|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#191
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 197) مقالات شرعية مثنى محمد هبيان الحكم التشريعي السابع والعشرون : عِدة المتوفّى عنها زوجها وحِدادُها ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ [البقرة: 234] السؤالالأول: قوله تعالى في الآية: ﴿فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ﴾ ما دلالة إضافة الأجل إلى النساء؟ الجواب: انظر أخي المؤمن كيف أضاف ربنا تعالى (الأجل) إلى النساء المعتدّات، فقال: ﴿فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ﴾ ولم يقل: (إذا بلغن الأجل) إيحاءً بأنّ مشقة هذا الأجل واقعة على المعتدّات، فهن الصابرات والمتعبدات بترك الزينة والتزام بيت الزوجية وفي هذا مشقة؛ ولذلك أضاف الأجل إليهن لإزالة ما عسى أنْ يكون قد بقي في نفوس الناس من استفظاع تسرّع النساء إلى التزوج بعد عدّة الوفاة؛ لأنّ أهل الزوج المتوفى قد يتحرجون من ذلك، فنفى الله تعالى هذا الحرج. السؤالالثاني: قوله تعالى: ﴿يُتَوَفَّوۡنَ﴾ بصيغة ما لم يُسمَّ فاعله ، فما دلالة ذلك ؟ الجواب: الفعل في قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ﴾ من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول، فنقول: تُوُفِّيَ فلانٌ، ولا نقول تَوَفَّى فلانٌ، وقد حدث ذات يوم أنّ علياً رضي الله عنه كان يشيع جنازة فقال له قائل: من المتوفِّي؟ بلفظ اسم الفاعل سائلاً عن المُتَوَفَّى، فأجاب عليٌّ بقوله: (الله) ولم يجبه كما يقصد بأنه مات فلان؛ لِيُنَبِّهه على خطئه. السؤالالثالث: افتتحت الآيتان (234) و (240) في سورة البقرة بنفس العبارة ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا﴾ فما الفرق بين ختامي الآيتين مع أنهما تتحدثان عن المتوفى عنها زوجها؟ الجواب: منطوق الآيتين يوضِّح الأمر: 1ـ الآية الأولى 234 ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ يعني خبير بما شرع ويعلم وجه الحكمة في اختيار التوقيت، ويتبين الحمل بعد أربعة أشهر كما في الحديث: « يجمعخلقأحدكمفيبطنأمهأربعينيومانطفةً،ثميكونعلقةمثلذلك،ثميكونمضغةمثلذلك،ثميرسلإليهملكفينفخفيهالروح» [صحيح البخاري 3208 ـ صحيح مسلم 2643 ] . وربنا يعلم سبب اختيار التوقيت ولماذا اختار الخبير هذا التوقيت، وهذا يحتاج إلى خبرة ومعرفة حتى يعطي الحكم لماذا أربعة أشهر وعشراً، ويحتاج أيضاً إلى خبرة في المجتمع، لكن هل يعني ذلك أنْ تبقى المرأة هكذا؟ والجواب أنه بعد العدة إذا أرادت أنْ تخرج المرأة فلا بأس؛ لأنّ بقاءها قد يكون فيه فتنة، أو فيه أمر نفسي، أو فيه شيء. ولذلك مضمون الآية 234 هو الوصية للمرأة بأنْ تتربص بنفسها أربعة أشهر وعشرة أيام، وهذه هي عدة المتوفى عنها زوجها . 2ـ الآية الثانية: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [البقرة:240] في هذه الآية وصّى ربنا الأزواج بألّا يُخرجوا أزواجهن من بيوتهم، وهي وصية لمن يتولى الأمر لأنّ الأزواج قد ماتوا، فتبقى المرأة في البيت، وقد يقولون لها: اُخرجي من البيت لأنّ زوجك مات وخرج فينبغي أنْ تخرجي أنتِ. والقرآن يقول: لا، إياكم ألا تراعوا هذه الوصية، ويمكن أنْ يحدث هذا عندما يريد أهل المتوفى أنْ ينتفعوا من البيت. فمضمون الآية الثانية الوصية لأهل المتوفى بألا تُخرج المرأة من مسكنها، وإنما تخرج بنفسها ﴿ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ ﴾ [الطلاق:1] أي: لا تجبر على الخروج ولا تُخرج من البيت قسراً ولها أنْ تبقى إلى الحول، وربنا عزيزٌ ينتقم ممن خالف هذا الأمر. 3ـ فالمسألة في الآية الأولى متعلقة بالمرأة، والثانية متعلقة بمن يُخرج المرأة، فلمّا كان الحكم متعلقاً بالمرأة كان هذا يحتاج إلى خبرة، فقال: ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ وأمّا الآية الثانية فقال: ﴿وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ كأنه تهديد لمن يخرج المرأة فينتقم الله ممن خالف الوصية . و(حكيم) تشمل الحُكم والحِكمة، وهي بمثابة ردع وتحذير لمن يحاول أن يُخرج المرأة، فإذا كنت تحكم هذه المرأة فاعلم أنّ الله عزيز حكيم، فالآية الثانية تهديد لمن يخرج المرأة، أما ما يتعلق بحمل المرأة واستبراء الرحم فيحتاج إلى خبرة. ولذلك وإن تشابهت الآيتان فإنّ السياق مختلف . والله أعلم . السؤالالرابع: ما الفرق بين قوله تعالى في آية البقرة 234﴿فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ﴾ وآية البقرة 240 ﴿فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ﴾ ؟ الجواب: يجب أنْ نلاحظ دلالة التعريف والتنكير، فالمعرفة في اللغة: هي ما دلّ على شيء معين، والنكرة: ما دلّ على شيء غير معيّن. 1ـ في الآية الأولى قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ [البقرة:234] و(المعروف) في الآية يقصد به الزواج بالذات؛ لأنّ الآية بعدها ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٣٥﴾ [البقرة:235] . فلمّا جاء بالزواج جاء بالباء ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ﴾ وهي الدالّة على المصاحبة والإلصاق، وهذا هو مفهوم الزواج بمعناه المصاحبة والإلصاق. 2ـ أمّا الآية الثانية فقوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [البقرة:240] فهي عامة ويقصد بـ ﴿مَّعۡرُوفٖۗ﴾ [البقرة:240] هنا كل ما يُباح لها. وباختصار :الآيتان :﴿فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ﴾ و ﴿فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ﴾ الحديث في الآية الأولى عن المرأة التي توفي عنها زوجها ، والباء في الآية للإلصاق ، وأقرب معروف للمرأة هو الزواج . أمّا ( من) في الآية الثانية فهي للتبعيض ، و( معروف ) في الآية نكرة عامة لأي معروف ، والآية الأولى ناسخة للثانية .والله أعلم . السؤالالخامس: ختمت الآية ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ فما دلالة تقديم العمل على الخبرة في الآيات؟ الجواب: 1ـ هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم: آـ إذا كان السياق في عمل الإنسان قدّم عمله ﴿وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٣٤﴾ [البقرة:234]. ب ـ أمّا لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام عن الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله (خبير): ﴿ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٥٣﴾ [آل عمران:153]. شواهد قرآنية: على تقديم العمل: ـ ﴿ إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَئَِّاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٢٧١﴾ [البقرة:271] هذا عمل، فلما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله فقال: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [البقرة:271] . ـ ﴿ وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١٠﴾ [الحديد:10] هذا عمل قتال وإنفاق، فلما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. فقال: ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ١٠﴾ [الحديد:10] . ـ ﴿ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [البقرة:234] هذا عمل فقدّم ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [البقرة:234] . ـ ﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ٧ فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ٨﴾ [التغابن:7-8] هذا عمل أيضاً. شواهد قرآنية: على تقديم الخبرة : ـ ﴿ وَتَرَى ٱلۡجِبَالَ تَحۡسَبُهَا جَامِدَةٗ وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِۚ صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ٨٨﴾ [النمل:88] هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال: ﴿ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ٨٨﴾ [النمل:88]. ـ ﴿ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٨﴾ [الحشر:18] أمر قلبي غير ظاهر. 2ـ هذا على وجه العموم، فإذا كان الأمر في عمل الإنسان قدّم العمل، وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى قدّم (خبير). والعرب كانت تعي هذه المعاني وتلك القواعد البلاغية، والبليغ هو الذي يراعي صوغ العبارة ويتفنن في مراعاة البلاغة، والعرب كانوا يتفاوتون في البلاغة، لكنهم كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام، حتى كلام المجانين عندهم؛ لأنّ المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين؛ لأنّ كلامهم يجري على نسق اللغة، قال ﷺ: «أناأفصحمننطقبالضاد» [ الفوائد المجموعة 327 ـ لا أصل له ومعناه صحيح ] السؤالالسادس: هل كانت هناك عدة للمرأة قبل الإسلام ؟ وما دلالة هذه الآية ؟ الجواب: 1ـ كان الرجل إذا مات عن امرأة أنفق عليها من ماله حولاً كاملاً وهي في عِدَّته ما لم تخرج، فإنْ خرجتْ انقضت العدة ولا شيء لها، ثم نسخ الله هذا الحكم بآية البقرة رقم 234، فصارت ﴿ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ ﴾ ناسخة للحول. 2ـ المعنى العام للآية : الذين يموتون منكم ويذرون زوجات بعدهم ، يجب عليهن التربص بأنفسهن والانتظار مدة أربعة أشهر وعشرة أيام ، لا يخرجن من منزل الزوجية ، ولا يتزينّ ، ولا يتزوجن، حتى إذا انتهت مدة العدة ، فلا إثم عليكم يا أولياء النساء فيما يفعلن في أنفسهن من الخروج والتزين والزواج على الوجه المقرر شرعاً ، والله سبحانه خبير بأعمالكم الظاهرة والباطنة ، وسيجازيكم عليها . والله أعلم. السؤالالسابع: وردت كلمة ﴿ أَزۡوَٰجٗا ﴾ في الآية، فما الفرق بين الزوج والبعل ؟ الجواب: انظر الجواب في آية البقرة 35. السؤالالثامن: وردت كلمة ﴿فِيمَا﴾متصلة في آية البقرة 234 ، بينما جاءت في الآية 240 منفصلة ﴿فِي مَا﴾، فما دلالة ذلك ؟ الجواب: لدينا تعبيران ( في ما ) و ( فيما ) فالأول المنفصل يرد دائماً في الحديث عن أمور منفصلة ، وأمّا الثاني المتصل فيتحدث عن أمور متصلة، والآيتان 234 و240 توضحان الأمر : 1ـ الآية الأولى (234) تتحدث عن عدة المرأة الأرملة، وأنه عند انتهاء أجل العدة فإنه من حق المرأة أنْ تتزوج ، ولا تتحدث الآية عن انفصال الزوجة عن بيت زوجها ، ولهذا جاء تعبير ﴿ فِيمَا ﴾ متصلاً، ثم جاء تعبير ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ﴾ متصلاً أيضاً ليدل على معروف واحد ، وهو حق الأرملة في الزواج بعد انتهاء عدتها . أمّا الآية الثانية (240) فقد تحدثت عن مكث الزوجة في بيت الزوجية حتى يحول عليها الحول ، وتستحق أثناء هذه المدة نفقة من مال زوجها ، أمّا إذا قررت الانفصال عن بيت زوجها﴿ فَإِنۡ خَرَجۡنَ ﴾ فإنّ من حقها أنْ تفعل في نفسها ما تشاء مما هو معروف ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ﴾ كالزواج أو التجارة أو التعلم، أو أي شيء من الأشياء التي تندرج تحت مفهوم المعروف ، ولأنها انفصلت عن بيت زوجها فقد اقتضى رسم هذا التعبير منفصلاً ﴿ فِي مَا ﴾ ثم اقتضى تنوع المعروف رسماً منفصلاً أيضاً: ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ﴾ . 2ـ ونلاحظ أيضاً في أداة الشرط في الآية الأولى ﴿ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ استخدام الأداة ( إذا ) حيث أنها تفيد حتمية وقوع الشرط لأنّ العدة لا بدّ لها وأنْ تنتهي حتماً. أمّا في الآية الثانية فإنّ أداة الشرط كانت ﴿ فَإِنۡ خَرَجۡنَ ﴾ باستخدام ( إنْ ) والتي تفيد احتمال وقوع الشرط بنسبة 50% فقط أي أنّ بعض النساء قد يخرجن وبعضهن قد لا يخرجن . ومن المعلوم لغة أنّ أدوات الشرط الثلاث ( إذا ، إنْ ، لو ) تختلف إحداها عن الأخرى في المعنى ، فالأولى تستعمل عند حتمية الحدوث ، والثانية ظنية الحدوث ، والثالثة مستحيلة الحدوث ، قال تعالى : ﴿ إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ١﴾ [ النصر: ١]. أي متى جاء نصر الله والفتح ، أي أنه آتٍ حتماً . ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ٦﴾ [الحجرات: ٦]. أي أنه قد يأتي ، وقد لا يأتي . ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡ أَحَدِهِم مِّلۡءُ ٱلۡأَرۡضِ ذَهَبٗا وَلَوِ ٱفۡتَدَىٰ بِهِۦٓۗ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ٩١﴾[آل عمران: ٩١] .أي أنه مستحيل الحدوث . لمزيدمنالتفصيل، انظرأيضاًآيةالبقرة113 . السؤالالتاسع: قوله تعالى في الآية: ﴿أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ﴾ ما دلالة قوله﴿وَعَشۡرٗاۖ﴾ ولم يقل ( وعشرة ) ؟ الجواب: 1ـ القاعدة النحوية أنّ العدد 10 يكون على عكس المعدود إذا كان مفرداً ، ومن نوع المعدود إنْ كان مركباً ، وأما الثلاثة إلى التسعة فإنها تخالف المعدود تذكيراً وتأنيثاً ، والواحد والاثنان يوافقان المعدود ، نحو : حضر عشْرةُ رجال ـ قابلت عَشَرَ سيدات ـ مكثنا في مكة أربعة عشَرَيوماً وخمس عشْرةليلة ، رأيت أحد عشرطالباً وإحدى عشرةطالبة . والعدد 10 يكون معرباً إذا كان مفرداَ ، ويكون دائما مبنياً على الفتح إذا كان مركباً . والأصل أن يكون حرف الشين في العدد 10 مفتوحاً ( عشَر) ويجوز تسكين الشين إذا اتصلت بها التاء ( عشْرة) . 2ـ العرب تقول في الأيام خاصة : إذا لم تُذكر الأيام، وفُهمت من السياق يؤتي باللفظ بها من غير تاء، فتقول: صمت ثلاثاً، ولو قلت: صمت ثلاثة، لكان هذا خارج كلام العرب. 3 ـ في آية البقرة 196 ﴿فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ﴾ذُكرت الأيام فجاءت حسب القاعدة. 4 ـ في آية سورة طه﴿يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا١٠٣﴾ لم تُذكر الأيام صراحة وإنما فهمت من السياق، فجاءت ﴿عَشۡرٗا﴾ فجاءت من غير تاء. 5 ـ قال ﷺ: «منصامرمضانوأتبعهستاًمنشوالكانكصيامالدهركله» [ أخرجه مسلم 1164 ] لم تُذكر الأيام فجاءت من غير تاء ( ستاً ). 6 ـ في آية البقرة 234 ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَعَشۡرٗاۖ﴾ لو قال: (وعشرة) بدل ( وعشراً) لعادت على الأشهر، ولفُهمت أنّ المدة هي (14) شهراً. والله أعلم .
__________________
|
#192
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 198) مثنى محمد هبيان الحكمالتشريعيالثامنوالعشرون: التعريضللمتوفىعنهازوجُهابالخِطبة السؤالالأول: لم قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ﴾ [البقرة:235] ولم يقل: ولا تعقدوا النكاح؛ حتى يكون اللفظ صريحاً في النهي عن العقد؟ الجواب: أراد ربنا سبحانه وتعالى أنْ يبين حرمة نكاح المعتدة أثناء عدة المرأة بقوله: ﴿ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ ﴾ وفي هذه الآية نهي عن عقد دون عزم؛ لأنّ العزم يدل على التصميم، وإذا ما نُهي المؤمن عن التصميم والإرادة كان هذا النهي أبلغ من نهي العمل وهو (ولا تعقدوا) . والمرء إذا صمم على أمرٍ ما نفّذه، ولذلك كان النهي عن العزم أبلغ في النهي عن المعزوم عليه، ومن هذا الباب قوله تعالى: ﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ ﴾ [البقرة:187] فقد نُهي عن القرب؛ لأنه أبلغ من النهي عن الوقوع في المحظور. السؤالالثاني: ما دلالة استعمال كلمة ﴿ حَلِيمٞ﴾ بعد ﴿ غَفُورٌ ﴾ في الآية ؟ الجواب: آـ لم نعتد كثيراً في القرآن الكريم على لفظ ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾وإنما الوارد على الأكثر في القرآن صيغة ﴿ غَفُورٞ رَّحِيمٌ ﴾ ، فقد وردت صيغة ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾ في القرآن في 6 مواضع فقط، بينما وردت صيغة ﴿ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ 64 مرة في القرآن. أما الآيات التي جاءت فيها صيغة ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ ﴾ فهي: 1. ﴿ لَّا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِيٓ أَيۡمَٰنِكُمۡ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتۡ قُلُوبُكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٢٥﴾ [البقرة:225]. 2.﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾ [البقرة:235]. 3. ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ وَلَقَدۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ١٥٥﴾ [آل عمران:155] . 4.﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسَۡٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسَۡٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ١٠١﴾ [المائدة:101] . 5. ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا٤٤﴾ [الإسراء:44] . 6. ﴿۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا ٤١﴾ [فاطر:41] . ب ـ الحليم: الحِلمُ لغوياً: الأناة والتعقل، والحليم هو الذى لا يسارع بالعقوبة، بل يتجاوز الزلات ويعفو عن السيئات، و(الحليم) من أسماء الله الحسنى بمعنى: يؤخر العقوبة عن بعض المستحقين ثم يعذبهم، وقد يتجاوز عنهم، وقد يعجل العقوبة لبعضٍ منهم . قال تعالى: ﴿ وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ﴾ [فاطر:45] . وقال تعالى عن سيدنا إبراهيم: ﴿ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٞ مُّنِيبٞ٧٥﴾ [هود:75]، وعن إسماعيل ﴿ فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٖ١٠١) [الصافات:101] . وروى أنّ إبراهيم عليه السلام رأى رجلا مشتغلا بمعصية فقال: (اللهم أهلكه) فهلك، ثم رأى ثانياً وثالثاً فدعا فهلكوا، فرأى رابعاً فهمّ بالدعاء عليه، فأوحى الله اليه: (قف يا إبراهيم، فلو أهلكنا كل عبد عصى ما بقى إلا القليل، ولكن إذا عصى أمهلناه، فإن تاب قبلناه، وإنْ أصرّ أخرنا العقاب عنه، لعلمنا أنه لا يخرج عن ملكنا) . ج ـ وإذا أخذنا الآية 235 من سورة البقرة ورجعنا إلى سياق الآيات نجد أنّ الله تعالى يُحذّر من بعض التجاوزات التي تحصل في الحياة الزوجية، وقد ينتهي الأمر إلى الطلاق، وقد يكون هناك أولاد. ولو عجّل الله تعالى العقوبة لأصحاب الذنوب ما بقي من الناس أحد،﴿ وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِيرَۢا٤٥﴾ [فاطر:45] فالله تعالى يؤخّر العقوبة من باب الحِلم، وهو صفة من صفاته سبحانه وتعالى، ومن أسمائه تعالى الحليم لأنه يُعطي الفرصة لإصلاح الأوضاع، وقد يكون قد حصل بعض التقصير أو بعض الذنوب بين الناس فتسوء أخلاقهم وتضعف ضمائرهم، والله تعالى سبحانه يعطي الناس فرصة للعودة عما حصل منهم. د ـ والمقصود من قوله تعالى في هذه الآية: ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾ أنه لا يغرَّنّك أيها الزوج حِلمُ الله تعالى عليك فتتمادى في البطش بزوجتك وبما يحلم الله تعالى عليك، فإنه لا ينسى عملك: ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ٢٣٥﴾ فكلمة ﴿ حَلِيمٞ﴾ هنا جاءت كتهديد بالعذاب، ولا يؤخذ من كلمة ﴿ حَلِيمٞ﴾ هنا التبشير بالرحمة؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت بصيغة (غفور رحيم). هـ ـ ونلاحظ أنّ المولى تعالى في الآية 235 من سورة البقرة والتي ختمت بقوله تعالى ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾ يأتي فيها بالأفعال المضارعة، وهذا ليدل على أنّ هذه الأمور متجددة الحصول، ونحن نقع فيها والبعض عليها الآن ﴿ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ ﴾ ﴿ تُوَاعِدُوهُنَّ ﴾ ﴿ تَقُولُواْ ﴾﴿ تَعۡزِمُواْ ﴾ ﴿ يَبۡلُغَ ﴾ ﴿ يَعۡلَمُ ﴾ ﴿ فَٱحۡذَرُوهُۚ ﴾ . ولو تأملنا في كل الآيات التي خُتمت بقوله تعالى ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٞ﴾نجد أن السياق فيها كان تحذيراً للذي لا يرتدع عن تجاوز حدود الله تعالى، ولا يخاف بطشه سبحانه وتعالى. السؤالالثالث: ما أهم الدروس في الآية ؟ الجواب: 1ـ الله سبحانه وتعالى يريد أنْ يجعل للعواطف تنفيساً، والتنفيس ليس مجرد تعبير عن العاطفة ولكنه رعاية للمصلحة، وكأنّ الحق يقول لنا: (أنا أمنعكم أنْ تخطبوا النساء في العدة أو تقولوا كلاماً صريحاً ولكن لا مانع من التلميح من بعيد) . 2ـ يقول الحق: ﴿ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ ﴾ أي: أنّ الله يعلم أنّ تلك المرأة التي مات زوجها عنها أو طلقها فقد أصبحت أملاً بالنسبة لك، فلو أنه ضيق عليك لعوّق عواطفك ولضاعت منك الفرصة لأن تتخذها زوجة، لذلك أباح التعريض: ﴿ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ﴾ فالمواعدة بالسر أمر منهي عنه، أو يقول لها: تزوجيني، لكنّ المسموح به التعريض بأدب كالثناء وغيره، والمرأة تملك شفافية وألمعية تلتقط بها معنى الكلام ومراده. 3ـ ولا يصح العزم على الزواج إلا بعد انتهاء العدة، ومعنى العزم: أنْ تفكر في المسألة في نفسك حتى تستقر على رأي أكيد، ثم لك أنْ تقبل على الزواج على أنه أمر له ديمومة وبقاء لا شهوة طارئة. لذلك الزواج القائم على غير روية والمعلق على أسباب مؤقتة كقضاء الشهوة لا يستمر ولا ينجح. والذين يبيحون زواج المتعة مصابون في تفكيرهم؛ لأنهم يتناسون عنصر الديمومة في الزواج، والنكاح الأصيل لا يُقيَّد بمدة، والأصل فيه العمر كله، لذلك فنكاح المتعة ليست مسألة زواج وإنما المسألة هي تبرير زنى . 4 ـ لذلك فعقدة النكاح تمر بثلاث مراحل تعطي للطرفين فرصتهما للتفكير العميق: آ ـ التعريض أو التلميح. ب ـ العزم الذي لا يصح إلا بعد انتهاء فترة العدة. ج ـ العقد. والله أعلم .
__________________
|
#193
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 199) مثنى محمد هبيان الحكم التشريعي التاسع والعشرون : متعة المطلقة قبل تسمية المهر وقبل الدخول بها ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ [البقرة: 236] السؤالالأول: ما الفرق بين ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ و ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١﴾ في آيتي البقرة 236و241 على الترتيب ؟ الجواب: 1ـ الآية الأولى 236 هي في حالة المرأة المعقود عليها وطُلّقت قبل أنْ يتم الدخول بها أو لم تُفرض لها فريضة، أي: لم يحدد مهرها ، وللعلم فإنّ خلو العقد من المهر لا يؤثر على العقد ، ويثبت للمرأة مهر المثل ، والله أعلم . أمّا الآية الثانية 241 فهي في حالة المرأة التي عُقد عليها ثم طُلّقت وقد تم الدخول بها. 2ـ ففي الحالة الأولى الرجلُ طلَّقَ المرأةَ لكنه لم يدخل بها ولم يستفد منها أو يتمتّع بها ولم يحصل بينهما مسيس، فعندما يدفع النفقة يكون هذا من باب الإحسان، والقرآن الكريم لم يحدد القدر بل تركه مفتوحاً كلٌّ حسب سعته، لذا خُتمت الآية بقوله تعالى: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ [البقرة:236] . بينما لو دخل عليها واختلى بها وحدث المسيس وخدمته وأسعدته ثم طلّقها فيدفع لها، ولو لم يدفع لها سيدخل النار، لذا ختمت الآية بـ ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١﴾ [البقرة:241] أي (الذين يتّقون العذاب يوم القيامة). السؤالالثاني: ماذا تعني كلمة ﴿ حَقًّا ﴾ في الآية ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ [البقرة:236]؟ وما إعراب: ﴿حَقًّا﴾؟ الجواب: 1ـ كلمة ﴿حَقًّا﴾ تعني حقاً حقَّقه القرآن للمرأة وليس لأحد أنْ يتجاوزه، ولا تقول المرأة لا أريده إنما تأخذه وتتصدق به إنْ شاءت. 2ـ و(حقاً) هنا في الآيتين 236و 241 تفيد توكيد مضمون الجملة؛ لأنه تعالى لمّا أمر بالتمتيع وهو إعطاء قسم من المال للمرأة المطلقة على حسب الأحوال في الغنى والفقر، أراد أنْ يبين أنّ ذلك حق لهن، فأكّده بقوله ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ و ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١﴾ . 3ـ حقاً: مفعول مطلق منصوب. السؤالالثالث: ما أهم الدروس في الآية ؟ الجواب: 1ـهذهالآيةذكرتْحكمَمتعةالمطلقةالتيلميُسمّلهاالمهر، وقبلالدخولبها، وقيلإنّهذهالآيةنزلتفيرجلمنالأنصارتزوجامرأةمنبنيحنيفة، ولميُسمّصداقها، ثمطلقهاقبلأنيمسها، فقاللهالنبيعليهالسلام: ( متعهابقلنسوتك) [ الكافي الشاف رقم 38 ] . وكأنّعدمتسميةالمهرليسشرطاًفيالنكاح،بلإذاتزوجتهولميفرضفيهذاالزواجمهرفقدثبتلهامهرالمثلوالعقدصحيح، ودليلذلكأناللهسبحانهوتعالىيقول:﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ ﴾ ومعنىهذاأنهاكانتزوجةولميحدثدخولللزوجبها. 2ـهذاالطلاققديحرجالمرأة، وقديسيءإلىسمعتها، ويتحدثالناسعنها: لماذاتركها؟هلفيهاعيبمثلاً؟فأمرالإسلامفيهذهالحالةأنيمتعها، أييعطيهاشيئاًمنالمالكهديةأوسدنفقة، جبراًلخاطرها، وتطيباًلها، وصيانةلعرضها، لكيتذكربالكلامالحسنبينالناس. 3ـ قوله تعالى : ﴿ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ ما هو المس؟ لدينا في اللغة : (مسّ ـ لمَسَ ـ ملامسة ) فالإنسان قد يمس شيئاً بسرعة، ولكنّ الماسّ لا يتأثر بالممسوس، أي لم يدرك طبيعته أو حاله هل هو خشن أو ناعم؟ دافئ أو بارد، وإلى غير ذلك. أمّا اللمس فلابدّ من الإحساس بالشيء الملموس، وأمّا الملامسة فهي حدوث التداخل بين الشيئين. إذن عندنا ثلاث مراحل: الأولى هي: مس. والثانية: لمس. والثالثة: ملامسة. إذن : كلمة (المس) هي أخف من (اللمس )، وأيسر من أنْ يقولَ: لامستم أو باشرتم، ونحن نأخذ هذا المعنى هنا في الآية؛ لأنّ هناك سياقاً قرآنياً في مكان آخر قد جاء ليكون نصاً في معنى آخر، نستطيع من سياقه أن نفهم المعنى المقصود بكلمة (المس) ، فقد قالت السيدة مريم:﴿ قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا٢٠﴾ [مريم:20] إنّ القرآن الكريم يوضح على لسان سيدتنا مريم أنّ أحداً من البشر لم يتصل بها ذلك الاتصال الذي ينشأ عنه غلام ، والتعبير في منتهى الدقة، ولأنّ الأمر فيه تعرض لعورة وأسرار؛ لذلك جاء القرآن بأخف لفظ في وصف تلك المسألة وهو المس، وكأنّ الله سبحانه وتعالى يريد أنْ يثبت لها إعفافاً حتى في اللفظ، فنفى مجرد مس البشر لها، وليس الملامسة أو المباشرة برغم أنّ المقصود باللفظ هو المباشرة؛ لأنّ الآية بصدد إثبات عفة مريم. ولنتأمل أدب القرآن في تناول المسألة في آية البقرة التي نحن بصددها؛ فكأن الحق سبحانه وتعالى يعبر عن اللفظ بنهاية مدلوله وبأخف التعبير. 4ـ الحق يقول: ﴿ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ ﴾ ومعروف أنّ (أَوْ) عندما ترد في الكلام بين شيئين فهي تعني (إمّا هذا وإمّا ذاك)، فهل تفرض لهن فريضة مقابل المس؟ إنّ الأصل المقابل في﴿ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ ﴾ هو: ( أن تمسوهن )، ومقابل ﴿ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ﴾ هو: (أن لا تفرضوا لهن فريضة) . وكأنّ الحق عزّ وجلّ يقول: لا جناح عليكم إنْ طلقتم النساء ما لم تمسوهن سواء فرضتم لهن فريضة أو لم تفرضوا لهن فريضة. وهكذا يحرص الأسلوب القرآني على تنبيه الذهن في ملاحظة المعاني. 5ـ ولنا أن نلاحظ أنّ الحق قد جاء بلفظة (إنْ)﴿ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ ﴾ في احتمال وقوع الطلاق، و(إنْ) كما نعرف تستخدم للشك، فكأنّ الله عز وجل لا يريد أن يكون الطلاق مجترءاً عليه ومحققاً، فلم يأت بـ (إذا)، بل جعلها في مقام الشك حتى تعزز الآية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أبغضالحلالإلىاللهالطلاق»[رواه أبو داود 2178]. 6ـ ثم يقول الحق عز وجل بعد ذلك: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ أي إنّك إذا طلقت المرأة قبل الدخول، ولم تفرض لها فريضة فأعطها متعة. وقال بعض العلماء في قيمة المتعة: إنها ما يوازي نصف مهر مثيلاتها من النساء ، وما دام لم يُحَّدد لها مهرٌ فلها مثل نصف مهر مثيلاتها من النساء. ويقول الحق:﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ أي ينبغي أن تكون المتعة في حدود تناسب حالة الزوج؛ فالموسع الغني: عليه أن يعطي ما يليق بعطاء الله له، والمقتر الفقير: عليه أن يعطي في حدود طاقته. وقول القرآن: ﴿ ٱلۡمُوسِعِ ﴾ مشتق من الفعل (أوسَعَ) واسم الفاعل (موسِع) واسم المفعول (موسَع عليه)، فأي اسم من هؤلاء يطلق على الزوج؟ إنْ نظرت إلى أنّ الرزق من الحق فهو (موسع عليه)، وإنْ نظرت إلى أنّ الحق يطلب منه أن توسع حركة حياتك ليأتيك رزقك، وعلى قدر توسيعها يكون اتساع الله لك، فهو (موسع). إذن فالموسع: هو الذي أوسع على نفسه بتوسيع حركة أسبابه في الحياة، بينما الإقتار هو الإقلال، وعلى قدر السعة وعلى قدر الإقتار تكون المتعة. والحق سبحانه وتعالى حينما يطلب حكماً تكليفياً لا يقصد إنفاذ الحكم على المطلوب منه فحسب، ولكنه يوزع المسؤولية في الحق الإيماني العام؛ فقوله: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ ﴾ يعني إذا وُجد من لا يفعل حكم الله فلابدّ أن تتكاتفوا على إنفاذ أمر الله في أنْ يمتع كلُ واحد طلَّق زوجته قبل أن يدخلَ بها. والجمع في الأمر وهو قوله: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ ﴾ دليل على تكاتف الأمة في إنفاذ حكم الله. 7ـ آية البقرة (236 ) هي كقوله تعالى : ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَاۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا٤٩﴾[الأحزاب: 49] وقد تزوج النبي عليه السلام أميمة بنت شراحيل ، فلمّا دخلت عليه بسط إليها يده ، فكأنها كرهت ذلك ، فأمر بتجهيزها ومتعتها . 8ـ باختصار : إنْ طلق الرجلُ المرأةَ قبل أن يسمي لها مهراً ، وكان قد عقدَ عليها ، ولكنه لم يدخلْ بها ، فعليه متاعٌ بالمعروف ، ولا عدة عليها . والله أعلم .
__________________
|
#194
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 200) مثنى محمد هبيان الحكمالتشريعيالثلاثون: متعةالمطلقةبعدتحديدالمهروقبلالدخولبها السؤالالأول: جاء فعل الشرط في هذه الآية 237 بصيغة الماضي ﴿وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ﴾ وكذلك في آية البقرة 230. فما دلالة ذلك ؟ الجواب: 1ـ التعبير بفعل الشرط بالفعل الماضي قد يفيد افتراض حصول الحدث مرة واحدة أو قليلاً، بينما الفعل المضارع يفيد تكرر الحدث وتجدده. 2ـ لذلك جاء بصيغة الماضي مع أحوال الطلاق؛ لأنّ الطلاق لا يتكرر كثيراً كتكرر الصدقة حيث قال: ﴿وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ٢٣٧﴾ وفي الصدقات قال كما في آية البقرة: ﴿ إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ ﴾ [البقرة:271] بصيغة الفعل المضارع. السؤالالثاني: ما معنى ﴿أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ﴾في الآية ؟ الجواب: 1ـ هذه الآية في حالة طلاق الرجل للمرأة المعقود عليها، لكنه لم يتم المسيس بها وحُدد مهرها فلها نصف المهر المسمّى، وهناك استثناء وهو أنْ تعفو المرأة ﴿إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ﴾ [البقرة:237] . 2ـ أما قوله تعالى: ﴿أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ﴾[البقرة:237] فاختلف فيها المفسرون، فقال بعضهم: إنّ الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ المرأة، وأمّا البعض الآخر فقال: إنّ الذي بيده عقدة النكاح هو الرجل المطلِّق، وهذا يوازن المعنى في الآية أكثر؛ لأنّ الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح (وبدون إيجاب وقبول لا يكون هناك عقدة نكاح) . ومعنى أنْ يعفو الذي بيده عقدة النكاح أو الزوج كما قلنا: هو أنْ يعفو الزوج المطلِّق عن القسم الثاني من المهر المسمّى ويعطي المرأة المطلَّقة كامل المهر، فيكون شهماً كريماً معها، والله تعالى سيكافئه على ذلك إن شاء الله. 3ـ والله تعالى يقول: ﴿وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ﴾ فالقرآن انتصر لصالح الزوجة، فلو عفا الزوج يكون أفضل، فالخطاب في قوله: ﴿أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ﴾هو للمطلِّقين وليس للمطلقات، والأنسب أنْ يعفو الزوج إذا أراد أنْ يكون من الأتقياء يوم القيامة؛ لأنّ الزوج يعمل وسيحصل على مالٍ غيره، أمّا الزوجة فهي التي تحتاج لمن يعوّضها ويؤنسها ويجبر خاطرها. 4ـ قوله تعالى: ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ﴾ هذا خطاب للرجال والنساء جميعاً، إلا أنّ الغلبة للذكور إذا اجتمعوا مع الإناث؛ لأن الذكورة أصل والتأنيث فرع، هذا في اللفظ . السؤالالثالث: ما معنى كلمة (العفو) لغة وشرعاً ؟ الجواب: كلمة (العفو) هي من الألفاظ المستحبة في الشريعة، وهي تعني ما زاد على الشيء، كما في قوله تعالى: ﴿ وَيَسَۡٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ ﴾ [البقرة:219] أي: أنفقوا من المال الزائد على حاجتكم. السؤالالرابع: ما معنى قوله تعالى في الآية: ﴿ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ ﴾ ؟ الجواب: الفضل هو الزيادة، أي: لا تكونوا دقيقين في الحساب، بينما العدل : أخذ الواجب وإعطاء الواجب . والفضل أيضاً : إعطاء ما ليس بواجب ، والتسامح في الحقوق . روي أنّ أحد الصحابة تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها ، وأعطاها الصداق كاملاً ، فقيل له في ذلك فقال : أنا أحق بالعفو منها . السؤالالخامس: ماذا تفيد اللام من معنى في قوله تعالى: ﴿ لِلتَّقۡوَىٰۚ﴾ ؟ الجواب: اللام في ﴿ لِلتَّقۡوَىٰۚ﴾ بمعنى (إلى). السؤالالسادس: ما إعراب ﴿ أَن يَعۡفُونَ ﴾ ﴿ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ﴾ ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ ﴾ في الآية ؟ الجواب: 1- إعراب الفعل: ﴿ أَن يَعۡفُونَ ﴾ أنْ حرف ناصب و (يعفون) فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة في محل نصب، ونون النسوة: ضمير متصل في محل رفع فاعل، والمصدر: (أنْ يعفون) في محل نصب مستثنى. 2ـ إعراب ﴿ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ﴾ يعفو: فعل مضارع منصوب معطوف على ما قبله. 3ـ إعراب ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ ﴾ تعفوا: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير فاعل ، والمصدر: (أنْ تعفوا) في محل رفع خبر مقدم. السؤالالسابع: ما أهم النقاط والدروس في الآية ؟ الجواب: 1 ـ للزوجة أنْ تعفو عن نصف مهرها وتتنازل عنه لزوجها . 2ـ قول الحق: ﴿ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ﴾ المقصود به الزوج وليس الولي، والولي ليس له أنْ يعفو في مسألة مهر المرأة؛ لأنّ المهر من حق الزوجة . 3 ـ يقول الحق: ﴿ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ ﴾ ؛ لأن من الجائز أنْ يظن أحد الطرفين أنه مظلوم وإنْ أخذ النصف الذي يستحقه، لكنْ إذا لم يأخذ شيئاً فذلك أقرب للتقوى وأسلم للنفوس؛ ولذلك يقول الحق بعد ذلك: ﴿ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ ﴾ . 4 ـ للفائدة : هذا جدول يلخص أقسام المطلقات وهي أربعة أقسام : ![]() السؤالالثامن: ما دلالة رسم كلمة ﴿ تَعۡفُوٓاْ ﴾ بزيادة الألف في الآية ، علماً أنها وردت بصيغة ﴿ يَعۡفُوَ ﴾ بشكلها العادي في مواطن أخرى ؟ الجواب: وردت كلمة ﴿ تَعۡفُوٓاْ ﴾ للمفرد (5) مرات في القرآن الكريم ، أربعة منها بصيغة بزيادة الألف ،في الآيات :[ البقرة 237 ـ المائدة 15 ـ الشورى 25 ـ30 ]، وواحدة فقط بالصيغة العادية في قوله تعالى : ﴿فَأُوْلَٰٓئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعۡفُوَ عَنۡهُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوًّا غَفُورٗا٩٩﴾ [النساء:99] . وهي خاصة بفئة معينة وهم المستضعفون من الرجال والنساء والولدان حسب ما ذكرت آية النساء 98 . والله أعلم .
__________________
|
#195
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير ( من روائع البيان في سور القرآن ) (الحلقة 201) مثنى محمد هبيان ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ٢٣٨﴾ [البقرة: 238] السؤالالأول: قال تعالى: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾ الآية تحث على الصلاة وقد توسطت آيات الطلاق والوفاة، فما دلالة هذا؟ وما دلالة ورود الأمر بالصلاة بين آيات خطاب بني إسرائيل أو آيات الجهاد أو آيات الطلاق ؟ الجواب: إنّ المشكلات بين الزوجين وأحداث الطلاق أو الوفاة قد تؤدي إلى أنْ يحيف أحد الزوجين على الآخر، وقد يؤدي هذا إلى ظلم الآخر، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فأمر الله تعالى بالصلاة حتى لا يحيف أحدهما أو يظلم الآخر ويذكّره بالعبادة، وقد ينتصر أحد الزوجين لنفسه فأمره الله تعالى بالصلاة حتى لا يقع في ذلك، ونذكر أنّ الله تعالى أمر بالصلاة في أحداث أكبر من ذلك عند فقد الأمن، وفي حالة الخوف أمر تعالى بالصلاة أيضاً ﴿ وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا١٠١﴾ [النساء:101] . وكذلك الأمر بالصلاة بين آيات الطلاق له سببان: أولاً حتى لا ينشغل الزوجان بالمشكلات العائلية عن الصلاة فيتركوها، والثاني لئلا يحيف أحدهما على الآخر . يرجى مراجعة جواب السؤال الثالث في آية البقرة 45، وذلك لمزيد من المعلومات. السؤالالثاني: ما دلالة عطف الجمع ﴿ حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ ﴾ على المفرد ﴿ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾ في الآية؟ الجواب: 1ـ هذا يسمى في اللغة عطف الخاص على العام، فالصلاة الوسطى مشمولة في الصلوات، لكن ذُكرت وحدها لأهميتها . 2ـ وقيل: إنّ الآية فيها جمع وإفراد؛ لأنها تدل على الفروض ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ والنوافل ﴿ ٱلصَّلَوَٰتِ ﴾ ، وكما قال تعالى في آية البقرة 232: ﴿ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ ﴾ وفي آية الطلاق 2: ﴿ ذَٰلِكُمۡ يُوعَظُ بِهِۦ ﴾ وترك الصلاة عاقبته وخيمة وأمره خطير جداً، والرسول ﷺ لن يشفع يوم القيامة لتارك الصلاة وإنما سيشفع لمن استحق الشفاعة، ولن تنفع تاركَ الصلاة شفاعةُ الشهداء والصديقين والصالحين ﴿ فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ٤٨﴾ [المدَّثر:48] فعلى كل تارك للصلاة أنْ يبادر ويسارع بالتوبة ويبتعد عن التسويف؛ لأنّ الأمر في منتهى الخطورة . وفي الحديث « اغتنمْ خمسًا قبلَ خمسٍ: حياتَك قبلَ موتِك، وصحتَك قبلَ سقمِك، وفراغَك قبلَ شغلِك، وشبابَك قبلَ هرمِك، وغنَاك قبلَ فقرِك » [ الجامع الصغير 1205 ] والناس يوم القيامة ستندَمُ على ساعةٍ مرت عليهم لم يذكروا الله تعالى أو يقوموا بعبادة لله أو يتنافسوا في طاعة الله، وفي الحديث عن رسول الله ﷺ: « ما من أحدٍ يموتُ إلَّا ندِم . قالوا : وما ندامتُه يا رسولَ اللهِ ؟ قال : إن كان مُحسِنًا ندِم ألَّا يكونَ ازداد ، وإن كان مُسيئًا ندِم ألَّا يكونَ نزَع ». [أخرجه الترمذي 2403]. آ ـ وجوب المحافظة على الصلاة بشكل عام . ب ـ وجوب المحافظة على صلاة العصر بشكل خاص . ج ـ وجوب الخشوع في الصلاة ، وهو معنى : ﴿ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ٢٣٨﴾ . 4ـ الصلاة عماد الدين ، فاصطبري يا أبدانُ على إدامة التطهُّرِ بنهر النور، فإنَّ غُصْنًا ينبت في جوار الغدير لا يجفُّ أبدًا! إنْ لم ينل من فيضه نال من طلِّه، وإن لم يَرِدْ من ربيعه وَرَدَ من نَداه! السؤالالثالث: ما دلالة قوله تعالى: ﴿ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ ﴾ في الآية ؟ الجواب: بلغ عدد تفسيرات العلماء لمعنى الصلاة الوسطى حوالي 20 تفسيراً، منها: صلاة العصر ـ صلاة الجمعة ـ صلاة كانت مفروضة سابقاً . ولكن هناك رأي آخر: أنّ الصحابة لم يسألوا عن هذه الآية فاعتبروا أن كل صلاة هي صلاة وسطى . وبعضهم قال: بما أنّ عدد الصلوات في اليوم خمسة، والله يقلب الليل والنهار، أي: لا توجد نقطة ابتداء أو انتهاء كالدائرة، وتصبح أي صلاة هي صلاة وسطى؛ لأنه تسبقها صلاتان وتتبعها صلاتان فهي وسطى من حيث الوصف، وتفيد الأفضلية والخيرية (كنتم أمة وسطاً) فالوسطى هي الصلاة الفاضلة . وكلمة ( الوسطى ) من الناحية اللغوية تعني ( الفضلى ) أي للأفضل : للأوسط ، وليست من الوسط الذي معناه التوسط بين شيئين ، لأنّ وزن ( فعلى ) معناها التفضيل ، ولا يُبنى للتفضيل إلا ما كان قابلاً للتفاوت زيادة ونقصاً ، وكلمة (الوسط ) بمعنى الخيار تقبل الزيادة والنقص ، بعكس التوسط بين الشيئين فإنه لا يقبلهما ،ولذلك لا يجوز أن يُبنى منه أفعل التفضيل . وفريق آخر من العلماء قال: إنّ الله أخفاها لفضيلة خاصة تتحرك بين الصلوات حرص الله على إخفائها حتى يتحرك الناس ويحافظوا على كل الصلوات، كما أخفى تعالى اسمه الأعظم حتى لا يترك الناس بقية أسمائه، وكما أخفى ليلة القدر حتى يجتهد الناس في كل ليالي رمضان، وكما أخفى ساعة الاستجابة في يوم الجمعة حتى يتحرك الناس بالدعاء والعبادة طوال اليوم . وفريق قال: إنّ الآية فيها جمع وإفراد، فالصلاة تدل على الفروض، والصلوات تدل على النوافل، والله أعلم . السؤالالرابع: ما دلاة كلمة ﴿ وَقُومُواْ ﴾ بعد كلمة (الصلاة) ؟ الجواب: جاءت كلمة ﴿ وَقُومُواْ ﴾ في آية البقرة 238 بعد كلمة الصلاة ولم يختر سبحانه الركوع أو السجود؛ لأنّ كلمة القيام تتناسب مع قيام الرجل على بيته وأهله ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ ﴾ [النساء:34] وقوامون، أي: قائمون بالحفظ على شؤونهم وخدمة أمورهم، وكما أمرنا الله بالحفاظ على نسائنا أمرنا بالحفاظ على الصلاة، وهذا من تناسق القرآن . وعندما تجد زوجاً قانتاً خاشعاً فلا يمكن أنْ يكون جبّاراً على زوجته، وإنْ كان جبّاراً فاعلم أنّ الزوج هذا لم يستكمل صلاته بالخشوع والقنوت، فلو صلى حقيقةً ما تجاسر على زوجته وما تكبر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ ﴾ [العنكبوت:45]. السؤالالخامس: ما دلالة رسم كلمة (الصلوة) و(الزكوة) في القرآن بـ(الواو) ؟ الجواب: هذا رسم المصحف وهو قائم على أمرين: 1ـ أنّ أصل الألف فيهما واو من: صلى /يصلو ـ زكى/يزكو، وأنّ جمع صلاة صلوات. 2ـ أنه في بعض القراءات تُفخَّمُ فتُمال إلى الواو؛ لذا تكتب بالواو لأصلها وللقراءة. 3ـ أمّا كلمة (السموات) فهي أيضاً من خط المصحف، علماً بأنه حين كُتب المصحف كانت حروف العلة [ الواو ـ الألف ـ الياء] لا تُرسم مثل الآن ثم تغير الخط لاحقاً. 4ـ ذكر ( الداني ) في كتابه ( المقنع في رسم مصاحف الأمصار ) أنه رُسمت في كل المصاحف الألف واواً على لفظ التفخيم ، ومراد الأصل في أربعة أصول مطردة ، وأربعة أحرف متفرقة ، فالأربعة أصول هي : ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ ،﴿ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ ، ﴿ ٱلۡحَيَوٰةَ ﴾ ،﴿ ٱلرِّبَوٰاْ ﴾ ، والأربعة أحرف هي : ﴿ بِٱلۡغَدَوٰةِ ﴾ ،﴿ كَمِشۡكَوٰةٖ ﴾ ،﴿ ٱلنَّجَوٰةِ ﴾ ،﴿ وَمَنَوٰةَ ﴾غير أنّ كلمات ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ ،﴿حَيَوٰةٖ ﴾ ،﴿ٱلرِّبَوٰاْ ﴾ وردت في بعض الآيات القرآنية برسمها العادي مما يوحي بأنّ اختلاف الرسم جاء لأغراض شريفة سامية تعزز المعنى وتعطي للكلمة القرآنية آفاقها الواسعة .وللعلم فإن هذه الكلمات الآنفة الذكر كلها تحمل معنى الزيادة والبركة والنماء والتكاثر. آ ـ من ذلك كلمة ﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ حيث وردت بهذا الشكل في جميع آيات القرآن الكريم وعددها ( 67) مرة مختلفة عن الكتابة العادية ، ويوحي هذا الرسم بأهمية الصلاة الشرعية وأنها عماد الدين ، وأنها الصلة بين العبد وربه ، مثل أن تضع خطاً تحت كلمة معينة في كتاب تقرأه لتميز هذه الكلمة عن غيرها لأهميتها . ويعني وجود حرف ( و ) بدلاً من حرف الألف الوسطي في كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ حيث أنّ حرف الألف يدل على الانقطاع والفصل ، أمّا حرف ( و ) فيدل على العطف والاستمرار ، والصلاة كركن شرعي لا ينقطع أبداً في حياة المسلم ، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، وثقلت كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ لبيان ثقل مكانة الصلاة في الإسلام ، وللتفخيم والتعظيم ، وتأتي صيغة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ مع الواو عندما تدل الكلمة على المعنى الكلي الجامع، بينما تأتي بدون واو مع الصيغة الجزئية نحو: ( صلاتك ـ صلاته ) . كذلك حين تنسب الصلاة إلى الأنبياء في جدلهم مع أقوامهم فإنها تأتي أيضاً بصورتها الخاصة كما في الآيات : ﴿ وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ١٠٣﴾ [ التوبة: 103]. ﴿ قَالُواْ يَٰشُعَيۡبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ أَن نَّتۡرُكَ مَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَآ ﴾ [ هود: 87]. أمّا عند تخصيص الكلمة نحو اتصال كلمة ( الصلاة ) بضمير الغائب أو ضمير المتكلم ، أو ضمير المخاطب، فتأتي بصورتها العادية ، حيث وردت تسع مرات : ﴿ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥ ﴾ [ النور: 41]. ﴿ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا ﴾ [ الإسراء: 110]. ﴿ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ٩٢﴾ [ الأنعام: 92]. ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمۡ عِندَ ٱلۡبَيۡتِ إِلَّا مُكَآءٗ وَتَصۡدِيَةٗۚ ﴾ [ الأنفال: 35]. ﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ٢ﮣ ﴾ [ المؤمنون: 2]. ﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ٢٣﴾ [ المعارج: 23]. ﴿ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ٣٤﴾ [ المعارج: 34]. ﴿ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ٥﴾ [ الماعون: 5]. ﴿ قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ١٦٢﴾ [ الأنعام: 162]. وللعلم فقد تحور (الألف) إلى (واو) في ( 184) موضع في القرآن الكريم . ب ـ وردت كلمة ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ بهذه الصورة مثل كلمة﴿ ٱلصَّلَوٰةَ ﴾ لتبين عظم ركن الزكاة في الإسلام وأهميته، مما جعل سيدنا أبا بكر الصديق يحارب مَن منع الزكاة . وقد وردت كلمة ﴿ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ في القرآن الكريم (32) مرة ، ولم ترد مطلقاً بالصورة المعتادة . والله أعلم .
__________________
|
#196
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 203) مثنى محمد هبيان الحكمالتشريعيالحاديوالثلاثون: مُتعةالمُتوفّىعنهازوجها ﴿وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلۡحَوۡلِ غَيۡرَ إِخۡرَاجٖۚ فَإِنۡ خَرَجۡنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِي مَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعۡرُوفٖۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ٢٤٠﴾ [البقرة: 240] السؤالالأول: نكّر كلمة ﴿ مِن مَّعۡرُوفٖۗ ﴾ في هذه الآية وعرّفه ﴿ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ﴾ في آية البقرة 234، فما السبب ؟ الجواب: انظر الجواب في الآية 234. السؤالالثاني: الآيتان 234 و 240 متشابهتان في موضوع الوفاة ومختلفتان في الفاصلة، فلماذا؟ الجواب: انظر الجواب في الآية 234. السؤالالثالث: ما الفرق بين الحول والعام والسنة والحجج ؟ الجواب: انظر الجواب في الآية 233. السؤالالرابع: ما دلالة هذه الآية ؟ الجواب: 1ـدلتْالآيةعلىأمرين: آـ أنّ للمرأة المتوفى عنها زوجُها حق النفقة والسكنى من مال الزوج سنة كاملة . ب ـ أنّ لها متعة سنة كاملة لا تُلزم بالخروج من البيت أثناءها . 2 ـ أكثر المفسرين أنّ هذه الآية منسوخة بآية عدة المُتوفى عنها زوجُها ، وكذلك نسخُ عدة الحول بأربعة أشهر وعشرة أيام ، وقيل بعدم النسخ ، وقيل بالجمع بينهما .والله أعلم . السؤال الخامس: وردت لفظة ( في ما ) في القرآن الكريم متصلة ﴿ فِيمَا ﴾ ووردت منفصلة ﴿ فِي مَا ﴾ فما تعليل ذلك ؟ الجواب: انظرالجوابفيآيتيالبقرة( 113 ، 234 ). السؤالالسادس: ما إعراب كلمة ﴿ وَصِيَّةٗ ﴾ في الآية ؟ الجواب: كلمة ﴿ وَصِيَّةٗ ﴾ في الآية مفعول مطلق بمعنى: يوصي وصية. ﴿وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٢٤٢﴾ [البقرة: 241-242] السؤالالأول: قال في هذه الآية: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١﴾ وقال في الآية 236: ﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ فلماذا ؟ الجواب: انظر الجواب في آية البقرة 236. السؤالالثاني: ما دلالة هاتين الآيتين ؟ الجواب: 1ـ بيّن الله سبحانه في الآية (241 ) حكم المتعة( النفقة ) بالنسبة لجميع المطلقات ، وأنّ لهنّ نفقة العدة وهي حقٌ واجبٌ على الأزواج ، وليس فيه عطف وإحسان كما في من طُلقت قبل تحديد المهر ، فتدفع للمطلقات النفقة وجوباً ، كلٌ على قدر مستواه ودخله الاقتصادي . وإذا كانت هذه رعاية المطلقات فكيف الشأن برعاية الزوجات. 2ـ هذه المتعة ( النفقة ) هي غير مؤخر صداقها الذي يكون في بعض بلاد المسلمين ، فهي تستحق المهر كاملاً عاجله وآجله ، لأنها مدخول بها . 3ـ ختمت الأية بقوله تعالى :﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ٢٤١﴾ الذين يخافون الله فهو واجب ، وختمت الآية السابقة :﴿حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ٢٣٦﴾ فكأنّ آية البقرة ( 236 ) ندبٌ لأنّ الإحسان يعني التبرع بما ليس واجباً ، وآية البقرة (241 ) واجب . 4 ـ ختم الله الآية (242 ) بقوله : ﴿لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ٢٤٢﴾ بعد أن بيّن الله أحكامه المتعلقة بالأولاد والأزواج لكل ما فيه صلاح الدين والدنيا ، لعلّنا نعقل عن الله أمره ونهيه ونعمل بموجبهما . والله أعلم .
__________________
|
#197
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 204) مثنى محمد هبيان ﴿۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣﴾ [البقرة: 243] السؤالالأول: في بعض الآيات الخطاب للرسول ﷺ بصيغة ﴿ أَلَمۡ تَرَ ﴾ والرسول لم يرها، فما دلالة هذا الخطاب؟ الجواب: ﴿ أَلَمۡ تَرَ ﴾ في اللغة العربية تأتي بمعنيين: آـ السؤال عن الرؤية البصرية والرؤية القلبية نحو: ألم تر خالداً اليوم؟ ألم تر الأمر كما أراه؟ هذا معنى . ب ـ والمعنى الآخر: للتعجُّب، نحو ألم تعلم؟ ألم ينتهِ علمك؟ هذه الصيغة تأتي للتعجب سواء رآه أو لم يسبق له رؤيته. شواهد قرآنية: ـ ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ ﴾ [الملك:19] ألم تعجب من هذا؟ ألم تعجب مما يفعله الرحمن؟ وهم يرون ذلك. ـ ﴿ أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ٧﴾ [الشعراء:7] هذه رؤيا مشاهدة لكن فيها تعجباً. ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ ﴾ [البقرة:243] ألم ينته إلى علمك؟ ألم تسمع منهم؟ ألا تتعجب من أولئك؟ ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ ﴾ [البقرة:258] أي: ألا تعجب من هذا المتكبر وكيف كان يحاوره إبراهيم؟ ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ ﴾ [البقرة:246] هي للتعجُّب، والقصد منها التعجُّب و ليلفت نظر السامع الذي يحدثه وكذلك المخاطب إلى أمر يدعو إلى التأمل والعجب من الحالة أو من قدرة الله أو ما إلى ذلك. السؤالالثاني: ما الفرق بين آلاف وألوف ﴿ وَهُمۡ أُلُوفٌ ﴾ في القرآن؟ الجواب: (الألف): هو العدد المعروف وجمعه (ألوف وآلاف) . ـ آلاف من أوزان القِلّة (أفعال) لذا هو جمع قلة. وأوزان القِلّة هي: [أفعُل، أفعال، أفعِلة، فِعلة]. وجمع القلة من الثلاثة إلى العشرة، فإنْ تجاوزها دخل في الكثرة . ـ (ألوف): جمع الكثرة. لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ١٢٤﴾ [آل عمران:124] . ـ ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ ﴾ [البقرة:243] قال بعضهم: قطعاً أكثر من عشرة آلاف، وقسم أوصلهم إلى أربعين ألفاً. السؤالالثالث: في قوله تعالى: ﴿ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ ﴾ [البقرة:243] ثم حرف عطف، فعلى أي شيء عطف؟ الجواب: قد يحذف أحد المتعاطفين للدلالة عليه كما في هذه الآية، والتقدير: موتوا، فماتوا ثم أحياهم . السؤالالرابع: ما دلالات هذه الآية؟ الجواب: 1ـ المعنى العام : ألم تعلم ـ أيها الرسول ـ قصة الذين فرّوا من أرضهم ومنازلهم ، وهم ألوف كثيرة ، خشية الموت من قتال العدو ، أو من مرض الطاعون ، فأماتهم الله دفعة واحدة عقوبة لهم ، ثم أحياهم بعد مدّة ليستوفوا آجالهم ، وليتعظوا ويتوبوا بأنّ الفرار لا يمنع من الموت . 2ـ في الآية دليل على البعث بعد الموت . 3ـ المراد بالاستفهام ﴿ أَلَمۡ تَرَ ﴾ التقرير المشوب بالتعجب لمعرفة القصة. 4ـ المجاز المرسل في قوله تعالى : ﴿ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ ﴾ والعلاقة هي اعتبار ما يؤول إليه هذا مرض الطاعون الذي اجتاحهم . 5 ـ الطباق بين الإماتة والإحياء . 6 ـ الإيجاز بالحذف في قوله:﴿ مُوتُواْ ﴾ وقوله :﴿ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ ﴾ فقد حذف تقدير : فماتوا للاستغناء عن ذكره للتنبيه أنّ كل شيء لا يتخلف عن إرادته تعالى . 7 ـ قوله تعالى :﴿ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ ﴾ إنْ قلتَ: هذا يقتضي موتَهُم مرتيْن، وهو منافٍ للمعروف أنّ موت الخلق مرةٌ واحدة؟ قلتُ: لا منافاة إذِ الموتُ هنا عقوبة مع بقاء الأجل، كما في قوله تعالى في قصة موسى ﴿ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ٥٦﴾ [البقرة: 56]، وثمَّ موتٌ بانتهاء الأجل، ولأنَّ الموت هنا خاصٌّ بقومِ، وثمَّ عامٌ في الخلق كلِّهم، فيكون ما هنا مستثنى إظهارَاً للمعجزة. 8ـ قوله تعالى: ﴿ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣﴾ إنما ذكر لفظ (الناس) هنا في (البقرة) وفي ( يوسف ) و( غافر ) وتركه في ( يونس ) و ( النَّمل ) لأنَّ ما في الثلاثة الأولى، لم يتقدمه كثرة تكرر لفظ ( الناس ) فناسب الإِظهار، وما في ( يونس ) تقدَّمه ذلك فناسب الإِضمار، لئلا تزيد كثرة التكرار، وما في (النمل ) تقدَّمه إضمار الموحَى إليه ومخاطبته فناسب الِإضمار. والله أعلم .
__________________
|
#198
|
||||
|
||||
![]() مختارات من تفسير (من روائع البيان في سور القرآن) (الحلقة 205) مثنى محمد هبيان ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ [البقرة: 245] السؤالالأول: قوله تعالى ﴿ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ فهل هناك قرض سيئ؟ الجواب: انظر كيف وصف الله سبحانه وتعالى القرض بالحسن؛ لأنّ الله تعالى مطّلع على القلوب ولا يقبل الله تعالى إلا المال الحلال الصرف، ولا يرضى بالمال إلا إذا كان نقياً خالصاً من شوائب الرياء والمنّ. السؤالالثاني: ما فائدة ﴿ حَسَنٗا ﴾ بعد ﴿ قَرۡضًا ﴾ في الآية ﴿ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ ؟ الجواب: 1ـ في جميع القرآن لم يذكر القرض إلا ووصفه بالحسن. 2ـ المقصود بالقرض الحسن: آـ في الشخص أنْ يكون من دون مَنٍّ، وعن طيب نفس وبشاشة وجه. ب ـ وفي المال ينبغي أنْ يكون في المال الحلال الطيب الكريم . ج ـ وألا يبتغي الخبيث ﴿ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ ﴾ [البقرة:267] . د ـ ثم في الجهة أنْ يتحرى أفضل الجهات . هذا هو القرض الحسن يكون من كريم المال وحلاله ويكون من دون مَنٍّ ويكون في أفضل الجهات التي فيها نفع للمسلمين، ولذلك لا تجده في القرآن إلا موصوفاً بالحسن، ولا تجد القرض إلا لله. 3ـ الصدقة أطلقها، لكن القرض لم يأت إلا قرضاً حسناً ومع الله تعالى ﴿ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ [الحديد:18] حتى يفرّق بين القرض الذي هو في المعاملات، والقرض الذي هو عبادة مع الله. 4ـ الإقراض قد يكون بين الناس في المعاملات ولكنّ المقصود هنا هو العبادات، ولذلك دائماً يقول: ﴿ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ ﴾ [الحديد:18] ولو قال: أقرضوا، لم تختص بالعبادة وإنما بالمعاملة بين الناس . 5ـ ولذلك الصدقة دائماً عبادة، أمّا الإقراض فليس دائماً عبادة فقد يكون في المعاملة والتعامل بين الناس وليس له علاقة بالعبادة. 6ـ ولذلك هنالك أمران في القرآن: أنه وصف القرض بالحسن، والآخر أنه لله تعالى. وهذان الأمران في جميع القرآن، ولم يرد الإقراض إلا بهذين: أنه حسن وأنه لله تعالى فقط، ولهذا كان ثوابه من الله عز وجل المضاعفة. السؤالالثالث: في سورة البقرة قال تعالى: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ وفى آية الحديد 11 قال: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١﴾ [الحديد:11] واختلفت خاتمتا الآيتين، فما الفرق بين الآيتين؟ الجواب: 1ـ في سورة البقرة قال تعالى: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ ﴾ أي: ذكر الكم، وفي الحديد ذكر المضاعفة مع الأجر ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١﴾ أي ذكر الكم: فيضاعفه له، وذكر الكيف: وله أجر كريم، فزاد هنا بالأجر الكريم، وهو الحسن البالغ الجودة. 2ـ سورة الحديد مطبوعة بطابع الإيمان والإنفاق، بينما قال في سورة البقرة: ﴿ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ ﴾ ويقبض معناه يضيّق الرزق ويمسك. وهنا في الدنيا يحتمل أنّ الشخص يناله قبض أو بسط، وصاحب المال يحتمل أنْ يصيبه قبض، فهذا الذي يصيبه القبض والتضييق في الرزق يحتاج إلى المال . ولذلك لمّا قال تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ ﴾ هذا محتاج إلى المال، فقال: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ ﴾ فأنت عليك أن تنفق حتى لا يصيبك القبض وحتى يأتيك البسط، وهذا من باب تبصيره في الأمر، وفيها تهديد بالقبض . أمّا في سورة الحديد فليس فيها تهديد بالقبض، فقال تعالى في الحديد: ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١﴾ [الحديد:11] . 3ـ وفي سورة البقرة، قال تعالى في آية أخرى: ﴿ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ٢٦١﴾ [البقرة:261] وهذا في مقام التكثير، فناسب التكثيرُ التكثيرَ في السورة. السؤالالرابع: ما اللمسة البيانية في قوله تعالى ﴿ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ ؟ الجواب: 1ـ قسم ذهب إلى أنّ الصدقة غير القرض. 2ـ وقسم قال: القرض هو تطوع ولا يدخل في باب الفروض، والصدقة في الواجب. وربنا تعالى سمّى الزكاة صدقة، لكنْ هي ليست مقصورة على الزكاة فقط وإنما هي عبادة عامة الزكاة واحدة منها، لكنّ قسماً من الصدقة هو فروض كصدقة الفطر وبعض الصدقات. 3ـ وقسم قال: القرض هو أعمّ من الصدقة، يدخل في الفروض وغير الفروض(ما كان تطوعاً وغير تطوع)، فإذا كان الأمر كذلك فهو من باب عطف العام على الخاص. 4ـ وقسم يقول: الصدقة هي في الفروض، والقرض هو في التطوع . 5ـ والذي يبدو- والله أعلم- أنّ القرض في التطوع يختلف عن الصدقة، لأننا نلاحظ أنّ القرآن الكريم يذكر القرض الحسن بعد الزكاة في مواطن، وقد يأمر به بعد الأمر بالزكاة كما في قوله تعالى: ﴿ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ [المائدة:12] فذكر الزكاة ثم ذكر القرض الحسن والزكاة فرض، فقال بعدها: ﴿ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ ﴾ [المائدة:12] . وفي آية أخرى قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ ﴾ [المزَّمل:20] . كما يبدو - والله أعلم - أنه لمّا عطفها على الزكاة والزكاة فرض، صار القرض من باب التطوع، أي من باب المندوبات، وليس كل المندوبات فروضاً، لكن علمنا أنّ الزكاة فرض وعطفها على الزكاة فلا يأخذ نفس الحكم؛ لأنه ليس بالضرورة أنْ يأخذ المعطوف نفس الحكم خاصة في المندوبات، فربما يكون قد عطف مندوباً على فرض. 6ـ ثم تسميته (قرض) المُقرِض ليس ملزماً بالإقراض، والقرض في اللغة إعطاء مال تحديداً ويتوقع استرداده، أمّا الزكاة فلا تُردّ. ولذلك لمّا قال تعالى: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ فرب العالمين سيرده عليه بأضعاف كثيرة ﴿ فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ ﴾ والمقرِض ليس ملزماً بالإقراض، فإذا أردت الاقتراض من أحد فهو ليس ملزماً بإقراضك، وعندما قال ربنا: ﴿ قَرۡضًا ﴾ معناه أنه ليس ملزماً، ومعناه أنه من باب التطوع، بخلاف التصدق؛ لأن منه ما يلزم. وقوله تعالى في أكثر من موضع: ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا ﴾ كأنه من باب الترغيب، فتسميته قرضاً هو من باب الترغيب، وليس من باب الإلزام. السؤالالخامس: ما إعراب كلمة ﴿ قَرۡضًا ﴾ في الآية ؟ الجواب: إعراب ﴿ قَرۡضًا ﴾ فيه وجهان: إذا كان المقصود مالاً تحديداً يكون مفعولاً به، وإذا كان مصدراً فيكون مفعولاً مطلقاً. السؤالالسادس: ما الفرق بين الحسنة والقرض ؟ الجواب: ورد في الحديث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ «رأيتُليلةأُسريبيعلىبابالجنةمكتوباً: الصدقةبعشرأمثالها،والقرضبثمانيةعشر،فقلت: ياجبريل،مابالالقرضأفضلمنالصدقة؟قال: لأنّالسائليسألوعنده،والمستقرضلايستقرضإلامنحاجة» [أخرجهابنماجه 2431 ]. وتفسير ذلك: أنك لو تصدقت بدرهم فقد عملت حسنة تُضاعف لك إلى عشر حسنات حسب قوله تعالى: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ ﴾ [الأنعام: 160]لكن هل يردّ السائل الدرهم إليك؟ بالطبع لا. أمّا القرض فإنك تقرض درهماً مثلاً لشخص، فيكون بذلك عشر حسنات، وعندما يرد لك هذا القرض تكون في حقيقة الأمر قد أخذت تسعة، والتسعة حسب قوله تعالى في آية الحديد ﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١﴾ [الحديد:11] تُضاعف فتكون ثمانية عشر، والله أعلم. السؤالالسابع: ما الفرق بين خاتمتي الآيتين البقرة 245 ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ والحديد 11 ﴿ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١﴾ ؟ الجواب: 1ـ آية سورة البقرة واقعة في سياق القتال والموت ﴿۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ٢٤٣﴾ [البقرة:243] بعدها قال: ﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢٤٤مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ [البقرة:244-245] والإقراض معلّق على نية تجهيز الجيوش ﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّٖ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكٗا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ ﴾ [البقرة:246] فالآيات في الموت، والقتال والموت والقتل مظنّة الرجوع إلى الله تعالى، فقال: ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ وهي مناسبة لذكر الموت والقتال. 2ـ أمّا في سورة الحديد، فالكلام في الإنفاق وليس في الموت والقتال، ولمّا كان الكلام في غير هذا السياق في سورة الحديد قال: ﴿ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ١١﴾ [الحديد:11] . السؤالالثامن: ما الفرق بين استعمال ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ في آية البقرة 245 و﴿ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤﴾ في آية الملك 24؟ وما دلالة كل تعبير منهما ؟ الجواب: 1ـ الآية الأولى في سورة البقرة تتكلم عن الجانب المالي وعن القرض، والمال يذهب ويجيء، والله سبحانه وتعالى يقبضه ويبسطه، فيناسب الكلام عن البسط والقبض الذهاب والإياب، وذهاب المال وإيابه يناسبان كلمة الرجوع، أنتم وأموالكم ترجعون إلى الله؛ لأنّ فيها قبضاً وبسطاً ففيها رجوع، فناسب ﴿ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ٢٤٥﴾ . 2ـ وأمّا آية الملك 24 ﴿ قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤﴾ ففيها كلمة ﴿ ذَرَأَكُمۡ﴾ [المُلك:24] وذرأ بمعنى: نشر، يذرؤكم في الأرض، أي: يبثّكم وينشركم في الأرض. هذا الذَّرءُ والبثُّ يحتاج إلى جمع وأنْ يجمَع، والحشر فيه معنى الجمع. والذي يناسب الشيء المنثور الموزع في الأرض كلمة الحشر وليس الرجوع؛ لأنّ الحشر فيه معنى الجمع، واللفظة المناسبة لـ ﴿ ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ ﴾ [المُلك:24]؛ أي (بثّكم) تعبير ﴿ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ٢٤﴾ [المُلك:24]. السؤالالتاسع: وردت ﴿ وَيَبۡصُۜطُ ﴾ بالصاد مرة واحدة في كل القرآن في سورة البقرة، بينما سائر ما في القرآن ﴿ يَبۡسُطُ ﴾ [الرعد:26] بالسين في أكثر من عشرة مواضع، فلماذا ؟ الجواب: 1ـ بشكل عام حرف الصاد أقوى من حرف السين؛ وذلك أنّ: آـ حرف الصاد له أربع صفات قوية: [ الاستعلاء والإطباق والإصمات والصفير] وله صفتان ضعيفتان هما: [الهمس والرخاوة ]. ب ـ حرف السين له صفتان قويتان فقط، هما: [الإصمات والصفير] وله أربع صفات ضعيفة، هي: [الهمس والرخاوة والاستفالة والانفتاح ]. 2 ـ البسط في آية البقرة مطلق عام لا يختص بشيء دون شيء، فالله هو القابض الباسط في النعم والأرزاق والأعمار والآجال والملك والصدور والتقتير والتوسيع، يسلب قوماً ويعطي قوماً، ويقبض الصدقات ويخلف البذل، فهو بسط مطلق غير مقيد. 3 ـ بينما في الآيات الأخرى ترى البسط مقيَّداً بالرزق أو بغيره مثل الغيث في الروم: 48. 4 ـ البسط المطلق أقوى وأعم من البسط المقيد، فجاء بالصاد في الأقوى وجاء للمقيد بالسين . السؤالالعاشر: قوله تعالى: ﴿ يُقۡرِضُ ﴾ بالفعل المبني للمعلوم، ولم يقل إقراضاً بصيغة المصدر بل قال: ﴿ قَرۡضًا ﴾ فما السبب ؟ الجواب: (قرضاً) مصدر من الفعل الثلاثي (قرض) بينما نقول: (أقرض إقراضاً) فجمع بين المعنيين، وهذا من باب التوسع في المعنى . ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا٨﴾ [المزَّمل:8] وقوله تعالى: ﴿ وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ نَبَاتٗا١٧﴾ [نوح:17] . السؤالالحاديعشر: ما دلالة هذه الآية ؟ الجواب: ذكر الله في الآية السابقة (244 ) أهمية الجهاد بالنفس في سبيل الله وأنّ الجهاد طريق عزّة الأمة وحياتها فقال :﴿ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ٢٤٤﴾ [البقرة:244]. وذكر هنا في هذه الآية أهمية الجهاد بالمال لدعم الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام والدعوة إلى الله وحماية المجتمع المسلم من شرور أعدائه . والله أعلم .
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |