|
|||||||
| ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة بين المسلمين: (1) الشرك الأكبر أبو حاتم سعيد القاضي الحمد لله الذي أرسل رسوله بدين الحق المُبين، وأرسل رسوله الأمين هدايةً للعالمين، وأمَر عباده المؤمنين بطاعته، وحذَّرهم مغبَّة معصيته، وجعل لمن تمسك بشريعته أعظم الثواب، وتوعَّد مَن تعدى على حِماه بأشد العقاب. وصلِّ اللهم على نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم خير المرسلين، كان أحرص الناس على طاعة ربه على الدوام، وأبعدهم عن ارتكاب المعاصي والآثام، وبعد: فيومًا ما وقعَتْ عيني على كتاب "الكبائر" للإمام الحافظ شمس الدين الذهبي رحمه الله، ولما قرأت مقدمة المحقق وجدت أن من المحققين من يطعن في نسبة النسخة المشهورة بين الناس، ويدعي أنها مكذوبةٌ عليه، وأن النسخةَ الصحيحة أصغرُ من هذه بكثيرٍ، وأتوا على ذلك بدلائلَ، وإن كنت أرى فيها نظرًا. ثم طالعتُ كتاب "الزواجر" لأبي العباس ابن حجرٍ الهيتمي رحمه الله، وهو مِن أفضل ما كُتب في الباب، وإن لم يكن قد اشتهر كشهرة كتاب الذهبي؛ لعلو رتبة الذهبي العلمية عن ابن حجرٍ الهيتمي بكثيرٍ، وإذا بابن حجر رحمه الله يقول في مقدمة كتابه [1]: ظفرتُ بكتابٍ في الكبائر، منسوبٍ لإمام عصره، وأستاذ أهل دهره، الحافظ أبي عبدالله الذهبي، فلم يشفِ الأُوام، ولا أغنى عن ذلك المرام، لما أنه استروح فيه استرواحًا تجل مرتبته عن مثله، وأورد فيه أحاديثَ وحكاياتٍ لم يعزُ كلًّا منها إلى محله، مع عدم إمعان نظره في تتبع كلام الأئمة في ذلك، وعدم تعويله؛ اهـ. ثم وقفتُ على كلامٍ لأحد مشايخ المحققين في زماننا أبي عبيدٍ مشهور آل سلمان حفظه الله في تحقيقه الفريد لكتاب الذهبي؛ فقد قال [2]: ما زال هذا البابُ يحتاج إلى جهدٍ متميزٍ في الحصر والاستقراء، مع حسن التبويب، والتخريج، وأثر الذنوب على الأمم والشعوب؛ اهـ. فلما جُلْتُ في كتاب ابن حجرٍ إذا به يصل بالكبائر إلى أكثرَ من أربعمائة، وإن كان قد رد بعض ما ذكره منها، لكنه أقر أكثرها، وإذا به يقع في بعض ما عابه على الذهبي رحمه الله مِن ذكر الأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة في بعض الأحيان، ثم توسَّع فذكر في كتابه أبوابًا ليست من صُلب الكتاب. وبدأتُ أفتش في مصنفات العلماء الأولين باحثًا عمن كتب في الكبائر. وبعد النظر، أجمعتُ العزم مستعينًا بالله القوي على وضع كتابٍ في هذا الباب، ليس بالطويل الممل، ولا بالمختصر المخل، يشبع الرجل العامي، ويرضي طالب العلم، أحاول - جَهدي ما استطعت - أن أجمعَ فيه ما ذكره أهل العلم في الكبائر، مدعمًا ذلك بدليله من كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، مبينًا صحةَ الحديث مِن ضعفه. وقد فرغتُ من هذا الكتاب في ٢٣ صفر ١٤٣٧، وأسميته: "الجامع لكبائر الذنوب))، ولم يتيسر طبعه إلى الآن؛ فمِن باب نشر العلم النافع أحببت أن أنشر بعض الكبائر المنتشرة بين المسلمين بكثرة، في مقالات متتابعة؛ لعل اللهَ ينفع بذلك أحدًا من المسلمين. وقد سبق لي نشرُ مقالة في تعريف الكبيرة، وهذه أول كبيرة أنشرها على هذا الموقع المبارك، أسأل اللهَ أن يجزي القائمين عليه خيرَ الجزاء. الكبيرة الأولى: الشرك الأكبر: أمَر الله عباده أن يُفرِدوه بالعبادة والألوهية، وألا يتخذوا معه شريكًا يعبدونه معه، أو يعبدونه مِن دون الله، فقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]. وجاءت دعوةُ الرسل عليهم السلام بذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾ [الأحقاف: 21]. والإشراك بالله تعالى كبيرةٌ مِن أعظم الكبائر؛ لما يلي: 1- نصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أن الإشراكَ بالله أكبرُ الكبائر: عن أبي بكرةَ رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبِّئكم بأكبرِ الكبائر؟)) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ((الإشراكُ بالله، وعقوق الوالدين))، وجلَس وكان متكئًا فقال: ((ألا وقولُ الزور)) [3]. وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: ذكَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الكبائرَ - أو سُئل عن الكبائر - فقال: ((الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين))، وقال: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟))، قال: ((قول الزور - أو قال: شهادة الزور -))، قال شعبة: وأكبر ظنِّي أنه شهادة الزور [4]. وعن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: ((الإشراك بالله))، قال: ثم ماذا؟ قال: ((ثم عقوق الوالدين))، قال: ثم ماذا؟ قال: ((اليَمين الغَموس))، قلت: وما اليمين الغَموس؟ قال: ((الذي يقتطع مالَ امرئٍ مسلمٍ، هو فيها كاذبٌ)) [5]. وفي لفظٍ [6]: عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكبائر: الإشراكُ بالله، وعقوق الوالدَين، وقتل النفس، واليمين الغَموس)). وعن أبي أيوب رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن جاء يعبُد الله لا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر - فإن له الجنةَ))، وسألوه: ما الكبائر؟ قال: ((الإشراك بالله، وقتل النفسِ المسلمة، وفرارٌ يومَ الزحف)) [7]. وقال طيسلة بن مياسٍ رحمه الله: كنتُ مع النَّجداتِ، فأصبت ذنوبًا لا أراها إلا مِن الكبائر، فذكرتُ ذلك لابن عمر، قال: ما هي؟ قلت: كذا وكذا، قال: ليست هذه من الكبائر، قلت: وأصبتُ كذا وكذا، قال: ليس من الكبائر، هن تسعٌ وسأعُدُّهن عليك: الإشراك بالله، وقتل نَسَمةٍ، والفرار من الزحف، وقذف المحصَنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإلحادٌ في المسجد، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين مِن العقوق. قال طيسلة: لما رأى ابنُ عمر فَرَقي قال لي: أتفرَقُ النار، وتحبُّ أن تدخل الجنة؟ قلت: إي والله، قال: أحيٌّ والدُك؟ قلت: عندي أمي، قال: فوالله لو ألَنْتَ لها الكلام، وأطعمتَها الطعامَ، لتدخُلَنَّ الجنةَ، ما اجتنبتَ الكبائر" [8]. وعن عُبيد بن عميرٍ رحمه الله قال: الكبائر سبعٌ، ليس منهن كبيرةٌ إلا وفيها آيةٌ مِن كتاب الله؛ الإشراك بالله منهنَّ: ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [الحج: 31]، و﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ﴾ [النساء: 10]، و﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ﴾ [البقرة: 275]، و﴿ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [النور: 23]، والفرار مِن الزحف: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15]، والتعرُّب بعد الهجرة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ [محمد: 25]، وقتل النفس" [9]. 2- نصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أن الإشراك بالله مِن أعظمِ الذنوب: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: ((أن تجعَلَ لله ندًّا وهو خلَقك))، قلت: إن ذلك لعظيمٌ، قلت: ثم أيُّ؟ قال: ((وأن تقتُلَ ولدَك تخاف أن يطعَمَ معك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تُزانِيَ حليلةَ جارك)) [10]. وفي روايةٍ [11]: قال: ونزلَتْ هذه الآية تصديقًا لقولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [الفرقان: 68]. 3- نصَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أن الإشراكَ بالله مِن الموبِقات: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبعَ الموبِقاتِ))، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشركُ بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذفُ المحصَنات الغافلات المؤمنات)) [12]. 4- مَن أشرَك بالله عز وجل، فقد توعَّده الله بالعذاب الأليم، والخلود في نار الجحيم: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]. وقال جل شأنه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 - 70]. 5- اللهُ عز وجل قد يغفِر للعبد أيَّ ذنبٍ إلا الشِّركَ: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48]. 6- سمى اللهُ الشِّركَ ظلمًا عظيمًا: قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لما نزلت: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]، شقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: ((ليس ذلك؛ إنما هو الشركُ، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنِه وهو يعظه: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]؟)) [13]. والشركُ شركانِ: أكبر، وأصغر. والشرك الأكبر هو: صرفُ شيءٍ من أنواع العبادة لغير الله؛ مِن شجرٍ، وحجرٍ، وشمس، وقمرٍ، وإنسانٍ؛ كدعاء غير الله، والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله، والخوف من الموتى اعتقادًا أنهم يضرُّون وينفعون، ورجاء غير الله فيما لا يقدِر عليه إلا اللهُ، ونحو ذلك. وعند إطلاقنا لكلمة "الشرك" فإنما يراد بها الشركُ الأكبر غالبًا. ومِن صور الشرك الأكبر: 1- الذبحُ لغير الله؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾ [الأنعام: 121]. وقال سبحانه: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ [المائدة: 3]. وعن أبي الطُّفَيلِ عامر بن واثلةَ رضي الله عنه، قال: كنتُ عند علي بن أبي طالبٍ، فأتاه رجلٌ فقال: ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسرُّ إليك؟! قال: فغضِب، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسرُّ إليَّ شيئًا يكتُمُه الناسَ، غيرَ أنه قد حدثني بكلماتٍ أربعٍ، قال: فقال: ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: قال: ((لعَن اللهُ مَن لعن والده، ولعن الله مَن ذبَح لغير الله، ولعن الله مَن آوى محدِثًا، ولعن الله مَن غيَّر منارَ الأرض" [14]. وقد عدَّ الذبحَ لغير الله في الكبائر: الذهبيُّ، وابن القيم، وابن نُجَيم، وابن حجر، والسيواسي- رحمهم الله [15]. 2- النذر لغير الله؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾ [الأنعام: 145]. وعن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن نذَر أن يُطيعَ اللهَ فليُطِعْه، ومَن نذَر أن يعصيَه فلا يعصِه)) [16]. 3- الاستغاثةُ بغير الله، أو دعاءُ غيرِ الله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾[يونس: 106]. وقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]. وقال سبحانه - عن نبيِّه إبراهيمَ -: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مريم: 48]. 4- الاستعاذةُ بغير الله؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]. 5- التبرُّكُ بشجرٍ أو حجَرٍ أو ميتٍ: عن أبي واقدٍ الليثي رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا خرَج إلى حُنينٍ، مرَّ بشجرةٍ للمشركين يقال لها: ذاتُ أنواطٍ، يعلِّقون عليها أسلحتَهم، فقالوا: يا رسولَ الله، اجعَلْ لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهم ذاتُ أنواطٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! هذا كما قال قومُ موسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، والذي نفسي بيده، لتركَبُنَّ سنَّة مَن كان قبلكم)) [17]. ولا يظننَّ ظانٌّ أن الشركَ الأكبر لا يوجد في هذه الأمة في هذه الزمان الذي نعيشه، لا والله، إنه واقعٌ مشاهَدٌ، ولو أنك ذهبتَ عند قبر السيد البدوي في طنطا، أو قبر إبراهيم الدسوقي في كفر الشيخ، أو القبر المنسوب للحسين رضي الله عنه في القاهرة - لرأيتَ مسلمين يدعون غيرَ الله، ويستغيثون بغير الله، ويتبرَّكون بموتى لا يملِكون حولًا ولا قوةً، بل لوجدتَ بعضهم يظن أن هذا الميتَ ينفع ويضرُّ، وما هذا إلا بسبب انتشارِ الجهل، وقلة العلم، نسأل اللهَ أن يُصلِحَ أحوال المسلمين. إنكار وجود الرب: ذكَر بعضُهم في الكبائر: إنكار وجود الرب [18]، وهو داخلٌ تحت الشرك، ولا لحاجة لتخصيصه بالذِّكر في الكبائر، فلا أعلم دليلًا خاصًّا أذكُرُه به في الكبائر، وكل ذنبٍ هو كفرٌ بالله تعالى فهو كبيرةٌ عظيمةٌ ولا ريب، والله أعلم. [1] "الزواجر" (1/ 4). [2] الكبائر (22). [3] أخرجه البخاري (2654)، ومسلم ( 87). [4] أخرجه البخاري (2653)، ومسلم (88). [5] أخرجه البخاري (6920). [6] أخرجه البخاري (6675). [7] حسن بطرقه: أخرجه أحمد (5/ 413)، والنسائي (4009)، والحاكم (1/ 23). [8] إسناده حسن: أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (8)، والطبري في "التفسير" (6/ 646)، وغيرهما. قلت: فيه طيسلة بن علي، ويقال: ابن مياس، وثقه يحيى، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى عنه غير واحد، وأخرجه البيهقي في "السنن" (3/ 409) مرفوعًا، وفيه أيوبُ بن عتبة ضعيفٌ. [9] صحيح: أخرجه أبو عبيد في الأموال (531)، وابن زنجويه (770)، والطبري (6/ 643)، وغيرهم. [10] أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86). [11] أخرجها البخاري (4761). [12] أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89). [13] أخرجه البخاري (3360). [14] أخرجه مسلم (1978). [15] "الكبائر" ن1 (407)، "إعلام الموقعين" (6/ 572)، "شرح رسالة الصغائر" (50) ، "الزواجر" (1/ 350)، ولفظ الذهبي: مَن ذبح لغير الله تعالى، مثل أن يقول: باسم سيدي الشيخ.. وقال ابن حجر: الذبح باسم غير الله. [16] أخرجه البخاري (6696). [17] إسناده صحيح: أخرجه الترمذي (2180)، وأحمد (5/ 218)، وابن حبان (6702). [18] "تحذير ذوي البصائر" (46).
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-10-2025 الساعة 04:43 PM. |
|
#2
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة بين المسلمين (2) الطيرة أبو حاتم سعيد القاضي التطيُّر كبيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بالشرك: عن عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطِّيَرةُ شِركٌ، الطِّيَرة شركٌ، ولكن الله عز وجل يُذهِبه بالتوكل))[1]. ويُروى عن عمران بن حصينٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا مَن تَطيَّر أو تُطيِّر له، أو تَكهَّن أو تُكهِّن له، أو سحَر أو سُحِر له، ومَن عقد عقدةً، ومَن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفَر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم))[2]. وقد عدَّ الطِّيَرةَ في الكبائر: الذهبيُّ، وابن القيم، وابن النحاس، والحجاوي، وابن حجر، والسفاريني رحمهم الله[3]. قلت: الطِّيَرة: التشاؤم بالشيء، وقد تكون شركًا أكبر إذا اعتقد الإنسانُ أن ما تطيَّرَ به هو الفاعلُ في الحقيقة، وهو الذي يضره وينفعه، كما كان يفعل أهلُ الشِّرك في الجاهلية. وقد تكون شِركًا أصغر إذا اعتقد المتطير أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله، ولكنه جعل المُتطيَّرَ به سببًا لذلك الضر أو النفع، فجعل سببًا ما لم يجعله اللهُ سببًا، والله أعلم. [1] إسناده صحيح: أخرجه أبو داود (3910)، وابن ماجه (3538)، وأحمد (1/ 440)، والبخاري في "الأدب المفرد" (909)، قال العظيم آبادي: "الطيرة شركٌ"؛ أي: لاعتقادهم أن الطِّيرةَ تجلب لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًّا، فإذا عملوا بموجبها فكأنهم أشركوا بالله في ذلك، ويسمى شركًا خفيًّا، ومَن اعتقد أن شيئًا سوى الله ينفع أو يضر بالاستقلال فقد أشرك شركًا جليًّا، وقال القاضي: إنما سماها شركًا؛ لأنهم كانوا يرون ما يتشاءمون به سببًا مؤثرًا في حصول المكروه، وملاحظة الأسباب في الجملة شركٌ خفي، فكيف إذا انضم إليها جهالةٌ وسوءُ اعتقادٍ؟ "تحفة الأحوذي" (5/ 197). [2] معلول: أخرجه البزار (3578)، والطبراني في "الكبير" (355)، عن الحسن، عن عمران، وهذا منقطعٌ، وقد حسَّنه بعضُ أهل العلم بشواهده؛ انظر: "السلسلة الصحيحة" (2195). [3] "الكبائر" ن1 (426)، " إعلام الموقعين" (6/ 578)، "تنبيه الغافلين" (209)، "الإقناع" (4/ 438)، "الزواجر" (1/ 248)، "شرح منظومة الكبائر" (393)، قال الذهبي: ويحتمل ألا تكون كبيرةً، وقال ابن القيم: وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الطِّيَرة شركٌ))، فيحتمل أن يكون مِن الكبائر، وأن يكون دونها، وقال ابن حجرٍ: ترك السفر والرجوع منه تطيرًا، قال: عد هذا هو ظاهر الحديث، وينبغي حملُه على ما إذا كان معتقدًا حدوث تأثيرٍ للتطير، وهذه الكبيرة في ن1 من كبائر الذهبي، وليست في ن2.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-10-2025 الساعة 04:44 PM. |
|
#3
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (3) أبو حاتم سعيد القاضي الرياء الرِّياء كبيرةٌ مِن أعظم الكبائر، إنها الداء العُضال الذي استشرى في الأُمَّة، وتَمَكَّن مِن قلوب كثير مِن المسلمين، إنه وربِّ الكعبة مِن أعظم أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة، إن المرائي يبْأس في حياته، ويرى العذاب الأليم بعد وفاته، فواحسرتاه على عبدٍ كان حظُّه من عمله ثناء الناس عليه! ويا لشقاء عبدٍ جاء يوم القيامة بحسنات هائلة ثم ضاعتْ عليه، وذهبتْ أدراج الرياح! مِن الأدلة على أن الرِّياء من كبائر الذنوب: 1- أنَّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم سمَّياه شِركًا؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]. قال الطبَري رحمه الله: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ يقول: فلْيُخلص له العبادة، وليُفردْ له الربوبية، ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ يقول: ولا يجعل له شريكًا في عبادته إياه؛ وإنما يكون جاعلًا له شريكًا بعبادته إذا راءى بعمَله الذي ظاهره أنه لله، وهو مُريدٌ به غيرَه. وأخرج أحمدُ بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ أخوفَ ما أخاف عليكم الشِّرك الأصغر))، قالوا: وما الشركُ الأصغرُ يا رسول الله؟ قال: ((الرِّياء، يقول الله عز وجل لهم يومَ القيامة إذا جُزي الناسُ بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تُراؤون في الدنيا، فانظروا: هل تجِدون عندهم جزاءً؟)). وفي لفظ عن محمود قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم إيَّاكم وشرك السَّرائر))، قالوا: وما شركُ السرائر؟ قال: ((أنْ يقومَ أحدُكم يُزيِّن صلاته جاهدًا؛ لينظُرَ الناسُ إليه، فذلك شِركُ السرائر)). لقد بذل جهدًا عظيمًا، واجتهد في فِعْل الطاعات، لكن واحسرتاه لقد ذَهَب عملُه هباءً؛ لأنه راءى به، ولم يُرِدْ به وجهَ ربِّه سبحانه، فاحذرْ يا أخي أن تعملَ عملًا ترجو به غير وجه الله سبحانه، واجعلْ شعارك: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9، 10]. 2- أن الله تعالى توعَّد المرائين بالويل: قال الله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4 -7]، توعَّدهم بالويل والعذاب في جهنم عياذًا بالله. 3- أن الله توعَّد المرائين بحبوط أعمالهم: قال الله تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّرْك، مَنْ عمِل عمَلًا أشْركَ فيه معي غيري تركتُه وشِركَه))؛ أخرجه مسلم. قال ابنُ الجوزي رحمه الله: "اعلمْ أن الأعمال ثلاثة: عمَلٌ خالص لله، وهو ما لم يُقصد به سواه، فهذا المقبولُ، وعمَلٌ لأجل الخَلْق لولاهم ما عمل؛ فهذا المردود، وهو المراد بقوله في الحديث الآخر: ((إنما قرأتَ ليُقال: فلان قارئ))، وعملٌ يجتمع فيه قصْدُ الحقِّ والخلق، مثل أن يُصلي قاصدًا للثواب، ثم يُدرج في ضمن ذلك قصدَ مِدْحة الخَلْق، وأن يروه بعين التعبُّد، فهذا المراد بالشرك في هذا الحديث، وهو إلى الردِّ أقرب". 4- أن المرائي متوعَّد بدخول النار: عن سليمان بن يسار رحمه الله قال: تفرَّق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتِلُ أهل الشام: أيُّها الشيخُ، حدِّثْنا حديثًا سمِعتَه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نَعَمْ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أوَّلَ الناس يُقضى يومَ القيامة عليه رجلٌ استُشهِد، فأُتي به فعرَّفه نِعَمَه فعَرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيكَ حتى استُشهِدتُ، قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأنْ يُقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقيَ في النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القُرآن، فأتي به فعرَّفه نعمَه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم وعلَّمتُه، وقرأتُ فيكَ القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلَّمتَ العلمَ ليُقال: عالم، وقرأتَ القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقيَ في النار، ورجلٌ وسَّع الله عليه، وأعطاه مِن أصناف المال كُلِّه، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبُّ أن يُنفَق فيها إلا أنفقتُ فيها لكَ، قال: كذبت، ولكنك فعلتَ ليُقال: هو جَوَادٌ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم أُلقي في النار))؛ أخرجه مسلم. قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم في الغازي والعالم والجواد وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله، وإدخالهم النار دليلٌ على تغليظ تحريم الرِّياء وشدة عقوبته، وعلى الحثِّ على وجوب الإخلاص في الأعمال. 5- أن الرِّياء من صفات أهل النفاق: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]. 6- أن المرائي متوعَّد بأن الله يُرائي به: عن جُندب العلَقي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُسمِّعْ يُسمِّع اللهُ به، ومن يُراءِ يراءِ اللهُ به))؛ أخرجه البخاري ومسلم. قلتُ: فالرياء شرك أصغر، وكبيرة مِن الكبائر بلا خلافٍ أعلمه بين العلماء، وهو: أن يعمل عملًا مما يُتقرَّب به إلى الله يُريد به ثناء الناس عليه! قال القرطبي رحمه الله: وحقيقة الرِّياء طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله: طلب المنزلة في قلوب الناس. وقد عَدَّ الرِّياء في الكبائر: الذهبي، وابن القيم، وابن حجر رحمهم الله، قال ابن حجر: والرياءُ مُحبط للأعمال، وسببٌ للمقْت عند الله، واللعْن والطَّرد، ومِن كبائر المهلكات، وعبَّر بعضهم بلفظ: تعلم العلم للدنيا. قلتُ: أما تعلُّم العلم الشرعي: فإن كان لينال به وظيفةً يُرزق منها هو وأهله، ولينشر بذلك علمًا نافعًا؛ فلا أراه يأثم، فضلًا أن يكون ذلك كبيرةً، وقد قال جمهور العلماء بجواز أخْذ الأجْر على تعليم القرآن والحديث. فأما إنْ تعلَّمه لينال به سُمعةً وشُهرةً وثناءً مِن الناس، فهذا هو الرياء الذي ذمَّه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذَّرنا منه، وهو كبيرة، وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تعلَّم علمًا مما يُبتغَى به وجهُ الله عز وجل لا يتعلَّمُه إلا ليُصيب به عَرَضًا من الدنيا - لم يجدْ عَرْفَ الجنة يومَ القيامة))؛ أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه بسند حسَن بشواهده. قال السندي رحمه الله: الوعيد المذكور لمن لا يقصد بالعلم إلا الدنيا، وأما مَن طلب بعلمه رِضا المولى ومع ذلك له ميلٌ ما إلى الدنيا - فخارج عن هذا الوعيد. والرِّياء منه ما هو شرك أكبر مُخرج من الملَّة كرياء المنافقين الخُلَّص، وفيهم قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]. ومنه ما هو شرك أصغر كرياء المؤمن الذي يعمل العمل لله تعالى، ثم يدخله الرِّياء، أو يكون فيه ابتداءً، لكنه لا يُرائي في جميع عمله، وهذا وصف بالشرك للتغليظ والزَّجْر، وسُمِّي شركًا؛ لأنه يجب أن تكون العبادة لله وحده، لكن هذا المرائي جاء فأشرَك مع الله تعالى أحدًا في العبادة.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-10-2025 الساعة 04:49 PM. |
|
#4
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (4) إتيان الكهان والمنجمين تصديقا لهم أبو حاتم سعيد القاضي من الكبائر الشائعة (٤) إتيان الكهان والمنجمين تصديقًا لهم إتيان الكهَّان والمنجِّمين وتصديقهم كبيرةٌ؛ لما يأتي: 1- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلةً)): فعن صفية رضي الله عنها، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلةً))[1]، وفي رواية[2]: ((من أتى عرافًا فصدَّقَه بما يقول، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا)). قلت: وهذا وعيد أكيد، وعقاب وتهديد، وقد أتى الوعيدُ مخصصًا بمن أتى العرَّاف أو الكاهن مصدِّقًا لهما فيما يقولان، فقد تكون الكبيرة لمن أتاهما مصدقًا لهما في قولهما، وهو أشبه، وقد يبقى الأمر على عمومه... فالله أعلم. والذي يظهر لي - والله أعلم - أن إتيان العرَّافين والكهنة لا يكون كبيرةً إلا إذا صحبه تصديقٌ لهم في دعواهم كما هو في هذه الرواية المقيدة، وقد أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابن صياد؛ وإنما ذهب إليه صلى الله عليه وسلم لامتحانه. 2 - أنابن مسعود رضي الله عنهقال: "من أتى كاهنًا فصدَّقه، فقد كفر": فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم"[3]، وهذا لا يقال من قبيل الرأي... والله أعلم. قال ابن الأثير رحمه الله[4]: والحديث الذي فيه: ((من أتى كاهنًا)) قد يشتمل على إتيان الكاهن والعرَّاف والمنجِّم. قلت: والظاهر - والله أعلم - أن هذا الفعل قد يؤول بصاحبه إلى الكفر، فالكهانة ادِّعاء معرفة الغيب، كأن يقول: ستُرزق بكذا، ويحدث لك كذا، وسوف تتزوَّج بفلانة، ونحو هذا من الكلام، فمن صدَّقه في ادعائه الغيبَ، فقد فعل محرَّمًا، وارتكب كبيرةً، بل يكون مكذِّبًا لكلام الله عز وجل؛ إذ الله قال: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27]. 3 - أنه يروى أنهصلى الله عليه وسلمقال: ((ليس منا مَن تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له)): سبق بسند معلول: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منَّا مَنْ تَطَيَّرَ ولا مَنْ تُطِيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له، أو تَسَحَّرَ أو تُسُحِّرَ له)). وقد عَدَّ إتيانَ الكهان والمنجمين وتصديقَهم في الكبائر: القرطبيُّ، والذهبي، وابن القيم، وابن النحاس، وابن نجيم، والحجاوي، وابن حجر، والسيواسي، والسفاريني رحمهم الله[5]. وما يذكره الكهنة والمنجمون فيصدُقُ أحيانًا، فهو مما أخبرتهم به الشياطين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة الحق، يخطفها الجنيُّ فيقذفها في أذن وليِّه[6]، ويزيد فيها مائة كذبة))[7]. فليحذر المسلمون من المنجمين والكهان؛ فلقد انتشر ذلك في زماننا، فترى هناك في مشاهير الصحف والمجلات، بل على قنوات العناوين الآتية وشاشاتها: "حظك هذا الأسبوع، أبراج القراء، قراءة الفنجان"، حفظ الله علينا إيماننا. وهل إتيان الساحر من الكبائر؟ من ذهب إلى ساحر ليعمل سحرًا لأحد من المسلمين؛ كأن تعمل المرأة لزوجها سحرًا ليحبها، أو يعمل شخص ما سحرًا لآخر لأذيته، فهذا محرَّم بلا خلاف أعلمه؛ لأن السحر حرام وكبيرة، وأذية المسلم أشد حرمةً. فأما من ذهب لساحر لعمل سحر يفك به سحرًا آخر، فقد وردت عن بعض السلف آثارٌ في جواز النُّشْرة، ففهم منها بعض العلماء جواز النشرة التي هي حَلُّ السِّحر عن المسحور ولو بسحر، وأجاز بعض العلماء ذلك لضرورة. والصحيح أن السحر كلَّه حرام، وأن الذهاب إلى السَّحَرة محرم، وهذا القول القائل بجواز حلِّ السحر عن المسحور ولو بسحر لضرورة - غيرُ صواب من وجوه، ليس هذا محل بسطها، والله أعلم[8]. أما هل مطلق الذهاب إلى السحرة محرَّم أو كبيرة؟ فأقول: لو صحَّ حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من تطيَّر أو تُطير له، أو تكهَّن أو تُكهِّن له، أو سحر أو سحر له))، لكان قويًّا في أن من أتى ساحرًا ليسحر له، فقد فعل كبيرةً، لكنه معلول، كما بيَّناه. لكن يمكن القول بأن من أتى ساحرًا فصدَّقه فيما يقوله ويدَّعيه من الاطلاع على الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وظنَّ أنه ينفع أو يضر - فقد ارتكب كبيرةً، بل يكون مكذِّبًا لكلام الله؛ إذ الله يقول: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ [الجن: 26، 27]، وعلى هذا يُحمَل حديث: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة - وذكر منهم: - ومُصَدِّقٌ بالسِّحْرِ))[9]. وأما مَنْ ذهب إلى ساحر وهو يعلم أنه لا يعلم من الغيب شيئًا، ويعتقد حرمة السحر، فقد ارتكب محرَّمًا، فإنْ طلب من الساحر أن يعمل سحرًا لأحد من المسلمين، فهذا ظلم للعباد، والظلم ظلماتٌ يوم القيامة، وهو من الكبائر. [1] أخرجه مسلم (2230). [2] أخرجها أحمد (4/ 68، 5/ 380)، بسند صحيح. [3] صحيح موقوفًا: أخرجه الطيالسي في "مسنده" (382)، وابن الجعد (425، 1951)، والخلال (1409)، من طرقٍ عن عبدالله، قلت: وقد روي مرفوعًا، لكنه معلولٌ، انظر: "العلل الكبير" للترمذي (76)، "العلل" للدارقطني (5/ 328)، وصحَّحه بعضُ أهل العلم مرفوعًا، انظر: "إرواء الغليل" (2006). [4] "النهاية" (4/ 215). وقد قال البغويُّ رحمه الله في "شرح السنة" (12/ 182): ومنهم من يُسَمِّي المُنَجِّمَ كاهنًا. [5] "الجامع لأحكام القرآن" (7/ 3)، "الكبائر" ن1 (328)، "إعلام الموقعين" (6/ 571)، "تنبيه العافين" (190)، "الزواجر" (2/ 176)، "شرح رسالة الصغائر والكبائر" (48) "شرح منظومة الكبائر" (369). ولفظ الذهبي وابن نجيم والسيواسي: تصديق الكاهن والمنجم. وقال ابن القيم: إتيان الكهنة والمنجمين والعرافين والسحرة وتصديقهم والعمل بأقوالهم. وقال الحجاوي والسفاريني: إتيان الكاهن والعراف وتصديقهم. وقال ابن حجر: وإتيان كاهن، وإتيان عراف. [6] يعني وليَّه من الإنس. [7] وقد اشتهرَ بين العامَّة حديثُ: "كَذَبَ المُنَجِّمونَ، ولو صَدَقوا"، ولا أعلمُ لذلكَ أصلًا، لا مرفوعًا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا موقوفًا، والله أعلم. [8] وقد فصَّلتُ القولَ في ذلك في كتابي: "تيسير ربِّ البرية بأحكام الرقية الشرعية" (133). [9] قوله: ((وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ)) حسن بشواهده: أخرجه أحمد (4/ 399)، والحاكم (4/ 146)، وابن حبان (5346، 6137)، عن أبي موسى، وفيه أبو حَريز عبدالله بن الحسين الأزدي، متكلَّم فيه، وهو إلى الضعف أقرب، وله شاهدٌ عن أبي سعيدٍ الخُدرِيِّ، أخرجه أحمد (3/ 14، 83)، وفيه عطية بن سعد العَوْفي، ضعيف، وثانٍ عن أبي الدرداء، أخرجه أحمد (6/ 441)، وفيه سليمان بن عتبة، تُكُلِّمَ فيه.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-10-2025 الساعة 04:47 PM. |
|
#5
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (5) سب أحد من الصحابة رضي الله عنهم أو بغضه أبو حاتم سعيد القاضي سَبُّ أحدٍ مِن أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أو بُغضه كبيرةٌ؛ لما يأتي: 1- جعَل النبي صلى الله عليه وسلم مِن علامات النفاق بُغْض الأنصار رضي الله عنهم، وبُغض عليٍّ رضي الله عنه: عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((آيةُ الإيمان حبُّ الأنصار، وآيةُ النفاق بُغض الأنصار))[1]. وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أو قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الأنصار لا يُحبهم إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضهم إلا منافقٌ، فمَن أحبَّهم أحبَّه اللهُ، ومَن أبغضهم أبغضه الله))[2]. وعن زرِّ بن حُبيش رحمه الله، قال: قال عليٌّ: والذي فلَق الحبَّة، وبَرَأ النَّسَمة، إنه لعهد النبي الأمِّي صلى الله عليه وسلم إليَّ: ((ألا يُحبني إلا مؤمنٌ، ولا يُبغضني إلا منافقٌ))[3]. قال الذهبيُّ رحمه الله[4]: فإذا كان هذا قاله النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حقِّ عليٍّ؛ فالصِّدِّيقُ بالأَوْلَى والأَحْرَى؛ لأنه أفضلُ الخَلْق بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم. قلتُ: والذي يَظهَر لي - والله أعلم - أنه ليس بُغض الأنصار وحدهم مِن علامات النفاق؛ بل إنَّ بُغض أحدٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مِن علامات النفاق، وإنما خَصَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم الأنصار بالذِّكْر لمزيدِ فَضْلهم ومَكانتهم، فمَن أبغَضَ أحدًا مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم مع علمه بعظيم بذْلِهم ونصرتهم لدين الإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم وحبهم له - ففي قلبه نفاقٌ، والعلم عند الله وحدَهُ، ونسأله أن يُرشدَنا إلى الصواب والحقّ. 2- أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمانَ عمن أبغَض الأنصار: عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبغض الأنصار رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر))[5]. وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبغض الأنصارَ رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر))[6]. وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: ((لا يبغض الأنصار أحدٌ يُؤمن بالله واليوم الآخر))[7]. 3- أن النبي توعَّد مَن أبغض الأنصار وعمار بن ياسر رضي الله عنهم ببُغض الله له: عن معاوية رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن أحبَّ الأنصار أحبَّه الله، ومَن أبغض الأنصار أبغضه الله))[8]. وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه، قال: كان بيني وبين عمار بن ياسرٍ كلامٌ، فأغلظتُ له في القول، فانطلق عمارٌ يشكوني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء خالدٌ وهو يشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فجعل يغلظ له، ولا يزيده إلا غلظةً، والنبي صلى الله عليه وسلم ساكتٌ لا يتكلم، فبكى عمارٌ، وقال: يا رسول الله! ألا تراه؟ فرفَع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، قال: ((مَن عادى عمارًا عاداه الله، ومَن أبغض عمارًا أبغضَه اللهُ))، قال خالدٌ: فخرجتُ، فما كان شيءٌ أحبّ إليَّ مِن رضا عمارٍ، فلقيتُه فرضي[9]. 4- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أغضب سلمان وبلالًا وصُهيبًا: ((لئن أغضبتهم لقد أغضبت الله)): عن عائذ بن عمرٍو رضي الله عنه، أنَّ أبا سفيان أتى على سلمان وصهيبٍ وبلال في نفرٍ، فقالوا: والله ما أخذتْ سيوف الله مِن عنُق عدو الله مأخذَها. قال: فقال أبو بكرٍ: أتقولون هذا لشيخ قريشٍ وسيدهم؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ((يا أبا بكرٍ، لعلك أغضبتهم، لئن كنتَ أغضبتهم لقد أغضبتَ ربك!)). فأتاهم أبو بكرٍ، فقال: يا إخوتاه! أغضبتُكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي"[10]. 5- أنه قد رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم لَعْن مَن سَبَّ أصحابه رضي الله عنهم: عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَبَّ أصحابي فعليه لعنةُ الله، والملائكة، والناس أجمعين"[11]. 6- الإجماع: قال ابن حجر رحمه الله[12]: قال الجلال البُلقيني: مَن سَبَّ الصحابة رضي الله عنهم أتى كبيرةً بلا نزاعٍ. وقال السَّفَّاريني رحمه الله[13]: وكون سَبِّ الصحابة كبيرةٌ هذا بلا خلافٍ، وإنما اختلفوا: هل يكفر مَن سبّهم أم لا؟ قال القاضي عياض رحمه الله[14]: سَبُّ أصحاب النبي عليه السلام وتنقُّصهم أو أحدٍ منهم مِن الكبائر المُحرَّمة، وقد لَعَن النبي عليه الصلاة والسلام فاعلَ ذلك، وذكر أنه مَن آذاه وآذى الله فإنه لا يُقْبَل منه صرفٌ ولا عدلٌ. وقال النووي رحمه الله[15]: اعلم أنَّ سَب الصحابة رضي الله عنهم حرامٌ مِن فواحش المُحرَّمات؛ سواءٌ مَن لابس الفِتَن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب مُتأوِّلون. قال القاضي: وسبُّ أحدهم مِن المعاصي الكبائر، ومذهبُنا ومذهبُ الجمهور أنه يُعزَّر ولا يُقتل، وقال بعض المالكية: يُقتَل. وقال الذهبي رحمه الله[16]: مَن سَبَّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد بارز الله تعالى بالمحارَبة، بل مَن سَبَّ المسلمين وآذاهم وازدراهم، فقد قدَّمْنا أن ذلك مِن الكبائر، فما الظن بِمَنْ سَبّ أفضل الخَلْق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وقال ابن النَّحَّاس رحمه الله[17]: اختلف العلماءُ في تكفير مَن سَبَّ أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما، وكذلك فيمَن سبَّ غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، والأقوال في ذلك كثيرةٌ، والحاصلُ منها أنَّ الساب دائرٌ بين ارتكاب كفرٍ أو كبيرةٍ من الكبائر. وقال ابن عبد الهادي رحمه الله[18]: بُغض الصحابة أو أحدٍ منهم، سواءٌ أبو بكرٍ أو عمر أو عثمان أو عليٍ أو كائنٌ مَن كان من الكبائر، وهي كبيرةٌ عظيمةٌ، وأكبرُ مِن الزِّنا وشُرب الخمر وأكل الميتة واللواط، والله أعلم. ويرحم الله أبا زرعة الرازي؛ فقد كان يقول[19]: إذا رأيتَ الرجل يَنتقص أحدًا مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمْ أنه زنديقٌ، وذلك أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حقٌّ، والقرآن حقٌّ، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يَجْرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أَوْلَى وهم زنادقةٌ. وقد عَدَّ بعض أهل العلم في الكبائر تقديم عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه على أبي بكرٍ وعمر وعثمان رضي الله عنهم[20]، لكن في ذلك عندي نظرٌ؛ فلستُ أعلم خبرًا أتشبَّث به للقول بذلك، وإن كان هذا لا يجوز؛ فقولُ أهل السنة والجماعة أن أبا بكرٍ أفضل هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عمر، ثم عثمان، ثم عليًّا رضي الله عنهم. [1] أخرجه البخاري (17)، ومسلم (74). [2] أخرجه البخاري (3783)، ومسلم (75). [3] أخرجه مسلم (78)، قال النوويُّ رحمه الله (2/ 64): ومعنى هذه الأحاديث أنَّ مَن عرَف مرتبة الأنصار وما كان منهم في نصرة دين الإسلام، والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين، وقيامهم في مهمات دين الإسلام حق القيام، وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحبه إياهم، وعرَف مِن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قربه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب النبي صلى الله عليه وسلم له، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه فيه، ثم أحب الأنصار وعليًّا لهذا، كان ذلك من دلائل صحة إيمانه، وصدقه في إسلامه؛ لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومَن أبغضهم كان بضد ذلك. [4] "الكبائر" ن1 (410) [5] أخرجه مسلم (76). [6] أخرجه مسلم (77). [7] صحيح: أخرجه أحمد (1/ 309)، والترمذي (3906). قال ابن القيم رحمه الله: والمراد بالأنصار: مَن نَصَر الله ودينه ورسوله، وهؤلاء باقون إلى يوم القيامة، فمعاداة هؤلاء وبغضهم مِن أكبر الكبائر؛ نقَلَهُ ابن النحاس في "تنبيه الغافلين" (309). قلتُ: وفيما قاله نظرٌ؛ فالحديثُ إنما هو في الأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا هاجر إلى المدينة، وحَمْلُه على العموم بعيدٌ، والله أعلم. [8] صحيح: أخرجه أحمد (4/ 96)، والنسائي في السُّنن الكبرى (8274)، والحكم بن ميناء ليس بصدوقٍ كما قال الحافظ، بل هو ثقةٌ إن شاء الله. [9] صحيح: أخرجه أحمد (4/ 89)، والحاكم (3/ 390)، وابن حبَّان (7081). [10] أخرجه مسلم (2504). [11] إسناده ضعيف، وحسَّنه بعضُ أهل العلم بشواهده: أخرجه الطبرانيُّ في الكبير (12709)، وله شواهد لا أراه يصحُّ بها، والله أعلم، وانظر: "السلسلة الصحيحة" (2340). [12] "الزواجر" (2/ 380). [13] "شرح منظومة الكبائر" (325). [14] "إكمال المعلم" (7/ 580). [15] "شرح مسلم" (16/ 93). [16] "الكبائر" ن1 (410). [17] "تنبيه الغافلين" (163). [18] "إرشاد الحائر" (36). [19] انظر: عيون المسائل (2/ 487 - 488) لأبي الليث السَّمَرْقندي، عن مجموع مخطوط برقم (737) في مكتبة المتحف ببغداد، فيما نقله الشيخ مشهور في تحقيقه للكبائر للذهبي (9)، "شرح رسالة الصغائر والكبائر" (46). [20] "الكفاية في علم الرواية" (49).
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (6) أبو حاتم سعيد القاضي غش المسلمين الغِشُّ كبيرةٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من غشَّنا فليسَ منا)): عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ حملَ علينا السِّلاحَ فليس مِنَّا، ومن غشَّنا فليس مِنَّا)) [1]. وفي روايةٍ [2]: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبْرةِ طعامٍ، فأدخلَ يده فيها، فنالَتْ أصابعُه بلَلًا، فقال: ((ما هذا يا صاحبَ الطعامِ؟))، قال: أصابتْه السَّماءُ يا رسولَ الله، قال: ((أفلا جعلتَه فوقَ الطعامِ؛ كي يراه الناسُ، مَنْ غَشَّ فليس منِّي)). وقد عدَّ ابن حجرٍ رحمه الله في الكبائرِ [3]: "الغِشَّ في البيعِ وغيرِه كالتَّصريةِ؛ وهي مَنْعُ حلْبِ ذاتِ اللَّبَنِ إيهامًا لكثْرَتِه"، قال: "عَدُّ هذا كبيرةً هو ظاهرُ بعضِ ما في هذه الأحاديثِ من نفْيِ الإسلامِ عنه مع كونِه لم يزَلْ في مَقْتِ الله، أو كونِ الملائكةِ تلْعَنُه [4]، ثمَّ رأيتُ بعضَهُم صرَّحَ بأنَّه كبيرةٌ؛ لكنَّ الذي في الرَّوضَةِ أنَّه صغيرةٌ، وفيه نَظَرٌ لِمَا ذُكِرَ من الوعيدِ الشَّديدِ فيه". قلت: غِشُّ المسلمينَ في بيعٍ وغيرِه كبيرةٌ من الكبائرِ، وغِشُّ أهلِ الكفرِ المعاهَدينَ حرَامٌ، والله أعلم. ومن الغش الذي انتشر في زماننا، وهو داخل في الغش المحرم: 1- الغِشُّ في البيع والشراء والمعاملات المالية بالكذب، أو كتمان عيب السلعة، أو البخس في ثمنها، أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرديء، وما أكثر ضروب الغشِّ والاحتيال! كما يقع من السماسرة من التَّلبيس والتَّدليس، فيزيِّنون للناس السلع الرديئة، والبضائع المزجاة، ويُورطونهم في شرائها بثمنٍ بخسٍ. 2- الغشُّ في القول، وذلك عند إدلاء الشاهد بالشهادة، فيشهَد بشهادة فيها زورٌ وبهتان وكذب عياذًا بالله. 3- الغشُّ في النصيحة بعدم الصدق والإخلاص فيها، والخداع والتضليل. 4- الغشُّ في تعلُّم العلم؛ كأن يغش في الامتحانات، ويحصل على شهادة لا يستحقُّها، وقد يتبوَّأ بها منصبًا، وهو ليس أهلًا لذلك المنصب، وهذا يحدث كثيرًا، وكم من رجلٍ حصل على شهادة الدكتوراه بجهدِ غيرِه، وما فعَل إلا حَفنة من الأموال قدَّمَها لمن صنَع له الرسالة. [1] أخرجه مسلم (101). [2] أخرجه مسلم (102)، قال العظيم آبادي رحمه الله في "عون المعبود" (9/ 231): "والحديثُ دليلٌ على تحريمِ الغِشِّ، وهو مُجمَعٌ عليه". [3] "الزواجر" (1/ 393). [4] يعني حديثَ واثلة بن الأسقَع رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من باعَ عيبًا لم يُبيِّنه، لم يزَلْ في مَقْتِ الله، ولم تزَلِ الملائكةُ تلعَنُه))؛ أخرجه ابن ماجه (2247)، والطبراني في "الكبير" (22/ 157)، وفيه معاوية بن يحيى، مُتَّفَقٌ على ضعْفِه.
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (7) أبو حاتم سعيد القاضي هجر المرأة فراش زوجها وكفرانها إحسانه هجرُ المرأةِ فراشَ زوجِها، وكفْرانُها إحسَانَه، كبيرةٌ لِمَا يأتي: 1- أنَّ من هجَرتْ فِراشَ زوجِها لعَنَتْها الملائكةُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)) [1]. وفي لفظٍ لهما: ((إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)). 1- أنَّ من دعاها زوجها إلى الفراش فأبت سخط الله عليها: في لفظٍ لمسلمٍ من حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه السابق، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا)). 3- أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكرَ أنَّ النسَاءَ أكثرُ أهلِ النَّارِ، وأنَّ سبَبَ ذلكَ كفرانهمُ العشيرَ والإحسانَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ؛ يَكْفُرْنَ)) قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: ((يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)) [2]. قال النووي رحمه الله [3]: فيه أنَّ كفرانَ العَشِيرِ والإحسانِ من الكبائرِ؛ فإنَّ التَّوَعُّدَ بالنَّارِ من علامةِ كونِ المعصيةِ كبيرةً. وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ رضي الله عنه أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟))، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: ((كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟))، قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: ((فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ)) [4]. 4- أنَّ الله تعالى لا ينظرُ لامرأةٍ لا تشكرُ زوجَها: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه أَنَ ّرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لا تَسْتَغْنِي عَنْهُ)) [5]. 5- أنَّ من باتَتْ وزوجُها سَاخطٌ عليها متوعَّدةٌ بألا تُقْبَلَ صلاتُها: سبق بسندٍ حسنٍ بشواهدِه عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)) [6]. قال الشوكاني رحمه الله [7]: فيه أنَّ إغضَابَ المرأةِ لزوجِها حتَّى يبيتَ سَاخِطًا عليها من الكبائرِ، وهذا إذا كانَ غضَبُه عليها بِحَقٍّ. قلت: الذي يظهرُ لي والله أعلمُ أنَّ الوعيدَ في هذا الحديثِ إنَّمَا هو لِمَنْ باتَتْ وزوجُهَا ساخِط عليها لامتِنَاعِها من فِرَاشِة لغيرِ عُذْرٍ شرْعيٍّ. ومن منَعَ حقوقَ زوجتِه الواجبةِ عليه من مهرٍ ونفقَةٍ ومُعَاشَرةٍ بالمعروفِ، فقد أَثِمَ وأتَى مُحَرَّمًا[8]، ومن منَعَتْ زوجَها حقَّه أَثِمَتْ وارتكبَتْ مُحرَّمًا، فإن هَجَرَتْ فراشَه ومنَعَتْه حقَّه في الاستِمتاَعِ بها لغيرِ عذرٍ شرعِيٍّ فقد أتتْ كبيرةً، وإن كفرَتْ إحسانَه ومعروفَه، وأسأَتْ مُعَاشَرتَه، فقد أتتْ كبيرةً أيضًا؛ وهذا للوعيدِ الشَّديدِ المذكورِ في الأحاديثِ السَّابقةِ، والله أعلم. وقد عدَّ ذلك من الكبائر: الرَّافعي، والنَّووي، والذَّهبي، وابن القيِّم، والدِّميري، وابن النَّحَّاس، والحَجَّاوي، وابن نُجَيم، وابن حجرٍ، والسِّيواسي، والسَّفاريني، والشوكاني، وابن عبدالوهاب رحمهم الله: • ولفظ الرَّافعي وابن النَّحَّاس وابن نُجَيمٍ: امتِنَاعُ المرأةِ من زوجِها بلا عُذْرٍ. • وقال النَّوويّ: كفرانُ العشيرِ والإحسَانِ. • وقال الذَّهبي وابن القيِّم والدِّميري والحَجَّاوي وابن حجرِ: نُشُوزُ المرأةِ. • وقال ابن حجر مرَّةً: منعُ الزَّوجِ حقًّا من حقوقِ زوجتِه الواجبةِ لها عليه؛ كالمَهْرِ، والنَّفقَةِ، ومنعُهَا حقًّا له عليها كذلكَ؛ كالتَّمَتُّعِ من غيرِ عُذْرِ شرْعِيٍّ. • وقال ابن عبدالوهاب: إغضَابُ الزَّوْجِ [9]. [1] أخرجه البخاري (3237)، ومسلم (1436)، قال النووي رحمه الله (10/ 7): هذا دليلٌ على تَحرِيمِ امتِنَاعِهَا من فِراشِه لغيرِ عذرٍ شرْعِيٍّ، ومعنَى الحديثِ أنَّ اللَّعْنَةَ تستَمِرُّ عليها حتَّى تزولَ المعصيَةُ بطلوعِ الفجرِ والاستغناءِ عنها، أو بتوبَتِها ورجوعِها إلى الفِراشِ. [2] أخرجه البخاري (29)، ومسلم (884). [3] "شرح صحيح مسلم" (2/ 66) "شرح المشكاة" للطيبي (2/ 465). [4] معلول: أخرجه أحمد (4/ 341)، وفيه الحُصَينِ بن مِحْصَنٍ مختلفٌ في صحبته، وأكثرُ أهل العلمِ لم يثبِتوا له صحبةً، فهو تابعيٌّ، وفيه جهالةٌ، وحتى لو كان صدوقًا لكانَ الحديثُ معلولًا بالإرسالِ أيضًا، وانظر: علل الدارقطني (15/ 419). [5] الموقوف أصح: أخرجه النسائي (9086))، والحاكم (2/ 190). والراجح فيه الوقف، كما أخرجه النسائي في "الكبرى" (9088)، والحاكم (4/ 174). وهكذا رجح أبو علي النيسابوري، والبيهقي رحمهما الله. [6] قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (3/ 323): "وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ" لأمرٍ شرعِيٍّ كسوءِ خُلُقٍ، وتركِ أدبٍ، ونشوزٍ، وهذا أيضًا خرجَ مْخرَجَ الزَّجْرِ والتَّهويلِ. [7] نيل الأوطار (3/ 211). [8] وقد عدَّ في الكبائر ابن حجر رحمه الله: منْع الزَّوجِ حقًّا من حقوقِ زوجَتِه الواجبةِ لها عليه كالمَهْرِ والنَّفَقَةِ؛ "الزواجر" (2/ 61)، واستدلَّ بحديث صُهَيْب بْن سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّمَا رَجُلٍ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَيْهَا، فَغَرَّهَا بِاللهِ، وَاسْتَحَلَّ فَرْجَهَا بِالْبَاطِلِ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَهُوَ زَانٍ..))، وهو حديث ضعيف، أخرجه أحمد (4/ 332)، وابن ماجه (2410)، عَنِ الحسن بن محمد الأنصاري - وهو مجهول - قال: حدثني رجل - وهذا ضعفٌ على ضعفٍ - قال: سمعت صهيبًا. [9] العزيز شرح الوجيز (13/ 7)، "الكبائر" ن1 (339)، "إعلام الموقعين" (6/ 570)، "النجم الوهاج" (10/ 290)، "الإقناع" (4/ 438)، تنبيه الغافلين (167)، "الزواجر" (2/ 61، 72)، "شرح رسالة الصغائر والكبائر" (41)، "شرح منظومة الكبائر" (346)، "الكبائر" لابن عبدالوهاب (179).
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (8) أبو حاتم سعيد القاضي غصب الأرض ولو شبرًا من أخَذَ مِنَ الأرْضِ ولو شبرًا بغيرِ حَقٍّ فقد أتى كبيرةً؛ لأنَّ فاعلَه مُتَوَعَّدٌ بأن يُخسَفَ به يومَ القيامةِ: عن أبي سلمة بن عبدالرحمن رحمه الله أنه كانت بينه وبين أُناسٍ خصومةٌ، فذكرَ لعائشة رضي الله عنها، فقالت: يا أبا سلمة، اجتنِبِ الأرضَ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((من ظلَمَ قيْدَ شبرٍ من الأرضِ، طُوِّقَه من سبعِ أرضِين)) [1]. وعن عروة بن الزبير رحمه الله أن أروَى بنتَ أويس ادَّعَتْ على سعيد بن زيد أنه أخذَ شيئًا من أرضِها، فخاصَمَتْه إلى مَرْوان بن الحَكَم، فقال سعيد: أنا كنتُ آخذُ من أرضِها شيئًا بعد الذي سمِعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وما سمِعْتَ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أخذَ شِبرًا من الأرضِ ظُلْمًا، طُوِّقَه إلى سبعِ أرَضِين))، فقال له مروان: لا أسألُك بيَّنَةً بعد هذا، فقال: "اللهمَّ إن كانت كاذبةً فعَمِّ بصرَها، واقتُلْهَا في أرضِها"، قال: "فما ماتتْ حتى ذهبَ بَصَرُها، ثم بيْنا هي تمشِي في أرضِها، إذْ وقعَتْ في حفرةٍ فماتَتْ" [2]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أخَذَ من الأرضِ شيئًا بغير حقِّه، خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سبعِ أرَضِين)) [3]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأخُذُ أحَدٌ شِبْرًا من الأرضِ بغيرِ حقِّه، إلا طَوَّقَه الله إلى سبعِ أرَضِين يومَ القيامةِ"[4]. قال القرطبي رحمه الله [5]: "هذا وعِيدٌ شديدٌ يفيدُ أنَّ أخْذَ شَيءٍ من الأرضِ بغيرِ حَقِّه من أكبرِ الكبائرِ على أيِّ وجْهٍ كانَ من غصْبٍ، أو سرِقَةٍ، أو خديعةٍ، قليلًا كانَ أو كثيرًا". وقال ابن النَّحَّاس رحمه الله في الكبائر [6]: "غصبُ الأرضِ"، قال: "ولا فرْقَ بين أن يغصِبَ ذلك من أرضِ مسلمٍ معيَّنٍ، أو مِمَّا هو مشتَرَكٌ بين النَّاسِ كالطُّرُقِ ونحوِها، والأحاديثُ المُتَقدِّمةُ تدلُّ على ذلك". [1] أخرجه البخاري (2453)، ومسلم (1612). [2] أخرجه البخاري (2452) مرفوعًا بدون القصة، ومسلم (1610)، واللفظ له. [3] أخرجه البخاري (2454). [4] أخرجه مسلم (1611). [5] "المفهم" (4/ 427). [6] "تنبيه الغافلين" (254).
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
|
من الكبائر الشائعة (9) أبو حاتم سعيد القاضي إيذاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وسب الدين وسب الدهر إيذاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كبيرة للآتي: 1- أن الله تعالى توعَّد فاعله بالعذاب الأليم: قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [التوبة: 61]. وهذه الآية وإن كانت نزلت في المنافقين، لكنها عامة في كل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. قال النووي رحمه الله: "إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم كبيرة بلا شك؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: 57]"؛ [شرح النووي على مسلم (16/55)]. 2- أن الله تعالى لعن فاعل ذلك: قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: 57]. وقال القرطبي رحمه الله: "اختلف العلماء في أذية الله بماذا تكون؟ فقال الجمهور من العلماء: معناه: بالكفر، ونسبة الصاحبة والولد والشريك إليه، ووصفه بما لا يليق به، كقول اليهود لعنهم الله: يد الله مغلولة، والنصارى: المسيح ابن الله، والمشركون: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه. وأما أذية رسوله صلى الله عليه وسلم: فهي كل ما يؤذيه من الأقوال في غير معنًى واحد، ومن الأفعال أيضًا، أما قولهم: فساحر، شاعر، كاهن، مجنون، وأما فعلهم: فكسر رَبَاعِيَتِهِ، وشج وجهه يوم أحُد، وبمكة إلقاء السَّلا على ظهره وهو ساجد، إلى غير ذلك"؛ [الجامع لأحكام القرآن (14/237، 238)]. وقال السعدي رحمه الله: "وهذا يشمل كل أذية، قولية أو فعلية، من سبٍّ وشتم، أو تنقص له، أو لدينه، أو ما يعود إليه بالأذى"؛ [تيسير الكريم الرحمن (974)]. سب الدهر: عدَّ بعض أهل العلم في الكبائر: سب الدهر؛ [تنبيه الغافلين (210)، الزواجر (1/187، 188)]. ومن الأدلة على ذلك: 1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسب ابن آدم الدهرَ، وأنا الدهر، بيدي الليل والنهار))؛ [أخرجه البخاري (4826)، ومسلم (2246)]. وفي لفظ لمسلم: ((يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر؛ فإني أنا الدهر، أقلِّب ليله ونهاره، فإذا شئت قبضتُهما)). وفي لفظ لمسلم: ((لا تسبوا الدهر؛ فإن الله هو الدهر))، وفي رواية: ((أقلِّب ليله ونهاره، وإذا شئت قبضتهما)). 2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يسب أحدكم الدهر؛ فإن الله هو الدهر، ولا يقولن أحدكم للعنب: الكَرم؛ فإن الكرم الرجل المسلم))؛ [أخرجه البخاري (6182)، مسلم (2247)]. قال ابن عثيمين رحمه الله: "سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم؛ فهذا جائز، مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده، ومنه قول لوط عليه السلام: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ [هود: 77]. الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبِّه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر، فهذا شرك أكبر. الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاده أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده، فهذا محرَّم، ولا يصل إلى درجة الشرك"؛ [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (10/823)]. قلت: وهذا التفصيل جيد، وسب الدهر إيذاء لله تعالى؛ فلذلك لم أفرده بالذكر، والله أعلم. سب الدين وسب الرسول صلى الله عليه وسلم: ذكر بعض أهل العلم في الكبائر: سب الدين، وسب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ [تحذير ذوي البصائر (38، 41)]. قلت: لا أعلم آيةً أو حديثًا فيه وعيد خاص لمن فعل هذا الذنب، وسب الدين وسب الرسول صلى الله عليه وسلم كفر ولا ريب، وليس كل كفر أذكره في الكبائر، وإنما أذكر من الذنوب الكفرية وغير الكفرية ما ورد فيه وعيدٌ خاص لفاعله بالعذاب في الآخرة، أو اللعن، ونحو هذا، ولو ذكرنا كل ذنب هو كفر في عدِّ الكبائر، لخرجنا بذلك عن الغاية المنشودة، وسب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم داخل تحت هذه الكبيرة، والله أعلم.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |