أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد - الصفحة 11 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4989 - عددالزوار : 2108442 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4568 - عددالزوار : 1386329 )           »          السخرية في سورة ( المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الأخلاق في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 46 )           »          وقفة تربوية مع التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          فتح مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 1796 )           »          فتنة المسلمين في الغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          معركة مرج الصفر شرقي شقحب بحوران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 12-06-2025, 09:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

كيف تكون محاضرتك ناجحة





الدكتور عثمان قدري مكانسي

ماذا يعني نجاح المحاضرة؟
1- بناء الثقة ( كسب ثقة الحاضرين )
2- المتابعة.( كسب الثقة تجعل المعجبين يتابعون محاضراتك)
3- انتشار الفكر.( والمتابعة والاهتمام ينشر فكرك وأفكارك ومبادئك)
4- أن يكون أسلوبك قدوة.( يقلدك الآخرون بأسلوبك وطريقتك )


أساليب النجاح:
1- إعداد المحاضرة بشكل جيد.
2- اللغة السليمة الواضحة .
3- الأداء الجيد ( قيادة المحاضرة الآسرة الواعية).
أ‌- التناسق( التوافق في زمن المحاضرة ومادتها)
ب‌- استعمال التقنيات الحديثة ما أمكن.
ت‌- المراوحة بين الأساليب ( إنشاء وخبر )
ث‌- الصوت المناسب لفقرات المحاضرة.
ج‌- إشراك الحضور( سؤال، تعجّب، نظرات ذات معنى، وتوزيع الاهتمام..الاستطراد غير المخِلّ، أو نكتة سريعة ..)
ح‌- تنبيه الحاضرين (بابتسامة أو تكرار ذي مغزى ...أو..).
خ‌- وقت السؤال أو التعليق آخر المحاضرة أو بين فواصلها.


تلافي الإحراجات:
1- سؤال لا يعرف المحاضر جوابه... ( نتذكر قول الإمام مالك بن أنس حين سُئل اربعين سؤالاً فكانت أكثر إجاباته ( لا أدري).
2- رأي يخالف رأي المحاضر...( نقدم له الشكر بلباقة مقدرين رأيه المخالف).
3- سؤال خارج الموضوع...( إما أن يكون الجواب سريعاً وإما – وهو الأفضل – أن نعتذر عن الجواب لأنه خارج موضوع المحاضرة).
4- أحدهم استلم الحديث فأفاض.( قد نتركه يتحدث قليلاً ، ثم نقاطعه بأدب ونعتذر إليه بأن للمحاضرة وقتاً منبهين إلى ضرورة إنجاح المحاضرة وعدم المقاطعة.) ولا بأس أن نعد بالاستماع إليه إن بقي وقت إضافيّ.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #102  
قديم 03-07-2025, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

كيف تصبح خطيبًا متمرسًا؟ دروس وتجارب عملية


. أحمد نصيب علي حسين











دعوت في مقال سابق إلى ضرورة نقل الدعاة تجاربهم للدعاة الجدد؛ حتى يستفيد غيرهم من جهودهم، ويطوروا من أدائهم، ولا يقع غيرهم في أخطائهم، وانطلاقًا من ذلك أسعى في هذا المقال لنقل تجربتي مع الخطابة والدروس التي ألقيتها على المصلين؛ حتى يستفيد الدعاة والقراء منها، رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والإخلاص في القول والعمل.
التوازن بين الجرأة والحذر من الإلقاء
هناك مَن يرى الإلقاء سهلاً، ويرى أن أيّ شخص يستطيع الخطابة، حتى ولو افتقد الأساسيات من العلوم الشرعية واللغوية، وهناك مَن يبالغ في المتطلبات المراد توافرها في الخطيب؛ فيمنع مَن يستطيع بحُجَج واهية، فقد يستطيع الخطابة فيظل حذرًا من الخطابة، وما منعه سوى الخوف من الإلقاء.
فالجراءة على الخطبة بدون عِلْم ومن غير آليات الخطابة تُنفِّر الناس من الخطبة، وتدفعهم للإعراض عن الاستماع للخطيب، ولا تستفيد من الخطبة حتى ولو اشتملت على العلم النافع نتيجة لما يكسو الخطيب خطبته من الأداء الرديء.
والخوف من الخطابة مع امتلاك الشخص العلم النافع ومؤهلات الخطابة، لكنه يفتقد التدريب؛ يحرم الناس من خير كثير، ويحرم الشخص من التزود بالمزيد من العلم من خلال التحضير المستمر للخطبة.
والحق في التوسط بين تلك الصورتين؛ فلا ينبغي الاستهانة بالخطابة فيُقبل عليها مَن لا باع له بالعلوم الشرعية والعربية، ولا نبالغ فنمنع مَن يستطيع الخطابة لكنَّه يفتقد التحضير والتدرُّب واعتياد مواجهة الجماهير.
التحضير الجيد: بناء علمي للخطيب
من أهم الدروس والتجارب النافعة التي تعلَّمتها في تجربتي مع الخطابة: أن التحضير الجيد كان يُزوّدني بالكثير من العلم والتفاصيل المفيدة، ويدلّني على المزيد من المراجع النافعة، فكلما توسَّع المرء في التحضير والقراءة العميقة؛ انتفع بذلك في نفسه وفي خطبته؛ حيث يقف على مسائل لم يكن يعلمها.
ومع تكرار التحضير الجيد والاطلاع الواسع سيعرف مظانّ الموضوعات والمسائل، وستكون خطبته جيدة ومؤثرة وواضحة، فكلما تعمَّق الخطيب في التحضير اتضح الموضوع للخطيب، مما يجعله يستطيع الشرح والتوضيح للمستمعين، فتوضيح الخطيب للموضوع فرع من وضوحه في ذهنه.
النصوص الشرعية ترفع من قَدْر الخطبة وقيمتها
النصوص الشرعية لها دور عظيم في تأثير الخطبة في الجمهور، فالخطبة المبنية على القرآن وصحيح السنة النبوية يستقبلها الجمهور استقبالًا حسنًا ويتفاعل معها.
ومن الدروس النافعة التي وقفت عليها في خطبة الجمعة: أنه كلما حرص الخطيب على البحث عن الأدلة الشرعية لموضوعه وساقها في خطبته ودرسه؛ زادت قيمة خطبته ومكانتها، وسهل عليه الموضوع في التحضير والإلقاء؛ فالنصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية الصحيحة تكسو الخطبة بهاءً وجمالًا، وتجعل تحضير الخطبة وإلقاءها سهلًا. وقد كان وضعي للنصوص الشرعية في خطبتي يُرقّيها ويسهلها في نفس الوقت، فعناصر الموضوع ما أضعها إلا بناء على الآيات والأحاديث، فهي أساس خطبتي وقوامها.
كيف تخطب خطبة قصيرة؟
من أفضل الأمور التي تجعل خطبتك قصيرة ونافعة هو التحضير الجيد، والتركيز على النقاط المهمة فقط، ومعرفة النقاط المهمة يكون عبر الاطلاع على الآيات والأحاديث التي تتناول الموضوع. فالخطيب لن يستطيع ذِكْر كلّ شيء فليحرص على الأهم وفقًا للوقت المتاح، وأظن أن مَن يطيلون في الخطبة ويكون أداؤهم باهتًا بسبب ضعف التحضير، فالخطيب الذكي بتحضيره يستطيع توجيه رسالة واضحة للجماهير وفي دقائق محدودة.
لا تعتمد على الخطب الجاهزة
هناك خطب جاهزة في كتب مُؤلَّفة، وعلى الإنترنت، وهذه تنفع في ضيق الوقت عن التحضير وعدم الاهتداء لموضوع ما، لكن الاعتماد عليها وترك التحضير مطلقًا تُفْسِد على الخطيب فسادًا كبيرًا، فتجعله يعتاد الكسل ويترك التحضير وما فيه من منافع وفوائد، وتحرمه من خيرات المطالعة وصحبة الكتب النافعة.
التمهيد من أهم الأشياء في أجزاء الخطبة
من أهم الأشياء المطلوبة في الخطبة هو: البداية بالتمهيد الذي يجذب الجمهور، فليس من الحكمة الدخول في خطبة الجمعة من غير تمهيد، فالتمهيد يُجهِّز ذهن المستمع للخطبة، ويجذب انتباهه للخطبة. والتمهيد له صور عديدة، فقد يكون التمهيد قصةً أو سؤالًا أو ذِكْر عنوان الخطبة مباشرة، وفكرة التمهيد هذه أخذتها من الشيخ محمد حسين يعقوب التي أخذها من الشيخ محمد صفوت نور –رحمه الله- الرئيس الأسبق لجمعية أنصار السنة المحمدية بمصر.
لا تنظر للبدايات الخاطئة
في بداية الإلقاء ستجد نفسك خجولًا خائفًا حَذِرًا في الإلقاء، فلا تعبأ بتلك البدايات، ولا تهتم بها، فسرعان ما تذهب تلك البدايات، وبعد ذلك ستمتلك ناصية الإلقاء وتصبح بليغًا في الحديث، فلا تحزن من ظلمة البداية، فبعد أسابيع من الإلقاء المتعثر ستشرق -بإذن الله تعالى-.
تكرار الخطب وإعادة التنبيهات المهمة
تكرار الخطب المهمة على الجمهور من الأمور المهمة، فهناك بعض الموضوعات المهمة مثل مقاصد الإسلام الكبرى، وأعمال القلوب، والكبائر التي يكثر الوقوع فيها؛ هي لا يستغني الخطيب والمستمعون عن تكرارها، والتكرار أنفع للداعية فيحفظ الأدلة والموضوعات، وأنفع للجمهور؛ فما تكرَّر يتقرَّر لديهم ويستقر عندهم أهميته.
وهناك أمر آخر يحتاج الداعية لتكراره على مسامع الجماهير وهو التنبيهات والضوابط المهمة حتى لا يَفهم الناس كلامه خطأً، مثل معنى الزهد الصحيح، وحقيقة الدنيا المذمومة في القرآن والسُّنة.
كنزك في كتابة الخطبة
من التجارب المهمة التي اقتنعت بها وعرفت جدواها جيدًا: أن تسعى لكتابة خطبك ودروسك، وأعتقد أن الكشكول المُدوَّن فيه دروسك وخطبك يُعتبر كنزًا عظيمًا، فستزداد علمًا بمراجعتك له، ويُسعفك -بعد الله- في وقت الأزمات عندما يضيق وقتك عن التحضير.
وستضيف للخطب القديمة تفاصيل ومسائل جديدة لتنضج خطبك، وتُفيد جماهيرك بحديثك، وعندما تُعيد خطبة خطبتها سابقًا ستجد الموضوع واضحًا في ذهنك وضوح الشمس، وستجد يسرًا في التحضير والإلقاء.
الخطبة تُعرّفك المراجع المهمة
بعد طول العمر في التحضير ستتعرف على المراجع المهمة التي لن تستغني عنها، وترجع لها مرارًا وتكرارًا، ومن تلك المراجع المهمة التي وقفت عليها: كتاب نضرة النعيم في أخلاق النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وكتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة، وكتاب رسائل ابن رجب، وجامع العلوم والحكم، ولطائف المعارف، ومجلة البيان اللندنية، وفتاوى موقع الإسلام سؤال وجواب.
اختيار موضوع الخطبة مبكّرًا كنز عظيم
من أجمل ما يرفع من قَدْر خطبك وينفعك في تحضيرها: الاختيار المبكر لموضوع الخطبة، فإن استطعت أن تختار موضوع خطبتك القادمة قبل صعودك للخطبة الحالية فافعل، فهذا نافع جدًّا. فالاختيار المبكر يُوسِّع من مجال تفكيرك وتأملك للموضوع، ويدفعك للتعمق في القراءة والمطالعة؛ فتطلع على الدرر والجواهر، فتنتقي للناس أجمل ما وقفت عليه من درر.
ولقد شعرت بتلك الميزة العظيمة عندما جعلت وقتًا يوميًّا للتحضير فأقرأ فيه، فاطلعت على ما راقَ لي من تفاصيل الموضوع، وفرحت بما وقفت عليه من معلومات ونصوص أضاءت لي موضوعي.
حماس الخطيب بخطبته يؤثر في جمهوره
كن متحمسًا ومنفعلًا لخطبتك وموضوعها؛ حتى تترك أثرًا نافعًا في المستمعين، فلا بد من الانفعال بموضوعك والتأثر به قبل أن يتأثر الناس، فالناس يتأثرون بتأثرك، وينفعلون بانفعالك، وسيرونك خطيبًا عندك قضية تريد الدفاع عنها، وسيشعرون أن لك رسالة تريد توصيلها للجماهير، ولست موظفًا تكسب بخطبك المال.
برنامج المكتبة الشاملة: العصا السحرية
من أجمل البرامج التي نفعني الله بها نفعًا عظيمًا: برنامج المكتبة الشاملة، لن يستغني عنه خطيب في تحضير خطبته عن هذا البرنامج، فلديه إمكانيات مذهلة في البحث والنسخ والقراءة، ومن أجمل مميزات برنامج المكتبة الشاملة التي على الحاسوب ميزة النسخ التراكمي.
الإخلاص سبيل النجاة
الخطيب والواعظ على خطر عظيم؛ لأن عمله ظاهر للناس وليس سرًّا، فتحقيق النية ليس سهلًا، وليس هذا مدعاة لترك الخطابة، بل مدعاة لمجاهدة النفس في تحقيق مقصده الحسن، فيجب عليك العناية بتجديد النية الصالحة، فينبغي أن تعتني بالإخلاص وتحمي نفسك من تسرُّب الرياء وحُبّ السُّمعة.
تجربتي في الخطابة تتلخص في: التحضير المبكر، والحرص على التمهيد الحسن، والاختصار في وقت الخطبة، وتدوين الخطب باستمرار، والاستفادة من المكتبة الشاملة، وعدم الملل من تكرار الخطب المهمة. رزقنا الله وإياكم الإخلاص.
إن التجارب الدعوية ما هي إلا تجارب بشرية يَعتريها النقص والخلل، وفيها من الدرر والفوائد، فلا ينبغي أن نتعلق بالنقص والخلل، بل نستفيد أيضًا من الدرر والفوائد؛ حتى نُطوّر من دعوتنا ونُحسِّن من أدائنا؛ وفقنا الله واياكم لما يُرضيه.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #103  
قديم 08-08-2025, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

خطبة الجمعة والفرص الضائعة


‏ الدكتور ياسر تيسير العيتي



يصعد الخطيب على المنبر فيتحدث في عناوين عامة (العودة إلى الله – إصلاح ذات البين – إخلاص النية ..) ويدعم كلامه بآيات وأحاديث وقصص من التاريخ تبين (عظمة الإسلام) ومدى (صلاح وتقوى المسلمين الأولين) ومدى (بعد المسلمين اليوم عن الله) ثم ينهي خطبته ويخرج المصلون من المسجد ولا يغيرون شيئاً من سلوكهم وتستمر أوضاع المسلمين السيئة على ما هي عليه إلى أن ينقضي الأسبوع ويأتي موعد الخطبة التالية وتتكرر القصة ذاتها..

إذا وازنّا بين مئات ملايين الساعات التي يقضيها مئات الملايين من المسلمين كل أسبوع وهم يستمعون إلى خطبة الجمعة والأثر الذي تتركه هذه الخطبة في واقعهم لوجدناه ضعيفاً جداً، ولا أعتقد أن الله قد فرض صلاة الجمعة على المسلمين لتكون طقساً جامداً لا روح فيه ولا أثر له في حياة الأمة وواقعها.

إن أحد أسباب فقدان خطبة الجمعة لفعاليتها هو تحركها في العموميات وابتعادها عن التفاصيل التي يحتاج إليها المسلمون فعلاً لتغيير واقعهم.

فمثلاً يمكن للخطيب أن يطلب من المصلين أن يعاملوا زوجاتهم بإحسان، وأن يسوق الآيات والأحاديث وقصص التاريخ المتعلقة بهذا الأمر، وأن يكتفي بذلك فيخرج المصلون من المسجد دون أن يتعلموا شيئاً جديداً يساعدهم على تجاوز التحديات التي تواجههم في حياتهم الزوجية، ويمكن للخطيب أن يتناول أمراً محدداً مثل الخلافات الزوجية ويستعرض الأساليب العملية التي تساعد على توقي هذه الخلافات وحلها ، وهكذا يخرج المصلون ولديهم أفكاراً عملية جديدة يمكن تطبيقها والاستفادة منها.

كثير من الناس الذين أعرفهم يحدثونني عن معاناتهم في البحث عن مسجد يصلون فيه الجمعة فأكثر الخطباء خطبهم منفصلة عن الواقع ولو لا (الروزنامة) المعلقة في المسجد لما استطعت أن تميز الزمن الذي تلقى فيه الخطبة أهو القرن الثالث الهجري أم القرن الخامس عشر!

أتمنى على خطبائنا أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية وأن يخصصوا ساعة من وقتهم كل يوم لرفع سوَّيتهم الثقافية بقراءة الكتب (غير الدينية) التي تشرح آخر ما توصلت إليه العلوم الاجتماعية والتربوية وعلوم التواصل والسلوك الإنساني والتنمية البشرية والإدارية والقيادية، وأن يعيدوا النظر في تلك الفكرة التي تقول (كل شيء موجود في الإسلام ولا حاجة لنا إلى معرفة ما يأتي من غير المسلمين فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية) فهي فكرة لا تحمي الإسلام ولا تساعد على تطبيقه، بل تحنّطه وتعزله عن الواقع، وتجعل شعار (الإسلام هو الحل) بمثابة نكتة يهزأ بها المستهزئون!

إن عظمة الإسلام تكمن في أنه وضع القواعد العامة وترك تفاصيل تطبيقها للعقل البشري ليجتهد ويبدع بما يواكب تطور البشرية وتقدمها. فمثلاً يقول تعالى :[وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ] الأنفال -46- هذه الآية يرددها كثير من المسلمين فيما هم يتخاصمون لأتفه الأسباب.
إن حل النزاعات اليوم أصبح علماً قائماً بذاته ولا يكفي ترديد هذه الآية لحل النزاعات بين المسلمين ما لم تكن لديهم المعرفة التفصيلية بأدوات توقي النزاعات وتجاوزها. ينطبق هذا الأمر على كثير من الأمور التي لها علاقة بالتربية والإدارة والقيادة والتواصل وتحفيز الآخرين والتأثير فيهم وتغيير السلوك الإنساني وغيرها من المجالات ...

الناس اليوم تعبوا من صراخ الخطباء على المنابر ومن الحديث المكرَّر الممل.

إن للناس حاجات ومن ينجح في تلبية هذه الحاجات يقبلون عليه ويمشون خلفه ويقتدون به.

إن دور المنبر في قيادة الأمة سيعود عندما يفكر الخطيب قبل صعوده المنبر بحاجات الناس الذين يستمعون إليه وكيف سيطرح أفكاراً تساعدهم على تلبية هذه الحاجات ،وهذا يحتاج إلى التواصل مع الناس وإلى الإطلاع على آخر ما توصل إليه الإنسان في شتى مجالات المعرفة.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #104  
قديم 10-08-2025, 12:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

وصايا إلى خطيب الخطبة

أحمد بن عبد الرحمن القاضي


- قد بوأك الله مبوأ صدقك، وأحلك محلةً رفيعة فوق أعواد المنابر تخاطب جموع المسلمين؛ تعظهم وتذكرهم وتعلمهم فهنيئًا لك ما ساق الله لك من الخير وأجرى على لسانك من الكلم الطيب.
- لا يعزب عن بالك أيها الفاضل الكريم أن غاية (الخُطبة): ذكر الله وما والاه. كما قال تعالى: (فاسعوا إلى ذكر الله) فاستصحب هذا المعنى لتجلو صدأ القلوب الذي تراكم خلال الأسبوع.
- اعلم رعاك الله أن هذه الشعيرة العظيمة في هذا اليوم العظيم من أعظم أسباب بقاء الإسلام وتوطيد أركانه في المجتمعات. فاقدر هذه المهمة حق قدرها، وأولِها ما تستحق من عناية واهتمام، واجعلها عبادة لا عادة، ودروسًا لا طقوسًا.
- اعتن وفقك الله بالحديث عن المهمات وما يحتاج إليه الناس في عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم وما يشغل بالهم ولا تطوِّح في موضوعات لا حاجة لهم بها، وحدث الناس بما يعرفون.
- تكيَّف مع موضوع خطبتك وانفعل انفعالًا صادقًا بما يقتضيه المقام وليظهر ذلك على نبرة صوتك وحركة بدنك فقد كان النبي ﷺ إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ولا تُمتها بالهمهمة والإلقاء البارد.
- لا تطل الخطبة وقل قولًا فصلًا جامعًا مانعًا، وتجنب تكرار المعاني، وأطل صلاتك فإن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه. أي علامة على فقهه. وإن من البيان لسحرًا.
- احذر أن تكون (ناسوخًا) تستنسخ خطب غيرك، وتتشبع بما لم تعط! استفد من الآخرين واقطف من كل بستان زهرة وأعد إخراجها حاملة بصمتك، كما يخرج من النحلة شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس.
- تفطن للمواسم والمناسبات واخطب بما يناسب الحال وبيان ما يُحتاج إليه من أحكام العبادات: كالصوم والحج والأضاحي، والمعاملات: كالزروع والثمار والمبايعات والمساهمات، والعادات: كالسفر والزواج والإجازات.
- تقمّص صفة الناصح الشفيق لا المعنِّف المؤنِّب الغليظ. وتلطف في إيصال الفكرة واستلِن القلوب بموعظة الكتاب والسنة وكلام الحكماء وشيء من مستجاد الشعر والأدب والقصص.
- تجنب الإثارة والتحريض وإيغار الصدور ولتكن خطبتك مستراحًا للنفوس وربيعًا للقلوب وجلاءً للأحزان حتى يشتاق الناس إليها ويرقبونها، ويخرجون منها أعظم إيمانًا ورغبة في العمل الصالح. وفقك الله.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #105  
قديم 15-08-2025, 12:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

دور الخطيب وأهميته في المقام الخطابي


إن الخطبة لا يمكن أن تنبعث فيها عناصر القوة، وتدِبَّ في كيانها الحياة، وتتحقق منها الإفادة التامة، والتأثير المطلوب؛ إذا لم يوجد لها خطيب فصيح متمكن، تتوافر فيه مقومات الخطيب وصفاته اللازمة والمؤهلة له، كي يكون خطيبًا جيدًا، ومتحدثا لبقًا، يأسر القلوب بفصاحته، ويستميل النفوس بقوة تأثيره.
وقد نرى خطبة مناسبة ومادة علمية جيدة، وموضوعًا مهمًّا يحتاج إليه الجمهور، ولكن للأسف يقوم بعَرْض هذا كلِّه خطيبٌ هزيل المستوى، ضعيف الأسلوب، رديء الإلقاء، فيضيع الموضوع وتضيع معه الفائدة، وتنصرف أذهان الناس عن متابعته، والتفاعل معه، وينعدم الإقناع والاستمالة اللذان هما من أهم أسس الخَطابة.
وفي بعض الأحيان قد نرى نقصًا في بعض المواصفات الخاصة بالخطبة، من حيث اختيار الموضوع وترتيب العناصر ونحو هذا؛ إلا أن الخطيب يكون ذا مستوى راقٍ، وأداء جيد، وعرض حسن، وإلقاء مؤثر، فينجبر ذلك النقص، وتكون الفائدة، ولا يحس الناس مللا، ولا تشرد أذهانهم عن متابعة الخطيب.
وأنا أعرف بعض الخطباء كان يُهْرَع الناس إليه من أماكن دانية وقاصية، وتضيق الساحات والشوارع عن استيعاب الجموع الوافدة، والجمهور القادم من مسافات شاسعة، مع أن الخطبة - في كثير من الأحيان- لم تكن ذات موضوع محدد، وإنما خليط من موضوعات متفرقة وبالتالي لم تكن ذات عناصر متناسقة، ولم تكن تحتوي على مادة علميه ثرية، بل متواضعة، إلى غير ذلك من نقصان المواصفات اللازمة للخطبة الجيدة، لكن قوة أسلوبه، وفصاحته وبلاغته، وحُسنْ إلقائه وجودة عرضه، كانت قمينة بجذب الأعداد الغفيرة إلى استماعه، فقد كان بحق موهوبًا، يتمتع بالخصائص الفنية للخطيب البليغ، الماهر الجيد، الذي لا يترك ثغرة يشرد عبرها ذهن المستمع.
وكم يشكو جمهور المدعوين من أن فلانًا ممن يخطب الجمعة عالم، ويحضِّر موضوعه، ولا يستطيع أن يقدح في علمه أحد، لكنه لا يجذبنا ولا ينجح بالدرجة المطلوبة في توصيل المعلومة إلى المستمع، بعكس فلان الذي هو دونه في العلم، لكن عرضه جيد وإلقاءه جذاب، ونستفيد منه، بالرغم من أن علمه متواضع.
وهكذا نجد أهمية الخطيب، وموقعه الحساس، ودوره الخطير في العملية الخطابية.. إنه هو الذي ينفخ روح الحياة في الخطبة، ويمدها بأسباب القوة وعوامل النجاح.
ولهذا كان إعداد الخطيب حرِيًّا بالعناية والاهتمام، وهو ما جعلنا نقدِّم الحديث عنه على الحديث عن الخطبة.
وجدير بالذكر أن حديثنا عن الخطيب هنا إنما هو عن الخطيب المسلم الداعية، الذي يتوسل بالخَطابة لنشر الدعوة الإسلامية، والتمكين للإسلام في الأرض، ولشريعته بأن تسود وتحكم، ولسنا نتحدث عن الخطيب من المنظور الفني البحت، كما هو حال بعض من يكتبون في الخَطابة، بل عن الخطيب المسلم باعتباره صاحب دعوة يحيا بها، ويعيش من أجلها، ويعمل لخدمتها، ويضحي في سبيلها؛ عن هذا الخطيب نكتب، ولإيجاده نسعى، وربنا المستعان.
وهذا الخطيب الداعية له مقومات يلزم أن تتحقق فيه، كي ينجح في مهمته الخطابية والدعوية، وهو ما نفصله - بتوفيق الله - في مقالات قادمة..
__________________________________________________ _
الكاتب: أ. د إسماعيل علي محمد









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #106  
قديم 22-08-2025, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

كيف تؤثر في قلوب الناس


عبد الكريم علي الخلف


(الداعية المؤثر)



مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى فنٌّ يجيده الدعاة الصادقون، وهي من أعظم ما تملكه هذه الأمة من رأس مال معنوي, ومن خلالها نقدم الترياق للمشكلات التي يعاني منها العالم بأسره. قال تعالى: [قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...]. . لذا فإن على الدعاة آداباً لابد أن يتحلوا بها حتى يؤثروا في قلوب الناس وعقولهم -فتصل دعوتهم من القلب إلى القلب- وحتى يكونوا رُسُل هِداية، ومشاعل حقّ وخير، يؤدون الرسالة كما أرادها الله تعالى.
أولاً: من شروط التأثير:
1-الإخلاص لله تعالى:

الإخلاص هو سر النجاح، فالداعية يستكمل في دعوته شروط قبول العمل، بإتقانه وتحضيره، وموافقة دعوته للكتاب والسنة، ثم يسأل الله تعالى الإخلاص والقبول، عند ذلك يكون على المسار الصحيح وتصل دعوته إلى الآفاق. فالإخلاص في العمل يجعل الثمار تؤتي أكلها سريعاً ، وبمقدار الإخلاص تكون المعونة من الله تعالى.
2-القدوة الحسنة :

فالداعية يؤثر في اقتداء الناس له بسلوكه وتصرفاته وأقواله وحتى ببعض حركاته فالدعوة ليست كلاما ً إنما هي عمل مع الثقة بنصر الله تعالى. والداعية لا يوجه الناس إلى نفسه بل يربطهم بالمنبع الرئيسي ألا وهو الكتاب والسنة، وهذا واضح في القرآن الكريم، قال تعالى: [لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...] (الأحزاب: 21).
3-التحضير الجيد للموضوع:

من أهم أسباب نجاح الدعاة في البدايات والنهايات هو التحضير للموضوع وبراعة اختيار العنوان، والارتجال يأتي مع التمرس والخبرة في المستقبل، لكن لا بد من التحضير الجيد لمادة الموضوع، واستعمال الوسائل الإيضاحية والصوت والصورة لجذب المستمع إلى الفكرة، وتجنب السآمة والملل.
4-التوازن بين الترغيب والترهيب:

فالداعية المؤثر لا يبالغ في الترغيب حتى يتكل الناس، ولا يسرف في الترهيب حتى ينفر الناس، بل منهجه الاعتدال والتوسط في كل شيء، وبذلك ينشر روح الأمل في نفوس السامعين، وفي نفس الوقت يدفعهم للعمل الجاد والمثمر.

5-استخدام الأسلوب القصصي:

الداعية بحاجة إلى الترويح على نفوس السامعين بإيراد القصص التي تصب في نفس الموضوع وتوضح الفكرة، مما يؤدي إلى رسوخ المعلومة؛ لأن القصة يحفظها السامع وترسخ في نفسه سريعاً. وهذا هو منهج القرآن، حيث ذكر قصص الأمم السابقة من أجل الاعتبار بحالهم، وتجنب المعاصي والأخطاء التي وقعوا بها وغير ذلك من الأهداف...
6-الابتسامة والدعابة:

الداعية عليه أن يكون منفرج الأسارير بسّاماً بشوشاً لا عبوساً مقطب الجبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة) أخرجه الترمذي. فالابتسامة تعرف طريقها إلى القلب مباشرة، وبذلك تحصل العلقة بينه وبين الناس، فيحبهم ويحبونه، فيستفيدون من كلامه ومواعظه ويتأثرون بها أبلغ التأثير. ولكن لا يكثر الداعية من الدعابة والمزاح فيفقد هيبته، بل يكون مزاحه قليلاً كالملح للطعام.
7-انتقاء الكلمة والمصطلح:

من أهم ما يحرص عليه الداعية هو انتقاء الكلمة والمفردة التي تؤدي المعنى الصحيح، فكل مصطلح له مرادفات فعلى الداعية أن ينتقي أجملها وأفضلها، فالكلمة المؤثرة في موضعها يكون مفعولها أقوى من حد السيف. وإن الإنسان مسؤول عن كلماته كما ورد في الحديث: (إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق). أخرجه البخاري

8-الابتعاد عن التملق والتصنع والتلون:


فالداعية المؤثر صاحب مبدأ ومنهج لا يحيد عنه لإرضاء فلان وفلان، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، وعليه أن يلتمس رضا الله أولاً وأخيراً، كما جاء في الحديث: (مَنْ أَسْخَطَ اللهَ فِي رِضَا النَّاسِ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ، وأَسْخَطَ عَلَيْهِ مَنْ أرضاهُ، وَمَنْ أَرْضَى اللهَ فِي سَخَطِ النَّاسِ رَضِي اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ مَنْ أَسْخَطَهُ). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
9- الصدق وعدم ادعاء ما ليس فيه:

من أهم أسباب الدعوة المؤثرة أن تكون من رجل صادق، لا يدعي ما ليس فيه، ولا يتعالى على الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور). أخرجه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر...). أخرجه مسلم.
10-احترام المواعيد:

فالداعية المؤثر يحترم مواعيده فلا يخلفها، ويجتهد بالحضور إلى موعد الدرس قبل الوقت ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فالناس يرقبونه وإن كان لا يشعر، واحترام الموعد هو احترام للناس الذين ينتظرون، وبالتالي سيبادلونه الاحترام ذاته.
11-التواضع من غير مذلة:

فالإنسان مهما كانت منزلته عليه أن يتواضع لله، قال تعالى في وصف الدعاة الصادقين من المؤمنين: [أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين] (المائدة: 54). أي متذللين غير متكبرين. وقال صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه). أخرجه مسلم فالمتواضع يحبه الناس ويتأثرون به ويلازمونه أكثر من غيره. وقال الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ ... على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه ...... إلى طبقات الجو وهو وضيعُ

ثانياً: كيف تكسب قلوب الناس من حولك:

هناك أمور كثيرة تجعل كلماتك تدخل إلى القلوب من غير استئذان، منها:
1- الهدية وإن كانت رمزية:

قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا). رواه مالك في الموطأ
وفي رواية الترمذي: (تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدر).
2-إفشاء السلام:

وهذه نصيحة نبوية لكسب القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ). أخرجه مسلم
3-الزيارة في الله:

فمن زار أخاه في الله (ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً). أخرجه الترمذي. وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة ترُبُّها (أي ترعاها وتصلحها)؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه. رواه مسلم . فاحرص أخي الداعية على تفقد إخوانك وزيارتهم في الله؛ لأنها توجب لك محبة الله؛ ومن أحبه الله فقد أمِنَ من عذابه؛ لأن الحبيب لا يعذب حبيبه..!
4-العفو عند المقدرة:

النبي صلى الله عليه وسلم علمنا العفو، عندما عفا عن المشركين يوم الفتح الأعظم؛ لأن العفو يجعل البعيد قريباً، و البغيض حبيباً...، وجاء في البخاري أن هنداً قالت للنبي صلى الله عليه وسلم عندما عفا عنها: (يا رسول الله، ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء، أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك). ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً). أخرجه مسلم.
5-إظهار الشفقة والرحمة والرأفة بالمدعو:

وهذا من منهج النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في قصة الغلام اليهودي المريض فقال له أبوه أطع أبا القاسم، فأسلم ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أنفقذه بي من النار). أخرجه أبو داود
6-الإكثار من الدعاء إلى الله في الأسحار: أن يفتح الله لك قلوب الناس.
7- احترم رأي الشخص الآخر: و لا تقل لأحد انك مخطئ إلا إذا كان مخطئ فعلاً فعلِّمه برفق.
8- اللباقة والأدب: قدم ما تريد على شكل اقتراحات مهذبة ولا تصدر أوامر صريحة.
ختاماً: نسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والنية، إنه سميع مجيب.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #107  
قديم 24-08-2025, 12:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

فن الإلقاء المتميز


عبد الكريم خلف


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الإلقاء المميز هو موهبة عظيمة ونعمة كبيرة، ولكن هذه الموهبة بحاجة إلى صقل وتنمية وإلا فإنها تضعف و تتضائل ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب...
عناصر الموضوع:
أهمية الإلقاء الجيد
فوائده الإلقاء المؤثر
مواصفات الملقي البارع
أركان الإلقاء المميز...
طرق وأساليب الإلقاء..

يقول ابن سينا:
الإلقاء والخطابة: "وظيفة قادة الأمم من الأنبياء والمرسلين ومن على شاكلتهم من العلماء العاملين وعظماء الملوك وكبار الساسة".
تمهيد:

تعريف المصطلحات:
الخطابة: لغة واصطلاحاً:

لغة: الكلام المنثور
اصطلاحاً: هي الكلام المؤلف الذي يتضمن وعظاً وإبلاغاً على صفة مخصوصة.
فن الإلقاء:

هو علم ذو قواعد وأصول وأساليب وضوابط لا بد من تعلمها ثم التمرس عليها، مع المقدرة النفسية والموهبة الإلهية.
نستنتج من هذا التعريف:
الخطابة والإلقاء ترتكز على أمرين أساسين
1-العلم
2-الموهبة

فن الإلقاء في القرآن الكريم:

غاية هذا الفن: الإقناع والتأثير
قال تعالى: [وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً] (النساء: 63)
قال تعالى: [وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب] (ص20)
وقال عن موسى: [وأخي هارون هو أفصح مني لساناً] (القصص: 34)
فالإلقاء الجيد هو:

(فن إيصال فكرة لمجموعة من السامعين على نحو مقنع ومؤثر).
فن الإلقاء في السنة المطهرة:
التأثير النفسي في نفوس السامعين
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون). أخرجه الترمذي.
وعن عائشة: (كان كلام رسول الله فصلاً يفهمه كل من سمعه). أخرجه أبو داود
أهمية الإلقاء الجيد:

تأتي أهمية الإلقاء من كونه عنصراً أساسياً من عناصر التبليغ والثقافة منذ الجاهلية (سوق عكاظ)
مروراً بالإسلام ....إلى عصرنا الحالي...
فالمنبر هو وسيلة إعلام قوية ومؤثرة...فينبغي استغلال هذه الوسيلة وتوظيفها التوظيف الجيد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأ سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مُبَلَغ أوعى من سامع). أخرجه الترمذي.
فوائد الإلقاء المؤثر:

أ- فوائد اجتماعية:
1-الحث على الأعمال التي تعود بالنفع على المستمعين
كتحفيز المجاهدين قبل المعركة...
2-التنفير من الأعمال السيئة التي تضر الفرد والمجتمع...كالتدخين مثلاً
3-إثارة الحماس تجاه قضية معينة...كنصرة الشعب السوري...
4-إقناع المستمعين بمسألة معينة...كتعجل الزكاة مراعاة للفقير
5-بناء جيل متعلم ومثقف واعي بقضايا أمته.
ب-فوائد شخصية: (للداعية)
1-فرصة للاتصال المباشر مع الناس
2-بناء علاقات جيدة مع أصحاب القرار
3-إتقان مهارة جديدة (التواصل)
4-زيادة فرص النجاح في الحياة.

أهداف الإلقاء:

من عناصر نجاح الداعية معرفة الهدف من الخطبة والمحاضرة التي يريد إلقائها
ما هي الرسائل التي يريد إيصالها للسامعين...
من أهم الأهداف للإلقاء المؤثر:

1-بيان حكم شرعي...
2-تصحيح مفهوم خاطئ...مثال: خطبة النبي عند وفاة ولده إبراهيم:
(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي) رواه البخاري
3-إزالة شبهة عالقة بأذهان الناس.
4-تحفيز الناس للجهاد في سبيل الله أو الإنفاق....
5-تفسير آية من القرآن الكريم..
6-بيان فضل صحابي أو عالم من العلماء.

مواصفات الملقي البارع:

1-العلم
2-الإعداد الجيد
3-المهارة اللغوية
4-إيصال رسالة مهمة
5-الثقة بالنفس
6-الصدق
7-مراعاة حال السامع
8-الاستماع الجيد
9-الإيمان بما تقول
أولاً: العلم:

ينبغي أن يتصف الخطيب بحسن المعرفة والإحاطة بفنه الذي يتحدث فيه، وإلا كان مناقضاً لنفسه، وسيتضح ذلك للجمهور سريعاً؛ لأنه لن يستطيع أن يحدث بغير علم، وقد قيل: (كل إناء بما فيه ينضح) فكيف إذا كان الإناء فارغاً!!!


ثانياً: التحضير الجيد:

لا بد من تحضير الدرس أو الخطبة أو المحاضرة مسبقاً ومراجعتها عدة مرات؛ لأن ذلك أبلغ في الوصول إلى السامع وشد انتباهه بالمعلومات الجديدة والمفيدة دائماً
ملاحظة: اهتم بالمقدمة واصرف لها بعض الوقت؛ لأنك تكسب نصف المعركة حين تجذب الجمهور وتسيطر عليهم من خلال المقدمة...
وكذلك الخاتمة..
ثالثاً: المهارة اللغوية:

هي امتلاك الداعية أو الخطيب لمعجم واسع من المفردات يزوده بقدرة فائقة على التعبير عن المعنى الذي يريده بأروع طريقة وأبدع أداء.
يقول صلى الله عليه وسلم: (أعطيت جوامع الكلم). متفق عليه (واللفظ لمسلم).
رابعاً: إيصال رسالة مهمة للسامع:

إن الخطب التي ليس لها هدف محدد غالباً ما تكون فاشلة، فلا بد للخطيب من تحديد هدف يمس حياة المستمعين ويجذب اهتمامهم.
قال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس: اسمعوا مني أبين لكم).
خامساً: الثقة بالنفس:

فالخطيب الرابط الجأش الواثق من نفسه سيكون طريقه إلى قلوب الناس قصيراً، ويحقق نتائج سريعة وثابتة أكثر من الخطيب المتردد.
سادساً: الصدق:

ولعلها أهم صفات الخطيب المتميز، فإن تحسس المشاعر وصدق الأحاسيس وصدق الحديث وأمانة النقل، سيكون لها أبلغ الأثر في نفوس السامعين.
قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الصدق يهدي إلى البر).
سابعاً: مراعاة حال السامعين:

وقد قيل: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم) فعلى الخطيب أن يكون ثاقب النظر نافذ البصيرة، فيختار الموضوع المناسب واللفظ المناسب.
ثامناً: الاستماع الجيد:

على الخطيب أن يحسن الاستماع للناس كي يكسب ثقتهم، ويعرف المشاكل التي يعانون منها ويتطرق إليها ويعالجها.
9-الإيمان بما يقول:

على الخطيب أن يكون قدوة للناس في تطبيق ما يقول، يقول طارق بن زياد في بعض خطبه:
(اعلموا أني أول مجيب لما دعوتكم إليه).
ويقول الشاعر:
لا تنه عن خُلق وتأتي مثـــــــله......عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غَيِّها.....فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

قواعد ستة ينبغي مراعاتها (أثناء الإلقاء):

1-معرفة الخطيب متى يتحدث؟ ومتى يتوقف؟
2-يتحدث عن أشياء تلامس واقع الناس
3-يستخدم اللغة اليومية السهلة (الفصحى وليس العامية)
4-عدم التعالي على الناس
5-استخدام الإشارات الطبيعية.
6-الحرص على التواصل بالعين وتوزيع النظر على الجميع.


شروط الأداء الجيد:

1-لا تبدأ بالاعتذار؛ لأن الحضور قد لا يعرفون أنك لم تحضر فلا تتطوع بتنبيههم...!!
2-ابتسم أثناء الإلقاء ولو لمرة..
3-لا تبدأ بعجلة بل انظر للجمهور وخذ نفسا عميقاً
4-لا يكن صوتك منخفضاً للغاية ولا مرتفعاً للغاية...ولا صاخباً بل لازم الاعتدال
5-تابع حركة الجمهور واعرف متى تتوقف؟
نصيحة:

-لا تسرف في الأكل قبل الخطاب
- اهتم بمظهرك وأناقتك..
تجنب ارتكاب أقبح جريمة!!
يقول بعض الكتاب: (إن من يتحدث (30) د لثلاثين دقيقة حديثاً سيئاً لمئتي شخص قد ضيع فقط نصف ساعة من وقته...
ولكنه ضيع (100) مئة ساعة من وقت الآخرين – أي أكثر من أربعة أيام – وهي جريمة يجب أن يكون حكمها قاسياً).


إضاءة:

الأسلوب أهم من الكلمة:
لأن عناصر التأثير تتوزع على ما يأتي:
7% للكلمات
38% للصوت
55% للغة الجسد
ختاماً:

إن كان الجذع قد حن لفراق النبي صلى الله عليه وسلم...
فإن المنابر اليوم تئن ممن يرتقيها فيهذي ولا يجيد...







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #108  
قديم 29-08-2025, 11:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

فِقْه بَثّ العِلْم الشرعي


العِلْم الشرعي من أهمّ الدُّرَر التي ينبغي لطلاب العِلْم الحرص على تحصيلها، فالعِلْم نور في الظلمات، وهداية من الضلالات، وتقويم للاعوجاج، ونجاة من الفتنة والأزمات.
ولقد أشاد الله بمكانة العِلْم، ورفَع مكانة أهله؛ فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: ١١]، وجعل فرقًا واسعًا بين أهل العلم ومن سواهم؛ فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَاَلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩].
ولم يأمر بالدعاء بالمزيد من شيء إلا العِلْم؛ فقال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم طلب العلم سببًا لتسهيل دخول الجنة؛ فقال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ، وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ، وَيَتَدارَسُونَهُ بيْنَهُمْ؛ إِلّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ»[1].
لذلك ينبغي الحرص على نَشْر العلم النافع بين الناس، وتبليغه في بقاع الأرض؛ فتبليغ العِلْم من أهمّ المهمات ومن أفضل الطاعات؛ لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا»[2].
ولأجل هذا الأجر العظيم والفضل الكبير للتبليغ؛ ورد في الشرع الحثّ على إبلاغ العلم؛ فقال الله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة: 122]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : «بَلِّغُوا عني ولو آية»[3].
ولأهمية تبليغ العلم ودعوة الناس؛ جَعَل الله الدعوة إلى الإسلام من أفضل الكلمات وأرقى الأعمال؛ فقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣].
ويؤكد ابن القيم على الأهمية العظيمة للتبليغ فيقول: «تبليغ سُنَّته إلى الأُمَّة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدوّ؛ لأن تبليغ السهام يَفعله كثيرٌ من الناس، أما تبليغ السُّنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أُمَمهم. جعلنا الله تعالى منهم بمَنّه وكرمه»[4].
وتبليغ الناس العلم النافع إعانة الناس على الطاعة وأداء العبادات وفقًا للمنهج الصحيح وتجنبًا للبدع والمخالفات، وتخلصًا من المشكلات، فلا تنشأ المشكلات إلا بالانحراف عن الشرع علمًا وعملاً، لكن كيف يكون هذا البلاغ؟
البلاغ بحاجة لفِقْه ومنهجية صحيحة، ليكون أداة بناء لا مِعْول هدم، فالحكمة في التبليغ تُجَنِّب العثار وتَحْفظ من الزلل، وتَقِي المتعلمين الفهم الخاطئ للنصوص والتصوُّر المِعْوَج للمسائل.
لذلك جاء هذا المقال لطلاب العلم والدعاة والعلماء؛ ليقفوا على الفقه الصحيح في بلاغ العلم الشرعي؛ لتُؤتِي جهودهم أُكُلها، ويحمدوا صُنْع ما فعلوا.
أولًا: النية الصالحة في التلقي والتبليغ:
العمل بدون نية هباء، ومع الرياء سبب لهلاك لصاحبه وحرمانه من الأجر، فيجب على المتعلمين والمعلمين تحقيق النية الصالحة؛ المُعلِّم ينوي نفع غيره بالتبليغ ابتغاء وجه الله، والمتعلم ينوي التعلم ورفع الجهل عن نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، وهذا أصل الأصول؛ فالإخلاص سبيل النجاة، والسير في التعلم والتعليم بدون إخلاص سببٌ للفساد في العمل والعِلْم ومحق للبركة.
ثانيًا: معرفة حال المتعلّم:
ينبغي للمُعلِّم أن يعرف حال الطالب ومستواه في التعلُّم والفهم؛ حتى يعرف ماذا يحتاج من أصول العلم، ويعرف كيف يُوصِّل له المعلومة، فالطلاب يَختلفون في المستويات والمَدارك، فينبغي أن تُخاطَب كلّ فئة وفقًا لمستواها، فلا يُعلّم المبتدئ مسائل المتقدمين، ولا يُعلّم المنتهي مسائل المبتدئين، فلكلّ مقام مقال.
وعدم مراعاة ذلك الأمر يَجُرّ على الطلاب خطأً كبيرًا، ويُوقِعهم في مشكلات كبيرة، فتلقين المبتدئين ما لا يصلح لهم قد يُجرِّؤهم على إطلاق أحكام الكفر والفسق والبدع على الناس، دون أن يكون لديهم آليات ذلك من العلوم التي تُؤهِّلهم لهذا الأمر العظيم.
ثالثًا: لا يتصدَّر للتعليم إلا لمن لديه عِلْم:
منصات التواصل الحديث جعلت للجميع القدرة على التحدُّث في أمور الدين والتصدي للنصح والتعليم، وهذا خطر عظيم، مما فتح الباب على مصرعيه للقول على الله بلا علم، وإضلال الناس وإفتائهم بالشاذ من المسائل والضعيف من الأقوال.
فيجب ألّا يتحدّث في دين الله ولا يتصدر لتعليم الناس إلا مَن لديه عِلْم، ولو كان علمًا قليلاً. والمسألة التي لا يُحسنها المرء عليه أن يتجنَّب الخوض فيها؛ فالتحدُّث في دين الله وتعليم الناس دون تعلُّم مظنة للوقوع في إثم القول على الله بغير علم، ولقد حذَّر الله من ذلك؛ فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]؛ فلِعِظَم القول على الله بلا علم قرَنه بالشرك بالله.
وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦]؛ فتحريم الحلال كتحليل الحرام كلاهما مِن القول على الله بلا علم، فلْيحذر المسلم ذلك السبيل الخطر.
رابعًا: التركيز على ما يَنفع المتعلّم لا المعلم:
مِن الخلل أن يُلقي المُعلِّم العِلْم على بعض طلابه، لا لينفعهم، وإنما لينتفع هو بمذاكرة ما يُعلِّم، وقراءة ما لا ينشط لقراءته بمفرده، مع أن أكثر تلك المسائل تفوق أفهام طلابه وعقولهم، وهذا وإن كان فيه نفع للمعلم، إلا أنه خلاف للنُّصح للمسلم المأمور به شرعًا.
فالنصح للمتعلم يقتضي أن يُلقِّنه ما هو بحاجة إليه، ويقوى على فهمه واستيعابه، وقيام المُعلِّم -خلاف ذلك- بتعليمه ما هو فوق فَهْمه وعقله مُضِرّ بالطالب ويَحْمله على النفور من التعلم والعلم.
وفي هذا نوع من الغش للطالب، والشرع نهى عن الإضرار بالمسلم، فإن أراد المعلم مُدارَسَة العلم الذي لديه، فلْيطلب لذلك طلابًا يستوعبون ما لديه من علوم، ولْيضف لنية المذاكرة نية التعليم، فيزداد بذلك خيرًا على خير.
خامسًا: الحرص على تقريب العلم لأفهام طلابه:
ينبغي لكلّ مُعلِّم تعلُّم فنّ تقريب العلوم وتبسيط المسائل، وهذا الفنّ من أهم فنون التعليم، ومن أهمّ ما يُشجّع الطلاب على الأُنس بالعلم والترقّي في مداركه.
ومما يُعين على تقريب العِلْم: تصوُّر المعلّم للمسائل وإتقانها جيدًا قبل شرحها، ومذاكرتها مع نفسه مرارًا، وضرب الأمثلة كثيرًا، وتوضيح الغامض من الكلمات، فينبغي للمعلم كتابة درسه، ثم قراءته ليراه واضحًا قبل بثّه أم لا.
وبعد قيامه بإلقاء الدرس، يحرص على اختبار فَهْمهم، وذلك عَبْر سؤالهم عدة أسئلة؛ حتى يَعرف مدى صحة تصوُّرهم للمسائل، فمن أكبر الخلل الذي يكون لدى الطلاب التصوُّر الخاطئ للمسائل، فليحذر المعلم أن يكون سببًا في ذلك.
سادسًا: حُسن سياسة الطلاب:
وهذا باب مُهِمّ لكلّ مَن تصدَّى لتعليم الناس؛ فينبغي للمعلم معرفة فنّ سياسة الطلاب، فيعرف متى ينشطون فيُقبِل عليهم، ومتى يُعْرِضُون عن التلقي، فيَكُفّ عن التلقين، ولا ينبغي أن يقيسهم على نفسه، فقد تكون لديه همة في الثريا وهِمَم طلابه في الثرى.
ولْيتعلم السبل التي تُجدِّد نشاطهم، وتُشجّعهم على الطلب والترقي في العلم، ولْينصحهم بما يدفع عن نفوسهم السأم والملل، وليعلمهم سبل الترفيه المباحة، حتى يستعينوا بالراحة والترفيه على مواصلة الطلب.
سابعًا: التوسط بين تحصيل العلم والتصدر لتعليمه:
وردت نصوص عن السلف في التحذير من التصدُّر قبل التأهل، وهذه النصوص ينبغي أن تُفهَم على وجهها الصحيح بدون مبالغة، فينبغي أن يَفْهَم طالب العلم هذه المسألة جيدًا، فليحذر من أن يمكث في طلب العلم سنوات من غير أن ينفع الناس ولو بخطبة أو درس أو منشور على منصات التواصل؛ حذرًا من التصدر قبل التأهل، وقد يكون تعليم الناس سببًا لطلب العلم، فيحمله على البحث ومراجعة المسائل ومذاكرتها.
فإذا كان لديه عِلْم يثق بتعلمه له، فلا يتكاسل عن بثّه ونَشْره، ولكن باعتدال، فليعرف قَدْر نفسه، فلا يتصدّر للمسائل التي لا يُتقنها، ولا يغترّ بنفسه فيُقْحِم نفسه مكان العلماء الراسخين، فلا يتصدَّى للمسائل الكبار التي كان يجمع الفاروق لها أهل بدر.
ومع ذلك فلا ينغمس في الدعوة والتعليم حتى يمنعه ذلك من التعلم والسير في دروب التلقّي والمُضيّ في سبل تعلُّم العلم، فالنجاح في العلم لا يكون إلا لمن أعطى العلم كثيرًا من وقته مذاكرةً وبحثًا.
ثامنًا: اغتنام منصات التواصل في الدعوة والتعليم:
منصات التواصل الحديثة، -مثل: الواتساب والفيسبوك ومنصة إكس، واليوتيوب...-، من الغنائم الباردة في الدعوة والتعليم، استخدامها سهل وميسور، ووسيلة تصل للملايين، فصوت الداعية يصل لبقاع الأرض وهو في بيته.
لكن ينبغي الحذر في استخدام تلك الوسائل[5]، فالداعية عندما يتحدَّث لا يدري بجميع مَن يستمع له، فمستوياتهم وأفهامهم وعقولهم وثقافاتهم مختلفة، فينبغي أن يكون حديثه واضحًا ومحددًا دون لَبْس ولا غموض.
ولا يقول كلمة تحتمل معنيين، فليكن الخطاب واضحًا كالشمس يفهمه القاصي والداني والذكي والبليد، وليبعد عن المسائل المشكلة التي لا يفهمها جميع الناس، حتى لا تكون فتنة لبعض الناس.
وإذا أراد الحديث في قضايا محددة لا يستوعبها كلّ أحد فليكن ذلك الحديث في قنوات مغلقة، لا تصل إلا لمن يعرف مستواه في العلم والفهم.
في الختام، إنّ بثّ العِلْم النافع من أعظم الأعمال وأشرف المقامات، وهو وسيلة نجاح وسبيل للنهضة والترقي بالأُمَّة، فينبغي أن نعتني به وفقًا للحكمة وأُسس المنهج الإسلامي كما ذكرنا.
وفَّقنا الله واياكم لمرضاته.

[1] صحيح مسلم (٢٦٩٩).
[2] صحيح مسلم (٢٦٧٤).
[3] صحيح البخاري (٣٤٦١).
[4] أحكام أهل الذمة، طبعة عطاءات العلم، ٢/‏٣٥٥.
[5] ذكرتُ في مقال (حتى تكون منصات وتطبيقات التواصل وسائل دعوية ناجحة) عددًا من الضوابط المهمة؛ فليراجعها مَن شاء في العدد رقم 448 من مجلة البيان الغراء.
___________________________________________
الكاتب: أحمد نصيب علي حسين









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 140.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 135.64 كيلو بايت... تم توفير 4.94 كيلو بايت...بمعدل (3.51%)]