|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() فحقيقةُ الاستحياء من الله أن تحفَظ لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجَك عما حرَّم الله سبحانه وتعالى عليك، وإن الاستحياء من الله يشمل كذلك ألا تعصيه في خَلوتك، وقد قال بعض السلف: خَفِ الله على قدر قُدرته عليك، واستحي منه على قدر قُربه منك. وصدق من قال: وإذا خَلوتَ بِريبةٍ في ظُلْمَةٍ ![]() والنَّفْسُ داعيةٌ إلى الطُغْيانِ ![]() فاستحي من نظرِ الإلهِ وقُلْ لها ![]() إنَّ الذي خلقَ الظلامَ يَرَاني ![]() وإن من الحياء - عباد الله - أن تستحيي من الناس، فحياؤكَ من الناسِ يمنعك من أن تقع أعينُهم على ما يعيبونه عليك، وحياؤك من الناس يقودُكَ إلى رفعِ الأذى عنهم؛ قال ابنُ القيمِ رحِمَهُ الله: فالحياءُ هو من أعظمِ الأخلاقِ وأكْرَمِها؛ ذلك لأنه مصدرُ الفضائِلِ، فالولدُ يبرُّ بوالديهِ بسبب الحياءِ، وصاحِبُ الدارِ يُكْرِمُ ضيفَهُ بسبب الحياءِ، والعبدُ يفي بالموعدِ بسبب الحياءِ أيضًا، لذلك عندما سُئِلَ المصطفى عليه الصلاة والسلام قالَ: ((إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ))؛ رواه ابن ماجه وغيره من حديث أنس رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني. والحياء - عباد الله - مأثورٌ عن الأنبياء المتقدمين، وأن الناس توارَثوه عنهم قرنًا بعد قرن، ففي صحيح البخاري من حديث أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ)). ومن ثمرات الحياء العفة والوفاء، فمن اتَّصف بالحياء صار عفيفًا وفيًّا بعيدًا عن كل منقصة، قريبًا من كل فضيلة؛ قال الأحنف بن قيس رحمه الله: اثنتان لا تجتمعان أبدًا في بشر: الكذب والمروءة، ومن ثمرات المروءة الصدق والوفاء والعفة والحياء. ومع شيء من أقوال سلفنا الصالح في الحياء من الله تعالى: فهذا الأسود بن يزيد حينما احتُضِر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع؟! ومن أحق بذلك مني! والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز وجل، لأهَمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير، فيعفو عنه ولا يزال مستحيًا منه. وقال الحسن: لو لم نبكِ إلا للحياء من ذلك المقام، لكان ينبغي لنا أن نبكي فنُطيل البكاء. وأنشد بعضهم: يا حسرةَ العاصيين عند معادهم ![]() هذا وإن قدِموا على الجنات ![]() لو لم يكن إلا الحياءُ من الذي ![]() ستَر القبيح لكان أعظمَ الحسرات ![]() وأنشد أحدهم عند الإمام أحمد، فقال: إذا ما قال لي ربي ![]() أما استحييتَ تَعصيني ![]() وتُخفي الذنب مِن خَلقي ![]() وبالعصيان تأتيني ![]() فأمر الإمام أحمد رحمه الله بإعادتهما، ثم دخل داره وجعل يردِّدها وهو يبكي. وشهِد الفضيل رحمه الله الموقف بعرفة، فرفع رأسه إلى السماء، وقد قبَض على لحيته وهو يبكي بكاءَ الثَّكلى، ويقول: واسَوْأَتاه منك وإن عفوتَ. يا خَجلةَ العبد من إحسان سيده ![]() يا حسرةَ القلب من ألطاف معناه ![]() يا نفسُ تُوبي إلى مولاك واجتهدي ![]() وصابري فيه إيقانًا برُؤياه ![]() فاحذَر يا عبد الله مِن ترك الحياء، فقد كان مالك بن دينار يقول: ما عاقَب الله تعالى قلبًا بأشد من أن يُسلب منه الحياء. اللهم بارِك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله الحيي الستير الذي يحب الحياء والستر، أحْمده تعالى وأشكُره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بحراسة الفضيلة، ونهى عن الرذيلة، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كان أشدَّ حياءً من العذراء، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الغيورين على دينهم، وسلم تسليمًا كثيرًا.اعلموا - عباد الله - أن هذه الصفة الكريمة عظيمة الشأن رفيعة القدر، ويكفي لعظمها وجلالها أن الله سبحانه وتعالى متَّصف بها، فالحياء صفة من صفات الرحمن؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ))؛ رواه أبو داود والنسائي من يعلى بن أمية، وصحَّحه الألباني، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))؛ رواه أحمد وغيره من حديث سلمان رضي الله عنه وصححه الألباني. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وأما حياءُ الرب تعالى من عبده، فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام، ولا تكتنفه العقول، فإنه حياء كرم وبرٍّ وجود وجلال، فإنه تبارك وتعالى حييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردَّهما صفرًا، ويستحيي أن يعذِّب ذا شيبة شابت في الإسلام. قال حاتم الأصم: [تعاهَد نفسك في ثلاث: إذا عمِلت فاذكُر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكُر سمع الله منك، وإذا سكت فاذكُر علمَ الله فيك. ألا وصلُّوا - عباد الله - على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ الأربعة الرَّاشدين... اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم أجِرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إنا نسألك القصدَ في الفقر والغنى، ونسألك خشيتك في الغيب والشهادة. اللهم إنا نسألك عيشَ السُّعداء ونُزل الشهداء، ومرافقة الأنبياء والنصر على الأعداء. اللهم أصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعَل ولايتنا فيمن خافَك واتَّقاك واتبع رضاك، يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعملٍ، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل. اللهم ارحم موتانا واشفِ مرضانا، وتولَّ أمرنا واهدِ شبابنا. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |