حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 23 - عددالزوار : 29 )           »          وصفات طبيعية لتعزيز نمو الشعر بخطوات بسيطة.. من جل الصبار لعصير البصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          5 أفكار مريحة لغرفة النوم لتجديد منزلك.. موضة ديكور 2025 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أفضل طريقة لإزالة المبيدات من الفاكهة والخضراوات.. خلى اللانش بوكس صحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          دايماً بتأجل ومكسل طول الوقت.. 5 خطوات تساعد على تعلم مهارات جديدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          بتحس بتعب طول اليوم.. 5 خطوات للتخلص من الشعور بالإرهاق اليومى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وصفات طبيعية من النعناع للعناية بالشعر.. تنظيف وتقوية ونمو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          على طريقة الجدات والأمهات.. 6 حيل لخفض تكاليف الفواتير المنزلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مش عايز يروح المدرسة.. إزاى تخلى طفلك يستعد للعام الدراسى الجديد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل الطحينة فى البيت بمكونات بسيطة وسريعة.. بدل ماتشتريها من برا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى حراس الفضيلة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 20-09-2025, 09:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(211)


آثار صلة الأرحام
لصلة الرحم آثار إيجابية على النفس والمجتمع، من أهمها:
1- صلة الرحم سبب لدخول الجنة والنجاة من النار، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: مالَه، ماله، فقال رسول الله ﷺ: أرب ماله، فقال النبي ﷺ: «تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم«(1).
2- البركة في الرزق وطول العمر، لقول عليه الصلاة والسلام: «من سرّه أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه«(2).
في حديث أبي هريرة مرفوعًا: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر«(3).
3- سبب للقرب من الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: «الرحم شجنة من الرحمن فقال الله: من وصلكِ وصلته ومن قطعك قطعته«(4).
4- التصدق على ذوي الأرحام يزيد من الثواب والأجر، لقول النبي ﷺ: «الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة«(5).
5- صلة الرحم سبب في تأييد الملائكة، للحديث السابق ذكره: «ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك«(6).
6- إن صلة الرحم تمنح النفس راحة وسكينة، وتزيل عنها أدران الآفات وآثارها، من الحسد والغل والقلق وغيرها، كما أن كثيرًا من المشكلات تأتي بين الأقارب، تزول بصلة الرحم والتواصل مع الأهل والأقرباء.
7- إن صلة الرحم من أسباب التوفيق والنجاح في الدنيا، ومن أسباب حب الطاعة وكره المعصية، يقول ابن حجر رحمه الله: «إن صلة الرحم تكون سببًا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية، فيبقى بعده الذكر الجميل، فكأنه لم يمت، ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه، والخلف الصالح«(7).
8-إن صلة الرحم تصنع مبدأ التكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، حيث تشتد عرى التعاون والتكاتف على حب الخير ونشر المعروف بين الناس لا سيما في الشدائد والنوازل، فيصدق عليهم قول الرسول ﷺ: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى«(8).
9– صلة الرحم تمنح العبد الثناء والذكر الحسن بين الناس، الأمر الذي يدفعهم للدعاء له والاستغفار والترحم عليه بعد الموت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
أخرجه البخاري (ص1047-1048، رقم 5983) كتاب الأدب، باب إثم القاطع.

(2)
أخرجه البخاري (ص1048، رقم 5985) كتاب الإيمان، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم. ومسلم (ص1121، رقم 6523) كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة.

(3)
سبق تخريجه.

(4)
سبق تخريجه.

(5)
سبق تخريجه.

(6)
سبق تخريجه.

(7)
فتح الباري لابن حجر 10/ 416.

(8)
أخرجه البخاري (ص1051، رقم 6011) كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم. ومسلم (ص1131، رقم 2586) كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 20-09-2025, 09:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(212)


آثار قطع الأرحام
وردت نصوص كثيرة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ في النتائج الوخيمة المترتبة على عقوق الوالدين وقطع صلة الأرحام، ما بين خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة:
1- إن قطع الرحم سبب لنزول اللعنة على العبد لقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ}(1). وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(2).
2- إن قطع الرحم يعجل بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة، لقول النبي ﷺ: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم«(3).
3- إن قطع الأرحام سبب لدخول النار والحرمان من الجنة، لقول النبي ﷺ: «لا يدخل الجنة قاطع«(4).
4- قطع الأرحام، يؤدي إلى الأنانية وحب الذات، والذي يسبب في تنامي آفات أخرى في النفس، كالكآبة والقلق، والخوف، وغيرها، لأن النفس حين تنقطع عن مؤاخاة النفوس الأخرى والتآلف معها، تبقى منحسرة في ذاتها، لا تتطلع إلا إلى ما يخدم لذاتها وشهواتها.
5- كما إن قطع الأرحام من العوامل التي تمزق المجتمعات وتشتتها، لأن كل أسرة تنأى بنفسها عن الأخرى، فلا يعرف الأبناء أعمامهم ولا أخوالهم، ولا يعرف الأزواج أصهارهم ولا أهل زوجاتهم، وهكذا، يتفكك المجتمع، وبالتالي تذوب جميع روابط التآلف والتكاتف بين أبنائه.
* * *
وفي الختام:
فإن صلة الرحم من الأخلاق الإسلامية العظيمة التي حثّ عليها الإسلام وجعلها من أولوياته، فقد أمر بها الله تعالى في كتابه ووصى بها رسوله ﷺ في سنته، لما في هذا الخُلق الكريم من آثار إيجابية على النفس الإنسانية أولاً ثم على المجتمع الذين ينتمي إليه الإنسان ثانيًا، من الاستقرار والأمان والتقدم والتفوق في مجالات الحياة المختلفة.
كما حرّم الإسلام قطيعة الأرحام وجفاءها، ورتّب عليها عقوبات مختلفة في الدنيا والآخرة، لأنها مدخل واسع للآفات النفسية الكثيرة، وخطر على كيان المجتمع والأمة بأسرها.
فما أجمل أن يبدأ كل إنسان بتحديد نقطة انطلاق جديدة في حياته، وليبدأ بالتواصل مع أرحامه، إما بزيارتهم أو دعوتهم إلى البيت أو مكالمتهم هاتفيًا، متوّجًا ذلك كله بأجمل الكلمات وأحسن الألفاظ، حتى تتمكن المحبة في القلوب وتخرج الضغائن منها، ويتحول المجتمع إلى بنيان قوي ومرصوص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1)
[محمد: 22-23]

(2)
[الرعد: 25]

(3)
سبق تخريجه.

(4)
أخرجه البخاري (ص1048، رقم 5984) كتاب الأدب، باب إثم القاطع. ومسلم (ص8121، رقم 2556) كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 20-09-2025, 09:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(213)


الإيجابية ومقامها الكبير
الإيجابية كلمة نسمعها كثيرًا على سبيل الثناء وبخاصة في عالم ثقافتنا اليوم، ويعنى بها أن الإنسان يسعى لأن يكون نافعًا لنفسه ولغيره، متجردًا من الأنانية وحب الذات التي تمليه حياة المادة، وهي – أي الإيجابية – ذات أثر عظيم على صاحبها في الدنيا والآخرة، وفي هذا المبحث نفصل فيها مفتتحين بما:
روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله ﷺ: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام«(1).
* * *
تعريف الإيجابية:
هي كل ما يصدر من العبد من قول أو عمل، ويبتغي به وجه الله تعالى، يحقق منفعة أو يدفع مفسدة.
وبذلك فإن الامتثال بكل ما أمر به الشارع والانتهاء عما نهى عنه من الإيجابية في الحياة، لأن ذلك يحقق المصالح والمنافع للناس، ويدرء عنهم المفاسد والشرور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/453) والصغير (2/106، رقم 861). وحسنه الألباني.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 20-09-2025, 09:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(214)


حقيقة الأعمال الإيجابية
تنقسم أعمال الإنسان من حيث نفعها إلى قسمين:
أ – النفع القاصر على النفس:
وهي الأعمال التي يقوم بها الإنسان لمنفعته الذاتية قبل كل شيء وإن تعدى بعض آثارها إلى الآخرين في الجوانب المختلفة، لأن الإنسان إنما يقوم بها من أجل منفعة ذاته في الأصل وليس من أجل الآخرين. كالصلاة والصيام والحج وقراءة القرآن والأذكار وغيرها.
- فالصلاة التي هي عبادة مفروضة على كل إنسان، وهو يقوم بأدائها استجابة لأمر الله تعالى الذي يخاطبه بنفسه جلّ وعلا، والمنفعة الذاتية المترتبة على هذا الفرض هي الأجر والثواب والرضى من الله، فضلاً عن أنها تكسب المصلي السكينة والطمأنينة النفسية، يقول تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(1).
إضافة إلى بعض المنافع التي تتحقق تباعًا للمجتمع نتيجة هذه العبادات، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتقلل من حدوث الجريمة، وهي وسيلة للتعارف والتآلف والتزاور حين يؤدى في المساجد جماعة، وهي آثار إيجابية على الآخرين.
- وكذلك الصيام، فإن الصائم ينال الأجر العظيم والثواب الكبير الذي لا حدود له لقول النبي ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزّ وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك»(2). وهذا النفع العظيم بالأصل ذاتي يعود على الصائم فقط، ولكنه يعطي بعض الثمرات الإيجابية خارج الدائرة الذاتية لينتفع بها المجتمع، فالصيام يحث على الرحمة بالفقراء والمساكين ومدّ يد العون إليهم لأن الصائم يشعر بجوع المسكين وعطش الظمآن وحاجة الفقير، فيتحرك للإحسان إليهم بصورة عملية.
- والحال نفسه بالنسبة للزكاة الذي يترتب عليه جزاء عظيم من الله تعالى حين يخرج الغني جزءًا من ماله ليعطيه أخاه الفقير والمحتاج تمثيلاً لأمر الله تعالى، فيكسب بذلك نفعًا ذاتيًا أولاً من الأجر والثواب، كما يدفع عن نفسه العذاب والعقاب في الآخرة، ولكنه بذلك يحقق مصلحة أخرى لغيره أيضًا، حيث يخفف عن إخوته المساكين والفقراء شقة الحاجة ويفرج عنهم كربات كثيرة، الأمر الذي يبعث على الحب والتآلف والتعاون بين الجميع ويزيل بينهم الحقد والكراهية والحسد.
وهكذا فإن جميع الأعمال الإيجابية الأخرى من العبادات والأذكار التي تعود بالنفع على الإنسان في الأصل هي أعمال قاصرة عليه من حيث المبدأ لأنه يقوم بها امتثالاً لأمر الله لينال رضاه وأجره ويتفادى غضبه وعذابه، ولكن هذا النفع لا يتوقف في هذه الدائرة الذاتية؛ بل يتعداها ليصل إلى جميع الناس.
ب – النفع المتعدي للآخر:
وهي الأعمال التي تعمل لنفع الآخرين، مثل الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضاء حوائج الناس، وقضاء الدين عن المدين، وبناء المدارس والمستشفيات وإقامة الجمعيات الخيرية، وغيرها من الأعمال النافعة.
فحين يقوم المؤمن بقضاء حاجة أخيه المؤمن سواء في الجانب المادي أو المعنوي فإنه يقوم بعمل إيجابي يستفيد منه هذا الفقير والمحتاج، ألا وهو إخراجه من الضيق الذي كان فيه، وقد حث الإسلام على ذلك لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(3). وقوله ﷺ: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه«(4).
وما تحقق من خير في هذا الباب فإنه يؤدي إلى تحقيق آثار إيجابية عظيمة داخل المجتمع، إضافة إلى ما يؤخره الله تعالى للقائم بهذا العمل من أجر وثواب يوم القيامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) [الأنفال: 3-4]
(2) أخرجه البخاري (ص304، رقم 1894) كتاب الصوم، باب فضل الصوم. ومسلم (ص469، رقم 1151) كتاب الصيام، باب فضل الصيام.
(3) [المائدة: 2]
(4) أخرجه مسلم (ص1173، رقم 2699) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 20-09-2025, 09:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(215)


آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (1-7)
للعمل الإيجابي آثار وثمرات على حياة الإنسان بصورة عامة، وعلى النفس والمجتمع بصورة خاصة، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الآثار الناتجة عن حركة الإنسان الإيجابية على الأرض من خلال المعالم الآتية:
أولاً: العمل الإيجابي يدل على سلامة الصدر:
خلق الله تعالى النفس الإنسانية وفيها العنصر الإيجابي المتمثل بالطاعة والخير، والعنصر السلبي المتمثل بالمعصية والشر، قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(1)
والصراع قائم بين هذين العنصرين حسب المقوّمات التي يمتلكها كل عنصر، إلا أن من رحمة الله تعالى أن هيّأ للعنصر الإيجابي الأسباب الكفيلة بالتغلب على العنصر السلبي من خلال الوحي والقرآن والسنة النبوية المباركة، حيث بيّن الله سبيل الهداية وما يؤول إليه من الخير والسعادة في الدنيا، والثواب العظيم في الآخرة، فقال تبارك وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}(2).
فالنفس السلبية تحب التملك لذاتها ولا تريده لغيرها، فجاء الهدي الرباني ليشجع النفس الإيجابية ويدفعها إلى عكس ذلك من القيام بالعمل الإيجابي النافع لها ولغيرها، ليحلّ حب الآخرين والقيام على خدمتهم وقضاء حوائجهم محل الأنانية الضيقة التي لا تريد الخير لأحد، وقد كان هذا التغير في السلوك خطوة نوعية لحياة الأمة في فجرها الأول، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(3).
فإن تلك النفس الأمارة بالسوء التي كانت مقيدة بحب ذاتها في التملك والسيطرة والجاه تحوّلت إلى نفس متواضعة خيّرة، تتحمل المشاق من أجل راحة الآخرين وسعادتهم، بفضل الهدي الرباني والقرآن الذي كان ينزل عليهم، وهو تصوير لما فعلته الأنصار مع المهاجرين رضي الله عنهم جميعًا.
فكل عمل إيجابي يصدر من الإنسان ويصل نفعه إلى الآخرين دليل على صفاء نفس صاحبه وسلامتها من الأنانية المقيتة وحب الذات.
فحين يتصدق أحدهم على الفقراء من ماله فهذا دليل على أن نفسه متحررة من حب المال.
وحين يمشي أحدهم مع أخيه ليقضي له حاجته، رغم مسؤولياته ومشاغله، دليل على محبته وحب الخير له.
وحين يسعى المؤمن من أهل العلم في تعليم الآخرين، أو يعطي المتفوّق والمتخصص خبرته إلى إخوانه، ولا يكتم أحد منهم علمًا على الناس، فهذا يعني أن نفسه تحررت من الأنانية وحب الذات.
وهكذا في جميع الأعمال الإيجابية.
حذّر الإسلام الإنسان من النفس السلبية التي لا تحب الخير للآخرين وتقف مانعًا في طريقه إلى الناس حتى لا يصل أحد إلى ما وصل إليه، لأنها من الآفات النفسية الخطيرة التي تهدد استقرار النفس والمجتمع، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه«(4).
وكمال قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على *** حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ
وخالف النفس والشيطان واعْصِهما *** وإن هما محضاك النصح فاتهمِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[ الشمس: 7-10]

(2)
[النازعات: 40-41]

(3)
[الحشر: 9]

(4)
أخرجه البخاري (ص5، رقم 13) كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ومسلم (ص41، رقم 170) كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم يوم أمس, 04:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(216)


آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (2-7)
ثانيًا: العمل الإيجابي يؤدي إلى الراحة النفسية:
حين يقوم المؤمن بأي عمل إيجابي فإنه يحقق بذلك أمرين:
- طاعة الله تعالى من خلال الامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه.
- جلب المنفعة الذاتية لنفسه، والمنفعة العامة لغيره.
ونتيجة لهذين الأمرين ينزل الله تعالى على النفس السكينة والطمأنينة، لأن العبد يحسّ أنه يؤدي رسالته الحقيقية في الحياة حسب استطاعته وإمكاناته، ويزداد حجم السكينة والهدوء في النفس حين يقرأ كلام الله تعالى ووعده له بحفظه وحمايته وتكفله بتحقيق الأمن والسعادة له كما في قوله جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(1).
كما أعدّ الله تعالى لعباده الصالحين الذين يتحركون وفق تعاليم القرآن والسنة النبوية، الأجر والمثوبة، لأنهم يعمّرون الأرض بما ينفع الناس، وينشرون الهدى فيهم، ويصلحون بينهم، ويقضون حوائجهم، يقول تبارك وتعالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}(2)، ومن الخير الراحة النفسية والسعادة والطمأنينة.
يقول عليه الصلاة والسلام: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»(3).
كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى الأثر النفسي الكبير الذي تتركه إقامة الصلاة على الإنسان، من الراحة والهدوء والسكينة، فقال ﷺ: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1)
[البقرة: 277]

(2)
[النساء: 114]

(3)
أخرجه البخاري (ص394، رقم 2442) كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه. ومسلم (ص1129، رقم 6578) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.

(4)
أخرجه النسائي (7/61، رقم 3939) كتاب عشرة النساء، باب حب النساء. وأحمد (1/197، رقم 1702).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم يوم أمس, 04:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(217)



آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (3-7)
ثالثًا: العمل الإيجابي يحدّ من الجريمة:
إن من أهم ثمرات الإيمان وآثاره هو العمل الإيجابي الذي يعكس التشريع وما فيه من أمر ونهي، فكل ما أمر الشارع بفعله أو ما نهى عن فعله يكون عملاً صالحًا إيجابيًا، وإن اختفت العلة والحكمة منه أو تأخرت، لكنها في النهاية تصبح في مصلحة الإنسان.
وهذا يعني أن العمل الإيجابي الذي هو ديدن المؤمن في كل أحواله من العوامل القوية في استقرار حال الإنسان في النفس والمال والأولاد وجميع مصالحه، وكذلك فإنه يمنع دخول الجريمة والرذيلة والفساد إلى المجتمع.
وفيما يلي بعض الأمثلة:
أ- فأداء الصلاة بإخلاص وإقامتها وفق شرع الله يزيد من إيمان المصلي وقربه من الله تعالى، فيمنعه من الفساد والاعتداء على الحقوق والأعراض، يقول تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(1).
ب- والصيام يلجم اللسان عن أسباب التناحر والتنازع من السباب والغيبة، ويمنع الجوارح عن الاعتداء والظلم، حتى إذا صدر من أحدهم شيء من هذه المفاسد، فإن الصائم يمتنع عن الردّ عليه ويملك نفسه، ويحتسب عند الله تعالى بقوله: اللهم إني صائم، امتثالاً لقول النبي ﷺ: «الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين»(2). ولقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»(3).
وهذا يعني أن الصائم بجوعه وعطشه يطفئ نار الفتنة والشر والتنازع في المجتمع.
ج- كذلك الحال فإن الغني والمقتدر إذا أحسّ بآلام إخوانه المحتاجين وأغدق عليهم من نِعَم الله تعالى وقضى بعض حوائجهم، أو ساهم في تسديد ديونهم، فإنه يقضي بهذا العمل الإيجابي على أسباب الحقد والكراهية من النفوس المقابلة، لأن النفوس مجبولة على حب من تحسن إليها. وهذا يساعد بشكل فاعل في إحلال الأمن بين الناس وعدم الخوف على مصالحهم من الاعتداء أو السرقة أو النهب.
د- من الأعمال الإيجابية التي حث عليها الإسلام الزواج الشرعي، فإنه وإن كان مطلبًا فطريًا إلا أنه في الوقت نفسه عمل إيجابي يحافظ على بقاء النسل الإنساني، ويؤدي إلى إيجاد الرحمة والحنان بين الزوجين، لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(4).
والزواج بهذا المفهوم يساعد إلى درجة كبيرة في نشر الفضيلة بين الناس والمحافظة على الأعراض والأنساب، كما يمنع الجرائم الأخلاقية والوقوع في شراك الرذيلة، وقد أخبر النبي ﷺ عن الأثر الإيجابي الكبير من الزواج بقوله: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»(5).
هـ- إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الأعمال الإيجابية التي حثّ عليها الإسلام وجعله من الواجبات الشرعية المهمة، لقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(6).
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل إيجابي من جانبين:
- الأمر بالمعروف ويشمل كل أنواع الخير والمنفعة للقائم به والمجتمع من حوله.
- النهي عن المنكر يعني النهي عن كل أنواع الشر والفساد بالنسبة للقائم به والمجتمع من حوله.
وبهذا فإن هذا العمل الإيجابي يسهم إلى حدّ كبير في الاستقرار الأمني والتقليل من ارتكاب الجريمة أو حدوث الجناية في المجتمع.
وقد بيّن النبي ﷺ أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حياة الناس بالمثال الآتي: «مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يرمون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه، فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»(7).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه فتدعونه فلا يستجيب لكم»(8).
وهكذا فإن المجتمع الذي يتنافس فيه أبناؤه على العمل الإيجابي يتحوّل إلى كيان متلاحم ومتآلف، لا يمكن تمزيقه أو النيل منه، بل يصبح كالجسد الواحد كما وصفه الرسول ﷺ بقوله: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوًا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»(9).
__________________________________________________ ____________
(1)
[العنكبوت: 45]

(2)
سبق تخريجه.

(3)
أخرجه البخاري (ص306، رقم 1903) كتاب الصيام، باب من لم يدع قول الزور والعمل به.

(4)
[الروم: 21]

(5)
أخرجه البخاري (ص307، رقم 1904) كتاب الصوم، باب الصوم لمن خاف على نفسه العنت. ومسلم (ص585، رقم 1400) كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة.

(6)
[آل عمران: 104]

(7)
أخرجه البخاري (ص338، رقم 2686) كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات.

(8)
أخرجه أبو داود (ص175، رقم 1175) كتاب الاستسقاء، باب رفع اليدين في الاستسقاء.

(9)
سبق تخريجه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #218  
قديم يوم أمس, 04:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(218)


آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (4-7)
رابعًا: العمل الإيجابي يعالج الفقر ويقلل منه:
لقد حرص الإسلام على إقامة بعض الأعمال الإيجابية في حياة الناس من أجل تفادي الفقر والحدّ منه ومعالجته وفق الآتي:
1-أمر الله تعالى عباده بالعمل المشروع والسعي في الأرض طلبًا للرزق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(1).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده». رواه البخاري، وقال: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه»(2).
فالعمل المشروع والسعي في الأرض من أجل الحصول على الرزق، سلوك إيجابي وحضاري، وإن كان هذا العمل مجهدًا ومتعبًا في كثير من الأحيان، إلا أنه أفضل عند الله تعالى من الركون إلى الكسل والنظر إلى ما في أيدي الناس.
2- فرض الله تعالى على عباده الزكاة، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(3)، كما حثّهم على الصدقة والإحسان إلى المحتاجين، ونهى عن الشح والبخل، فقال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ}(4).
وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له»(5).
وهذه خطوات أخرى تساند الخطوة الأولى من أجل تفادي الفقر أو الحدّ منه، لأن الإنسان قد يعمل ويجهد ولكنه لم يستطع إيفاء حاجات الحياة الضرورية لنفسه ولأسرته، ففرض الله الزكاة وحثّ على الإنفاق والصدقة ليخفف عن إخوته ثقل المسؤولية المالية.
3- نهى الشرع عن المسألة واتخاذها حرفة لحاجة أو لغير حاجة، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم»(6). وقال أيضًا: «اليد العليا خير من اليد السفلى. واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة»(7).
والانتهاء عن هذا السلوك السلبي – حسب مفهوم المخالفة – يعدّ عملاً إيجابيًا، لأنه عزّة للنفس وحصانة لها، إضافة إلى إعطاء صورة راقية للمجتمع والأمة.
فهذه الوسائل الثلاث كفيلة للحدّ من امتداد الفقر إلى المجتمع والتقليل منه، أو معالجته إذا ظهر بين بعض الفئات بصورة سريعة وعاجلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[الملك: 15]

(2)
أخرجه البخاري (ص381، رقم 2374) كتاب المساقاة، باب الحطب والكلأ.

(3)
[البقرة: 110]

(4)
[الليل: 5-10]

(5)
أخرجه مسلم (ص767، رقم 1728) كتاب اللقطة، باب استحباب المواساة بفضول المال.

(6)
أخرجه البخاري (ص239، رقم 1474) كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثرًا. ومسلم (ص418، رقم 1040) كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس.

(7)
أخرجه البخاري (ص231، رقم 1429) كتاب الزكاة، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى. ومسلم (ص413، رقم 1033) كتاب الزكاة، باب بيان أن اليد العليا خير من السفلى.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #219  
قديم يوم أمس, 04:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(219)


آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (5-7)
خامسًا: العمل الإيجابي سبب لمحبة الله ومحبة الناس:
إن العمل الصالح يثمر للعبد محبتين: محبة الله تعالى، ومحبة عباده الصالحين:
- فأما محبة الله تعالى، فيقول جل وعلا: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(1).
فجاءت محبة الله تعالى بعد تحقق الإيمان والعمل الصالح، وتحقق خشية الله والإحسان إلى الناس لتكون بمثابة مكافأة وجزاء لهم على هذه الأعمال الإيجابية.
ويقول تعالى في موضع آخر: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(2)
هنا أيضًا إشارة إلى عمل إيجابي يحصل به العبد على محبة الله تعالى، ألا وهو الإنفاق في سبيل الله بإخلاص وسخاء، وعدم التأخر عن اللحاق بقافلة الجهاد وبذل الأموال في سبيلها.
والحديث النبوي السابق ذكره الذي نحن بصدد دراسته خير شاهد على تحقق هذه المحبة إذا أحسن العبد إلى إخوانه المؤمنين.
وإذا أحب الله تعالى عبدًا أحبه أهل السماء جميعًا من الملائكة وغيرهم، لقول النبي ﷺ: «إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحببه. فيحبه جبريل، فيُنادى في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض«(3).
- وأما محبة عباد الله الصالحين، فيقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا}(4).
أي إن المؤمنين الذين يتحركون وفق منهج الله تعالى ويسعون ويعملون من أجل تحقيق المنافع المختلفة على الأرض، فإن الله سيجعل في قلوب عباده محبتهم ومودتهم.
فالقلوب مجبولة لحب من يحسن إليها، ووجوه الإحسان كثيرة ومتنوعة، فمنها إدخال السرور إلى قلب المؤمن، أو دفع الجوع عنه، أو قضاء دينه، أو المشي معه حتى يحصل على حقه، أو ستر عورته وعيوبه، كل ذلك وغيرها من الأعمال الإيجابية تكون سببًا لكسب حب الناس وقربهم وتوددهم.
وصدق الشاعر حين قال:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسانَ إحسان
وصدق الآخر بقوله:
من يصنع الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1)
[المائدة: 93]

(2)
[البقرة: 195]

(3)
أخرجه البخاري (ص536، رقم 3209) كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة. ومسلم (ص1148، رقم 2637) كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبدًا أمر جبريل فأحبه وأحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.

(4)
[مريم: 96]




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #220  
قديم يوم أمس, 07:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,344
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

حيـــــــــاة الســــــعداء
الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

(220)


آثار العمل الإيجابي على النفس والمجتمع (6-7)
سادسًا: العمل الإيجابي سبب للتوفيق في الحياة:
لقد أمر الله تعالى عباده بالعمل الإيجابي، وأخبرهم أن أثر العمل يظهر على الواقع، يشاهده الله والناس، فمن عمل خيرًا فلنفسه ومن أساء فعليها، فقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}(1).
فإذا كان هذا العمل إيجابيًا ويصل خيره ونفعه إلى الناس فإن الله تعالى يكافئ صاحبه بالتوفيق والنجاح في الحياة، فضلاً عن المثوبة العظيمة في الآخرة، حيث تفتح أمامه أبواب الخير من العلم النافع، والمال الحلال، والعيش الرغيد، والمنزلة الرفيعة عند الناس، والتمكين في الأرض والتغلب على الأعداء، كما تتحرر نفسه من الخوف والقلق والاضطراب، وغيرها من أنواع التوفيق والسداد، يقول تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(2). ويقول أيضًا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(3).
فهذا وعد من الله تعالى لعموم العمل الإيجابي بتحقيق الغلبة والنصر والتمكين، وحصول الأمن النفسي وراحة البال.
كما يخصص الوعد الإلهي أحيانًا بعض الأعمال الصالحة وبما يترتب عليها من جزاء دنيوي قبل الأخروي، حيث ذكَرَ الله المهاجرين في سبيله الذين تركوا الأوطان والأهل والديار، فيبدلهم بتلك المشقةِ العيشَ الرغيد والسعة في الرزق ف الدنيا، والأجر العظيم في الآخرة، يقول تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}(4).
وذلك لأن العمل الإيجابي بصورة عامة يتعدى نفعه لجميع ميادين الحياة، على الإنسان والدواب والرزاعة والصناعة والتجارة وكل ما له شأن بالكون، وصدق الله إذ قال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(5).
حيث يمتد هذا النفع ولا ينقطع، ويستفيد منه جيل وراء جيل، مثل الصدقة الجارية التي حثّ عليها الإسلام وجعلها من الأعمال الإيجابية المهمة، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له«(6).
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام قصة المزارع الصالح الذي كان يخرج الصدقة من حديقته، فكافأه الله تعالى بمزيد من الخير والبركة، وعناية خاصة لأرضه وزراعته، يقول عليه الصلاة والسلام: «بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتًا في سحابة اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له يا عبد الله: ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة. فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا؛ فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه«(7).
ويقول تبارك وتعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}(8).
فمن يعمل صالحًا ويقدم خيرًا للعباد فإن الله تعالى يعوضه بذلك خيرًا كثيرًا، وتوفيقًا في الحياة وبركة في المال والبنون، يقول عليه الصلاة والسلام: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل»(9). ويقول أيضًا: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا»(10).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
[التوبة: 105]
(2)
[النور: 55]
(3)
[الأنبياء: 105]

(4)
[النساء: 100]

(5)
[إبراهيم: 24-25]

(6)
أخرجه مسلم (ص1631، ص716) كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته.

(7)
سبق تخريجه.

(8)
[الأعراف: 58]

(9)
أخرجه البخاري (ص227، رقم 1410) كتاب الزكاة، باب الصدقة من كسب طيب. ومسلم (ص409، رقم 1014) كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها.

(10)
أخرجه البخاري (ص233، رقم 1442) كتاب الزكاة، باب قول الله: (فأما من أعطى واتقى). ومسلم (ص408، رقم 1010) كتاب الزكاة، باب في المنفق والممسك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 224.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 218.80 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]