الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4997 - عددالزوار : 2118170 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4577 - عددالزوار : 1396356 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12 - عددالزوار : 376 )           »          تأملات في سورة يوسف عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 42 )           »          خواطرفي سبيل الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 157 )           »          قلبٌ وقلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 169 )           »          كعب بن مالك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          فقه إدارة الخلاف المذهبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          أنت حبيب الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 2783 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 30-08-2025, 01:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (209) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (5)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة الرابعة:
إن الاحتجاج بأننا وجدنا من سبقنا على طريقة، ولا بد وأن نسير على طريقتهم -سواء في الاعتقاد أو في العمل أو في السلوك-؛ ليس من حجة أهل الإسلام وأهل الإيمان، وإنما هي من كلام أهل الباطل والكفران، ولا يتشبه بهم أهل الإسلام ولو في فروع دينهم، وإنما أمرهم الله -عز وجل- أن يسألوا أهل الذِّكْر عن الذكر إذا جهلوه؛ قال الله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، وأهل الذكر هم أهل العلم، وأما الذكر فهو الذكر المنزَّل من الله -عز وجل- على نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
وهو يشمل الكتاب والسُّنة؛ فأنت تسألهم عن الذكر، وليس عن رأي فلان، ولا مذهب فلان؛ فضلًا عن أن ينتقي له من أقوال المختلفين ما يوافق هواه، وما يظن أنه تتحقق به المصلحة الوهمية فإنما تعرف المصالح بموافقة الشريعة، وليس بالانتقاء من المذاهب ما تشتهيه الأنفس؛ فالواجب أن يُسأل العالم عن حكم الشرع عن الذكر الذي هو أهله، وهو يعلمه، وهذا من أوضح البيان.
والواجب على العَالِم: أن يجتهد في معرفة حكم الشرع لا في البحث عن الآراء المتناقضة التي ينتقي منها ما يشتهي الناس، ويختار لهم الرأي الأسهل تيسيرًا لهم -بزعمه!-، وليس الأمر كذلك؛ فليس هذا بالسهل، ولا بالطريق المرضي؛ فمن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله.
وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على عدم جواز الانتقاء من المذاهب بالهوى، ومَن خالفه مِن بعده، خالف الإجماع السابق القديم؛ فلا حجة له فيما يدعيه من وجود من جوَّز ذلك بعد ذلك.
والزنادقة يتعلقون -دائمًا- بمثل هذه الطريقة من انتقاء الأقوال الباطلة من المذاهب المختلفة؛ كما يزعم أحدهم في زماننا: جواز شرب البيرة، وجواز النظر إلى أجساد الكافرات العارية، وجواز التعامل بالربا، وجواز سماع المعازف والألحان والأغاني، وهو يجمع الضلال كله في ذلك؛ كما قال غير واحد من السلف: إذا أخذت بمذهب أهل العراق في الشراب، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في الصرف، اجتمع فيك الشر كله!
ثم إذا لم يجدوا أقوالًا توافق أهواءهم فيمن مضى يتبرع أحدهم بالمخالفة، ويأتي بقول محدث يأتي مَن بعده ويقول: هذا قول الشيخ فلان، وهو أحد الأقوال، كما قد نقلوا هم الاتفاق في المذاهب على عدم جواز تهنئة الكفار بأعيادهم ثم هم يخالفونها، وينقلون اتفاق المذاهب المختلفة، بل إجماع المسلمين على كفر مَن يخالف دين الإسلام ثم يحدثون أقوالًا بأن ذلك قول معتبر بمساواة الأديان، وهذا كله من أعظم أسباب الزندقة، وإدخال الخلل على عقائد المسلمين وأعمالهم.
وعلى طالب العلم أن يأخذ من أقوال العلماء بالدليل، وعلى مَن لا يعلم أن يسأل أهل الذكر عما لا يعلمه؛ يسألهم عن الذكر حتى ولو على طريق الترجمة والإجمال إن لم يكن يستطيع فهم الأدلة، وطرق الاستنباط منها، فيسألهم عن حكم الشرع في هذا، ويسألهم عن حكم الكتاب والسنة.
والواجب على كل مسلم: أن يتجنب التعصب الأعمى؛ وهو: أن يتبع غيره على أمرٍ قد بانت له فيه السنة؛ فقد قال الشافعي -رحمه الله-: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له السنة لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس"، وإنما بيَّن العلماء لزوم عدم التقليد حتى لا يقع الناس فيما وقع فيه المتقدمون ممَّن عبدوا غير الله بسبب التقليد (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 53).
الفائدة الخامسة:
قوله -تعالى-: (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ): دل ذلك على أنه لا بد من كشف الباطل، وعدم المداهنة في الحق لأجل أنه صادر عن الآباء والأجداد، أو السادة والكبراء، وبهذا جَهَر إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- بالحق وصدع به؛ فليس مقام الدعوة مقام مجاملة، ولا مداهنة، ولا يحتمل هذا المقام أن يتكلم الناس بالباطل في صيغة الحق، ولا يحتمل على أن يُسكت عن الضلال البيِّن، ولا عن فضحه في نفوس أصحابه؛ من أجل ألا ينفِّرهم؛ فقد نَفَر كثيرٌ من أقوام الرسل بسبب كلام الرسل بالحق، وبيانهم أن قومهم على ضلال، وسموا ذلك شتمًا لآلهتهم، وتسفيهًا لعقولهم، ولم يدفع ذلك الرُّسُل إلى أن يغيروا أسلوب مواجهتهم للباطل، وألا يسموه بغير اسمه؛ (قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
ذلك أن الحق لا يقوم في قلب الإنسان إلا بهدم الباطل والبراءة منه، وعدم المداهنة فيه، وإنما يمكن للداعي إلى الله أن يغير وسيلة الدعوة بأن يتكلم بأسلوب غير الذي كان يتكلم به حسب مقتضى الحال؛ فيمكنه أن يغيِّر أرض الدعوة، ويهاجر إلى أرض أخرى، ويمكنه أن يغير المدعوين، وأن يدعو غير مَن أعرضوا عن دعوته، ولكن لا يمكن أن يغير الحق، ولا أن يقول الباطل، ولا أن يداهن فيما يعلم أنه من شرع الله؛ فإنه لا بد أن يبيِّن الباطل ويصفه باسمه، ويقول: "إنه ضلال مبين" -كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام-.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 30-08-2025, 01:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (210) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (6)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة السادسة:
قوله -تعالى-: (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ): دليل على أن أكثر البشر يعيشون حياتهم على أن الأمور كلها لعب ولهو؛ حتى الدِّين يأخذونه باللعب! كما قال -تعالى-: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا) (الأنعام: 70)، وقال -تعالى-: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (الزخرف: 83).
فأكثر الناس في لهو ولعب حتى جعلوا قضية الإيمان تحتمل أيضًا المزاح، وتحتمل السخرية، وتحتمل اللهو واللعب فيها -والعياذ بالله من ذلك-؛ كما قال -سبحانه وتعالى- عن المنافقين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة: 65، 66).
ولذا بين أهل العلم أن الاستهزاء واللعب بآيات الله -سبحانه وتعالى-، أو برسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو بأي أحدٍ من الرُّسُل الكرام، وكذا الملائكة، أو الاستهزاء واللعب بالجنة والنار، أو بركنٍ من أركان الإسلام، أو شعائره المعلومة من الدِّين بالضرورة؛ أن ذلك كله -ونحوه- من الكفر الأكبر الناقل عن الملة.
بل جعل كثيرٌ من الناس قضية الموت والحياة، وما أخبر الله به من البعث والنشور، من اللعب؛ مع أن الموت أكبر اليقينيات عند الناس؛ فالكل يعلم أنه سوف يموت، ومع ذلك يجعلون ذلك مادة للعب والسخرية والمزاح -نعوذ بالله-.
وكذا جعلوا تصديق الأنبياء والالتزام باتباع كُتُب الله التي أنزلها إليهم، مِن الأمور التي يمكن فيها اللعب، ولذا قال قوم إبراهيم له: (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ)؛ فقد تعودوا على أن يجعلوا في الدِّين من اللهو واللعب، بل كثيرٌ مِن الناس يأخذ من الدِّين ما يشتهي لكي يتخذه لعبًا -والعياذ بالله من ذلك-.
فاحذر أيها المسلم أن تكون على هذا الطريق، ولو في جزئية من جزئيات حياتك، أو في فرع علمته من الدين؛ فإن الخطر في ذلك عظيم، بل تعظيم شرع الله -عز وجل- أمر لازم من لوازم الإيمان، وجزء من أجزائه، وركن من أركانه لا يحصل الإيمان بدون تعظيم شرع الله -عز وجل-، وتعظيم أوامره.
وقد أفتى بعض الحنفية: بكفر مَن صَلَّى بغير وضوء عامدًا؛ قالوا: لأنه يستهزئ بهذه الشعيرة، وإن كنَّا نرجِّح قول جمهور العلماء أنه يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر دون أن يكفر، لكن نذكر ذلك لأجل أن يُعلَم أن تعظيم الشرع عند أهل العلم، لا يمكن أن يُفقَد من قلب مسلم.
المسالة السابعة:
قوله -تعالى-: (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ): بعد أن بيَّن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ضلال ما هم عليه، وأن عبادة الأصنام هي الباطل الذي لا خفاء فيه صَرَّح بالحق حتى يكون الحق مبنيًّا في القلوب على طهارة؛ يبدأ بالنفي ويُثَنِّي بالإثبات، يهدم الشرك ويبني التوحيد؛ يقول: "لا إله إلا الله"؛ فلا إله: تبرؤ من الشرك وأهله، وإلا الله: إثبات للتوحيد؛ كما قال الله -تعالى- عنه في سورة الزخرف: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف: 26-28).
جعلها الله -عز وجل- كلمة باقية؛ كلمة: "لا إله إلا الله" لا يزال في ذريته مَن يقولها؛ لم تمحَ هذه الدعوة دعوة التوحيد من ذرية إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان الشرك قد طرأ على كثيرٍ من ذريته، بل قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الشرك قد طرأ على عامة أهل الأرض كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ ‌فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ؛ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) (رواه مسلم)، فبقي في أهل الكتاب بقايا كما دلَّ عليه الحديث، وبقي في العرب كذلك بقايا على التوحيد؛ كزيد بن عمرو بن نوفيل الذي أدركه النبي -صلى الله عليه وسلم- في شبابه، وكان لا يسجد للأوثان، ولا يأكل مما ذُبِح لها، ولا يعبد إلا الله، ولكنه لا يدري كيف يعبده؛ فكان يخر على بعيره.
فلنعرف هذا الدرس جيدًا من دروس الدعوة إلى الله؛ الذي ضيعه كثيرٌ ممن ينتسب إلى الدعوة، وممن ينتسب إلى الدِّين والعلم، وهو أن يداهن أهل الباطل، لا يصرح بباطلهم، وربما اكتفى بالتصريح ببعض الحق دون أن يبيِّن الباطل!
وفي قوله -تعالى-: (قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ): استدلال على توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية، فَفَطْرُ السماوات والأرض أي: خَلْقُهن على غير مثال سابق أوضح دليل على استحقاق الرب -سبحانه وتعالى- للعبادة.
ومن معاني الرب الإله أيضًا: وإن كان ذلك ليس مشهورًا عند كثيرٍ من الناس، فإن معنى السيد الكامل السؤدد من معاني الرب: يدخل فيه معنى الإله؛ كما ذكره غير واحد من أهل اللغة، وذكروا أن الرب هو الإله، وقد كثر استدلال القرآن بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية في مواضع عديدة؛ قال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 21، 22).
وقال -سبحانه وتعالى-: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ . أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ . أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل: 59-64).
وكذلك قال -سبحانه وتعالى-: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ . نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ . عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ . وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ . أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ . لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ . إِنَّا لَمُغْرَمُونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ . أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ . لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ . أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ . نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة: 58-74).
فهذه الآيات كلها تذكير لربوبية الله، ومظاهر هذه الربوبية؛ للاستدلال بها على وجوب إفراده -عز وجل- بالعبادة، سبحانه وبحمده، سبحان ربنا العظيم.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 07-09-2025, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (211) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (7)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة الثامنة:
قوله -تعالى-: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أي: أقسم بالله أن أكيد الأصنام بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدكم، فهو يريد هدمها في نفوسهم، ويريد هدمها في حقيقة الواقع، وإن كانت إرادة هدمها في النفوس مقدَّمة على هدمها في حقيقة الواقع؛ ولذا كاد هذه الأصنام بأن نَظَر (نَظْرَةً فِي النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (الصافات: 88-89)؛ ليشتغلوا عنه ويتركوا أخذه معهم إلى عيدهم، وهو يقصد بقوله: (إِنِّي سَقِيمٌ): إني سقيم منكم، أو إني سأمرض قبل الموت -على الأقل-، ولا بد من أحد هذه الأنواع من التعريضات حتى يتسنَّى له أن يخلوَ بالأصنام.
ودخل البهو الكبير -الذي قد وضعت فيه الأصنام-، وقد جعلوا أمامها طعامًا قرَّبوه إليها لأجل أن تبرِّكه تلك الآلهة المزعومة! وعجبًا لهم يرونها أحجارًا صماء ومع ذلك يتركونها وحدها لتبرِّك ذلك الطعام! فقال إبراهيم -صلى الله عليه وآله وسلم- للأصنام مستهزئًا ساخرًا: (فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) (الصافات: 91)؛ حتى تنفي عن نفسها نقيصة الأكل؛ فإن الأكل في الحقيقة علامة على الحاجة والضعف والفقر، وهو يقول: (فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ)؛ استهزاءً وسخرية؛ لأنه يعلم أنهم لا يأكلون، وأيضًا لا ينطقون، ثم قال: (مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ) (الصافات: 92)؛ فعند ذلك راغ وأسرع على تلك الأصنام ضربًا باليمين؛ لأنها أقوى؛ قال الله -عز وجل- حكاية عنه: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا) أي: فتاتًا قطعًا صغيرة- (إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).
لماذا ترك إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الصنم الكبير؟
مع أنه لو كان الغرض فقط هو تكسير الأصنام في الواقع؛ لكان أولى بالتكسير هذا الصنم الكبير أن يبدأ به؛ إذ هو الكبير عندهم، ومع ذلك تركه إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك أن هذا الصنم منكر، بل من أعظم المنكر، لكن تركه إبراهيم؛ لكي يتمكَّن من إزالة المنكر الذي هو أكبر منه؛ الذي هو الشرك الذي تعلَّق في القلوب، فلا يكفي أن تُكسر الأصنام أو الأوثان، وتظل القلوب متعلقة بها؛ فالذي يفعل ذلك لم يغيِّر شيئًا في الحقيقة، سوف يعبدون صنمًا بدلًا منه، ينحتونه من جديد، أو يجددون ذلك الصنم بعينه وذلك الوثن؛ إن لم تهدم عبادة هذه الأصنام في القلوب، وإذا لم يهدم الشرك في القلوب.
وفي هذا دليل على مراعاة المصلحة والمفسدة في قضية الدعوة إلى الله، وأنه يجوز ترك بعض المنكر للتمكُّن من إزالة ما هو أكبر منه؛ لا رضًا بالمنكر، ولا إقرارًا به، ولكن إثارة لعقول البشر في إزاحة الباطل عنهم، وإقامة للحجة عليهم؛ كما فعل إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، وذلك حتى يتمكَّن بذلك من هدم الباطل في القلوب، وهذا هو الغرض المقصود؛ سواء تحقق أم لم يتحقق.
ولذا كان الذي عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- طيلة ثلاث عشرة سنة وهو بمكة، هو أن يدعو إلى الله -عز وجل- بأن يهدم الباطل في النفوس، ولم يكسر صنمًا من أصنام المشركين؛ وذلك لأن الله كان قد فتح عليه من جوامع الكلم ما يقيم به الحجة دون كسر الأصنام، تمهيدًا لكسرها يوم الفتح؛ لذا -صلى الله عليه وسلم- لما دخل مكة بعد صلح الحديبية في عمرة القضية، دخلها وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا منصوبة، ومع ذلك لم يكسرها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لأنه يراعي أنه دخل مكة بالعهد؛ فهو يفي بالعهد ولا ينقضه، ولما دخلها فاتحًا -بفضل الله- يوم فتح مكة كسر تلك الأصنام، وجعل يشير إليها وهو يقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81)، والأصنام تتساقط على وجهها؛ فهكذا تنمو دعوة الحق بفضل الله -عز وجل-.
وقضية مراعاة المصالح والمفاسد في الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله -وهو نوع من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالسيف والسنان- بعد الدعوة إلى الله بالحجة والبيان، قضية عظيمة الأهمية إذا أهملها البعض ضاعت المصالح العظيمة على الدعوة وعلى أهلها، وعلى المجاهدين.
فلا بد أن تُراعَى هذه الأمور التي دَلَّت عليها سيرة الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، مع أن مكة المكرمة أنشئت على التوحيد بهجرة إسماعيل -عليه السلام- وأمه هاجر، ونبع زمزم بين يدي إسماعيل، ثم قدوم القبيلة من جُرْهم، ثم تأسست هذه البلدة وجُعِلت على التوحيد بدعوة إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- بعد دعوة إبراهيم، وظلت عشرة قرون من بني إسماعيل على التوحيد، إلى أن أدخل الشرك إلى العرب عمرو بن لحي، وأمرهم بعبادة الأوثان ونصبوا الأوثان حول الكعبة.
فمكة أصلًا دار إسلام غَلَب عليها الشرك، ودفع ذلك فرض، لكن على القادر، وعلى ما يحقق المصالح في هدم الشرك في القلوب أولًا، فلما كسرت بعد ذلك وكانت قد هدمت بهدم حجتهم؛ سهل عليهم أن يدخلوا في الإسلام، وحسن إسلام معظم الطلقاء، ولم يكن فيهم من المنافقين كما يزعم أهل البدع بالطعن في معاوية بن أبي سفيان وأبيه أبي سفيان بن حرب، وكلهم ممن حسن إسلامه ولم يرتد مع مَن ارتد مِن العرب، بل ظل الطلقاء يعبدون الله -عز وجل- في مكة المكرمة على التوحيد بخلاف المرتدين، فلم يكن يصلَّى لله -عز وجل- في مسجد في الأرض؛ إلا مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسجد الحرام، ومسجد عبد القيس في جواثا في البحرين، فحسن إسلام الطلقاء؛ لأن هدم العقيدة الفاسدة بالشرك قد تَمَّ بإقامة الحجة، وكان تكسير الأصنام بعد ذلك إزالة لواقعٍ منكرٍ، كما هُدِم الشرك في القلوب -بحمد الله تبارك وتعالى-. والله أعلم.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 07-09-2025, 04:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (212) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (8)




كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة التاسعة:
دَلَّ فعل إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- في كسر الأصنام، وترك النبي -صلى الله عليه وسلم- لها وهو بمكة، وأيضًا لما دخلها في الحديبية على تنوُّع الوسائل الشرعية للدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- حسب المصلحة؛ فليس ما حدث من إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- من هدم الأصنام وتحطيمها، وبين ما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- باختلاف منهج، بل هو منهج واحد، وطريقة واحدة؛ إنما كسر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الأصنام لا لمجرد إزالتها، بل ليقيم عليهم الحجة، والحجج تتنوع؛ فهذا اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، كما يحلوا للبعض أن يزعم أن حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت في موضعها، وأما تصرف إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- بهدم الأصنام ترتَّب عليه محاولة إحراقه.
وليس الأمر كذلك، بل إن إبراهيم -عليه السلام- إمام الأنبياء، وهو الذي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباعه واتباع ملته، وإنما ذلك -كما ذكرنا- اختلاف تنوع في أنواع الحجج التي يُرَاد إقامتها، وقد ترك إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- الصنم الكبير حتى يقيمَ الحجة عليهم؛ لعلهم إليه يرجعون، فينتبهوا إلى عجز تلك الأصنام وقصورها وحاجتها، فالطريق واحد -بفضل الله سبحانه وتعالى-.
وقد هَدَم النبي -صلى الله عليه وسلم- الأصنام في مرحلة أخرى من مراحل دعوته؛ فهذا الذي لا بد أن ينتبه له الدعاة إلى الله، بالموازنة بين أنواع الحجج التي تُقَام على من يدعونهم، وأنواع البيان، ويختاروا المناسب من ذلك لكل وقت، ولا يبادروا دائمًا إلى طريقة واحدة، ربما أفسدت عليهم دعوتهم! فكثير من الناس قد يستعمل وسائل لتغيير المنكر -في ظنه- ما قد يترتب عليه زيادته في كثيرٍ من الأحيان.
فهذا أمر لا بد أن نفقهه ونفهمه، ونعلم: أن ترك بعض المنكر بغرض إقامة الدعوة إلى الله في وسط الناس، أمر قد سَبَق إليه الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، كما ترك إبراهيم الصنم الكبير؛ فضلًا عن أن يكون هناك عجز عن إزالة ذلك المنكر؛ فإن عذرَ الدُّعَاة إلى الله في عدم إزالته بين يدي الله، طالما قد دعوا إلى الله، وصرَّحوا بأن هذا المنكرَ منكرٌ، فعذرهم قائم.
وإنما ينبغي على الإنسان أن يترك أرض المنكر إذا أقام الحجة، وظلَّ الناس على باطلهم لا يقبلون الحق -نسأل الله العافية، ونعوذ بالله من تضييع دعوة الحق-.
وذلك إذا لم يعد يوجد مَن يرجو صلاحه وتوبته في المستقبل، أو لم يعد يوجد مِن المكلفين الجدد -الصغار الذين يَكبرون- مَن يقبل الحق ويستجيب له، ولم يعد هناك إظهار للحق عامة في وسط الناس لمنع العقوبة العامة؛ فإذا لم يجد الإنسان نفعًا في الدعوة في وسط قوم لا عاجلًا ولا آجلًا، ولا خاصًّا ولا عامًّا، ولا في المدعوين ولا في غيرهم؛ فعند ذلك يهاجر إلى الله -سبحانه وتعالى-.
الفائدة العاشرة:
قوله -تعالى-: (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ): رجع القوم من عيدهم فوجدوا الأصنام مكسورة إلا ذلك الكبير، وفي الفطرة الإنسانية أنه لا يوجد فعل بغير فاعل، وفي فطرتهم أيضًا: أن الأصنام لا تتحرك، ولا تصنع شيئًا، وأنهم لا بد من فاعلٍ فعل ذلك بهذه الأصنام، فقالوا مقرين في حقيقة الأمر بعجز الأصنام، وأنها جمادات لا تصلح لشيء: (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا)، والإنسان قد فُطِر على أن الجماد لا يصلح أن يكون فاعلًا، وأن هذه الأرض وما فيها وما عليها لا تصلح أن تكون فاعلة، وهذه فطرة في البشر.
والعجب أن بعضَ الناس في زماننا هذا، بعد أن مَكَّنهم الله ما لم يمكِّن لمَن قبلهم من أنواع العلوم والاكتشافات، والقدرة، يقبلون أن هذا الكون الذي قد أُحكِم وأتقِن غاية الإتقان، بقوانين في غاية الدقة - أنه قد يكون بغير فاعلٍ!
وينسبون إلى الطبيعة أنها هي التي تفعل، فإذا وجدوا الرياح تعصف بهم قالوا: "غضب الطبيعة!"، وإذا وجدوا الأرض تتزلزل من تحتهم؛ قالوا: "اضطراب القشرة الأرضية! الطبيعة تفعل كذا وكذا...!".
أي طبيعة هذه؟!
ألا يتعظون ويتذكرون أن الله قد فطر الخلق جميعًا على أن كلَّ فعلٍ لا بد له من فاعل؟!
حتى المشركون يقرون بأنه لا بد لهذا الخلق من خالق؛ ولذا أقام الله -عز وجل- عليهم الحجة بقوله: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ . أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (الطور: 35-37).
قد كانت الآيات في الماضي؛ مثل: آيات الطوفان، وآيات الغرق، وآيات الرياح المدمِّرة، وآيات الزلزال، تأتي كل حين، الله -عز وجل- قد جعل الأنبياء يذكِّرون الأمم: بأن الله هو الخالق، وقد قدَّر الله في آخر الزمان انقطاع النبوة، ولكن جعل الآيات كل يوم تُرَى؛ فلا يكاد يمر أسبوع إلا وترى آية من آيات الله تثبت عجز البشر جميعًا؛ عجز الأقوياء وعجز الضعفاء؛ أفلا نتعظ ونتذكر: أن الله يفعل ذلك بالناس حتى يفهموا ويعقلوا؟!
إن الزلازل والرياح والأعاصير والأوبئة المنتشرة في المشارق والمغارب وما يصيب البشر بأنواع العجز والضعف؛ كل ذلك تذكير من الله لهم؛ أفلا يعي البشر في هذا الزمان ما وعاه المشركون من قبل من أن كلَّ فعلٍ له فاعل، وأن الأصنام -فضلًا عن الأرض التي يتحركون عليها، أو النجوم التي فوقهم، أو الشمس والقمر- لا تصنع شيئًا، وأنه ليس منها شيء يضر أو ينفع؟! سبحان الله الذي خذلهم، وطمس على عقولهم -والعياذ بالله-.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 07-09-2025, 04:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (213) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (9)




كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة الحادية عشرة:
دَلَّ قوله -سبحانه وتعالى- عن قوم إبراهيم: (قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) على أنهم يعرفون أن الأصنام لم تصنع شيئًا، ومع ذلك يسمونها: آلهة! ويجعلون مَن فعل بها ذلك ظالمًا؛ كما يصنع عُبَّاد البقر في زماننا، ويسومون مَن تحت أيديهم من المسلمين سوء العذاب إذا صنعوا شيئًا ببقرة! فهذا العجب الذي يقع فيه كثيرٌ من البشر من عُبَّاد الأوثان كمن يعبدون تماثيل بوذا أو من يعبدون البقر والفئران، أو يكذبون الرسل الكرام وخاتمهم محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، ثم يرون من صدقه واتبعه، وعمل بما أمر به ظالمًا، ومن كفر بما هم عليه من الشرك والكفر، وعبادة غير الله؛ يجعلون من كفر بذلك ظالمًا!
كان بعض قوم إبراهيم قد سمع إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) فسرعان ما أرشدهم إلى ما يبحثون عنه: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)؛ فهذه الأمور غالبًا لا تخفى، وإبراهيم -صلى الله عليه وسلم- ما كان يقصد الاختفاء أو عدم إعلان دعوة التوحيد، وإنما صنع ذلك وهو يريد أن يقيم عليهم الحجة؛ فلا يتصور في هذه الأمور أن تختفي، وإنما الغرض منها إقامة الحجة ببيانها أمام الناس، وإنما الذي يتصور أن يُخفَى: خطط المعارك والهجرة، والتخطيط لمستقبل البلاد، ونحو ذلك؛ كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل في حروبه وغزواته، وفي هجرته كذلك، لكن أن يُتصوَّر أن دعوة التوحيد يمكن أن لا تُعلَن؛ هذا لا يصح. يمكن أن يبدأ بها في بعض الأصدقاء والمقربين في البداية، ولكن يستحيل أن تستمر سرًّا، وإنما جاءت لهداية العالمين، وفي قوله -سبحانه وتعالى-: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) فائدة عظيمة في أهمية دور الشباب في الدعوة إلى الله، وهي:
المسألة الثانية عشرة:
(قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى) أي: شابًا، وهذا دليل على أن الشباب عليهم دور عظيم في الدعوة إلى الله، وأن مقام إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وهو فتى شاب يدعو إلى الله، ويكسر الأصنام، ويقيم الحجة، ويضحي بنفسه في سبيل الله والأسوة الحسنة لهم في هذه الحياة، وليس يصح أن يكون أسوة للشباب المسلم لاعبو الكرة، أو الممثلون والممثلات، أو المغنيون والمغنيات، نسأل الله أن يعافي المسلمين وشباب المسلمين.
فالشباب هم كانوا أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك كانت الذرية أتباع موسى -صلى الله عليه وسلم-؛ كما قال -تعالى-: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (يونس: 83) أي: الشباب. وهكذا فليكن كل شباب المسلمين دعاة إلى الله، وطُلَّاب علم عاملين بالحق، نافعين لأمتهم؛ يقومون بالحق، ويجهرون به، ويدعون إلى الله، ويضحون في سبيل الله.
الفائدة الثالثة عشرة:
قوله -تعالى-: (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ): أي على مشهد من الناس؛ عقدوا له محاكمة، هي في الحقيقة محاكمة ظالمة جائرة، لكنهم يزعمون التثبت بقولهم: (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ
فهم يظهرون العدالة الوهمية التي ليست إلا صورة من صور الظلم العدوان!
ما التهمة الحقيقية لإبراهيم -صلى الله عليه وسلم-؛ إلا أنه أراد أن يخرج عن جهالات هذا المجتمع، وضلالات هؤلاء الكبراء؛ الذين أرادوا أن يظل الناس كلهم في ظلمات الجهل والشرك -والعياذ بالله-؟!
وإبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لم يقر أنه فعل ما يتهمونه به، وإنما عَرَّض في الكلام (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)، وهذا -على أصح الأقوال- معناه: إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم؛ وإلا فإنهم لا ينطقون، فلا يلزم أن يكون إبراهيم قد نَسَب إلى الكبير فعل ذلك؛ لأنه معلق على شرط لم يوجد، هو شرط النطق؛ فإذا فقد شرط النطق لم يكن كبيرهم قد فعله، ولم يكن إبراهيم قد أقر على نفسه بارتكاب تحطيم الأصنام، فحصل المقصود من إثبات عجز الآلهة حتى أن تدفع عن نفسها، وهذا ينفي ربوبيتها وألوهيتها، ولم يُثبِت إبراهيم على نفسه ما اتهموه به.
قال -سبحانه-: (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)؛ إذ تركتم الأوثان دون حراسة، وهي تحتاج إلى حراسة، وهي تحتاج إلى حراسة وعناية!
فتبًّا لهذه العقول الظالمة الجائرة التي تكون خَدَمًا وتابعة لهذه الأصنام في نفس الوقت الذي تعبدها؛ فهي تعظمها وتعبدها من دون الله، وفي نفس الوقت ترى وجوب حمايتها عليهم؛ كما قال -تعالى- في ذَمِّ قريش: (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (يس: 75)، أي: هم لأصنامهم جنود محضرون عندها؛ للدفاع عنها، كيف زالت العقول إلى هذا الحد؟! إلى الله المشتكى.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم 07-09-2025, 04:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (214) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (10)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
في قوله -تعالى-: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى) دليل على دور الشباب العظيم في الدعوة إلى الله، وكان الشباب هم أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك كان الذرية أتباع موسى -عليه السلام- كما قال -تعالى-: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) (يونس: 83)، أي: الشباب، وهكذا فليكن كل شباب المسلمين دُعاة إلى الله -عز وجل-، وطُلاب علم عاملين بالحق، نافعين لأُمتهم، يقومون بالحق، ويجهرون به، ويدعون إلى الله -عز وجل-، ويُضَحُّون في سبيل الله -عز وجل-.
(قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ): أي: على مشهدٍ مِن الناس.
عقدوا له محاكمة هي في الحقيقة مُحاكمة ظالمة جائرة، لكنهم يزعمون التثبت، (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ): وهذا تعريض فإن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم، وإلا فإنهم لا ينطقون، قال -عز وجل-: (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)؛ إذ تركتم الأوثان دون حراسة، وهي تحتاج إلى حراسة وحماية.
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ) أي: أطرقوا وقد انقلبت عقولهم، وقد فهموا ما أراد إبراهيم -عليه السلام-، ووعوا الدرس جيدًا، وعلموا أنه أراد أن يُرشدهم إلى عجزهم عن النطق؛ فضلًا عن غيره، ومع ذلك انتكسوا ولم يقبلوا الحق الذي ظهر من أنها لا تصلح أن تُعبد، ولا تصلح أن تكون آلهة، قال -عز وجل-: (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ): أنت تفهم ونحن نفهم أنها أصنام، ولا تستطيع شيئًا، (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ): تأمل غضبه لله -عز وجل- تلك الغضبة التي ظهرت في هذه الكلمات في التأفف منهم في بيان باطلهم، والغضب لما يعبدون من دون الله، والبغضاء والكراهية لهذه العبادة الباطلة.
(أَفَلَا تَعْقِلُونَ): إبراهيم -عليه السلام- الأسوة الحسنة في الصبر على البلاء، وصدر الحكم الجائر، فقد ثبت أن إبراهيم -عليه السلام- يكره عبادة الأصنام، ولا يُقرها فيصدر الحكم الجائر.
(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ): أَوْقَدُوا نارًا عظيمة نَذَرُوا لها النذور، وجمعوا لها الحطب حتى أَوْقَدُوها بما لا يستطيعون الاقتراب منها، وجعلوه في المنجنيق؛ ليرموه مِنْ بعيد، (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) (الصافات: 97)، أي: في النار، وكان الأمر من الله -عز وجل- أسبق مِنْ أمرهم، وأعظم مِنْ أمرهم، وأعلى مِنْ أمرهم.
وأراد الله -عز وجل- أن يجعل إبراهيم -عليه السلام- الأُسوة الحسنة والمثل والقدوة لكل الدعاة إلى الله، على ما يُصيبهم في سبيل الله في توكله على الله -عز وجل-: فإبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار قال: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، ولم يتوكل على غير الله، ولم يُفوِّض أمره إلى غير الله، ولم يأته الفرج مِنْ أول الابتلاء، بل ظل الابتلاء مدة، وحُبِسَ إبراهيم -عليه السلام- مدة، وأُلقي مُقيدًا بالمنجنيق، وضُرب المنجنيق لينطلق إبراهيم -عليه السلام- في الهواء فيقول: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، وفي آخر لحظة يأتي الفرج: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ).
فإذا حُبِسْتَ فتذكر حبس إبراهيم -عليه السلام-، وإذا قُيدت فتذكر قيد إبراهيم -عليه السلام-، وإذا هُددت فتذكر ما هَدد به القومُ إبراهيمَ -عليه السلام-، وتذكر توكل إبراهيم -عليه السلام-، وحُسن تفويضه إلى الله -عز وجل-، وتوكل على الله مِن قلبك مع لسانك: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".
تحولت النار -بإذن الله وفضله ونعمته- بردًا وسلامًا على إبراهيم؛ فأحرقت وثاقه، وما ضره شيء من ذلك، وتعجبوا حتى قال له أبوه -فيما يذكرون-: "نِعم الرب ربك يا إبراهيم! ذلك أنه فعل به ذلك"؛ نَجَّاهُ من النار، وكانت أيامًا من أحسن الأيام قضاها في وسط الجحيم -كما زعموا-، وهكذا المؤمن يظن الناسُ أنه مُعَذَّبٌ وهو في الحقيقة مُنَعَّمٌ، بفضل الله ونعمته ورحمته، رغم ما يراه الناس حوله من ألوان الجحيم والعذاب.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم 07-09-2025, 04:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,140
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (215) تحطيم إبراهيم صلى الله عليه وسلم للأصنام وإنجاء الله له من النار (11)



كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ . قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ . قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ . وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ . فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ . قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ . قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ . قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ . قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ . فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ . ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ . قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (الأنبياء: 51-73).
الفائدة الرابعة عشرة:
قوله -تعالى-: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) يدل على أن مَن كاد أهل الإيمان؛ فإن الله -عز وجل- يرد كيدَه في نحره، ويجعله الخاسر في الدنيا والآخرة إن لم يتب إلى الله -عز وجل-، وهذه سنة أهل الباطل دائمًا، وسنة الله -عز وجل- فيهم؛ فهم يكيدون بالمؤمنين يريدون إيذاءهم، وصدهم عن دين الله -سبحانه وتعالى-، ولكن الله -عز وجل- يكيد كيدًا، وهو -عز وجل- خير الماكرين؛ فهو يكيد للمؤمنين ويمكر لهم -سبحانه وتعالى-، ويرد كيد المجرمين المكذِّبين للرسل، ويجعلهم الخاسرين، بل الأخسرين؛ فهم أشد الناس خسرانًا؛ وذلك لأن مَن حارب دعوة الحق لا بد وأن تكون عاقبته إلى أشدِّ الخسران.
فعلى أهل الإيمان أن يتوكلوا على الله -عز وجل-، وأن يستعينوا به في ردِّ كيد الكائدين الذين يريدون الشر بهم وبدعوتهم، وبطاعتهم وعابدتهم لله -عز وجل-.
وكذلك عليهم أن يدعوا بما دعا به النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، ‌وَامْكُرْ ‌لِي ‌وَلَا ‌تَمْكُرْ ‌عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ) الحديث. (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وهو من جوامع كَلِم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، ومن أنفع الأدعية في مواجهة أهل الباطل؛ ندعو الله أن يمكر لنا ولا يمكر علينا، وهو -عز وجل- ينجِّي المؤمنين بما يكيد لهم؛ كما قال -سبحانه وتعالى-: (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) (يوسف: 76)؛ فهو -سبحانه وتعالى- الذي يدبِّر الأمر، وينجي عبادة المؤمنين
الفائدة الخامسة عشرة:
قوله -تعالى-: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ): ذكر الله -عز وجل- في مواطن عديدة في القرآن إيمان لوط -عليه الصلاة والسلام- بإبراهيم، فقال -سبحانه وتعالى-: (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) (العنكبوت: 26)، ونجَّاه الله -عز وجل- إلى أرض بيت المقدس، وسارة كانت مع إبراهيم ولم تذكر؛ لأنها أمرأته؛ فهي كأنها جزء منه، وإنما ذُكِر لوط؛ لأنه هو الذي آمن به وحده دون قومه، فلم يؤمن به أحدٌ من الرجال إلا لوط -عليه الصلاة والسلام-، وأما سارة فهي امرأة إبراهيم، زوجته وبضعة منه؛ فلذلك لم تذكر -والله أعلى وأعلم-، بل هي كانت معه في كل رحلاته وهجرته، وقد كانت معه في رحلته وهجرته إلى أرض مصر والقصة معروفة في إنجاء الله لها من الجبار، وأطلقها الجبار وأعطاها هاجر هبة لها، خادمة لها.
وقال -سبحانه وتعالى-: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) أي: أرض بيت المقدس، فهي خير من بلده التي خرج منها، ورغم أن قومه قد رأوا آية النجاة من النار، وأن النار كانت بردًا وسلامًا على إبراهيم، لكن العجب أنهم لم يؤمنوا، مع أن أباه قال له: "نعم الرب ربك يا إبراهيم"، لكنه أيضًا لم يؤمن -نسأل الله العافية-؛ فإن الطبع على القلوب بعدل الله -سبحانه وتعالى- يمنع هذه القلوب من أن ترى الحقيقة التي هي مِن أوضح الأمور؛ أوضح من شمس النهار، ومع ذلك أبى القوم الإيمان فنجاه الله -عز وجل- منهم ونجَّى لوطًا وسارة كذلك إلى الأرض المباركة.
ثم إن الله -عز وجل- بعد ذلك أرسل لوطًا إلى قرى سدوم التي هي قريبة من بيت المقدس يدعوهم إلى الله -عز وجل-، وأما إبراهيم فعاش الحياة الطيبة التي وعدها الله -عز وجل- كل مؤمن: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
وجعله الله -عز وجل- من الأغنياء بالله -سبحانه وتعالى-، وبما أعطاه الله من رزق واسع وفير، ويعلم ذلك من كرم الضيافة عندما جاءه الرسل؛ الذين أرسلوا ببشارته بإسحاق وبإهلاك قوم لوط، فكانوا بضعة نفر ذبح لهم عجلًا ثمينًا؛ فهكذا عاقبة الإيمان والخير والطاعة، دائمًا إلى النجاة وإلى الفلاح، وإلى الغنى بالله -سبحانه وتعالى- وبرزقة -عز وجل-.
فاللهم لك الحمد على ما قضيت، وعلى ما أنعمت به وأوليت.
وللحديث -بقية إن شاء الله-.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 131.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 127.29 كيلو بايت... تم توفير 4.47 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]