نبيه الأمين، خاصة وأن هناك شيطانًا هدفه وهمه وسعيه كله أن يجعلك ترسب كما رسب هو، ولكن لا بد من الممارسة العملية بالإضافة لقراءة الكتاب الكريم والسنة المطهرة؛ لذلك تحتاج أن تقع في الابتلاءات والمصائب كي تدرك عيانًا فيقينًا مدى ضعفك أمام عظمته جل في علاه.

وقد يجوز لنا أن نقول - والله أعلى وأعلم - أن هذا يشبه الدراسة العلمية الأصيلة التي لا بد أن تعتمد على شقين كي تحقق أهدافها: شقٍّ نظري، وشق عملي، لتستقر النتائج في العقل والوجدان، وتظهر على السلوك بكل وضوح، ولنبدأ بالتأسيس لهذه الحقيقة: قال ربنا تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ((أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)) معيةً كما يليق بجلاله وكماله، لقد كان بإمكانه أن يأمرنا بعبادته، ثم يتركنا، ولا ينظر إلينا، بما أننا حقًّا لا شيء؛ إذ إننا خُلقنا من لا شيء، أضِف إلى أن الله لا مُكره له، ولكنه أراد أن يجعل من هذا اللاشيء شيئًا عظيمًا، وذلك بأمره بالمداومة على ذكره جل في علاه، ولهذا قال: ((أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه)) معيةً تقتضي التوفيق والتسديد.

ومع أنه جعل لعبده ملائكةً يحرسونه ويصلون عليه ويدعون له آناء الليل وأطراف النهار، ولكنه أراد فوق ذلك أن يطمئن عبده ويكرمه، ويسعده بمعيته هو بنفسه - تقدست أسماؤه وجل ثناؤه – فقال: ((أنا مع عبدي …))، وغير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي يؤكد فيها أنه يحب عباده الطائعين - نسأل الله أن يجعلنا منهم - وينظر إليهم، ويتودد إليهم، ويستمع لهم، ويرحمهم، ويلطف بهم، ويستجيب لهم، ويعطيهم، ويلهمهم، ويشفيهم، ويحفظهم، وينصرهم، ويغفر لهم، بل ويفرح بتوبتهم، ويشكرهم، ويجبرهم، ويكره ما يسوؤهم، خاصة عند قبض أرواحهم، ويباهي بهم الملائكة، ويبشرهم بالحياة الطيبة في الدنيا، وبجِنانه وعظيم عطائه في الآخرة، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله.

وهنا لا بد أن نقول: إن الله يحب لعباده جميعًا الخير، ويحب توبة عباده جميعًا إليه، ويفرح بها، ويدعوهم إليها.

أما الدعاء فهو من الأشياء التي تجعلنا نتعرف على ربنا أكثر، وكلما عرفناه أكثر، ثبتنا في وجه المصاعب، ونجحنا عند الابتلاءات، فحين ندعوه ويستجيب، نعلم حق اليقين أنه موجود، ونوقن بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا تبارك وتعالى، علاوةً على أن إيماننا يزيد باستجابته لدعائنا، وبالتالي يزيد عملنا الصالح، وهذا ما يجعل من أولويات الشيطان أن يصرفنا عن الدعاء بطرقه الكثيرة الماكرة، وكيف لا وهو يعلم أن الدعاء حبل ممدود يصِلنا بربنا من مصلحته أن يقطعه؟ وسأكتفي بذكر وسيلتين من وسائله: الأولى: دعوته إلى الاكتفاء بالصلاة على النبي اللهم صل عليه، بدل الدعاء، والثانية: الاكتفاء بترديد كلمة التوحيد أي التهليل للحصول على ما نريد، زاعمًا أن هذا يقوم مقام الدعاء فيُغني عنه.

وبطبيعة الحال وعلى عادته يستخدم الشيطان عوام الناس المتعالمين، وأعوانه من شياطين الإنس المتسلحين بالشبهات والشهوات؛ ليوصلوا هذه الأفكار الضالة للناس، وللأسف هناك من تنطلي عليه حيلة الشيطان وأعوانه، على الرغم من أن الأمر بالدعاء واضح وصريح ومكرر، وعليه أمثلة من دعاء الأنبياء والصالحين في القرآن الكريم والحديث الشريف مع الشرح، والدعاء لا يقل فضلًا عن شعيرتَي الصلاة على النبي وترديد كلمة التوحيد، ولكن إذا دعوناه سبحانه ولم يعطِنا عينَ ما نطلب، فكيف يفعل الشيطان حينئذٍ أعاذنا الله منه؟

لقد خُلق الإنسان عجولًا، فمع أنه يعلم أن الطبخة - وقِس على ذلك أي قضية - التي تُطبخ على نار هادئة أنجح من التي تُطبخ على نار متأججة الاشتعال، إلا أنه لاشعوريًّا يتجاهل هذه الحقيقة، فتظهر له أنواع من المشاعر وأحاديث النفس التي هي غالبًا من وسوسة الشيطان فقط لا غير، ولنبسط الحديث قليلًا عن هذه المسألة، أنت – مثلًا - إن لم يعطِك الله عين ما تطلب، ما أنت فاعل؟! هل ستكون من الذين يدعون الله على حرف، فتتبرم، أو تقنط وتترك الدعاء، أو تعترض، أو ترتد، أو على أحسن تقدير ستنتظر - وأنت حزين - من يطيب خاطرك، ويجتهد كي يذكِّرك بمعلومات يعرفها كل مؤمن، ولكن ربما تكون قد نسيتها مثل: أن الدنيا في الأصل دار ابتلاء، وأن الآخرة هي دار الجزاء، وأن البلاء لا يزال بالمؤمن والمؤمنة حتى يلقى الله وما عليه خطيئة، وأن الدنيا سرعان ما تنصرم، ونرتاح من همومها، والآخرة هي دار الخلود الأبدي، وينصحك بالعمل لها، ونسيان الدنيا، راجيًا أن تضع باعتبارك طبيعة العصر الذي نعيش فيه بالذات، وأن عليك أن تقرأ - إن لم تكن قرأت - عن فتن آخر الزمان عندما تنشط شياطين الإنس والجان، مؤكدًا على حاجتنا الماسَّة إلى الصبر، وأن الصابر في هذا الزمان له أجر خمسين من الصحابة رضوان الله عليهم.

ويبين لك أنه ربما احتاج منك الأمر إلى أن تتوب، وإلى أن تزيد من الأعمال الصالحة ومن الاستغفار، ورد المظالم، والتحلل منها ما يكفي لتكفير ذنوبك ليُستجاب دعاؤك، وأنك ربما كنت مقصرًا في جانب شكر الله على نعمه فيحرمك، حتى إذا أعطاك بعدها عرفت كيف تشكره، وأنك ربما احتجت إلى الرقية الشرعية، وإلى لزوم أذكار الحفظ والتحصين.

ويمضي وهو يثبت لك بأن عدم إعطائك عينَ ما تطلب لا بد أنه أفضل لك، وأنك لا بد ستكتشف ذلك مع مرور الأيام، ويدعوك إلى ألَّا تنسى النعم الأخرى الكثيرة التي اختارها لك سبحانه بدلًا مما فقدت، وقد يبدأ باستعراض ما كان سيحدث لك من الشر لو أنك حصلت على ما كنت تطلب، وغالبًا لن يفوته أن يذكرك بقصص السابقين واللاحقين الذين واجهوا مثلما تواجه أو أشد؛ لتتعظ وتعتبر، ولتصبح قويًّا بالله - المهيمن على كل شيء- قادرًا على التغلب على المعوقات، فالابتلاء يقوِّي، والرفاهية تضعف، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

ثم يجتهد كي يقنعك بأن دعاءك لن يذهب سدًى، فإما أنه سيزيد حسناتك، أو يدرأ عنك من الشر ما يكافئ دعاءك، أو يمحو بها سيئاتك، ويأخذ بتذكيرك بالجزاء العظيم على صبرك ورضاك بقدرك، ونجاحك بالاختبار، وما أعد الله لك ولأصحاب الابتلاءات في الآخرة، وكيف أن أهل العافية يودون يوم القيامة لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض حين يُعطى أهل البلاء الثواب، وأنك قد تكون موعودًا بدرجة عظيمة في الجنة لن تصل إليها إلا بالصبر على الابتلاء، فقد يكون طموحك عظيمًا فتحتاج إلى تدريب هائل كي تتمكن من تحقيق آمالك، كل ذلك صحيح ومؤثر ويجب أن يُقال، ولكن أهم ما يجب أن يُقال:
إن حصولك - سلمك الله - على هذه المزايا، التي ذُكرت في الفقرة الأخيرة خصوصًا، أو على إحداها أمر طيب، إلا أن الحقيقة التي يجب أن تعلمها هي أنك بدعائك قد نِلت ما هو أعظم من كل ذلك، ألَا وهو الفوز بذكره وبمناجاته واستماعه إليك وهو محبٌّ لك، وراضٍ عنك، وأنت مطمئن؛ لذلك قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، وما أن تصل إلى هذه المرحلة من العلاقة الطيبة مع الله، إلا وتكون قد ازددت هدًى يسعدك؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، وكفى بالاهتداء إليه من نعمةٍ هي أعظم من ملذات الدنيا والآخرة، فهي النعمة الوحيدة التي بها منتهى الشرف والعز، ومقر السعادة الكاملة في الدارين، أم أن استجابته لك وإعطاءك الملذات الحسية العابرة التي دأبت على الإلحاح عليه ليعطيكها، أفضل عندك من استماعه إليك بحب ورضا، يزيدك عليهن هدًى وسعادةً أبديةً؟! حقًّا، نعمة عظيمة هي حين ندعوه ونشعر بأنه يستمع إلينا، فنُحس براحة وطمأنينة لا مزيد عليها، لدرجة أننا ننسى الذي كنا نطلبه، فنشعر بأننا اكتفينا ولم نعُد نريد شيئًا.

ولذلك يؤخر الله بعض طلباتنا ليضطرنا إلى دعائه والإلحاح عليه، ليثبت أقدامنا على الحق، فيؤتينا الحكمة، ويطهِّر قلوبنا، ويروِّض مشاعرنا بحيث نحصل في النهاية على ألسنة ذاكرة شاكرة؛ لأنها عرفت الله وآمنت به لدرجة الحياء منه، وقد كانت مملوءةً عجبًا وكبرًا وغطرسة، وعلى أنفسٍ سليمة لدرجة الإحسان في العبادة، والإحسان للناس، بعد أن كانت أمَّارة بالسوء، مملوءة أنانيةً وحسدًا، وعندما نخضع أخيرًا بعد أن يتخلى عنا كل شيء حتى قدراتنا ومقدراتنا، ما عدا الحي الباقي الوهاب جل في علاه، نكتشف أن لا شيءَ مهم سوى رضاه، ونُحِس بحلاوة الإيمان وهو يستمع إلينا برحمة ومودة، فتتزاحم المشاعر السارة كلما ازددنا قربًا ودعوناه، ويتملكنا جلالُ الخشوع، وبرد السكينة، فإذا بعقولنا وقلوبنا وجوارحنا تختار الذكر والشكر وحسن العبادة منهجَ حياة، وإذا مِتنا على ذلك، ألَا نكون قد نجحنا في الاختبار بفضل الله؟




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 52.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.71 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]