|
|||||||
| ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#71
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم … باب: في جَدْر الكَعْبة وبابها
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ الجَدْرِ: أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي البَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ». قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعاً؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ؛ لِيُدْخِلُوا مَنْ شاؤوا، ويَمْنَعُوا مَنْ شاؤوا، ولَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ؛ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الجَدْرَ فِي الْبَيْتِ، وأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ». الحديث رواه مسلم في الحج (2/973) باب: جَدْر الكعْبة وبابها. ورواه البخاري في الحج (1584) باب: فضل مكة وبُنيانها. في هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنَّها سَأَلَت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عن الكَعبةِ، وهل الجَدْرُ- وفي رواية المُسْتملي: الجِدار- أي: الحِجْر، جُزءٌ منها؟ والحِجرُ هو المُسمّى بحِجْر إسماعيلَ، وهو البِناءُ الدَّائريُّ الذي حَولَ الكَعبةِ مِنَ النَّاحيةِ المُقابِلةِ للحجَرِ الأسوَدِ والرُّكنِ اليَمانيِ، وهو على شَكلِ نِصفِ دائرةٍ يُلاصِقُ الرُّكنينِ الشاميَّ والعِراقيَّ، وهذا الحِجرُ جُزءٌ مِن الكعبةِ، ولكِن لَمَّا هُدِمَت الكعبةُ وبنَتْها قُريشٌ لم تَسَعْهمُ النَّفقةُ فاقتَصَروا على هذا البناءِ. الحِجْر مِنَ الكعبة فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أخبَرَها أنَّ الحِجْر مِنَ الكعبة؛ لِمَا فيه مِن أُصُولِ حائِطِه، ولكنْ لِقِلَّةِ ذاتِ يَدِ قُرَيْشٍ، وقِلَّةِ النَّفقةِ الطَّيِّبةِ التي جَمَعُوها، لم يَستَطيعوا إتمامَ كلِّ الكَعبةِ على قَواعدِ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-، فلمْ يُدخِلوه في البَيتِ، وهو قَوْله: «قَصَّرَت بهم النَّفَقَة» بِفَتْح الصَّاد الْمُشَدّدَة، أَي: النَّفَقَة الطّيبَة الَّتِي أخْرجُوها، ويروى: قَصُرَت، بِضَم الصَّاد المخففة. وروى ابن إِسْحَاق فِي السِّيرَة: أَنّ وهب بن عَائِد بن عمرَان بن مَخْزُوم المَخْزُومِي، قَالَ لقريش: لَا تدْخلُوا فِيهِ مِنْ كَسْبكم إلاَّ طيّباً، ولَا تدْخلُوا فِيهِ مَهر بَغيّ، وَلَا بيع رَبّاً، ولَا مظْلمَة منْ أحدٍ مِنَ النَّاس. وهَذَا يدل على أَنّ الحِجْر كُله مِنَ الْبَيْت، وبِذَلِك كَانَ يُفْتِي عبد الله بن عَبَّاس - رضي الله عنه -، كَمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق: عن أَبِيه عن مرْثَد بن شُرَحْبِيل قَالَ: سمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: لَو وليتُ من الْبَيْت مَا ولي ابْنُ الزُّبير؛ لأدْخلتُ الحِجْر كُله فِي الْبَيْت، فلِمَ يُطاف بِهِ إِنْ لم يكنْ مِنَ الْبَيْت؟! وروى التِّرْمِذِيّ: عَن عَلْقَمَة بن أبي عَلْقَمَة عَن أمه عَن عَائِشَة -رَضِي الله عنْهُما- قَالَت: كنتُ أحبُّ أَنْ أَدْخلَ البَيْتَ فأُصلي فِيهِ، فَأخذ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، بيَدي فَأَدْخلنِي الحِجْر، فَقَالَ: صلّي فِي الحِجْر؛ إِنْ أردْت دُخُول البَيْت، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَة من الْبَيْت، ولَكِن قَوْمك اسْتَقصرُوه حِين بَنَوا الْكَعْبَة، فأخْرجُوه من الْبَيْت»، ثمّ أخْبَرَها - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لولا قُربُ عَهدِهِم بالكُفرِ، ومَخافةُ إنكارِ قُلوبِهم؛ لَأدخَلَ - صلى الله عليه وسلم - الحِجرَ في البَيت، وأعادَ بِناءَ الكعبة على قَواعِدِ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-، ولَألْصَقَ البابَ بالأرضِ؛ لأنَّهم قدْ رَفَعوه عن الأرضِ؛ حتَّى يُدخِلوا مَنْ شاؤوا، ويَمنَعوا مَنْ شاؤوا. قال: فجعَلْتُ لها بابين وفي الصَّحيحَين: قال: «فجعَلْتُ لها بابين: بابٌ يَدخُلُ الناسُ، وبابٌ يَخرُجُون»، وفي مسلم: «وهلْ تَدْرِينَ لِمَ كانَ قَوْمُكِ رَفَعُوا بابَها؟» قالَتْ: قُلتُ: لا، قالَ: «تَعَزُّزًا ألا يَدْخُلَها إلَّا مَن أرادُوا، فَكانَ الرَّجُلُ إذا هو أرادَ أنْ يَدْخُلَها يَدَعُونَهُ يَرْتَقِي، حتَّى إذا كادَ أنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ». وهذا التَّغييرُ فعَلَه عبد الله بنُ الزُّبير -رَضيَ اللهُ عنهما-، فقد بَنى الكَعبةَ على ما أرادَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فروى البخاري ومسلم واللفظ له: لمَّا احْتَرَقَ البَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهَا أَهْلُ الشَّامِ، فكانَ مِن أَمْرِهِ ما كانَ؛ تَرَكَهُ ابنُ الزُّبَيْرِ حتَّى قَدِمَ النَّاسُ المَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يُجَرِّئَهُمْ -أَوْ يُحَرِّبَهُمْ- علَى أَهْلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ، قالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ في الكَعْبَةِ، أَنْقُضُهَا ثُمَّ أَبْنِي بنَاءَهَا، أَوْ أُصْلِحُ ما وَهَى منها؟ قال ابنُ عَبَّاسٍ: فإنِّي قدْ فُرِقَ لي رَأْيٌ فِيها؛ أَرَى أَنْ تُصْلِحَ ما وَهَى منها، وتَدَعَ بَيْتًا أَسْلَمَ النَّاسُ عليه، وأَحْجَارًا أَسْلَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا، وبُعِثَ علَيها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ ابنُ الزُّبَيْرِ: لوْ كانَ أَحَدُكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ، ما رَضِيَ حتَّى يُجِدَّهُ، فَكيفَ بَيْتُ رَبِّكُمْ؟ إنِّي مُسْتَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ علَى أَمْرِي، فَلَمَّا مَضَى الثَّلَاثُ أَجْمع رَأْيَهُ علَى أَنْ يَنْقُضَها، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ، أَنْ يَنْزِلَ بأَوَّلِ النَّاسِ يَصْعَدُ فيه أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ، حتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فألْقَى منه حِجَارَةً، فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيءٌ، تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ حتَّى بَلَغُوا به الأرْضَ، فَجَعَلَ ابنُ الزُّبَيْرِ أَعْمِدَةً، فَسَتَّرَ عَلَيها السُّتُورَ حتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ. قالَ: «لَوْلَا أنَّ النَّاسَ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بكُفْرٍ»
كم مرة بني البيت؟
مسألة: هل يجوزُ الطّواف داخل الحِجْر؟
فوائد الحديث (1) في الحديث دَليلٌ على ارتِكابِ أيسرِ الضَّررَين دَفْعاً لأَكبرِهما؛ لأنَّ تَرْكَ بِناءِ الكَعبةِ على ما هو عليه أيسرُ مِن افتِتانِ طائفةٍ مِنَ المسلِمينَ ورُجوعِهِم عن دينِهِم، قال النووي: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح، أو تعارضت مصلحةٌ ومفسدة، وتعذّر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة؛ بُدِئ بالأهمّ؛ لأنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنَّ نَقضَ الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم - عليه السلام - مَصْلحة، ولكن تُعارضه مفسدةٌ أعظم منه، وهي خوفُ فتنة بعض مَنْ أسلمَ قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه مِنْ فَضل الكعبة، فيرون تغييرها عظيماً، فتركها - صلى الله عليه وسلم -. (2) ومنها: فكر وليّ الأمر في مصالح رعيته، واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم، في دِينٍ أو دنيا، إلا الأمور الشّرعيّة كأخذ الزكاة، وإقامة الحُدُود، ونحو ذلك. (3) ومنها: تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم، وألا يُنفّرُوا، ولا يُتعرّض لما يخاف تنفيرهم بسببه، ما لم يكنْ فيه تركُ أمْرٍ شرعي كما سبق. (شرح مسلم). (4) وفيه: أنَّ النَّاسَ كلّهم غَيرُ مَحْجوبينَ عن البَيتِ. (5) وفيه: أنّ الكَعبة هي بَيتُ اللهِ في الأرضِ، وقِبلةُ المسلمينَ، وقد عظَّمَ اللهُ قَدْرَها بيْن الناسِ، حيثُ جَعَلَها مَهوَى القُلوبِ ومَقصداً للحجِّ. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
|
#72
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: تَحْريمُ المَدينة وَصَيْدها وشَجَرها والدُّعاء لها
في الباب ستة أحاديث، رواها مسلم في الحج (2/991) باب: فَضل المدينة ودُعاء النّبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبَركة، وبيان تحريمها وتَحريم صَيدها وشجرها، وبيان حدود حرمتها. الحديث الأول عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، ودَعَا لِأَهْلِها، وإِنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ، كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِها وَمُدِّهَا؛ بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ»، في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأنَّ إبراهيمَ -عليه السلام- حرَّمَ مكَّةَ بِتَحريمِ اللهِ، ودَعا لَها، كما في قَولِه -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (البقرة: 126). قال النووي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ إبْراهيم حَرّم مكة» هذا دليل لمن يقول: إنّ تحريم مكة إنّما هو كان في زَمَن إبراهيم - عليه السلام -، والصّحيح: أنّه كان يوم خلق الله السماوات والأرض. تحريم إبراهيم -عليه السلام- لمكة وذكروا في تحريم إبراهيم -عليه السلام- احتمالين:
![]() الحديث الثاني عن سَعْدٍ بن أَبِي وقاص قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا». وقَالَ: «المَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْها؛ إِلَّا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، ولَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وجَهْدِهَا، إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً، أَوْ شَهِيداً يَوْمَ الْقِيَامَةِ». في هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أُحرِّمُ ما بيْنَ لَابَتَيِ المدينةِ» أي: أنَّها حرَمٌ آمِنٌ، فيَأمَنُ فيها كلُّ شَيءٍ، واللَّابَتانِ: تَثْنيةُ لَابَةٍ، واللَّابَةُ: هي الحَرَّةُ، وهي أرضٌ ذاتُ حِجارةٍ سَوداءَ كأنَّها أُحرِقَتْ بالنَّارِ، فالمَدينةُ زادَها اللهُ -تعالى- شَرفًا بيْنَ حَرَّتينِ في جانَبيِ الشَّرقِ والغَربِ، والحَرَّةُ الشَّرقيَّةُ تُسمّى: حَرَّةُ واقِمٍ، وبها قُباءُ وحِصنُ واقِمٍ، والحرَّةُ الغربيَّةُ هي حَرَّةُ وَبَرةَ، وبها المَسجِدُ المُسمَّى بمَسجِدِ القِبلتَينِ. وحُدودُها مِن جِهةِ الجَنوبِ والشَّمالِ: ما بيْنَ جَبَلَيْ عَيْرٍ وثَوْرٍ، فحَدُّ الحرَمِ النَّبويِّ ما بيْنَ جَبلِ عَيْرٍ جَنوبا، ويَبعُدُ عنِ المسجدِ النَّبويِّ (8,5 كم)، وجَبلِ ثَوْرٍ شَمالًا، ويَبعُدُ عنِ المسجِدِ النَّبويِّ (8كم)، ثُمَّ بيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - المَنْهيَّ عنهُ في تلكَ الحُدودِ، هو عدَمِ قَطعِ العَضاهِ، وهوَ كُلُّ شَجرٍ فيه شَوْكٌ، وعدمِ صَيدِ الحَيواناتِ والطُّيورِ بِها؛ فهيَ مَحْميَّةٌ في تلكَ الحُدودِ. قَوله: «المَدينةُ خيرٌ لَهم لو كانوا يَعلَمونَ» فيه إعلَامُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ببَعضِ فَضائلِ المدينةِ، وقدْ قال ذَلكَ في ناسٍ سَيَترُكونَ المَدينةَ، فالمَدينةُ خيْرٌ لأُولئكَ التَّاركينَ لَها؛ مِن تلكَ البلادِ الَّتي يَترُكونَ المَدينةَ لأَجْلِها، ثُمَّ بيَّنَ أنَّه لا يَدَعُها ويَترُكُها أحدٌ ممَّنِ استَوْطَنَها رَغْبةً عنْها، أي: كَراهةً لَها، أو رَغبةً عن ثَوابِ السَّاكنِ فيها، إلَّا أبْدَلَ اللهُ في المَدينةِ مَن هوَ خيْرٌ مِنه، بمَولودٍ يُولَدُ فيها، أو بمُنتقِلٍ يَنتقِلُ إليها مِن غَيرِها من البلاد. ثُمَّ أخبَرَ أنَّه لا يَثبُتُ أحدٌ، فيَصبِرُ عَلى لأْوَائِها -وهوَ الشِّدَّةُ والجُوعُ- «وجَهدِها» أي: مَشقَّتِها؛ إلَّا كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شَفيعاً، أو شَهيداً له يومَ القِيامةِ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ المَعنى: أنَّ الرَّسولَ - صلى الله عليه وسلم - يَكونُ شَهيداً لبَعضِ أَهلِ المَدينةِ، وشَفيعاً لبَقيَّتِهم، أو يَكونُ شَفيعاً للعاصِينَ، وشَهيداً للمُطيعينَ، أو شَهيداً لِمَن ماتَ في حَياتِه، وشَفيعاً لِمَن ماتَ بعدَه، أو تَكونُ (أو) هُنا بمَعنى الواوِ، ويَكونُ المَعنى: أنَّه يَكونُ شَفيعاً وشَهيداً لَهم. وهَذه خُصوصيَّةٌ لأهل المدينة، وهي غير الشَّفاعةِ للمُذْنِبينَ، أو للعالَمينَ فِي القِيامةِ، وَعلى شَهادتِه عَلى جَميعِ الأُمَّةِ. فوائد الحديث
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
|
#73
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: التَّرْغِيبُ في سُكْنى المَدِينة والصّبرُ على لأوائِها
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ: أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَيَالِي الحَرَّةِ، فَاسْتَشَارَهُ فِي الجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ، وشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا، وكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وأَخْبَرَهُ أَلَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ؛ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعاً، أَوْ شَهِيداً، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا كَانَ مُسْلِماً»، وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَدِمْنَا المَدِينَةَ وهِيَ وبِيئَةٌ فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ، واشْتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - شَكْوَى أَصْحَابِهِ؛ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ؛ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِها وَمُدِّهَا، وحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ»؛ في الباب حديثان رواهما مسلم في الحج (2/1001) وبوّب عليه النووي بمثل تبويب المنذري. الحديث الأول قوله: عن أبي سعيد مولى المهري: «أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة» يعني: الفتنة المشهورة، التي نُهبت فيها المدينة، سنة ثلاث وستين للهجرة.
فوائد الحديث (1) في الحديث الحَثُّ على سُكنى المَدينة، وفَضْل الصّبر على شدائدها، وضِيق العَيْش فيها، وأنَّ هذا الفَضل باقٍ مُسْتمرٌ إلى يومِ القيامة، قال النووي: اختلفَ العُلماء في المجاورة بمكة والمدينة: فقال أبو حنيفة وطائفة: تُكره المُجاورة بمكة؟ وقال أحمدُ وطائفة: لا تكره بل تُستحبّ، وإنّما كرِهها مَنْ كَرهها لأمُور، منها: خوف المَلَل، وقِلّة الحُرْمة للأنس، وخُوف مُلابسة الذُّنوب، فإنَّ الذَّنبَ فيها؛ أقبحُ منه في غيرها، كما أنَّ الحَسَنة فيها أعظمُ منها في غيرها. واحتج من استحبها: بما يحصل فيها مِنَ الطّاعات، التي لا تحصل بغيرها، وتضعيف الصَّلَوات والحسنات، وغير ذلك. قال: والمختار: أنَّ المُجاورة بهما جميعاً مُسْتحبة، إلا أنْ يَغلبَ على ظَنّه الوُقوع في المَحْذُورات المَذكورة، وقد جاورتهما خلائق لا يُحصون مِنْ سلف الأمّة وخلفها، ممن يقتدى به. وينبغي للمجاور: الاحتراز عن المَحْذُورات وأسْبابها. انتهى. (2) خصَّ اللهُ -سُبحانَه وتَعالَى- بعضَ بِقاعِ الأرضِ بِبَركاتٍ لم يَجعَلْها في غيْرِها، وجعَلَ بعضَها مَوطِنَ الشُّرورِ والفِتنِ، وبعضَها مَوطِنَ الخيرِ والبَرَكاتِ، وقدِ اختُصَّتِ المدينةُ النبويَّةُ بكَثيرٍ منَ الخيرِ والبَرَكةِ والفَضلِ. (3) حُبُّ الأوطانِ، والتَّعلُّقُ بها، والحَنينُ إليها؛ فِطرةٌ في النُّفوسِ، لم يُنكِرْها الإسلامُ، وإنَّما وجَّهَها الوِجْهةَ الصَّحيحةَ التي تَخدُمُ دِينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وتُعْلي رايتَه. الحديث الثاني في هذا الحديثِ تَحكي أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنَّه لَمَّا هاجَرَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه إلى المدينةِ، أُصِيبَ أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ وبِلالُ بنُ رَباحٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- بالحُمَّى، فتَكلَّم كلٌّ منْهم بحسَبَ يَقينِه وعِلمِه بعَواقبِ الأمورِ، فتَعزَّى أبو بَكرٍ - رضي الله عنه - عنْدَ أخذِ الحمَّى له كما في الرواية: بقولِه: «كُلُّ امرئٍ مُصبَّحٌ في أهلِه» يعني: كلُّ إنسانٍ يُقال له: صَبَّحَك اللهُ بالخَيرِ، وأنْعَمَ اللهُ -تعالَى- صَباحَك، ونحْوُ ذلك ممَّا يُحيَّا به الإنسانُ مِن أحبابِه، «والمَوْتُ أدْنَى مِن شِرَاكِ نَعْلِهِ» والحالُ أنَّ الموتَ أقرَبُ إليه مِن شِراكِ النَّعلِ -وهو أحَدُ سُيورِ النَّعلِ التي تكونُ على وَجْهِها- قد يَفْجَؤه فلا يُمْسي حيًّا، إشارةً منه لشِدَّةِ قُرْبِ الموتِ مِن كلِّ إنسانٍ، سواءٌ أكان مَريضًا أمْ صَحيحًا. وأمَّا بِلالٌ - رضي الله عنه - فكان إذَا خَفَّت عنْه الحُمَّى وهَدَأَت سَورَتُها، يَرْفَعُ «عَقيرتَه» أي: صَوتَه، بأبياتٍ مِن الشِّعرِ تُعبِّرُ عن حَنينِه، وتَمنِّيه الرُّجوعَ إلى مكَّةَ، الَّتي كانَتْ فيها صِحَّتُه، فهو يَتمنَّى أنْ يَبيتَ لَيلةً واحدةً في وادي مكَّةَ، ويُطفِئَ أشواقَه الحارَّةَ مِن مِياهِ مَجَنَّةَ- وهي: ماءٌ عندَ عُكاظٍ على أميالٍ يَسيرةٍ مِن مكَّةَ بناحيةِ مَرِّ الظَّهرانِ، وكان به سُوقٌ في الجاهليَّةِ- وأنْ يُمتِّعَ ناظرَيْهِ بمُشاهَدةِ الإذْخِر والجَليلِ، وهما نَبْتانِ مِن الكلَأِ طَيِّبِ الرائحةِ يَكونانِ بمكَّةَ، وأنْ يُشاهِدَ شامةَ وطَفِيلًا، وهما جَبَلانِ مُتجاوِرانِ جَنوبَ غرْبِ مكَّةَ على قُرابةِ (90 كم) منها. دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدينة فلمَّا رَأى رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ما نزَل بأصحابِه مِن الحُمَّى والوَباءِ، خَشِي عليهم أنْ يَكرَهوا المدينةَ؛ لِما في النُّفوسِ مِن استِثقالِ ما تَكرَهُه، فدَعا اللهَ أنْ يُحبِّبَ إليهم المدينةَ كحُبِّهم مكَّةَ بلْ أشدَّ، وأنْ يُبارِكَ لهم فيها، فيَزيدَ الخَيرُ، وأنْ يُبارِكَ في صاعِهِم ومُدِّهم، والصَّاعُ: أربعةُ أمدادٍ، والمُدُّ: مِقدارُ ما يَملَأُ الكَفَّينِ، وقدْ دَعا في حَديثٍ آخرَ في الصَّحيحَينِ: بأْن تكونَ البركةُ فيها؛ ضِعْفَيْ بَرَكةِ مكَّةَ، وسَأَلَ اللهَ -تعالَى- أنْ يَرفَعَ الوَباءَ عنهم، وأنْ يَنقُلَه إلى «الجُحفةِ» وخصَّها بذلك؛ لأنَّها كانت إذْ ذاك دارَ شِرْكٍ؛ ليَشتَغِلوا بالوباء والمرض عن مَعونةِ أهْلِ الكفْرِ، والجُحفة مَوضعٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، تَبعُدُ عن مكَّةَ (190 كم). فاستجابَ اللهُ دَعوةَ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فبُورِكَ في أقواتِ المَدينةِ، وأحبَّها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، حُبًّا أدامَه في نُفوسِهم حتَّى ماتوا عليه، ومِن مَظاهرِ ذلك: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، فَرأى المَدِينةَ، جَعَلَ راحلتَه تُسرِعُ؛ مِن حُبِّهَا، كما في صَحيحِ البُخاريِّ. فوائد الحديث (1) أنَّ اللهَ -تعالَى- أباحَ للمُؤمنِ أنْ يَسأَلَ ربَّه صِحَّةَ جِسمِه، وذَهابَ الآفاتِ عنه إذا نزَلَتْ به، كسُؤالِه إيَّاه في الرِّزقِ والنَّصْرِ، وليس في دُعاءِ المؤمنِ ورَغبتِه في ذلك إلى اللهِ -تعالى-؛ لومٌ ولا قَدْحٌ في دِينِه ولا في زُهده. (2) وفيه: العِنايةُ بالناحيةِ الصِّحِّيَّةِ، والاهتِمامُ بجَودةِ الهَواءِ، ونَقاءِ الماءِ، والتَّحذيرُ مِن المِياهِ الراكدةِ المُتغيِّرةِ. (3) وفيه: الدُّعاءُ على الظَّالمينَ والكافرينَ بالوبَاء والمرض. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
|
#74
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: لا يَدْخُلُ المَدينة الطّاعُون ولا الدَّجال
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ»، الحديث رواه مسلم في الحج (2/1005) باب: صِيانة المَدينة مِنْ دُخُول الطّاعُون والدّجال إليها، ورواه البخاري في فضائل المدينة (1880) باب: لا يَدخلُ الدّجال المَدينة، وموضعين آخرين، وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ببَعضِ ما فضَّل اللهُ به المدينةَ النبوية على غيرِها من البلاد والقُرى.
«لا يَدخلها الطّاعون»
خُروجُ المَسيحِ الدَّجَّالِ وخُروجُ المَسيحِ الدَّجَّالِ مِن أشراطِ السَّاعةِ الكُبرى وعَلاماتِها، والدَّجَّالُ مِنَ التَّدْجِيلِ بمعْنى التَّغطيةِ؛ لأنَّه كذَّابٌ يُغَطِّي الحقَّ ويَستُرُه، ويُظهِرُ الباطلَ. وقد أَقْدَره اللهُ -عزَّ وجلَّ- على أشياءَ مِن مَقدوراتِ اللهِ -تعالى-: مِن إحياءِ الميِّتِ الَّذي يَقتُلُه، ومِن ظُهورِ زَهرةِ الدُّنيا والخِصْبِ معه، وجَنَّتِه ونارِه، ونَهْرَيْهِ، واتِّباعِ كُنوزِ الأرضِ له، وأمْرِه السَّماءَ أنْ تُمطِرَ فتُمطِرَ، والأرضَ أنْ تُنبِتَ فتُنبِتَ، فيَقَعُ كلُّ ذلك بقُدرةِ اللهِ -تعالى- ومَشيئتِه، فِتنةً وابتلاءً للناس. وفي الصَّحيحَينِ: مِن حَديثِ أنسٍ - رضي الله عنه - مرفوعاً: «ليسَ مِن بَلَدٍ إلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إلَّا مَكَّةَ والمَدِينَةَ». فامتازتْ هاتانِ المَدينتانِ العَظيمتانِ بهذا. فوائد الحديث
باب: المَدِينَةُ تَنْفِي خَبَثَها عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، والْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ! والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْراً مِنْهُ، أَلَا إِنَّ المَدِينَةَ كَالْكِيرِ، تُخْرِجُ الْخَبِيثَ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»، وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ - رضي الله عنه -: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ -تعالى- سَمَّى الْمَدِينَةَ: طَابَةَ»، الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/1005) باب: المَدِينة تَنْفي شِرَارها. الحَديثِ الأول في الحَديثِ الأول: يُخبِرُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه يَأتي عَلى النَّاسِ زَمانٌ، ينادي الرَّجلُ ابنَ عمِّه وقَريبَه، فيقول له: «هَلُمَّ إلى الرَّخاءِ» يَعني: هيا إلى الخُروجِ منَ المدينةِ، وأسْرِع إلى الرَّخاءِ، يعني بذلك - صلى الله عليه وسلم - أنَّ البلدانَ تُفتَحُ على المُسلمينَ، فتَكثُرُ الأموال والخيراتُ، ويعمّ الرّخاء، فيَركَنُ كَثيرٌ ممَّن خرَج مِنَ المدينة والحِجازِ وجزيرة العَرب، إلى ما وَجَدوا مِن خَيراتٍ بتلك البلادِ المفتوحةِ، فيَتَّخِذونها داراً وموطناً، ويَدْعون إليهم مَن كان بالمدينةِ مِن أهلِهم، لشِدَّةِ العَيشِ بها، وضيق الحَال. والحقّ: أنَّ الإقامةَ في المَدينةِ النّبوية خَيرٌ لهم؛ لأنَّها حَرَمُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وجِوارُه، ومَهبِطُ الوَحْيِ من القرآن الكريم، والسُّنّة النّبوية، ومَنازِلُ الصّحابة الكرام، ولو كانوا يَعلَمون ما في الإقامةِ بها، مِنَ الفَوائدِ والعوائدِ في الدِّينِ والدّنيا، الَّتي يُحتقرُ دُونَها ما يَجِدونه مِن الحُظوظِ الدُّنيويَّةِ الفانيةِ العاجلةِ، في الإقامةِ في غَيرِها من البُلدان والقُرى، لما تركوها، وهاجروا عنها، أو المعْنى: لو كان عِندَهم شَيءٌ مِن العِلمِ، أي: لَيتَهم كانوا مِن أهلِ العِلمِ، تَغليظاً وتَشديداً. قَسَمُ النبي - صلى الله عليه وسلم -
المدينة تُخرِجُ شِرارَ النَّاسِ
من فوائد الحديث:
الحديث الثاني في هَذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم - أنَّ مِن الأسماءِ الَّتي سَمَّى اللهُ -تعالى- بها المَدينةَ: «طابةَ»، والمعنى أنَّ اللهَ -تعالى- سمَّاها كذلك في اللَّوحِ المَحْفوظِ، أو أمَرَ نَبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُسمِّيَها بها، ردّاً على المنافقينَ في تَسميتِها: يَثرِبَ، فروى البخاري في «فضائل المدينة من صحيحه»: عن أبي حُميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: أقبلنا مع النّبي - صلى الله عليه وسلم - مِنْ تَبُوك، حتّى أشْرَفنا على المَدينة، فقال: «هذِه طَابَة». وطابة: اشتقاقُها مِنَ الطِّيبِ، وهو الرَّائِحةُ الحَسَنةُ، أو مِن الشَّيءِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ، لخُلوصِها مِن الشِّركِ والكفر، وتَطهيرِها منه. وقيل: لطِيبِها لساكنِها، وقيل: مِن طِيبِ العَيشِ بها، وقيل: لطِيبِ تُرابِها وهَوائِها. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
|
#75
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَة بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ
عن أَبيِ هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ- يُرِيدُ الْمَدِينَةَ- أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ». (1386/493)، الحديث رواه مسلم في الحج (2/1007) وبوّب عليه بمثل تبويب المنذري، وراه البخاري في فضائل المدينة (1877) باب: إثم مَن كاد أهل المدينة، عن سعد - رضي الله عنه -، بلفظ: «لا يَكِيدُ أهْلَ المَدِينَةِ أحَدٌ، إلَّا انْمَاعَ كما يَنْمَاعُ المِلْحُ في المَاء»ِ. في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ اللهَ -سُبحانَه وتعالى- يدافِعُ عن المدينةِ وأهلِها المؤمنِينَ الصَّالحينَ، ومِن ذلك: أنَّه لا يَمكُرُ أحَدٌ بأهلِ المدينةِ، ويُدبِّرُ لهم الأَذَى في العَلَنِ أو الخَفاءِ؛ إلَّا أهلَكَه اللهُ وأزالَه مِن الوُجودِ سَريعاً، كما يَذُوبُ المِلحُ في الماءِ؛ وفي رواية مسلم: «مَنْ أرادَ أهلها بسُوء أذابه الله، كما يذوبُ المِلح في الماء». وقوله: «إلا انْماع» أي: ذاب. فمَن أرادَ المَكرَ بهم لا يُمهِلُه اللهُ -تعالى-، ولا يُمكِّنُ له سُلطاناً عليهم، بل يُذهِبُه عن قَريبٍ، كما هو شأنُ كلّ مَنْ حارَبَها على مرّ الأيام في التاريخِ، وقيل: مَن أرادَها في حَياةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بسُوءٍ اضمَحلَّ أمْرُه، والصواب: أنّ ذلك عام. وقيل: المُرادُ العَذابُ له في الآخِرةِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ: «لا يُريدُ أحَدٌ أهلَ المدينةِ بِشَرٍّ إلَّا أذابَه اللهُ في النَّارِ ذَوْبَ الرَّصاصِ»، فجَعَلَ العِقابَ له في نارِ جَهنَّمَ. قال عياض: هذه الزيادة تدفع إشكال الأحاديث الأخر، وتوضّح أنّ هذا حُكمه في الآخرة. قال: ويحتمل أنْ يكون المراد: لمَنْ أرادها في الدُّنيا بسوء، وأنّه لا يُمْهل بل يذهب سلطانه عن قرب، كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره، فإنّه عُوجل عن قرب، وكذلك الذي أرسله. قال: ويحتمل أنْ يكون المراد من كادها اغتيالاً، وطلباً لغرّتها في غفلةٍ فلا يتمّ له أمْر، بخلاف مَنْ أتى ذلك جهاراً كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره. وروى النسائي: من حديث السائب بن خلاد رفعه: «مَنْ أخَافَ أهلَ المدينةٍ ظَالماً لهم؛ أخافَه الله، وكانتْ عليه لعنةُ الله» الحديث. ولابن حبان نحوه من حديث جابر. (فتح الباري) (4/94). فوائد الحديث
باب: التّرْغيبُ في المقام بالمدينة عند فتح الأمصار عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ - رضي الله عنه -: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ ومَنْ أَطَاعَهُمْ، والْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ؛ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، والْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ ومَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»، الحديث رواه مسلم في الحج (2/1008) وبوب عليه بمثل تبويب المنذري. في هذا الحَديثِ يَرْوي الصَّحابيُّ سُفيانُ بنُ أبي زُهيرٍ وهو الأزديُّ - رضي الله عنه -، أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخبَرَ عن مُدُنٍ ستُفتَحُ للصحابة ومنْ بعدهم من الأمّة الإسلامية، وقد وَقَعَ ما أخبَرَ به -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- كما قال، وعلى التَّرتيبِ المذكورِ في الحديثِ. ![]() فتح اليمن فأخبَر - صلى الله عليه وسلم - أولاً: أنَّه ستُفتَحُ اليمنُ، وسُمّيت يَمناً؛ لأنّها يمين الكعبة، أو الشّمس، أو باسم: يمن بن قحطان. قال: فيُعجِبُ قَوماً مِن الصحابة وغيرهم بِلادُها، وطيب عَيشُ أهْلِها، فيَحمِلُهم ذلك على المُهاجَرةِ إليها بأنفُسِهم وأهْلِيهم، حتَّى يَخرُجوا مِن المدينةِ؛ والحقيقة أنَّ الإقامةَ في المدينةِ خَيرٌ لهم؛ لأنَّها حرَمُ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وجِوارُه، ومَهبِطُ الوحْيِ، ومَنزِلُ البَرَكاتِ، لو كانوا يَعلَمون ما في الإقامةِ بها؛ مِنَ الفَوائدِ والعوائدِ في الدِّينِ والدُّنيا، والتي يُحتقرُ دُونَها، كلّ ما يَجِدونه مِن الحُظوظِ الدُّنيويَّةِ الفانيةِ العاجلةِ، في الإقامةِ في غَيرِها منَ البُلدان. قال المناوي: وجواب «لو» محذوف، أي: لو كانُوا مِنَ العُلماء؛ لعلموا أنّ إقامتهم بالمدينة أولى، وقد تجعل للتمني فلا جواب لها، وكيفما كان؛ ففيه تجهيلٌ لمَن فارقها، لتَفْويته على نفسِه خيراً جَسيماً. انتهى. أو يكون معْنى: «لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» أي: لَيتَهم كانوا مِنْ أهلِ العِلمِ؛ تَغليظاً وتَشديداً عليهم، وذمّاً لهم, وقوله: «يُبِسُّونَ» أي: يسُوقُون دَوابَّهُم، والبَسُّ: هو سَوق بلين، تقولُ: بِسْ بِسْ، عند السَّوقِ وإرادةِ السُّرعةِ. قال الشّرّاح: والوصْفُ بـ«يُبِسُّون» وهو سَوقُ الدَّوابِّ، يُشعِرُ برَكاكةِ عُقولِهم، وأنَّهم ممَّن رَكَنَ إلى الحُظوظِ البَهيميَّةِ، وحُطامِ الدُّنيا الفانيةِ العاجِلةِ، وأعْرَضوا عن الإقامةِ في جِوارِ الرَّسولِ -[-، ولذلك كُرِّرَ «قَوماً»، ووُصِفَ في كلِّ قَرينةٍ بـ«يُبِسُّون»، استِحقاراً لتلك الهَيئةِ القَبيحةِ. - ثمَّ أخبَر - صلى الله عليه وسلم - عن فتْحِ الشَّامِ، وتَضُمُّ حاليًّا الأُردنَّ، وفِلسطينَ، وسُوريَّةَ، ولُبْنانَ، فذكر فيهم مثلَ ما سبق في اليمن. - ثمّ أخبر عن فتْحِ العِراقِ أيضًا، وأنَّ النَّاسَ يَزحَفون إليهما طَلَباً للرَّخاءِ، على نحْوِ ما ذَكَرَ في اليمَنِ، لكنَّ المدينةَ خَيرٌ لهم، لو كانوا يعلمون. وهذا كلّه: هو فيمَن خَرَجَ راغباً عن سُكنى المَدينةِ، وتحوّل لغيرها منَ البلاد لأجل طلب الدّنيا ومتاعها، أمَّا مَن خَرَجَ من المدينة لحاجةٍ؛ كجِهادٍ أو تِجارةٍ أو زيارة أو دعوة إلى الله، وتعليم العِلم للناس، فليس داخلًا في معْنى الحديثِ. فوائد الحديث
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
|
#76
|
||||
|
||||
|
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم .. باب: في المَدينة حِينَ يَتْركها أهلُها
عن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَتْرُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لَا يَغْشَاهَا إِلَّا العَوَافِي- يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ- ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا، فَيَجِدَانِهَا وَحْشاً، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ؛ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا»، الحديث رواه مسلم في الحج (2/1009) باب: في المدينة حينَ يَتركها أهلُها، ورواه البخاري في كتاب فضائل المدينة (1775) باب: مَنْ رَغِبَ عن المدينة.
قوله: «لَا يَغْشَاهَا إِلَّا الْعَوَافِي» «والعَوَافي» جمع عافية، وهي التي تطلبُ أقْواتها، ويقال للذّكر: عاف، قال ابن الجوزي: اجتمعَ في العوافي شيئان: أحدهما أنّها طالبةٌ لأقواتها، مِنْ قولك: عفوتُ فُلاناً أعْفوه، فأنا عاف، والجمع عُفاة، أي: أتيتُ أطلبُ معروفه، والثاني: من العَفاء، وهو المَوضع الخالي الذي لا أنيسَ به، فإنّ الطّير والوَحْش تقصده لأمْنِها على نفسها فيه. وقال النووي: المختار أنّ هذا التّرك يكون في آخِر الزمان، عند قيام السّاعة، ويُؤيّده قصة الراعيين، فقد وقع عند مسلم بلفظ: «ثُمّ يُحْشَر رَاعيان» وفي البخاري «أنّهما آخرُ مَنْ يُحْشَر». قال الحافظ: قلت: ويؤيده ما روى مالك، عن ابن حماس بمهملتين وتخفيف، عن عمه عن أبي هريرة رفعه: «لتَتركنّ المَدينة على أحْسَن ما كانَت، حتّى يَدْخلَ الذّئبُ فيَعْوي على بعضِ سَوارِي المَسْجد، أو على المِنْبر» قالوا: فلمَنْ تكونُ ثِمَارها؟ قال: «للعَوافي الطّير والسّبَاع» أخرجه معن بن عيسى في «الموطأ» عن مالك. قال: ويشهدُ له أيضا ما روى أحمد والحاكم وغيرهما: مِنْ حديث محجن بن الأدرع الأسلمي قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، ثمّ لَقِيني وأنا خارجٌ مِنْ بعض طُرُق المدينة، فأخَذَ بيدي حتّى أتينا أُحُداً، ثُمّ أقبلَ على المدينة، فقال: «ويلٌ أمّها قرية، يوم يدَعُها أهلُها كأينع ما يكون» قلت: يا رسُول الله، مَنْ يأكل ثمارها؟ قال: «عافية الطير والسباع». وروى عمر بن شبّة بإسنادٍ صحيح: عن عوف بن مالك قال: دَخَلَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، ثُمّ نَظَر إلينا فقال: «أما والله ليَدَعنها أهلُها مُذلّلة أربعينَ عاماً للعَوَافِي، أتدرُون ما العَوافي؟ الطّير والسباع»، قلت: وهذا لم يقع قطعا، وقال المهلب: في هذا الحديث أنّ المدينة تسكن إلى يوم القيامة، وإنْ خلت في بعض الأوقات لقصد الراعيين بغنمهما إلى المدينة. قوله: «وآخر مَنْ يُحْشَر راعيان من مزينة» مِن مُزَينةَ وهي قَبيلةٌ مِن مُضَرَ، مِن قَبائلِ العرَبِ، وهذا يحتمل أنْ يكون حديثا آخر مُسْتقلاً، لا تَعلّق له بالذي قبله، ويَحتمل أنْ يكون مِنْ تتمة الحديث الذي قبله، وعلى هذين الاحتمالين يترتّب الاختلاف الذي حكيته عن القرطبي والنووي، والثاني أظهر كما قال النووي. قوله: «يَنْعقان» بكسر المُهملة بعدها قاف، النَّعِيق: زَجْر الغَنَم، يقال: نَعق ينعق بكسر العين وفتحها، نِعيقاً ونعاقاً ونعقاناً، إذا صَاح بالغَنَم، وأغرب الداودي فقال: معناه يطلب الكلأ، وكأنّه فسّره بالمقصود مِنَ الزّجر؛ لأنّه يَزْجرها عن المَرْعى الوبيل، إلى المرعى الوسيم. قوله: «فيَجِدَانها وُحُوشاً» أي: يجدانها ذاتَ وَحْش، أو يجدان أهْلَها قد صَارُوا وُحوشاً، وهذا على أنّ الرواية بفتح الواو أي: يجدانها خالية، وفي رواية مسلم: فيجدانها وَحْشاً، أي: خالية ليس بها أحد، والوحش مِنَ الأرض الخَلاء، أو كثرة الوَحْش لمّا خَلَت مِنْ سُكانها. قال النووي: الصّحيح أنّ معناه: يَجدانها ذات وُحوش، قال: وقد يكون وَحْشاً بمعنى وُحُوش، وأصل الوحش: كلّ شَيءٍ تَوحشّ مِنَ الحَيَوان، وجمعه وُحُوش، وقد يعبر بواحده عن جمعه. قال النووي: الصّواب الأول، وقال القرطبي: القُدْرة صالحة لذلك. ويؤيده أنّ في بقية الحديث: «أنّهما يَخرّان على وجوههما، إذا وصلا إلى ثنيّة الوداع». وذلك قبل دخولهما المدينة بلا شك، فيدلّ على أنّهما وَجَدا التّوحّش المذكور قبل دخول المدينة، فيُقوي أنّ الضّمير يَعودُ على غنمهما، وكأنّ ذلك مِنْ عَلاماتِ قِيام السّاعة. وثنِيَّةُ الوَداعِ: هي الَّتي مِن جِهةِ تَبوكَ في طَريقِ الذَّاهبِ مِنَ المدينةِ إلى الشَّامِ، وسُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّهم كانوا يُشيِّعونَ الحاجَّ والغُزاةَ إليها ويُودِّعونهم عندَها، وهي اليومَ في قلْبِ عُمْرانِ المُدينةِ. قوله: «وآخِرُ مَنْ يَحشر» في رواية مسلم: «ثُمّ يَخْرُجُ راعيان مِنْ مُزينة، يُريدان المدينة» لمْ يذكر في الحديث: حشرهما، وإنّما ذكر مقدمته؛ لأنّ الحَشْر إنّما يقع بعد الموت، فذكر سبب موتهما والحشر يعقبه. وقولُه: «آخِرُ مَن يُحشَرُ» أي: آخِرُ مَن يَموتُ؛ وذلك أنَّه لا حَشْرَ إلَّا بعْدَ الموتِ، ويَحتمِلُ أنْ يَتأخَّرَ حَشْرُهما لتَأخُّرِ مَوتِهما، ويَحتمِلُ آخِرُ مَن يُحشَرُ إلى المدينةِ، أي: يُساقُ إليها. قوله: «حتَّى إذا بَلَغا ثَنيَّةَ الوَداعِ» أي: على مَدخلِ المدينةِ؛ سَقَطَا على وُجوهِهما ميِّتَينِ قد قُبِضَا. وقوله: «خَرّا على وُجُوههما» أي: سَقَطا مَيّتين، أو المُراد بقوله: خَرّا على وجوههما، أي: سقطا بمَنْ أسْقطهما، وهو المَلَك كما تقدم في رواية عمر بن شبة. وفي رواية للعقيلي: «أنهما كانا ينزلان بجبل ورقان» وله من حديث حذيفة بن أسيد: أنهما يفقدان الناس فيقولان: ننطلق إلى بني فلان، فيأتيانهم فلا يجدان أحداً، فيقولان: ننطلق إلى المدينة، فينطلقان فلا يجدان بها أحداً، فينطلقان إلى البقيع فلا يريان إلا السباع والثعالب. وهذا يُوضّح أحد الاحتمالات المتقدمة، وقد روى ابن حبان: عن أبي هريرة رفعه: «آخر قرية في الإسلام خراباً المدينة» وهو يناسب كون آخر مَنْ يحشر يكون منها. تنبيه: أنكرَ ابنُ عمر على أبي هريرة تعبيره في هذا الحديث بقوله: «خير ما كانت» وقال:» إنّ الصّواب أعْمَرَ ما كانت»، أخرج ذلك عمر بن شبة في «أخبار المدينة» من طريق مساحق بن عمرو: أنّه كان جالساً عند ابن عمر، فجاء أبو هريرة فقال له: لم ترد على حديثي؟ فوالله لقد كنتُ أنا وأنتَ في بيتٍ حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَخرجُ منْها أهلُها خَير ما كانت». فقال ابن عمر: أجل، ولكنْ لمْ يقلْ: «خير ما كانت»، إنما قال: «أعمر ما كانت»، ولو قال: «خير ما كانت» لكان ذلك وهو حيٌّ وأصحابه، فقال أبو هريرة: صدقت والذي نفسي بيده». فوائد الحديث
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |