النبي القدوة -صلى الله عليه وسلم- في الرد على من أساء إليه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الإســــراء والمعراج- معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أعجزت أعداء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          عندما يرحل الأبناء بعيدا تنادي الأم – أحتـاج إلى قُـربَـك يا ولــدي! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          شهـــــر شعبان أحكام وآداب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 46 - عددالزوار : 14739 )           »          قناديل على الدرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 32 - عددالزوار : 8448 )           »          والله لا يؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          نصائح مهمة لأبنائنا على أبواب الامتحانات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الأمة والحاجة لغرس روح المبادرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          هموم الأسرة يزول من خلال مشروع عملي في الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيف تحمي نفسك من جلطة القلب؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-09-2025, 07:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,879
الدولة : Egypt
افتراضي النبي القدوة -صلى الله عليه وسلم- في الرد على من أساء إليه

النبي القدوة -صلى الله عليه وسلم- في الرد على من أساء إليه

السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى
الحمد لله الذي نوَّر بجميل هدايته قلوبَ أهل السعادة، وطهَّر بكريم ولايته أفئدةَ الصادقين، فأسكن فيها ودادَه، ودعاها إلى ما سبق لها من عنايته، فأقبلت مُنقادة، الحميد المجيد الموصوف بالحياة والعلم والقدرة والإرادة، نحمَده على ما أَولى من فضل وأفادَه، ونَشكُره معترفين بأن الشكر منه نعمةٌ مُستفادة.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، شهادة أَعُدُّها من أكبر نِعَمه وعطائه، وأَعُدُّها وسيلة إلى يوم لقائه.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، الذي أقام به منابر الإيمان ورفَع عماده، وأزال به سِنان البهتان ودفَع عناده.

وشفِّع فيَّ خيرَ الخلائق طُرًّا
نبيًّا لم يزل أبدًا حبيبَا
هو الهادي المشفَّع في البرايا
وكان له رحيمَا مُستجيبَا
عليه من المهيمن كلَّ وقت
صلاةٌ تَملأ الأكوان طِيبَا


وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسَّك بسنته، واقتدى بهدْيه، واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

اصطفى الله عز وجل نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وفضَّله على العالمين، وفطره على صفات وأخلاق عظيمة، ظهرت على معاملاته الطيبة مع الصديق والعدو، والموافق والمخالف، وكان من أثر ذلك أن القلوب فاضت بحبِّه، بما لا تَعرِف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشَروه أحبُّوه، لِما رأوا من كمال خُلُقِه، فقد أدَّبه ربُّه فأحسَن تأديبه، حتى خاطبه مثنيًا عليه، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:4].

ومن جميل وعظيم أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أن حِلمه مَع مَن أساء إليه وجهِل عليه، اتَّسع حتى جاوز العدل إلى الفضل.

سبُّ الأنبياء والمصلحين سنةُ الكافرين:
أيها الإخوة الأعزاء، ما بين الفَينة والفينة نرى أقزامًا تتطاول على سيد الرجال -صلى الله عليه وسلم- ويَكيلون له ولدعوته التُّهم والشتائم في الأندية وفي الأسواق، وتلك هي سنة الكافرين كما أخبرنا ربُّ العالمين في غير ما آية من كتابه الكريم؛ قال الله سبحانه: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: 52-53].

﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ﴾؛ أي: هل أوصى بعضهم بعضًا بهذه الكلمات، فيرددها الأولون والآخرون؟

هل أوصى بعضهم بعضًا بهذه الكلمات المكررة التي يردِّدها الجميع وجاءت على لسان الكل؟

الجواب لا قطعًا؛ لأنهم متباعدون في الفترة والمكان، وخاصة في الأزمنة المتقدمة؛ حيث لا توجد لديهم وسائلُ اتصالات حديثة حتى يُعلِّم بعضهم بعضًا هذه التهمَ، أو يسمعها هؤلاء من هؤلاء، وليس من المعقول أن يعلم الذين في المشرق ما قاله إخوانهم في المغرب لرسولهم، فيُعيدوا له ما قال أولئك.

إذًا فما السر؟
وكيف توارثت أجيالُ الكفرِ والنفاق أساليبَ السخرية دون أن يكون بينها وصايا مخطوطة أو مسموعة؟ اسمعوا الإجابة: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات: 53].

هيَّا لنتعرف على هدي خير العباد مع أهل الكفر والعناد:
الموقف الأول:
عن عائشة قالت: بينما أنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ استأذنَ رجلٌ من اليهود فأذِنَ له، فقال: السام عليك، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وعليكَ، قالت: فهَمَمْتُ أنا أتكلَّمَ، قالت ثمَّ دخلَ الثانية، فقال مثلَ ذلك، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وعليكَ، قالت: ثمَّ دخل الثالثة فقال: السامُ عليك، قالت: قلتُ: بل السامُ عليكم وغَضَبُ الله، إخوانَ القِرَدة والخنازير، أتُحَيُّون رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بما لم يُحَيِّه به الله، قالت: فنظر إليَّ فقال: "مَهْ، إن الله لا يُحِبُّ الفُحشَ ولا التَفَحُّش، قالوا قولًا فرَدَدْناه عليهم، فلم يَضُرَّنا شيئًا، ولَزِمهم إلى يوم القيامة، إنَّهم لا يحسُدُوننا على شيءٍ كما يحسُدُوننا على الجمعة التي هدانا اللهُ لها، وضلُّوا عنها، وعلى القِبلة التي هدانا اللهُ لها وضَلُّوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين"[1].

(فقالوا: السام) هو الموت، وقيل: الموت العاجل، وجاءت الرواية في الجواب بالواو وحذفها، والحذف لرد قولهم عليهم؛ لأن مرادهم الدعاء على المؤمنين، فينبغي للمؤمن ردُّ ذلك الدعاء عليهم، وأما الواو فإنما ذُكرت تشبيهًا بالجواب، والمقصود هو الرد.

الموقف الثاني:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَعَليْهِ رِدَاءٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، نَظَرْتُ إِلى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللهِ الذِي عِنْدَكَ، فَالتَفَتَ إِليْهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ[2].

لقد جبَذ الأعرابي النبيَّ صلى الله عليه وسلم بردائه جبذةً شديدة، أثَّرت في عاتقه، ولم يتلطَّف في طلب مسألته، بل قال: "يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك"، فناداه باسمه، وفي هذا جفاء وغلظة، وسوءُ أدبٍ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد قال الله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور:63]، روى ابن كثير عن ابن عباس، قال: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل، عن ذلك؛ إعظامًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، قال: فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وقال مقاتل بن حيان في قوله: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ يقول: لا تُسَمُّوه إذا دعوتُموه: يا محمد، ولا تقولوا: يا بن عبد الله، ولكن شرِّفوه، فقولوا: يا نبي الله، يا رسول الله.

ومع ما فعَله الأعرابي من الغِلظة والإساءة باليد واللسان إليه -صلى الله عليه وسلم- فقد التفت إليه مبتسمًا، وأمرَ له بعطاء، قال النووي: "فيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفْع السيئة بالحسنة، وإعطاء مَن يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرةٍ لا حدَّ فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يُتعجَّب منها في العادة، وفيه كمالُ خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحِلمه وصَفْحه".

الموقف الثالث:
اختبار اليهودي زيد بن سَعْنَةَ للرسول - صلى الله عليه وسلم: فقد كان زيد يريد أن يُسلم، ولكن قبل إسلامه أراد أن يختبر الرسول الكريم في عدة صفات، فقال: ما مِن علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرَفتها في وجه محمد -صلى الله عليه وسلم- حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أَخْبُرهما منه - (أي لم أختبره ولم أكشفهما فيه) -: "يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَلْطُفُ لَهُ لأنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِه".

فاتَّفق زيد مع النبي على صفقة مادية على أن يأخذ زيد حقَّه في أجل معلوم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا أَرَادَ هَدْيَ زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا شَيْئَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ هَلْ يَسْبِقُ «حُلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا»، فَكُنْتُ أَلْطُفُ بِهِ لَئِنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفُ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ، وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةُ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَكُنْتُ حَدَّثَتْهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا آتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَقُحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ، فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينُهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ إِلَيَّ رَجُلٌ وَإِلَى جَانِبِهِ أُرَاهُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «لَا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنْ أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، وَلَا أُسَمِّيَ حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَطْلَقْتُ هِمْيَانِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَعْطَاهَا الرَّجُلُ، فَقَالَ: اعْدِلْ عَلَيْهِمْ وَأَعِنْهُمْ بِهَا، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ، وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ، فَقُلْتُ لَهُ: أَلَا تَقْضِيَنِي يَا مُحَمَّدُ حَقِّي، فَوَاللَّهِ مَا عُلِمْتُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَيِّئَ الْقَضَاءِ مَطْلٌ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُخَالَطَتِكُمْ عِلْمٌ، وَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهِهِ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَسْمَعُ وَتَصْنَعَ بِهِ مَا أَرَى، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا مَا أُحَاذِرُ قُوَّتَهُ، لَضَرَبْتُ بِسَيْفِي رَأْسَكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ أَنَا وَهُوَ كُنَّا أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ، وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ التِّبَاعَةِ اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ فَأعْطِهِ حَقَّهُ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْ أَزِيدَكَ مَكَانَ مَا نَقِمتُكَ»، قُلْتُ: أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ، قَالَ: الْحَبْرُ، قُلْتُ: الْحَبْرُ، قَالَ: فَمَا دَعَاكَ أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا فَعَلْتَ، وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ قُلْتُ لَهُ: يَا عُمَرُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَيْنِ لَمْ أَخْبُرْهُمَا مِنْهُ: «هَلْ يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا تَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا»، فَقَدِ اخْتَبَرْتُهُمَا فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي قَدْ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنْ شَطْرَ مَالِي - فَإِنِّي أَكْثَرُهُمْ مَالًا - صَدَقَةً عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنَّكَ لَا تَسَعَهُمْ قُلْتُ: أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَبَايَعَهُ، وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ زَيْدٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، وَرَحِمَ اللَّهُ زَيْدًا[3].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون، عاقبة المستهزئين:
إليكم أيها الإخوة الأحباب عاقبةَ مَن استهزاء برسل رب الأرباب، ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾[الأنعام: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾[الرعد: 32].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾[الطور: 29 - 34].

كلب يغار على مَن سبَّ النبي المختار-صلى الله عليه وسلم-:
من جنود الرحمن التي دافعت عن سيد ولد عدنان -صلى الله عليه وسلم- ذلك الكلب الذي سطَّر التاريخ ذكرَه كما سطَّر الله تعالى ذكر كلب أصحاب الكهف في سورة الكهف، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 31].

يقول ابن حجر - رحمه الله - ذكر عن جمال الدين إبراهيم بن محمد الطيبي أن بعض أمراء المغول تنصَّر، فحضر عنده جماعة من كبار النصارى والمغول، فجعل واحدٌ منهم ينتقص النبي -صلى الله عليه وسلم- وهناك كلب صيد مربوط، فلما أكثر من ذلك وثَب عليه الكلب فخمَشه، فخلَّصوه منه، وقال بعض من حضر هذا بكلامك في محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال: كلا، بل هذا الكلب عزيز النفس، رآني أُشير بيدي، فظنَّ أني أريد أن أضرِبه، ثم عاد إلى ما كان فيه، فأطال فوثب الكلب مرة أخرى، فقبَض على زَردمته، فقلَعها فمات من حينه، فأسلَم بسبب ذلك نحو أربعين ألفًا من المغول[4].

اللهم استُرنا ولا تفضَحنا، وأَكرِمنا ولا تُهنا، وكُن لنا ولا تكُن علينا.

اللهم لا تدَع لأحدٍ منا في هذا المقام الكريم ذنبًا إلا غفَرته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا همًّا إلى فرَّجته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا عاصيًا إلا هديته، ولا طائعًا إلا سدَّدته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتَها يا رب العالمين.

اللهم اجعل جَمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرُّقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيًّا أو محرومًا.

اللهم اهدِنا واهدِ بنا واجعلنا سببًا لمن اهتدى.

اللهم إن أردتَ بالناس فتنةً، فاقبِضنا إليك غيرَ خزايا ولا مفتونين، ولا مغيِّرين ولا مبدِّلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم احمِل المسلمين الحُفاة، واكسُ المسلمين العراة، وأطعِم المسلمين الجياع.

اللهم لا تَحرِم مصر من الأمن والأمان.

‌اللهم مَن أرادنا وأراد ديننا وديارَنا وأمننا وأمتنا، وولاةَ أمرنا وعلماءَنا واجتماعَ كلمتنا - بسوءٍ، اللهم فاشْغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين.

‌اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب الْمُصطفى، والنبي الْمُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

‌اللهم عليك باليهود الغاصبين المُحتلين، فإنهم لا يُعجزونك، اللهم أنزِل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

‌اللهم وفِّقنا للتوبة والإنابة، وافتَح لنا أبوابَ القَبول والإجابة، اللهم تقبَّل طاعاتنا ودعاءنا، وأصلَح أعمالنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتُبْ علينا، واغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين.

[1] أخرج البخاري في المفرد 3/ 551 (988)، وابن ماجه، 1/ 278 (856).

[2] الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم (2/ 391).

[3] أخرجه الطبراني (5 /222 رقم 5147)، قال الهيثمي (8 /240): رجاله ثقات، والحاكم (3 /700، رقم 6547)، وقال: صحيح الإسناد.

[4] الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة - (ج 1 / ص 386).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 61.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]