|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية. سُورَةُ الرعد المجلد العاشر الحلقة( 385) من صــ 466 الى صـ 480 سورة الرعد (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) فصل: لفظة " إنما " للحصر عند جماهير العلماء وهذا مما يعرف بالاضطرار من لغة العرب كما تعرف معاني حروف النفي والاستفهام والشرط وغير ذلك لكن تنازع الناس: هل دلالتها على الحصر بطريق المنطوق أو المفهوم؟ على قولين والجمهور على أنه بطريق المنطوق والقول الآخر قول بعض مثبتي المفهوم كالقاضي أبي يعلى في أحد قوليه وبعض الغلاة من نفاته وهؤلاء زعموا أنها تفيد الحصر واحتجوا بمثل قوله: {إنما المؤمنون}. وقد احتج طائفة من الأصوليين على أنها للحصر بأن حرف " إن " للإثبات وحرف " ما " للنفي فإذا اجتمعا حصل النفي والإثبات جميعا وهذا خطأ عند العلماء بالعربية؛ فإن " ما " هنا هي ما الكافة ليست ما النافية وهذه الكافة تدخل على أن وأخواتها فتكفها عن العمل وذلك لأن الحروف العاملة أصلها أن تكون للاختصاص؛ فإذا اختصت بالاسم أو بالفعل ولم تكن كالجزء منه عملت فيه فأن وأخواتها اختصت بالاسم فعملت فيه وتسمى الحروف المشبهة للأفعال؛ لأنها عملت نصبا ورفعا وكثرت حروفها وحروف الجر اختصت بالاسم فعملت فيه وحروف الشرط اختصت بالفعل فعملت فيه بخلاف أدوات الاستفهام فإنها تدخل على الجملتين ولم تعمل وكذلك ما المصدرية. ولهذا القياس في ما النافية أن لا تعمل أيضا على لغة تميم ولكن تعمل على اللغة الحجازية التي نزل بها القرآن. في مثل قوله تعالى {ما هن أمهاتهم} و {ما هذا بشرا} استحسانا لمشابهتها " ليس " هنا لما دخلت ما الكافة على إن أزالت اختصاصها فصارت تدخل على الجملة الاسمية والجملة الفعلية فبطل عملها كقوله: {إنما أنت منذر} وقوله: {إنما تجزون ما كنتم تعملون}. وقد تكون ما التي بعد أن اسما لا حرفا كقوله: {إنما صنعوا كيد ساحر} بالرفع أي: أن الذي صنعوه كيد ساحر خلاف قوله: {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} فإن القراءة بالنصب لا تستقيم إذا كانت ما بمعنى الذي وفي كل المعنيين الحصر موجود لكن إذا كانت ما بمعنى الذي فالحصر جاء من جهة أن المعارف هي من صيغ العموم فإن الأسماء إما معارف وإما نكرات والمعارف من صيغ العموم والنكرة في غير الموجب كالنفي وغيره من صيغ العموم فقوله: {إنما صنعوا كيد ساحر} تقديره: أن الذي صنعوه كيد ساحر. وأما الحصر في " إنما " فهو من جنس الحصر بالنفي والاستثناء كقوله تعالى: {ما أنت إلا بشر مثلنا} {وما محمد إلا رسول}. والحصر قد يعبر عنه بأن الأول محصور في الثاني وقد يعبر عنه بالعكس والمعنى واحد وهو أن الثاني أثبته الأول ولم يثبت له غيره مما يتوهم أنه ثابت له وليس المراد إنك تنفي عن الأول كل ما سوى الثاني فقوله: {إنما أنت منذر} أي: إنك لست ربا لهم؛ ولا محاسبا؛ ولا مجازيا؛ ولا وكيلا عليهم؛ كما قال: {لست عليهم بمسيطر} وكما قال: {فإنما عليك البلاغ} {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة} ليس هو إلها ولا أمه إلهة بل غايته أن يكون رسولا كما غاية محمد أن يكون رسولا وغاية مريم أن تكون صديقة. وهذا مما استدل به على بطلان قول بعض المتأخرين: أنها نبية وقد حكى الإجماع على عدم نبوة أحد من النساء القاضي أبو بكر ابن الطيب والقاضي أبو يعلى والأستاذ أبو المعالي الجويني وغيرهم. وكذلك قوله تعالى {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} أي: ليس مخلدا في الدنيا لا يموت ولا يقتل بل يجوز عليه ما جاز على إخوانه المرسلين من الموت أو القتل {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} نزلت يوم أحد لما قيل أن محمدا قد قتل وتلاها الصديق يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا هذه الآية فكأن الناس لم يسمعوها حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنها فكان لا يوجد أحد إلا يتلوها. [فصل البرهان الثالث عشر " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " والجواب عليه] فصل قال الرافضي: " البرهان الثالث عشر: قوله تعالى: {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} [سورة الرعد: 7] من كتاب " الفردوس " عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا المنذر وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون». ونحوه رواه أبو نعيم، وهو صريح في ثبوت الولاية والإمامة ". والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا لم يقم دليل على صحته، فلا يجوز الاحتجاج [به]. وكتاب " الفردوس " للديلمي فيه موضوعات كثيرة أجمع أهل العلم على أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث، وكذلك رواية أبي نعيم لا تدل على الصحة. الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه ورده. الثالث: أن هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن قوله: «أنا المنذر وبك يا علي يهتدي المهتدون»، ظاهره أنهم بك يهتدون دوني، وهذا لا يقوله مسلم ; فإن ظاهره أن النذارة والهداية مقسومة بينهما، فهذا نذير لا يهتدى به، وهذا هاد [وهذا] لا يقوله مسلم. الرابع: أن الله تعالى قد جعل محمدا هاديا فقال: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم - صراط الله} [سورة الشورى: 52 - 53] فكيف يجعل الهادي من لم يوصف بذلك دون من وصف به؟! الخامس: أن قوله: " بك يهتدي المهتدون " ظاهره أن كل من اهتدى من أمة محمد فبه اهتدى، وهذا كذب بين ; فإنه قد آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خلق كثير، واهتدوا به، ودخلوا الجنة، ولم يسمعوا من علي كلمة واحدة، وأكثر الذين آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واهتدوا به لم يهتدوا بعلي في شيء. وكذلك لما فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة وغيرهم، كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من علي شيئا، فكيف يجوز أن يقال: بك يهتدي المهتدون؟! السادس: أنه قد قيل معناه: إنما أنت نذير ولكل قوم هاد، وهو الله تعالى، وهو قول ضعيف. وكذلك قول من قال: أنت نذير وهاد لكل قوم، قول ضعيف. والصحيح أن معناها: إنما أنت نذير كما أرسل من قبلك نذير، ولكل أمة نذير يهديهم أي يدعوهم، كما في قوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [سورة فاطر: 24] وهذا قول جماعة من المفسرين مثل قتادة وعكرمة وأبي الضحى وعبد الرحمن بن زيد. قال ابن جرير الطبري: " حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة، وحدثنا أبو كريب حدثنا [وكيع، حدثنا] سفيان، عن السدي، عن عكرمة. ومنصور عن أبي الضحى: " {إنما أنت منذر} {ولكل قوم هاد} " قالا: محمد هو المنذر وهو الهادي ". " حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: لكل قوم نبي. " الهادي " النبي والمنذر النبي أيضا. وقرأ: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [سورة فاطر: 24]. وقرأ: {نذير من النذر الأولى} [سورة النجم: 56] قال: نبي من الأنبياء. " حدثنا بشار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: " المنذر " محمد، " {ولكل قوم هاد} " قال: نبي. وقوله: {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم} [سورة الإسراء: 71] ; إذ الإمام [هو] الذي يؤتم به، أي يقتدى به. وقد قيل: إن المراد به هو الله الذي يهديهم، والأول أصح. وأما تفسيره بعلي فإنه باطل ; لأنه قال: {ولكل قوم هاد}، وهذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فيتعدد الهداة، فكيف يجعل علي هاديا لكل قوم من الأولين والآخرين؟! السابع: أن الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تأميره عليهم، كما يهتدى بالعالم. وكما جاء في الحديث الذي فيه: «أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم» " فليس هذا صريحا في أن الإمامة كما زعمه هذا المفتري. الثامن: أن قوله: {ولكل قوم هاد} نكرة في سياق الإثبات، وهذا لا يدل على معين، فدعوى دلالة القرآن على علي باطل، والاحتجاج بالحديث ليس احتجاجا بالقرآن، مع أنه باطل. التاسع: أن قوله: كل قوم صيغة عموم. ولو أريد أن هاديا واحدا للجميع لقيل: لجميع الناس هاد. لا يقال: (لكل قوم)، فإن هؤلاء القوم [غير هؤلاء القوم]، وهو لم يقل: لجميع القوم، ولا يقال ذلك، بل أضاف " كلا " إلى نكرة، لم يضفه إلى معرفة. كما في قولك: " كل الناس يعلم أن هنا قوما وقوما متعددين، وأن كل قوم لهم هاد ليس هو هادي الآخرين ". وهذا يبطل قول من يقول: [إن] الهادي هو الله تعالى، ودلالته على بطلان قول من يقول: " هو علي أظهر. (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال (15) قال أهل اللغة السجود في اللغة هو الخضوع وقال غير واحد من المفسرين أمروا أن يدخلوا ركعا منحنين فإن الدخول مع وضع الجبهة على الأرض لا يمكن وقد قال تعالى: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس} وقال تعالى: {ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} ومعلوم أن سجود كل شيء بحسبه ليس سجود هذه المخلوقات وضع جباهها على الأرض. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر لما غربت الشمس: {إنها تذهب فتسجد تحت العرش} رواه البخاري ومسلم. فعلم أن السجود اسم جنس وهو كمال الخضوع لله وأعز ما في الإنسان وجهه فوضعه على الأرض لله غاية خضوعه ببدنه وهو غاية ما يقدر عليه من ذلك. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد} وقال تعالى: {واسجد واقترب}. وقال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -: وفسرت طائفة " الكره " بأنه جريان حكم القدر فيكون كالقول قبله والصحيح أنه انقيادهم لحكمه القدري بغير اختيارهم، كاستسلامهم عند المصائب وانقيادهم لما يكرهون من أحكامه الشرعية فكل أحد لا بد له من انقياده لحكمه القدري والشرعي فهذا معنى صحيح. قد بسط في غير هذا الموضع. (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل ... (17) ضرب الله المثل لما ينزله من الإيمان والقرآن بالماء الذي ينزل في أودية الأرض وجعل القلوب كالأودية: منها الكبير ومنها الصغير كما في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا: فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها طائفة أمسكت الماء فسقى الناس وشربوا وكانت منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء فلا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به من الهدى والعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به} فهذا أحد المثلين. و " المثل الآخر " ما يوقد عليه لطلب الحلية والمتاع: من معادن الذهب والفضة والحديد ونحوه وأخبر أن السيل يحتمل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار زبد مثله ثم قال: {كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد} الرابي على الماء وعلى الموقد عليه فهو نظير ما يقع في قلوب المؤمنين من الشك والشبهات في العقائد والإرادات الفاسدة كما شكاه الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فيذهب جفاء} يجفوه القلب فيرميه ويقذفه كما يقذف الماء الزبد ويجفوه {وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} وهو مثل ما ثبت في القلوب من اليقين والإيمان. كما قال تعالى: {مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة} الآية إلى قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} فكل ما وقع في قلب المؤمن من خواطر الكفر والنفاق فكرهه وألقاه ازداد إيمانا ويقينا كما أن كل من حدثته نفسه بذنب فكرهه ونفاه عن نفسه وتركه لله ازداد صلاحا وبرا وتقوى. (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب (28) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب (29) ليس في الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به، ويتنعم بالتوجه إليه؛ إلا الله سبحانه؛ ومن عبد غير الله وإن أحبه وحصل له به مودة في الحياة الدنيا ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التذاذ أكل طعام المسموم {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} فإن قوامهما بأن تأله الإله الحق فلو كان فيهما آلهة غير الله لم يكن إلها حقا؛ إذ الله لا سمي له ولا مثل له؛ فكانت تفسد لانتفاء ما به صلاحها، هذا من جهة الإلهية. وأما من جهة الربوبية فشيء آخر؛ كما نقرره في موضعه. واعلم أن فقر العبد إلى الله أن يعبد الله لا يشرك به شيئا، ليس له نظير فيقاس به؛ لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الطعام والشراب؛ وبينهما فروق كثيرة. فإن حقيقة العبد قلبه وروحه، وهي لا صلاح لها إلا بإلهها الله الذي لا إله إلا هو: فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره: وهي كادحة إليه كدحا فملاقيته ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بلقائه. ولو حصل للعبد لذات أو سرور بغير الله فلا يدوم ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت وفي بعض الأحوال، وتارة أخرى يكون ذلك الذي يتنعم به والتذ غير منعم له ولا ملتذ له، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده، ويضره ذلك. وأما إلهه فلا بد له منه في كل حال وكل وقت، وأينما كان فهو معه؛ ولهذا قال إمامنا (إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم {لا أحب الآفلين}.وكان أعظم آية في القرآن الكريم: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. وقد بسطت الكلام في معنى القيوم في موضع آخر، وبينا أنه الدائم الباقي الذي لا يزول ولا يعدم، ولا يفنى بوجه من الوجوه. واعلم أن هذا الوجه مبني على أصلين: أحدهما: على أن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان، وكما دل عليه القرآن؛ لا كما يقول من يعتقد من أهل الكلام ونحوهم: أن عبادته تكليف ومشقة. وخلاف مقصود القلب لمجرد الامتحان والاختبار؛ أو لأجل التعويض بالأجرة كما يقوله المعتزلة وغيرهم؛ فإنه وإن كان في الأعمال الصالحة ما هو على خلاف هوى النفس - والله سبحانه يأجر العبد على الأعمال المأمور بها مع المشقة، كما قال تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: {أجرك على قدر نصبك} - فليس ذلك هو المقصود الأول بالأمر الشرعي، وإنما وقع ضمنا وتبعا لأسباب ليس هذا موضعها، وهذا يفسر في موضعه. ولهذا لم يجئ في الكتاب والسنة وكلام السلف إطلاق القول على الإيمان والعمل الصالح أنه تكليف كما يطلق ذلك كثير من المتكلمة والمتفقهة؛ وإنما جاء ذكر التكليف في موضع النفي؛ كقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. {لا تكلف إلا نفسك} {لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} أي وإن وقع في الأمر تكليف؛ فلا يكلف إلا قدر الوسع، لا أنه يسمي جميع الشريعة تكليفا، مع أن غالبها قرة العيون وسرور القلوب؛ ولذات الأرواح وكمال النعيم، وذلك لإرادة وجه الله والإنابة إليه، وذكره وتوجه الوجه إليه، فهو الإله الحق الذي تطمئن إليه القلوب، ولا يقوم غيره مقامه في ذلك أبدا. قال الله تعالى: {فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا} فهذا أصل. (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد (33) قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -: فصل في قوله تعالى {وجعلوا لله شركاء قل سموهم} قيل المراد سموهم بأسماء حقيقة لها معان تستحق بها الشرك له والعبادة فإن لم تقدروا بطل ما تدعونه. وقيل: إذا سميتموها آلهة فسموها باسم الإله كالخالق والرازق فإذا كانت هذه كاذبة عليها فكذلك اسم الآلهة وقد حام حول معناها كثير من المفسرين فما شفوا عليلا ولا أرووا غليلا وإن كان ما قالوه صحيحا. فتأمل ما قبل الآية وما بعدها يطلعك على حقيقة المعنى فإنه سبحانه يقول: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} وهذا استفهام تقرير يتضمن إقامة الحجة عليهم ونفي كل معبود مع الله الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت بعلمه وقدرته وجزائه في الدنيا والآخرة. فهو رقيب عليها حافظ لأعمالها مجاز لها بما كسبت من خير وشر. فإذا جعلتم أولئك شركاء فسموهم إذا بالأسماء التي يسمى بها القائم على كل نفس بما كسبت فإنه سبحانه يسمى بالحي القيوم المحيي المميت السميع البصير الغني عما سواه وكل شيء فقير إليه ووجود كل شيء به. فهل تستحق آلهتكم اسما من تلك الأسماء؟ فإن كانت آلهة حقا فسموها باسم من هذه الأسماء؛ وذلك بهت بين؛ فإذا انتفى عنها ذلك علم بطلانها كما علم بطلان مسماها. وأما إن سموها بأسمائها الصادقة عليها كالحجارة وغيرها من مسمى الجمادات وأسماء الحيوان التي عبدوها من دون الله كالبقر وغيرها وبأسماء الشياطين الذين أشركوهم مع الله جل وعلا وبأسماء الكواكب المسخرات تحت أوامر الرب والأسماء الشاملة لجميعها أسماء المخلوقات: المحتاجات المدبرات المقهورات. وكذلك بنو آدم عبادة بعضهم بعضا فهذه أسماؤها الحق وهي تبطل إلهيتها؛ لأن الأسماء التي من لوازم الإلهية مستحيلة عليها؛ فظهر أن تسميتها آلهة من أكبر الأدلة على بطلان إلهيتها وامتناع كونها شركاء لله عز وجل. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |